Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الخميس، 15 يونيو 2017

" وسام من الرئيس " وألوان الطيف الملهاوى

" وسام من الرئيس " وألوان الطيف الملهاوى
عبد الغنى داود
يكشف نص مسرحية "وسام من الرئيس" الواقع العربى المتردى الذى نعيشها وهى من أواخر أعمال الكاتب المسرحى الكبير – السيد حافظ – الذى كتب حوالى ست وستين مسرحية طويلة وذات فصل واحد – منذ بدأ الكتابة للمسرح عام 1970 وحتى الآن.. والمسرحية كتبها مؤلفنا عام 1992، ونشرت لأول مرة عام 1997، واستوحاها من حرب الخليج الأولى حيث خيم على الوطن العربى مناخ الهزائم المتوالية. لذا فأحداث النص تخرب بجذورها فى الواقع العربى.. مُعتمدة على السخرية التى يعبر بها عن الأحوال الاجتماعية، وكاشفاً من خلال المشهد الأول فى المستشفى – حيث يُلقى بالطعام للمرضى على الباب وكأنهم كلاب، وما يتلوه من مشاهد سواء فى القرية أو الشارع أو الخندق أو مبنى السفارة، وأخيراً فى مستشفى المجانين وفى أى مكان يذهب إليه بطل هذا النص.. إذ يتتبع النص حياة المواطن الفلاح الأصيل (فاضل عبد السميع – الشهير بفاضل بوش!) والذى يحصل على وسام الرئيس لمشاركته فى حرب بين بلد عربى وبلد عربى أخر – تدخلت فيها أمريكا بجبروت قوتها، ويُصاب فى هذه الحرب بجراح أقعدته فى المستشفى العسكرى، ويخرج منها حاملاً وساماً وصورة له فى الصحيفة مع الرئيس.. مُتوهماً أن ذلك سيساعده مع زوجته الفلاحة – فاطمة – فى أن يكسب عيشه. فيطرق كل أبواب الرزق مُستعيناً بالوسام صورة الصحيفة.. لكنه يفشل ويتخبط مع زوجته فى دوامة الحياة – بعد أن استولى (العمدة) على قراريطه، وعلى المبلغ الذى أرسلته له الأمم المتحدة والذى اقتسمه كبار رجال الدولة – إلى أن يلتقى بزميل له فى الحرب من البلد العربى المُحرر – فيجد حفل تكريم له فى سفارة بلاده المحررة، ويحلم (فاضل) مع زوجته بحياة رغدة سعيدة كمكافأة لهذا التكريم.. لكن السفير فى نهاية الأمر.. يمنحه وساماً آخر – لا نفع فيه فيرفضه علانية وفى غضب.. فيكون ذلك سبباً فى إيداعه مستشفى الأمراض العقلية آخر الأمر – بعد أن فقد السيطرة على نفسه.. لأنهم لا يشعرون بما يحتاجه المواطن الشريف.
والنص كما اتصور مليئ بالسخرية الواضحة فى نقده السياسى، وهو قادر على صنع ممثل كوميدى أو هزلى من طراز فريد – نظراً لأن صائغه صان ماهر فى حرفة الكتابة الملهاوية بصفة عامة – خاصة وأنه عليم ببواطن مهنة التمثيل والإخراج اللذين مارسهما لسنوات فى بدايات حياته.. فهو منا مدرك لمدى أهمية وتعلق الجمهور بشخصية الممثل الكوميدى – الذى يحتل مركز الظاهرة المسرحية لدية.. خاصة فى المسارح الجماهيرية والتجارية.. فبطله (فاضل عبد السميع) قد وفر له مؤلفه ما يُسمى بالمرونة المرحة والحيوية المبهجة.. بالإضافة إلى ملكة الحضور إذا توفرت لهذا الممثل – رغم أن النص يجسد لنا مصيراً مظلماً لهذا البطل.. الذى قد يضحكنا مُتدرجاً من الضحك السوقى إلى الضحك الذى يهز العواطف بخاصيته الجمالية.. إذ يتدرج فى أشكال الملهاة من الهزلية الكوميديا السوداء.. فبطله مكتمل الأبعاد – قد تخلص من الدور النمطى الذى قد يتحكم فيه المظهر الجسمانى فى تشكيل تعبيره الكوميدى.. أى بدين أو نحيف.. طويل أم قصير.. لا يُهم.. أو النمط التابع من التشوهات أو النقائص.. فبطلنا يمكن أن يكون أقرب إلى ممثل الكوميديا المرتجلة ذى البراعات والحماقات المختلفة، ومعتمد على المبالغة والمغالاة فى السلوك، تضفى عليه طابعاً مثيراً وملحاً، وتوفر له ميزة جذب الاهتمام وتضفى على الشخصية عمقاً ودلالة، ومثل هذه الشخصية الملهوية تتسق تماماً مع الظروف التى تعيشها فى عالم قامع مضطهد – فيكون الملاذ – الذى يبرز من تلقاء نفسه – إذ تنتزع الذات نفسها من الواقع وتلجأ إلى عالم التمثيل واللعب – أى إلى (اللاجدية) بمعنى : [ الانسحاب نحو وجود تتلاشى فيه عقبان الحياة الجادة – فالفن بطبيعته انفصال عن العالم وتحرر منه، وهو فى المسرح متحرر فى أعلى مستولى له – حيث يتخذ من اللعب والتمثيل مجالاً له] كما يقول [اندريه فيلييه – فى كتابه "الممثل الكوميدى" ترجمة : محمود مهدى قناوى – سلسلة الألف كتاب – 2003].. لكن موضوع نصنا هذا جاد ويتناول قضايا مصيرية، ورغم ذلك تمت معالجته بمزيج أو خليط من الأشكال المسرحية الملهاوية – فهو ينهل – بداية – من المسليات المسرحية التى قد تكون فى العرض التمثيلى الهزلى – اللاأدبى – الذى لا يستهدف غير الترفية السطحى وتغنى كملحمة المرحة – الوقحة فى بعض الأحيان، وينهل أيضاً من دراما التحريض التى تعطى المتفرج مفاتيح فكرية مثل : أن يذكر فى النص [ د. بطرس غالى – عندما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة فى ذلك الوقت، أو توظيف كلمة (السلطانية) التى حصل ليها الشقيق الطماح فى البرنامج الإذاعى "أرزاق" وصار مثلاً - ويذكر العقيد الربيعان المتحدث العسكرى لحرب الخليج الأولى - بين الناس يشير إلى الفشل والخيبة، كما يشير أيضاً إلى دول بعينها وسفارة بعينها ورؤساء بعينهم، ونجد ملمحاً من ملامح الملهاة الهزلية التى تميل فى بنائها إلى مزج عناصر المسرحية الهزلية بعناصر من الملهاة الواقعية – أى الملهاة التى تستمد موضوعها من مادة واقعية وتعالج شئون الحياة المعاصرة مثل ما حدث فى حرب الخليج الأولى بين العراق والكويت ومشاركة جنود مصر فى هذه الحرب عام 1990 – وهى معالجة تتسم بالغمز، والهجو، والنقد – فى شئ من الذهبية والنغمة الخشنة الساخرة.. أى خشونة المواقف الملهوية والحركات الجسدية المضحكة، وقد تقدم فيها المشاجرات وأدوار الردح والصياح والصخب، والسلوك الوقح أو الشاذ، ويمكن أن يتسم النص بعنصر من عناصر (الفارس) أو الهزلية. التى يصلح فيها إضافة كلمة أو عبارة أو حتى فرض رقصة أو أغنية أو مقطوعة موسيقية فى العرض الذى يقدم – دونما ضرورة فنية ملحة، وهو قابل أن يشتط فى توظيف المرح، والتهريج، وخلق التناقضات الحادة، والحركات البدنية الهازلة، وفى نفس الوقت ينتمى هذا النص إلى الكوميديا الراقية لأنه يقوم بمسخرة الآاب والمواضعات الاجتماعية، والذوق العام، والمؤسسات المصطلح على جوهرياتها.. بخلاف الهزلية التى تحول أعمدة المجتمع المقننة إلى أطلال وخرائب.. فهو إذن – نص يعتمد على المعقولية، وعلى تصوير الشخصيات – أى أنه مزيج من الهزلية والملهاة، مع ملامح من الدراما الهجائية التى تعلق فى سخرية وهجو على نقاط الضعف فى الفرد والمجتمع مثل شخصيات [سنية أو خب، والشاويش التمورجى عمر، ورجل الأمن، والمتحدث، ود عزمى وغيرهم]... كما تفرض أخيراً بعض ملامح الكوميديا نفسها فى هذا النص حين تختلط بعض العناصر المأساوية والملهاوية خلطاً حراً، والتى تصور مفارقات الحياة وتناقضاتها التى تحدث لأناس عاديين ليسوا أبطالاً بالمعنى التقليدى فنتوقف أمام الصحفى (محروس) المنافق ذى الوجهين الذى يدعو للصمود كشعار أجوف بينما هو يدرس الكادحين بحذاءه، من هنا نجد أن موضوع المعالجة واقعى وفى شكل متجهم أيضاً – إذ يتعرض لمأساة أناس جاهدوا ولم يجدوا سوى الجحود ونكران الجميل، ورغم ذلك يأتى تناول الموضوع بأسلوب هازل وأحياناً فى صورة كاركاتورية تهكمية لكن جدية الموضوع المثير للشجن بقتامته، والتى تحمل المتفرج على المعاناة دون أن تفرج عنه الدعوع، وتحمله على السخرية دون أن يفرج عنه الضحك مما يحول النص إلى ملهاة راقية.. حين نجد السخرية عاملاً متحكماً فى إدارة الأحداث، والبطل ملهوى وإن كان يثير الإشفاق.. حيث تظل القتامة واليأس هما الطابع العلم للنص..
لكننا نشير فى النهاية – أن المشهد الأخير فى النص والذى يدور فى مستشفى الأمراض العقلية جاء مهادناً عندما تخلى البطل عن جهاده، واكتفى بالمطالبة بشرعية حقه فى الحياة الكريمة.. عندما أخذ يناشد رجل النظام والمؤسسة الحاكمة القاهرة المتمثل فى [د. عزمى] – باسم حملة الأوسمة الذين أودعوا مستشفى الأمراض العقلية، ونجده يتراجع عن خطابه فى التمسك بحقه والإصرار عليه والدفاع عنه.. ليتحول خطابه إلى التماس ورجاء.. فى نبرة مصالحه والرضا بالحلول الوسط.. حين يقول [إحنا لنا طلب واحد.. قول للريس وكل ريس – إحنا اللى حاربنا مش عايزين نياشين ولا وأوسمة، عايزين شقة فى أى مكان – شقة تصلح لحياة عيله – تصلح للإنسان. عايزين شغلانة مضمونة فى الحكومة – عايزين عربية صغيرة نروح بيها الصبح الشغل وبعد الضهر نعملها تاكسى بالعداد.. قول للريس.. أيه فايدة الوسام مع مواطن جعان ولا له سكن ولا له أمان!!؟]
وتبقى لنا كل ألوان الطيف الملهوى فى هذا النص الرشيق..



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More