Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الخميس، 4 مايو 2017

كابتشينو والتمرد على نمطية السرد. د. أحمد المصري

                  كابتشينو والتمرد على نمطية السرد
                                                       د أحمد محمود المصري



(عمَّ أبحث في السيد حافظ وهو الفرد الكثرة والكل في واحد....)
يقول الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة:
البحر موعدنا                     
وشاطئه العواصف                 
جازف
لن يرحم الموج الجبان
ولن ينال الأمن خائف
فإن سدت جميع طرائق الدنيا
أمامك
فاقتحمها لا تقف
كى لا تموت وأنت واقف .
والمبدع أولى من غيره بالمجازفة ،إن الخيال طليق ، وإن الإبداع سمته الأولى الحرية ووظيفته الجمال وغايته الابتكار ، فكيف يجوز تقييد حرية يجب أن تظل طليقة ووظيفة يجب أن تظل دون حدود ، وابتكار يجب أن يظل متمتعاً بكل ما له الحق فيه من انكسار القيود وانفتاح الآفاق وانزياح الحواجز إن الشكل الروائي متحول دائماً فكيف نستطيع أن نزعم أننا قادرون على وضع قانون ثابت يقيده تقييداً ويكبله تكبيلا فيغتدى ثابتاً وقد كتب عليه أن يظل متحولاً؟
إن كل نظرية للنقد توضع انطلاقا من  معطيات نصوص يقرؤها المنظر فينظر في الحقيقة لها أصلاً أما ما وراء ذلك ، أو ما بعده فيمكن أن تنطبق نظريته على بعضها دون بعضها الآخر، فإذا انطبقت عليها كل التقنيات فتباً لها من نصوص وسحقاً إذا خضعت للقواعد وأذعنت للقيود.
إن عبثية الإبداع هي قاعدته وإن تمرده على التقنين هو ثورته التي يجب أن تظل معلنة على التقاليد التي تقيد فلا ترسل وتؤذي أكثر مما تجدى .
ويعد السيد حافظ أحد المبدعين المتميزين الذين أثبتوا جدارتهم الفنية بما وهبه الله من موهبة متميزة بين أقرانه من الكتاب وصل إليها بعد رحلة شاقة من الإبداع كان فيها صاحب تجربة متميزة وهوية فريدة غير مكرورة لا تتشابه مع غيرها ، لم يخضع فيها لتشكيل فني واحد ، وإنما كان نموذجاً لكاتب يحترم التجريب ولا يخشى المغامرة فيه خصوصاً على صعيد بناء الرواية ولغتها ،  يكتب كما يتنفس والكتابة بالنسبة له واقع فني مجاور لواقع الحياة ، واقع زاه مغامر يستطيع التجاوز والقفز فوق قوانين الحياة القاسية ،وقد كان في كل ما كتب منطلقاً من قناعة واضحة بوظيفة الفن الاجتماعية وصلته بوعى القارئ وقدرته على أن يشكل
ذاكرة أي مجتمع ،سعى إلى محاكاة اللحظة الواقعية الاجتماعية فنياً على أمل تجاوزها إلى حياة فنية متخيلة تكون أكثر حرية وحبا وسلاماً وعدلاً وانفتاحاً على الآخر ، كما كان في كثير من الأحيان صوتاً لمن لا صوت له ، مؤمناً بأن نمة مشتركاً إنسانياً باقياً بين البشر ، أيا كانت الفروقات المادية والجغرافية والدينية بينهم .
وروايتنا كابتشينو هي إحدى حلقات المنجز الروائي الإبداعي عند السيد حافظ المتمثل في مجموعة من الأعمال الرائعة مثل : نسكافيه ، قهوة سادة ثم كابتشينو – ثم شاي أخضر... وكلها يمثل جنوحاً نحو التجريب والتجديد في الكتابة الروائية ،رواية شديدة الفرار من عبودية التقاليد تقرأ بعين العقل وهي رواية الحب والألم ، الوجود والعدم ، رواية ليست كالرواية محفورة على جدران القلب ، مكتوبة بدمائه ، إنها رواية النزيف والوجع ، تقبض على الجمر مشتعلاً تنكأ الجرح وتغوص فيه حتى العظم وكما قال نيتشة "إنني استعرض جميع ما كتب فلا تميل نفسي إلا لما كتبه الإنسان بقطرات من دمه "وهذه كتابة مكتوبة بالدم .
عتبة الغلاف :
صارت العتبات الخارجية للنص جزءاً من بنيتة الدالة ولم تعد ترفاً أو شيئاً إضافياً يمكن الاستغناء عنه .
وتعد لوحة الغلاف من أهم هذه العتبات نظراً لكونها دالاً بصرياً موازياً يكتنز بين تضاريسه الإشارية عديداً من الإيحاءات السيمائية والتأويلات المحتملة لقراءات متعددة ومفتوحة فالغلاف يفترض قراءة تستند إلى الحس البصري الذكى وتفرض على المتلقى إحداث نوع من الارتباط بين ما هو كتابي وما هو تشكيلي .
وغلاف روايتنا الأمامي يسيطر عليه السواد تتصدره صورة كبيرة للمؤلف توحى بأشياء كثيرة ، نظرة تحمل تفكيراً ورؤية وفلسفة كما تحمل الترقب والقلق بها العمق والحزن أعلاها اسم المؤلف كتب باللون الأحمر ، وأسفله اسم الرواية كتب باللون الأبيض وهي نفس ألوان علم مصر تحمل دلالات مختلفة فالأحمر لون الدم والمعاناة والألم ، وهو لون التمرد والثورة ، والقوة وهو لون الحب والعشق ولون القهر والكبت والمنع أما الأبيض فهو لون النقاء والصدق ، لون الأمل لون النور والإشراق الذي يحاول أن يشق طريقه وسط الظلام .
ثم يأتي بعد ذلك التجنيس للعمل الأدبي وهو رواية وكتب بلون أخضر يدل على التجدد الدائم والحياة المستمرة وعدم القولبة والجمود ، الأخضر لون الحياة الدائمة لون التجديد وهذا ما سعى إليه المؤلف .
ثم تأتي دار النشر رؤيا لتكتب بلون الشمس البرتقالي المشرق الذي هو نفسه لون إطار صورة الكاتب ليكون نموذجاً مشرقاً للكتابة وسط ظلام وسواد يحيط به وكأن الصورة تشرق من بين هذا السواد ، في إشارة على تحدى هذا الظلام الفكري والتخلف الثقافي ، والاعتماد على الاجترار ومحاربة الابتكار ، هي صرخة إذن في وجه القبح والتخلف ولعل في تصدر اسم المؤلف ثم صورته للصفحة قبل العنوان والجنس الأدبي دليل واضح وقوي على حضور المؤلف في روايته حضورًا قويًا وواضحًا وملموسًا من صفحة الغلاف وحتى آخر كلمة في الرواية .
دلالة العنوان:-
       كابتشينو عنوان لافت يتميز بالإيجاز والقدرة على جذب الانتباه وكلاهما من سمات العنوان الجيد ، وإذ كان العنوان يعد عتبة النص ومدخلاً إلى فهمه ، ومفتاح الولوج إلى أغواره العميقة فما دلالة هذا العنوان وما علاقته بالمضمون .
قد تتسرع وتقول لا علاقة بين العنوان والمضمون إلا في تكرار كلمة كابتشينو أكثر من مرة داخل الرواية كمشروب تناوب على شربه عدد من أبطالها ، وإذا لم تتعجل فقد تربط هذا العنوان بعناوين السيد حافظ السابقة واللاحقة لهذا العنوان مثل نسكافيه ، قهوة سادة ، أو شاي أخضر –فتربط بينها وبين جلسات النميمة أو الود على المقاهي أو في المنازل حيث البوح والمكاشفة والتسلية والنقد والغضب ....، وقد ترى في النسكافية والقهوة والكابتشينو وهي مشروبات من أصل واحد ترابطًا من نوع آخر يتعلق بأنها تشرب من أجل التنبيه وكأن هذه المسميات تأتي لتنبه القارئ وتهيأه للتلقي الواعي ، ولعل في مراجعة مفهوم القهوة عند الصوفيين ودلالته ما يؤكد هذا المعني ويؤيده.
     فهم يرون أن مكتشفها الشيخ العيدروسي في القرن العاشر ، وقد حرمها بعض المعارضين للصوفية وتصدى الشعراني للدفاع عن شرب القهوة ، التي صارت من طقوس الصوفية التي تساعد على الذكر ثم تم الترويج لها بعد ذلك بأنها تساعد في علم الغيب وقراءة المستقبل ، وادعوا أن سمة صلة بين شرب القهوة والعلم اللدنى من هنا وفي ضوء هذا الفهم يفسر عنوان كابتشينو ومن قبله نسكافية وقهوة سادة على أنه تهيئة لتلق واع يكون القارئ فيه منتبهًا لما يواجهه ويقرأه .
     ومن هنا تأتي صلة القهوة والنسكافية والكابتشينو بالروح لذا أطلق عليها المؤلف اسم كابتشينو حكاية الروح ، وهي الفكرة التي تجمع بين عدة روايات للمؤلف تركز على فكرة الحلول وتناسخ الأرواح عبر ارتحالها في أزمنة عدة وتصويرها عوالم متابينة بالموازاة مع أمكنة كثيرة تشهد تحرك شخصياتها وشبكة العلاقات التي تنسجها وانتقال الروح من جسد إنسان إلى جسد آخر ، والتناسخ نظرية دينية قديمة تقوم على عودة الروح بعد الموت إلى الحياة في جسد جديد ويرى القائلون بها أن الروح جوهر أزلي خالد وخلودها يستمر في حيوات شتى تكون في امتدادها حياة واحدة أبدية مستمرة وهذا ما حدث مع سهر في هذه الرواية حيث حلت فيها روح نور الفرعونية ثم غابت نور لتشرْق روح شمس في جسد نور وربما ستغرب شمس ليسطع قمر في روح سهر بعد ذلك .
دلالة الإهداء:
إهداء ثوري للشيخ عماد عفت وصلاح جيكا ومينا دانيال شهداء ثورة 25 يناير وهو إهداء له دلالته لمن قدموا أرواحهم فداء لهذا الوطن .
    ثم إهداء للأحفاد رمز الأمل في الغد المأمول .
    ثم تصدير مهم من القرآن عن الروح ، ثم عبارة لفرويد تؤكد على نفس الفكرة فكرة تعدد الأرواح للشخص الواحد يقول فيها:
"كل فرد ينتمى إلى عدة أرواح جماعية روح عرقه ..روح طبقته.. وروح طائفتة."
      ثم تصدير مهم يوحي بالهم الذي يحمله فوق عاتقه ويفسر توجه كتابته .
      ثم مقولة موحية لحكيم فرعوني ، وأخيرًا مقولة لفتحي رضوان .
من العتبات إلى النص
     هذه الرواية كما قلنا حلقة من سلسلة حلقات روائية تعنى بفكرة حلول الروح وانتقالها من جسد إلى جسد آخر فإذا كانت رواية قهوة سادة قد تكلمت عن عصر إخناتون والتوحيد فإن هذه الرواية تتحدث عن عصر فرعون وموسى .
والرواية تسير في ثلاثة خطوط متوازية .
الأول يحكى عن نور الفتاة العبرانية وقصة حبها لمحب القائد الفرعونى المؤمن بفرعون والصراع الدينى بين الإيمان والكفر من جانب والحب المستحيل من جانب آخر ، وانهزام دين الحب أمام دين السماء .
     بينما الخط الثاني في الرواية يتحدث عن قصة حب مستحيلة أخرى بين سهر وأستاذها كاظم تنتهى بالفشل ورحيل سهر إلى الإمارات للزواج هناك .
والخط الثالث يحكى عن فتحي رضوان وحياته في الإسكندرية ومعاناته من الوسط السقافي وفشله في الزواج ممن يحب مما يؤدى إلى رحيله هو الأخر إلى الخليج للعمل هناك بعد أن يتزوج من إمرأة أخرى .
وأول ما يلاحظ على هذه القصص الثلاثة أن الخروج من الأرض والرحيل صار حلاً أو خلاصًا أو مصيرًا حتميًا مفروضًا على أبطالها .
أخرج من مدينتى من موطنى القديم
مطرحًا أثقال عيشى الأليم
فيها ، وتحت الثوب قد حملت سري
دفته بيابها ، ثم اشتملت بالسماء والنجوم
أنسل تحت بابها بليل
لا آمن الدليل ، حتى لو تشابهت على طلعة الصحراء
وظهر الكتوم .
صلاح عبد الصبور
سأترك الإسكندرية المدينة البليدة الخاملة التي لا يتخطى أحلام مبدعيها محطة قطار سيدى جابر ........فتحي رضوان
إذن كل شئ ينتهي بالرحيل الذي يعد خلاصًا ونجاة ، وإذا كان سفر العبرانيين كان خلاصًا جماعيًا فإن خروج سهر ، وفتحي رضوان من بعدها كان خلاصًا فرديًا وخاصة بالنسبة لفتحي الذي لم يتمكن من التعايش مع مجتمع يقتل المبدعين ويحارب المثقفين ويكره المفكرين فكيف يحلق المبدع بأجنحة متكسرة في مدينة مهجورة مهجرة .
الطيور مشردة في السموات
ليس لها أن تحط على الأرض
ليس لها غير أن تتقاذفها فلوات الرياح    .........أمل دنقل
والسيد حافظ هو أحد هذه الطيور التي لم تقعدها مخالطة الناس ولكنه من الطيور المعلقة في السموات وليس بوسعه إلا أن يلبي نداء الشاعر :-
رفرف
فليس أمامك
والبشر المستبيحون والمستباحون صاحون
ليس أمام غير الفرار
الفرار الذي يتجدد كل صباح
لكن السيد حافظ بعد خروجه وفراره قرر العودة قرر المواجهة قرر أن يعيد كتابة التاريخ أن يناقش قضية الهوية أن يفضح الأدعياء أدعياء الفكر أدعياء الحضارة أدعياء الثقافة لذا دفع الثمن غاليا ومازال يدفعه ومازال يواجه .
حضور ذات المؤلف في الرواية
إذاكان أرسطو يقول اعرف نفسك فإن السيد حافظ قد عرف نفسه وقرر ألا يكون إلا نفسه وألا يكتب إلا نفسه لذا يقول في تصدير روايته "لست مؤهلا إلا لكتابة شيء عن نفسي"
      وهذا مناط تميزه وتفرده عن غيره من الكتاب ، السيد حافظ هنا في هذا العمل حاضر وبقوة لا يختفي خلف شخصياته بل يطل بوجهه لا في صفحة الغلاف فحسب ولكن في كل قطرة حبر سالت على أوراق روايته .
السيد حافظ يكتب ذاته لكنه لا يكتب سيرة لها ، هذه ليست رواية سيرة ذاتية تستوجب حالة تطابق بين الكاتب والسارد والشخصية لكنها أقرب لرواية التخبيل الذاتي يقف فيها وجها لوجه أمام ذاته في محاولة منه لخلق مسافة مع هذه الذات عبر عنصر التخيل ليخلق منها موضوعًا للتأمل وإعادة الاكتشاف .
الكاتب حاضر بفكره بثقافته باختياراته بتعليقاته حاضر بروحه في كل كلمة في الرواية .
مذهب الكاتب
إنني شاعر خارج التصنيف وخارج الوصف والمواصفات فلا أنا تقليدى ولا أن حداثوى ولا أنا كلاسيكي ولا أنا رومانسي ولا أنا رمزى ولا أنا ماضوى ولا أنا مستقبلي ولا أنا انطباعي أو تكعيبي أو سريالي إنني خلطة لا يستطيع أي مختبر أن يحللها إنني خلطة حرية.
                                                                         نزار قباني
أنا كاتب فوق الأحزاب أنا حزب لوحدى....... السيد حافظ
كيف نصنف السيد حافظ من خلال هذه الرواية هل هو كاتب رومانسي يهيم شوقًا ويذوب عشقًا ؟ هل هو كاتب واقعي ؟ هل هو كاتب رمزي ؟ هل يوظف القناع ؟ هل يستخدم الإسقاط الرمزي ؟ هل .....هل.........
نعم هو خليط من كل هذا هو نسيج متفرد بذاته لا يشبه إلا نفسه.
استلهام التاريخ
فشر الناس قوم ذو خمولٍ              إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
                                                            معروف الرصافى
ثمة ارتباط بين التاريخ والفن الروائي إذ إن كليهما يتضمن سرد الأحداث بشكل قصصي و لوجود هذه العلاقة بين الفن والتاريخ اتجه الكتاب إلى قراءة هذا المصدر الثري وهضم صوره وصياغة موضوعاته صياغة حية نابضة لتنفذ وسيلة للتعبير من خلالها عن ذواتهم ، وإذا كانت الرواية بشكل عام هي تاريخ متخيل داخل التاريخ الموضوعي فإن لنا أن نلتمس الخيط الذي يشد الرواية إلى التاريخ عبر اشتراكهما في عناصر رئيسة هي الإنسان والزمان والمكان وأكثر من ذلك اشتراكهما في الطابع القصصي .
وإن كان اعتماد الرواية على الحدث التاريخي لا يعني إعادة كتابة التاريخ بطريقة روائية فحسب ،بل قد ترتبط الرواية بالتاريخ للتعبير عما لا يقوله التاريخ في بعض الأحيان.
وهذا ما فعله السيد حافظ حيث أعاد تقديم التاريخ من وجهة نظره موضحًا كثيرًا من أخطائه وذاكرًا لكثير من الأخبار المسكوت عنها ، دون الوقوع في فخ الانبهار بالماضي أو الفناء فيه وإنما كانت قراءته للتاريخ قراءة ناقدة مصححة قاسية لكنها عاشقة إنها قسوة الحب التي كثيرًا ما يستخدمها السيد حافظ في نقد أحوال المجتمع المصري وكشف عوراته قديمًا وحديثًا سعيًا لإصلاحه وإبرازا لملامح الهوية المفقودة.
الروح الصوفية
أنا من أهوى ومن أهوى أنا           نحن روحان حللنا بدنا
نحن مذكنا على عهد الهوى           تضرب الأمثال للناس بنا
فإذا أبصرتنى أبصرته                  وإذا أبصرته أبصرتنا
أيها السائل عن قصتنا               لو ترانا لم تفرق بيننا
روحه روحى وروحي روحه         من رأى روحين حلت بدنا       
     الحلاج
ثمة علاقة وثيقة بين التجربتين الصوفية والأدبية تكمن في سعي كل منهما نحو الأسمى والأفضل وتقديم صورة للعالم البديل الذي يرتقي الصوفي من أجله معراج الروح ويبغيه الأديب مرتكزًا على الثنائيات الضدية إظهارًا لعوار المجتمعه وفساده أو محلقًا في عوالم خياليه مثالية يقدم من خلالها صورة ضمنية تجسد حلمه الأسمى بالمجتمع المثالي الذي يصبو للعيش فيه ، والروح الصوفية واضحة الملامح في هذه الرواية نراها في فكرة تناسخ الأرواح وانتقالها من جسد لآخر ، ونراها في حالة الوجد والعشق والتماهي بين الأحبة وفناء العاشق في المعشوق، رحلة مغامرة عشقية يسير فيها العاشق وحيدًا أعزل إلا من حبه وشوقه ولا يقين لديه إلا إدراك غايته لأن الحاجة إلى المحبوب نداء باطني يأتي من المجهول لا تحدده مواقع سطحية قريبة ولا يقبل المحبوب إلا بالنفوس القوية الصامدة إنها رحلة صعود صوفية يتألف سلمها من درجات متناهية في الدقة والخطورة تبدأ بسيطة وتنتهي صعبة يفن فيها المحبوب في حبيبه وقد كتب السيد حافظ عبارة غاية في الرقة الشاعرية تعبر عن هذه الحالة منها علي سبيل المثال وصف فتحي لحبيبته ناهد وعشقه لها :-
"سأتذكر أني عندما قبلتك فقدت الذاكرة وأني حين احتضنتك وجدت وطني ، وحين ارتميت على جسدك تلاشيت في جسدك وصرت نورًا وسأذكر أنك موطنى وهوائي وخيمتي ومهرتي وأنك في الليلة الظلماء قمري ."
وهذه القطعة العذبة من محب عن نور :
من أنت يا نور؟ هل أنت لي قدر مكتوب؟ هل أنت جنوني المسافر و عاد ؟ هل أنت أوراقي وزهرة خبأتها من السنين في حنايا القلب؟ هل أنت لحظة مضيئة تعد بألف سنة مما يعدون؟ هل أنت شجرة ميلاد لا تنبت أوراقها ولا تفوح إلا لحظة وجودى والحضور ؟ أعرف الآن أنك تهيمين في قلبي دون آلاف النساء إني أجمع صفاتك من كل النساء ليستريح قلبي حين تغيبين.
وهذه الرسالة التي يبدو فيها العشق الصوفي بوضوح من فتحي لزوجته تهاني :-
أنا من الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض وفوائد العشق لحواء أنا مدن ليس لها ميناء ولا أشغل نفسي بالدنيا دينا أو مدنية فالله في كل الأشياء دنيوية ودينية وأنا الشيخ المستنير وأعرف طعم الكلام والأصطدام والانتقال والاتصال ودهشة الطفل في داخلي حين أرى مطر الشتاء اكتشفت أني أحبك كثيرًا ياتهاني في هذا المساء.
نقد الواقع الاجتماعي
تحمل الرواية نقدًا شديدًا للمجتمع المصري قديمًا وحديثًا مركزة على كثير من سلبياته مثل تبعيتهم لفرعون رغم توالي الآيات والابتلاءات ، ومن ثم صارت التبعية للفراعنة وراثة وهذا سر احتفائه بـــــــ25يناير التي تمردت على فرعون .
كما تلقي الضوء على سوء فهم الحضارة فالحضارة ليست تماثيل ولكنها سلوكيات للناس .
وتبرز فساد الحياة الثقافية وسيطرة العلاقات الشخصية والشللية في النشر والجوائز وفتح أبواب الإعلام والصحف ...
وتنتقد المناخ الطارد في مصر لأهلها واضطرارهم للسفر إلى الخليج الذي يسهبنهم ويستنزف طاقاتهم
سُلطة الهامش
     هدف الحاشية في معظم الأحيان هداية المتلقي إلى مغاليق العالم الروائي عن طريق دورها في توثيق النص وتثبيت الإحالات ومصادر الكاتب ومراجعه أو توضيح ما ورد غامضًا في المتن وإن كانت الحواشي تتذيل النص وتقع في هامشه فإنها تؤدى دوراً وظيفيًا يؤازر المتن الحكائي .
وقد استخدم السيد حافظ حواشيه بشكل توثيقي في كثير من المواضع مثل إشارته لمرجعه التاريخي عن أخبار موسى ، وأحيانًا يستخدمها استخدامًا توضيحيًا تفسيريًا عند إشارته لأصل تسمية أبي حنيفة وللغة التي كلم الله بها موسي .
وأحيانًا كان يستخدمها للتعقيب والتعليق مثل تعليقه بأن أول من كشف زيف اليهود شامبليون....
ولكن الحاشية تتسع في كثير من صفحات الرواية حتى تبدو في كثير من الأحيان كتابًا مستقلاً عن المتن ، يتحدث فيها المؤلف عن مواقف حياتيه وأشخاص قابلهم أو يعرفهم يشكو ينقد يتألم يحب يفرح يحزن ، يذكر أسماء بعينها من الشعراء والكتاب ، يشكو ديونه أحيانًا....
ولكن هل فعلاً الحاشية لا علاقة لها بالمتن ؟في كثير من الأحيان تكون الإجابة بــــــــــــ لا هناك مواضع كثيرة تربط بينها ،منها علي سبيل المثال في صــــــــــ41 هناك عبارة أرسل مع العصافير دقات قلبك لمن تحب إن العصافير والحمام رسل قلوبنا
وفي الهامش
بيان انقسام المصريين في كل العصور منذ عهد إخناتون ومرورًا بموسى وفرعون ، وفي عهد المسيحية من آمن بعيسى بشرًا ومن آمن به إلهًا ، وفي عهد الفاطميين شيعة وسنة وحاليًا إلى إخوان وعلمانين وفي كل عصر يسقط الضحايا لغياب القدرة على التعايش لغياب الحب .
في نفس الصفحة الحديث في المتن عن جحود الأبناء رغم ما قدمه لهم الأباء وفي الهامش جحود المثقفين والإعلاميين وحصار الكاتب بالتفاهة في بلاد اللا معنى .
في صــــــــــ34 ربط بين المتن والهامش  حديث عن الشر وقول سهر يا خالتي شهرزاد الشر موجود طوال الوقت وفي كل الأحوال في الهامش مرض أخيه رمضان بالسرطان في الكبد وبداية علاجه الكيماوي .
في صــــــــــــ343 إشارة إلى الحكم بالعدل كما جاء في التوراة وفي الهامش إشارة إلى دخوله الإنتخابات باتحاد الكتاب وعلمه المسبق برسوبه لأنه لا شلة له فالثورة لم تغير فينا شيئًا حتى الآن .
صـــــــــــــــــ354 إشارة إلى سوء معاملة العرب الخليجيين للوافدين وفي الهامش إشارة إلى تسامح عمر بن عبد العزيز مع اليهود وتسامح هارون الرشيد مع المسحيين ثم تحذير من الفتنة........... وهكذا يأتي الهامش متممًا للمتن وموضحًا له أو معلقًا عليه ، في ربط بين الهامش والمتن والقديم والحديث والتاريخ والواقع.
كابتشينو صرخة لتنبيه مجتمع غافل ليعيد اكتشاف نفسه وتشكيل وعيه ، تطرح أسئلة تعمق جرحًا لتصل إلى التطهر ، لاتقدم حلولاً لكنها تضع أيدينا على المشكلة علنا نجد حلولاً لها.
تحمل الغرابة والتشويق ،نحن أمام رواية اختراق واحتراق تربط بين الما قبل بــــــــ الما بعد في الحكى ترجع إلى التاريخ وتسقطه على الواقع وتقدم لنا شكلاً جديدًا للسرد يعلو فوق التصنيف ويتمرد على النمطية .
دكتور احمد المصرى / جامعة الاسكندرية ..هاتف 01115336800

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More