" قهوة سادة " ولا عزاء للكبار
معتز العجمى
ربما إذا حاولت سؤال أحد كتاب الرواية ، لماذا تكتب الرواية؟ ، يخبرك بأن الكتابة للهروب من الواقع ، و رغبة ملحة لديه تدفعه للانغماس فى عالمه الذاتى فيخرج من جوفه بطلا مهزوما تقف أمامه حائراً وتغلق روايته بعد أن تفرغ من قراءتها . بالكاد. دون ان يصيبك إحساس بالاهتزاز النفسى أو العقلى. وربما يجيبك آخر بأن الرواية لديه محاولة لريصد الواقع ومشكلاته ، وكأن الواقع أزمة دون أن يكون حياة . فى المقام الأول . والأزمة فى الغالب هى أزمة كاتبها أو مجتمع كاتبها دون أن تشمل رؤية عامة يحس بها كل قارئ على غررا روايات الأدب العالمى ، إذ حين تقرأ "دون كيشوت" تتماس روحك مع روح بطلها وتحس أن بداخلك هذا الإنسان الذى يطمح الى تحقيق حلمه يوماً وراء يوم ، ومحاولة إثر محاولة.
لكن السيد حافظ فى روايته الثالثة "قهوة سادة" التى تأتى بعد محصول مسرحى ودرامى وفير ، تجيب على السؤال السابق "لماذا تكتب الرواية"؟ بإباع ورؤية جديدة ، أعتقد أن قارئ الرواية سيستبطن هذه الاجابة وهى : أكتب للمواجهة: لا مواجهة الواقع فحسب بقدر ما هى مواجهة للماضى وسؤال للمستقبل تتأرجح فيه أزمة الحاضر المعيش صعودا وهبوطا لتمنحنا أبطالا فى "قهوة سادة" ارتشفوا مرارة هذه الحياة لا بأفعالهم ، ولكن بأقدراهم المساقة إليهم بفعل أجدادهم وتاريخهم. إن رواية لاسيد حافظ هى صدمة للقارئ وليست قرص إسبرين أو مسكناً لتغييب وعى القارئ. يقول إنه يكتب رواية المعرفة ، وأقول له إنك تكتب رواية الوعى الجديد الذى يتخلق فى رحم أبطالك وشخصياتك ومعلوماتك التاريخية التى ترسدها عبر أحداث هذه الرواية.
ربما حقا قد يتشابه السيد حافظ م آخرين فى هجومهم الضارى على الشخصية العربية وبالأخص الشخصية المصرية التى ربما يحاول طوال الوقت أن يستشهد من التاريخ بسطور كاشفة عن هذه العقلية والسيكولوجية ، ربما قاصداً بذلك أن نفكر ونتأمل ونعيد صياغة أنفسنا من جديد . لا ليهاجم من أجل الهجوم كما يفعل أكثرنا ، ففى الصدة أنتماء ووطنية حقه تمنحنا إحساساً بإبداع جديد.
لقد استطاع السيد حافظ أن يكسر داخل نفوسنا أصناماً تشكلت حول شخصيات تزداد نفوسنا يوماً وراء يوم انكسارا لها : فأ،ظر ماذا كتب عن العقاد فى روايته ص 47 : " كتب العقاد عبقرية محد وأبو بكر وعمر الفاروق وفى الوقت نفسه قالوا إشاعة أنه له يوماً فى الأسبوع يرافق غانية ليسد حاجاته البيولوجية.. " صدمات يقذفها حافظ بقلمه فى صدورنا ليكسر هذه الاصنام التى طالما تسببت فى جمود وتخلف الفكر العربى ن يواجه شعبه بحقيقة " إن مصر مصران – مصر أدباء الحكومة الذين يطلبون لهم فى كل مكان ، ومصر أدباء الشعب.. والشعب لا يعرف لهم عنوان ولا يعرفهم" ص 47.
السيد حافظ فى روايته يشرب القهوة السادة على أرواح المصريين الذين بقوا فى الأسر ضحية كذب وزيف تراثهم . لكنهم المسئولون بعدم قراءاتهم : فنحن على حد قول السيد حافظ "أمة لا تقرأ" فالحقيقة مقيدة مذكورة يعرفها من يطالعها فى مصادرها: " وقال أبو الحسن على بن الحسين على السعودى( فى كتاب مروج الذهب و معادن الجوهر تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة 1948 ، ج2 ، ص 62) فى أهل مصر مكر ورياء وخبث ودهاء وخديعة وفى أهلها صخب ، وطاعتهم رهب ، وسلاحهم شغب ، وحروبهم حرب( أى سلب ونهب) وهى لمن ومع من غلب" الرواية ص 39.
وهذا النموذج من نماجذ عديدة يوردها المؤلف فى روايته موثقة ليست إمعانا فى التوثيق أو التأكيد على صحة مصادرة لنصدقه ، ولكنى أعتقد أنها رغبة القطب الذى يعطى مريديه إشارات علها تكون هادية فيقف القارئ ليقرأ ويتأمل وينتج كما فعل السيد حافظ فى روايته "قهوة سادة" التى يقسمها الى جزأين أو بالأحرى الى روحين فى عالمين: العالم الأول (الجزء الأول) عالم قريب منا مادياً نعيشه ونعرف قسماته وملامحه . والعالم الثانى(الجزء الثانى) عالم قريب منا معنوياً يدغدغ أحلامنا . والبطلة – فى العالمين – التى تتناسخ عبر ر وحين هى سهر فى العالم الأول . ونفر فى العالم الثانى فالأولى عشقها أهل الجبل أو الضيعة(القرية). والثانية معشوقة أهل طيبة (عاصمة مصر القديمة) وفى إطار من الحب والعشق تمضى بنا أ؛داث الرواية فى توازيات فكاظم معلم سهر . هو باكا معلم نفر. وعبد الناصر فى الجزء الأول ربما هو إخناتون فى الجزء الثانى فكلاهما مقتول بفعل خيانة ومؤامرة علم الأول بوحدة الأوطان . والثانى كان حلمه وحدة الأديان ، والناس لا تريد إلا الفرقة والتمزق فما كان إلا الموت جزأ للبطلين اللذين حاولا التمرد. وبين هذه الشخصيات جميعا يقف فتحى خليل رضوان حبيب سهر بعد خمس عشرة سنة . رواية " قهوة سادة " رواية فى رأي للشباب الذين يتشكل وعيهم وربما تكون لديهم المرونة فى تغيير المصير ، لا الى هؤلاء الكبار الذين جمدوا عن الحياة وارتضوا نمطاً واحداً فحسب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق