Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الاثنين، 26 سبتمبر 2016

إلى الكاتب الذي كرهها بحب بقلم د.سيد على إسماعيل

إلى الكاتب الذي كرهها بحب، وأحبها بكره
أ.د سيد علي إسماعيل
كلية الآداب – جامعة حلوان

يُعد من أكثر الكُتّاب المصريين كتابة من حيث الكم والكيف معاً، ويفتخر دائماً بغزارة إنتاجه، وبكثرة الكتابات التي كُتبت حول إنتاجه، لا سيما رسائل الماجستير والدكتوراه التي سُجلت ونُوقشت حول أعماله؛ حيث بدأ الكتابة الإبداعية عام 1971، ومازال حتى هذه اللحظة يكتب وينتج وينشر!! وفي ظني لو نال جائزة نوبل، ربما لا ترضيه؛ لثقته بأن إنتاجه أكبر من نوبل!! وهذا الشعور ليس غروراً أو نرجسية عنده، بل إنّها الحقيقة.
للكاتب المبدع نظرته الخاصة تترجمها أعماله التي ترى أنّ ما يكتبه، لا يجرؤ على كتابته إلاّ المتمردون إبداعيا!! جميع الكتابات، التي كُتبت حوله، في رأيه لا تُمثله ولا تعكس قيمة ما يكتبه؛ لقناعته الكبيرة بأنّ من سيكتب عنه لا بدّ أن تكون له رؤية آملة تبحث عن أفق خارج السلبي, وإن كانت هذه قناعته؛ فإنني على يقين بأنّه محق!! وربما أكون الوحيد الذي يعرف السبب!! فإنّ الكاتب الذي سيكتب عنه بحق وصدق, سيخرج بالقراءة الروائية إلى مساحة الحدث الفكري الذي يبدأ من نقطة الاختلاف وينتهي عند أفق الفعالية، لأنّها مساحة الإبداعي  الحافظي، فضاء للكتابة الجريئة.. السيد حافظ المبدع الذي يطالعنا في أعماله بلحظات فارقة تتفجّر فكرا لا يروم منها، إلاّ الخروج عن الانتكاس والسكون في محيطنا الثقافي. ولعلّه لا يحاسبنا إن أغفلنا تثمين واستثمار الرؤى التي يمنحنا إياها في أعماله، وربما هذا سبب عدم اقتناعه بأية كتابة كُتبت عنه حتى الآن.
إنّ السيد حافظ، غير عادي أو الأنسب هو طفرة إبداعية، فهو (السيد) في الكتابة المتجددة، العجيبة غير المسبوقة بأشكالها المتعددة، وهو أيضاً (حافظ) لتاريخ مصر وأقوال أدبائها ومؤرخيها، وقصص عظمائها بكل ما تحمله من متناقضات. فالعمل الذي بين أيدينا (كل من عليها خان.. وهان وجبان وبان)!! عمل ضخم مختلف، ينأى عن المعهود, يُمثل قمّة (المعارضة) التاريخية والاجتماعية والسياسية في ثوب أدبي – ضمن مشروعه الآني – (المسرواية)
والحق يُقال: فإنّ السيد حافظ هو نموذج مختلف في المعارضة الإبداعية، رجل أدرك في وعي دوره الحضاري، يركز في أعماله على مواطن الانكسار ويكشفها في محاولة جادّة منه تأمين الرؤية الفكرية لإعادة ترميمها. فالرواية على ضخامتها، كتلة من المعارضة في كل شيء تاريخي واجتماعي وحياتي وأدبي وسياسي.... إلخ..
والغريب إنّه محق في كلّ كلمة ذكرها، دون لفّ أو دوران.. أو تزيين!! فالسيد حافظ، يسير في سياق التعبير الذي يقول: (أن يكرهك الناس لصراحتك.. خير لك من أن يحبوك لنفاقك).. والحقيقة أنّه لا يقول هذا مباشرة، بل يقوله بشكل أدبي إبداعي!!
وحتى لا أحرق متعة القراءة للقارئ، فإنّني سأتوقف عند بعض المحطات في هذه الرواية، وأدلي فيها بدلوي، حتى أُسهم في إجلاء الحقيقة حول كتابات هذا المبدع.
من يقرأ كتابات السيد حافظ الأخيرة – وتحديداً هذه الرواية – يشعر بأنّ قضية هذا المبدع هي تعامله مع الآخر، ويبدو أنها صيحة في واد، فالكلمة الصادقة ليست فعلا اعتباطيا بل مؤسسة قائمة على المسؤولية والإطار الفكري والنظام؛ فالسيد حافظ ناقم على كلّ تصرف نابع من انحراف الفطرة الإنسانية، وكلّ فكر يتبناه هذا الإنسان، وكل قول يذكره هذا الإنسان، وكل كلمة يكتبها هذا الإنسان!! وبالتالي فهذا الإنسان الذي يسعى إلى تفعيل الجانب السوداوي في مساحاته، مرفوض من المبدع، وبناءً عليه فالسيد حافظ يحاول بنظرة المتأمل العميقة، أن يفسر ويبرر، لإيجاد أفق رحب تنزاح فيه مخاوف هذا الإنسان؛ مستعينا في هذا العبء الفكري، بكل ما لديه من ذاكرة وخبرة حياتية، محاولا الحكم على عصره الحالي بعينه الفاحصة وحكمته الكبيرة.. ولكن لماذا؟؟ لماذا وصل السيد حافظ إلى هذا الحال؟ لماذا أصبح زاهداً، يحكم على تاريخ العالم والعرب، وتحديداً على مصر!!.. هذا ما سنكتشفه.. فهيا بنا!!
بدأ الكاتب روايته بقصة أولاد سيدنا آدم - قابيل وهابيل - ليصل إلى نتيجة، ذكرها قائلاً: "أنت أول مجرم يا قابيل في البشر، لم ولن يسامحك الرب.. وقدرك البشرى أن يصير اسمك عبر الأجيال كلها، يسمون قابيل ولا يسمون هابيل؛ لأن البشر يحبون  الشر".
وهكذا استنتج المبدع أن حبّ البشر للشر صار أكبر بكثير من حبهم للخير، ومن خلال هذه النتيجة، ينطلق في كشف المسكوت عنه في عوالمنا، بقوله إنّ العرب قوم لا يقرأون؛ فنصيب العربي من القراءة ست دقائق فقط في السنة، بينما نصيب الأمريكي 200 ساعة!! أما الإنتاج الإسرائيلي من الأدب والفكر، فيفوق أضعاف أضعاف ما ينتجه العرب أجمعين!! ليلفت انتباهنا إلى ضرورة قراءة هذا الآخر المختلف وقبله الذات..  وذكر أمريكا وإسرائيل هنا، كان من باب النقر وتفعيل نشاط الفكر والرأي والمبدأ، لا من باب التشفي أو التطبيع!! إذن العربي لا يقرأ ولا ينتج فكراً أو أدباً يليق به؛ فالنتيجة الطبيعية أن العربي "يغير جلده مع كل حاكم جديد.. ويغير دينه مع كل نبي.. ويغيب عقله كل مساء حتى لا يواجه نفسه: هل هو حي أم ميت؟".
ومن الإنسان العربي ووطنه العربي، يصل الكاتب إلى الإنسان المصري ووطنه مصر، ويقوم بانتقادهما وكشفهما أمام أعين القارئ ليريه الحقيقة بأن مصر أفضل بلاد العالم!! هكذا يكذب المصريون على أنفسهم، لأن لا عقل لهم؛ لكسلهم ونومهم على وسادة القناعة والتسليم بالمكتوب.. فهم أهل مصر المحروسة.. الموكوسة.. المنحوسة!! هكذا وصفها الكاتب على لسان إحدى الشخصيات التاريخية! ولكن لماذا استدعى الكاتب هذه الأوصاف الآن؟! سأقول متحريا الدقة والأمانة في فضاء الإبداع الحافظي:
إن الكاتب كتب روايته (كل من عليها خان) خلال أعوام من أهم وأخطر أعوام تاريخ مصر الحديث، لأن كل من عاش على أرضها في هذه الأعوام: خان.. وهان.. وبان.. وفان!! وكانت مصر: منحوسة.. وموكوسة .. ومحروسة!! ورحم الله كاتب الرواية؛ لأنه كان الأقوى والأشجع والأجرأ؛ فقد كتب.. وسجل.. وحكم.. وبرر.. وفسر، ولم يهلل.. أو يزمر.. أو يُطبل!! أي أنه سلك أوعر الدروب، وسجل أروع الكلمات، فكتب لنا رواية فاضحة للمواقف والمعاني، وقال رأيه، وصمم على موقفه، ساخراً من كل من طبل وزمر وهلل؛ لأنه يعرف أن التاريخ لا يعترف إلا بالرجال.. فالرجال مواقف!! وهو رجل موقف، قالها صريحة: إن مصر منحوسة وموكوسة ومحروسة!!
ولأن النحس لا دخل للبشر فيه، فهو قدر من عند الله – هكذا يعتقد المصريون - فمصر منحوسة؛ لأنها تعيش الآن – وقت كتابة الرواية – ثورة لم تحقق أهدافها، والخوف أنها تفشل في تحقيقها؛ لأن "خلال أكثر من 5000 سنة لم تحدث فى مصر أو تنجح  ثورة شعبية حقيقية واحدة بصفة محققة أو بصفة مؤكدة، مقابل عشرات بل مئات الانقلابات العسكرية، يمارسها الجند والعسكر دورياً كأمر يومى منذ الفرعونية وعبر المملوكية وحتى العصر الحديث ومصر المعاصرة"، هكذا قال جمال حمدان!! فعلق الكاتب على لسان التاريخ، قائلاً: "هكذا حال شعب مصر، يفضل العبودية ويخاف من المغامرة والحرية ومن المجهول"، ويسخر من نحسنا، قائلاً: "نهدم بعضنا بعضاً، ونختار دائما الأسوأ فينا مديرًا أو وزيرًا أو مسؤولا أو ملكًا؟؟". وربما وصلت مصر إلى ذروة نحسها في أهلها الطيبين؛ ولأنهم طيبون فليس لهم مكاناً على الأرض، فبالموت يكافأون.. لأنهم طيبون!! هكذا قال الكاتب، وأكد على قمة النحس قائلاً: "لا أحد يحاسب أحداً.. في مصر الآن"!!
ولأن الوكسة فعل بشري – وليست قدرية مثل نحسنا– فمصر موكوسة بسبب أفعال حكامنا، منذ حُكم المستنصر؛ لأن المصريين في زمنه "يحبون الحرية دون التزام، والعبودية للحاكم دون حدود" – كما يحدث عندنا - وفي أيام المجاعة أكلوا لحم الخيول – وليس الحمير على أيامنا – وكان الخبز يُوزع على الفرد رغيفين – وليس بالبطاقة في أفراننا– وكان البشر يُعرضون للبيع والشراء، بعد أن يصطادوهم البلطجية – وليس المواطنين الشرفاء في مظاهراتنا– مما جعل الوزير بدر الجمالي لا يرغب في سقوط الدولة بالدم أو بالانقلاب – كما حدث في مياديننا - بل ظل ينتظر فرصة كي يتنازل المستنصر له عن الخلافة – وليس الحكم بإعدامه في سجوننا– وشهدت مصر مظاهرات فيها ستات مصر، فكتب التاريخ: لما الرجالة نامت.. ستات مصر قامت.. لما الرجالة سكتت.. ستات مصر صحيت – مثلما يحدث في أقاليمنا –  فقام شيخ الأزهر باختراع فكرة (خطبة الجمعة الموحدة) الواجب تحديدها من قبل الأزهر، بعد سؤال مدير الدولة الأول بدر الجمالي– كما يحدث في بيوت ربنا– من أجل حماية مصر من الأشرار وفاسدي العقيدة والمتطرفين الساعين لقلب نظام الحكم الفاطمي– وهو الإرهاب عندنا - لذلك لابد من إعادة ترتيب الأزهر ودعاة المساجد، وتغيير الخطب والمواعظ الدينية – كما جددنا الخطاب الديني في أيامنا – وهكذا كانت مصرنا موكوسة بفضل أفعالنا!! وعلى الرغم من أنها منحوسة وموكوسة.. فهي أيضاً (محروسة) لأنها مازلت باقية لنا!!
ولأنها محروسة من كل شر، حاول الكاتب أن يلقنها درساً مباشراً في عبارات متتالية كطلقات الرصاص؛ لعلها تفيق، قائلاً على لسان إحدى الشخصيات:
"أين الضمير في الشعب الذي يقتل بعضه بعضاً..؟؟ ما كنت أظن أن الغباء صار دولة.. والفساد صار شعباً.. ما كنت أظن أن الحكماء والعقلاء يختبئون تحت البطاطين خوفاً من الرصاص.. وأمة تعيش بلا ضمير.. حزن ما خفي يداهمني.. غير راض عن الكتابة.. وأنا أدري أن الجهل يسود والقارئ مفقود.. غير راض عن غالبية الكتابات التى قرأتها فهي حالات مرضية لا إبداعية.. لا يعجبني غياب الحب من مصر.. لا يعجبني انتشار العشوائية وأخلاق العبيد.. لا يعجبني القهر الذي يمارسه المصري على المصري والعربي على العربي.. لا يعجبني الغلاء الفاحش وتراجع الاقتصاد يومًا بعد يوم".
وعندما أفاق من انفعاله، سأل نفسه: هل أنا حي أم ميت في هذا البلد؟؟ وقبل أن يجب، سألته زوجته تهاني – في الرواية - : أنت لسه بتحب مصر يا فتحي مع أنها خانتك ألف مرة؟ فأجاب زوجها فتحي رضوان خليل: قدري أن أحب تلك الخائنة!! وهذا الزوج هو المتمرد السيد حافظ الذي ستظل إبداعاته على قيد الحياة، حدثا فكريا وأملا لغد إبداعي أفضل، وكما قال سارتر: الأمل هو المسافة الواصلة بين الفعل وتحقيقه...
عزيزي القارئ: ما سبق جزء ضئيل من الرواية – التي بين يديك – وهي هواجس وأفكار؛ تجدها في صفحة هنا أو هناك، أو تجدها في أغنية، أو مسرحية، أو قصة، أو أقصوصة داخل الرواية التي بين يديك!! لأنك تحمل مؤلفاً عجيبا - لكاتب متميز – ستقرأ فيه الرواية وترافقك المتعة والدهشات، الفنية متفاوتة الدرجات، يطل عليك الكاتب عبر صفحاتها، بفاصل من مسرحية قصيرة، أو أغنية – في سطور قليلة – ويطلب منك بأدب، قائلاً: "فاصل ونواصل، لا تذهب بعيداً عن الرواية"!! وعندما يرتاح ذهنك بالفاصل، يطل عليك الواقع بكل مفارقاته، قائلاً لك: "عدنا إلى الرواية.. اقرأ الآن"!!
وهذا الابتكار في الكتابة الإبداعية؛ يُعدّ نوعاً من التجريب الأدبي!! فالفاصل ما هو إلا صرخة إبداعية جديدة، تؤكد رسالة الكاتب المتوخاة من روايته!! فعلى سبيل المثال: أول فاصل ستجده (مسرحية قصيرة جداً) في عشرة أسطر، تقول ببساطة ووضوح – رغم رمزيتها الشديدة – إن الشعب الذي يقول لحكامه ونظامه (نعم) باستمرار؛ سينعم بالنوم والغذاء! وعندما يتجرأ ويقول (لا) سيتلقى الرصاص من بنادق حكامه ونظامه!! وهكذا سيجد القارئ في كل فاصل، تأكيداً أو رمزاً أو مغزىً لما قرأه قبل الفاصل، وبعد الفاصل لابد أن يواصل. وطالما أنت تواصل القراءة إلى الآن – عزيزي القارئ - فأنت على قيد الحياة، مما يعني أنك قلت، وستظل تقول (نعم)!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More