Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الخميس، 15 يونيو 2017

مقومات مسرح الطفل

مقومات مسرح الطفل

بقلم
عبد الغنى داود

لكى نرسخ فى وجدان الطفل جذوره الثقافية العميقة، نغرس فيه ثقافته الأصلية غير المستوردة كى لا ينبهر بثقافات وافدة تجعله يسقط فى براثن التقليد والتزييف ويرسف فى أغلال التبعية.. حيث يعثر المبدعون لمسرح الطفل على المادة الخام التى لا يمكن استلهمامها فى الأعمال المسرحية التى تقف ضد القطيعة والفقدان والأسلبة، وضد سخام وسودلوية وإحباط التشاؤم، وضد الموت العادى المجانى.. مع بساطة ونبل البطولة فى الإطار الإنسانى البشرى، وضد ما يسمى بالخارقية أو (السوبر مانية)، والغلو فى إبراز القوة الخارقة.. مع التمكن والإفتدار الواثق، والقوة التى تسرى داخل المقاتل البسيط فى لحظة التحدى والتضاد الحضارى.. وذلك لإخراج مخزون الطاقة الكفاحى لدى المبدع والمتلقى.. وع اختزال للحدث وإيجازه، ومع ما يجعله من ظلال وموحيات مع المعنى ودلالاته.. لوصول إلى بلاغة البساطة.. لتصبح وسيلة كامنة للتحريض بلا منبرية أو ضجيج أو صوت عال.. وبحيث يصبح العاشق للأرض هو (الأنا) الجمعى.. محاولاً النهوض باليومى من ركام المرئيات إلى مصاف المخيلة.. ودون أن يلجأ إلى ما يمكن أن نطلق عليه (الهجرة) أو (المغادرة) أو (الخلع) أو الاغتراب..
ولسوف نضرب أمثلة ببعض مسرحيات الكاتب المسرحى (السيد حافظ) الذى عمل على تسييس مسرح الطفل.. متحدياً بذلك انتقادات البعض.. المنجرفين فى تيار تهميش الكبار لمسرح الطفل، واقتصارهم على توجيهه بالطرق المباشرة التى تنضج باللاوعى.. ونبدأ بمسرحية "أبو زيد الهلالى" التى استقاها من قصة من قصص السيرة الهلالية فى (ديوان الريادة) فى رحلة (أبى زيد) ليكتشف الطريق إلى تونس بعد أن عم القحط فى نجد وبحثاً عن الماء والكلأ.. فوجد العبد (سعيد) الذى اغتصب الحكم من الوريث الشرعى (مغامس) بعد أن استأمنه الملك الراحل على العرش حتى يبلغ الوريث سن الرشد.. لكنه خان الأمانة وانفرد بالعرش، وعندما يعلم (أبو زيد) بهذه الواقعة (يشاركه دياب بن غانم) – وهم ما يختلف عما جاء فى السيرة فى إنقاذ عرش الفتى (مغامس) الذى سيتزوج من ابنة عمه (شاه الريم) الذى يطمع العبد (سعيد) فى الزواج منها،، ويقتلون (سعيد) مغتصب العرش والنص مليئ بالدلالات الإيحائية عن اغتصاب الأرض والوطن، وقد اعتمد على أسلوب ما يمكن أن نطلق عليه (بالمسرح المشارك).. حيث يشارك فى سرد أحداث المسرحية (الحصان والكلب) (ويزاحمهما) أيضاً فى السرد (الجمل الخشب) فى نهاية النص... مع توظيفه للمنهج البريختى فى كسر الحائط الرابع ليشارك الأطفال فى أحداث المسرحية بالمشورة والرأى وتلقيها بعقل واع وذهن متيقظ.. إذ يقوم التغريب هنا بوظيفته الجمالية والفكرية، فالجمالية تعوده على اكتساب القدرة على تقبل المثير والغريب والمدهش عن طريق الحيل المسرحية التى يوفرها فعل التباعد، وكذا معرفة التقنيات الناتجة عنه نحو تكسير الحدث المسرحى، وغرابة الفعل أو الحالة المسرحية، وانضمام الشخصية الواحدة – ضمن الدور الواحد وهكذا.. أما الفكرية فوسيلة لشحن ذهنه بالأسئلة المعلقة لتعوده على حل ألغازها وإرجاع العلل إلى أسبابها ليكتسب بعد ذلك موقفاً عقلانياً، كما أنها تعمل على تنمية إحساسه بالمفارقات وتحديد مواطن الغرابة ليتهيأ من ثم إلى إدراك مواطن الخلل.. فيكون إنساناً سوياً يملك استقلاليته فى التفكير وأخذ القرار: والكاتب من خلال هذا النص يقوم بتعريف شخصية هامة فى التراث الشعبى هو (أبو زيد الهلالى سلامة) بطل ملحمة الهلالية.. هذه السيرة التى تكاد تنقرض الآن بعد أن انحسر عدد منشديها فى قلة قليلة.. وذلك لتعميق إحساس الأطفال بأصولهم وجذورهم.. مع ما تحمله من خطاب أخلاقى هو إنصاف المظلوم والنضال من أجل استرداد الحق والتشبث بقيم الشجاعة والشهامة والمروءة والكره الذى تجسده الحبكة الجانبية فى النص حيث يعرض الأمير (مفرح بن نصير) ابنته (الثريا) للبيع فى مقابل عشاء ضيفين قصداه ولم يكن بمنزله أى طعام، وتشير هذه القصة إلى مفارقة درامية.. إذ تشير إلى القحط فى الزمن القديم فى الجزيرة العربية ومقارنته بما ترفل فيه الآن من ثروة النفط. والنص مكتوب بفصحى مبسطة تقترب من لغة الحياة اليومية.. ونشير فى النهاية أن هذا النص استلهم الحيلة التى دبرها (كليب بن ربيعة) و(جليلة بنت مرة) مع أبناء عمومتهم فى (سيرة الزير سالم) لقتل الملك (التبع) الذى طمع فى الاستيلاء على جليلة عروس كليب.
وفى مسرحيته (عنترة بن شداد) يستحث الكاتب (السيد حافظ) جمهور البراعم للدفاع عن شرف الوطن ضد المغتصبين، وبناء إنسان المستقبل الذى يجعل الحب والخير والفضيلة شعارات لحياته – حيث تتأزم المواقف فيذهب (عنتر) لإحضار التفاحات الثلاث لينقذ القبيلة ويتزوج (عبلة).. حيث يلتقى بالشيخ الحكيم عم سالم – الذى يبيع له الحكمة مقابل رغيف من الخبز، وقد انقذت هذه النصائح (عنترة) من بطش الحية الشريرة وملك القرود والملك المهرجان وتمثل هذه الحكم الشمعة التى تنير طريق الطفل فى زحمة الحياة، وتجعل منه إنساناً نموذجياً يتنفس عشق العلم ويبصر قيمة التأنى والزهد فى الطعام والشراب.. حيث يتوسم المؤلف فى الأطفال الأمل فى تحرير الأرض والتضحية فى سبيلها، وكيف أن المرأة دافعت عن شرف القبيلة، وأن الجهل ظلام دامس – كما حدث للملك المهرجان الذى ترك السلاح فى أيدى أعدائه ففقأوا عينه، وأن مقاومة الصعوبات فى الحياة شئ لا مناص منه، وأن الأخطار تشكل جزءاً من حياتنا ووجودنا.. لذا وجبت المجابهة بدلاً من الهرب كما الشأن بالنسبة (لضرغام وعمارة والربيع) فى المسرحية، وأن قيمة الإنسان فى قوة شخصيته وصلابته أمام الأعداء وليس فى حسبه ونسبه.
ومن كتاب " ألف ليلة وليلة" يستلهم (السيد حافظ) مسرحيته "الشاطر حسن" وهى مكتوبة باللهجة المصرية الكويتية، ومأخوذة من قصة (أبى الحسن المغفل) التى سبق أن وظفها كتاب مسرحيون عرب من قبل المسرح.. ورغم ذلك ففكرة المسرحية مستمدة من الأحداث اليومية المعاصرة.. فعلاقة الشعوب العربية بحكامها فى حاجة إلى رأب الصدع الذى أصابها.. وتروى المسرحية قصة (حسن) صياد السمك الذى عاش فى بيئة شعبية فقيرة، ويعثر (حسن) على كيس نقود الأميرة (ست الحسن) التى خرجت للسوق مع جاريتها، ويجرى (حسن) وزميله فى المهنة (مختار) خلف الأميرة ليعطيها الكيس.. مما يعرضه ذلك إلى أن يقع بين أيادى حراس القصر – الذين – عندما يمعنون النظر بوجهه حتى ينحنون راكعين له.. متوهمين أنه السلطان صاحب القصر وخطيب ست الحسن.. وذلك للتشابه الكامل بين (حسن والسلطان)، ويصل خبر هذا التشابه إلى السلطان المبتلى بمرض الاكتئاب الموهوم – حتى أنه أطلق منادياً فى المدينة بمنح مكافأة كبيرة لم يأتيه (بقميص السعادة) وفى القصر نجد (الوزير) اللص الذى ينهب أموال الشعب ظلماً واستبداداً. ويطيب للسلطان – الذى يواجه شبيهه أن يلعب لعبة (الاستبدال) كى يعيش وسط الشعب ليتعرف على مشاكل العامة ويتولى (حسن) السلطنة.. فيطلق سراح المحبوسين المظلومين، ويكشف وهم (قميص السعادة) الذى خدع السلطان به، وبدلاً من ذلك يطلب حسن ارتداء قميص العلم والفكر.. وأعلن الحرب على (جزيرة الحوت) التى شردت أهل جزيرة الأمل وأحلت الجزيرة، ويكشف البيانات الرسمية الكاذبة عبر الأثير لخداع الجماهير.. وقد ركز الكاتب على الشخصيات الشعبية، وكرر مشاهد السوق ونضال الناس من أجل لقمة العيش ليكشف أن (سعى الحلاق وبائع السمك) مجرد استثناء لشخصيات شريرة من الشعب، وقد يبدو الموضوع هنا سياسى يلائم الكبار فقط.. إلا أن المؤلف استطاع أن يتناول الموضوع بما يتلائم وإدراك الطفل – فالانسان فى هذا النص – كما يقول الناقد نادر القنة – إنسان يتحكم فيه القدر الاقتصادى والاجتماعى، وهذا ما يحدث للشاطر حسن حينما يتخذ قرار الحرب ولا شئ غير الحرب.. بينما يعلق الناقد (شنايف الحبيب) على هذه المسرحية بقوله : (فمسرحية "الشاطر حسن" ليست حدثاً واحداً وإن لبست ثوب القصة فإنها تحررت من سلطة القصة فلم تسجنها فى موضوع واحد، بل استطاع الكاتب أن يسبح فى عوالم كثيرة، فها هى الأحداث تتشابك وتتحدد لتفجر المكان الواحد والزمان الواحد، فيضحى الزمان أكثر من لحظته – إنه الحلم والمستقبل والواقع). والمثال الأخير هو مسرحية (سندس) وهى مسرحية استعراضية غنائية كالمسرحيات الثلاث السابقة، وتتسم قصتها بالصبغة الشعبية، وتدور أحداثها حول البنت الجميلة الفقيرة (سندس) التى تعيش فى كوخ فى (غابة) مليئة بأشجار الصنوبر والحيوانات والنهر مع جيرانها الطيبين، وهى فتاة تتسم بالشجاعة والطيبة والأمانة، وفلاحة نشيطة لا تحب الكسل وتحب العمل، والجميع يحبها، وهى دائماً ترقص وتغنى مع الجميع نشيد العمل.. إلى أن تأتيها (سارة وأم سارة) ضيوفاً لليلة واحدة.. لكنهما لا يخرجان من البيت فقد دبرا حيلة لاغتصاب البيت بالاستعانة (بالشاويش) الذى يحميها. وعندما تشكو (سندس) (للسلطان) يكون مشغولاً بمرض ابنته المفاجئ الذى دبر له الشاويش. ويحاول قاضى القضاة تنبيه السلطان بتزايد عدد الأغراب الذين يدخلون مملكته.. لكنه لا يبالى وينشغل بطلب الأطباء لعلاج ابنته. وعندما تطلب (سندس) مساعدة جيرانها من الفلاحين تجدهم يتشابكون مع بعضهم فى شجارات تافهة حول شبر وشبرين فى حدود أراضيهم، وتواصل نداءها لجيرانها كى يتضالحوا. وفى النهاية يدركون أنهم لابد أن يتعاونوا لطرد (سارة وأم سارة والشاويش) من أرضهم.. بعد أن اكتشفوا أنهم هم الذين يوقعون فيما بينهم. وتنتهى بدعوة (سندس) للتضامن، وأن يكون الجميع يداً واحدة لطرد المعتدين والغاصبين.
والنص يردى الحدوتة ببساطة دون خطابية مباشرة، ودون إشارة صريحة لما حدث لوطننا السليب فى فلسطين.. ومع ذلك هو مليئ بالدلالات الإيجابية التى تعبر عن نكبتنا فى فلسطين بسبب تفكك العرب وانقسامهم، وأن السلاح ينقصهم والأعداء لديهم سلاح أكثر.. كما تنقصهم قوة العلم التى هى أكبر من قوة السلاح وكثرة الرجال، والأكثر أهمية أن يكون لديهم العلم المتطور فى خدمة الإنسان.. كذلك يحمل دلالات إشارية واضحة تبدو فى اسم سارة وأم سارة وهما إسمان يهوديان، والشاويش هو المستعمر الغربى الذى يساند الصهيونية.. لذا فهذا النص نموذج جيد لمسرح الطفل الذى يدعو للمقاومة واليقظة ومواجهة العدو بالوعى وسلاح العلم ورغم أن موضوعها سياسى قد يشغل الكبار فقط إلا أن المؤلف اختار الخطاب المسرحى الملائم تجنباً لكل ما قد يحدث من انفصام بين رسالة المسرحية وقنوات التواصل..
وكما يقول المخرج العراقى (قاسم محمد) (فى بحث له ألقاه فى الكويت عام 1983 بعنوان (مسرح الطفل : (إن مسرح الطفل العربى كظاهرة معاصرة ومتكاملة العناصر – لم تتشكل بعد، ولا زالت ذلك الطريق المجهو الذى لم تطأ دروبه أقدام الفنانين والأدباء والمصممين والمخرجين من أولئك المستعدين لتكريس مواهبهم ومعارفهم وفنونهم تكريساً كاملاً لهذا المسرح، كما أن عمر التجارب والمحاولات العربية فى مجال مسرح الطفل لا أظنها تتعدى الربع قرن الأخير) .. رغم أن بداية مسرح الطفل فى فرنسا كانت عام 1874،وفى انجلترا عام 1918، وفى روسيا بعد الثورة البلشفية 1927 – وأتصور أننا مازلنا فى مرحلة البحث عن الهوية العربية لمسرح الطفل العربى، وذلك لتحقيق شخصية هذا المسرح الأصيلة.. تميزاً له وتخلصاً من تسلط وتبعية كل أشكال وإشكاليات المسرح الأجنبى المستورد والوافد.. من هنا أعود إلى الدعوة لأن نمعن النظر ونعمق التفكير بتاريخنا وبتراثنا الفنى والتعبيرى، وبتعدد وجوه وتراكيب تراثنا الأدبى، وكذلك فى أصول وجذور الفرجة التمثيلية وتعدد أشكالها ومعطياتها ومكوناتها لتتجسد لنا مقومات مسرح طفل أصيل نابع من وجداننا، ومعبر عن هويتنا العربية الأصيلة..
بقلم : عبد الغنى داود

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More