Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الخميس، 29 ديسمبر 2022

الكاتب المسرحي المصري السيد حافظ محطة بارزة في مسار التجريب الفني العربي. بقلم: مصطفى بوخال

 شهادة الدكتور مصطفى بو خال

الشاعر والناقد والعالم

الكاتب المسرحي المصري السيد حافظ

محطة بارزة في مسار التجريب الفني العربي.

بقلم: مصطفى بوخال                                 


                    

ليس من العجيب أن تكون البدايات الإبداعية للسيد حافظ مع الكتابة المسرحية، فالرجل مسكون بالدراما منذ كان شابا يافعا في نهاية الستينات من القرن الماضي ، وما كان توجهه نحو السرد الروائي في بداية التسعينات إلاّ شغفا بالمغامرة والتجريب في عالم الإبداع الذي لازمه على مدار خمسين سنة تخلّلتها تحوّلات في الرؤية وأزمات وانكسارات طالت الواقع السياسي والاجتماعي للعالم العربي الذي كان يعد الفرصة الوحيدة لنمو وتشكل ذات الكاتب، والتي مازال يسائل طبيعتها وظروفها وتقلبات أيامها،حبها وكرهها، عدلها وظلمها، تحت ضغط اللحظة الآنية المعيشة، واحتمالية الوقائع والأشخاص التي يمكن إعادة بنائها وفق سيناريوهات تنتصر للخير وتتفوق على قوى الشر، ويكون لحياة الكاتب طعم آخر وللوطن لون آخر. هذه العوالم الموازية الساكنة في الشعور والمتفاعلة مع الذهن  أعاد لها الكاتب الحياة في عالم تخييلي من العوالم الممكنة في هذا الكون.

وقد اختار لها خشبة المسرح لمسرحة الودقائع والأفكار والمشاعر، والرواية التي جاءت متأخرة في المسار الإبداعي للكاتب لم تكن خالصة لهذا النوع الأدبي الذي يعتمد كليا على السرد والحكاية وفنون القص، وقد أضحت بيد الكاتب مسر رواية وتأثرت بالكتابة الدرامية وبالموسيقى والغناء حتى سافرت إلى القراء بدون هوية، وشرب المتلقي قهوة سادة وكابوتشينو وفاز  بجلسة شاي أخضر وبالياسمين ( أسماء لأربع روايات من سباعيته المشهورة بحكايات الروح)، في أجواء سردية ودرامية شيقة، وتبقى الدراما بذرة الإبداع الأولى والهاجس الذي استمر  يفعل فعله في شخصية الكاتب الفنية والثقافية، وكان للإيمان بالمسرح بوصفه رسالة محمّلة بالأفكار وأداة لتربية الذوق الفني والتغيير الاجتماعي والتوعية السياسية الدور الكبير في انخراط السيد حافظ مبكرا في التأليف المسرحي والوقوف على أجواء الإخراج والإشهار ومتابعة حالة الجمهور من حيث التأثر والتفاعل. وطبيعة النص المسرحي الذي لا ينتهي كما الرواية  التي تكتمل بآخر كلمة في نصها بل يبقى ينتظر رفع الستار ليكتمل المعنى بكتابة أخرى على الخشبة بعلامات صوتية وإيمائية يقوم بها الممثلون...

وبالرجوع إلى أصل الدراما في الثقافة اليونانية القديمة نجد أنها مشتقة من الكلمة Dran والتي تعني " عملا يؤدى" وبهذا أصبحت تعني محاكاة لأفعال يقوم بها الناس، فالكتابة الدرامية تستدعي الانتقال من النص إلى الفعل ومعايشة الظاهرة مع الجمهور. وهذا ما شجّع الكاتب على اختيار المسرح كوسيلة لنقل المعنى حيّة بواسطة أشخاص وصور وأشياء يراها الناس أمامهم بهدف نشر الوعي وإعادة صياغة الواقع بما يتناسب مع الرؤية الثقافية  الطليعية للشباب العربي الذي انتفض ضد نتائج النكسة وقاوم مظاهر التخلف والكسل والظلم الذي عمّ الواقع العربي برمّته. والمبدع يؤمن بأن هناك وعي إنساني دائم البناء والتعديل والإبداع المسرحي كفيل ببناء عوالم جديدة والتأثير في الواقع عبر بوابة الجمهور بنقل الصراع السياسي والاجتماعي الذي يعتمل في بطن المجتمع إلى خشبة المسرح بلغة درامية جديدة.

في إحدى محطات الحوار بين أ- رجل و ب- امرأة من مسرحية "الدراما إشارة دخان في مسرح مظلم":

   ب:  هل شعبك يتصارع الآن .. بلغة الدراما.. صراع؟ أليست الدراما صراع؟

     أ: لغة الدراما.. إشارة الدخان في مسرح مظلم.

    ب:   الدراما قد تكون غمزة عين... قد تكون إضاءة في مسرح 

     قد تكون قطع أكسسوار تتحرك ثم تختفي.


يبرز القلق في هذا المشهد في محاولة لكسر الحدود بين المسرح والواقع لفتح باب التأويل أمام المتلقي، فتتفاعل مظاهر الصراع الاجتماعي والسياسي مع المشاهد الدرامية على الخشبة باعتبار الصراع الخلية النووية للفعل المسرحي. كما أن ثقافة الكاتب الواسعة والعميقة التي كانت بداياتها في حقل الفلسفة وعلم الاجتماع وتجربته الحياتية والمهنية الفنية والتي رافقتها قوة الإرادة وحب الحياة والجمال كانت كلها مصدر الصراع الذي انتقل إلى أجواء نصوصه المسرحية المشاغبة، نصوص تصارع الواقع وتساءل الكتابات الدرامية السائدة.   

يعدّ السيد حافظ من المثقفين الأوائل المغرمين بالمسرح الذين حملوا همّ التجريب من أجل تجديد وتطوير الأداء المسرحي والرفع من مستوى الكتابات الدرامية ليكون لها التأثير المناسب في الإنسان العربي، ومن ثمّ الواقع العربي. فطالت هذه المغامرة طبيعة الكتابة الدرامية لدى الكاتب التي مسّت القواعد والأركان التي دأب عليها التأليف الدرامي منذ أرسطو ، كما استفادت بوعي نقدي من الإرث المسرحي العالمي والعربي. والكاتب كان ثائرا على الأوضاع التي انتهى إليها الواقع العربي والثقافة العربية وبخاصة بعد نكسة 1967م التي شهدت بروز النصوص الإبداعية الأولى في المسرح، وكان سؤاله الذكي وهو شاب مبتدئ في تلك الفترة عن هوية المسرح المصري، والذي لازمه مع كل إبداع جديد، فكانت النصوص جديدة وثائرة على المعاني السائدة. وتؤكد الناقدة وفاء كمالو أن "أعمال السيد حافظ تكشف عن إيقاعات عبثية وجودية تتردد أصداؤها بقوة في الكثير من مسرحياته الباحثة عن الهدف والمعنى، ولكن مفهوم العبث عند المؤلف يتخذ مسارا مغايرا فيتحول إلى موجات من الرفض والعصيان، تحتفل بالإنسان والثورة والحياة، فتتجاوز المفاهيم المطلقة لتصبح نسبية تشتبك بقوة مع الواقع والمجتمع".

افتتن السيد حافظ في سن مبكرة بجمال الحرف وسحر الكلمة، ووجد فيهما سر الإبداع والخلق الفني فكانت الكلمات تكتب تحت ضغط حرارة الفكرة وغليان العاطفة ونبض القلب لتستقر على الصفحات البيضاء، قبل أن تحيا من جديد على الخشبة. هذا الاستعداد لخوض التجربة الفنية المختلفة والتطلع للحظات الإبداع الأصيلة المنغرسة في الروح.  يحتاج إلى متابعة من طرف الموهبة والقلب النابض بالحرية، والنزوع إلى الفضاءات الجمالية البعيدة والمختلفة. 

وقد أشار السيد حافظ إلى هذا المعنى باعتبار التجريب في كليته عملية بحث مستمر مما يجعل الفنان غير مستقر ولا مطمئن على الوضع السائد للفنون، وكان هذا القلق دائم الحضور في نفس الكاتب وانعكس على جل إبداعاته المسرحية والسردية. فلم يكن التجريب محطة واحدة في مسيرته الفنية وإنما يمكن اعتبار حياة السيد حافظ الفنية كلها محطة في مسار التجريب الفني العربي، وعلى الخصوص الإبداع المسرحي الذي يحتاج إلى فتح صفحاته ومغاليق غرفه لإثراء المعرفة العربية في ميدان الدراما. وفي هذا المجال من غير الممكن تجاوز إبداع هذا الكاتب حينما نؤرخ للتجربة العربية في المسرحمم والكتابة الدرامية منذ نهاية الستينات ومرحلة السبعينات، التي برز فيها مبدعا ومشاكسا ومشتبكا مع الأساليب التقليدية في الكتابة المسرحية في مصر في ذلك الزمان. ولا يمكن إغفال البصمة الفنية التي خلفتها مسرحية " كبرياء التفاهة في بلاد اللاّمعنى" سنة 1970م، والتي كانت صدمة هزت مياه راكدة داخل بيوت كانت هادئة مطمئنة على خشبة أثثها أرسطو وأعلام الدراما اليونانية وكتاب المسرح الحديث.

ويبقى السيد حافظ كاتب مسرحي إشكالي خاضت نصوصه الدرامية في المعنى واللامعنى وفي المفارقات وفي الواقع والخيال والغيابات والتمزقات والنزوع إلى المشهدية الضوئية والصمت.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More