Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الجمعة، 15 ديسمبر 2017

مسافرون بلاهوية. قصة قصيرة

مسافرون بلا هوية ( قصة قصيرة قبل أن تكون رواية )
**** كان الواجب أن يكون فى البدء ****
تأليف / السيد حافظ
تعودت أن أفسر كل ما حولى جيداً.. فالمعادلة الآن أن الجهل يسيطر بخبث وتصنع ودهاء وأنت يا إبراهيم عملتك أن تكون بلا دهاء وبلا حبث.. العملة ذات الوجه الواحد، لكن كما قال لك فتحى الجندى.
-لابد أن تعرف أن الصحاب وجهين، وكما قال لك مهدى الجندى أخوه..
-عليك أن تخون نفسك مرة ثم تصعد.
سارت قدماه فى القاهرة، والإضراب يعم، العمال قد أضربوا.. عمال النقل.. شلت أقدام الحركة، تجمع الناس فى الميادين وسارت قوافل بشرية تطرح كل هموم العصر، والشمس لا تعرف الهزار والشمس لا تعرف الانحناء، سارت فى كفى رعشة، وقشعريرة، كان عليك أن تفهم أن الإضراب حقيقة وليس كما ذكرت الجرائد أن بعض السائقين.. أنت إبراهيم تفهم هذا، لكن الأمل كان أخضر أمام عينيك، ولكن الحقيقة إنك كنت ترغب فى أن تمر وتعبر فوق المحنة، حاملاً أوراقه. أوراقه تحمله، يريد تصريحاً للخروج من البلاد، موافقة وكيل الوزارة، والوزير.
بعد أن ركن ساعات أمام مبنى المباحث العامة :
- ماذا تريد؟
- على بك ا لحوت.
- لماذا تريده؟
- مسألة شخصية.
نظر إليه المخبر السرى ووضع يده على رقم فى الهاتف وتحدث بصوت خافت وبإشارات وكلمات لا يفهمها..
- انتظر ..
جلس مع الجالسين، كان كل من حوله يرتعد، أما هو فقد تعود على أن ينتظر مع خوف متستر، وشجاعة حتمية، ساعة مرت، كل ثانية فيها دهر. وكل دهر رعب، وكل رعب مسلسل فى أقدام المجهول.. قد ذهب أحد الجالسين إلى ما وراء الشمس، قد يذهب ويغيب.. قد يخرج مختل العقل أو مقود العقلب أن مفقود المنهج أو مهتوكة زوجته أمامه كى يقر.
- أهلا..
- أهلا بك.
- ماذا حدث؟
- أريد أن أسافر.
- لماذا؟
- أريد أن أعمل بالخارج كى تستريح منى.
- إلى إين؟
- إلى الكويت.
- ستصبح ثرياً.
- لا أعرف.
- ستتغير مبادئك عندما تملك دارة وسيارة.
- لا أعرف.
- أريد أن تعود ثرياً.
- إنشاء الله.
- انتظر بالخارج.
الانتظار الثانى غير الأول.. الأول انتظار عام والثانى انتظار خاص وكلا الانتظارين يمثلان مرحلتين وعلى المرء أن يفهم.. اتنقل بين مدينة نعم ومدينة لا..
أرجوك أن تفهمينى يا منى أن علىًّ أن أهاجر فالهجرة هى الحتمية بالنسبة لى وبالنسبة لك.
- ومصر؟
- آه.
- ارجوك كفانى ما حدث جيل جيلى ذبحنى والجيل السابق تجاهلنى والجيل القادم لا يقرأ.
نظر فى وجهى دقق النظر قال وهو يداعب بعض الأوراق:
- لقد تعودت على المجئ إلى هنا.
- نعم..
- لقد أتعبتنا معك وأتعبتنا أفكارك.
- أنا..
- لا تتصنع الغباء.
ابتسمت ابتسامة مصطنعة. كان "اسماعيل حسنى" يبصق فى وجه الضابط وكانت النتيجة دائماً أن يفتح جبينه ويلقى به على الأرض.. ولذلك لم أبص على وجهه لأننى كنت أنزف فى داخل وكنت أعرف أننى قررت السفر والهجرة.
- عليك أن تمر علينا غداً.
- لماذا؟
- أنت تعرف أن سفرك ليس من السهل
- طبعاً.
- أنت تسخر.
- أنا ؟
- نحن نفهمك جيداً أكثر مما تفهم نفسك.
- ربما
- مر علينا غداً.
"سيل من الأشجار فى صدرى وغزة لا تبيع البرتقال لأن دمها المعلب لا يعرف الخنوع، وأشعار محمود درويش التى كنت دائماً تتغنى بها وناظك حكمت وبول ايلوار، وكل هذه الأشياء.
صف ملقى داخل جعبة كل الملفات وأخذ يتصفح وجهى الذى تحول إلى وجه نحاسى.!
- وقفت
- أهلاً.
- ماذا جاء بك إلى هنا.
نظرت فى وجه يونس، وقلت بسرعة.
- أريد أن أسافر.
- أساعدك.
- كيف ؟
- بالتأشيرة والخروج.
أخذنى من ذراعى بأحد الأركان قابلنى على القهوة فى المساء.. قلت "معى ميعاد مع زوجتى للخيالة" قال بسرعة :
- كم تدفع ؟
- قلت 100 جنيه.
- سأقابلك غداً بعد الفطار.
"تمر الناس فى جعبة رمضان بالفوانيس أعلن هويتى المفقودة الآن، بأغانى الأطفال والبيادير والإضاءة فى كل مكان، بالتجمع المنشود، بالمقاهى، بالحارات، بالحافلات بالحركة التى لا تهدأ فى أحشاء مصر، بحوارينا يا حبيبتى..يا قاهرة، بأغانى الحقول المسحوبة فى ساقية الدهر، المطروقة فى زمن القهر، ساعدينى يا أيامى الثكلى كنت يا بدران تعرف أنك جبان أطلقت إشارة النجاة وهربت إلى إيطاليا وأبلغت عن الجميع أنهم يقومون بانقلاب وهم كانوا فى الحقيقة يثرثرون ثرثرة التفريغ ولأنهم أبرياء صار الحق بجانبهم وأخرجوا من السجن وكنت فى نظرهم الخائن.. منها صرت خائناً، أما أنا فماذا أفعل وماذا تفعل الأيام بى ؟
- 100 جنيه.
نظرت فى وجهى زوجتى نعم.
- وثمن التذكرة.
لقد نشرت فى جريدة اللنيش والإحصاء ومصفاة الحكمة، وبحر الأنهار كل هذا يساوى 300 دينار سأحصل عليهم وأدبر شقة لى ولك ونعيش فى سعادة بعض الوقت ونسافر إلى أى دولة فى أوروبا ربما إلى ليبيا إذا كنا سنعيش فى بلد عربى أو إلى فرنسا إذا كانت الرحلة إلى بلد أوروبى. أو العراق أو أى بلد يعطينا هوية .
•ضحكت "وسندور حول العالم"
- نعم.
- ونشاهد أوبرا عايدا فى إيطاليا وفرنسا وندور ؟
- ونغنى ؟
- ونرقص.
- وننجب الأطفال ؟
- ونحن للربيع.
- ومصر ؟
- أرجوك..
وقفت قدماى
- هل سنعود لها ؟
أنا.. هل مصر تعرفنى يا منى أنا برئ من جيلى لكنى لا أتبرأ من مصر.
•صفقت لى الدنيا بأحلام اليقظة، لم أعد أحلم وأنا نائم.
الجوع كافر كنا ساعتها نسير فى شارع "بورسعيد" اشترينا "شطائر" من "الفول والطعمية" .
- سأحضر معك غداً.
- أين ؟
- إلى مكتب الحوت.
- لن يسمحوا لك بالدخول.
- سأنتظرك.. أريد أن أتعود على هذه الحياة.
- نعم يجب أن تشاهدى وجه الحقيقة.
•استدار إبراهيم بمقعده المتحرك، هنا لكل الكتبة مقاعد متحركة، وهناك فى الوطن المقعد المتحرك للسيد المدير، التفت إليه المدير الفرنسى صائحاً.
-  ماذا حدث فى الجرائد اليوم علامات الدهشة والغباء على وجه إبراهيم ترسم خريطة العالم الذى مات.
- ماذا حدث  ؟
التفت كرياكوس إلى المدير الفرنسى وبلغة انجليزية نهرية.
- ماذا حدث يا مسيو ؟
قال ووجهه يحمر:
- لقد منعت السفارة دخول أى سيارة إلا إذا كان كتوباً عليها " السفارة الفرنسية"
إبراهيم نظر له.
- احتياطى الأمن، لابد من حدوث شئ.
- أبو داود. زعيم المقاومة الفلسطينية.
عندما أرادت (منى) أن تطلعه على أزياء الفساتين أراد أن يطلعها على سر من أسرار حياته ومن أفكاره أنه يؤمن بالمقاومة الفلسطينية.
وأنه يؤمن بالثوار والثورة.. ولكنها راحت تحدثه عن آخر ما وصلت إليه صيحة الأزياء.
- سيدى : أمريكا تعترض على الإفراج عن أبى داود وتعترض على سياسة فرنسا.
- فرنسا هى الحرية وهى حرة.
نظر له إبراهيم مكملاً وهو يشعل " سيجاراً "
-نعم يا سيدى فرنسا حرة ولكن ما سر قلق السفارة الفرنسية ؟
-لقد منعت فرنسا دخول أى فلسطينى.
قال إبراهيم وهو غاضب :
-فى الحقيقة أن المشكلة أن فرنسا فى عهد هذا الرئيس ديستان غير واضحة السياسة.
تجهم وجه المدير الفرنسى فكمل إبراهيم :
-لو تمنيت أن أعيش خارج مصر.. تمنيت فرنسا.
تنهش الأفكار فى رأس إبراهيم زملاؤه يؤيدون المدير الفرنسى فى أى خاطر له.
•الذين يصعدون للشمس ويحصدون الدفء أنبياء اللحظات المورقة من آلاف السنين. الذين أصبحوا عبيداً فى سوق المال اختاروا العبودية بارادتهم وبالدعاء.. طالبوا الله أن يتحرروا من عبودية الفقر إلى عبودية المال فكانوا عبيداً بإرادتهم وكان الله بصيرا.
•خرج من المكتب المدير الفرنسى.. أخذ كرياكوس وماتيو يتحدثان مع إبراهيم عمار كيف بدأت مشكلة فلسطين ؟
كان ينتشى وهو يتحدث، يجد نفسه فى القضية وفى الدفاع عن الإنسان.
-يصافحنى القلف فى كل لحظة بالدهوزر المكثفة.. فى أعماقى نشيد بلا هوية.. أعبر فى كل السنوات ؟ القلق.. الثانية فى دهر والقلق الممتد فى عمرى يكون جسراً لعبور الأزمان محفوراً فى كل جبهات العصر، والعصر فيه قضية والطرف الآخر للأشياء كان منسياً.
نظرت له ومسحت عرقه، هذه آخر ليلة لى فى مصر، فى السيدة.
قد أعود.. تتنفس فى رئتى مصر، وارس تنجبينه يا منى، الفارس المنتظر هو ابنى وابنك يحمل رغيفاً فى الصباح وفى قلبه الحب، لأنه لا يفكر إلا فى ثورة الفقراء بعد كد وصبر صدقينى يا منى.
مالت على كتفه.
-سترسل لى بسرعة.
-نعم.
-لا تتأخر.
-سأحاول بأقصى جهدى أن أجعلك تحضرين بسرعة.
•لعل الشرطة السرية تستريح منى – ومن فتح ملفى ـ لم أكن أدرى أنه خلف كل قلم شرطى، وخلف كل شهرة ملف فى البوليس السرى، وخلف كل كلمة مسدس.
•نظر كرياكوس له:
-اسرائيل حقيقة وهذا رأى امريكا وفى رأيى أن أمريكا لن تغير موقفها حتى يتسنى لها بيع الأسلحة، وكيف تكون أمريكا بلا مخابرات.
•نظر له إبراهيم.
-أنت يسارى.
-نعم أحب اليسار.
•تميل فى داخلى سارية العلم وقلوع المراكب.. فى آخر لحظة تمايل سقط كل الرفاق فى سجن الكلمة.. الكلمة الشريفة سجن للكاتب.. والكلمة المزيفة تعنى الراحة والصعود فى مقاعد الحكم، نظر إبراهيم له :
-اسمع انت تحب الرأسمالية..
-لا..
قالها بانجليزية حادة، ها أنت يا إبراهيم تتحدث الانجليزية الذين سخروا منى اليوم والذين سخروا منى أمس فلبعلنوا اسمى فى جدول السخرية وليدرسوا إبراهيم عمار فى درس للقراءة العربية.. الساخر الكبير.
قال إبراهيم عمار وهو ينظر لماتيو :
-إيها الطفل الشقى .. لماذا تخرج كثيراً؟ كف عن مزاحك معى.
-كان ماتيو يتمتم بالمزاح .. لقد تعود المزاح مثله مثل كل الفقراء يمزحون كثيراً فالضحك يبتلع مرارة كل الأيام السابقة.
•منى احضرى فى نهر عمرى فالعمق ليس الخواء وليس الثراء فالعمق هو الفقر والشرف والبساطة. هنا الشمس فى مصر ثمنها كبير، ثمنها يا منى أنشودة.. أنشودة الأناشيد.
•قال منى :
-وغداً ماذا ستفعل ؟
-سأذهب لقسم ( البوليس )
فى صف صفوه ونادوا اسمه وأخذوا بصمات يديه ، ودفع عشرة قروش رشوة للمخبر كى يبصم ويعطيه قطعة صابون يغسل يديه بها بعد ( البصمة) يداى بالعشرة أمامكم.. أبصم كما بصم أهلى الفلاحون قديماً على بيع الأرض حينما أمرنا الخديوى اسماعيل أن نبيع الأرض. أبصم كما بصم أهلى على حفر القناة.. وعلى الدم بصمتم يا أهلى فى جبال اليمن والجزائر وفى الكونغوا وفى سوريا، أبصم بيديك المتعبة يا إبراهيم، ابصم كما يبصم الجميع.. بصم من قبل العمال على التراب ومر فى صف طويل. وهبط إلى الشارع صافحه الجميع بأهلاً..
•قال له المخبر حينما سلمه صحيفة الحوادث:
-ولا شئ..
ومد يديه لكى يأخذ العشرة قروش وقال :
-ستركب " البيجو " ؟
وها هو الطريق خال، قطار الليل يحملنى أقطع المسافات الموهشة، يا أيامى يا أبناء المزامير القديمة، هل سمعتم عن حوت ابتلعه القرد، فى صف من الصفوف فى هذا القطار القديم ركب من حلوان إلى القاهرة وجلس الجنود بأحذيتهم على رفوف الحقائب.
جالسين منهمكى القوى وأحذيتهم على رؤوس الجالسين.
نعم يا إبراهيم هذا الحذاء الذى فوق رأسك لجندى مصرى دفع الثمن مثلك. وأنت مثله.
لم يتضايق إبراهيم ولكن خاله وأقاربهم نظروا له.
قال أخوه همام وهو ينظر له :
-رحلة عجيبة – ستكتب عنها ؟
-نعم..
-متى .
-لا أعرف..
•ضحكوا.....

السيد حافظ............
مجلة : الثقافة العربية
العدد التاسع - السنة الخامسة
رمضان/شوال 1398هـ
سبتمبر/ايلول 1978م

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More