Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

حكاية السيد حافظ مع الفلاح عبد المطيع وحماره: ممنوع أن تضحك.. ممنوع أن تبكى



مجلة الدستور - لندن 11/10/1982 - العدد 255
حكاية السيد حافظ مع الفلاح عبد المطيع وحماره:
ممنوع أن تضحك.. ممنوع أن تبكى

     "حكاية الفلاح عبد المطيع" هى آخر الأعمال المسرحية المكتوبة التى صدرها الكاتب المسرحى الفنان السيد حافظ، وكما عودنا السيد حافظ دائماً فإن أخر أعماله المطبوعة لا تضم عملاً واحداً بمفرده، ولكن بالإضافة إلى "حكاية الفلاح عبد المطيع" المسرحية التى تتصدر الكتاب والمعنونة به، فإن هناك مسرحيات أخرى مثل "علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا" وهى مهداة إلى الشرفاء المناضلين من أجل الغد ومن أجل الإنسان، وأيضاً مسرحية "الخلاص أو.. يا زمن الكلمة الخوف.. الكلمة الموت.. يا زمن الأوباش"، وهو عنوان طويل تعودنا عليه من السيد حافظ.. فمن يقرأ مسرحياته السابقة يستطيع أن يقول أن هذه خاصية ينفرد بها مسرح السيد حافظ، فهناك على سبيل التذكرة "حدث كما حدث ولكن لم يحدث أى حدث" و"الحانة الشاحبة العين تنتظر الطفل العجوز الغاضب" وأيضاً "حبيبتى أنا مسافر والقطار أنت والرحل الإنسان" وأخيراً "هم كما هم ولكن ليسو هم الزعاليك"، حتى أن المسرحية التى نحن بصددرها اليوم اختار لها المؤلف اسماً آخر بالإضافة إلى اسمها الأصلى، والاسم الأخر هو "ممنوع أن تضحك.. ممنوع أن تبكى" وحقيقة لم أدر السبب وراء اختيار أكثر من اسم للعمل الفنى الواحد.. هل هى حالة أرق وقلق تنتاب المؤلف ساعة وقوعه تحت لحظة الاختبار، هل الاسمان جميلان ومعبران لذا يخشى أن يفقد واحداً منهما..؟ ربما يحتاج هذا الموضوع - اختيار أكثر من اسم للعمل الفنى الواحد - إلى دراسة نفسية تحليلية حتى نستطيع أن نضع ايدينا على السبب الحقيقى وراء هذا الفعل.
     ومسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع" أو "ممنوع أن تضحك.. ممنوع أن تبكى" يقول عليها مؤلفها السيد حافظ بأنها "مسرخية كوميدية فى فصلين" "أنا أرى عكس ذلك تماماً.. لذا أقول أنها "مسرحية مأساوية فى فصلين" فليس الغرض من المسرحية اشباع رغبة الجمهور - أو القارئ - من الضحك، ثم يضحكون علىمن، على هذا الفلاح الساذج البسيط الذى يستحق كل رثاء وكل عطف.. هل يضحك الشعب على نفسه، القول المأثور يقول "شر البلية ما يضحك" والمسرحية كلها "شر البلية" افلهذا قال عليها مؤلفها أنها "مسرحية كوميدية" أم لأن بها بعض المواقف التى تنتزع من قارئها أو المتفرج عليها الضحكات، لإنها ضحكات مؤلمة، إنه "ضحك كالبكاء".
     وفى رأيى أن مسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع" ليست دخيلة على الفن المسرحى عند السيد حافظ وإنما هى امتداد متطور لهذا الفن، فمن يقرأ مسرحية "ظهور واختفاء ابو ذر الغفارى" ومسرحية "حكاية مدينة الزعفران" للمؤلف يستطيع وبسهولة أن يتنبأ بظهور مسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع" فهى امتداد طبيعى للفكر نفسه الذى اعتنقه الكاتب وهو التصدى للسلطة الحاكمة الغاشمة الدكتاتورية من خلال الكلمة ومن خلال خلق أحداث درامية مسرحية تنمو تضطرد حتى تبلغ الذروة فى نهاية العمل المسرحى.. ففى مسرحية "ظهور واختفاء ابو ذر الغفارى" كان البطل الذى يؤرق ويقق مضاجع السلطان هو طيف أبى ذر الغفارى الصحابى الجليل بما تركه من أفكار ومعتقدات ومبادئ ومثل يخاف منها على كرسيه كل حاكم مستبد وكل سلطان فاجر لا يحيا إلا لنفسه، وفى مسرحية "حكاية مدينة الزعفران" رأينا الفنى مقبول الذى لا يقبل ظلم الحاكم الظالم، فيجاهد ويجاهر برأيه حتى تلتف حوله العامة ويحبوه ويعتبروه صوتهم الذى لا يستطيعون أن يجاهروا به، لذا يكون مكمن خطورة على السلطة فيدبرون له المكايد ويعينوه خادماً للعامة، فينصرف عنه الناس ويهربون من حوله، وتنجح السلطة فى اقصائه عن معجبيه من أفراد الشعب.
     أما فى "حكاية الفلاح عبد المطيع" فالتصدى للسلطة الحاكمة الغاشمة المستبدة الدكتاتورية من خلال العمل المسرحى أو النص اسمرحى الذى يقدمه لنا السيد حافظ يختلف عن المسرحيتين السابقتين - وإن كان الهدف واحد - ففى هذا العمل المسرحى يقدم لنا المؤلف هذا الفلاح المصرى البسيط إلى حد السذاجة، الفقير إلى ما تحت حد الكفاف، الإنسان الذى لا يعرف من كل دنياه سوى حماره الذى يبق له كل همومه واحزانخ، وزوجته التى أنجبت له عشرة أطفال، الأول غبى بالفطرة والأخير غبى بالاكتساب، لا يعرف سوى بعض الجيران البسطاء الفقراء البؤساء مثله، ولأن عبد المطيع كان يعيش فى زمن السلطان قنصوه الغورى حيث كان الإنسانالحيوان، قوى النفوذ والسلطان (الراوى ص 5) ولأن عبد المطيع فلاح فقير، أجير، عيناه مسجدان وقلبه يتسع حتى يحتوى العالم ويداه صلبتان فى صلابة صخر النيل (الراوى ص 5) ولأن عبد المطيع يزرع القمح، يحصد الحب، يوزع الابتسامة ويشترى زقزقة العصافير بأغانى الحصاد (الكورس ص6) لذا فإنه عندما تصدر الأوامر للشعب أن يرتدى الملابس السوداء حزناً على عين السلطان قنصوه الغورى التى أصابها المرض، والتى أعيت الأطباء والحكماء فإن عبد المطيع يتساءل : ماذا حدث فى الدنيا؟ الناس كلها ترتدى ملابس سوداء.. ماذا جرى؟
     إنه إنسان فقير، بسيط إلى حد السذاجة لا يفهم كيف تصدر الأوامر بارتداء الملابس السوداء حزناً على عين السلطان التى أصابها المرض، إنه لا يستطيع أن يقيم العلاقة الجدلية بين مرض عين السلطان وارتداء الشعب والدنيا للملابس السوداء، لذا فإنه يقبض عليه بحجة أنه يخالف التعليمات والأوامر الصادرة من الحاكم (ص 34)
     المنادى : يا أهل القاهرة.. يا أهل المدينة الظافرة فرمان..
     فرمان من سيدنا الوزير إلى الشعب العظيم (يفتح الورقة) بسم الله والحمد لله والحاضر يبلغ الغائب سيدنا السلطان مريض.. شفاه الله وعافاه وباسم السلطان نعلن الحداد فى البلاد.
     وترتدى كل البلاد الملابس السوداء ولا يرتدى أحد أى زى آخر، فالرجال والأطفال والنساء كلهم يرتدون ملابس سوداء ويمنع أولاً : الاحتفال بالختان، ثانياً: الاحتفال بالعرس أو بأى احتفال لحين شفاء السلطان ويصلى الجميع ركعتين بعد كل صلاة طالبين من الله الشفاء لعين السلطان قنصوه الغورى.. عاش السلطان شفاه الله وعافاه ومن يخالف الأوامر يتعرف لعقاب سيدنا الوزير الرجل الطيب الرجل الكريم الحكيم وما على الرسول إلا البلاغ فرمان.. فرمان.. (يتحرك إلى خارج المسرح ويعيد الفرمان).
     ومن المفارقات الجيدة التى أقامها السيد حافظ فى هذا الجزء من المسرحية والتى تعطيك إحساساً قوياً بمدى التفاوت الهائل بين أسلوب حاشية السلطان فى التفكير، وأسلوب هذا الفلاح الطيب البسيط، هذا الحوار ص25، 26،27 :
الشرطى (1)    : أنت !
عبد المطيع     : (يرتجف فى يديه كوب الشاى) أنا؟
الشرطى (2)    : نعم، أنت
عبد المطيع     : أهلاً وسهلاً.. خيراً.
الشرطى (1)    : هل أنت فرح وسعيد !
عبد المطيع     : نعم سعيد جداً وفرح للغاية.. الحمد لله فى ظل مولانا قنصوه الغورى.
الشرطى (2)    : إذن لماذا ترتدى هذه الملابس؟
عبد المطيع     : لم أعلم بأننا سنقابلكم حتى ارتدى ملابس تليق بالمقام وتليق بالمناسبة.
الشرطى (1)    : وماذا كنت سترتدى؟
عبد المطيع     : عندى جلباب أخضر.. غالى الثمن.. لم أدفع ثمنه حتى الآن.
شرطى (2)     : يا سلام.
عبد المطيع     : أخ والله العظيم.. سأدفع ثمنه بعد محصول القطن واظن إننى سأدفعه قبل
               
ذلك عندما ييسرها الله.
شرطى(1) : (مقاطعاً) هيا معنا
عبد المطيع     : ألا تصدقنى؟
شرطى(2) : سيصدقك رئيس الشرطة.. أخبره بما تشاء.
عبد المطيع     : رئيس الشرطة بنفسه وشحمه ولحمه.
شرطى(1) : نعم.
عبد المطيع     : لا.. أنت تمزح.
شرطى (2)     : هو يريدك أنت.
عبد المطيع     : أنا .. أنت تمزح لا شك.
شرطى (1)     : (بصوت حاد) نحن لا نعرف المزاح.
عبد المطيع     : هو لا يعرف اسمى حتى يريدنى.
شرطى (2)     : هو معجب بملابسك.
عبد المطيع     : إنه سروال قديم ممزق.. متسخ.. وقميص حقير ما الذى يعجبه فيهما؟
شرطى (1)     : إنه معجب بهما.
عبد المطيع     : تعالى معى المنزل فأخلع ملابس وأعطيك لك.. لتعطهما له ولا داعى
          
لذهابى إليه هناك.
شرطى (2)     : هذا هو عين الصواب.
عبد المطيع     : والله.
شرطى (2)     : أه والله.
عبد المطيع     : امسك أنت الحمار وهو يأتى معى للمنزل.. سأذهب لأغير ملابس وأحضر
               
معكما.
شرطى (1)     : (بغيظ) ستحضر أنت وحمارك بملابسك هذه سواء أردت أو لم ترد.
عبد المطيع     : لماذا تصرخ فى وجهى.. هل جننت؟ أخلع ملابسى وأظل فى الطريق
               
عارياً.
شرطى (2)     : (يمسكه من قفاه ويسحبه) هيا أمامى.
عبد المطيع     : أنا أمزح معك.. ألا تحب المزاح؟ يا رجل دعك من هذا التصرف الأبله..
  سأحضر معك لا داعى لهذا (يهمس فى أذنه) الناس ستقول عنك قاسى القلب 
  دعنى.. سأحضر معك دون ضجة
.
(يتركه الشرطى)
شرطى (1)     : هيا أمامنا.
عبد المطيع     : أيها الناس أنا ذاهب إلى رئيس الشرطة (ينظر من حوله يكتشف أن الناس قد انفضوا من حوله وإنه الوحيد الذى وقف مع الشرطة) (للصالة) أنا ذاهب إلى رئيس الشرطة فليذهب أحدكم إلى زوجتى وليخبرها أن تحضر لى سروالاً آخر حتى لا أنفضح.
إنها مفارقة لا شك مضحكة وبها خفة ظل الإنسان المصرى البسيط المنبسط المتفتح القلب لذا ربما يكون المؤلف قد ادعى أن مسرحيته كوميدية بسبب هذا الموقف.
وتتوالى الأحداث وتشفى عين السلطان قنصوه الغورى وتصدر الأوامر والتعليمات (ص 53)
المنادى : يا أهل القاهرة.. يا أهل القاهرة.. يا أهل المدينة الظافرة فرمان من مولانا السلطان.. يقرر ما هو آت.
أن ترتدى المدينة الملابس البيضاء وأن تقام الزينات.. وأن تلغى الجنازات.. والموت فى صمت أفضل من الضوضاء وأن لا يرتدى أى كائن ملابس سوداء.. وأن تقام الأناشيد والاحتفالات فى كل ركن من أركان البلاد.. وأن يذهب كل فرد من الأطفال والنساء والرجال إلى قصر مولانا لتناول الطعام وبعد أن يفرغ أى شخص من التناول، يأخذ قفة قمح وشعير..
لقد استجاب الله لكم والله خير من يجزى الصابرين.
يا أهل القاهرة..
ولكن عبد المطيع الذى كان قد خرج من السجن يتساءل ما هذا الضجيج، أين ذهب الجميع؟ ولأنه خرج من السجن وارتدى الملابس السوداء بل ودهن جسمه باللون الأسود حزناً على عين السلطان، فإنه يصطدم مرة أخرى بالشرطة.
عبد المطيع : ماذا حدث؟
شرطى (1) : أهلاً.. أنت مرة ثانية؟
عبد المطيع : (بزهو) نعم.
شرطى (2) : وترتدى هذه الملابس؟
عبد المطيع : ملابسى كما أمر رئيس الشرطة..
شرطى (1) : أنت مطيع.
شرطى (2) : إن اسمك مطاوع.
عبد المطيع : العم عبد المطيع.
شرطى (1) : يريدك رئيس الشرطة.
عبد المطيع : سلم لى عليه واخبره إننى بخير.
شرطى (2) : يريد الاطمئنان عليك.
عبد المطيع : ولكن أنا متعب.
شرطى (2) : لكنه يصر على مشاهدتك.
عبد المطيع : الحمار جائع.
شرطى (1) : أنت والحمار.
عبد المطيع : بارك الله فيكما.
(يخرجان وهما يشدانه ومعه الحمار)
وبعد سبعة أيام يخرج عبد المطيع من السجن، يظهر على جسده آثار الضرب ويتساءل وهو يخلع كل ملابسه حتى يصبح عارياً إلا من سرواله : أى الألوان تحت أن ارتدى يا مولاى.. أى الألوان تحب أن ارتدى يا مولاى.. أى الألوان تحب أن ارتدى؟ الأحمر أم الأخضر أم الأصفر.. أو الأسود أم الأبيض.. ثم تأتى الصرخة من الأعماق : يا ولاد الكلب.
ولأن الموقف موقف مأساوى بالنسبة لنا وموقف كوميدى شديد الإيقاع من وجهة نظر السلطان، فإنه يضحك ويقرر تعيين عبد المطيع قاضى القضاة ويصفق رجال الحاشية المنافقين، ولكن عبد المطيع الذى وصل إلى حالة الوعى الكامل فى نهاية المسرحية يرفض قرار السلطان ويرد عليه (ص61) : لا يا سيدى.. أنا أريد أن أكون قاضى القضاة، ويضحك السلطان والحاشية بينما هو يبكى وينزل الستار بطيئاً معلناً نهاية موقف من سلسلة الموافق المأساوية التى عادة ما تحدث بين السلطة والشعب.
أعود وأؤكد مرة أخرى على خطأ المؤلف حينما ادعى أن مسرحيته هذه مسرحية كوميدية من فصلين.
وتظل المسرحية - أية مسرحية - حبيسة الورق أو حبيسة الأدراج إذا لم تتح لها فرصة الظهور على خشبة المسرح، فخشبة المسرح بمثابة الروح للمسرحية المكتوب - واعتقد أن مسرحية كهذه سهلة الحوار، بسيطة اللغة، مفهومة الرموز، واضحة التراكيب والمعالم والرؤية تشد أى مخرج واع ملتزم لكى يقوم بإخراجها على خشبة المسرح وبالفعل وجدت هذه المسرحية هذا المخرج وهو الدكتور سعدى يونس بالعراق الذى تفاعل مع النص واختار له نهاية أخرى غير النهاية التى اختتم بها السيد حافظ مسرحيته المكتوبة ولكل رؤيته ولكل فكره طالما أن هذا لا يتعارض مع الغرض الرئيسى من المسرحية.
وعن تبديله لنهاية المسرحية يقول د. سعدى يونس.
"كانت النهاية السابقة.. هى أن السلطان عندما يسمع بحكاية (عبد المطيع) يعينه قاضى القضاة.. غير إننى رأيت أن هذه النهاية من الممكن أن تتطور أكثر.. فمن الصعوبة بمكان أن يلتقى ابن الشعب البسيط مع سلطة غاشمة كسلطة (قنصوه).. وعندما يرتدى رداء قاضى القضاة - بالنسبة لى - تبدأ جماعة السلطان.. والسلطان بالضحك عليه ويضربه حتى الألم.. وهكذا يكتشف الخدمة الضخمة التى كان يعيشها ويرفض آنذاك - وفى لحظة وعى هامة جداً - جميع الألوان الزائفة التى تريد السلطات الظالمة كسلطة (قنصوه) أن تفرضها على الناس.. وينزل فى نهاية المسرحية إلى الناس ويختلط بهم.. يريد أن يكون كما هو الفلاح.. فقط"
هكذا يظل العمل العظيم عظيماً ويظل العمل يعبر عن آلام الإنسان العادى البسيط عملاً خالداً، وفى انتظار مزيد من الأعمال الفنية الجيدة التى تجسد آلام الشعوب وتعبر عن شوقها للخلاص من كل حاكم ظالم مستبد طاغ.
الإسكندرية - أحمد فضل شبلول


1 التعليقات:

شكرا احمد الشريف شكرا احمد فضل شبلول

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More