نقد مسرحية
"العزف فى الظهيرة"
بقلم : أحمد محمد الشريف
"العزف فى الظهيرة"
بقلم : أحمد محمد الشريف
(صرخة مسرحية لإيقاظ المسرح المصرى)
تعرض الآن بالقاهرة مسرحية "العزف فى الظهيرة" وهى من تأليف الكاتب المتميز السيد حافظ وتقدمها فرقة رع المسرحية وهى احدى فرق الهواة القادمة من الزقازيق بمحافظة الشرقية تلبية لدعوة مدير مسرح الشباب عبد الغنى زكى الذى شاهد العرض بمهرجان فرق الهواة ببورسعيد ، وقد حصد عرض "العزف فى الظهيرة" عدة جوائز وهى أحسن إخراج وأحسن عرض وأحسن تمثيل أبهر الجمهور لتميزه الشديد. ومن هنا جاء إصرار عبد الغنى زكى على استضافة العرض بالقاهرة حتى لا يفوت الجمهور المسرحى بالقاهرة أن يشاهد هذا الإنجاز الفريد لإحدى فرق الهواة ، ومن هنا كان لزاماً أن نغوص فى بحر هذا العرض الشيق القاسى.
يدور موضوع المسرحية حول سيدة تسكن بمفردها فى شقة وتعيش حياة هادئة بعد وفاة زوجها منذ خمس سنوات وبينما هى جالسة فى انتظار صديقتها لزيارتها يقتحم الشقة رجل مجهول يسأل عن رجل يدعى محمد إسماعيل ويفرض وجوده على السيدة بدعوى أنه صاحب الشقة هو ومحمد إسماعيل ويحاول طردها من الشقة ثم يقتحم الشقة أعوان هذا الرجل الذى يدعى الدهشورى بك. ويصرون على طرد السيدة ويستعملون معها كل أساليب العنف والوحشية حتى ترضخ لهم ، وعندما يأتى البقال الذى طلبت السيدة شهادته يقر بأن الشقة ملك الدهشورى بك متأثرا بالرشوة التى أخذها منه وهنا يدعى الدهشورى بأنه فوق القانون وفوق الشرطة ، وتستمر أساليب التعذيب ضد السيدة حتى تأتى صديقتها وتشهد لصالحها ، يضغط هؤلاء الرجال عليها أيضا فى نفس الوقت الذى استسلمت فيه صاحبة الشقة لهم ومع رفض صديقتها لهذا الاعتراف الزائف تصحو هى من استسلامها وتظل تقاومهم حتى النهاية.. التى لا تنتهى.
ونحن هنا نقف أمام مسرحية من طراز فريد.. محكمة البناء الدرامى أجاد المؤلف فيها حبك الفكرة ووحدة الموضوع وجعلها فى إطار شامل يحتمل تفسيرات عديدة وهنا تقبع الميزة حيث أنه لم يضعنا أمام رمز مباشر ليشير إلى إحدى القضايا المطروحة على الساحة السياسية أو الاجتماعية بعينها لكنه تركها فى العموم حتى تترك تأثيرا أكبر فى الملتقى لتتلاعب بوجدانه وتوقظ فكره فى كل ما يقابله فى حياته من قهر على ممتلكاته سواء كانت ممتلكات مادية أو معنوية ، وهذا يقودنا الى الفكرة أو الهدف الذى يقصده الكاتب من هذا الموضوع الفريد حيث أن الانسان قد يصادفه استعمار من أى فرد فى الحياة على ما يملكه سواء أرضا أو وطنا أو حتى منزلا هذا على المستوى المكانى و قد يسلب هذا المستعمر شيئا آخر على المستوى المعنوى ممثلا فى الأحاسيس الإنسانية وايضا على المستوى الزمانى فقد يسلب من الإنسان عمره ، وفى أى من هذه الحالات على الفرد أن يقاوم وألا يستسلم أبدا حتى لو قتل. وهذا ما نسمعه على لسان بطلة المسرحية حينما تقول إنها لن تترك لهم الشقة حتى لو قتلوها. إذن فنحن هنا أمام نموذج مثالى بطولى يدافع عن عرضه وكرامته حتى لو ضحى بحياته.
وهذا يدفع البعض الى القول بأن الكاتب يرمز الى القضية الفلسطينية ويقول البعض الاخر أنه يرمز الى إحدى فترات الاستبداد فى السلطة. ولأن المؤلف هنا لم يشر الى هذا ولا ذاك. وهذا أفضل فنحن نتوصل الى الرأى بأنه يرمز الى كل أنواع الاحتلال والاستبداد فى كل مكان وكل زمان. فالمسرحية دعوة صريحة لكل فرد للحفاظ على كرامته وكيانه أيا كان الشئ الذى يعبر عن هذا الكيان.
وقد أجاد المخرج بشكل متميز فى توصيل الفكرة حيث نهج طريق مسرح القسوة مستخدما العنف الظاهر فى التعامل بين الدهشورى وأعوانه وبين السيدة فجاءت المشاهد عنيفة قاسية قوية التأثير على المتفرج مؤكدا هذا بما لديه من كافة عناصر العرض المسرحي حيث استخدام الإضاءة بألوانها الحمراء ولاصفراء فى مشاهد العنف والاضاءة الزرقاء احيانا ليعطى الإحساس بالكابوس الفظيع الذى تعيشه هذه السيدة. وزاد التأثير القاسى هذا بقطع الديكور والاكسسوار الذين وظفهما توظيفا جيدا لبيان الصراع القائم بين الطرفين ومدى الضغط الذى يمارس على السيدة
وخصوصا عندما استخدم المخرج أقنعة وحشية مخيفة ومقاعد عالية ذات وجوه ملثمة فى الرقص التعبيري الذى كان أقرب الى التعبير الحركى عنه الى الرقص وقد كان تعبيرا رائعا بكل المقاييس حيث الحركات الموحية والمؤيدة للفكرة وإن عابه بعض التطويل الذى لا داعى له ، حيث كان يمكنه أن يختزله الى النصف حتى لا يصيب المشاهد بالملل. حيث وضح وكأن المخرج يريد إبراز قدراته العقلية فى تركيب جمل حركية معبرة . وصاحب التعبير الحركى موسيقى جيدة أحسن المخرج فى اختيارها وأضافت الكثير إلى الجو القاسى القاتم الذى أحاط بالعرض وتداخل فيه ، فبدأ أنه جزء أساسى منه لا ينفصل عنه. وإذا كان المخرج فاروق حمودة كان أثبت براعة وأكد شمولية منه بالإخراج وتصميمه للاستعراضات والإضاءة والديكور واختياره للموسيقى ، فقد أثبت لنا أيضا حسن اختيار الممثلين الذين أجادوا فى أداء أدوارهم لا سيما الموهبة الرائعة جيهان حمودة التى قامت بدور صبرية( السيدة صاحبة الشقة) فاقتحمت قلب المتفرج بانفعالاتها وأحاسيسها ودموعها ،
وتنوعها فى الإيقاع الصوتى والأدائي بكل لحظاتها فلم تسقط منها لحظة مسرحية واحدة ، فتعايشت مع الشخصية وعايشت المتفرج عنها واستحقت عن جدارة جائزة أحسن ممثلة وأيضا زكريا الرفاعى والذى قام بدور الدهشورى الذى أجاد فى نظراته الحادة ونبرته القوية واستطاع أن يصل بنا الى الإحساس بقوة وجبروت تلك الشخصية الاستبدادية المستعمرة وكان باقى أفراد طاقم التمثيل على درجة كبيرة من حسن الأداء التمثيلى والحركى وبذلوا مجهودا رائعا ومرهقا الى حد كبير يستحقون عليه التحية لإتقانهم التعبير الحركى ولخفة ظلهم بدءا من موسى عبد الله ومروراً بمحسن عوده وسيد هريدى وإبراهيم حسن حتى محمد بركات الذى قام بدور الحارس ومعهم محمد الشحات فى دور البقاق المرتشى الخائن ، وحنان محمد التى أجادت دور الصديقة وكانت انفعالاتها صادقة ومعبرة فتحية لها ولهذا العرض الرائع الذى أعاد لمسرح الهواة احترامه وثبت أقدامه فى أرض المسرح بالقاهرة قادماً من الشرقية بإمكانات قليلة وبما يسمونه المسرح الفقير لكنه هنا فى رأيى ليس مسرحا فقيرا بل هو ثرى وغنى فى فنه ورقته وجودته وإن كان بإمكانات مادية قليلة لهذا فقد استحق عن جدارة جائزة أحسن إخراج وجائزة أحسن عرض وجائزة أحسن ممثلة.
القاهرة – أحمد محمد الشريف
0 التعليقات:
إرسال تعليق