لمحات من كتاب غيداء – ابنة السيد حافظ
بقلم: الكاتب الروائي
مصطفى نصر
لقد اقتربت من أسرة السيد حافظ في وقت من الأوقات، كان مازال السيد حافظ يعمل في الكويت. وجاء للإسكندرية في إجازة. وقتها كنت أتقابل كثيرا مع صديقي محمود قاسم – الذي يأتي إلى بيتي كل يوم، فنخرج معا.
ذهب محمود قاسم معي لبيت السيد حافظ - في آخر شارع محسن من ناحية المحمودية – في منطقة محرم بك التي كانت أهم منطقة في الإسكندرية قبل قيام ثورة يوليو 52، فقبل بناء كورنيش البحر، كان كل كبار البلد لديهم بيوت وقصور على ترعة المحمودية – في منطقة محرم بك.
قرأ السيد حافظ رواياتي الأولى: الجهيني وجبل ناعسة والهماميل. فتحمس لي، وأنا مدين له بذلك، فهو أول من كتب عن رواياتي في الجرائد والمجلات التي تصدر في البلاد العربية، وأول من نبه النقاد ولأدباء الكبار لوجودي.
تعلمت من السيد حافظ أن أوسع دائرة اهتماماتي، أتابع المسرح وفنونه وأراقب المسلسلات التلفزيونية. فقد تحمس لروايتي جبل ناعسة ورغب في أن يحولها لمسلسل تلفزيوني.وبدأ بالفعل في كتابة حلقات منها، تابعناه أنا ومحمود قاسم بإعجاب شديد، كان يكتب وهو جالس على الأرض. ولابد من إشعال أعواد بخور ليصنع جو سحري.
وقتها تابعت أسرة السيد حافظ باهتمام، والدته المهتمة بشئون أولادها كلهم، الدكتور رمضان المرتبط بالمسجد القريب من البيت، فهو الذي يخطب في صلاة ظهر الجمعة. فتقلق الأم لانشغالنا بأعمالنا الأدبية وقد اقترب موعد الصلاة، فتلح علينا أن نسرع للمسجد.
وأنا أعرف عادل – أصغرأخوة السيد - فقد تأثر بأخيه السيد الذي يكتب للمسرح، وقد أخرج مسرحيات عديدة. فأصبح عادل نجما في المسرح- خاصة في المسرحيات الي يقدمها قصر ثقافة الحرية وقتها.
قابلت عادل حافظ كثيرا في قصر ثقافة الحرية، وشاهدته على المسرح، وزارني كثيرا في بيتي، فقد اتصل السيد حافظ به من الكويت وكلفه بمهام أدبية، ذهبت معه لبيت عبد الله هاشم الذي يعد كتابا عن مسرح السيد حافظ الطليعي.
وتابعت أحمد – الأخ التالي للسيد حافظ حاصل على بكالوريوس تجارة ويعمل مراجع في شركة زيوت.
كنت أكتب الحلقات التي يكتبها السيد حافظ على الآلة الكاتبة، وبينما السيد حافظ يحدثني عن كتابة حلقات المسلسل أجد خطيبته تتدخل وتقترح اقتراحات تفيد العمل.
عندما قابلنا أنا ومحمود قاسم - مخرجة السينما أسما البكري في بيتها المقابل لمحافظة الإسكندرية، حدثها محمود عما يفعله السيد حافظ بإعجاب شديد، فقد كانت أسما تستعد وقتها لصنع فيلم شحاذون ومعتزون. وكان يكتبه لها السيناريو صديقها الدكتور حسام زكريا.
00
مات الحاج حافظ – والد السيد حافظ - وعنده ابن من زوجة طلقها هو محمد حافظ رجب: وأربعة من زوجته الثانية، أكبرهم السيد.
عندما مات والده – الحاج حافظ - كان السيد في الحادية عشر من عمره، يعني هو أكبر أبناء الأسرة، فمحمد حافظ رجب بعيد عنهم. كانت أم الأولاد الأربعة مازالت شابة، وأحمد سبع سنين، ورمضان خمس سنين وعادل سنتين.
حافظت الأم على أولادها، وأحس السيد حافظ بإنه المسئول عن هذه الأسرة. أحس السيد بالمسئولية وهو صغير. فأخوته كلهم في مدارس. ولابد أن يظلوا في المدارس وينجحوا.
هذه التجربة القاسية تركت بصماتها على السيد حافظ طوال حياته. فهو للآن مازال طفل صغير يبكي بكاءً مرا، إذا تحدث عن أبيه أو عن جمال عبد الناصر – الذي يحبه – ويبكي إذا تحدث عن زوجته الأولى التي ماتت – أم أولاده – وهذه خصال الأنقياء.
قراءات السيد حافظ المتعددة جعلته يفكر تقكيرا علميا في كل حياته، فهو مقتنع بأنه لو أحس برغبة في البكاء، فلا يتردد في أن يبكي، وإذا أراد أن يغني، فيغني بصوت مرتفع.
عندما قابلناه أنا وصديقي محمود قاسم في بيته في آخر شارع محسن لم يكن قد تزوج.وعلمت بعد ذلك إنه تزوج وأنجب.وعاد ثانية للعمل بالكويت ولدول عربية أخرى..
00
تحدثت في ندوة بمركز الإبداع عن خصائص عائلة الحاج حاظ رجب، فقد شعرت بأن حالة التمرد التي اشتهر بها محمد حافظ رجب في حياته وفي كتاباته أيضا لا يختص بها وحده وإنما هذه صفة مشتركة في كل أفراد العائلة. وأن حالة التمرد هذه بدأت منذ نشأة والدهم الحاج حافظ رجب. قلت إنه بدأ بائع جرائد في محطة الرمل – هذا ما قرأته عنه – فيتمرد على حالته، ويصل إلى صاحب العديد من المحلات بشارع شكور القريب من ميدان محطة الرمل حيث بدأ. بل يحاول الحاج حافظ رجب لأن يشتري محل بنيامين – أشهر محل فول وفلافل في الإسكندرية ( مكانه الآن محل فول وفلافل محمد أحمد )
حالة التمرد التي مازلت أذكرها في هذه العائلة هي التي دفعت الأخ الثالث للحاج حافظ رجب – بعد محمد حافظ رجب والسيد حافظ الأستاذ أحمد – لأن يقاطعني وهو جالس في صفوف المتابعين. وكان ينبغي أن ينتظر حتى أكمل رؤيتي، ثم يناقشني فيها. فقد اساءه أن أقول أن والده بدأ بائع جرائد وقال بصوت مرتفع:
- شارع شكور كان كله ملكا لنا.
قلت: إني لم أقصد الإساءة بل قصدت أن أمدح العائلة – كما أن مدبولي بدأ بائع جرائد وأصبح أهم ناشر في الوطن العربي، كان ينافس هيئة الكتاب التي تمتلكها الدولة.
حالة التمرد التي اشتهرت بها أسرة الحاج حافظ رجب كلها، جعلت محمد حافظرجب يعترض على قبولنا لشكل القصة القصيرة الذي فرضه علينا الكاتب الإيطالي بيكاتشيو فقدم شكل مختلف. والسيد حافظ ورث أيضا عن والده هذا التمرد، فلم يقبل الشكل المفروض علينا من الغرب في المسرح، فأتى بشكل فني لم يسبقه إليه أحد وهذا ما جعل عبد الله هاشم يكتب كتابة عن المسرح الطليعي عند السيد حافظ. ما فعله السيد حافظ في المسرح فعله محمد حافظ رجب من قبل في القصة القصيرة.
ما فعله السيد حافظ في المسرح من تطور مرتبط ارتباطا وثيقا بالتطور الذي جاء به محمود دياب في مسرحيته ليالي الحصاد، لكن - للأسف الشديد – المجتمع المصري لم يساند محمود دياب ولم يسمح له لأن يكمل طريقه في التجديد، فصعب على المجتمع المصري أن يتقبل موهبة متمردة في المسرح مثل موهبة محمود دياب فعاداه حتى أبعده عن خطته ومشروعه المتطور الحالم. ليأتي السيد حافظ – وهو بعيد عن دائرة الظلم الشديدة في القاهرة – يبتعد أحيانا في دولة الكويت أو الأمارات بعيدا عن مطاردة من هاجموا محمود دياب أو يعيش بعيدا في مدينته الإسكندرية.
ولم تقتصر حالة التمرد هذه على المسرح عند السيد حافظ لكن طالت فن القصة القصيرة والرواية.فلي صديق – ناقد – شديد الإعحاب بكاتب سكندري لأنه يكتب في رواياته اسماء حقيقية يتعامل معها في عالمه الأدبي.اعتبر هذا الناقد أن هذه طريقة جديدة قدمها هذا الروائي. فقلت له إن السيد حافظ قدم هذه الطريقة في الكثير من أعماله.
وروايات السيد حافظ الأخيرة فيها تمرد عجيب، فيها شطط فني مطلوب في فن الرواية، وباقي الفنون.
00
كتبت غيداء السيد حافظ كتابها عن أبيها بحب شديد، خاصة بعد موت أمها – ودور أبيها بالإهتمام بها وبأخواتها.
ما شدني أكثر لهذا الكتاب، التلقائية العجيبة المكتوب بها، فلغة غيداء لغة فنية يمكنها أن تقدم بها قصصا وروايات. .
تعرف غيداء اهتمامات والدها السيد حافظ – خاصة بالمسرح. فقدمت فصول من هذا الكتاب بالتكنيك المسرحي. قدمت الأحداث بطريقة المشاهد المسرحية. فنرى في المشهد حجرة أبيها وتصرفاته. ثم تتحدث عن مسرحيات أبيها المستمدة من التاريخ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق