Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الجمعة، 17 سبتمبر 2021

30 حكاية الفلاح عبد المطيع "ممنوع أن تضحك... ممنوع أن تبكى" بقلم أ.د. كمال الدين عيد

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(30)

حكاية الفلاح عبد المطيع
"ممنوع أن تضحك... ممنوع أن تبكى" 
بقلم أ.د. كمال الدين عيد

دراسة من كتاب

المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة 

 

حكاية الفلاح عبد المطيع
"ممنوع أن تضحك... ممنوع أن تبكى"
بقلم أ.د. كمال الدين عيد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الموضوع الأساسى :

تتخذ ثيمة الموضوع الرئيسى Theme فترة من فترات التاريخ العربى نسيجا تاريخيا لحكم قنصوة الغورى، منطلقا للأحداث المسرحية والعلاقات الدرامية، وطبيعة العصر، وسلوك الشخصيات، وتعكس كل هذه العناصر وتلك قدرية غاشمة للمماليك اعتادها الذين حكموا مصرنا، وخلفوا لنا فى صحائف التاريخ قصصا روايات وألهموا كتابنا الدراميين إلى تسجيل مآسيهم في درامات مسرحية، تماما كما فعل اليوم السيد حافظ فى دراميته العصرية التى نحن بصددها.

وإذن فالموضوع الذى تستند جوهريات الدراما على أساسه، موضوع شبه تاريخى. وأقول (شبه) لأن المؤلف لم يلجأ إلى شخصيات تاريخية فى شخوصه الدرامية إلا فى النادر، وفى محافظة على(العصرية)، التى أراد لها أن تغلف دراميته التى كتبها فى عصر آنى وفعلى حقيقى Actual، وفق فلسفة خاصة، يراها هو فى هذا السبيل.

(2)

هذا الاختيار للكاتب الدرامى، أو المزج بين الموضوع التاريخى أصلا – بحكم الحقبة الزمنية – وبين الانسياب العصرى المتمثل فى الحوار اليومى الطبيعى، وفى عدم الارتباط بتاريخيات الدراما، أو أرسطو وقواعده المعروفة، وفى تقسيم الدراما إلى جزأين، وما هو علامة من علامات التصميم الحديث فى المسرح الأوروبى المعاصر نتيجة تغير العلاقات فى المجتمعات الحديثة، ودخول إيقاع سرعة الزمن، ولهث عمر الإنسان المعاصر بالنافع والضار، وتقلب الظروف الجوية والذرية والتلوث. كل هذا الإيقاع قد فرض على المسرح الاقتصاد يعنى تمثيل دراميات شيكسبير ذات الخمسة فصول فى جزئين اثنين بدلا من خمسة فصول أو أربعة، وطبعا دون المساس بالنص الدرامى الأصلى.

          وفى ظنى أن كاتبنا السيد حافظ قد استوعب فى كثير تحولات العصر هذه وهو ما يعنى إحساسه بالزمان والمكان، الذى يصمم عليه دراماته، ومنها حكاية الفلاح عبد المطيع.

- الزمن المتغير الثابت

          لست ضليعا فى التاريخ العربى للأسف، لكن ما أفهمه من الدراما، أنها تستعمل زمنا غابرا فى قدمه وفى نتائجه. قديم فى الزمن، وهو نفس الزمن الضليع فى الدكتاتورية، حتى قبل أن تتكون معانى ومفردات كلمة (الديكتاتورية، وقيمة دراما الأستاذ السيد حافظ، أنها تعرض الزمن المتغير من القديم عند قنصوة الغورى، إلى الجديد فى نهايات القرن العشرين، على الأرض العربية، لتثبت أن هذا الزمن المتغير هو زمن ثابت كذلك، ثابت بشروره وصلفه وخلوه من الإنسانية ومن الشرعية وبخاصة عند الحكام والمشرعين.

(3)

هذا الاتصال، أو الخلط الدرامى الرقيق والشفاف الذى وظفه كاتب الدراما، يظل علامة واضحة على الاستمرارية، ويؤدى فى نفس الوقت لا محالة، إلى عقدة الدراما.. ألا وهى طريق الخلاص، الذى يبدو من مفردات الحوار والأحداث، أنه الثورة أو التمرد، أو الخروج من هذه الحال، أو المجابهة، وكلها أفكار وطنية وشرعية، وإنسانية فى نهاية الأمر، وعلى ذلك تظهر الدراما، وهى تحمل بين طياتها مثلا عليا، نستطيع أن نقول – فى صراحة وجرأة – إننا نادرا ما نعثر عليها وسط حياتنا اليومية المعاصرة وهذا الإحساس بفقدان هذه النعم، بين الجماهير، هو السبب المباشر. فى استحسان الجماهير للمسرحية، ولحدوث التفاعل معها، طالما أن فكرتها وأحداثها تمس وترا حساسا باطنيا داخليا عندها.

- علامات للعصرية:

تعبر العصرية تقييم فلسفى وتربوى لا يباع ولا يشترى فلا يكفى أن يمر الممثل من كالوس اليمين، مارا بخشبة المسرح إلى كالوس اليسار، ليكون ممثلا عصريا. إن قضية(العصرية)، أعمق من هذا بكثير، لأنها (شكل) من الأشكال الفنية، الذى يكون مظهرا أو وجها أو هيئة أو سيماء ASPECT يظل مطلا فى كل لحظة وحركة وحوار برأسه إلى الجماهير. وألمح كثيرا من ملامح العصرية فى الدراما التى بين يدى (حكاية الفلاح عبد المطيع).

وتتجلى هذه الملامح الطيبة فى العناصر التالية تحديدا:

(1) فى عصرية تقسيم فصول الدراما إلى جزأين اثنين، وهو ما سبق الإشارة إليه.

(2) فى الصورة الحديثة للكورس. فهو يختلف إختلافا بينا عن الكورس الإغريقى، وعن المرددين للحوار عند الراحل نجيب سرور. وكورس السيد حافظ يتدخل أحيانا فى الأحداث، ولا يتدخل أحيانا أخرى. وهو ما معناه أنه المؤلف قد أضاف له مهمات جديدة، وحديثة، لم تكن من خصائصه فى الماضى. وهو كورس(حر) إن صح هذا التعبير. وهذه الحرية التى أشير إليها تظهر فى عدم وجود أماكن محددة أو ثابتة مسبقا لظهوره كما فى مسرح اليونانيين القدامى حينما يختفى أبطال الدراما اليونانية عن مسرح الأحداث، ليظهر الكورس معلقا.

إن كورس السيد حافظ يدخل قاطعا فى المشاهد مرة وفى الشخصيات مرات ومرات. وهو يحدث بذلك المفاجأة تلك المفاجأة. ويضيف إلى مهماته التاريخية مهمات عصرية جديدة تفرضها عصرية الدراما التى نعالجها.

ومع ذلك، فالظاهر أن إغراق المؤلف فى محاولته للاقتراب من الشكل العصرى، قد خلخل أحيانا من عصب الدراما. بمعنى أن الجزء الثانى قد حوى(4) أربعة مشاهد بخلاف الجزء الثانى نفسه. صحيح أنها مشاهد جيدة، بل ومؤثرة إلى حد كبير لكن.. إذا كانت أماكن الجزء الثانى، الذى يدور فى (30) ثلاثين صفحة فى كتابه من القطع المتوسط ترد على النحو التالى:

- منظر القصر                                                   ص 32

- منظر مكتب رئيس الشرطة                                 ص 36

- منظر منزل عبد المطيع                                     ص 39

- منظر غرفة السجن                                           ص 42

- منظر عودة إلى بيت عبد المطيع                           ص 45

- منظر بيت عبد المطيع مدهون باللون الأسود            ص 47

- المقهى                                                         ص 51

- منظر قصر الوزير                                           ص 52

- منظر مكتب رئيس الشرطة                                 ص 60

فإن هذا الانتقال السريع لا يمكن بأية حال من الاحوال أن يمسك بتلابيب المتفرج، أو يحافظ على انتباهه أمام الأحداث المسرحية. وإذن، فالمشاهد الأربعة الأخيرة فى الجزء الثانى من الدراما – من وجهة نظرى المتواضعة على الأقل – فى حالة إلى تركيز فى المكان. حتى ليستوعب المشاهد أو السامع خلفية الفكر الحدثى، الذى يحمله هذا الجزء، الذى يسير بنا إلى نهاية مطاف الدراما.

- اللغة المستعملة 3%

أستطيع أن أقول – دون مجاملة أو رياء – إن الدرامى الأستاذ السيد حافظ قد حقق التشكيل اللغوى فى درامته على مستوى عال، الحوار طبيعى ومقبول من الشخصيات المسرحية التى تنطق به. مفردات اللغة سلسلة واضحة. التعبيرات تجسد الحدث المحدد فى المشهد الدرامى. اللغة – وهو الأهم – تنقل فى أمانة بالغة فكر المؤلف فى كراهيته للاستبداد والمظالم، وتقف إلى جانب إنسان العصر. وتتضح كل هذه العناصر فى الحوار التالى:

- إلى زمن كان الإنسان فيه مفقود القيمة                   ص5

- كان الإنسان الحيوان قوى النفوذ والسلطان    ص5

- عبد المطيع للحمار، أنت تفهم أكثر من رئيس الشرطة وشهبندر التجار ومن أم بثينة                                           ص7

- غلب المماليك كل شئ                              ص8

- هذا عصر المماليك. كل محاولة صاحب قطعة أرض، يملك الأرض ومن عليها

-  لماذا تحزن على الحيوان؟ والإنسان فى كل لحظة يموت؟ من المسئول عنه؟ إذا كان الحيوان جائعا.. فما رأيك بالإنسان الجائع؟

التشكيل الفنى

يرتكز أن تشكيل فنى واع فى الدارما، على الفكرة الرئيسية، أو الموضوع. أو كما نسميه بلغة المهنة المسرحية (المضمون الدرامى). والمضمون الدرامى هنا يعكس الحيرة والارتباك. فى شخصية البطل الدرامى الفلاح المصرى(عبد المطيع). ورسمه يعطى الدلالة الواضحة على سلوكه الطيب البرئ، شأنه شأن ملايين الفلاحين المصريين. ولعل أمه عندما وضعته صغيرا. كان يجب أن تختار له اسما مناقضا للاسم الذى اختارته له. وهو اسم منحته إياه لابنها من أسماء الله الحسنى. لكن ماذا يفعل المرء فى زمن يكفر بكل شئ؟

إن الطاعة العمياء تجر الوبال على البطل الدرامى. وهى طاعة غير مختارة، أى مفروضة عليه بفعل سلوك العصر المملوكى، وبتأثير من المنادى والفرمان والشعب المطيع هو الآخر إلى أبعد الحدود.

وإذن، فتحليل الشخصية البطلة هنا – فى الاعتبار الفنى – يصاحبه ظل الثورة والرجولة، والقوة، وحتى ولو عادت الشخصية أو تعارضت مع بقية الشخصيات المتمثلة لأوامر الطاغى.. نازى القرن العشرين. لكن.. هل عاشت النازية ؟ كفى ما خلفته من ملايين تحت التراب. ومن بيوت ومدن وبلاد لا تزال تعانى من آثار أعمالها حتى العصر الحديث.

ولعل الأستاذ السيد حافظ قد نسى أن يسلح بطله بالدهاء والذكاء، على غرار ذكاء جحا، رغم نوادره وحكاياته. صحيح أن البطل الثورى كان مشغولا بالكثير من اضطرابات ظاهرية بين الملابس السوداء والملابس البيضاء، لكن الأمر لم يكن بعدم تسليح الشخصية بين الحين والحين بالمكر والدهاء والذكاء والحنكة. لماذا أطلب أو أتخيل الشخصية على هذا المنوال؟ لأن التأثير الدرامى سيكون أكثر إحكاما. أن يسقط أمام عينى بطل محنك، ضد سلطة غاشمة يصارعها، فهذا يقوى – فنيا ونفسيا – من عداوتى واحتقارى لهذه السلطة، هذه هى القضية. إن مسرحية (ممنوع أن تضحك، ممنوع أن تبكى، أو حكاية الفلاح عبد المطيع. مسرحية عصرية من نوع (بيرلسك القرن العشرين، والبيرلسك BURLESQUE هى مسرحيات السخرية التى تلجأ إلى الإضحاك بقصد إبراز مصادر الهزل التى عادة ما تكون فى شكل كاريكاتيرى غريب. وهذا التصنيف الذي أخلعه على المسرحية، يقودنى إليه أسلوب المؤلف الدرامى، الذى يولد الأسف مع الضحك، والبكاء مع السخرية، وهو بعد ذلك يذكر المتفرج – وفى يقظة واستمرارية واضحين، بالموقف المعاصر... وما أشبه اليوم بالأمس. إن فنيات التوعية، والذهاب بالدراما إلى جماهير مباشرة، وفى بساطة إخراج وتقنيات، وفى مواجهة نافعة، كل هذه العناصر الغالية فى رأيي، هى الطريق لتحقيق أفكار السيد حافظ تحقيقا يضمن لمسرح مصر تجارب جديدة ثرية، تضيف إلى مسرحنا شيئا، بعد أن ركن إلى الجمهور، وإلى السهل والبسيط، إن مسرح الدرامى السيد حافظ مسرح فكر وفلسفى، ويهتم أيما اهتمام بعقل المشاهد. يحاول أن يرفعه إلى ثقافة عالية، ويخلصه من أسرار الزمن والتاريخ وعبودية العصر كذلك.

أ.د. كمال الدين عيد

أكاديمية الفنون – القاهرة


 

حكاية الفلاح عبد المطيع
"ممنوع أن تضحك... ممنوع أن تبكى"
بقلم أ.د. كمال الدين عيد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الموضوع الأساسى :

تتخذ ثيمة الموضوع الرئيسى Theme فترة من فترات التاريخ العربى نسيجا تاريخيا لحكم قنصوة الغورى، منطلقا للأحداث المسرحية والعلاقات الدرامية، وطبيعة العصر، وسلوك الشخصيات، وتعكس كل هذه العناصر وتلك قدرية غاشمة للمماليك اعتادها الذين حكموا مصرنا، وخلفوا لنا فى صحائف التاريخ قصصا روايات وألهموا كتابنا الدراميين إلى تسجيل مآسيهم في درامات مسرحية، تماما كما فعل اليوم السيد حافظ فى دراميته العصرية التى نحن بصددها.

وإذن فالموضوع الذى تستند جوهريات الدراما على أساسه، موضوع شبه تاريخى. وأقول (شبه) لأن المؤلف لم يلجأ إلى شخصيات تاريخية فى شخوصه الدرامية إلا فى النادر، وفى محافظة على(العصرية)، التى أراد لها أن تغلف دراميته التى كتبها فى عصر آنى وفعلى حقيقى Actual، وفق فلسفة خاصة، يراها هو فى هذا السبيل.

(2)

هذا الاختيار للكاتب الدرامى، أو المزج بين الموضوع التاريخى أصلا – بحكم الحقبة الزمنية – وبين الانسياب العصرى المتمثل فى الحوار اليومى الطبيعى، وفى عدم الارتباط بتاريخيات الدراما، أو أرسطو وقواعده المعروفة، وفى تقسيم الدراما إلى جزأين، وما هو علامة من علامات التصميم الحديث فى المسرح الأوروبى المعاصر نتيجة تغير العلاقات فى المجتمعات الحديثة، ودخول إيقاع سرعة الزمن، ولهث عمر الإنسان المعاصر بالنافع والضار، وتقلب الظروف الجوية والذرية والتلوث. كل هذا الإيقاع قد فرض على المسرح الاقتصاد يعنى تمثيل دراميات شيكسبير ذات الخمسة فصول فى جزئين اثنين بدلا من خمسة فصول أو أربعة، وطبعا دون المساس بالنص الدرامى الأصلى.

          وفى ظنى أن كاتبنا السيد حافظ قد استوعب فى كثير تحولات العصر هذه وهو ما يعنى إحساسه بالزمان والمكان، الذى يصمم عليه دراماته، ومنها حكاية الفلاح عبد المطيع.

- الزمن المتغير الثابت

          لست ضليعا فى التاريخ العربى للأسف، لكن ما أفهمه من الدراما، أنها تستعمل زمنا غابرا فى قدمه وفى نتائجه. قديم فى الزمن، وهو نفس الزمن الضليع فى الدكتاتورية، حتى قبل أن تتكون معانى ومفردات كلمة (الديكتاتورية، وقيمة دراما الأستاذ السيد حافظ، أنها تعرض الزمن المتغير من القديم عند قنصوة الغورى، إلى الجديد فى نهايات القرن العشرين، على الأرض العربية، لتثبت أن هذا الزمن المتغير هو زمن ثابت كذلك، ثابت بشروره وصلفه وخلوه من الإنسانية ومن الشرعية وبخاصة عند الحكام والمشرعين.

(3)

هذا الاتصال، أو الخلط الدرامى الرقيق والشفاف الذى وظفه كاتب الدراما، يظل علامة واضحة على الاستمرارية، ويؤدى فى نفس الوقت لا محالة، إلى عقدة الدراما.. ألا وهى طريق الخلاص، الذى يبدو من مفردات الحوار والأحداث، أنه الثورة أو التمرد، أو الخروج من هذه الحال، أو المجابهة، وكلها أفكار وطنية وشرعية، وإنسانية فى نهاية الأمر، وعلى ذلك تظهر الدراما، وهى تحمل بين طياتها مثلا عليا، نستطيع أن نقول – فى صراحة وجرأة – إننا نادرا ما نعثر عليها وسط حياتنا اليومية المعاصرة وهذا الإحساس بفقدان هذه النعم، بين الجماهير، هو السبب المباشر. فى استحسان الجماهير للمسرحية، ولحدوث التفاعل معها، طالما أن فكرتها وأحداثها تمس وترا حساسا باطنيا داخليا عندها.

- علامات للعصرية:

تعبر العصرية تقييم فلسفى وتربوى لا يباع ولا يشترى فلا يكفى أن يمر الممثل من كالوس اليمين، مارا بخشبة المسرح إلى كالوس اليسار، ليكون ممثلا عصريا. إن قضية(العصرية)، أعمق من هذا بكثير، لأنها (شكل) من الأشكال الفنية، الذى يكون مظهرا أو وجها أو هيئة أو سيماء ASPECT يظل مطلا فى كل لحظة وحركة وحوار برأسه إلى الجماهير. وألمح كثيرا من ملامح العصرية فى الدراما التى بين يدى (حكاية الفلاح عبد المطيع).

وتتجلى هذه الملامح الطيبة فى العناصر التالية تحديدا:

(1) فى عصرية تقسيم فصول الدراما إلى جزأين اثنين، وهو ما سبق الإشارة إليه.

(2) فى الصورة الحديثة للكورس. فهو يختلف إختلافا بينا عن الكورس الإغريقى، وعن المرددين للحوار عند الراحل نجيب سرور. وكورس السيد حافظ يتدخل أحيانا فى الأحداث، ولا يتدخل أحيانا أخرى. وهو ما معناه أنه المؤلف قد أضاف له مهمات جديدة، وحديثة، لم تكن من خصائصه فى الماضى. وهو كورس(حر) إن صح هذا التعبير. وهذه الحرية التى أشير إليها تظهر فى عدم وجود أماكن محددة أو ثابتة مسبقا لظهوره كما فى مسرح اليونانيين القدامى حينما يختفى أبطال الدراما اليونانية عن مسرح الأحداث، ليظهر الكورس معلقا.

إن كورس السيد حافظ يدخل قاطعا فى المشاهد مرة وفى الشخصيات مرات ومرات. وهو يحدث بذلك المفاجأة تلك المفاجأة. ويضيف إلى مهماته التاريخية مهمات عصرية جديدة تفرضها عصرية الدراما التى نعالجها.

ومع ذلك، فالظاهر أن إغراق المؤلف فى محاولته للاقتراب من الشكل العصرى، قد خلخل أحيانا من عصب الدراما. بمعنى أن الجزء الثانى قد حوى(4) أربعة مشاهد بخلاف الجزء الثانى نفسه. صحيح أنها مشاهد جيدة، بل ومؤثرة إلى حد كبير لكن.. إذا كانت أماكن الجزء الثانى، الذى يدور فى (30) ثلاثين صفحة فى كتابه من القطع المتوسط ترد على النحو التالى:

- منظر القصر                                                   ص 32

- منظر مكتب رئيس الشرطة                                 ص 36

- منظر منزل عبد المطيع                                     ص 39

- منظر غرفة السجن                                           ص 42

- منظر عودة إلى بيت عبد المطيع                           ص 45

- منظر بيت عبد المطيع مدهون باللون الأسود            ص 47

- المقهى                                                         ص 51

- منظر قصر الوزير                                           ص 52

- منظر مكتب رئيس الشرطة                                 ص 60

فإن هذا الانتقال السريع لا يمكن بأية حال من الاحوال أن يمسك بتلابيب المتفرج، أو يحافظ على انتباهه أمام الأحداث المسرحية. وإذن، فالمشاهد الأربعة الأخيرة فى الجزء الثانى من الدراما – من وجهة نظرى المتواضعة على الأقل – فى حالة إلى تركيز فى المكان. حتى ليستوعب المشاهد أو السامع خلفية الفكر الحدثى، الذى يحمله هذا الجزء، الذى يسير بنا إلى نهاية مطاف الدراما.

- اللغة المستعملة 3%

أستطيع أن أقول – دون مجاملة أو رياء – إن الدرامى الأستاذ السيد حافظ قد حقق التشكيل اللغوى فى درامته على مستوى عال، الحوار طبيعى ومقبول من الشخصيات المسرحية التى تنطق به. مفردات اللغة سلسلة واضحة. التعبيرات تجسد الحدث المحدد فى المشهد الدرامى. اللغة – وهو الأهم – تنقل فى أمانة بالغة فكر المؤلف فى كراهيته للاستبداد والمظالم، وتقف إلى جانب إنسان العصر. وتتضح كل هذه العناصر فى الحوار التالى:

- إلى زمن كان الإنسان فيه مفقود القيمة                   ص5

- كان الإنسان الحيوان قوى النفوذ والسلطان    ص5

- عبد المطيع للحمار، أنت تفهم أكثر من رئيس الشرطة وشهبندر التجار ومن أم بثينة                                           ص7

- غلب المماليك كل شئ                              ص8

- هذا عصر المماليك. كل محاولة صاحب قطعة أرض، يملك الأرض ومن عليها

-  لماذا تحزن على الحيوان؟ والإنسان فى كل لحظة يموت؟ من المسئول عنه؟ إذا كان الحيوان جائعا.. فما رأيك بالإنسان الجائع؟

التشكيل الفنى

يرتكز أن تشكيل فنى واع فى الدارما، على الفكرة الرئيسية، أو الموضوع. أو كما نسميه بلغة المهنة المسرحية (المضمون الدرامى). والمضمون الدرامى هنا يعكس الحيرة والارتباك. فى شخصية البطل الدرامى الفلاح المصرى(عبد المطيع). ورسمه يعطى الدلالة الواضحة على سلوكه الطيب البرئ، شأنه شأن ملايين الفلاحين المصريين. ولعل أمه عندما وضعته صغيرا. كان يجب أن تختار له اسما مناقضا للاسم الذى اختارته له. وهو اسم منحته إياه لابنها من أسماء الله الحسنى. لكن ماذا يفعل المرء فى زمن يكفر بكل شئ؟

إن الطاعة العمياء تجر الوبال على البطل الدرامى. وهى طاعة غير مختارة، أى مفروضة عليه بفعل سلوك العصر المملوكى، وبتأثير من المنادى والفرمان والشعب المطيع هو الآخر إلى أبعد الحدود.

وإذن، فتحليل الشخصية البطلة هنا – فى الاعتبار الفنى – يصاحبه ظل الثورة والرجولة، والقوة، وحتى ولو عادت الشخصية أو تعارضت مع بقية الشخصيات المتمثلة لأوامر الطاغى.. نازى القرن العشرين. لكن.. هل عاشت النازية ؟ كفى ما خلفته من ملايين تحت التراب. ومن بيوت ومدن وبلاد لا تزال تعانى من آثار أعمالها حتى العصر الحديث.

ولعل الأستاذ السيد حافظ قد نسى أن يسلح بطله بالدهاء والذكاء، على غرار ذكاء جحا، رغم نوادره وحكاياته. صحيح أن البطل الثورى كان مشغولا بالكثير من اضطرابات ظاهرية بين الملابس السوداء والملابس البيضاء، لكن الأمر لم يكن بعدم تسليح الشخصية بين الحين والحين بالمكر والدهاء والذكاء والحنكة. لماذا أطلب أو أتخيل الشخصية على هذا المنوال؟ لأن التأثير الدرامى سيكون أكثر إحكاما. أن يسقط أمام عينى بطل محنك، ضد سلطة غاشمة يصارعها، فهذا يقوى – فنيا ونفسيا – من عداوتى واحتقارى لهذه السلطة، هذه هى القضية. إن مسرحية (ممنوع أن تضحك، ممنوع أن تبكى، أو حكاية الفلاح عبد المطيع. مسرحية عصرية من نوع (بيرلسك القرن العشرين، والبيرلسك BURLESQUE هى مسرحيات السخرية التى تلجأ إلى الإضحاك بقصد إبراز مصادر الهزل التى عادة ما تكون فى شكل كاريكاتيرى غريب. وهذا التصنيف الذي أخلعه على المسرحية، يقودنى إليه أسلوب المؤلف الدرامى، الذى يولد الأسف مع الضحك، والبكاء مع السخرية، وهو بعد ذلك يذكر المتفرج – وفى يقظة واستمرارية واضحين، بالموقف المعاصر... وما أشبه اليوم بالأمس. إن فنيات التوعية، والذهاب بالدراما إلى جماهير مباشرة، وفى بساطة إخراج وتقنيات، وفى مواجهة نافعة، كل هذه العناصر الغالية فى رأيي، هى الطريق لتحقيق أفكار السيد حافظ تحقيقا يضمن لمسرح مصر تجارب جديدة ثرية، تضيف إلى مسرحنا شيئا، بعد أن ركن إلى الجمهور، وإلى السهل والبسيط، إن مسرح الدرامى السيد حافظ مسرح فكر وفلسفى، ويهتم أيما اهتمام بعقل المشاهد. يحاول أن يرفعه إلى ثقافة عالية، ويخلصه من أسرار الزمن والتاريخ وعبودية العصر كذلك.

أ.د. كمال الدين عيد

أكاديمية الفنون – القاهرة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More