Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الخميس، 27 أكتوبر 2016

مكانة السيد حافظ فى التجربة المسرحية العربية

نقد مسرحى
مكانة السيد حافظ
فى التجربة المسرحية العربية
دراسة بقلم/الدكتورة ليلى بن عائشة
لفترة طويلة من الزمن كان المسرح العربى عموماً والمسرح المصرى بشكل خاص "  المسرحيات التقليدية حتى أوائل السبعينات إلى أن ظهرت بوادر طيبة تبشر بمحاولات جديدة للنهوض بالمسرح المصرى بعد طول رقاد، فظهر السيد حافظ وأصدر أولى مسرحياته" ( )
فقد كانت هناك حقيقة – لا يمكن تجاهلها – فى الواقع المسرحى وهى افتقار الساح الأدبية المصرحية فى تلك الفترة إلى كتاب يستطيعون أن يطعموا الدراما المسرحية بانتاجات مناسبة تهيئ للمسرح العربى جواً من الاستقلالية وتمنحه مزيداً من الملامح القومية أو الملامح العالمية، فمع صدور مسرحيات "السيد حافظ" كانت هنالك نقلة نوعية جد مهمة لها أثرها البارز فى المسرح العربى والتى تعد بحق "... من المعالم البارزة فى أدبنا الحديث ذلك أنها تقف وحدها فى قمة الريادة فى ميدان المسرح التجريبى فى الساحة العربية. والسيد حافظ ليس مجرد كاتب مسرحى يحكى لنا حدثاً فى قالب درامى مسرحى، بل يعتبر بإنتاجه الفكرى الناضج خالقاً مبدعاً له عالمه الخاص وفلسفته وهو يغوص فى أعماق النفس الإنسانية محاولاً الكشف والوصول إلى أرض المثالية التى فقدناها.. محاولاً الكشف عن كل ما يقابله إنسان ذلك العصر من صراعات مادية ونفسية وحضارية" ( ) وتتفق الدراسات النقدية الدرامية (العربية) على تميز الإبداع الدرامى لدى "السيد حافظ" وتفرده عن غيره من البناءات الدرامية المعاصرة. ويبدو ذلك جلياً فى أعماله التى تكشف لنا عن " مؤلف مقتدر، يمتلك أدق الأدوات المسرحية وأكثرها فاعلية فى عملية الخلق المسرحى.. مؤكد أن .. هذه الأعمال ستفتح .. الآفاق المغلقة، لأنها كتابات جادة وجريئة، كتابات لا تقف عند – حدود – الشائع المعروف ولكنها تتعداه لتصل إلى مشارف كتابة مستقبلية جديدة، وهى تتوسل إلى ذلك من خلال التجريب الواعى والرصين"( ).
ويعد مسرح "السيد حافظ" مسرحاً ثرياً على المستوى الفنى، الفكرى، الفلسفى، الاجتماعى، والسياسى، وهو يمثل بحق المسرح الذى يحتاجه إنسان هذا العصر، ذلك أنه " ... مسرح مليئ بلغة التعبير... مسرح يتحدث بلسان الحياة ضد الموت، وقد قام ليتضمن فى ثناياه القيم الاجتماعية والثورية ليحملها فى ثوب جديد"( ).
إن ما يقدمه "السيد حافظ" من خلال مسرحه يقصد به الكثير، من بين ما يقصده هو أن يستفزنا وأن يحرك فينا ذلك الشعور بالأسف على ما هو قائم فى الواقع المعيش، ومحاولة تغييره ومن هنا فهو يبحث عن الاستجابة التى تستدعيها مشاهدة المسرح التجريبى، والتى تتعدى مجرد التعاطف مع الشخصية الممثلة، وتتعدى مجرد البكاء أو الضحك، تبعاً للموقف المأسوى أو الكوميدى " ... إلى إثارة قضية تهم الإنسان ويعانى منها" ( )
ويصبح أثناء مشاهدته للعمل التجريبى المسرحى لا يفرق بين ما يرى وما يعانيه. ومن هنا " يرقى المشاهد من رؤية المسرح الهزلى.. إلى رؤية المسرح الجاد بالرغم مما قد يكون من تجريب فى الشكل أو المضمون" ..
وق آثارت مسرحيات هذا الكاتب الكثير من المناقشات والمجادلات، لأنه اقتحم من خلالها عوالم كثيرة ومس فى كتاباته المفاهيم المستقرة فى أذهاننا سواء أكانت فنية أم اجتماعية أو فكرية أو سياسية بصورة قوية مباشرة. ومن هنا كان لابد أن يثير مسرحه عاصفة من الآراء المؤيدة والآراء المعارضة على السواء، بيد أن جهد هذا الكاتب فى حقيقة الأمر هو جهد فيه الكثير من العمق والأصالة والحضارة، وهذا ما دعا "مازن الماحى" أن يقول عن هذا الكاتب إنه " ... يؤكد بإنتاجه الفكرى المسرحى يوماً بعد يوم أنه من أوائل كتاب المسرح العربى بل يعتبر بحق رائد اتجاه جديد فى الفكر المسرحى المعاصر" ( )، بل إنه من المجدين فى هذا المسرح بما يحمله من حساسية فنية، وتفكير أو فكر عميق، وفلسفة خاصة... وإيديولوجية إسلامية برزت بشكل كبير فى كتاباته المسرحية كمسرحية (ظهور واختفاء أبو ذر الغفارى)، و(حكاية الفلاح عبد المطيع) و(مدينة الزعفران) ومسرحية (علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا).
" وتدور كتابات (هذا المبدع) دائماً حول الإنسان المعاصر.. الإنسان المطحون بين الأمل والإكثرات لذلك فهو يهتم اهتماماً كلياً بمشكلة الإنسان المعاصر والضغوط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الملقاة عليه. ويحاول أن يقتحم هذه العوالم فى داخل الإنسان"( ). ويبرز هذا من خلال مسرحياته التى ما فتئ يبذل جهداً لا نظير له فى البحث والتنقيب للكشف عن معاناته أكثر فأكثر.
إن المسرح التجريبى بالنسبة "السيد حافظ" ضرورة ملحة، وهو الملاذ الوحيد الذى يمنح للانسان فرصة المواجهة مع الذات الواقع ومع الذات المجتمع ومع الذات الإنسان "... المسرح التجريبى ضرورة لأنه يعنى هدماً وبناءاً، تراثاً ومستقبلاً ورؤى وفناً... المسرح التجريبى [كما يراه السيد حافظ هو أيضاً] ضرورة لإنقاذ المتفرج العربى المريض فكرياً وفنياً ونفسياً"( )
لقد وجد "السيد حافظ" فى المسرح التجريبى ما لم يجده فى أى لون أدبى آخر، ولم يكتف بالمحاولات التى سبقته فى مجال الدراما بل كان يطمح إلى ما هو أفضل وأحسن، إلى مسرح جرئ وجاد، لذا فقد كان معتمداً على واقعه "... ومغامراً جريئاً يعطى كل نفسه ويبذل كل طاقاته باحثاً فى هذا الواقع المتخم بالتكرار عن حياة فريدة وتنفسات جديدة لكن الواقع يرفض المغامرين فى زمانهم" ( )
إلا أن هذا الرفض لم يحل دون مواصلة هذا الكاتب لرسالته مبرزاً رؤاه وأفكاره وفلسفته ودون أن يتأثر بالحملة التى شنت ضده من قبل أولئك الذين لم يفقهوا كنه التجارب الجديدة التى جاء بها نظراً لتعصبهم ولضيق نظرتهم، ولتعودهم على قوالب جاهزة لا يبغون لها بديلاً. " ولا زالت مسرحيات السيد حافظ تتوالى فى الظهور تأكيداً لاتجاهه التجريبى الذى يحاول إثباته فى المسرح المصرى خاصة والمسرح العربى عامة، هذا فى الوقت الذى صمت فيه العديد من كتاب المسرح الجادين وغابت فيه العديد من الأقلام الجادة التى أفسحت المجال واسعاً للمسرح التجارى"( ) ولكن وحده رفع شعار التحدى وسار على دربه الذى اختاره دون أن يتأثر بتلك الحملات التى واجهته منذ البداية، لأنها ما كانت لتحد من عزيمته أو لتثنيها. فقد تعرض فى مسرحه إلى العديد من القضايا منها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية كم "... أبدى.. موقفه من القضايا الوطنية ودوره فيها، فكان السيد حافظ فى مسرحياته الكاشف والمحرض على التغيير والتقدم والرقى... وكانت كتاباته تثبت دوماً أنه أحد المناضلين الحقيقيين الذين ساهموا بالكلمة الحقيقية... الكلمة الطلقة وذلك لخدمة القضايا الجماهيرية ورفع المعاناة عن كاهل الشعوب المغلوبة على أمرها"( )
ويمكننا القول أن "السيد حافظ" يعد الأب الروحى للمسرح التجريبى والطليعى العربى ورائده الذى حمل على عاتقه مهمة الارتقاء به وإخراجه من الدائرة المغلقة التى كان يدور فى ظلها طيلة سنوات عديدة. لقد اضطلع هذا الكاتب بمهمة خطيرة ومهمة فى ذات الوقت، وقد تطلب ذلك الكثير من التضحيات والصمود أمام الجمود الفكرى لذوى العقول المتحجرة. ولا يزال هذا الكاتب يسير بخطى ثابته على مساره ودربه الذى رسم حدوده بكل دقة. على الأقل فى كتابة السيناريوهات بعد أن أعلن اعتزاله للمسرح عام 1990 ضمن الطبعة الثانية لمسرحيته (كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى) وقد جاء فى الإعلان على وجه الخصوص ما يلى :
" فى يناير 1990 قررت اعتزال المسرح ونشر ما لدى من مذكرات نادماً على اننى امضيت ثلاثين سنة..." وقد اقتفى آثار هذا الكاتب الكثير من تلاميذه الذين حملوا شعاراً من أجل مسرح جاد وجرئ يخدم الإنسان أينما كان وحيثما وجد، مسرح لا يعترف بحدود المكان والزمان واللغة، مسرح الإنسان لأجل الإنسان. فما أحوجنا إلى مسرح كهذا والى كاتب كهذا الكاتب، الذى عانى الكثير من أجل ارساء دعائم مسرح جديد، ولم يتأثر أبداً بتلك المحاولات الفاشلة التى كانت تسعى للحد من نشاطه وتجاربه، لأنه كان يعلم علم اليقين أن " المؤلف المسرحى التجريبى مثل الجندى فى إحدى حروب العصابات، ومهما كانت عقيدة المؤلف السياسية، فغن فنه ليس إلا تعبيراً عن حالة روحية كامنة فى وعيه، واعتقد "السيد حافظ" أن أبسط مفهوم للكاتب التجريبى فى الوطن العربى حالة (الضد) التى تهز المفاهيم العتيقة ليحدث الزلزال الفكرى" ( ) وحدوث هذا الزلزال يستلزم كنتيجة حتمية، قيام حملة مضادة، لأن المسرح التجريبى" يظل إدانة لحالة البلاد الذهنية التى يعيشها المواطن العربى، والتجريبيون هم القائمين على لحظة "تنوير العقل"( ) على حد قول "السيد حافظ"
إن الهدف الأساسى للكاتب كما يقول "سعد أردش" " ليس المسرح فى حد ذاته، ليس الصيغة الفنية على أى شكل من الأشكال ولكنه الكلمة المضمون، إنه يمتلئ يصبه فى قالب فنى، ومضامين ذات صبغة إنسانية لا تثير جانباً واحداً من جوابن البناء الاجتماعى، إنك تلمس فى العمل الواحد كل ركائز التكوين الاجتماعى: الأخلاق، الدين، العلم، الحضارة، التاريخ، التراث، فى إطار الفكر السياسى والاقتصادى والعسكرى"( )
وختاماً فإن المتأمل لأعمال "السيد حافظ" المسرحية يجدها كما يقر، الكاتب "عبد الكريم برشيد" ".. تحدق فى الناس والأشياء بعينين: العين الأولى عربية وهى مفتوحة على الـ"نحن" و"الآن" والـ"هنا" أما الثانية فهى غربية مفتوحة على المسرح الأوروبى كتجارب جريئة وجديدة ومدهشة. هذا الإزدواج فى الرؤية والتعبير هو ما حرر مسرحه من التبعية للمسرح التجريبى الغربى، إنه لم يسقط فى اللامعقول أو العبث لأنه اكتفى بمحاورة الشكل العبثى من غير أن يغوص فى مضمونه الفكرى، وهو مضمون وجودى محض... – حتى هلوساته المحمومة وتحليقاته – لا يفقد الصلة بالأرض التى يقف عليها، ولا ينسى المكان والزمان والناس والقضايا، إنه يبتعد – شكلياً ليقترب مضمونياً. فقد نجد أن مسرحياته بعيدة عن جزئيات الواقع، ولكنها قريبة من روح هذا الواقع، قريبة منه لحد الإنصهار فيه"( )
تلك هى ميزة أعمال "السيد حافظ" على وجه العموم والتى تعطيها سم الاستقلالية والتفرد والتميز عن غيرها من الأعمال.
أهم ما يمكن أن يقال فى ختام هذا البحث عن مسرح "السيد حافظ" إنه مسرح يستحق كل التقدير، وذلك أنه مسرح حاول صاحبه أن يعطيه سماته ومميزاته الخاصة التى تميزه عن غيره. ولم تكن هذه الرغبة فى التميز وليدة الإنفراد بعالم مسرحى خاص من قبل الكاتب، بقدر ما هى رغبة جامحة فى تحقيق التغيير عن طريق الكلمة التى يؤكد بأنها كلمة متميزة، إنها الكلمة الفعل الخلاص، فمسرح "السيد حافظ" كما لاحظنا مسرح ثورى يشهر سلاح الكلمة الفعل، ضد كل أدوات القمع والتسلط التى تقتل إرادة الإنسان أو حريته أو بالأحرى تصادرها مع سبق الإصرار والترصد. إنه يعزف بكلماته الرقيقة على وتر التمرد المتمثل فى التغيير، لأنه متيقن أن الإنسان قادر على التغيير إذا لم يركن إلى الاستكانة النابعة من الصمت والخوف. إن الكاتب – باختصار – يرغب فى أن يخرج الإنسان من سلبيته ويصارع الخوف والصمت. ويجب أن يتغلب على كل ذلك لتحقيق ذاته ومن ثم التحرك نحو الخلاص وتغيير الواقع المرفوض فعلاً لا قولاً.
ومن القراءة والتحليل لأعمال الكاتب المسرحية توصلت فى ختام هذا البحث المتواضع إلى جملة من النتائج أوجزها فيما يلى :
- إن مسرح "السيد حافظ" هو مسرح الإنسان (أيضاً) لأنه يعالج قضايا مباشرة تهم السواد الأعظم من الناس، ويرتفع بها إلى رؤى أكثر شمولية وإنسانية، ونسجل إنسيابية كبيرة وتمييعاً فى القضايا التى يطرحها الكاتب، كأن نجده مثلاً يطرق قضايا تخص العالم العربى، ثم سرعان ما نكتشف بأنها قضايا تهم الإنسان أينما كان، ومن هنا فإن الكتابة المسرحية لديه تحاول أن تؤسس الإنسان فى كل مكان، وهى تبحر دوماً بحثاً عن لحظات الإشراق والضياء، وهى سمة من سمات المسرح التجريبى. وتجاربه هذه، هى تجارب فنية قيمة تقدم فى إطارها العام قيماً جمالية وحضارية وإنسانية.. وخبرات ثقافية.
- إن "السيد حافظ" – حسب ما لاحظنا – اكتسب من الجرأة الكثير، مما مكنه من مناقشة وتناول الكثير من القضايا الحساسة فى مسرحه، وتلك ميزة جيله الذى ركز جهوده – دوناً عن غيره من الأجيال التى سبقته – على قضايا عديدة، لم يجرؤ أحد على مناقشتها من بينها قضية الديمقراطية، والحرية السياسية والدفاع عن حقوق الإنسان المهضومة، فى ظل مجتمع يفتقد التقاليد الطبيعية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم على حد تعبير "مصطفى عبد الغنى" . وجرأة الكاتب لم تتوقف عند المضامين فحسب، بل تعدت إلى الشكل بتحطيم تلك القوانين المتوارثة وابتكار أشكال جديدة تتناسب ومضمون كل مسرحية.
- أما من الناحية الفنية فتجاوزات الكاتب واختراقاته عديدة ولا حصر لها (باعتبار أنه فى كل مرة يفاجئنا بالجديد)، فنجده فى مسرحه يعمد ا لى صدم ا لمتلقى أو المتفرج بذلك التقديم المباشر – فى الكثير من الأحيان – لأفكاره مما يحقق له هدفاً من الأهداف التى توخاها "بريشت" فى مسرحه، وهى وضع المتلقى (أو المتفرج) فى مواجهة صدامية مع ما يقدم له، ومحاججته، وحمله على مجابهة ما يراه ومدارسته، وتلك نتيجة فى غاية الأهمية.
- وتبين تقنية الكتاب لدى الكاتب أنه يمتلك قناعة شخصية بضرورة توظيف لغة شاملة الغرض، وما تنوع أنساقها إلا دليل على إدراكه لأهمية هذا الجانب لتوضيح أفكاره ومن ذلك أيضاً، التركيز على تفاصيل الأحداث ومن ثم محاولة نقل الواقع فى صورة مصغرة متحركة من خلال الشخصيات وأدوارها. وقد لاحظنا أن الأعمال المسرحية "السيد حافظ" فى جلها من الناحية الفنية، يعتمد فيها على دقة متناهية فى بلورة الأحداث وتمريرها عبر أسلوب نفاذ وشيق أحياناً وغامض أحياناً أخرى.
- إن التجريب بالنسبة " للسيد حافظ" كان سيطرة تقنية وفنية تامة على الشكل والمضمون ، فهو يولى – كما أسلفنا – أهمية للشكل دون أن يهمل المضمون والعكس صحيح، وذلك انطلاقاً من مبدأ أن التجريب نقيض السطحية. ونجده إذا تناول بالبحث مسألة أو قضية معينة يضع فى حسبانه (الشكل والمضمون معاً)، حيث يركز تركيزاً عميقاص على أبعاد هذه ال قضية، فيحاول استكشاف جوانبها المجهولة وأبعادها المتخفية. كما أن المسرح بالنسبة إليه صرح فنى فكرى، ثقافى ... يقوم على الحرية لأن حرية المسرح تعنى المزيد من البناء والتنوير وخلق عمليات التواصل الاجتماعى الخلاق من أجل مستقبل أفضل، لذا نجد كتاباته متحررة وتصب فى هذه الاتجاه ونحو هذا الهدف النبيل.
- إن "السيد حافظ" مؤلف ومخرج قضية (كما يصرح بنفسه) ، وهو رجل مسرح يفهم كل ما يدور على الخشبة، وكل ما يحدث من خفايا تحدثه بها نفسه، لا يحرم أو بالأحرى لا يبخل بها على كل قارئ أو متفرج، أى على المستويين، (الكتابة والإخراج)، فهو الكاتب بعين المخرج، لذا نجد بعض المخرجين يصفونه بالكاتب الاستفزازى، لأنه يستفز فيهم قدراتهم الإخراجي، غير أن "السيد حافظ" من منظور آخر كاتب قبل أن يكون مخرجاً، لذا نجده حريصاً على الكلمة، إذ يولى أهمية كبيرة للجانب اللغوى باعتبار أن اللغة مؤثر جمالى كبير وهام. ومن هذا المنطلق فإن كل تجربة من تجاربه لها سمات خاصة أو مسحة خاصة، ومن خلال التجارب التى أطلعنا عليها، نجد أن الكاتب زعزع الى حد كبير البناء الصارم التقليدى للغة، إذ وجد نفسه وجهاً لوجه معه، فما كان منه الا أن قاومه بطريقته الخاصة، بحيث أنه استهدف من خلال هذه المقاومة الضدية القوانين القديمة للهروب من النموذجية والقولية الى رحاب بناء لغوى جديد يتناسب مع أفكاره التى يود طرحها وهذا البناء منخلقه وإبداعه.
- المسرح بالنسبة "للسيد حافظ" أيضاً، هو ذلك الفعل الذى يسافر عبر الزمن بحثاً عن العشق والحرية ليعانق مرافئ اللحظة البكر التى يخلق منها الكثير، لذا فالزمن عنده أزمنة، لأن التجارب ببساطة لا تعترف بحدود الزمن الا لشرح قضية من قضايا الإنسان. وكذلك الأمر بالنسبة للمكان، إذ المكان فى مسرحه أمكنة لا تعترف بالحدود، وهو جزء من النص والعرض المسرحى. وقد بادر الكاتب الى استغلاله بما يخدم تجاربه، اذ نجح إلى حد كبير فى تغيير مسار تلك القوانين والقوالب الجاهزة التى تحد من الحركة والفعل... وغيرها بسبب قيد المكان أو الزمان، فهذين العنصرين فى مسرحه متحرران كما تحرره وكلماته.
- إننى أجد أن الكاتب قد طبق فى تجاربه وإبداعاته المسرحية مقولة : بدأوا من هناك فابتدئ من هنا، إذ يحاول التميز عن الآخرين بتقديم تجارب راقية فى مستوى حاجته كفنان وكمبدع وإنسان، وفى مستوى من هم حوله ممن ينتظرون – ربما – من يقودهم إلى الخلاص أو التخلصمن السلبية، والانعتاق من اللامبالاة، والتحرر من سجن الصمت والخوف. واذا كان هذا الكاتب يقودهم إلى ذلك عبر الكلمات – على الأقل – فلهم أن يقودوا أنفسهم بأنفسهم إلى ما هو مرغوب فيه، للخروج من دائر القدر المحتوم، طالما أن السبب لا يزال قائماً (الصمت والخوف)، ومن ثم فغن الفعل التجريبى لدى هذا الكاتب هو فعل جمعى، أى أنه فعل يتجسد بمجموعة تسعى جاهدة إلى نقض المسلمات الجامدة والتقاليد الثابتة والأعراف البالية، والثورة ضد كل ما هو جامد لا حياة فيه.
- وأعيب على الكاتب إغراقه أحياناً فى الرمز مما يفقدنا متعة المتابعة الفكرية للنص المسرحى، بعد استنفاذ كل القوى فى محاولة فكها، ولعل ذلك يبدو أحياناً من أول شئ فى العمل المسرحى وهو العنوان، فكثيراً ما نجد العناوين التى انتقاها الكاتب لأعماله غريبة إلى حد كبير، مما يستدعى التوقف عندها طويلاً. وإذا كان هدف الكاتب هو لفت الانتباه أكثر فاعتقد أنه يستطيع أن يحقق ذلك دون أن يمعن فى الغرابة، وإذا كان يتوقف الأمر لديه عند بعض العناوين فقط، بل يتعداه إلى بعض النصوص المسرحية التى تتطلب جهداً كبيراً للتمكن من فك تلك الرموز التى تشبه إلى حد ما معادلات صعبة قد يفلح القارئ فى حلها وقد يخفق.
- ومهما يكن من أمر فإن مسرح هذا الكاتب حمل الكثير من التجريب، والتجديد على كل المستويات توصلنا إلى اتحديد بعض النقاط وربما غابت عنا أخرى، يبقى أن نقول أن "السيد حافظ" أضاف إلى رحلة التجريب فى المسرح العربى الكثير، بل إنه أرسى قواعده وأسسه، التى سار فى ضوئها الكثير من المبدعين، وإن لم يعلنوا ذلك صراحة.
ولكن السؤال المطروح الذى تبقى الإجابة عنه معلقة هو : لم لا يلق مسرح "السيد حافظ" الاهتمام اللازم (الذى يستحقه)؟!.
قد نتلقى الإجابة عن هذا السؤال يوماً ما.
دراسة بقلم / ليلى بن عائشة
الجزائر – سطيف – ثكنة احمد فون – مجموعة الدرك الوطنى

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More