شط إسكندرية شط الهوى... قراءة لكتابة عبر نوعيةبقلم / أحمد إبراهيم أحمددراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(374 )
مشــــــــروع و رشـــــــــــــــة النـــقــــد للســــــرد الــــــروائـــــي
نموذجًا
سباعية الكاتب السيد حافظ الجزء السادس { ما أنـا بكاتب }
التجريب وجماليات البناء السردي في الرواية العربية
نموذجًا
رواية " ما أنا بكاتب "
للكاتب السيد حافظ
جمع وإعداد
الدكتورة/ نجاة صادق الجشعمى
شط إسكندرية شط الهوى... قراءة لكتابة عبر نوعيةبقلم / أحمد إبراهيم أحمد
ولد السيد حافظ عام 1948 وكان رئيساً لاتحاد طلاب
مصر في ستينيات القرن الماضي، وعضواً في منظمة الشباب الاشتراكي، حصل على الجائزة الأولى
في التأليف المسرحي بمصر عام 1970م قبل أن يتخرج من كلية التربية جامعة الإسكندرية
تخصص فلسفة و اجتماع عام 1976م.
عمل كأخصائي مسرح بالثقافة
الجماهيرية بالإسكندرية؛ ثم محرراً في مجلة صوت الخليج الكويتية، فجريدة
السياسة الكويتية؛ كما - عمل بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وحصل على
جائزة أحسن مؤلف عمل مسرحي موجه للأطفال في الكويت عن
مسرحية سندريلا عام 1983؛ ثم أصبح رئيساً لتحرير مجلة
رؤيا في مصر، وهو عضو اتحاد كتاب مصر، واتحاد الكتاب العرب، ونقابة
المهن التمثيلية، وعضو نقابة المهن السينمائية، ونادي القلم الدولي فرع مصر، كما
عمل مديراً لمركز الوطن العربي للنشر والإعلام رؤيا.
حصل على منحة تفرغ من وزارة
الثقافة بصفته رائداً من رواد المسرح المصري، وعضو شرف في المنظمة الأمريكية
للتربية المسرحية بجامعة أريزونا الأمريكية، فقد نُشر له سبعة أعمال
مسرحية باللغة الإنجليزية... له إصدارات عديدة مطبوعة سواء مسرحيات للكبار، أو الأطفال،
أُخرج العديد منها في مصر والدول العربية؛ إضافة لإخراجه عدد من مسرحيات كبار
الكتاب العرب والعالميين، ويعتبر من مؤسسي جماعات المسرح التجريبي، ونشرت
أعماله في الصحف والمجلات العربية، وشارك في المهرجانات المسرحية
والثقافية المصرية والعربية، وله باع في تأليف المسلسلات التليفزيونية والإذاعية،
قدمتها التليفزيونات والإذاعات المصرية والعربية، وهو من قلة الكتاب الذين دُرست أعمالهم
أكاديمياً في الجامعات العربية، وحظيت هذه الأعمال بالعديد من الدراسات النقدية.
ويتميز السيد حافظ بجرأة شديدة
في البوح بمشاعره؛ مما أدى به إلى صراعات كثيرة مع شخصيات متفاوتة الأهمية، ورغم
تواجده كثيراً بالقاهرة؛ إلا أنه ظل حريصاً على موقعه بالإسكندرية لا يغادره إلا
لضرورة، ولا يستطيع التحرر من عشق الوطن المتسيد على مشاعره رغم قراءته الثقافية
العميقة لقسوة هذا الوطن على أبنائه!
"مصر وما أدراك ما مصر أرض
النخبة النادرة من العلماء والعلماء، والغالبية من الأغبياء، ومصر مهد وقبلة
الأنبياء، ومن صنعت الكذب والأدعياء... مصر أسطورة المكان وغريبة الزمان."([1])
"مصر وما أدراك ما مصر...
أرض سحر وسحرة... أرض خير ليس له مثال... عبقرية الاحتواء لكل الجنسيات، ولكن
العدل فيها غائب، والظلم فيها حاضر، وأرض أمان واستقرار، وأرض جنون وأعراب وسرقة
واحتيال. "([2])
"هي مصر التي لا يفهمها
أحد ملكة التنوع الفريد العجيب الغريب. "([3])
"عذرا سيدتي ماذا اكتب عن
حرب أكتوبر 1973 رأيت الوطن يضاجع الفقراء، ويقدمهم ضحايا وشهداء في سيناء؛ وعندما
انتصروا ترك لهم سرواله الداخلي، ليصنعوا منه اوسمة وشهادات تقدير واعلام؛ اما الأغنياء،
فجلسوا على عرش مصر، وباعوها لكل الغرباء باسم الانفتاح والانفشاخ، والخصخصة،
والمصمصة، ونشروا للشباب حبوب الهلوسة... وطني لا يحب الفقراء... وطني نذل مع
الشهداء والشرفاء وانا برئ ونادم لأني كنت من الاغبياء الفقراء وانت خير النساء...
لا تعتبي علىّ."([4])
بعدما قدم مشروعات مسرحية
متنوعة في معظم الأشكال المسرحية، أراد أن يمزج الرواية بالمسرح فكتب مشروعاً
" للمسرواية " حاول فيه الجمع بين السرد الروائي والمسرحي في سباعية
روائية (قهوة سادة – كابتشينو –شاى أخضر... شاى بالياسمين-كل من عليها خان-حتى
يطمئن قلبي-ما أنا بكاتب- لو لم أعشقها) فهو بعتقد أن هذا زمن الرواية.
رواية شط
إسكندرية يا شط الهوى
جاءت رواية شط إسكندرية يا شط
الهوى التي انتهى الكاتب منها مع نهاية عام 2017م في مقاس A5 المعدل (قطع
جائر) في 228 صفحة يحتل منها النص السردي 189 صفحة، تليها دراسة من ابنة الكاتب
بعنوان "في قدسية حرم أبي" من ص 190 حتى صفحة 214 ثم ببليوجرافيا عن
الكاتب وأهم أعماله في المسرح والرواية من ص 215 حتى صفحة 226 ثم فهرس الكتاب.
الإخراج
الفني
يتميز الكتاب بغلاف للفنان
التشكيلي ماهر جرجس، تحتل امرأة غالبيته في وضع الانحناء؛ مرسومة بدرجات اللون
الأحمر الساخن مع لمسات إضافية من ألوان قوس قزح، تحنو على طفل مرسوم بدرجات اللون
الأخضر، وكلاهما قدميه في الماء الذي يطفو فوقه مركبين، ومرسوم به سمكة (إشارة
للسيد المسيح عليه السلام) في إشارة واضحة لعلاقة الوطن بأبنائه.
منهج
القراءة
تحاول هذه الدراسة تفكيك شط
إسكندرية يا شط الهوى للتعرف على العناصر الصانعة للسرد من حيث بنية الكتابة،
وموضوعاتها.
الجنس
الإبداعي، و حبكة السرد
تستفيد قصة السرد من خبرة
الكاتب الدرامية في صنع حبكة، تنمو من البداية للنهاية دون أن تختل البنية السردية
للحكاية الدرامية، فيجد القارئ نفسه أمام فصول تبدأ كالمشهد السينمائي أو
التلفزيوني بتوصيف الزمان والمكان، ويبنى الكاتب حبكة تأخذ بنية المثلث الأرسطي في
الحكاية الرئيسية والحكايات الفرعية من بداية، وتأزم، وانفراج، ويستخدم تقنية
الحوار أحياناً والتعليق على الحدث من الخارج باستشهادات تاريخية، مُختارة بعناية
لتأكيد وجهة نظر الكاتب الذي لا يُغفل ذكر مصادرها.
السرد
يمثل السرد جزءاً حيوياً من التراث
الإنساني المعرفي، فهو خزان الذاكرة الجمعية في كل الثقافات بكل آلامها وآمالها
ومتخيلاتها كتراث إنساني، هذا ولم يحظَ مصطلح السرد بتوضيح كاف، ولا زال استخدامه
يتم – غالباً - بالتبادل مع أشكال مختلفة؛ رغم أهمية التمييز العملي بين أشكال
الخطاب السردي.
ويوضح تحليل الخطاب علاقة بنيوية
مهمة بين أجناس السرد المختلفة، والمحكيات الكبرى التي تضم العديد من الحكايات المرتبطة
ارتباطاً ثقافياً وطيداً بالمفاهيم العقائدية/الدينية والتي تجيب بهذه المفاهيم عن
أسئلة كونية للمؤمنين، تساعدهم ليكونوا أصحاب عقيدة إيمانية.
ويمكن التعرف بسهولة في العمل
السردي شط إسكندرية يا شط الهوى على تقنية، تعكس امتلاك الكاتب خبرات سرد نوعية
وثقافة عامة وتاريخية مؤرقة، وفهم حرفي لتقنيات السرد في أشكاله المختلفة التي
مارس أغلبها كسيناريست، ومسرحي، وروائي، فتبدو الكتابة سيالة من الوهلة الأولى رغم
تداخل تقنيات الكتابة، ويوضح قليل من التأمل ذهنية كاتب عقلانية عميقة الدلالات
السيميائية، فيتخفى البوح وراء سرد بريء الظاهر في بعض المقاطع، فنراه يستخدم
تقنية السيناريو للفصل بين المقاطع السردية منذ البداية حتى النهاية، كما يستخدم
مقاطع حوارية متنوعة الكثافة سواء من حيث الدلالة أو الحجم لدفع الأحداث، ويصنع
بنيةً ملحميةً يستدعي فيها تقنية السرد في ألف ليلة وليلة، فيستحضر شهر زاد لتحكي
كسارد عليم من خارج الحدث.
وتساهم هذه التقنية التي تستخدم
أكثر من شكل سردي في صنع حكاية ذات خصائص ملحمية، تمزج الزمان والمكان في زمكان
لصنع تاريخ سردي، مستشهدةً بوثائق تاريخية، تعرض ثقافة مرحلة معينة من تاريخ مصر
من خلال بيئة سكندرية خالصة تتميز بخصائص كوزموبوليتانية.
لغة السرد
تعبيرية سلسة سهلة الفهم؛ جيدة
التوصيل، لا تميل للحيل المجازية، وتنحو للمباشرة بدقة إملاء، وسلامة قواعد نحوية،
تُحسب للعمل الذي لم يخل العمل من بعض الهنات اللغوية، حيث لا تلتزم صياغة الجملة
دوماً بالجملة الفعلية كما هو مفترض في اللغة العربية، ويبدو أن هذه الهنات نتيجة
عدم المراجعة من المطبعة بمعرفة مراجع لغوي محترف كما هو مفترض.
الحوار
يمثل الحوار مكوناً عضوياً من
مكونات هذا العمل بعض أجزاءه بالفصحى، وأخرى بالعامية، وأغلب أجزاءه باللغة
البيضاء التي تقع بين الفصحى والعامية، ويتميز بعدم وجود حوارات طويلة بل جمل
حوارية رشيقة، لا تُسبب إملالاً أو إرباكاً للقارئ، وتصنع تشويقاً تتسم به
الحوارات الدرامية الجيدة.
"دخل خليل الحلو الدكان...
-
السلام عليكم.
رفع رأسه نافع ببرود:
-
وعليك السلام... نعم.
-
أنا تاجر دهب وعاوز افتح محل في الصاغة معاكم وقالوا لي أنك كبير هنا في
السوق.
-
أنا لا كبير ولا حاجة... تشرب إيه؟ قهوة؟
-
يا ليت." ص 160
التناص
يستحضر الكاتب حكايات تاريخية،
يتناص معها ويستشهد بها في مواقع مختلفة من السرد، فيقتبس نصوصاً أو ينقل أخباراً
تاريخية من مصادر يذكرها، ليكون استشهاده بالتاريخ الماضي عنصراً موازياً لأحداث
السرد من جهة، ولإسقاطه على الواقع من جهة أخرى (ص 180 رحلات بيرتون إلى مصر
والحجاز).
"بيرتون فهم أن عباس حلمي
يبدو به خلل عقلي فحكمه غريب الأطوار، شاذاً في حياته، كثير التطير، فيه ميل
للقسوة، سيء الظن بالناس ولهذا كان كثير ما يأوي إلى العزلة، ويحتجب بين جدران
قصوره." ص65
الزمن في
شط إسكندرية شط الهوى
قسم الناقد اميل بنفنسنت Émile Benveniste([5]) الزمن إلى
ثلاثة أزمنة هي زمن كرونولوجي طبيعي: يسهل على الانسان قياسه، وزمن الحدث: وتحدث فيه
أحداث السرد كوقـائع متتالية؛ وهـذان الزمنـان متشابهان ذاتيـاً وموضوعياً في
السرد بشط إسكندرية حيث الزمن الذي تروي فيه شهرزاد الحدث منفصل عن زمن حكاية
البنات الثلاث سلمى، وسيرين، وسارة ورغم ذلك فالزمن في الحالتين هو زمن كرونولوجي
غير متشظ، ثم الزمن اللغوي المرتبط بالخطاب، وتقوم فيه شهر زاد بسرد وقائع الحكاية
كحكاء (سارد عليم) وظيفته التواصل؛ ومنبعه زمن السرد (الحاضر) لكن يتلامس مع أحداث
السرد غير المعاصرة له، فتستدعيه ذاكرة شهر زاد من الماضي، كونه تاريخ غير متحقق
حضوره في الواقع رغم أنه عنصر محوري تتراتب فيه أحداث السرد وتستمر، لصنع التشويق،
وينقسم لزمن السرد الذي صاغ فيه الكاتب أحداث عمله الإبداعي ويعكسه زمن حكي
شهرزاد، وزمن الأحداث السردية التي تتم داخل العمل السردي ذاته (تاريخ الفتيات
الثلاثة).
تشظي الزمن
Time fragmentation/ الزمن السلبي / الكاذب
تأخذ غالبية أزمنة السرد شكلاً
خطياً، يتتابع منطقياً، ليحاكي الواقع الخارجي، ويستخدم تعبير (تشظي) للتعبير عن
خرق هذا النظام الكرونولوجي الخطي لتوالي أزمنة السرد؛ بغرض التعبير عن انتقال
الأحداث السردية بين الماضي، والحاضر، والحلم بالمتوقع في المستقبل؛ دون الالتزام
بالمنطق العادي لمرور الزمن، ؛ فيتلاعب الكاتب بالزمن لتشظيته بالعودة بالأحداث
للوراء غرض الإثارة، واستعادة احداث مضت بالنسبة للحدث السردي الآني، من خلال
تقنيات محددة لمعرفة الزمن هي (الخلاصة، الاستراحة، القطـع، المشهد، التناوب،
الانتقال، الاستغـراق، المسافـة، الصيغـة، الحدث، المنظـور، التبئير) ويطلق جان
جينيه تسمية (الترتيب الزمني) على ترتيب أحداث، أو مقاطع الخطاب السردي من خلال
تتابع هذه الأحداث، أو المقاطع الزمنية في النص.
وشكل عنصر الزمن في شط إسكندرية
– الذي هو جزء من بنية السرد الحديث- عنصراً من عناصر بناء الإيقاع السردي
للتشويق؛ بتجاوز الشكل الأحادي الخطي للزمن إلى مستويات وأنساق زمنية متعددة
ومختلفة، تتسم أحياناً بالاتساق، وتجادل بعضها البعض أحياناً أخرى، وقد تنتظم أو
تتعارض، وتتصل أو تنفصل، وترتبط بالمكان خارج، أو داخل السرد في علاقات زمكانية
متنوعة، لا تلتزم بالموضوعية في التراتب، وقد يٌطرح الزمن السردي عبر وجهة نظر
تاريخية أو فلسفية، ويستعين الكاتب بالتراث لتحقيق ذلك كما في استحضاره لشخصية شهر
زاد لتكون راوية لحدث في زمان مختلف عن زمن الحكاية، أو بتقديم حالة زمكانية تعترض
الزمن التقليدي كما في صفحة 52 حين ينتقل بالأحداث إلى قصر الخرنفش ليقدم حواراً
مسرحياً شديد الأهمية، للتعبير عن حالة تاريخية مصرية في بدايات القرن التاسع عشر،
تتناص مع واقع نعيشه الآن؛ حيث التناص استشهاد بالتاريخ للحكم على الحاضر.
"يدخل الأمير سعيد على
الديوان حيث يجلس (الخديوي عباس حلمي) وهو في حالة غضب وضيق، يلمح عباس ذلك في عين
عمه:
-
خيراً أيها العم العزيز؟
-
بلغني أنك أغلقت المدارس المدنية كلها في مصر... هل هذا صحيح؟
-
وما العيب في ذلك يا عماه؟
-
هل التعليم حرام؟ أجبني.
يضحك عباس ساخراً:
-
التعليم مشكلة يحتاج إلى أموال كثيرة تجهدنا والدولة مديونة."
المكان
الثابت والمتحول في شط إسكندرية شط الهوى
هناك ثلاثة أماكن رئيسية في هذا
العمل أولها مكان غير محدد حيث تروي شهر زاد حكاية البنات الثلاثة، وثانيها مدينة
الإسكندرية، وثالثهما مدينة رشيد.
تتفرع من المكان الثاني والثالث
أماكن فرعية كالصاغة في الإسكندرية، وسوق السمك في رشيد، لتستفيد صياغات المكان
والانتقال بينه من خبرة الكاتب في كتابة السيناريو حيث ينتقل بين الأماكن والأزمنة
بلا جهد بمجرد الإشارة في مقدمة الفقرة للزمان والمكان، تأسياً بصيغة كتابة السيناريو،
تيسيراً على مساعدي الإنتاج لجمع الأمكنة الواحدة تسهيلاً للتصوير، وتقليلاً
لتكلفة الإنتاج بغض النظر عن تتالي الأحداث في الزمن؛ حيث الاهتمام بالزمن من مهام
المونتير الذي يضع الأحداث مرتبة في أزمانها السردية أثناء قيامه بالمونتاج.
تؤكد هذه التقنية في التعامل مع
المكان، وصياغة الأزمنة قدرة الكاتب على صنع زمكان سردي لخبرته بأشكال فنية وسردية
متعددة، تمكنه من إنتاج سرد يستفيد من هذه الأجناس الفنية دون خرق للقواعد الفنية
المتعارف عليها بل إثراءً لها.
شخصيات
السرد
تتحكم ثقافة الكاتب في شخصيات
السرد، لتعكس صوراً للحياة من خلال بنيات متباينة ذات أنماط منوعة تعكس تطور
الشخصية خلال زمن الأحداث التي يقوم السرد برصدها ومحور هذه الشخصيات ثلاث فتيات
من ثلاث ديانات مختلفة في سن متقاربة (المسلمة سلمى، والقبطية سيرين، واليهودية
سارة) يعشن في بيئة ثقافية متعددة الثقافات والأعراق، ويأخذنا السرد معهن وهن
يتحولن مع تحول المجتمع بمرور الزمن؛ ومن خلال علاقتهن العاطفية في إطار اجتماعي
خاص بكل ديانة من ديانتهن؛ مما يؤدي لتشتتهن في النهاية بعد اجتماع في إشارة
سيميائية بالغة الدلالة، تعبيراً عن التحول الثقافي الاجتماعي في المجتمع المصري
من التعايش مع الآخر، وقبوله السقوط في بئر العنصرية الدينية التي فرقت المجتمع،
وأصابته في مقتل.
الشخصية الرئيسية الأخرى رغم
محدودية حجمها السردي هي شخصية الإنجليزي بيرتون الذي يتحول بقدرة قادر على أيدي
الأفاق (حمدان) إلى (الشيخ عبد الله ميرزا) الولي من أولياء الله الصالحين والذي
تتم رسامته على يد الشيخ سراج أمام الجمهور الزائر لمولد المرسى أبي العباس في
إعلان درامي، لتتوالى أحداث السرد في الفصول التالية لتصف لنا كيف يصنع المجتمع
الكذبة، ويصدقها؛ حيث يتواتر المرضى؛ كذا النسوة الراغبات في الحمل على الشيخ مرزا
والمدهش أن الوهم يتحول لحقيقة نتيجة المبالغة في وصف معجزات الرجل.
وتأتي الشخصيات الفرعية
(الآباء، والأمهات، والأخوة، والأزواج، والعاشق... الخ) لتصنع ما يشبه المربعات
الفارغة في فسيفساء السرد حيث تقوم بصنع الفراغات التشكيلية التي تتحرك فيها
الشخصيات الرئيسية، وتبرز وجودها ككتل سرد تشكيلية تساهم في تعميق الأحداث؛ دون أن
تشكل عبئاً على السرد أو تعيق سير حكاية/حكايات البنات الثلاث التي تشكل حكاية وطن
في زمن ومكان مضيا.
الأبعاد
التعبيرية في السرد
البعد
الأخلاقي
ينحاز الكاتب لقيم الحق والخير
والعدل، ويرى أن الدين وجد لتحقيقها وأن الفساد القيمي لا تصلحه المواعظ
الكهنوتية؛ ويقومه الالتزام الأخلاقي الذاتي من الأفراد الذين يرى عدم تبني أغلبهم
لهذه القيم الأخلاقية، فيقدم شخصية (حمدان) كنموذج للأفاق الذي لا يتورع عن خداع
كافة الناس تحقيقاً لمصلحته المحدودة، كما يقدم نموذجاً آخراً (خليل الحلو) صديق
زوج سلمى الذي يحاول إغواءها، ثم يتراجع ويستقيم سلوكه، فيتزوجها في إشارة أخلاقية
غير مباشرة من الكاتب إلى أن هناك من السلوك السلبي ما يمكن إصلاحه.
البعد
الروحي
يمثل الدين بالنسبة للسيد حافظ
مكوناً أساسياً من مكونات الوجود الإنساني، دون أن ينحاز لعقيدة بعينها، ويعتبر
اختيار الإنسان لعقيدته أمراً شخصياً، لا يجب تدخل الآخر فيه، فهو يعتبر الإيمان
بإله، وممارسة الطقوس الدينية جزء من الحياة الطبيعية للبشر.
ويسخر في نفس الوقت من الأفاقين
الذين يستغلون إيمان البسطاء، فيصنعون لهم نموذجاً وهمياً للولي كما فعل
(حمدان)حين قدم بيرتون لأبناء بحري باعتباره الشيخ ميرزا ليتهافت عليه الرجال
والنساء سواء بالعطايا، وبالمسائل التي تحتاج لحل أو معجزة، ومدركاً في نفس الوقت
لإدراك السلطة السياسية لتأثير الفكر الديني على المجتمع فيقول في ص179:
"سعيد كان يراقب الضباط
المصريين، فكان من يجده يصلي كثيراً يفصله من الجيش خوفاً من انتشار حركة دينية في
صفوف الجيش فتقضي على الأسرة العلوية."
هو تناص آخر مع التاريخ، وإسقاط
من الماضي على الحاضر، يوضح علاقة السلطة بالفكر الديني الذي تستخدمه حين يكون في
خدمتها، وتلفظه حين يهدد مصالحها.
البعد
الإنساني
يعتبر قبول الآخر من أهم
الرسائل التي يبثها الكاتب في عمله السردي هذا حيث يبني سرده على العلاقة بين
ثلاثة أطراف يمثلون التنوع العقائدي (مسلم – مسيحي - يهودي)، صانعاً ضفيرة من
العلاقات تؤكد على إمكانية التعايش السلمي بين الناس على قواعد بسيطة من العلاقات
الإنسانية دون جنوح للتطرف، وإصدار الأحكام القيمية على الآخر بناءً على معتقده
الديني، يقول في (ص 34):
"في كل أحد بعد خروج سيرين
مع أبيها وأمها من الكنيسة، لابد وأن تزور إما سلمى أو سارة، فهي تنتقل من الجو
المسيحي إلى الجو الإسلامي، أو اليهودي... المصريون وما أدراك من هم... هم قبول
التنوع والمزج فيه...هم عبقرية القبول بلا قوانين.".
البعد السيكولوجي
يتبنى الكاتب وشخصياته الفنية
بعداً سيكولوجياً اجتماعياً، لا ينحاز لثقافة المركزية الذكورية Androcentric كأساس
مركزى لروية مركزى لرؤية الإنسان
للعالم ، والثقافة ، والتاريخ مقابل المركزية الأنثوية Gynocentric.
ويتتبع السيد حافظ التاريخ
عامة، والقريب خاصة في حالة من حالات الحنين للماضي Nostalgia لتأكيد انحيازه لقيم المساواة بين الرجل والمرأة وحق المرأة في
تحقيق ذاتها متمثلاً في هرب البطلة المسلمة (سلمى) من زوجها ابن عمها بسبب سوء
المعاملة، ثم اختيارها لنمط حياة مختلف مع رجل آخر في تأييد واضح لحق الأنثى في
اختيار شريك حياتها بعيداً عن الضغوط الاجتماعية والأسرية خاصة.
البعد
الاقتصادي
توحي كتابة السيد حافظ بموقف
إيجابي من العدالة الاجتماعية؛ دون جنوح لموقف متطرف؛ بل موقفه يكاد يكون
إصلاحياً؛ يرى حقوقاً للفقراء والبسطاء في ثروة المجتمع، وأن تركيز الثراء في فئة
من المجتمع هو مجافاة للقواعد التي سنها الخالق لكونه، وأن العدالة الاقتصادية
توجب إنصاف الطبقات الأقل حظاً اقتصادياً، فلهم حقٌ في ثروة المجتمع، ويرى بوضوح
أن الواقع الاقتصادي للمجتمع نتيجة جدل بين السياسة والاقتصاد، وأن كلاهما يؤثر في
الآخر وعلى الطبقات الشعبية طبقاً لموقعها الطبقي، فنجد مثلاً أن مشاكل طبقة
التجار الاقتصادية تتفاوت من حيث طبيعة الممارسة الاقتصادية؛ حيث قيمة تجارة
المعادن النفيسة اقتصادياً تضع أصحابها في موقع اقتصادي واجتماعي متقدم مقارنة
بغيرها.
البعد
الاجتماعي
يبرز على امتداد السرد إشكالية
(الذكر/الرجل/الزوج، والأنثى/المرأة/الزوجة) والتباس العلاقة بينهما، ويعتبر
للمرأة حق في بنية العلاقة الاجتماعية، ويستنكر القمع التي تتعرض له الأنثى دون أن
يرفع شعارات مباشرة بل يصنع موقفه الاجتماعي من خلال الوصف لواقع التحولات التي
تمر بها الأجيال، ويترك للقارئ حرية المقارنة بين الأمهات/الآباء كجيل في طريقه
للتلاشي، ليحل محله جيل من البنات/الأبناء المطلوب منهم التمرد على الواقع الاجتماعي؛
لكنهن/لكنهم للأسف يعيدون إنتاج حيوات الآباء بشكل ما نتيجة سيطرة الحس الأبيقوري
عليهن/عليهم والرغبة الضاغطة في التمتع –خاصة- المتع الحسية، وابرز مثال على ذلك
عشق عمر لصديقة اخته المسيحية سيرين بعدما رآها عارية (ص20) وزواج سيرين من جرجس
للانتقال من حي رأس التين لحي زيزينيا (ص) وقبول سلمى للزواج من خليل الحلو (ص174)
وانتقالها هي الأخرى لنفس الحي(ص188).
البعد
الثقافي المعرفي -المعلوماتية
يهوى السيد حافظ الغوص في
التاريخ مستغلاً فهمه للسرد الحديث الذي يعتبر المعرفة المعلوماتية جزءاً من النص
السردي، فيطوف في التاريخ ليخبرنا بأحداث وهويات تاريخية ربما نتعامل معها بعادية
دون أن ندرك كفاية الخلفية المعرفية عنها كما في ص 12 حين يتناول جزءاً من تاريخ
رمسيس الثاني، وصفحة 24 حين يستشهد بكتاب وصف مصر لتأصيل سلوك المصريين أقباطاً
ومسلمين في ممارسة عادة ختان الإناث المرذولة، و ص 108 حين يورد ما يقارب الصفحة
عن تاريخ المرسى أبي العباس، ويصف بذكاء كاتب على لسان أحد الشخصيات –جون رفيق
بيرتون- مرحلة دقيقة من تاريخ مصر، تحكي جزءاً من ولاية محمد علي، ثم أحفاده في
ثلاث صفحات، ليضيف فصلاً يتلاعب فيه بالزمان والمكان، فيوقف السرد، مُفسحاً المكان
لحالة زمكانية من خلال العودة بالأحداث للوراء في فصل كامل يأخذ شكل المشهد
المسرحي، يبنيه على تقنية الحوار بين الخديوي عباس حلمي وعمه سعيد، ناقلاً جزءاً
هاماً من التاريخ مستفيداً من خصائص الحوار في قدرته على إيصال المعلومة دون
إملال، ولا يمل الكاتب من استخدام معرفته بتقنيات السرد في الأجناس الفنية
المختلفة على طول النص ليوصل قدر من المعلومات المهمة التي لا يعيبها شيء إلا
حاجتها للتوثيق المعياري حيث كان عرض المصدر يتم في متن السرد، والأصوب أن يكون
هامشاً يوضح المصدر الذي يمكن الرجوع له.
ختاماً...
يضعنا هذا العمل ومعظم أعمال
السيد حافظ أمام كاتب مهموم بوطنه وقضاياه، فهو ليس مجرد كاتب؛ بل مثقف يمكن
بسهولة رؤية المثقف العضوي فيه، فهو قارئ تاريخ شره، ويمتلك القدرة على رؤية تأثير
هذا التاريخ على المجتمع، ويبني توقعات موضوعية تهز يقين أولئك المستسلمين للواقع
وتخديره لتطلعاتهم نحو حياة كريمة، ويحاول بكتابته استفزاز القدرات الإيجابية
للآخر وتنويره ودفعه للأفضل.
ويقدم هذا العمل تحديداً كتابة
احترافية عبر نوعية، تستفيد من خبرة الكاتب بأشكال متنوعة من تقنيات السرد، يجيد
التعامل معها، ومزجها في مهارة تحسب له، نأمل أن يلتفت القراء والنقاد لها
ويناقشونها.
*****عزيزي الزائر أنت تتصفح الآن مدونة أعمال الكاتب/ السيد حافظ
*****
مدونة أعمال الكاتب السيد حافظ
مدونة شخصية , فنية وأدبية. تعرض أعمال الكاتب/ السيد حافظ المسرحية والروائية. وأهم الدراسات والمقالات والرسائل والأبحاث والكتب التي تناولت أعماله...
السيد حافظ كاتب مسرحي وروائي, ومخرج مسرحي, وهو رائد المسرح التجريبي في المسرح المصري والعربي منذ أوائل السبعينيات, كما أنه عمل بالصحافة المصرية والعربية لسنوات طويلة.
برز الكاتب السيد حافظ منذ أوائل السبعينيات ككاتب ومخرج مسرحي تميز بأسلوبه التجريبي المتمرد على القوالب التقليدية في الكتابة المسرحية منذ صدور مسرحيته التجريبية الأولى "كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى" التي أثارت جدلا كبيرا حينها, وهي أول مسرحية صدرت من المسرح التجريبي عام 1970م عن دار "كتابات مناصرة" لصاحبها الناقد التشكيلي/ صبحي الشاروني. كما كان الكاتب السيد حافظ أول من أدخل المسرح التجريبي في العراق بمسرحية "الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء" حينما أخرجها المخرج/ وليم يلدا في معهد الفنون المسرحية عام ١٩٧٧م, وبعده بعامين كانت المسرحية الثانية من تأليف/ السيد حافظ "حكاية الفلاح عبد المطيع" حيث عرضت على يد دكتور/ سعدى يونس عام 1979م, وقدمت في المقاهي والساحات في العراق.
وقد توالت أعماله المسرحية التي بلغت حتى الآن أكثر من 200 مسرحية تراوحت بين المسرح التجريبي والمسرح الكلاسيكي والتاريخي والتراثي ومسرح الطفل, والمسرح الكوميدي, والمسرح النسوي أيضا.
Alsayed Hafez's
business blog
Blog of the works of the writer, Mr. Hafez
A personal, artistic and literary blog. It displays the theatrical and fictional works of the writer, Mr. Hafez. The most important studies, articles, letters, research and books that dealt with his work...
Mr. Hafez is a playwright, novelist, and theater director. He has been a pioneer of experimental theater in Egyptian and Arab theater since the early seventies. He has also worked in the Egyptian and Arab press for many years.
The writer, Mr. Hafez, has emerged since the early seventies as a writer and theater director, distinguished by his experimental style that rebels against traditional templates in theatrical writing since the publication of his first experimental play, “The Pride of Banality in the Land of Meaninglessness,” which sparked great controversy at the time. He was also the first to introduce experimental theater in Iraq with a play “The Mute Drums in the Blue Valleys” was directed by director William Yalda at the Institute of Dramatic Arts in 1977 AD, and two years later the second play was written by Mr. Hafez “The Story of the Peasant Abdul Muti’”, which was presented by Dr. Saadi Younis in 1979 AD, and presented in cafes. And squares in Iraq.
His theatrical works have so far amounted to more than 150 plays, ranging from experimental theatre, classical, historical and heritage theatre, children’s theatre, comedy theatre, and feminist theatre as well.
- السيد حافظ من مواليد محافظة الإسكندرية جمهورية مصر العربية 1948
- خريج جامعة الإسكندرية قسم فلسفة واجتماع عام 1976/ كلية التربية.
- أخصائي مسرح بالثقافة الجماهيرية بالإسكندرية من 1974/1976.
- حاصل على الجائزة الأولى في التأليف المسرحي بمصر عام 1970.
- مدير تحرير مجلة (الشاشة) (دبي مؤسسة الصدي 2006– 2007).
- مدير تحرير مجلة (المغامر) (دبي مؤسسة الصدي 2006 – 2007).
- مستشار إعلامي دبي مؤسسة الصدى (2006 – 2007).
- مدير مكتب مجلة أفكار بالقاهرة (الكويت).
- مدير مركز الوطن العربي للنشر والإعلام (رؤيا) لمدة خمسة سنوات.
- حصل على جائزة أحسن مؤلف لعمل مسرحي موجه للأطفال في الكويت عن مسرحية سندريلا عام1980.
- حصل على جائزة التميز من اتحاد كتاب مصر 2015
- تم تكريمه بالمهرجان القومي للمسرح المصري عام 2019.
كتب عنه أكثر من 52 رسالة جامعية بين مشروع تخرج أو ماجستير أو دكتوراة