القاهرة تودع 2004
ب 4 معارض تشكيلية في ديسمبر
كتب : السيد حافظ
ب 4 معارض تشكيلية في ديسمبر
كتب : السيد حافظ
ـ الجزار وعبلة والبحراوي والخراط
ـ القاهرة الحياة والعالم
ـ لماذا اتجه الأدباء فجأة إلى الفن التشكيلي ؟
عاشت القاهرة خلال هر ديسمبر عدة معارض .. فالمشهد الفني والتشكيلي في مصر الأكثر اتساعا وتنوعا وتفرداً .. ولقد اخترنا أربعة معارض منها .. وسنقول ماذا يجمع بينهما .. وماذا يحدث في القاهرة .. و ماذا يجري من حولنا من اختلافات وتناقضات وإشكاليات تحاصرنا ..
هذا ما سوف نحاول أن نلقي عليه بعض الضوء في هذه الكلمات القادمة ..المعرض الأول الذي سأتحدث عنه
الاسم : محمد عبلة
اسم المعرض : القاهرة .. ملامح مدينة
مكان العرض : قاعة الزمالك للفن ـ عدد اللوحات 48 لوحة مقاسات مختلفة
عن التجربة يقول الفنان محمد عبلة :
القاهرة مدينتي وأنا مشغول بها منذ بداياتي الأولي تناولتها في العديد من المعرض وبأساليب مختلفة وجوهها المتغيرة تثيرني دائما في كل مرة .. أغوص في أحضانها أخرج بكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام .. فتدفعني للبحث ومحاولات الإجابة ، حركة الناس تحدد خريطة المدينة وتكون أبعادها ، لذا لا أتخيل الحياة أو الفن دون علامات البشر .. تحركاتهم إيماءاتهم الخاصة ، تكتلهم ، ووحدتهم ، تلك العناصر البصرية والحسيه هي التي تعطي للمدينة إيقاعها الخاص .. حاولت في هذه الأعمال ومن خلال هذا المعرض ان اقدم رؤيتي الخاصة لشكل المدينة في أوقات ضوئية ولونية مختلفة الليل والنهار .. ليل القاهرة له خصوصيته ، حيث النيل الذي يلعب دورا مهما في إثراء مهرجان اللون المتناقض والصاخب .. لتري إحساس قوي بوجود الناس أحس اني أعرفهم أعرف وجوههم جميعا وأقرأ حركتهم علي سطح الحياة وكأنهم هناك من أجلي .. يتحركون لكي ارسمهم أو احولهم الي مجرد أشباح أمام خلفيه المدينة الطاغية المؤثرة كنت مشغولاً بفكرة الرسم وكنت مشتاقا للرسم بقوة وعفوية .. حاولت أن تكون الخطوط معبرة عن حركة الناس وعن تأثير وجوههم المشرقة والمتفائلة رغم المعاناة والأجواء الصاخبة .. حاولت أن أعبر عن الأمل الذي اشعر به وكنت احلم بأعمال بانورامية تقترب من واقع الحياة الفنية حيث يختلط الناس بالمباني والحيوانات و الضجيج .. بانوراما تحمل كل التناقضات فتقترب من الرموز والسحر .
الي هنا ينتهي كلام عبلة في كتالوج المعرض , ومن هنا نري إن الموقف الأساسي الذي يتبناه عبلة واضحا بعض الشيء فهو يقول ان حالتنا الاجتماعية الراهنة يعتريها الخراب ومن ثم يجب تقويضها ان كانت هذه الحقيقة تمثل قضية ينشغل بها الفنان الحقيقي .. الا ان عبلة يتسم أسلوبه بالمراوغة والتناقض حيث انه يوجد شئ ما ثائر وجامح في أسلوب تعامله مع الفرشاة واللوحة .. فعندما تظن انك أمسكت بأفكارك علي اللوحة فتجد هذه الأفكار قد تلاشت وهو علي النقيض من أفكاره . فتجد أن اللوحة واضحة أمامك فالزحام والناس ليلا أو نهاراً .. حياة الناس وحركاتهم في القاهرة ولكن تصرفاتهم في اللوحة الواضحة غير معقولة ..
كذلك تجد شخصية عبلة واضحة بشكل قوي في كل لوحة وليست شخصية اللوحة.. ان العلاقة الذهنية والفكرية طاغية علي علاقاته بالألوان .. كما أن كيمياء اللون في إجمالي اللوحات غير مكتملة وأحيانا تشعر بأن 99% من اللوحات هي في حالة دراسة ( وحدة واحدة في حالات متشابهة ومتناقضة ومختلفة ) إن مشروع عبلة في هذا المعرض مشروع من الصعب ان تجده أو تعرفه فهي قضية النظرية أو الفلسفة غير الممارسة ..
إن الفن والحياة هما طرفي المعادلة لكن الفن الحقيقي لا يوجد إلا كعملية ( process ) أي انه لا ينعزل عن التجربة الحياتية التي يعتريها التغير دائما باعتباره عملا فنيا مستقلا ..
إن العلاقة الجدلية بين اللون وفضاء اللوحة يجب إن تكون حقيقية وملموسة .. ان الوجود المادي للبشر عند محمد عبلة غير مكتمل بكل الوجوه التي هي بلا ملامح وهذا ما يعجز عنه الفن بشكل رمزي وفلسفي باعتبار إن الفن شكلا اسمي للواقع .. إذاً الإنسان في وجهة نظر عبلة ليس حاضرا بل هو شئ ما .. ملامح أو كامناً في خطوط مخزونة مختزلة .. وهذا أشبه بعالم الأساطير لكن هذه الأشباح الأسطورية تعبر عن شعور خفي يعجز الفنان عن مواجهة العالم بعد انهيار عقل العالم بعد حرب العراق .. ان روح القاهرة والمدينة تسيطر علي الفنان محمد عبلة انه يشعر بان الروحانيات ليست الا مبدأ خادعا فالناس بلا روح والحركة كأنها في سكون انه يشعر بان المدينة تعوق الإنسان عن تحقيق طاقته الكامنة باعتباره خيرا .. ان روح الشر مدمرة في كل لوحاته وهي فكرة في بساطة البدائية الفلسفية . ولذلك قام باستبعاد الملامح أو الإشارة الي أي ملمح علي أنه تجسيد للمدينة وكأنها الشر المطلق .
إن محمد عبلة ينكر علي الإنسان كيانه الحقيقي ومن الواضح في كل اللوحات انه يري العالم هو الشر بعيداً عن الإيماءات والعلامات .. انه مشحون بهموم العصر ويحاول أن يجسد الضعف في المشاعر الإنسانية ولكن بشكل فكرة الجمع بين الأضداد النهار والليل والحركة الطبيعية والفنية واختفاء العمق في اللحظة المكثفة .
إن شدة الغضب من الواقع قد تفقد الفنان التعمق في المشروع الفني وتجده يلهث في التجربة إن كل اللوحات تقريبا (99%) منها بشر يسيرون ليلا أو نهاراً في شوارع القاهرة وبجوار النيل ولكن هناك لوحه كانت تكفي هذه التجربة كلها التي استخدم فيها الوجوه والحركة واللون الأصفر والأسود .. قد غطي كل شي فيها وهي في مقياس صغير (20 x 30) وكانت ملخص المعرض كله ولوحه أخري تحمل فكراً سياسياً علي طريق الكولاج ولكنها بالزيت والفرشاة استخدم فيها الشعارات والأخبار والرؤى السياسية من وجهات مختلفة وتحمل غضب الفنان علي العصر .
الفنان الجزار في اتيليه القاهرة
سعيد الجزار هـو الفنان التشكيلي الثاني الذي قـدم معرضه فـي اتيليه القاهرة تحت مسمي
" شعبيات وادي النيل " .
وهو فنان وكاتب روائي وقصاص ..
وسعيد الجزار هو فنان معاصر بخلاف الرائد التشكيلي عبد الهادي الجزار ولا يجمع بينهما نسب ولا حسب ولا علاقة الا علاقة ان كل واحد منهما مهموما ومشغولا بالفن التشكيلي .
الجزار يحاول ان يكون معرضه مبلغا رسالة نبل الإنسان وقبح الإنسان من خلال التناول الوحشي الهزلي للمرأة في أعماله باعتبار المرأة وعاء الحياة فقد قدم الوجهتين الإنسانيتين من نبل وقبح ، وهو يحاول أن يختزل العواطف النبيلة مع المرأة في تعامله معها في لوحاته ..
فالمرأة ليست بريئة لأنها تعني العالم وهذا العالم بلا براءة .. وقدم في المعرض هجوما علي السفسطة الأكاديمية في الأساليب الفنية والمعرض احيانا يتجه الي الأسلوب الوحشي أو الفوضوي وأحيانا تشعر بالهدوء والسكينة . ففي حوالي 9 لوحات من المعرض ( مركب وقلوع وحاله من حالات الدراسة للمركب والقلوع والمسافر الذي يرحل في غربة الواقع وغربة النفس .. انه احتجاج علي الواقع فاللوحات التسع للمركب التي أحيانا تكون علي الشاطئ بلا حراك وأحيانا وسط العواصف و أحيانا هي نفسها في حالة صفاء وطيور النورس تطير فوقها .
وهناك تلك المرأة التي تحول وجهها الي صورة حيوان أو وحش أسطوري أو أفعى ،وبمعني أخر هي حاله من العبودية لغرائزها الدنيوية ورغباتها الجسدية وقد تحولت أطراف أقدمها و أرجلها الي أرجل طائر .. انها منغمسة في رغباتها وتحاول ان تخرج من فخديها ميلاد شئ ما لكنه لا يولد . ان هذه اللوحة في دراسة أخري وفي لوحة أخري حاله ضد الجمال ،ضد التقليدية التي تقوم علي فردية مفادها ان العالم كما ندركه ليس اكثر من بناء ذهني وهذا بدوره يعني عدم وجود أي تمايز حقيقي بين الإدراك والاختلال الإدراكي ( الهلوسة ) .
وهكذا فان كل ما يفرض سطوته وتأثيره علي الجبال هو فقط ما يكتسب حقه الواقع . ان اللوحات علاقات بين حقائق عارضه تختزل في صورة استثناءات غير استثنائية انها تتناول الخاص بدلا من العام وتنظر الي الشكل الخارجي باعتباره يمثل الجوهر وذلك بشكل رمزي فعلي أي انه عالم بديل .
ان سعيد الجزار في الفن التشكيلي لا يحاول ان يقدم عالما بديلا لجمهوره بل يدفع كل متذوق الي تخيله .. ولذلك فان كل عنصر من هذه العناصر يعتبر هذيان فني وذلك بعيدا عن دلالاتها الفكرية .
وهذا يتنافي مع سعيد الجزار عندما يكون أديبا فهو يتعامل مع القارئ بشكل بسيط وعميق وغير معقد ويقدم صورا ً أدبية فيها التبسيط الشديد ( السهل الممتنع ) وهو يلتقط في أدبه الحارة العربية المصرية والأحياء الشعبية بشكل تشم رائحة الحارة فيه وتري الوان البيوت وملامح الناس وتري التركيبات المتناقضة والزمان واضح والمكان ايضا اما في لوحات سعيد الجزار فهو عنيف مع المرأة في عالمها ويعتبره عنف دون مبرر يهدف الي احداث تأثيرات صارمة تصبح معها ردود الأفعال صارمة .. اما اللون الأحمر في لوحاته فهو مبالغ فيه خشن واللوحة في اللا مكان والمكان غريب غير مألوف .
واذا كان رامبو قد دعا الي الإرباك المحسوب للحواس بالنسبة للشاعر فإن سعيد الجزار يدعو الي الإرباك المحسوس البصري .. وسأتكلم عن لوحة " لأن بالباب " الباب هنا قد يكون بابا لولي ( السيد الحسين ) أو ( السيدة زينب ) أو باب قديم من مباني مصر الفاطمية التي تكون فيها العمارة مثيرة بالنسبة للفنان ( بالاكاسيد ) ولذلك فهي غريبة ولكن تشعرك بالزمن وبنوع من الحنين معها والارتباط بها كجزء من كيانك وديمومتك.. أما لوحة ( زار الحوامل ) فنحن أمام ثلاث نساء حوامل .. قام الفنان ايضا بتشويه ملامح الوجه وكأنهم مسخ وجرد الجسد في نهايته فتحولت الإناث الي ما يشبه بعروسات البحر اللاتي تحكي عنهم الأساطير الشعبية فهو ممتلئ بمخزون شعبيات واقعية وتراثية ان اللون السائد هنا اللون " البمبي " ولكن في حاله نعومة و رومانسية لكن الصدمة التي تأتي اليك بإرتباك وجوه النسوة فهي مخلوقات مشوهه لكائنات قد تكون حيوانية أو فضائية .
المعرض القضية : ( معرض أدوار الخراط )
أقيم المعرض في شهر ديسمبر في قاعة مسرح الهناجر / القاهرة :
يعتبر أدوار الخراط الكاتب الكبير والروائي المعروف احد علامات الأدب العربي والمصري في السيتنات وحتي الأن ومازال يعطي من نهر ابداعه ولكن الخراط قد فاجأنا في السنوات القليلة الماضية بمجموعة دواوين شعر والي هنا الأمر يبدو طبيعي وغير طبيعي . فالشعراء يقولون كيف ظهرت موهبته الشعرية متأخرة عنده .. وهل يمكن وضع اسم هذا الروائي الكبير علي خارطة الشعر والشعراء العرب ؟؟
وهناك من يرد عليهم .. من الذي يملك مفاتيح وأختام وصكوك الإجازة .. انه القارئ .. الجمهور صاحب اليد الطولي في الموضوع .. فهو الذي يسمح للمبدع أن يكون ضمن مكتبته وضمن التصنيف الذي يراه ، روائيا .. قاصا .. شاعرا .. مسرحيا .. فنانا تشكيلي ..
لكن المعرض الأول للفنان أدوار الخراط في الفن التشكيلي أثار جدلا .. اذ كان معرضا للكولاج استخدم فيه أدوار الخراط روح مصر القبطية والرومانية والفرعونية مستخدما نرجسية الفنان بوضع صوره في معظم اللوحات ضمن كولاج اللوحة .. البعض يصف وجود صوره في اتيليه القاهرة بانه يلعب .. وما الفنان المبدع الحقيقي في لحظه ابداعه الا طفل يلعب في ارض خياله وابداعه ليأتي لنا بالدهشه .. ويقول البعض الأخر ان القضية أعمق وهي هروب الكتاب وأصحاب القلم الي الفن التشكيلي بحثا عن ميلاد وعن مكانه في ارض الواقع الفني .. ان الفنان في لحظة تاريخية فاصلة لا يدري ماذا يفعل .. انه يجري في رأسه بحثا عن اجابات كل الأسئلة الكبري التي من حوله .. ان القضية أو ظاهرة هذة القضية تأتي نتيجة الإحساس ماذا بعد العولمه .. وهل تمت العولمه فعلا ؟ وهل هناك عالم اخر ما بعد الحداث
معرض سيد البحراوي : (المعرض ـ الموقف ـ السياسي ـ الشموع )
المعرض تحت اسم " تبوح الشموع " وهذا المعرض الثاني الذي تم تخصيص دخله لدعم الانتفاضة الفلسطينية ..
وهذا الناقد الكبير سيد البحراوي يقدم معرضا بالشموع .. هذا المعرض جزء من حوار كتبه سيد البحراوي في لوحات كبيرة مثل قصص قصيرة أو أهازيج سردية في محاولة لتحديد موقفه من العالم والقضية الفلسطينية والوضع العربي الراهن ...
فسيد البحراوي كان هاجسه في هذا المعرض هو استخدام الشموع وعليها أحياناً ألوان بشكل العلم الفلسطيني .. وأحياناً يترك للشمع أن يتحرك ويكون شكله الخاص ، وفي لحظة ما يعطه لوناً خاصاً .
إن المعرض جاء في احتفال سيد البحراوي بعيد ميلاده الخمسين ، وكان يجب أن يحتفل بالقضية الفلسطينية فأقيم المعرض في قاعة قرطبة التشكيلية .. وقد احتفى بالمعرض مجموعة من المثقفين والكتاب والفنانين .. ولكن قال سيد البحراوي : أنا لا أدري لماذا اخترت الشموع ؟ ولماذا اخترت هذه الألوان ؟ ولماذا قررت التعامل مع التشكيل ؟ ..
وتبقي الأسئلة تدور في ذهني لماذا دخل الروائي الكبير إدوارد الخراط إلي هذا العالم ؟ ولماذا اخترت أنا أن أعود إلي الكتابة عن الفن التشكيلي بعد مرور عشرين عاماً من التوقف عن الكتابة للفن التشكيلي .. فهل الفن التشكيلي هو الملجأ لنا ؟ هل بعد أن قال أدونيس : انتهي عرش الشعر في هذه الفترة من الزمان وبدأ عرش الرواية .. كما يتساءل الروائيون : لماذا الرواية أكثر حظاً من الشعر .. وأهل المسرح يصرحون بأن المسرح قد انتهي دوره .. وبذلك يبقي الفن التشكيلي صامتاً .. فهل هو الملجأ من القصف علي الفنون والآداب الأخرى ؟؟؟؟؟؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق