Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الجمعة، 31 مايو 2024

تمثلات التجريب في المسرح العربي المعاصر السيد حافظ أنموذجاً- عبد الستار عبد ثابت. (54)

 

سلسلة دراسات و بحوث فى مسرح و روايات السيد حافظ (54)

تمثلات التجريب

في المسرح العربي المعاصر

السيد حافظ أنموذجاً







د. عبد الستار عبد ثابت

عميد كلية الفنون الجميلة - جامعة البصرة

العراق




نشرت هذه الدراسة في مجلة "فنون البصرة" في عددها التاسع والعشرين الصادر في شهر مايو 2024,  

للتحميل بصيغة PDF

رابط التحميل الأول

اضغط هنا


رابط التحميل الثاني

اضغط هنا



الدراسة كاملة

تمثلات التجريب

في المسرح العربي المعاصر

السيد حافظ أنموذجاً

ملخص البحث:

يُعتبر العمل الفني رؤية جمالية متجددة تتميز بالدينامية والحيوية منذ فجر الإبداع الأول، سعت الفنون الإبداعية للخروج من معطف التقليد والتأسيس للتجديد في الصياغات والعناصر الفنية استجابةً للتغييرات الفكرية وغيرها. يُعدّ الفن المسرحي من أبرز الفنون التي جربت في بنيتها ومضمونها وشكلها، نظراً لمرونته وتغييره الجوهري. ساهمت الأوضاع الاجتماعية والبيئية في الوطن العربي في دفع المجربين المسرحيين نحو التجديد .

كانت المسرحيات العربية والمصرية تقليدية حتى أوائل السبعينات، حيث بدأت محاولات جديدة للنهوض بالمسرح المصري. كانت أولى خطوات التجديد هي مسرحية السيد حافظ التجريبية كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى"، التي حطمت القواعد التقليدية في التأليف المسرحي، مقدمة رؤية جديدة للشخصيات والمكان والبطولة .

استمر السيد حافظ في هذا النهج التجريبي في مسرحياته اللاحقة مما يعكس رغبته في التمرد وشغفه بالتجريب في التأليف المسرحي . بناءً على أهمية ذلك، يتناول البحث فرضية تحليل سمات تمثلات التجريب في نصوص السيد حافظ المسرحية، وانعكاس ذلك على بناء النص المسرحي. البحث تكمن في تقديم دراسة حول نزعات التجريب في تأليف السيد حافظ، مما يفيد المتخصصين في الدراسات النقدية المسرحية.

هدف البحث هو التعرف على تمثلات التجريب في النصوص المسرحية للسيد حافظ.



 



 

الفصل الأول : مشكلة البحث

يعد العمل الفني رؤية جمالية ، متجددة يتميز بالدينامية والحيوية ، لذا ومنذ فجر الابداع الاول حاولت الفنون الابداعية الخروج من معطف التقليد والتأسيس ومحاولة التجديد على مستوى الصياغات والعناصر بما يتصل بالتغييرات الحاصلة في اشكال الاعمال الفنية واحد هذه الفنون التي احدثت هذا التجريب في مجالات بنيتها على مستوى المضمون والشكل بما يتسق والتغيرات الحاصلة على المستوى الفكري او المستويات الاخرى المتعلقة ببناء النصوص هو الفن المسرحي بما يحمل من سمات مرنة وتغييرية في جوهره ، ومما اسهم في هذا كله الاوضاع الاجتماعية والبيئية التي احاطت بالمجربين العرب من المشتغلين في الحقل المسرحي ، اذ ظهر في وطننا العربي العديد من كتاب المسرح حاولوا ان يشكلوا ردات فعل لما حصل عام ١٩٦٧ وما تلى هذا التاريخ وبدأت منظومة الفنون حينها تأخذ طابع التجريب ، ولذا يمكن عد الكاتب المصري السيد حافظ من اهم الكتاب المسرحيين الذين ظهروا في السبعينات واضافوا تجديدا للتأليف المسرحي فهو مسرحي سبعيني ينتمي لجيل النكسة تلك الحقبة التي اصبحت حاسمة ومتسمة بالغضب من الواقع والتي احس الفنان العربي من خلالها بان المسرح التقليدي قد عفا عليه الزمن ولم يعد مجدي في التواصل المجتمع. فبعد ان كان المسرح العربي بشكل عام والمسرح المصري بشكل خاص حبيس المستوى التقليدي من حيث المسرحيات الكلاسيكية حتى أوائل فترة السبعينات ، ولكن بعد ذلك ظهرت بوادر تشتمل على محاولات جديدة للنهوض بواقع المسرح المصري كان اول تلك الخطوات هو ما قدمه السيد حافظ في اصدار اولى مسرحياته التجريبية (كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى) والتي حطمت كل القواعد التقليدية الكلاسيكية المتعارف عليها في التأليف المسرحي ، وكانت هذه المسرحية التجربة الاولى لأثارة قضية فنية تتضمن اشتغالات تأليف مسرحي مغاير من حيث البناء والرؤية للشخصيات والمكان ومفهوم البطولة وغيرها من التمثلات الراسخة في البناء المسرحي التقليدي كما ان مسرحياته التي تلتها لم تخرج من هذا الاطار وهو الانزياح عن المألوف في التأليف المسرحي بدءاً من عناوين النصوص (حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث و الطبول الخرساء في الاودية الزرقاء) و (هم كما هم ولكن ليسوا هم الصعاليك) كل هذه العناوين تكشف عن رغبة ثورية في المترد وشغف في محاولة التجريب في التأليف المسرحي لدى السيد حافظ وصولاً الى البناء الداخلي للنصوص وتأثيثه الفكري للنصوص ، ووفق ما تقدم يبنى الباحث فرضية بحثه بالسؤال الاتي (ما هي ابر سمات تمثلات التجريب في النصوص المسرحية للكاتب المسرحي السيد حافظ وانعكاس ذلك في بناء النص المسرحي ؟) أهمية المبحث والحاجة إليه تكمن اهمية البحث في البحث عن ابرز تمثلات نزعات التجريب في التأليف المسرحي لدى الكاتب المصري السيد حافظ ، وبذلك يفيد البحث المتخصصين في مجال الدراسات النقدية المسرحية.


 

هدف البحث

يهدف البحث للتعرف على تمثلات التجريب في النصوص المسرحية.

حدود البحث

الموضوع :

تمثلات التجريب في نصوص الكاتب المسرحي السيد حافظ

الزمانية : ١٩٧٠

المكانية : مصر

 

 تعريف المصطلحات

۱ - تمثلات

لغويا: مثل: صوَّر، رسَمَ : " مَثَّلَ مشهدا طبيعيا بالرسم". ومثل : جسد ، شخص : تمثيل : تجسيد، تشخيص:" تمثيل الموت في لوحات القرون الوسطى". وتماثل : تقابل في تشابه وتناسب، تناظر " تماثل لوحات"، "تماثل نوافذ"، "تماثل عادات"(2001 ,.al M. '.-H)

اصطلاحاً : تمثل وهي : "علاقة الملازمة بين أمرين أو أكثر، وتكون فيهما أو فيها صفات مشابهة (1979 ,al-Nur) وعرفها جميل صليبا : تمثل ( مثل الشيء بالشيء ) : سوَّاه وشبهه به وجعله على مثالِهِ, فالتمثيل هو التصوير والتشبيه والفرق بينَهُ وبينَ التشبيهِ أَنَّ كُلَّ : تمثيل تشبيه وليسَ كُلُّ تشبيه تمثيل، وتمثيل الشيء تصورُ مِثالُهُ ومِنهُ التَمثُل) (1982 Saliba) .

اجرائياً: انعكاس لبعض الرؤى والHساليب التجريبية في النصوص المسرحية.

٢ - تجريب

لـغــة: جاء في (المعجم الوسيط) : " (جَرِّبهُ) تَجْريباً، وتَجربةً : اختبره مرةً بعد أخرى ، والتجربة : اختبار منظم لظاهرة أو ظواهر ، يُراد ملاحظتها ملاحظة دقيقة ومنهجية للكشف عن نتيجة ما ، أو تحقيق غرض معيّن .. وجاء في (مختار الصحاح) : " المجرَّب هو الذي قد جرَّبتُه الأمورُ وأحْكَمَتْه " (1983 ,al-Razi)

- اصطلاحاً: هو "محاولة تقديم موضوعات وطريقة معالجة جديدة (1982 Dean) والتجريبي هو " الحاصل من التجربة مباشرة من دون أن يكون مستنتجاً من قانون أو مبدأ " ( 1385 ,.Saliba J) .

- اجرائيا: الاتيان بأساليب بناء نص مسرحي مغايرة للأساليب التقليدية المتعارف عليها.

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني: الاطار النظري

مفهوم التجريب وانعكاسه
على المسرح العربي

 


 

أن أي تغييرات تجري في الحياة بالتأكيد تتطلب معها مواكبة العناصر الاخرى المتسقة معها ، وبالتالي كانت ولازالت الفنون الاكثر تاثراً بهذه التغيرات الجارية بتسارع كبير في مجالات الحياة كافة ، وهو الأمر الذي يحاول من كسر الأطر التقليدية للخطاب وايجاد سبل اخرى تبحث في سبر أغوار العملية الابداعية الفنية وتكتشف المكامن الجمالية القابعة في جوهر الأشياء ، ولعل احدى أشكال الحياة الأكثر تطوراً هي الفنون الجميلة التي كانت ولا زالت محط تغيير مستمر هذا التغيير الذي يتأتى من طبيعة الفنان الرافضة لكل ما هو جاهز وتقليدي، ومحاولة اكتشاف عوالم إبداعية جديدة في صياغاته الفنية، وبالتالي كان التجريب أحد أهم المسارات التي اتخذها الفنان بصورته العامة لتجديد الشكل والمعنى معاً في حيثيات رؤاه وبناه للعمل الإبداعي الفني وبخاصة في الوقت المعاصر الذي يعد عصرا للتسارع والتغيير المستمر اذبات الإحلال والتبديل يحدث كل يوم وكل ساعة ، في محاولة المغايرة والإبداع ، ولم يكن هذا الأمر وليد اللحظة او اليوم وحسب، بل ان التجريب قد رافق الانسان منذ الازل فمنذ أن وجد الانسان "وجدت معه جذوة التجريب فقد جرب كل الطرق التي تكفل له سبل العيش فحب البقاء دافع به الى ان يجرب لكي يضمن استمرار وجوده وحياته فالتجريب إذا كان وليد الحاجة وحب البقاء" 2015 Night)

وان الفنان في محاولة المغايرة في صياغاته الفنية إنما يسعى للإبقاء على ابداعه واستمراره والابقاء على كيانه الفني بحد ذاته محاولة جمالية تتصل بالفعل الابداعي والفني وهو الأمر الذي جعل التجريب في طبيعته ما هو الا الاجمال الدائم للحظة تتحرك في كل الاتجاهات ، متجددة أو تدعي القطيعة مع الماضي او الالتحام الحي بالماضي او استشراف المستقبل او تأكيد التراث تأكيداً مختلفا هذا هو التجريب ، البحث غير المشروط في أفق لا يحد" (1993 haul التجريب لا يستقطع من اللحظة الراهنة سوى ما يضف لجمالية عمله الإبداعي ويكسر من الصورة النمطية التقليدية في إرسال خطاباته الفنية ، وهو بهذا لا يحدث أي قطيعة مع ما هو جمالي يتصل بالسابق من الاعمال والاشكال المشاعة ، وربما هذه احدى الطرق التي تعارف عليها في مسارات التجريب ويعني الباحث هنا الافق غير المحدود للتجريب بعيداً عن الاشتراطات التقليدية الموضوعة والتي ترسخ لقوالب وكليشيهات جاهزة على المبدع اتباعها وهنا تكمن اشكالية تسمية المبدع اذ كان يتبع تلك الكليشيهات من عدمه، فالتجريب هو خروج من هذه الشرنقة التي تحصر المبدع بدائرة القوالب والقواعدية . لذا فان التجريب هو فعالية ابداعية هامة تنزاح عن تكرار النموذج السابق من خلال "ابتكار أساليب جديدة تكون قادرة على توفير الابعاد الفكرية المتوخاة وتحقيق المتعة الفنية المطلوبة ومن ثم يكتسي التجريب طابعا ديناميكيا تظهر فعاليته في سياق ثراء دلالاته الفنية والجمالية (2007 ,Belkaziz) . و التجريب في الفن هو عمل إبداعي في المقام الأول يسعى لتحقيق معرفة ارقى ومتجددة قد تتأسس على بعض جذور المعرفة التقليدية ، لكنها غالبا ما تحمل صفات وخصائص متباينة عن المعرفة السابقة عليها صفات المغامرة الانسانية وخصائصها الجسارة والقدرة على فض المجهول واستيعاب الجديد والمعرفة الخلاقة على هذا النحو هي أرقى مستويات التجريب الإبداعي (Farah 2000 ان التجريب لم يكن يوما نزعة شكلانية ساعية لاحداث الاثر على المستوى الظاهري وحسب ، ولكنها تنحى الى ما يتعلق بالمنهج والتفكير ، والتأمل في عملية الإبداع وصناعة الجمال في مجالات الفنون والآداب وعلى مختلف اصعدة الحياة ، اذ ان التجريب هو نوع من انواع الابداع الفني الساعي لإيجاد علاقات وشيجة وجديدة بين الأشياء " انطلاقا من الواقع مدفوعا برغبة جامحة في التغيير الذي لا يتحقق له إلا بالبحث عن سبل جديدة أي أن التجريب يجب ان يستند الى حقائق موجودة وكائنة فعلا ولا يكون إبداعا عفويا بل ابداع عن قصد فيه نوع من الاحترافية ومبطن بالقصدية لأن صاحبه يدرك جيدا ما هو مقبل عليه وخطواته مدروسة بدقة
"2011 Aisha) فالتجريب في تحركه على مستوى الإبداع وإنما هو فعل دينامي مستمر يحاول اكتشاف ما هو جديد والبحث عن الطرح المتبع الى اساليب جديدة وصيغ تعبيرية مبتكرة ، ليس على مستوى الاشكال وحسب حتى في صيغ التعبير المتعلقة بالمضامين الظاهرية، والتجريب في حركيته هو فعل اختراق دائمي ومستمر وهو " اكتشاف وسقوط أقنعة، وإنه لمسرح مضاد مصادم مدهش جديد متجدد دائماً، غرائبي حلمي في شكله، واقعي في جوهره، ينفذ بقوة وحدة إلى أعماق الحياة والفكر والنفس الإنسانية" (Ji A. F., 2001) لذلك كان التجريب محاولات تجديدية على التقنيات القديمة التي لم تكن سوى في صنف التجارب السابقة زمنيا ، ومحاولة المسك بزمام البحث والتجديد على مستويات بناء المسرح بعناصره كافة ، فالتجريب لا يكترث للقوالب بل يضيق بها وبكل اشكال جامدة وجاهزة ، ويسعى دائما في محاولات البحث عن اكتشاف الجديد في مناطق المسرح المتعددة وعليه فقد كان التجريب احد السبل التي انتهجها المسرحيون المعاصرون وذلك رغبة منهم في الوصول الى "مسرح مغاير ومختلف يحدث الدهشة والانبهار ويكسر وتيرة النمطية ويعصف بالقالب المسرحي الثابت الذي اقترحه ارسطو وليضربوا عرض الحائط بكل القوانين التي من شانها ان تحد من حريتهم او تصادر حقوقهم في الابداع والابتكار والتجاوز لكل ما هو تقليدي ليصول هؤلاء ويجولوا في عوالم المعامل والمخابر والمحترفات المسرحية كعلماء الطبيعة يجربون ويعيدون التجربة تلو الاخرى بتغيير عنصر من العناصر أو اضافة اخر (Ji A. F., 2001) أى أن التجريب في بعده الابداعي يعد قفزة نوعية مهمة حققها المسرحيون في الوطن العربي للعصف بالقناعات الكسولة وبالخطابات السطحية خصوصا بعد ان اصبح استيعاب الثقافات ضروريا واضحى التمثل الحقيقي للتجارب العالمية محركا للأسئلة المقلقة حول المفاهيم الرائجة وحول الاساليب المستعملة في الكتابة (Ji A. R.,1997) أي ان التجريب في الفن انما يكمن في محاولة ايجاد صيغ متراكمة والعبور الى صيغ جديدة لا تشتبك مع الصيغ السالفة ، انما تتأتى من اشكالا جديدة تحاول تقديم الفن بأساليب اكثر متعة وجمالية ، وهذا لا يأت اعتباطا بل من بحث دائم ومستمر ومغامرة كونية في البحث عن الجديد ، واختراق الثابت ، وثوابت الأشكال الفنية، تبدأ هذه المغامرة بالكلمة المكتوبة وتمتد عبر لغة الجسد وسينوغرافيا العرض المسرحي، وبهذا فإن التجريب ليس عملاً فانتازياً يعمد فيه المؤلف والمخرج إلى الخروج عن المألوف أو اختراق المجهول فحسب، وإنما هو في جوهره تعبير عن لا معقولية الوضع الإنساني والقلق الأزلي والانتظار، وعن هموم كلية مستقرة في أعماق الإنسان وهو بالإضافة إلى ذلك وعي جديد للجمال وبحث دائب فيه، وإن أكثر الأشياء معقولية تلك التي تبدو لا معقولة في ظاهرها لكنها تظهر ما نحاول إخفاؤه، مستكشفة أغوار الواقع المكنون(Ji, A. R., 1997)  ان الصيغ الانسانية الراكزة في ذهن المتلقي انما تشكل في مضمونها تقليدا جائرا متعديا على خصوصية الانسان الباحث عن الدينامية حتى على مستوى تلقي المعارف والعلوم الحياتية ، فالتجريب بطبيعته يتصل بالفعل المتعدي لهذه الصيغة الكامنة في استقرار تلقي الانسان على الاوضاع التقليدية التي تخلق له النمطية والتكرار الممل، فالتجريب يضرب هذه العملية السائدة برمتها ويحاول ان يكسر الروتين المرتكز في ذهن المتلقي والمتعود على تلقيه الاحادي ، وهذا لا يتأتى على وفق الكيفية الفكرية التي يتمتع بها المجرب (الاديب) وانما ثمة اساسات لابد من الارتكاز عليها وبخاصة في مسالة ادراك ان التجريب لا يأتي الا من فهم دقيق للتيارات المسرحية العالمية والائتلاف مع اشكالها المستوردة يقتضي استيعاب خطاباتها ضمن جدلية نقدية تحسم في اختيار صائب لأشكالها المستنبتة انطلاقا من ادراك سمات التحديث والمغايرة وتكيفها مع الذوق العام لجمهورها العربي" (Younis, 2004) .

فالتجريب عملية مبنية على القدرة والمعرفة لأنها تفضي الى اخضاع الشيء الى التجربة والخروج برؤى جديدة غير المتعارف عليها والمثبتة سلفاً. لقد رافق مفهوم التجريب المسرح العالمي منذ نشأته فمثلاً الممثل ثيسبس اسهم في تطور الأناشيد الديثرا مبية التي كانت تنشد الاحتفالات الطقسية لتمجيد ديونسيوس وحول ذلك الى عرض مسرحي من خلال عربته الجوالة، واسهم اسخيلوس هو الآخر بإضافة ممثلاً ثانياً امام سوفوكليس فقد أضاف ممثلاً ثالثاً اما يوربيدس فهو الذي هبط بالمسرح إلى واقعيته. ولعل ابرز ما يؤشره النقاد هو ان عملية هدم الاشكال التقليدية قد بدأت فعلياً مع الكاتب المسرحي الفرنسي الفريد جاري صاحب مسرحية الملك اوبو) التي قدمت عام ١٨٩٦ والتي سخر فيها من اشكال المسرح السائدة ومن ابطال المسرح ومنها تأسس ما اطلق عليه بالقطبين الجماليين المبني احداهما على الجماليات التجريبية الغربية والآخر على الطليعية للخروج من شرنقة المسرح التقليدي السائد آنذاك 2009)  (El-Rufai وهذا ما أسهم بتقويض الدراما الكلاسيكية خلال القرن العشرين وافقدها ابرز سماتها وصفاتها المتعارف عليها قواعدياً لتفرز التيارات فيما بعد وليطرح اسم (غاري) كأحد الذين هزوا قواعد الكلاسيكية الأرسطية بقوة عبر هذا الابتكار الجديد الساعي بقوة الى التخلي عن قوالب ارسطو والهزء منها ومن تفصيلاتها في البناء. وبالنسبة لمسرحنا العربي المعاصر فيمكن القول بان هناك خطابات من نوع اخر تريد التمرد على الاساليب والقوالب الجاهزة في الكتابة وتتيح للتجريب امكانات صياغة نظرية جمالية وتقدم من الرؤى والتقنيات الفنية ما يسمح بتحول وديناميات المسرح العربي واضافته النوعية وانفتاحه على التجارب والتجريب في المسرح الغربي " (Wassafi, 1995) إن التجريب الذي اسماه الناقد العربي مصطفى رمضاني بـ"هوس التجريب"

(1985 ,Ramadani, Towards the Connection of Critical Discourse in the Ceremonial Theatre)

أصبح سائداً في مسرحنا المعاصر وبقوة ، ذلك ان وجود المسرح التجريبي في العالم العربي وفي مصر بالتحديد خلال فترة بداية السبعينات جاء نتيجة طبيعية لموجة الشك والتساؤل التي كان يطرحها الانسان العربي والمثقف على وجه الخصوص ومنها اسئلة الانتماء للغرب او الاستقلالية العربية والتي بقت اسئلة مشرعة الابواب ومنفتحة على التلقي وهو ما ولدت الحركة التجريبية آنذاك

 (Ramadani, 1984) ان التجريب بطبيعته كان مرتبطا بالتغييرات الحاصلة في وطننا العربي وبخاصة بعد الهزائم ومحاولة الخروج من الاطر البالية والثوب القديم في محاولة ربط المجتمع برؤى مغايرة عن السائد السالف. فلقد تأرجحت بدايات المسرح العربي بين الترجمة والاقتباس والاعداد والتأليف وطيلة عمر المسار المسرحي العربي بقي المسرحيون العرب على صيغة "محاكاة الآخر والسير على خطاه واقتفاء اثره وتحقيق ما توصل الى انجازه باعتباره المثل الذي يحتذى به كما انه الاصل الذي يؤخذ منه وتكون العودة اليه في كل مرة لأنه مبتكر المسرح لكن ثم ما لبث أن تفطن المسرحيين الى ضرورة ان يكون لهم مسرح خاص بهم يعكس هويتهم واهتمامات المتلقي له على الرغم من ان المحاولات الاولى وان كانت تعتمد التقليد والاتباع كسبيل من السبل في اعداد العمل المسرحي الا انها كانت تنطوي على تجارب تسعى في وجوهها الى اقلمة هذا القن مع الواقع الذي نقل اليها" (Ramadani, 1984) ان عملية التأصيل في مسرحنا العربي كانت تفترض السعي الى التحرر من التبعية للغرب وتحقيق الذات من خلال التخلي عن نتاجاته الفنية ومقاييسه الجمالية والفكرية اولاً وانجاز ابداعات تتفق مع الهوية العربية وخصوصياتها ثانيًا " (Al-Madouni, 1993) ان توقف الباحث عند المسرح المصري خلال فترة السبعينات بالتحديد يجعلنا نلاحظ ان كتاب المسرح التجريبي رفضوا ان يأتي الكتاب بنصوص مسرحية على وفق الاطار الشكلي الاوربي المعتمد على القالب الارسطي بل على العكس من ذلك دعا كتاب المسرح التجريبي للتمرد على وحدات ارسطو وثلاثية الخط المسرحي بداية ووسط ونهاية وتمردوا كذلك على الفصل بين الانواع وعبروا عن المسرح بانه فسيفساء يجمع كل الالوان الابداعية واشكالها فالفنان حر باختيار الشكل الملائم لنصه لان المسرح قبل كل شيء خطاب والخطاب يتم توصيليه عبر اشكالا مختلفة المشارب (el-Habib 2005) وان كان المسرح المصري قد اتسم بالتجريب المتواصل بحثا عن مسرح مميز فان فترة السبعينات بلا شك لا تقل اهمية من حيث الاهتمام بالتجارب الحديثة والتجديد الذي طال كل عناصر العرض المسرحي وخوض عمار التجريب بحثاً عن رؤية جديدة لواقع مأساوي خلفته نكسة ٦٧ على الفرد المصري والعربي برمته، ولعل ابرز الكتاب التجريبين في هذه المرحلة السيد حافظ الذي اتسم بالتجريب المستمر والمتواصل على مستوى الشكل والمضمون(el-Habib 2005  وهو من الكتاب الذين احدثوا علامة فارقة في مسألة التجريب بالكتابة المسرحية.

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

المبحث الثاني : التجريب وتمثلاته في مسرح السيد حافظ

تجسدت البدايات الاولى للمسرح العربي فرضية مهمة قادت رواده الاوائل الى نقل التجربة المسرحية الغربية حرفياً ، مما جعل المسرح في المنطقة العربية يسير بوتيرة واحدة واتجاهات ثابتة وقوالب جاهزة، ولفترات طويلة كان المسرح العربي والمصري على وجه التحديد حبيس المستوى التقليدي من حيث المسرحيات التقليدية حتى أوائل السبعينات والتي تمثل نقل مهمة ونوعية اذ ظهرت بوادر طيبة تبشر بمحاولات جديدة للنهوض بالمسرح المصري بعد طول رقاد ، فظهر السيد حافظ وأصدر أولى مسرحياته
   (Laila Ben Aisha former source). ولكن مع دخول الفن العربي مرحلة التثاقف الكبيرة والتداخل التي حصلت على مستوى الوطن العربي ومع الهزات والنكسات السياسية والاجتماعية التي اصابت المنطقة برمتها لذلك فقد برزت خلال السبعينات بوادر حقيقية ومحاولات جادة في مجال التجريب المسرحي وبخاصة في مصر وقد بدأ هذا التجريب في شكل محاولات فردية ثم لم يلبث أن أصبح ظاهرة عامة تستهدف الخروج من قيود التقاليد المسرحية المألوفة في الدراما الواقعية لدى كتاب ركزوا إنتاجهم المسرحي داخل الأشكال التجريبية 2008) (Awad, هذه المحاولات بسيرورتها الفكرية والفلسفية اصبح من خلالها للمسرح بناه الشكلية الجديدة ، اذ ارتبطت ظاهرة التجريب بجيل راموا ارتياد عوالم جديدة وصياغة أشكال جديدة تقفز على الاشكال التقليدية ، ومحاولة البحث عن قوالب تلبي تطلعاتهم الجمالية والروحية التي كانوا يعيشونها آنذاك ، وقد كان السيد حافظ هو أكثر كتاب هذا الجيل "شغفا بالتجريب. وهو تجريب لا يقف عند حد ولا يتوقف، حتى ليبدو مسرحه مسرحا للتجريب بلا هدف، فعلى الرغم من غزارة إنتاجه - إلى حد ما- بالنسبة لكتاب جيله، إلا أنه لم يتوقف عند شكل بعينه في رحلته مع التجريب

 (Saliha Husseini, 1990)

فالسيد حافظ كان يحمل ثورة داخله وتمرد ليس على مستوى ثورته على الشكل المسرحي التقليدي وحسب بل حتى على المستوى السياسي والاجتماعي ، وهذا التمرد في الشكل جاء على وفق تغير على مستوى الاحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي جرت بعد عام ١٩٦٧ وبالتالي تطلبت تغييراً على مستوى الشكل في معالجة المضمون المتغير فكانت الاطر التجريبية الاسلوب الملائم لطرح الافكار من قبل السيد حافظ ومن عمل معه خلال تلك الحقبة؛ إذ عمد السيد حافظ على تناول المواضيع ذات قضايا سياسية وانسانية واجتماعية معاصرة " تتميز بنبرة غاضبة تعكس آثار صدمة هزيمة ١٩٦٧ على المجتمع عامة وجيل الشباب خاصة ولكل ما احدثته من مرارة واحباط كما يتسم الكثير من اعماله بالخروج على القواعد الفنية التقليدية والحديثة" (2002 Al-Papi.,) .

فقد كتب السيد حافظ للمسرح التجريبي عدة مسرحيات ومنها كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى ومسرحية وحدث كما حدث ولم يحدث اي حدث ومسرحية هم كما هم ولكن ليسوا هم ومسرحية علمونا أن نموت وان نحيا ومسرحية الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء ومسرحية حبيبتي أنا مسافر والقطار أنت والرحلة الإنسان ومسرحية حبيبتي أميرة السينما ومسرحية إشاعة و (٦) مسرحيات فصل واحد ومسرحيات سيمفونية المواقف وهي مجموعة تضم (٥) مسرحيات تجريبية فصل واحد ومجموعة الخادمة والعجوز (٦) مسرحيات تجريبية ومسرحية المفتاح ومسرحية علمونا أن نموت وتعلمنا ان نحيا ومسرحية سيزيف القرن العشرين ومجموعة الأشجار تنحني أحيانا (۷) مسرحيات تجريبية ومسرحية يا له من عالم مظلم بارد متخبط ومسرحية بوابة الميناء ، كما ان العرض الاول لمسرحيته (كبرياء) التفاهة في بلاد اللا معنى واجه اشكالات كبيرة في مصر ورفض كبير وسخرية لاذعة من القائمين على الحراك المسرحي والثقافي هناك الا قلة نادرة وقفت مع فن السيد حافظ وقد قدم السيد حافظ لمسرح الطفل عدة مسرحيات منها الشاطر حسن وعلي بابا وسندريلا وابو زيد الهلالي وسندس وعنترة بن شداد وفرسان بني هلال وقميص السعادة واولاد جحا وقطر الندى والاميرة حب الرمان والاميرة نتوسة والعمل كمال وحمدان ومشمشة ومسرحيات اخرى (2002 ,Al-apin) ان السيد حافظ اسس فرقة المسرح الطليعي بالإسكندرية واخرج لها العديد من المسرحيات في الوقت نفسه ، وكانت هذه الفرقة لها تطلعات طليعية في بناء المسرح وصياغة افكاره وهذه التوجهات الطليعية كانت محاولات لكسر كل الاساليب السابقة السائدة في المسرح ، كما انه اشرف على ادارة قطاع "الدراما والمسرح بالثقافة الجماهيرية بالإسكندرية في الفترة من ١٩٧٤-١٩٧٦ ثم سافر الى الكويت منذ عام ١٩٧٦م وحتى ۱۹۸٦م للعمل بالمجلس الوطني للثقافة والفنون وهناك حصل على جائزة احسن مؤلف مسرحي موجه للأطفال في الكويت عن مسرحيته سندريلا كما عمل هناك محرر بجريدة السياسية الكويتية لمدة سبعة أعوام وبعد عودته من الكويت اسس بمصر مركز الوطن العربي للنشر والاعلام (رؤيا) كما حصل على منحه تفرغ من وزارة الثقافة عام ١٩٩٤ بدرجة رائد من رواد المسرح العربي كما شغل منصب مدير تحرير مجلة افكار بالقاهرة عام ١٩٩٥ (1996 ,Musa) وعلى وفق ما تقدم اصبح من المعالم البارزة في أدبنا المسرحي المعاصر هو بروز ميدان المسرح التجريبي في الساحة العربية حتى ان التجريبيين انفسهم بدأوا يجربون ضمن الاطار التجريبي ذاته ومنهم السيد حافظ فهو ليس مجرد كاتباً مسرحياً يقدم لنا حدثا في قالب درامي مسرحي، بل يعد "بإنتاجه الفكري الناضج خالقا مبدعا له عالمه الخاص وفلسفته وهو يغوص في أعماق النفس الإنسانية محاولا الكشف والوصول إلى أرض المثالية التي فقدناها.. محاولا الكشف عن كل ما يقابله إنسان ذلك العصر من صراعات مادية ونفسية وحضارية 1996) (Taleb ، ان السيد حافظ في كتاباته ينتمي الى جيل يبني رفضه للقديم على اسس واقعية من اهمها ان ذلك الجيل لم يف بالتزاماته اما لأنها لم تكن واضحة له كل الوضوح واما لأنه سارع بالتنازل عنها ظنا منه ان المعركة قد حسمتها الثورة .... ان هذا الجيل يحمل سلفة مسؤولية الهزيمة الماحقة والفشل الذريع الذي اصاب ثورة ١٩٥٢ وسلسلة الحركة الشبابية التي سادت مصر في ١٩٤٦ وهو لهذا يرفضه ويرفض اساليبه ويبحث عن اساليب جديدة من خلال التجريب" (Haji, 1994) يعد السيد حافظ اهم كتاب المسرح العربي الذين جعلوا التجريب وسيلة لتحقيق هوية الخطاب المسرحي العربي التأصل اذ ان من المعلوم ان "مسالة تأصيل المسرح العربي تعد من القضايا التي شغلت بال مبدعينا منذ الستينات وان كانت ارهاصاتها ترتد الى بداية النهضة العربية الحديثة (Obelhi).

إن اشكالية التفرد بالأصالة في المسرح العربي جعل جيل السبعينات المسرحي يأخذ على عاتقه هذا البناء المغاير احساساً باستشعار اهمية بناء هوية خاصة بالثقافة العربية ومنها الثقافة المسرحية على وجه التحديد کونها كانت اداة تعبيرية مهمة لأرسال رسائل المهمومين بقضايا الامة الى الجماهير. فعلى مستوى النص استطاع السيد حافظ أن يخرج من دائرة السائد وأن يرسم لنفسه نصاً خاصاً يؤثث من خلاله رؤيته الجديدة للعالم فهو يؤسس للممكن أكثر مما يستنسخ الكائن والموجود والمعروف والمألوف ، إن المسرح التجريبي بالنسبة للسيد حافظ ضرورة ملحة وهو الملاذ الوحيد الذي يمنح للإنسان فرصة المواجهة مع ذاته وواقعه ومجتمعه بوصف المسرح التجريبي "ضرورة لأنه يعني هدما وبناءً تراثا ومستقبلا ورؤى وفكرا وفنا (...) المسرح التجريبي كما يراه السيد حافظ هو أيضا ضرورة لإنقاذ المتفرج العربي المريض فكرياً وفنياً ونفسياً"

 (Saad Ardash M. A 2005) ان اليات التجريب في نصوص السيد حافظ تمثلت على مستوى البنية الدرامية في تردد الكاتب ما بين التقسيم التقليدي الى فصول كما في مدينة الزعفران واللحظات المتتابعة في شكل فواصل أو جسور كما في ٦ رجال في معتقل ولكنه لا يحفل كثيرا بالتطوير الدرامي او بالتقسيم التقليدي الى مقدمة وعقدة وحل"

 (Salem M. A. 1989 )

 فالكتابة الدرامية لدى السيد حافظ تستهدف صياغة الواقع على وفق صياغة جمالية وفنية "متمردة على كل الاشكال التقليدية لكتابة المسرحية من خلال ادواتها الخاصة ومن خلال فهممها وادراكها الجمالي لهذا الواقع (1990 ,Saliha Hussein) أي لا ترتكن للمضامين على حساب القيم الجمالية في بنائها وصياغاتها الفكرية والفنية الهادفة لبناء رؤية ادبية جديدة لبناء النص المسرحي، ويجعل السيد حافظ التجريب وسيلة للبناء سواء تعلق الامر بما يطرحه من موضوعات للمعالجة في نصوصه المسرحية ، ومناقشة اشكاليات تلك المواضيع ام بالكيفية التي يتم معالجتها من خلال نصه المسرحي ، ووسائله الجمالية والتقنية في بناء تلك النصوص وينحى فيها احيانا الى شعرية مغايرة تراهن على التجريب والكتابة المستفزة المتصلة بالوعي والرؤية الحداثوية Arash ان المسرح السيد حافظ عبارة عن تجارب صادقة تحاول أن تلعب دورا إيجابيا في حضارتنا التي تمر بمأزق عدة وتغاير على مستوى منظومة العلاقات والتواصل والبناء الاجتماعي والسياسي ؛ وذلك عن طريق إيجاد اللغة الجديدة التي ينتهجها في مسرحه والتي تعكس بدقة وعمق كل ما يضطرب في هذه الحضارات من صراعات وتناقضات وهزائم فهو يحرص كل الحرص على أن تكون لغته لغة فنية فيها ثراءً وتعقيدا في محاولة لإيجاد صيغة جديدة والبحث عن أشكال متقدمة تتعدى ما عرفناه من الأشكال المسرحية من أرسطو طاليس إلى مسرح اللامعقول (2005 ,Abed)، كما ان حافظ لا يحفل بالقصة كثيراً في نصوصه المسرحية بل يعتمد على وضع موقف درامي يتطور توالياً عندما يتقدم الزمن المسرحي والحدثي مشكلا علامة فارقة قائمة على كينونة الفكرة المسرحية وتطورها بطرق غير متعارف عليها تكتنز معها الاحداث وتؤسس لثيمة مركزية تتحد مع الدلالات القصدية في بناء نصه المسرحي بعناية واناقة واضحة. ان هجر السيد حافظ لهذه التقليدية وكسره لبناها لم يجعله يهجر شاعرية المسرح او يخلف فراغا في بنيته الجديدة التجريبية فان لغة السيد حافظ لا تؤدي مسارها الوظيفي فقط بل هي لغة معبرة عن احاسيس ومشاعر وان كانت تختلط في بعض الاحيان ما بين العامية والفصيح ومحاولة تطويع اللغة من اجل الوصول الى المغايرة في عملية استقبال / نصوصه التي ترسل لمتلقي عربي مهموم بكل ما مضى ، وكذلك يمكن الذهاب الى الرأي القائل بان التجريب بالأساس ضرورة فحينما يزداد الواقع اليومي والتاريخي تعقيدا وتركيبا فانه في الوقت ذاته يحتاج الى ادوات مركبة ومعقدة تستوعب هذه التغيرات ويحتاج الى مغايرة في الاسلوب والتقنيات تكون قريبة من المضامين الفكرية الجديدة حتى تكون اقرب الى التعقيد الذهني والنفسي للمتلقي ، وهذا ما سنجده في نصوص السيد حافظ التجريبية الذي يحول المسرح لعالم الاخر تختلط ازمانه وامكنته وطقوسه وشخصياته، وعوالمه المسرحية يختلط فيها السحري مع الواقعي والحلمي بالاسطوري والتاريخي ، والمحسوس بالمجرد والمشخص بالمعنوي هو يقدم مسرحيات تجريبية ذات بنية خاصة في التركيب والصياغات 1983) (Abidin كما ان السيد حافظ لم يكترث لقانون تقسيم النص المسرحي الى ثلاثة او اربعة فصول بل استدعى رؤية جديدة قائمة على تقسيم مغايرة كما فعل في حبيبتي اميرة (السينما) اذ قسم النص الى (لقطة اولى) ولقطة ثانية او الى عدة جسور كما في (ستة رجال في معتقل بـ ٥٠٠ حيفا او الى ثلاثة حدود في مسرحية اخرى وهو بهذا يتداخل مع المفهوم التجريبي ما بعد الحداثوي القائم على التداخلات مع الانواع الادبية الاخرى في مسالة التغذي على بعض من شكليات تلك الاجناس المتقاربة والعابرة للحدود. وحتى في مسالة الزمن فانه يقترح ازمنة لا وجود لها ازمنة لم يعشها الانسان بل يعمل على ادخالها السيد حافظ بقصدية عالية لحالة التناقضات العصرية.

كل تلك الاشياء تكشف لنا ان السيد حافظ هو ذلك المبدع "المتمرد على واقعه الرافض اقبية التقاليد يعد مغامراً جريئاً يعطي من كل نفسه ويبذل كل طاقاته باحثا في هذا الواقع المتخم بالتكرار عن حياة جديدة " 2018 ,Barshid) هذا الاتجاه الذي اتخذه السيد حافظ كان ازاء منظومة قيم متفسخة يعيشها الوضع العربي مما ولد غضباً لدى مجايليه انعكس ذلك على نتاجهم الادبي والفني ، ولما كانت كتابات السيد حافظ موسومة بالألم والغصب من واقعه المتردي لذلك كان عليه ان يبحث عن قالب لغوي يتماشى ونفسيته المتأزمة وبهذا لم يجد امامه الا هذا التناوب بين الشعر والنثر ليفرغ فيه غضبه وافكاره المتمردة وهذا الاسلوب المزدوج بين ما هو نثري وشعري نجده واضحا حتى في بعض عناوين اعماله"(2005 ,Badran) ، السيد حافظ وعبر تبنيه للاتجاه التجريبي في كتاباته فهو لا يريد ان يقيد نفسه باي شكل قديم قد لا يراه ملائماً للعمل المسرحي وهذا الامر بطبيعة الحال يتماشى واتجاهه التجريبي المتمرد والمتجاوز لما هو مألوف ومتداول فهو كان ينشد الحرية والتحرر للشعوب فهو ينشد التحرر لكتابته التجريبية وهو يهتم بالمعنى اكثر من الشكل لان همه الاول والاخير هو ايصال مسرحه للجمهور بسرعة ودون تكلف (2005 ,Abed) ان الكتابة الدرامية لدى السيد حافظ تتمرد على كل الاصول التقليدية او يمكن ان يطلق عليها بانها الكتابة الضد التي تقف داخل وخارج الفن المسرحي فهي كتابة تؤمن بالمسرح كظاهرة شعبية وابداع فني وفكري ولكنها تكفر بقواعده البالية ، وهي قواعد مستهلكة وقوانين جائرة ومستبدة" (2005 ,Abed) .

إن مسرح السيد حافظ على قائم على رؤية تجريبية متسمة بمسارات عدة فهو صاحب مسرح تأملي من حيث محاولته ايجاد لغة جديدة في مسرحته محافظ على ثراء هذه اللغة عن طريق ايجاد صيغ جديدة واشكال متقدمة تتعدى ما تعارف عليه في الاشكال المسرحية التقليدية في سعيه المستمر لتحرير المسرح من نظام القوالب والكليشيهات الجاهزة في محاولة لتبلور رؤية تجريبية في مسرحنا العربي (Barshid, Hafez Theatre between Experimentation and Foundation, 1985)  ان الدخول لعوالم السيد حافظ المسرحية يحتاج الى اكثر من جانب ووقفة في محاولة التقاط مدرسته المسرحية في مجال التجريب وبخاصة على مستوى نقضه وكسره لأنماط التقليدية في المسرح ومنها الوحدات الثلاث فهو يؤسس لبناء ينزلق من هذه الوحدات وتتشعب لديه الابنية لتصبح ضجيج ازمنة وتفاصيل امكنة وتسلسل احداث تتكامل كلها وتلتقي في نقطة واحدة يمتلك سرها ومفاتيح مدخلها الرئيسي السيد حافظ تاركا للزمن (...) وللتاريخ والمثل المأثور والاشارات والدوريات والتشابيه ونماذج الشخصيات ان تتحرك بحرية وببساطة ضمن المدلولات التي تنتجها الخشبة للكاتب" (Abedin 1988)، كل هذه كما اشار الباحث سلفاً انما تتأتى من المفهوم ما بعد الحداثوي للتجريب القائم على التداخلات بين الانواع الادبية مع هذا فان ما يؤخذ على السيد حافظ هو استعماله للغة العامية في مسرحياته التجريبية الى جانب الفصحى اذ ان التجريب يقتضي تكريس "تركيبات لغوية مشعة تومئ وتلتف وتتشابك وتندمج وتندغم ثم تنفرط في إيقاعات درامية مشتعلة ولا اظن ان ايقاع اللهجة العامية وتركيباته السهلة تمكن المؤلف من اشباع اتجاهه التجريبي" (Salem M. A., 1989) . ان جماح التجريب عند السيد حافظ وصل بعض الاحيان الى انه يضع في حواراته المسرحية "مستويين - الفصحى والعامية دون ما تردد كما ان هناك تداخلا بين النتر والشعر في بناء لغة الحوار في مسرح السيد حافظ فالبناء الشعري عند السيد حافظ لا يقوم على موسيقى اللفظ بقدر ما يقوم على الصورة الفكرية التي تنبعث من البناء اللغوي ، الشعر هنا شعر المضمون لا شعر اللفظ والسيد حافظ في تجربته المسرحية كثيرا ما يلتقي فيها التناقض بين الاشياء فيتحول النثر الى شعر والشعر الى علم والعلم الى حكمة" (Salem M. A., 1989).

إن المغايرة بالمكان والزمان والحدث والعناوين وتقسيم الفصول لدى السيد حافظ تمثل كتابة غريبة من نوعها هذه الكتابة الغريبة عند السيد حافظ فان دلت على شيء انما تدل على "غضب وسخط صاحبها امام الاشياء القائم على الرفض والادانة لكل تفاهة وعجز كما ان هاته الكتابة الغاضبة تدل على منهجه التجريبي الفكري الذي نهجه لكتابة مسرحية مغايرة لما هو متداول ومألوف"(Al-Sayed, 2015)، فعلى مستوى المكان في مسرح السيد حافظ فهو مكان مسرحي يمثل الخلاص مكان مرتبط بالمسرحية كعالم جديد وكون جديد وبذلك فلا مجال للبحث عنه في خرائط العالم ، انه المكان خارج الجغرافية اما الزمن فهو متحرر من الساعة ومن عقاربها انه الزمن الحلمي الأسطوري ان التجريب في المكان تمثل في مسرحية (ظهور واختفاء أبي ذر الغفاري) حيث جعل حافظ الأحداث : تدور في دولة وهمية هي (فردوس الشورى ان السيد حافظ لم يحافظ على وحدتي الزمان والمكان في طريقة ادخالهما ضمن بناء نصوصه المسرحية بل ان الحدث لديه يتنامى ويتطور بصورة تأخذ بعداً اخرى وبطريقة مختلفة عن ما هو متعارف عليه فهو يمتزج ما بين السكون والترقب الغريب وهو بهذا لا يتحرك بصورة مستقيمة من الاسفل للاعلى بل يبدأ من الخلف ويعود الى الخلف كذلك وبطريقة سينمائية او ما يصطلح عليها بالفلاش باك حيث يبقى وينتهي الحدث متازماً في نصيات السيد حافظ.

أما على مستوى التجريب في الحوار فان السيد حافظ في بعض مسرحياته يذهب الى كسر منطقية الحوار باقحام "كلمات تثير قلق القارئ او المتفرج ويتقزز لسماعها وهو يهدف من وراء ذلك الى التوصل الى مفهوم التباعد في المسرح لإخراج المتفرج او القارئ من سكونيته"

(Barshid Mr. Hafez Theatre between Experimentation and Foundation)

ان ما ميز نصوص السيد حافظ انها تضم عوالم اخرى لها ازماتها المغايرة واشخاصها المختلفين وطقسهم الخاص والذي هو عالم سحري يختلط فيه الواقعي بالحلمي والتاريخي بالأسطوري والمحسوس بالمجرد والمشخص بالمعنوي هذا العالم له بنيته الخاصة سواء في التركيب الذهني والنفسي للشخصيات او في اللغة والحدث والمواقف" (2004 ,Haqqani) . كما ان التجريب ايضا في مسرحه شمل الشخصيات والابطال على وجه التحديد اذ نجد أن الشخصيات عند السيد حافظ لا تمثل حالات فردية خاصة بقدر ما تحمله من أبعاد وتمثلات جماعية فالشخصيات في بناء مسرحياته وان اتخذت ابعادا ومواقف انسانية فان هذا الامر لم يؤثر البتة على قيمها الجمالية في العمل الفني عن طريق بحث الكاتب الدؤوب عن اسلوبه الخاص في تناول الشخصيات المسرحية والبطل في مسرح السيد حافظ سواء هو ذلك المتحرر الحالم والمثالي الفنتازي او حتى المتمرد فهو يركز على بطله وحده دون كل الشخصيات الأخرى التي في اعماله ونصوصه المسرحية كما انه يعطي من صفات بطله المتعددة لعدد من الشخصيات الثانوية أو الرئيسية التي تحيطها أو حتى الشخصيات التي يتمرد عليها البطل نفسه ولعل أهم صفة للبطل في مسرحيات السيد حافظ هي الثورية وابطاله يبحثون عن الممكن وليس عن المحال، يبحثون عن مدينة فاضلة . وعلى رأسهم شخصية أبي ذر الغفاري ذلك الصحابي الذي يمثل رمز التمرد عند حافظ هذا البطل الملتحم بقضايا الناس اليومية، وعلى الجانب الاخر لابد من الاشارة الى الجزء الآخر من شخصيات السيد حافظ " ضائعة هي في خضم الحياة تبحث عن القيمة التي زيفتها اصابع الحضارة الحديثة وتعيش وحشة رهيبة في طريق سعيها الى تلك القيم والمثل السامية سواء كان ذلك على الصعيد الاجتماعي الانساني ام الاصعدة الاخرى كالدين والسياسة والاخلاق وهي ايضا رموز صغيرة لجماعات كبيرة موجودة في القيعان الاجتماعية"

(Barshid Mr. Hafez Theatre between Experimentation and Foundation)

السيد حافظ جرب في بناء اعماله المسرحية حتى على مستوى عتبة العمل الفني (عناوين نصوصه) حتى انه في حادثة غريبة من نوعها في بداياته الاولى استبدل اسمه وكتب على عناوين مسرحياته التجريبية ان المؤلف هو (اوزوريس) وايضا التجريب على مستوى عنوان مسرحية (ظهور واختفاء أبي ذر الغفاري) وكذلك مسرحياته التي تلتها لم تخرج عن هذا الخط فهي تعلن انزياحها عن المألوف بدءا من العناوين (حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث ۱۹۷۲ - الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء ۱۹۷۲) (هم كما هم ولكن ليسوا هم الصعاليك ۱۹۷۷)... إنها عناوين غريبة ومثيرة تكشف عن رغبة دخيلة في التمرد والثورية كما تكشف عن شغف أثير بالتجريد والتجريب " . . Salem وكذلك في مسرحية (ممنوع أن تبكي وضع السيد حافظ لهذه المسرحي، وكعادته في مسرحيات أخرى ، عنوانين اثنين : العنوان الأول هو : (ممنوع أن تضحك ممنوع أن تبكي والثاني هو : حكاية الفلاح عبد المطيع). يركز العنوان الأول على الحدث العام والمثير في المسرحية وهو منع الضحك ومنع البكاء، بينما يركز الثاني على اسم البطل المحكي عنه ان التجريب لدى السيد حافظ يعد ضرورة ومتولد من حاجة داخلية تتمثل في رؤاه لعالم يتقافز بين ادوات القبح الحاضرة وهو يسعى للتمرد على المركزية بكافة اشكالها لذلك فهو سعى في مجمل اعماله ان يقدم قدم مسرحا تجريبياً مستخدماً فيه اغلب حيل التجريب التي عرفت في مسرحنا العربي المعاصر بدءا بالاغراب والتغريب ومرورا باستخدام الاصوات المتقاطعة والابعاد السيكولوجية والنقلات التعبيرية السريعة والمفارقات وعملية المسرح داخل المسرح وتعريقة التناقضات الحياتية ومواجهة المتلقي بذلك، وبالتالي اصبح علامة بارزة وايقونة مهمة من ايقونات التجريب في مسرحنا العربي المعاصر.

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث: الاجراءات


 

الفصل الثالث :الإجراءات

مجتمع البحث:

(مسرحيات السيد حافظ)

عينات البحث :

مسرحية (كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى) ۱۹۷۰

تحليل مسرحية (كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى)

صدرت الطبعة الاولى لهذه المسرحية سنة ۱۹۷۰ وهي السنوات التي بدء فيها السيد حافظ يرسم لنفسه المجد في مسارات المسرح التجريبي وهي السنوات التي تلت النكسة التي شكلت الوعي المسرحي العربي آنذاك ، هذه المسرحية اندرجت تحت عنوان (المسرح التجريبي) حتى في تجنيس غلاف المسرحية حين صدورها وهي تجريبية بدءاً من عتبتها النصية (كبرياء التفاهة في بلاد المعنى) وهي مسرحية ذات فصل واحد رسم السيد حافظ عنوانه هذا وفق مثلث تتناقص فيه الكلمات ، وهو بهذا يمارس منذ العنونة تجريباً جدلياً على مستوى الشكل ، وهذا لا يعني ان حافظ في هذه المسرحية يمارس التجريب الشكلاني وحسب بل انه اورد التجريب حتى على مستوى مضامين النص وذلك باسلوبية وطريقة طرحه الساخر من موضوعة المسرحية العامة الشخصيات في هذا العمل ليست شخصيات وفق المتعارف عليه تقليديا من بناء الشخصية المسرحية . بل هنا الابطال هم شخصيات تعويمية لا تشخيص لهم بل هم يمثلون فئاتهم وهم ليس الا انماطاً تعبيرية ما عدا المذيع كما في (الزوج – الزوجة – الخطيب – شاب ۱ – شاب ٢- الصحفي – الاب – الخطيبة – الطفل ) بل ان السيد حافظ يقسم شخوص مسرحيته وابطالها الى مستويين لكل مستوى شخصيات ما تساهم في بناء الحدث المسرحي وفق رؤية تختلف عن المستوى الثاني رغم انهما تجمعها ثيمة مركزية، واحدة حتى ان التداخل الوارد في المسرحية يمثل تجريبا من نوع خاص يلجأ له الكاتب على لسان ابطاله في هذه المسرحية فقد جاء على لسان "المذيع: تعرفين انني لبست نظارة سارتر وتسكعت بعصا تشيخوف وحلقت في العالم كنيتشة وغنيت احلام دانتي ورضعت احلام يوربيدس واكلت جلد اسخیلوس" (Paper) كل هذه الشخوص تنتمي لعوالم مختلفة ومتنوعة التوجهات والازمان جمعها الكاتب في شخصيته بحوار لا يخلو من محاولات تجريبية لبث مرموزات مضمرة يحاول ايصالها في نصه .كما يورد في حوارات اخرى ذكر ايزيس ونيرون وفان كوخ وغاندي والزمان في هذه المسرحية ايضا اشتمل على التجريب فهو كما ورد في المسرحية " احد ايام العصر الحجري - البرونزي الملامح - في القرن الفوضوي 2004) (Hafez ومثل هذا الزمان لا يوجد على واقع الازمنة السالفة ولا في مدونات التاريخ القديم ولا حتى المعاصر وهو بهذا اراد منه السيد حافظ التحرك ازاء فضاءات زمنية ممكن من خلالها بث الدلالات التي يسعى السيد حافظ لإيجادها في مسرحه كما يتمثل الشيء ذاته مع المكان ارض اللا محدود (الملوث انه مكان طوباوي متلاشي هلامي يحاول السيد حافظ يؤثثه وفق رؤيته الفنية التجريبية ، حيث يداخل فيه مضامين من امكنة مختلفة وازمنة متنوعة يجمعها في مكان مغاير يبنيه بطريقته الخاصة في بناء النصوص المسرحية والسيد حافظ بدلا من ان يقسم نصوص المسرحية الى فصول ان مشاهد فهو في هذه المسرحية قسم فصوله الى مستويات المستوى الاول) (المستوى الثاني) ويورد اماكن لا وجود لها في الواقع كما جاء على لسان الصحفي " انها ستقام في استاد الراحة على بعد ۲۰۰ كيلو خارج المدينة " (2004 ,Hafez)

اسلوب بناء الحوارات من حيث اللغة تراه غير مبني على وفق تتابعية منطقية ترتكن لواقع الحوار التقليدي بل ان الحوارات تراها اشبه بتكسير اللغة النمطية ومحاولة التركيز على الدلالة وبث الحوارات التلغرافية القصدية التي تكسر افق توقع المتلقي.

اذ جاء في حوارات المسرحية " الزوجة : سأشاهد المباراة في التلفزيون

المذيـــع : رافقيني في رحلة التكرار المميت

الزوجـة : انت ستذيع المباراة وانا اجلس لأشاهدها. سأشاهدها هنا وهذا يكفي

المذيـــع : حبيبتي العنيدة ما زلت عنيدة على الرغم من اني ادق قلبك بأوراق اشجار الليمون الزوجة : الابرة قد صدأت

المذيـــع: يمكنك ان تقذفيها في صناديق القمامة وهي كثيرة

الزوجـة : ما زلت ترضع الغرابة وتعيش في عالم غير العالم" (2004 Hafez,)

كما ان هذا النص تتداخل فيه السردية مع ما هو شعري ووفق هذان المستويين يبني حافظ مضامينه فهو وان جنح في اغلب نصوصه وهذا النص بالذات الى التجريب ولكنه يبقى محافظ على مسألة طرح المضامين في نصوصه المسرحية وهي المضامين التي شكلت ردات فعل للسيد حافظ واقرانه خلال تلك الحقبة وهو يقترب كثيراً من الاسلوب ما بعد الحداثوي الذي يجعل الانواع الادبية تتداخل فيما بينها متجاورة الحدود الفاصل. كما ان التباين في اللغة بين مستويين المسرحية انما هو تباين يحاول الكشف عن البعد الفكري لشخصيات تلك المستويات في المسرحية . تلك الشخصيات التي تتعايش وفق بناء لا يرتكن للبناء الأرسطي التقليدي بل وفق بناء قصدي تتصدر فيه الفكرة وتقفز على حساب التسلسل الهرمي للقصة كما ان التكرار الجمالي لبعض الحوارات وارد لتشكيل جرس موسيقي مقصده يوضح عجز اللغة عن احداث التواصلية وبالتالي الالحاح على هذا التكرار يولد حالة من الاحساس بعجز اللغة عن تحقيق هذا التواصل وفق رؤية الزمان التي وضعها المؤلف وهو الزمان الذي يتحرك بافقي صراع الطفولة الحضارية وصراع عصر التكنولوجية والحداثة وهو ما جعل الحوارات وتراكيها اللغوية تفرز شاعرية كبيرة في اغلب مواقف المسرحية وهي حالة من حالات التجريب وتمظهر واضح لمحاولة احداث المغايرة على مستوى بناء المسرحية وتصدير موسيقى الحوار بوصفه ايقاعاً تواصلياً. ان انقياد الجميع للتفاهة واللا معنى في جو من المفارقات تتمثل بنقاء المذيع في زمن سيادة التفاهة واللا معنى من القطيع الذي انتقده السيد حافظ في بنيته المسرحية عبر تراكيبه الجمالية التي سعى لتأثيثها في فضاءات نصه المسرحي التجريبي.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

النتائج:

١ - تمثل التجريب في مسرحية (كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى عبر استخدام المكان والزمان واللغة والحوار بمستويات تجريبية غير تقليدية.

۲ - اقترب التجريب المسرحي في مضامين السيد حافظ في نص مسرحية (كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى ولم يقتصر على شكلانية النص التجريبي وحسب.

٣- السيد حافظ في نصه المسرحي يعمد الى اسلوب الانماط التعبيرية في رسم شخوصه المسرحية، فلم تكن مبنية على وفق البناء الواضح التقليدي.

٤- السيد حافظ سعى وبقوة لتحطيم البناء التقليدي الارسطي في هذه المسرحية عبر التلاعب ببنية المكان والزمان وحتى الحدث وطريقة بناءه.

5- السيد حافظ حينما يورد شخصيات من ازمنة مختلفة في مسرحيته انما بقصد الاستفادة من رمزية تلك الشخصيات والايحاء الى تداخل الازمان وتناقضها وتصدير مضامينها على حساب الزمن الاحادي الذي تبنى فيه المسرحية التقليدية بمعلومية ومحدودية واضحة وهو اسلوب ما بعد حداثوي في بناء الشخصية التي يدخل فيها العامل التجريبي واضحا وجلياً.

الاستنتاجات:

۱- استفاد السيد حافظ كثيراً من توجهات المسرح الطليعي ومسرح ا اللا معقول .

٢- تاثر مسرح السيد حافظ كثيراً في الاوضاع الاجتماعية والسياسية التي حصلت في مصر والوطن العربي نهاية الستينات.

٣- التجريب خلال فترة بداية السبعينات كان حاجة نفسية ملحة لكتاب الوطن العربي ليس على صعيد المسرح وحسب على كل مستوى الاجناس الادبية كافة.

٤- التجريب الذي اعتمده السيد حافظ على مستوى مفردات بناء نصه المسرحي كان احد عوامل رفض اسلوبه المسرحي في بداياته الاولى.

5 - المسرح المصري كان البادئ والمبادر في عملية البحث عن ايجاد هوية خاصة بالمسرح العربي بعيداً عن النقل الحرفي للمسرح المستورد من الغرب.

٦ - التجريب في المسرح العربي جاء كرؤية معاصرة لهدم القناعات الجاهزة والاساليب التقليدية التي تعارف عليها في البناء المسرحي.

 

 

REFERENCES

Political Theatre, Studies in Plays by Mr. Hafez, J22005CairoCairo: Al-Faqa House for Printing and Publishing

Abed, A. (2005). Experimentation at Mr. Hafez Theatre: The pale-eyed bar awaits the exemplary angry old child, J2. cairo: cairo; The Fulfilment House for Printing and Publishing, 2005.

Abedin, C. d. (1988). Studies at Mr. Hafez Theatre, J1. Cairo: Cairo: Madbouly Library.

Abidin, I. (1983)., "The universality of the theatre at Mr. Hafez". Iraq, Iraq: Iraqi Culture Magazine, Year 13th Issue 1 in.

Aisha, L. B. (2011). the structure of contemporary Arab theatrical discourse between experimentation and creativity. Algeria; PhD thesis unpublished under the supervision of Professor Dr. Saleh Lamparakia (Algeria: Oran University: Department of Dramatic Arts.

 

al, I. M. (n.d.). Intermediate Lexicon, J1 and J2. Tehran, Iran: Tehran: Al-Sadiq Printing and Publishing Foundation, P.T.

al, M. '.-H. (2001). found in contemporary Arabic, t2, supervision: Sobhi Hamou. Beirut, Beirut: Beirut: Dar al-Mashraq, Beirut.

Aldaghlawy, H. (2024). Visual rhythm in the Iraqi theatrical performance. Journal of Arts and Cultural Studies, 3(1), 1-9.

                 doi:https://doi.org/10.23112/acs24021201

Aldaghlawy, H. J. (2023). Iraqi theater and Hussein's revolution. University of Basrah.

doi :http://dx.doi.org/10.5281/zenodo.10445445

al-Habib, S. (2005). Setback 1967 and the Palestinian Cause at Mr. Hafez's Theatre. Cairo: Cairo: Al- Wafa Printing and Publishing House.

al-Madouni, M. (1993). Problems with the Rooting of the Arab Theatre. Tunisia: Tunisia: Beit al- Hakma.

al-Nur, J. A. (1979). The Literary Dictionary. Beirut: Beirut: Dar al-Alam for millions.

Al-Papi., d. A.-S. (2002). Art Development in the Literature of Contemporary Arab Theatre in Egypt. Cairo, Egypt: Cairo: Dar al-Marefa University.

al-Razi, M. b. (1983). Mukhtar al-Sahah. Kuwait, Kuwait: Kuwait: Dar al-Raha.

Al-Sayed, Y. A.-R. (2015). Artistic Building of Folklore on Bab Al-Rabin Harami Between Folklore and Playwriting, Master's thesis unpublished under the supervision of Prof. Dr. Salah Al-Rawi. Egypt: Egypt: University of Zof Z, Academy of Arts, Critical.

Awad, S. (2008). Theatre Dictionary, J2, T2. Cairo, Egyptian: Cairo: Egyptian General Authority for Writers, 2008.

Barshid, A. (n.d.). "Mr. Hafez Theatre between Experimentation and Foundation. former source.

Barshid, A. (n.d.). "Mr. Hafez Theatre between Experimentation and Foundation. source: former source.

Barshid, A. (1985). Hafez Theatre between Experimentation and Foundation. Journal of Literature and Criticism, No. 10 on 1 January.

Barshid, A. (2018). "Mr. Hafez and the Angry Experimentation", considers in the book: D. Najat Sadiq al-Jishaami, Experimental Theatre between Evasion and Knowledge Disorder, T1. Cairo: Cairo: Horus Publishing and Distribution House.

Belkaziz, A. (2007)., Arabs and Modernism: Study in Haddathi articles, T1. Beirut: Beirut: Centre for Arab Unity Studies.

Dean, A. (1982). Foundations of Theatre Directing, Translation: Sa 'adia Ghneim. Cairo, Egyptian: Cairo: Egyptian General Authority for Writers.

El-Rufai, M. K. (2009). Experimental Literature in Playwriting: Western Theatre as a Model. Irbid: Jordanian Journal of Art, vol. 1, issue 1, (Irbid: Yarmouk University: Deanship of Scientific Research and Graduate Studies.

Farah, M. (2000). Tamlat Cash in Theatre. Amman: Amman: Amana Publications.

Hafez, M. (2004). Experimental Plays: Pride of Petty in the Meaningless Country and Happened as Happened but Nothing Happened and Other Plays. Cairo: Cairo: Fulfilment House for Printing and Publishing.

Haji, F. (1994). Popular Stories in a Thousand Nights and Nights. Cairo: Cairo: Delta Printing Center. Haqqani, H. (2004). Experimentation and Tampering in Arab Theatre through Mr. Hafez's play Sisyphus, Study in the Book of Arabic Experimental Plays by Mr. Hafez. Cairo: Cairo: Al-Fafa House for Printing and Publishing.

Ji, A. F. (2001). the structure of contemporary Arab theatre speech between experimentation and creativity. Damascus, Damascus: Damascus: Federation of Arab Writers and Writers.

Ji, A. R. (1997). Experimental Speech at the Arab Theatre,1. Morocco: 1 (Morocco: Sindi Press, 1997). Laila Ben Aisha former source, p. (n.d.). former source.

 

Musa, F. (1996). Dictionary of Theatre, J2. Cairo, Egyptian: Cairo, Egyptian General Authority for Writers.

Night, B. A. (2015). Experimentation at Mr. Hafez Theatre. Cairo: Cairo: Revaya Publishing Center.

Obelhi, S. (n.d.). Heritage Figures at Mr. Hafez Theatre, T1. Cairo: Cairo: Azal Printing, Publishing and Distribution House, PT.

Paper, d. A.-S. (n.d.). artistic construction in contemporary Egyptian theatre literature. Egyptian: former source.

Philosophical Dictionary, J11982Beirut Beirut: Lebanese Book House

Ramadani, M. (1984). Towards the establishment of the writing of an Arab adventure play. Morocco: Tasis Moroccan magazine, No. 1.

Ramadani, M. (1985). Towards the Connection of Critical Discourse in the Ceremonial Theatre.

Morocco: ASAS Magazine, (Morocco), No. 16.

Saad Ardash , Mustafa Abdul Ghani and others, former source.

Saad Ardash, M. A. (2005). Political Theatre: Studies. Cairo: Cairo: Al-Wafa Printing & Publishing House.

Salem, M. A. (1989). Mr. Hafez Bin Al-Tali 'i Theatre. Cairo: Cairo: Al-Arabi Publishing and Advertising Center.

Saliba, J. (1385 H). Philosophical Dictionary in Arabic, French, English and Latin, J2. Qoom, Iran: Proximity Publications.

Saliha Husseini, M. (1990). Hafez and the Rooting Problem in Arab Theatre. Cairo: Cairo: A Vision Series for Theatrical Studies.

Shaul, B. (1993). "Between Experimental, Classic and Modern", Experimental Theatre Magazine. Cairo, Cairo: Issue 8, Cairo International Experimental Theatre Festival.

Taleb, N. B. (1996). People's Heritage Personality. Cairo: Cairo: Arabic Printing and Publishing. Wassafi, H. (1995). Experimentation in Egyptian Theatre. Egypt: Chapters Magazine, Egypt, No. 1. Younis, L. B. (2004). Experimentation at Mr. Hafez Theatre, T1. Cairo: Cairo: Centre for Arab Civilization.

 


  


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More