Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الخميس، 27 أكتوبر 2016

الجروتيسك في كوميديات السيد حافظ

الجروتيسك في كوميديات السيد حافظ
د. مصطفى رمضاني

كلما أتيت لي فرصة الكتابة حول مسرح السيد حافظ، إلا واستحضرت مفهوم التعدد الذي
كان صفة لازبة في كل من أدركته حرفة الأدب، أو الفقه، أوالعلم عامة في ثقافاتنا العربية الإسلامية القديمة. فقد كانت تتجمع في الشخصية الواحدة شخصيات متعددة، هي من قبيل ما يطلق عادة صفة المتعدد داخل المفرد. ولذلك كان طبيعيا أن تجد الفقيه شاعرا وكاتبا وعالما وفنانا. وقلما تجد من يركن إلى مجال تخصصه ولا يتعداه إلى ما سواه.
والسيد حافظ من هذه الطينة. فهو كاتب مسرحي تتجمع بداخله ذوات أخرى تجعل منه
شاعرا وقصاصا وباحثا وكاتب سيناريوهات... أي أنه هذا التعدد داخل الفرد. ومن المؤكد أن هذه الخصلة هي التي أهلته ليكون غزير الإنتاج، متنوع التجارب، لا يستقر على نمط واحد في الكتابة، سواء على مستوى التجنيس الأدبي أو الفني، أم على مستوى آليات الكتابة والإبداع. وهذا ما يجعل كتاباته دائمة التجدد، ولا تستقر على شكل أو اتجاه أو
مدرسة أو تيار قار. فهي كتابات غير نمطية، تكفر بالثابت والجاهز والمتداول، ولا تؤمن إلا بما تمليه أصالة الموهبة، وصدق التجربة، والوعي الجمالي المسبق بخصوصية الأدوات الإجرائية التي هي نتاج ثقافة الكاتب وتكوينه ومهاراته الفنية أو التقنية. وهذا ما يشكل في نهاية الأمر خاصية الأسلوب وتفرده. والأسلوب كما نعلم هو الرجل نفسه كما يقول الناقد الفرنسي بوفون.
ومن المؤكد أن أسلوب السيد حافظ هو شخصية السيد حافظ نفسه. فهو يكتب بلسان حال شخصيته، وهي شخصية متمرد لا تؤمن بالجاهز والمألوف، ترفض الاحتذاء. والنمطية، حداثية في انفتاحها على ما يقتضيه التجريب من مغامرة البحث عن الممكن في التصور والآليات والمناهج، ومتشبثة بالثوابت التي هي أساس كل أصيل وجوهري وحقيقي. وهذه هي سمة الحداثة الحق : الحداثة التي تنشد المغايرة والاختلاف، دون الإلغاء أو الإقصاء الكلي لما هو ثابت وجوهري وأصيل، مادام الأصيل أصيلا بشكل مطلق، دون التقيد بمعياري الزمنية أو المكانية، لأن أساس الحداثة في نهاية الأمر هو البناء وليس الهدم.
ولعل نظرة خاطفة إلى مسرحيات السيد حافظ، تؤكد هذا البعد الحداثي الذي يجعل من التجريب وسيلة للبناء، سواء أتعلق الأمر بما يعالجه من قضايا وإشكاليات، أم بكيفية معالجتها، ووسائل أجرأتها وتفعليها جماليا أو تقنيا فوق الركح. وهي كلها مسرحيات تتسم بطابعها الاستفزازي الذي يخلخل السائد ويثير فضول المتلقي : متخصصا كان أم مهتما عاديا. ويلاحظ أن هذا المبدع قد راهن على ذلك الطابع الاستفزازي منذ كتاباته الأولى، وكأنه يعلن بذلك عن ميلاد تجربة مغايرة أفرزتها مرحلة ما بعد النكسات والهزائم العربية سياسيا وعسكريا. وبذلك جاءت محملة بشحنة من الغضب والاستفزاز، بدءا بعناوينها المثيرة، مرورا بالقضايا والإشكاليات التي تعالجها، وصولا إلى كيفية الاشتغال عليها، والصيغ التي تتمثل رؤية الكاتب تجاه قضايا تمتد بين ما هو اجتماعي أو سياسي،
إلى ما هو وجودي وأنطولوجي أحيانا. ومن تلك العناوين المثيرة : "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى"، و"الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء"، و"هم كما هم ولكن ليس هم الزعاليك"، و"حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث"... وظل مصرا على هذا الطابع الاستفزازي حتى في مسرحياته الأخيرة، كما هو الحال مع عناوين مثل "قراقوش والأراجوز والحرفوش"، و"الغجرية والسنكوح"، و"حرب الملوخية"، و"خطفوني ولاد الإيه" إلخ...
ويبدو من نافلة القول تأكيد الوظيفة الجوهرية التي يقوم بها العنوان للدلالة على كينونة العمل الإبداعي، أو على الأقل الإيحاء إلى تلك الكينونة. فالعنوان علامة دالة. وهو العتبة الأولى التي تقربنا من النص : فبها نبدأ قراءتنا الافتراضية قبل قراءة المتن. وهو المفتاح
الإجرائي الأولى الذي يفتح لنا أفق القراءات الممكنة بصريا ودلاليا ولسانيا، ذلك بأن تركيبة العنوان تحتل حيزا مهما من تفكير المبدع. وهو نفس الحيز الذي قد يحتله لدى القارئ أو الناقد، قبل مواجهة النص بالقراءة التأويلية. ولسنا بحاجة كذلك    إلى التذكير بالأهمية التي
يوليها الدرس السيميولوجي للعنوان، ولا سيما عند كبار المنظرين من أمثال رولان بارت R. Barthes، وجان كوهنJ. Cohen ،  وجيرار جينيتG. Genets ، وريفاتير M. Rifaterre، وروبرت شولزR. Scholses  وغيرهم..
ولاشك أن السيد حافظ كان على وعي تام بهذه الوظيفة الاستفزازية لعناوين مسرحياته. وكأنه بذلك يهيئ القارئ سيكولوجيا لولوج عالم المسرحي الذي لا يقل استفزازا وإثارة، بسبب غياب المنطق الداخلي للأنظمة اللغوية والتركيبية في بناء النص من جهة، وغياب هذا المنطق أيضا فيما يخص كيفية النظر إلى الأشياء، ومعالجة القضايا، وطرح الإشكاليات من جهة أخرى، على نحو ما يظهر من هذه الأمثلة :
شاب 3 : في ذيل الدواجن أمي وضعت يدها... تقيس أعمار التاريخ.
شاب 4 : ما عدد الهاموش الذي يغطي وجه الحلوى ؟
شاب 5 : ومطرب العذارى يلفح قلوبهم في الماء تشنجات.
شاب 6 : انتظرتك بالباب.
شاب 4 : الهاموش في ذيل الدواجن... مطرب العذارى في قلوبهم... تشنجات تقيس أعمار التاريخ... بالباب وجه الحلوى... وضعت يدها في الماء...انتظرتك... (1)
فهذه الحوارات وغيرها كثير تبدو كهلوسات لا رابط منطقي يربطها. فما الذي يجمع بينماا الهاموش ومطرب العذارى وذيل الدواجن ؟ وكيف نقيس أعمار التاريخ بالتشنجات ؟ وما الرابط بين وجه الحلوى والباب وهكذا... ؟ إن ما يربطها هو غياب المنطق واالعقلانية. أي العبث.ومسرح العبث يعكس إحدى الواجهات المستفزة في مسيرة المسرح التجريبي عامة. ومسرحيات السيد حافظ تعد نموذجا من تلك الواجهة. فهي مسرحيات تحمل من الغرابة ما يجعلها موغلة في الرمزية. ولكنها رمزية كاشفة، يساعد السياق الخاص للنص على كشف مغالقها. فبدون الإحاطة بذلك السياق، يصعب الإحاطة بالدلالات التي تفجرها التراكيب والصور والألفاظ التي هي لسان حال الشخصيات والأحداث، بل وحتى الأزمنة والأمكنة، ذلك بأن السيد حافظ يتعمد تغريب الفضاء رغبة منه في استفزاز المتلقي، وشحنه بالأسئلة المعلقة والفضول، كما في قوله مثلا وهو يحدد الفضاء المسرحي في مسرحية "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى".
الزمان : أحد أيام العصر الذري الحجري (البرونزي الملامح) في القرن الملوث.
المكان : أرض اللامحدود الملوث (2)
فالفضاء هنا غير محدد، تماما كما في مسرح العبث، لأن الأحداث لا تهم فئة دون أخرى أو مجتمعا بعينه، إنما هي أحداث تهم الإنسان في إطلاقيته. لهذا لا نستغرب أن نجد السيد حافظ يعوض أسماء الشخصيات بالأرقام، أو الألوان، أو الصفات في بعض نصوصه المسرحية (3). كما لا نستغرب تكثيف الإرشادات الركحية بعناصر ومحددات لا يبررها أي منطق، لأن العلاقات التي تربطها عبثية في حد ذاتها، خصوصا إذا ما نظرنا إليها من جانب إيقوني خالص. فغياب المنطق هو المهيمن على أعماله المسرحية. لذلك يتحول حديث الشخصيات إلى هلوسات وشطحات توحي بالفراغ واللاجدوى والقلق والسخرية الممزوجة بالمرارة، تماما كما هو الحال مع شخصيات بعض كتاب العبث، من أمثال يونسكو وبيكيت وأداموف وكامو وغيرهم..غير أن من أبرز ما يميز كتابات السيد حافظ المسرحية، ولا سيما المتأخرة منها، حضور الغروتيسك، أو ما نسميه بالكوميديا السوداء. وهي نوع من الكوميديا التي تتوسل بالسخرية ذات الطابع المأساوي. من المعروف أن كتاب العبث توسلوا بالغروتيسك للتعبير عن تناقضات مجتمع ما بعد الحرب الكونية الثانية، حينما وجدوا أن اللغة العادية لم تعد قادرة عن إبراز حقيقة الخواء الحضاري الذي آل إليه المجتمع الغربي بصفة عامة. وهو خواء ولد لديهم الإحساس بالاغتراب والتمزق...ويبدو أن مثل هذا الإحساس شبيه بما ولدته الهزائم والنكسات العربية في المثقف العربي. لذلك وجدنا كثيرا منهم يكفر بالكلمة واللغة والمنطق والفكر والمجتمع، ويدعو إلى تجديد أدواتنا ورؤانا ومناهجنا، لأنها ساهمت بشكل أو بآخر في تلك الهزائم والنكسات...
ومن المؤكد أن السيد حافظ أحد هؤلاء الذين كفروا بالكلمة المهادنة، وباللغة الفردوسية والصيغ المحبوكة، ففضل أن يركب صهوة الكوميديا الساخرة، ويجعل الضحك سبيلا للنقد والتعرية والإدانة، تمام كما كان يفعل شعراء شعر السخف في تراثنا العربي القديم. لذلك استعان بالنكتة والشيطنة والشطارية للتعبير عن المأساة في إطار يجعل البكاء ضحكا، والضحك بكاء. أولا يقول المثل الشعبي : "إن كثرة الهم تضحك" ؟ بلى!
كذلك فعل السيد حافظ في كوميدياته السوداء. وهي كوميديات ذات وظيفة مزدوجة: بناء الوعي، وإمتاع الروح. فهي من جهة تساهم في بناء الوعي بقضايانا ومشاكلنا المأساوية. ومن جهة ثانية تمتعنا بما توفره الصياغة من مرح وخفة وترويح يجعل المتلقي يواجه المأساة بتفاؤل. ومن الواضح
أن السيد حافظ يعني جيدا هذه الوظيفة المزدوجة للكوميديا السوداء، وإلا لما وجدناه يقدم لبعض أعماله بما يؤكد هذا الوعي. يقول في تقديمه لمسرحية "قراقوش والأراجوز والحرفوش" : "لكنني أرى في هذا الحزن كَمّا من الضحك والكوميديا الإنسانية. كوميديا الشعب المصري الذي واجه السيف بالضحك، وواجه الظلم بالنكات".(4 )واللافت للانتباه أنه –في بعض الأحيان- ينتقي موضوعات كوميدياته من سياقات لا تقتضي أسلوب الكوميديا كما تعودنا ذلك في المسرحيات الاجتماعية مثلا، وإنما يبني تصوره الساخر اعتمادا على موضوعات تقتضي في أصلها صرامة المعالجة، بما في ذلك متانة اللغة وعقلانية الصور والتراكيب، وما إلى ذلك مما يصب في التصور الكلاسيكي للإبداع عامة. ويفترض أن يحضر هذا الشرط أكثر في الموضوعات التاريخية، أو التي لها علاقة بالتاريخ. غير أنه يتحرر من ذلك الشرط استجابة لمبدإ المغايرة، وكسر النمطية والاحتذاء الذي هو مبدأ أساسي في فعل التجريب.
ومن هذا المنطلق كتب نصوصا مسرحية تستمد أحداثها وشخصياتها من التاريخ، ثم وضعها في إطار كوميدي ينتمي إلى جنس الغروتيسك. ومن بين تلك النصوص، نذكر على سبيل المثال نصي : "حلاوة زمان أو عاشق القاهرة الحاكم بأمر الله"، و"قراقوش والأراجوز". وفي سياق الغروتيسك دائما، يعالج موضوعات تعكس قيما إنسانية كبرى مثل الحرية، والديمقراطية، والعدالة، وحرية التعبير وما إلى ذلك؛ فيتوسل بالسخرية والكوميك الصادم،
وتتحول الشخصيات والأحداث مجرد أقنعة تخفي وراءها فظاعة الواقع وهشاشته. ومن هنا يحق لنا أن نتحدث عن مسرحية القناع في إبداعاته المسرحية. وتتنوع ألوان هذا النوع من المسرحيات عنده بين نصوص تعتمد على الخلفية التراثية في الأحداث والشخصيات والأفضية، وبين أخرى تعتمد على وقائع وشخصيات تتميز بواقعيتها المتسترة وراء قناع الرمز. ومن أمثلة نصوص النوع الأول، نذكر على سبيل  التمثيل مسرحيات "ظهور
واحتفاء أبو ذر الغفاري"، و"حكاية الفلاح عبد المطيع". أما من النوع الثاني، فنذكرعلى سبيل التمثيل كذلك مسرحيات : "ملك الزبالين"،و"حرب الملوخية"، و"وسام من الرئيس"، و"الغجرية والسنكوح" إلخ...
ولما كانت الكوميديا تقتضي دوما لغتها الخاصة، وتركيبها الخاص، وسياقها الخاص كذلك، تماما كما النكتة والنادرة والملحة.. فإن السيد حافظ مال في جل نصوصه المسرحية ذات الطابع الكوميدي إلى العامية. فهي أقرب إلى روح النكتة والمرح والسخرية. ومن المعروف أن النكتة تؤدي وظيفتها النقدية الساخرة حين تؤدى في سياقها المعجمي والتركيبي واللساني. فإذا ما ترجمت أو قدمت خارج ذلك السياق، فغالبا ما تفقد كثيرا من تأثيرها وفعاليتها في الإبداع والإمتاع معا. لهذا فضل الاحتفاظ بشعبية المعجم المسرحي حتى يبرز البعد الغروتيسكي للشخصيات والأحداث والمواقف :
شهاب : يا بني تعالى أدبحك وما تجوجعش قلبي.. فين أيام الفراخ لما الواحد يجري   وراه                 ويمسكها... أنت ح تعمل زي الفراخ.
الراجل الميت : حرام عليكم أنا عندي عيال.
شهاب : يا بني أنت كنت ح تموت وبعدين تتحاسب.. دلوقت ح ندبحك وتدخل الجنة.
أبو زيد : كيف تقول هذا الكلام يا راجل .. حرام عليك.
شهاب : ما هو لما يندبح.. كل واحد ياخد طبق ملوخية باللحمة يقول الله.. الله يرحمه.. كان طعمه لذيد
الرجل الميت : لا .. أنا عايز أعيش.. مش أخدت ثمن المدفن من عيالي حلال عليك.
شهاب : يا بني أنت رزق بعته ربنا (5)وإذا كانت العامية أقرب إلى الوجدان الشعبي، وأقدر على التعبير عن الحالات والمواقف الساخرة بشكل عام، فإن الفصحى لا تقل أهمية عنها حين يقضي السياق ذلك. وربما كانت مسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع" نموذجا جيدا للكوميديا السوداء. وهي مسرحية كتبت بلغة فصحى، وحوارات شديدة الدلالة والتعبيرية. ولعل نهايتها المعبرة تختزل هذا البعد الغروتيسكي الذي يجمع في لقطة واحدة، قمة المأساة وأوج السخرية. وهي لقطة تعكس مشهدا عبثيا بكل تأكيد، لأنه مشهد يتأسس على المفارقة وغياب المنطق والانسجام. وهو يذكرنا ببيت المتنبي المشهور :
بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد (6)
الضوء في منتصف المسرح.. عبد المطيع أمام كرسي العرش عاريا، والوزيروالمستشارين)
السلطان : (يضحك) لقد أعجبتني قصتك، عندما سمعت بها قررت تعيينك يا عبد المطيع قاضي القضاة. يصفق رجال الحاشية)
عبد المطيع : لا يا سيدي.. أنا لا أريد أن أكون قاضي القضاة.. أنا أريد أن أكون من العراة.يضحكون بينما هو يبكي)(7)وما يزكي ما ذهبنا إليه، أن المؤلف أعاد كتابة هذا النص المسرحي "حكاية الفلاح عبد المطيع" خمس مرات. وفي كل مرة كان يغير بعض جزئياته التي تخدم التصور الجديد للعمل المسرحي. وكل تغيير كان يقتضي التصرف في المعجم اللغوي، وتركيبة الأحداث والشخصيات. وكان آخر تغيير هو المتمثل في عصرنة النص كليا وكتابته بالعامية، مع الاحتفاظ بالطابع الكاريكاتوري والجو الغروتيسكي العام(8). وهذه العملية كما يشير إلى ذلك المؤلف في المقدمة تفتح بابا واسعا أمام البحثين في مجال الأدب المقارن ضمن الإنتاج الأدبي الواحد لنفس الكاتب. يقول السيد حافظ :"إنها التجربة الخامسة لكتابة مسرحية الفلاح عبد المطيع كتبتها خمس مرات طوال عشرين عاما. وهذا فتح جديد لأساتذة وطلاب وباحثي المسرح المقارن، ليس بين الكاتب وغيره، ولكن بين الكاتب ونفسه"(9)وتندرج هذه العملية ضمن وظيفة التناص. ويتحدد مفهوم التناص عامة انطلاقا مما يسميه ببعض الباحثين بالتعالق النصي. أي ترابط نص بنص أو بنصوص أخرى عن طريق علاقة أو علاقات، قد تكون استلهاما، أو استنباتا، أو توظيفا، أو تضمينا، أو محاكاة، أو استيحاء، أو انبناء، أو غير ذلك مما لا يسمح المجال بذكره في هذا المقام.
ولكن ما قام به السيد حافظ في نصه المسرحي "خطفوني ولاد الإيه"، يعتبر تناصا ذاتيا، لأن المؤلف لم يستلهم نصا خارجيا لكتاب آخر، وإنما بنى نصا جديدا انطلاقا من النص نفسه عن طريق التحوير، مراعاة للظروف الجديدة التي اقتضت تصورا مغايرا، ولغة مغايرة، وتركيبا مغايرا طبعا.
فالتناص الذاتي أو التناص الخاص، هو عملية انبناء النص الجديد من داخل النص الأصلي، يقوم بها المؤلف نفسه؛ هذا خلافا للتناص العام الذي تتم فيه عملية التعالق انطلاقا من نصين مختلفين، لمؤلفين مختلفين في أغلب الأحيان.
وعموما فما قام به السيد حافظ يستدعي وقفة نقدية خاصة في مجال الأدب المقارن. كما أن مواطن الكوميديا السوداء والغروتيسك متعددة في أعماله المسرحية. وهي كلها تقتضي أكثر من وقفة لاستيفاء هذه الظاهرة حقها من الدراسة والنقد، سواء ضمن الريبرتوار المسرحي الخاص للمؤلف، أم ضمن الريبرتوار المسرحي العربي التجريبي الذي ما تزال إشكاليته الغروتيسك فيه لم تحظ بالعناية النقدية الكافية.

د. مصطفى رمضاني
المغــرب

الهوامش :
(1) السيد حافظ : الأشجار تنحني أحيانا – مسرحية : تكاتف الغثاثة على الخلق – موتا- مطبعة الفتح – فيصل الهرم – 1992 – ص 158-159.
(2) السيد حافظ : كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى – سلسلة رؤيا للإبداع – مركز الوطن العربي للنشر والإعلام – الإسكندرية- ط 2 – 1990 –
ص 46.
(3) انظر مثلا مسرحية : الأشجار تنحني أحيانا.
(4) السيد حافظ : قراقوش والأراجوز والحرفوش – منشورات اتحاد الكتاب – ط مركز الحضارة العربية – ط 1 – القاهرة – 2001 –ص 5.
(5) السيد حافظ : حرب الملوخية – دار العربي للنشر والتوزيع – القاهرة – ط 1 – 1998 – ص 86-87.
(6) شرح ديوان المتنبي : وضعه عبد الرحمن البرقوقي – دار الكتاب العربي – بيروت – 1986 – ج 1 – ص 399.
(7) السيد حافظ : كتابة الفلاح عبد المطيع – مطابع صوت الخليج – الكويت – 1982 – ص 61.
(8) عنوان النص هو : خطفوني ولاد الإيه !!
(9) السيد حافظ : خطفوني ولاد الإيه !! – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2004 – ص 5.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More