Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الاثنين، 26 سبتمبر 2016

كل من عليها خان" البنية والدلالة وجماليات التشكيل دكتورة فايزة سعد

"كل من عليها خان"
البنية والدلالة وجماليات التشكيل
دكتورة فايزة سعد

"كل من عليها خان" هى أحدث الإبداعات الروائية للسيد حافظ الكاتب الروائي والمسرحي الذي قدم للمكتبة العربية ما يقارب الستين عملا إبداعيا متنوعا بين الرواية والمسرح والكتابة للطفل والمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية.
وتعدّ هذه الرواية منعطفاً مهماً في مسيرة الكاتب الإبداعية فمن خلالها يواصل الكاتب نهجه فى تحديث بنيه السرد فى الرواية العربية موظفاً تراسل الفنون وتقاطعاتها مع الدراسات الإنسانية ليقدم للملتقى رؤية بينية تجمع بين السرد والشعر والدراما والتاريخ وعلم النفس؛ فهي تعبير عما يمكن أن نطلق عليه سمة العصر حيث تذوب الحدود الفاصلة بين الفنون بعضها بعضاً، وبين الفنون والعلوم الإنسانية. فإذا كنا نعيش عصر "المعلوماتية" وتبادل الأفكار والتجارب الإنسانية فإن "كل من عليها خان" ترسخ قيمة تفاعل العمل الإبداعي مع معطيات الحياة، وتعبر عن موقفه منها؛ وهو ما يعبر عنه الكاتب تصريحاً في تقديمه الرواية إذ يقول:
"الرواية فى رأى العبد الفقير لله السيد حافظ هي سرد والسرد يعنى التاريخ والحكاية والزمن الإنسانى واللغة الحية التي تملك الدهشة الشاعرية وإذا أردت أن تكتب سردا اكتب شعرا. وإذا نقص ضلع من هذه القواعد لن تكون رواية بل حكاية ضعيفة" الرواية
يتسق عنوان الرواية سيميائيا مع الدلالة الكلية لبنية النص السردى إذ تتنوع أساليب الخيانة وأشكالها بدءًا من مستوى خيانة الذات الفردية لمبادئها وقيمها ومنطلقاتها الفكرية، مروراً بخيانة الإنسان للآخر مثلاً في الخيانات الزوجية، والخيانات فى مجال العمل.. وصولاً إلى الخيانة المجتمعية حيث تعلو مصلحة الفرد على مصلحة الوطن، ومن ثم تنمو الديكتاتورية على أنقاض الشعوب المطحونة بالفقر والجهل والمرض، تلك الشعوب التى تمارس الخيانة أيضاً من خلال الصمت والخوف والسلبية.
وإذا كان العنوان "كل من عليها خان" هو العنوان الرسمي أو العنوان الأول المقترح فإن الروائي الذي يأبى إلا أن يكسر النمط ويخرج على المألوف فى محاولة لتجديد الخطاب الروائي يضع أمام المتلقي ستة اختيارات أخرى ويترك له حرية اختيار العنوان المناسب؛ إذ يجعل المتلقي شريكاً وعنصراً فاعلاً في إبداع الدلالة فى النص السردي من خلال هذه المشاكسة الفنية غير المألوفة فى تاريخ الرواية العربية؛ إذ يتوجه إلى القارئ متودداً إليه بخطاب مباشر من صديق لصديقه حيث يسر كل منهما للآخر ويبوح له بما فى نفسه: "صديقي القارئ يمكنك أن تختار عنواناً من السبعة وتبدأ في قراءة الرواية بالعنوان الذي اخترته أنت.. دعك من اختيارى فأنت الآن شريكى"
ومن ثم فهي دعوة محفزة للقراءة؛ إذ إن القارئ لن يستطيع اختيار العنوان إلا بعد الانتهاء من القراءة ليختار العنوان المناسب للنص الروائي.
أما العناوين المقترحة فهي على الترتيب: فنجان شاى العصر/ الرائى والبنفسج/ العصفور والبنفسج/ كل من عليها جبان/ كل من عليها هان/ كل من عليها بان، وتتسق العناوين الثلاثة الأخيرة دلالياً مع العنوان الأول "كل من عليها خان" فى نقد لاذع لموقف الفرد والمجتمع إزاء اللحظة التاريخية وتفاعله السلبي معها، أما "فنجان شاى العصر" فهو يميل دلالياً إلى بداية الزمن السردى فى الحكاية المركزية فى الرواية التى تتشعب فيها الحكايات وتتقاطع زمانياً ومكانياً؛ إذ تبدأ شهرزاد حكاية "وجد وفجرو ثورة النساء"، لتقص على سهر الشخصية المحورية الرئيسة فى النص السردى حكاية روحها الرابعة "وجد" وهما تحتسيان الشاى معا فى نادى الجولف بدبى بعد العصر، ومن ثم فإن فنجان شاى العصر يحيل دلالياً إلى بداية زمن القص للقصة المتولدة داخل الحكاية الإطار..
"حكاية سهر"
أما العنوان الثاني "الرائى والبنفسج" فإنه يرد فى الرواية عنواناً للفصل الثانى من الرواية - إن جاز لنا تقسيمها إلى فصول - وتحت هذا العنوان يستدعى قول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أنه سيحارب إسرائيل ومن وراء إسرائيل، ويعلق الكاتب بأنه فشل فى أن يحارب الفقر وإسرائيل. وتتبادل فى النص السردى القصة التاريخية لبناء مدينة الإسكندرية من خلال فتحي رضوان خليل ابن الإسكندرية ومنها ينطلق إلى رسم بدايات العلاقة بين فتحي وسهر التي يكنى عنها بالبنفسج. فالرائى هو فتحى رضوان الذي يقدم الكاتب من منظوره السردي تاريخ المدينة وما يموج به المجتمع الثقافي من صراعات.
وأما "العصفور والبنفسج" فإنه يحيل دلالياً إلى تلك الأسطورة التى تحكى أن سهر أنثى أسطورية تتفصد مسامها عطراً  بدلاً من العرق، فتجذب روح كل من يقترب منها، وقد عشقها القمر منذ بداية الحكاية فى "قهوة سادة" وعشقها العصفور المسحور بعطرها وأنوثتها، "وهذا ليس عصفورا بل قلب عاشق هائم بعشقك يا سهر، المريد يسير والمراد يطير" قهوة سادة ص 239 وقد اعتادت سهر أن تحتضنه عند نومها.. وكانت هذه الرائحة مصدر جذب للطيور لتبنى أعشاشها فوق سطح الدار حيث كانت تختبئ وجد الروح الرابعة لسهر.. ومن ثم فإن العنوان على هذا النحو "العصفور والبنفسج" يحيل دلالياً إلى هذه الأسطورة التي تشكل محوراً مهماً وركيزة رئيسة بين ركائز الحكاية السردية.
   تتكون الرواية بنائياً من اثنى عشر فصلاً لا تحمل عناوين ولا أرقام ولكن يفصل الكاتب بينهما بصفحة بيضاء تحمل جملة واحدة: "فاصل ثم نواصل الرواية" ثم يشير للمتلقي إلى انتهاء الفاصل بصفحة بيضاء تتوسطها عبارة "عدنا للرواية، اقرأ" ويشكل هذا التقسيم بنية منهجية يلزمها الروائي فى معمار النص السردي ولا يخرج عنها إلا فى مواضع محدودة؛ إذ يستأنف النص السردي بعد الفاصل الثاني والفاصل الرابع، والفاصل السادس، دون أية إشارة نصية إلى انتهاء الفاصل هذا من الناحية التقنية فى هيكلة الفواصل بين المشاهد الحكائية فى النص السردى، أما على مستوى البينة اللغوية فقد التزم الروائى عبارة "فاصل ونواصل مع الرواية لا تذهب بعيداً" فى صياغة الإشارة اللغوية لبداية الفاصل فى الفواصل جميعاً ماعدا الفاصل قبل الأخير، إذ استبدل بها عبارة "فاصل ونواصل لا تذهبوا بعيداً" وفى الفاصل الأخير إذ استبدل بها عبارة "فاصل ونواصل مع الرواية لا تذهب بعيداً" وهى جميعاً تؤدى الوظيفة اللغوية والسياقية نفسها؛ فهى تنبه المتلقى إلى نهاية جزء من بنية السرد.
   أما تقنيات الإشارة النصية للعودة لمتن السرد بعد الفاصل فقد تنوعت بين "عدنا للرواية، أقرأ" فى نهاية الفواصل الثمانية الأولى من النص السردي، و"عدنا من الفاصل اقرأ الرواية" بعد الفاصل التاسع و"عودة من الفاصل، تتابع الرواية" بعد الفاصل العاشر، و"عدنا إلى الرواية" بعد الفاصل الحادي عشر. وهى جميعاً على ما بينها من اختلافات طفيفة على مستوى البنية اللغوية تؤدى الوظيفة اللغوية والسياقية نفسها في الإشارة إلى انتهاء الفاصل واستئناف النص السردي.
وغير خفى تأثر الكاتب بتقنيات الكتابة "التليفزيونية أو الإذاعية" إذ قام بكتابة ستة مسلسلات تليفزيونية، وستة مسلسلات إذاعية، وإذا كان المسلسل التلفزيوني أو الإذاعي يستغل هذه الفواصل في فقرات دعائية فإن الكاتب يقدم للمتلقي من خلال هذه الفواصل جرعات مكثفة من الإبداعات الفنية والقراءات الثقافية مما يجعلنا أمام عمل إبداعي يمثل نسيجاً منفرداً في الإبحار بالمتلقي عبر مسارات مختلفة متباينة سواء فى متن النص السردى أو فيما يقدمه من خلال هذه الفواصل.
يقدم الكاتب سبع مسرحيات تنتمي جميعاً إلى المسرح التجريبي الذى يجمع بين المونودراما ومسرح العبث يطلق عليها "مسرحية قصيرة جداً" وهى جميعاً دون عنوان وتستحق التوقف عندها طويلاً للدراسة والتحليل على مستوى الرسالة والتشكيل الفني إذ تشكل مثيرا لذائقة المتلقى أو الناقد المهتم بالنص المسرحي وتطوره.
ولا يفوت الكاتب أن يقدم من خلال هذه الفواصل قصة قصيرة جداً، ليشبع ذائقة المتلقي الذي يتابع ما يمكن أن يطلق عليه "صيحات الكتابة القصصية"، وما تموج به الساحة الأدبية من نماذج واتجاهات أدبية، ولا يعدم المتلقي فى هذه الفواصل طوافاً فى الصحف المصرية وبعض أخبارها المتعلقة بالشأن الاجتماعي أو الشأن الثقافي أو الشأن الديني...
فهذه الفواصل تمثل نصوصا موازية، وسباحة عقلية، ومتعة جمالية متعددة المشارب والاتجاهات يخاطب الكاتب من خلالها ذائقة المتلقي، وينعش وعيه الثقافي،  ليضعه دائماً فى حالة جدلية بين الواقع والخيال أو بين ما هو عقلي وما هو جمالي.
   وبينما يمثل محتوى الفواصل قطوفاً متناثرة على هذا النحو فإن الكاتب الحكاء المولع بلعبة السرد يضمن الفاصل حكاية جانبية من مذكرات فتحى رضوان عن جيرانه، وهى مجموعة من الحكايات لا يجمع بينها سوى المكان – بيت الحاج رضوان -  وقد اختار الكاتب لها أغنية فيروز "نحن والقمر جيران" مضيفا إليها العنوان الشارح (جيران فتحى رضوان) وهى عبارة عن ثماني حكايات تمثل كل منها حكاية أسرة من سكان بيت الحاج رضوان فى محرم بك بالإسكندرية، وقد رتبها الكاتب بدءًا من الدور الأول – الحكاية الأولى – وصولاً إلى الحكاية الثامنة. وهى حكايات تتسم بالاستقصاء بالغ الدقة لشخصياتها وأبنائهم وأزواجهم.. لتشكل فى نهايتها قصة حي محرم بك وسكانه الذين يمثلون الطبقة الدنيا من المجتمع بمشكلاتهم التى يمكن تلخيصها جميعاً فى الفقر والجهل.
فإذا كان المتن الحكائى يقدم الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط بجمالها وروعتها وسحرها من خلال الرؤية السردية لشخصية فتحى رضوان خليل، فإن مذكرات فتحى عن حى محرم بك تقدم الوجه الآخر لهذه الساحرة.

المتن الحكائى:
تشكل حكاية سهر وشهرزاد الحكاية الإطار التى تتولد عنها سائر الحكايات فى النص السردى.. وهى استمرار لحكاية سهر وشهرزاد التى بدأها الكاتب منذ رواية "قهوة سادة" والتى ينهض المتن الحكانى فيها على فكرة انتقال الروح الطيبة عبر سبعة أرواح تتبعها الكاتب فى رواياته السابقة، حيث أخبرت شهرزاد سهر بأنها الروح السابعة، ومن ثم بدأت منذ الرواية الأولى فى حكاية الأرواح الستة سابقة الوجود على روح سهر، فأخذتنا معها إلى الروح الأولى "نفر" وحكايتها مع إخناتون، والروح الثانية "نور" وحكايتها مع محب فى عصر نبى الله موسى، والروح الثالثة "شمس" وحكايتها فى عصر الحاكم بأمر الله. وفى "كل من عليها خان" ينهض المتن الحكانى على حكاية "وجد" الروح الرابعة لسهر وقصتها مع النيروزى فى زمن المستنصر بالله.
ينهض السرد على خطين حكائيين متوازين: حكاية سهر الشخصية الرئيسة وعلاقتها بزوجها من ناحية، وعلاقتها بالصحفي فتحى رضوان من ناحية أخرى، وحكاية وجد والنيروزى الفارسى الذى أحبته وجد وتزوجته فى عصر المستنصر بالله.
ومن خلال هذين الخطين الرئيسيين تتشعب الحكايات وتتوالد عن خط الحكى الرئيس وتتعدد الخطوط الدرامية من العلاقات المتشابكة فى اللحظة الراهنة أو الزمن الحال (سهر/ فتحى) أو فى الزمن الماضى (وجد/ النيروزى).
فمن خلال الحكاية الأم ينبثق عن المتن الحكائى علاقات إنسانية متشابكة (سهر/ زوجها) (سهر/ فتحى) (فتحى/ زوجته) (شهرزاد/ زوجها) (علاقات العمل بالصحيفة)
ومن خلال هذا المتن الحكانى ينتقل الكاتب بين مدينتى الإسكندرية ودبى، ولكل منهما عالم خاص له تاريخه وإبهاره ومكانته فى نفوس الشخصيات؛ فالإسكندرية المدينة العريقة الساحرة الباهرة، بوتقة الحضارات والثقافات الإنسانية، ودبى مدينة السحر والجمال، مدينة رأس المال، وكعبة المستثمرين من كل مكان..
ومن خلال الخط الموازى فى المتن الحكانى يعرض الكاتب الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصر فى عهد المستنصر بالله فيما أطلق عليه سنوات الشدة المستنصرية، حيث جف النيل وعمت المجاعة ربوع مصر إلى الحد الذي أقدم فيه الأب على بيع ابنه ولجأ الناس العامة منهم والساسة إلى أكل الحيوانات الضالة من قطط وكلاب وفئران بل...
ومن ثنايا هذا المتن الحكانى تنبثق حكايات متعددة يدور بعضها داخل قصر الحكم حيث الصراع بين أم المستنصر وعمته، ودهاء بدر الجمالى ومحاولاته الحثيثة للإمساك بزمام الحكم، ويدور بعضها بين العامة فى الحانات والأسواق والمخابز حيث تتجلى الأزمة فى أبشع صورها. هذا إلى جانب الخيط الدرامى المتمثل فى علاقة شهبندر التجار بزوجه "فجر" وعلاقة كل منهما بوجد وأسرتها. ومن خلال هذين الخطين المتوازيين يقيم الكاتب جدلاً بين الواقع والتاريخ حيث تتكرر جملة "لا أحد يحاسب أحداً فى مصر الآن" فيتشكل المتن الحكانى "كل من عليها خان" من خلال هذا الجدل الذى يقيم عليه الحجج والأدلة والبراهين على تشابه المواقف وردود الأفعال مما يدعو القارىء إلى الاستنتاج ما أشبه الليلة بالبارحة.

المبنى الحكائى
يقدم الكاتب المبنى الحكائى من خلال مستويات متعددة من السرد، تتعلق بالمنظور السردى الذى يتسم بالتركيب والتعقيد. إذ تتعدد الرؤى والمنظورات السردية من مقطع سردى لآخر، فعلى مستوى الحكاية الإطار أو الحكاية الأم يحاول الكاتب الإيهام بواقعية الأحداث  فيدع الشخصيات المشاركة فى صنع الحدث تقدمه من خلال منظورها الخاص؛ فتقوم سهر بحكاية بعض أطراف الحكاية، وتقوم شهرزاد بالتعليق عليها، بينما يقوم فتحى رضوان بدور مزدوج باعتباره سارداً أو راوياً إذ يقدم أيضاً بعض أطراف الحكاية مع سهر، ومن خلال رؤية كل منهم يجمع المتلقى شذرات القصص إلى جوار بعضها ليكون صورة ذهنية واضحة عن هذه العلاقة وأبعادها وتفاصيلها.
ومن ناحية أخرى يرتدى الكاتب قناع شخصية فتحى وهو يقدم مقاطع سردية تحمل وجهة نظره الخاصة، وتحليله للأحداث وتعليقه عليها، فثمة مقاربة بين فتحى الصحفى والكاتب المبدع تتمثل فى وجهة النظر السياسة، والعشق الذى يصل حد الوله بمدينة الإسكندرية، ومن خلال شخصية فتحى يجد الكاتب متنفسا للوفاء بعشقه للمسرح والكتابة الدرامية، فيقدم من خلاله رواية "مذكرات مواطن يضاجع الوطن والتاريخ " بأسلوب درامى يعتمد على تقنيات الكتابة المسرحية.
أما الحكاية الموازية التى تقدمها شهرزاد، فإن رؤية شهرزاد السردية تتوارى لتتيح للشخصيات التاريخية تقديم الأحداث من منظورها الخاص سواء بالسرد أو الحوار، فما أن تبدأ شهرزاد الحكاية انتقالاً من اللحظة الراهنة حيث تجلس مع سهر تتبادلان الحديث، ينتقل المنظور السردى إلى شخصيات عهد المستنصر بالله ليجد المتلقى نفسه أمام بنية سردة ودرامية يتناوب السرد فيها مع الحوار لتقديم الأحداث والتعليق عليها من خلال شخصياتها التى استدعاها الكاتب من أعماق التاريخ؛ فتبدأ شهرزاد بتحديد زمن الحكاية "العام الأول، العام الثانى.." وتقص ما دار فى اجتماع التجار متبوعا ببردية تنتمي إلى يوسف القائم على خزائن مصر حيث يقدم النص السردى جديلة من الشدة المستنصرية فى عهد المستنصر بالله والسنين السبع العجاف زمن سيدنا يوسف فى مصر، وشتان بين التعامل مع الأزمة فى العصرين.

المونتاج
يوظف الكاتب المونتاج المكانى لتقديم الأحداث المتوازية فيقدم مقطعًا من المتن الحكائى فى منزل شهرزاد، ثم ينتقل منه إلى حدث آخر متزامن معه فى منزل فتحى الصحفى وهكذا ينتقل الكاتب مع قارئه عبر أماكن مختلفة تتزامن فيها الأحداث وهو نهج تقنى يسير عليه الكاتب فى تقديم المتن الحكائى المتشعب القصص والحكايات.
وكما يوظف المونتاج المكانى للتعبير عن تزامن الأحداث، يوظف أيضا المونتاج الزمانى فى الانتقال من عصر إلى عصر عبر انتقال الرؤية السردية من اللحظة الراهنة إلى الزمن الماضى سواء أكان هذ الانتقال فى الماضى البعيد حيث حكاية قابيل وهابيل، وحكاية وجد والنيروزى، أو فى الماضى البعيد حيث يغوص فى ذاكرة الشخصيات من خلال الاسترجاع الزمنى لتسرد بعضًا من ذكرياتها. فيعرض ذكريات فتحى ومدينة الإسكندرية،  وذكريات سهر وعشاقها فى الشام وذكريات شهرزاد فى الشام...
وفى هذه الانتقالات جميعاً يلزم الكاتب أسلوب كتابة "السيناريو" أو "اسكريبت" العمل الذي يقدم للمخرج تصورا عن حركة الشخصيات وزمان ومكان نوع الحدث؛ فينص قبل بداية الحكاية على زمان الحدث ومكان وقوعه مستخدماً تقنيات كتابة السيناريو نحو:
الزمان/ ليلاً
المكان/ بيت شهرزاد فى دبى ــــــــ الرواية
أو يبدأ بالمكان ويثنى بالزمان
المكان/ منزل فتحى
الزمان/ ليلاً ــــــــ الرواية

السرد والحوار
يتناوب السرد والحوار فى تقديم المتن الحكائى فى "كل من عليها خان" بشكل لافت  يمكننا معه أن نصنفها بأنها عمل سردى درامى. فالكاتب يميل بالمقاطع الحوارية مقدماً المتن الحكانى من خلال الأسلوب المسرحى فى الخطابات المتوازية مع النص الإطار، أو المنبثقة عنه، فالحوار يمثل البنية الرئيسة فى حكاية وجد والنيروزى والشدة المستنصرية؛  إذ يقدم الكاتب ملامح الأزمة وتداعياتها من خلال الحوار بين الشخصيات، بينما يعود إلى أسلوب السرد حين يكون بصدد تقديم شخصية من الشخصيات الفاعلة فى صنع الحدث، فيقدم الشخصية وتاريخها من منظور شهرزاد - الحكاية الافتراضية فى النص السردى - مثل تقديمها شخصية الشيخ حسن الصباح والتعريف به وتاريخه على سبيل المثال. فما أن يقدم الكاتب الأرضية التاريخية للشخصيات الفاعلة فى الحدث حتى ينتقل المنظور السردى لهم ليصبح منظور السارد المشارك.
وتتميز لغة السرد فى "كل من عليها خان" بشاعرية فائقة تصل فى بعض المواضيع السردية إلى مستوى الشعر المنثور فى إيقاع الألفاظ وتتابعها من خلال معجم لغوى باذخ الثراء، يضع الناقد فى حيرة حين يختار أحدها للتعليق عليه وهى جميعاً مقطوعات لغوية تشكل لوحة جمالية مدهشة:
"وأعرف أن الحب نبى، وصبى، وبهى، وغبى، ودنى، وعتى، وشقى، وصوفى وفجائى، وصدفاوى، وقدرى، وجنونى، ومزاجى، ونزوى، وليس فى كل الأوقات نبى وليس دائماً بمثالى.." الرواية
هذا الاسترسال اللغوى والتتابع فى الوصف مع مراعاة الجناس من خلال ياء النسب يشكل إيقاعا موسيقيا متوازنا غير مختل ويحمل نفسا شعريا متصلا غير منقطع يحيل دلاليا إلى ثقافة المبدع وثراء معجمه اللغوى.
ويقول فى موضع آخر بلسان العاشق:
"أنا ضوء القمر يسود الفراغ المظلم فى حضارة تموت.. وتحاصرنى مدن نساء متآكلة الأحلام والرغبة والجنون.. أنهض من نومى كل صباح مع قهوتى.. أكتشف أنى لم ألمس جسد نساء عبقريات منذ وقت ليس ببعيد.. الحب يسكن فى دير قلبى وحيدا.. وأننى جزء من نور الحب المقدس.. والحب ليس بدعة ولا اختراع.. الحب سنة الأنبياء. وإننى عنيد وأعشق حتى الفناء، وإذا ما حدثتك عنى فأقول إنى نمت سنين عددا، فغاب الحب عنك وعنى وعن الوطن" الرواية
وعن وصف الليل يقول:
"الليل يحتضن القرية.. الليل أب قاس وشاعر وفاجر وماجن وحنون ومزاجى وصاحب هوى.. الليل ستار ويغمض عينيه بدهاء وشموخ.. ولليل بهاء.. أحيانا سكران وأحيانا تعبان. الليل صديق الإنسان والأحلام" الرواية  
فجماليات اللغة السردية تصل أعلى مستوياتها من خلال شخصية فتحى التى تمثل المعادل الموضوعى لشخصية الكاتب؛ فمن خلالها يتجلى المعجم الشعري فى لغة السرد، ومن خلالها تبرز ثقافة الكاتب الموسوعية؛ إذ لا يكتفى الكاتب بهذه التشكيلات الجمالية فى ثنايا السرد، ولكنه بمنطق المشاكس لقارئه يضمن العمل الأدبى كثيراً من المقاطع الشعرية المتنوعة؛ فيقدم من خلال التضمين مقاطع شعرية لشعراء من مصر والشام سواء فى الفواصل أو من خلال المتن الحكائى، وهى جميعا تتنوع تنوعا يلبى ذائقة المتلقى وثقافته؛ وبصدد تحفيز ذهن المتلقي وتفجير طاقاته الانفعالية بحثاً عن التكامل بين المعرفى والجمالى فى العمل الإبداعي.. يوظف الكاتب ثقافته الموسوعية فى خطابه السردى مما يجعل القراءة إبحاراً حقيقياً فى التجربة الإنسانية. فمن خلال التناص المتعدد المستويات بين التصريح من خلال التضمين أو التلميح، بأخذ الكاتب قارئه فى هذه المتعة العقلية الوجدانية مبحراً فى الذاكرة الإنسانية. فنجد التناص الشعرى صريحا من خلال تضمين مقطع من القصيدة الشعرية منسوبا لقائله مثل استدعائه جزءا من قصيدة لعمر الخيام أو مقطعا من قصيدة لإلينا مدن أو ريتا عودة.. هذا إلى جانب التناص الخفى أو التناص غير الصريح حيث يصف مدينة دبى مثل القاهرة بالكافرة استدعاء وصف أحمد عبد المعطى حجازى مدينة القاهرة فى قصيدته الطريق إلى السيدة فى ديوانه مدينة بلا قلب حيث يقول:
يا قاهرة
أيا قبابا متخمات قاعدة
يامئذنات خاوية
يا كافرة
وكما يعنى الكاتب بالنص الشعرى تصريحا أو تلميحا يعنى أيضا بالقصيدة المغناة  سواء أكانت من الفصحى مثل قصيدة إبراهيم ناجى "الأطلال" التى غنتها أم كلثوم ليشبع، أو من شعر العامية مثل "قل لى عمل لك إيه قلبى" التى غناها عبد الوهاب، وهى جميعا تسعى لأن تشبع حاجة المتلقى الجمالية التى تبحث فى العمل الإبداعي عما هو جمالى ربما قبل البحث عما هو أيديولوجى أو ثقافى.
كما يحفل النص السردى بمواضع التناص مع النص القرآنى وذلك بدءاً من العنوان "كل من عليها خان" الذى يتناص مع الآية القرآنية "كل من عليها فان" فيجعل الخيانة مرادفاً للفناء؛ فالخائن كائن ميت لا روح له ولا وجود، وإن الوجود الحقيقى هو للقيمة السلبية للخيانة، فالوجود للوطنية والوفاء وإخلاص العمل.
ويأتى التناص مع النص القرآنى تلميحاً وتصريحاً وسيلة حجاجية تدعم وجهة نظر الكاتب وشخصياته فى مواقف السرد المختلفة. ويشف النص السردى عن عمق ثقافة مبدعه وتنوعها فى مواضع كثيرة يحفل بها النص السردى الذى يعرج على التاريخ الإنسانى فى ملامحه المتشابهة يستخرج منه العبر والعظات ليستطيع رسم ملامح طريق تتجنب عثرات الماضى وهى تسير فى طريق المستقبل:
"أريدك ان تحاكى حوت يونس فى جودة الالتقام، وثعبان موسى فى سرعة الالتهام، ولا تكن ديك الجن، ولا من كلاب الجن، ولا ذبائح الجن، ولا جند الجن، ولا إبليس الأبالسة.. الدنيا خمر الشيطان، فمن شرب منها ولم يفق من سكرتها إلا وهو فى معسكر الموتى خاسرا نادما. قد يكون الرجل عالما وليس بعابد.. وعابدا وليس بعالم.. وعالما عابدا وليس بعاقل.." الرواية 

الشخصيات:
تحفل رواية "كل من عليها خان" بعالم من الشخصيات المتفاوتة فى مستواها الاجتماعى والثقافى فى العصور الزمنية المختلفة التى يعرضها الكاتب من خلال خيوط السرد المتشابكة. ويمكن أن توصف معظم الشخصيات الرئيسة بأنها الشخصية النمطية أو الشخصية الأنموذج التى تمثل قطاعا كبيرا من الناس فى المجتمع. وكما تتعدد أنماط الشخصيات السردية فى الرواية من حيث دلالتها على المستويات الاجتماعية والثقافية فى المجتمع، فإنها تتفاوت أيضا فى نسبية اقترابها من عالم الواقع أو عالم الخيال.
تعد شخصية شهرزاد إحدى الشخصيات الرئيسة التى تمتلك مفاتيح السرد فهى القناع الرئيس الذى يرتديه الكاتب ليقدم عالمه السردى، الواقعى منه والتخييلى. وثمة مقاربة ممكنة بين شخصية شهرزاد فى "كل من عليها خان" والروايات السابقة عليها،  وشخصية شهرزاد فى ألف ليلة وليلة؛ فكلتاهما تتمتعان بقدرة فائقة على الحكى والسرد لتقديم عوالم من حكايات من عصور وأزمنة مختلفة لا يربطها جميعا غير أنها تعبر عن تجربة إنسانية يتصارع فيها الخير والشر. فقد استطاعت شهرزاد أن تلهب خيال "شهريار" وتستأثر باهتمامه ومتابعته لها وهى تنقله من حكاية إلى حكاية، ومن عصر إلى عصر لتستثمر الوقت لصالحها؛ فمع تتابع الحكايات وتوالى الليالى اعتاد شهريار على وجودها فى حياته، ونشأت بينهما الألفة التى كانت طوق النجاة لها من سيف مسرور السياف.
أما شهرزاد فى "كل من عليها خان" فإنها تلعب الدور نفسه مع "سهر" مع اختلاف الدوافع والأسباب؛ فالعلاقة بين سهر وشهرزاد علاقة صداقة تجعل شهرزاد كاتمة أسرار سهر. وشهرزاد "كل من عليها خان" تمتلك قدرات خارقة، فهى ليست مجرد الأنثى الذكية الحصيفة ولكنها تستطيع أن تقرأ الغيب فى خطوط فنجان أو تأويل أحلام، أو الوقوف على الجوهر المكنون خلف الظاهر. ومن ثم فإنها تلتقى مع شهرزاد الأسطورة التاريخية فيما تتمتع به كل منهما من ذكاء الأنثى وحنكتها ومهارتها فى التأثير على الآخر وكسب ثقته ليسلم مصدقا ما تقصه من حكايات ومغامرات، ويمكننا أن نعتبر كلا مهما ذاكرة التاريخ أو كاتمة أسراره من وجهة نظر مبدع الشخصية.
وقد جعل الكاتب شهرزاد الحكاءة موسوعة ثقافية تحفظ فى ذاكرتها التجربة الإنسانية فى مناحيها السياسية والاجتماعية منذ بدء الخليقة حتى لحظة إبداع العمل السردى، وحتى تستطيع هذه الشخصية التجول بالقارئ عبر العصور المختلفة بدءا من العصر الفرعونى وصولا إلى التاريخ المعاصر..
أسس الكاتب مشروعه السردى على أسطورة  فى معتقد طائفة الدروز ببلاد الشام تؤمن بأن:
"الإنسان تنتقل روحه إلى غيره، وهذا ما يدعى بالتقمص.. هناك شعوب يؤمنون بها بشكل كلى.. ونحن نؤمن بالتقمص فى الحياة السابقة حتى المتقمص.. ليتعرف على أقربائه السابقين. فقد يبكون عمر الطفل 5 سنوات يتعرف على ابنه الكبير من الحياة.. ويقال إن المتقمص لا يغير جنسه فالرجل يبقى رجلا وكذلك المرأة تبقى امراة، وإذا كان الرجل سيئا تنتقل روحه إلى امرأة وتظل امراة عقابا له.." رواية قهوة سادة ص 205
ومن خلال هذه الفكرة نسج الكاتب شخصيتى شهرزاد وسهر؛ فشهرزاد هى من تمتلك أسرار هذه الروح وتاريخها، وسهر هى الروح السابعة التى تشكل حكايات روحها السابقة المتن السردى الموازى لحكايات سهر وعشاقها. ومن ثم يمكن اعتبار سهر/ الحاضر، وسهر/ الماضى هما محورا القص الرئيسان اللذان ترتكز إليهما بنية السرد والتماسك النصى فى روايات السيد حافظ التى تناولت سهر وأرواحها بدءا من قهوة سادة وصولا إلى كل من عليها خان
فمن خلال تتبع سهر/ الماضى عرض الكاتب من منظوره الأيديولجى رؤيته للواقع السياسى وأثره على المتغيرات الاجتماعية فى مصر عبر تاريخها الطويل.  فى "كل من عليها خان" يتناول الكاتب مصر الفاطمية فى عصر الخليفة المستنصر على التوازى مع ما تموج به الحياة الثقافية فى العصر الحاضر من خلال سهر/ الحاضر ليقول بأن المشكلات واحدة فى العالم العربى كله وعلى مدى التاريخ الطويل؛ هى مشكلات السلطة والديكتاتورية وسلبية المواطن المطحون من أجل رغيف الخبز، وعدم قدرته على المواجهة أو حتى الرفض.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More