قراءة فى رواية (كل من عليها خان) للأديب الكبير الأستاذالسيد
حافظ بقلم:
إيمان الزيات
ملاحظة/ القراءة محذوف منها كافة
النقاط التى كنت قد رصدتها وتم طرحها منقبل الأساتذة النقاد والمداخلات
الأخرى من جماليات لغوية ومعادلات موضوعيةوتحليلية للشخوص وما الى ذلك .
إن من الصعوبة بمكان لي عنق ذلك النص
المتمرد بوضعه في إطار مدرسة سرديةبعينها .. وإنما كل ما نستطيع رصده هو ظهور تلك الروح
التفكيكية فيه وذلكبتحطيمه لكل ماهو جاهز ومؤطر ومشكل ونظامي سواء كان نظرياً
أو ثقافياً أوتاريخياً من خلال فك النص واعادة تركيبه وبنائه على أيدي قارئيه ومحلليهوناقديه .. بحضور الدوال وتغييب
المدلول وبمعطيات المنهج التفكيكي التىصاغها (جاك دريدا) ومن أهمها : الاختلاف الذي يسمح بتعددالتفسيرات بعد مد القارىء بسيل من
الاحتمالات مما يدفعه بالعيش داخل النصوبالمحاولة المستمرة لتصيد موضوعية
المعنى الغائبة. ومعط أساسياً آخر شديد
الأهمية في هذا النص ألا وهو (نظرية اللعب الحر) اللامتناهي لكتابة ليست
منقطعة عن الحقيقة ومستلهمة من أفق واسع للمرجعياتالفكرية والفلسفية والنظم وطرق
التحليل وكأن الكاتب يقول لقارئيه :
(( أيها القارىء العزيز .. لنلعب سويا لعبة
التفكيك من الآن فصاعداً نحن شريكان في كل شىء .. منذعتبة ولوجك لنصنا هذا فاختر ما تشاء
من عناوين له فلن أسميه لك؛ فدوري فياللعبة أن أفكك نفسى أمامك فأخرج لك
ذاتي
" الشاعرة /
والمؤرخة / والساردة
/ والمسرحية / والفيلسوفة / والمتأملة / والمتبتلة / والمتبرمة / والمتجهمة / والممنهجة / والعابثة ". سأرتدى الأقنعة وفي كل
مرة حزر أنت من أكون ؟!!
وليس شرطاً أن تكون عبقرياً .. وليس
هناك من مانع في أن تكون زنديقاً أونبياً؛ فأنا أريد من الجميع أن يلعبوا معي تلك اللعبة ..
وكل ما تتطلبهاللعبة الكبيرة أن تكون "إنساناً" فحسب . سأمنحك علامات على طول
الطريقبالحوار
الماتع والمنولوجات الفلسفية .. والمسرحيات الموجعة .. والشعرالمحلق الداهش .. سأنفخ في بوق
الهداية بكشف العَور حتى لا تفكر بأنى أصعبالمسألة عليك. سأستخدم الكون والظل
والضوء .. وأعري آلامي وأفتحلأحلامي طريق الشهرة بالظهور أمامك .. وكل ما أطلبه منك
أن تفتح عينيك علىالحقيقة .. فاذهب إلى ماوراء السرد أو قف على السطور وتعمق .. المهم أن
تصل
))
الواو الحافظية لو أن لحرف أن يغير
مسار السرد من النقيضللنقيض ويجمع الأضداد ويضم المترادفات في تدفق وحنو لكان
هذا الحرف هو (واوالعطف الحافظية) ذلك الحرف العطفي المذهل الذي يدمج المحسوس بالملموس .. ويكثفهما في جملة سردية ذاهلة تعكس
مدى رحابة أفكار ذلك المبدع وتتابعهاوتدفقها كشلال هادر يسري بعطاء سردي
كريم.
أفاد ذلك الحرف نص المبدع أيما افادة
حيث لعبت أكثر من دور بلاغي ولغوي وتقني .. فلقدعطفت العام على
الخاص. وعطفت الشىء على مرادفه. وعطفت الصفات المفرقة. وعطفت مالا يستغنى عنه
من الكلم.
وتعالوا معي نستعرض مثالاً زاخراً
وثرياً بتلك الأحجية الابداعية الحافظية
(وأنا أعرف أن الحب نبي
وصبي وبهي وغبي ودني وعتي وشقي وصوفي وفجائي وصدفاوي وقدري وجنوني ومزاجي ونزوي
وليس في كل وقت بتقي) .
ويشرح وجهات نظره برحابتها فيقول :
(القمر لا يعرف أسماء
الناس والبلاد والعباد)
ويعرف نفسه بشموليتها فيقول :
(وأنا القاص والراوي
والبعيد والداني)
لقد تجلت (واو العطف الحافظية) وتزيت
وتباهت في هذا النص .. وسيندهش القارىء اندهاشات غير منقطعة بها على طول مشواره
القرائي به .
الرواية لدى الأديب هنا عبارة عن
معزوفة (بوليفونية) صاخبة بالتعددية في كل عناصرها ومكوناتها البنائية والتقنية. سنجد تعددية في ..
( الضمائر/ الشخوص/
اللهجات / الحوارية / وحتى في الأجناس الأدبية) وسأكتفي هنا بالاشارة
إلى (البوليفونية في الموضوعات) فلقد اشترك وتناصالنص في الفكرة والموضوع مع العديد
من النصوص العالمية الأخرى سلباًوايجاباً . وعادة ما نجد النص يشترك أو يختلف مع نص واحد
على الأكثر ولكنتلك ليس قاعدة من قواعد الفكر الحافظي الرحب والمتفرد .
فمثلاً لميجلس في انتظار جودوكما فعل (بيكيت) باحثا ً في عبثية
الوجود ، مستسلماًللزمن .. لم ينتظر أن تأتيه الحلول على طبق من ذهب إنما حلل وعرض وطرح
وشرحوقدم
فرضيات ومقدمات تجعل المتلقي يصل لنتائج منطقية .. كل هذا في اطارأدبي بديع . إنها كتابة المنطق في
مقابل اللا منطق . اشترك النصالروائي الحافظي مع (مائة عام من العزلة ) (لماركيز) في
امتدادها الزمني .. إلا
أنه عرض الأحداث بطريقة واقعية بعكس الرواية الماركيزية التى صيغتبداخل اطار خيالي.
وإذا تكلمنا عن الأنثروبولوجيا
ودراسة الإنسان فيأصوله التاريخية التى تمس جوانبه الإجتماعية وتطوراته الحضارية .. سنجد أنرواية (كل من عليها خان ) تقف يدا
بيد مع رواية (الكوميديا الإنسانية) لبلزاك الذى انصبت كتاباته أيضا على ذات الموضوع
بيد أنه قد حشد في سبيلهكل ما كتب من روايات حيث أن الكوميديا الإنسانية عبارة
عن كل الروايات التىكتبها بلزاك مجمعة .. أما الفكر الحافظي تخير أن يحشد
جيوش التقنيات ويحصنقلاع الأجناس الأدبية في هذا الصدد .. والتى تكفل للنص
عناصر الدهشةوالجذب
والمتعة والمشاركة القرائية التى عمد إليها منذ صفحاته الأولى وحتىنقطة النهاية التى تَعد بالمتابعة
القريبة .. حيث لا وجود للنهاية عندالمبدع السيد حافظ فهو كما كان بلزاك يقول عن نفسه :
(أما أنا فإنني أحمل
مجتمعاً في رأسي ).
برعت الذات المسرحية عند مبدعنا
الكبير في استخدام تقنية (كسر حاجز الايهام ) أو الجدار الرابع. تلك التقنية البريختية
التى طوعها الكاتب تطويعاً مائزاً .. فلقد هدمالجدار العازل بينه وبين القارىء منذ
اللحظة الأولى بمنحه حرية اختيارعنوان النص .. ثم وضع عينيه الكتابيتين عليه فبرع
بالسكوت عن طريق ايقافالمد السردي قبل أن يتسلل الملل إلى نفس المتلقى ومنحه
بدهاء شديد (استراحات
فكرية مجانية ) من خلال المسرحيات القصيرة بعد أن يقول له بصوتخارجي :
(فاصل ونواصل .. لا تذهب بعيداً ) ثم ينبهه للعودة من
جديد ويقول : ( عدنا .. اقرأ الآن ) وكأنه كان يتسكع في
ردهات الرواية متسلياً بالصور والنظر لأفيشات أفلام وعروض مسرحية أخرى !! تلك تقنية تجسيدية تشعر
القارىء أنه يشاهد فيلماً لا يقرأ نصا .
هذا بالاضافي لجيوش الهجوم اللغوي ..
وقلاع التكنيكات وعتبات التناص (اللفظى / المعنوى / والإيحائي).
إن الكتابة لدي السيد حافظ هي فعل
اليقظة الدائمة والدهشة الفريدة .. قرع طبول و دق أجراس
ونداءات ونساء ومدن ومتعة لا تنقطع.
سيشهد التاريخ أننا عاصرنا رجلا شحذ
طاقاته ووسائله الابداعية وقدراتهالثرية وأعلن الثورة على النمطية ورفع لواء التجديد
والابتكار .. رجلا لمتساعده ظروفه بل خدمته امكاناته المتعددة .. ومنحه جرح
وطنه الذي يعشقهنكهة خاصة وأنيناً مائزا ونزفاً ابداعياً زكياً. مبدع حفر اسمه على صخر
كهوف لم تكتشف بعد فضمن لاسمه الخلود .
0 comments:
إرسال تعليق