Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

أفق الحداثة في مسرحي في مسرح السيد حافظ

   أفق الحداثة في مسرحي في مسرح السيد حافظ
                                                                                                                 
                                                                                د. مصطفى رمضاني      
               

           يعد المبدع المسرحي العربي من أكثر المسرحيين العربي حضورا في المشهد المسرحي ذي الطبيعة التجريبة. فحين نستقرىء الريبرتوار المسرحي العربي أفقيا، يسترعي انتباهنا توا تربع هذا المبدع على عرش التجريب، سواء على مستوى الكم أم على مستوى الكيف. فقد أبدع ما يقارب المائة عمل مسرحي وقصصي وروائي استحضر فيها كلها مختلف الأساليب الفنية والاتجاهات الدرامية الحديثة  والمعاصرة. ولكنها جميعا تظل وفية لمبدإ التجريب، منذ أن كتب مسرحية الصدامية " كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى" سنة 1971، بعد أن احترق بمرارة هزيمة حزيران، شأنه في ذلك شأن كبار المثقفين العرب الذين اعتبروا كتاباتهم السابقة مسؤولة بشكل أو بآخر عن فعل التمهيد لتلك الهزيمة، نظرا إلى أنها لم تكن تحمل فعل التنبؤ كما يقتضي ذلك الإبداع الحق: الإبداع الذي يستشرف المستقبل ويعري الواقع ولا يهادن.
من هنا كان لا بد من كتابة مغايرة: كتابة مستفزة وغير مهادنة، سواء في نوعية الوعي الذي ينطلق من رؤية حداثية إلى الواقع العربي المهزوز، أم  في تكنيك الكتابة وأسلوب التواصل مع المتلقي. بمعنى أن الوضع كان يقتضي البحث عن شعرية مغايرة تراهن على التجريب في اتجاه حداثة حقيقية.
ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن التجريب في المسرح العربي آنئذ كان موصولا بإشكالية التأسيس، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تأخر المسرح العربي في ممارسة المسرح بالمعنى المتعارف عليه عالميا أولا، وإذا ما أقررنا أن التجريب بوصفه إجراء لم يبدأ في الساحة العربية إلا بعد اطلاع العرب على التجارب المسرحية الغربية بعد أواسط الخمسين من القرن الماضي ثانيا. لذا، نقر بكل بساطة أن المبدع المسرحي العربي حين يجرب الأشكال الدرامية من منطلق الحداثة، إنما يكون بصدد القيام بفعل التأسيس، نظرا لغياب القاعدة الجمالية الأصل التي يمكن أن تكون منطلقا أو قاعدة لفعل التجاوز الذي هو سمة أي تجريب. 
والسيد حافظ يعي جيدا هذا المعطى الذي هو في جوهره معطى إيبستمولوجي. لذلك فهو يراهن على مستويين لتحقيق هذا البعد التجريبي الحداثي في مسرحه. وأعني بهما مستوى الكم  والكيف معا. فوفرة الإنتاج سبيل للانتقال من مرحلة الكم إلى مرحلة الكيف. و لا يمكن معاينة أثر التجريب المسرحي بالملموس إلا ضمن ريبرتوار يبرهن على نجاعة التجربة في إطار التعدد والتنوع.
          ولعل نظرة سريعة إلى الريبرتوار المسرحي للمبدع السيد حافظ، يؤكد هذا الغنى وذلك التعدد. فهو كاتب عايش مراحل الانتكاسات العربية، وعاين مرارة التناقضات الاجتماعية التي أفرزت كتابات غاضبة أحيانا، ويائسة حينا، وحالمة أحيانا أخرى. وبين الغضب و اليأس والحلم، تستمر الكلمة الصادقة مبشرة بكل القيم التي تدعو إلى إنسانية الإنسان، وحيوية الحياة، وما إلى ذلك بما يؤمن به كل مبدع ملتزم و جاد وأصيل.
والسيد حافظ من طينة الكتاب الذين راهنوا على الكتابة، في زمن تضاءلت فيه قيمة الكلمة، بسبب كثرة الإحباطات، واتساع رقعة الخيانات، وتفشي ظاهرة التسيب الثقافي و الفني. فهو المرابط في رحاب الكلمة: يكتب في صمت و تواضع، بعيدا عن الأضواء و" الطبول الخرساء"؛ لأنه يؤمن بأن الأصيل سيظل أصيلا، وإن تعددت الأقنعة، وتنوعت أساليب الزيف  والدجل..
           
  لأجل ذلك، نجده يراهن على التجريب لتحقيق فعل الاختراق. وهي صفة لازمته في كل الأجناس الأدبية التي مارسها: دراما ومسرحا وسردا الإبداع، باعتبار أن الإبداع الأصيل هو الذي يخترق كل الحواجز، ليصل إلى المتلقي في كل مكان و في كل زمن. وحين نقرأ نصوص السيد حافظ، نحس بهذه الصفة، لأنه يكتب للإنسان دون مراعاة لمكانه أو زمنه، تماما كما عند كبار المبدعين الخالدين الذين يخترقون فعلي الزمن و المكان بما أوتوا من قوة التأثير بالإمتاع و الإقناع.    
وأكيد أنك حين تقرا ذلك الريبرتوار الثري للمبدع السيد حافظ تحس بتلك السمة التي يراهن عليه كل المبدعين: سمة قوة التأثير، لأن نصوصه فعلا تمتلك القدرة على الإمتاع والإقناع. فهي نصوص تجمع بين شعرية اللغة بطابعها الانزياحي، وبين حس بناء الشخصيات، وتركيب الأحداث وتنوعه وغناها؛ فضلا عن الأسلوب العجائبي الذي هو نتاج خيال خصب، وذكاء و موهبة أصيلة... وهي كلها أمور تبرهن على مدى غنى هذه التجربة الإبداعية التي تشكل حالة خاصة في المسرح العربي، حري بأن يليها النقد ما تستحقه من عناية. فهي تجربة غنية بمكوناتها الأدبية و الجمالية والتقنية. وسيجد فيها الدارس ما هو قمين بإغناء التجربة المسرحية العربية: إبداعا و نقدا.
وأكيد أن هذا الغنى هو الذي كان وراء اهتمام النقاد في مشرق الوطن العربي ومغربه بكتابات السيد حافظ عامة، وبكتاباته المسرحية على وجه الخصوص. بل إن هذا الغنى نفسه هو الذي أهل نصوصه المسرحية لتكون مادة للدرس الجامعي الأكاديمي في مستواه العالي.
فمن خلال البحث في إشكالية التجريب في المسرح العربي – الذي هو أحد محاور كثير من المختبرات ووحدات البحث العلمي للدراسات العليا في بعض الجامعات العربية–، يجد الباحث الأكاديمي نفسه مدعوا إلى الوقوف عند تجربة السيد حافظ المسرحية للبحث عن الأسس الجمالية
فيها باعتبارها نموذجا للتجريب، على غرار ما نلمسه في رواياته الطردة تباعا بتقنياتها الحداثية التي تستفيد من مختلف الأجناس الأدبية والفنية، بل ومن حقول معرفية أخرى بعيدة عن الأدب. وهذا ما يؤهلها لتكون إبداعات صدامية تستفز المتلقي، وتدفعه إلى إعادة النظر في كيفية قراءة مثل هذه المتون التي نقول عنها بكل بساطة: إنها متون حداثية بامتياز.   


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More