Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الخميس، 3 نوفمبر 2016

السيد حافظ ومحاكمة الحركة الثقافية العربية المسرح الطليعى ضرورة لمواجهة الإنسان لذاته


السيد حافظ ومحاكمة الحركة الثقافية العربية
المسرح الطليعى ضرورة لمواجهة الإنسان لذاته

بقلم : الدكتور/ شادى بن خليل
جريدة الخليج الثقافى
1984
السيد حافظ اسم كاتب مسرحى له علامة متميزة فى المسرح العربى، وهو اسم لتجربة فنية خرج منها جسور التجديد الابداعى.. فهو من الحالمين بمستقبل افضل لأمته ولطنه وهو صاحب حركة التجديد للمسرح الطليعى العربى.
لذا يصبح صوت مسرحه أكثر حدة وبروازاً وتعرضاً وانكشافاً . والذى يدفعنى للكتابة عن مسرح السيد حافظ هو ما قرأته مؤخراً فى حديث خاص له بجريدة الأنباء الكويتية ويعلن فيه : أنه متوقف عن الكتابة للمسرح الطليعى منذ 5 سنوات وأنه اتجه للكتابة بالتليفزيون والعمل الصحفى بعد أن اطلق عليه وعلى جيله نيران التجاهل وذلك حتى يموت المبدع الحقيقى قهراص ومرضاً.
كيف يحدث ذلك ؟
الإجابة على هذا السؤال وجدتها فى أكثر من دراسة عن مسرح سيد حافظ فها هى دراسة الدكتور شريف الحسينى المعنونة بـ"لماذا نغتال ابداعات السيد حافظ الرأى العام الكويتية – 24/9/1983 وهو يرى أن الساحة الثقافية العربية تمارس عمليات الإهمال والنقد الغير بناء وهى محاولة اغتيال صريحة للكاتب رغم ان مسرحياته لا تقل نضجاً عن ابداعات كل من يوجين يونسكو – جورج برناردشو – بيكيت.
ويكتب الناقد ممدوح بدران من إياليا مبرراً توقف حافظ عن الكتابة – السياسة الكويتية 15/9/1983 يقول فيها أن السيد حافظ وما يزال يعطى للمسرح وقضاياه .. فهو محارب وباحث عن يقظته ومعلم يحلم بالتغيير ومستمر بتحسس طريق الخلاص إلا أن حراس المعرفة التقليدية فى الساحة العربية اطلقوا على مسرحه أنه غير مفهوم – وأنه كاتب يتفلسف ملئ بالغموض والألغاز ومازالت هذه الكلمات تلاحقه وذلك لأن كلماته تطمح لأن تكون جديدة المعنى ومختلفة عن قاموس الأقدمين.
إن السيد حافظ المتمرد على واقعه الرافض اقبية التقاليد يعد مغامراً جريئاً يعطى كل نفسه ويبذل كل طاقته باحثاً فى هذا الواقع المتخم بالتكرار عن حياة جديدة وتنفسات جديدة.. لكن الواقع يرفض المغامرين فى زمانهم تماماً كما حدث لكل مكتشفى المجاهل الروحية والمادية الذ رفضوا أن يلبسوا نسخ النظارات القديمة المفروضة على زمانهم. ويتفق معى فى ذلك الناقد والمخرج المسرحى عبد الكريم برشيد فى دراسة له معنونة "مسرح السيد حافظ بين التجريب والتأسيس" فى أن مسرح حافظ يشير دوماً إلى وجود المعن ووجود الحل والحقيقة ولكن هناك من لا يريدها فيعمل إلى التضليل والتجهيل حتى يغيب الوعى ويسود الجهل وتبقى الدنيا كما هى ساكنة من غير تقدم ومن غير تغير ولا تحول.
لكن ما هو رد الفعل للمساحة الثقافية عن توقف أحد المدبعين الطليعيين للكتابة المسرحية ؟ لا شئ حدث أو كما يسمى السيد حافظ إحدى مسرحياته "حدث كما حدث ولكن لم يحدث أى حدث" (للساحة الثقافية العربية).
أما الكاتب الطليعى السيد حافظ فيبرر توقفه عن الكتابة المسرحية الطليعية فى حديث له فيقول (مجلة الحوار – السويد 5 اكتوبر 1982) لقد ابتعدت عن المسرح 5 سنوات بعد أن اكتشفت أننى أحارب فى الساحة الفنية كمحارب أعزل .. إننى أشعر بالندم والحزن الخاص.. لقد أصبح كل شئ من حولنا كاذباً ومزيفاً ومضللا والمجد أصبح فى حياتنا الثقافية للهلس والأدب والفن الاسفنجى الذى يخدم الناس ويركب موجة الثورية. فنحن نعيش فى امة تعانى التخلف الفكرى والإحباط السياسى والأمية الثقافية لذا تركت المسرح مؤقتاً واتجهت للعمل فى الصحافة والعمل التليفزيونى.
وحين بدأ السيد حافظ رحلة الخلق وافبداع.. لم تفرش الأرض أمامه بالترحاب أو الاستقبال المشرف أو روح الإبداع المقدسة ولكن فرشت أمامه بالاستهزاء والتنكر.. لماذا لا يكون تابعاً للفكر الموجود؟ لماذا لا يكون منفذاً للأفكار الجاهزة والقوالب والأشكال الموروثة؟
والنقد الذى وجه إلى تجريبية الكلمة عند السيد حافظ كان أغلبه عبارة عن زوبعة سوداء دون مبرر سوى رفض المنهج الذى ينتهجه حافظ فى اللغة الجديدة التى يطرحها وهذا الموقف يضعنا أمام قضية خطيرة لا تتصل فقط بالصياغة الأدبية وإنما تتصل بحرية الأديب فى التعبير .. تلك الحرية التى يمنحها إياها التطور الزمنى وكما يقول الناقد سعد أدرش أنه إذا كان القاضى مطالباً بحكم القانون فى أن يفترض حسن النية فى المتهم إلى أن تثبت إدانته بالأدلة.. واذا كان الناقد بحكم مهنته يقف موقف القاضى من العمل الأدبى فإن على الناقد بالبديهة أن يفترض حسن النية فى مواطن الأديب الذى يقدم لمجتمعه العربى كلمة يلتزم بها ويستهدف منها البناء والتعبير وهذا لا يتواجد فى معظم القائمين والمهيمنين على الحركة الثقافية العربية. فعندما أصدر حافظ مسرحيته الأولى الطليعة (كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى) عام 1971 أثارت هذه المسرحية جدلاً كبيراً فى الأوساط الدبية العربية حينما جعل الأشياء الجامدة فى مسرحيته (كرسى – كوب – لوح زجاجى – غلاف تكوين – فانلة ومثلثات – إبرة خياطة9 (كلب متحرك على خشبة المسرح) أبطالاً فى مسرحيته هوجمت المسرحية بأنها لا تنتمى إلى لغة المسرح المتعارف عليها لكن الحقيقة التى غابت عنهم هى أن حافظ منذ صدور مسرحيته الأولى عام 1971 كان ينتهج المنهج الطليعى فى الكتابة هذا المنهج الذى حدد معالمه "أبوللتير" حينما قال :
إن الكاتب المسرحى الطليعى له حرية مطلقة .. إذ هو خالق عالمه وسيده ومن العدل أن يجعل الجموع والأشياء الجامدة تتكلم إذا راق له وأن يغفل الزمال والمكان.. إن عالمه هو مسرحيته وفى داخلها هو الآله الخالق الذى يرتب كما يشاء الأصوات والايماءات والحركات والكتل والألوان والمسرحية يجب أن تكون عالماً بأكمله مع خالقها.
وهذا ما يؤكده د. إبراهيم عابدين فى (دراسة عن عالمية المسرح عند سيد حافظ – الثقافة العراقية – عدد يناير سنة 1983) فيقول أن مسرح حافظ هو المسرح المتمخض عنه مسرح القرن القادم ومسرحه من نوع جديد فهو يحاول أن يجد صيغة جديدة ويبحث عن إشكال متقدمة تتحدى ما عرفناه من الأشكال المسرحية من ارسطو إلى اللامعقول وبريخت ويتفق معه فى ذلك أيضاً الدكتور الإمبابى فى (دراسة عن الإبداع والتجريب فى مسرح حافظ – مجلة الأسبوع العربى البيروتية – 23/5/1983) فيقول أن حافظ يسع دائماً إلى خلق أعمال باقية على الزمن تعيش لكل العصور مما دفعه إلى كثير من الأحيان إلى الخروج على الأشكال الفنية المألوفة.
والمسرح الطليعى ضرورة لمنح الإنسان فرصة المواجهة مع الذات الواقع اومع الذات المجتمع ومع الذات الإنسان. والمسرح الطليعى له فرسان فى الساحة العالمية والعربية فحين نذكر المسرح الطليعى العالمى يجئ إلى الذهن مباشرة كتابات كل من بيكيت – يونسكو – كاداموف وجيتيه وجان انوى كأعضاء فى المسرح الطليعى أما حينما نتحدث عن المسرح الطليعى يجئ فى مقدمة كتاب المسرح العربى الكاتب المسرحى السيد حافظ ويليه كل من محمد الماغوط وعز الدين المدنى وعبد الكريم برشيد وسعد الله ونوس وقاسم محمد والطيب الصديقى وروجيه عساف وسمير المعادى ومحمود الزيودى.
ومسرح السيد حافظ هو المسرح الذى يهتم قبل كل شئ بأحداث ثورة فى المسرح العربى وهو يهتم اهتماماً بالغاً بمعنى وجود الإنسان بل وبالدور الذى يقوم به فى المجتمع كما أنه يعمل على ايقاظ المتفرج ليشعر بأن هناك ما هو عجيب وما هو غير مألوف وما هو خارق للعادة ضمن حياتنا اليومية وهذه هى وظيفة المسرح الطليعى وتلك النزعة ترجع إلى أبوللتير وجارى ومن قبلها إلى الرمزية والرومانتيكية (مسرح الطليعة الفرنسى) .
ومسرح السيد حافظ يواجه دوماً القضايا المعقدة التى تشغل كاهل الإنسان فى عصرنا الحديث لذلك نجده يلجأ إلى أشكال ومضامين طليعية تتجاوز كل الحدود التى قامت عليها الحركات الطليعية السابقة ويتفق معى فى ذلك الناقد والمخرج المسرحى سعد أردش (دراسة عن مسرح حافظ) قال أننا نلمس فى العمل الواحد فى مسرحيات حافظ مضامين ذات صيغة إنسانية عامة فهى لا تثير جانباً واحداً من جوانب البناء الاجتماعى.. إننا نلمس فى العمل الواحد كل ركائز التكوين الاجتماعى (الأخلاق – الدين – العلم – الحضارة – التاريخ – التراث فى إطار من الفكر السياسى والاقتصادى والعسكرى).
وهكذا استطاع حافظ أن يمنح ويحقق للمسرح اللطليعى المصرى استقلالاً ذاتياً وأن يحرر المسرح العربى من كل ما يمكن اعتباره من استبداد الكلمة المكتوبة وهذا ما جعل الدكتور السعيد الورقى يكتب عن السيد حافظ فى (دراسة بجريدة السياسة الكويتية – 14 فبراير 1980) فيقول أن حافظ يجب وكأنه كله حواس التقاط وتسجيل ولعل هذه الحواس عند حافظ من داخل سيطرة التوتر والشعور بالحصر فيقدم إلى المتلقى شحنات متوالية من الانبهار المدهش والمثري.. فهو لا يقصد من فنه أن يهدهد حواس المتلقى وإنما يرمى إلى أن يحدث فى داخله صدمة المباغتة التى تولد فيه التوتر والحيرة والتساؤل وبسبيل البحث عن احداث توالى القرع بالصدمات يبحث سيد حافظ عن كل ما يمكن أن يساعده فى غايته ولعل هذا هو السر فى أن أعماله باستمرار تجارب طليعية.
لماذا اتجه كتاب المسرح إلى الطليعة المسرحية وما هو مفهومها عند كتاب المسرح الطليعى؟ نجد أن الكاتب المسرحى المعاصر أفاق فجأة وبعد أحداث سياسية وعسكرية واقتصادية وعلمية خطيرة استغرقت العقود الثلاثة من الخمسينات إلى السبعينات. أفاق إلى أنه فاقد لحاضره ومستقبله أو بمعنى آخر فاقد متعة الحياة فى الحاضر وأصيب بإحباط وبيأس شديد بالنسبة للمستقبل – مستقبله أو مستقبل الأجيال الصاعدة هذا الخاطر الذى يفرزه الواقع المعاش جعل الكاتب الطليعى يفيق فجأ إلى أنه انفصل عن ماضيه والنتيجة كما يقول سعد أدرش أنه رفض النسق المسرحى أو نسق الفن المطروح بوجه عام ويحاول البحث عن نسق جديد يقوم على جذور مستنبته من تراثه القديم.
أما الفريد جارى فيبرر تواجد المسرح الطليعى فيقول أنه ظهر نتيجة أن سرد الأمور المفهومة لا تؤدى الا لاثقال النفس وإفساد الذاكرة بينما يحرك اللامعقول النفوس الراكدة وينشط الذاكرة.
أما الكاتب المسرحى عز الدين المدنى فيقول أن كتاب الطليعة اتجهوا للطليعة لأنها غزو للمجهول لا الاكتفاء بما هو موجود والاقتصادر على ما هو فى متناول اليد. والمسرح الطليعى ينزع إلى قهر المحظورات وتخطى الصعاب وتجاوز المتناقضات والتجريب لا يعنى استنقاص التجربة أو نقص العمل إنما يعنى عدم الارتكاز على عمل فنى سابق أو قاعدة جمالية فى احد أنواع فروع الأدب والمعرفة. والتجريب يعنى بحث وامتحان واختبار وكلمة بحث تعنى التتبع والاستقصاء والبحث فى الجوهر والشكل والمضامين مع سابق علم بالأصول والأسس والإلمام بها.
أما الناقد تاكيس موزنديس: فيقول أن الكاتب الطليعى محارب متطلع إلى مثل وهو فوضوى متمسك بفرديته ومسافر وحيداً ماضى فى طريقه الخاص. له أراؤه الشخصية دون حاجة إلى رفيق مهما كان هو ساع إلى بلوغ ما هو مستحيل دون أن يقنع بما هو ممكن وهو دائماً ساخط.
أما الطليعى فى نظر الكاتب المغربى عبد الكريم برشيد هو هذا المناض ابداً أى ذلك الإنسان الذى لا يعرف ما يسمى باستراحة المحارب وذلك لأن الاستراحة لا تعنى فى النهاية غير الموت والفناء وسيادة الظلم والجهل والفقر وكل معوقات الحياة.. فهو يناضل حتى الموت أو ما بعد الموت إن كان ذلك ممكنا عن طريق الإبداع الخالد الذى يحمل رسالة نضالية.
أما الطليعة فى مفهوم السيد حافظ فيقول أن المسرح الطليعى هو فن تأسيس لفكر العصر والتاريخ الذى نحياه . المسرح الطليعى هو ماضى وحاضر ومستقبل فى أن واحد والكاتب الطليعى فى رأيه يجب أن يكون معاصراص لعصره لا مسجوناً فيه وان يندمج الكاتب فى الواقع الحاضر كل الاندماج حتى يتكلم باسمه فيكون روح عصره وهو مثل الجندى فى إحدى حروب العصابات ومهما كانت عقيدة المؤلف السياسية فإن فنه ليس تعبيراً عن حالة روحية كامنة فى وعيه.
من هو الكاتب الطليعى السيد حافظ
السيد حافظ من جيل عاصر النكسة 1967 وخاض نضالاً سياسياً متواصلاً ضد كل الأشكال البيروقراطية التى مورست تجاه الشعب المصرى والعربى.. هذا الجيل الذى ينتمى اليه حافظ لعب دوراً كبيراً فى التحضير لتفجير الانتفاضات الشعبية بل أيضاً لعب هذا الجيل دوراً مسانداً ملوحظاً فى الحفاظ على مكاسب ثورة 1952 غير أن السيد حافظ يختلف عن الكثير من كتاب المسرح الذين ساروا على ركاب سلبيات الثورة اعتقاداً منهم بعظم الفائدة التى تنجم عن مؤازرتهم ولم يقوموا بدور التوجيه والإرشاد السياسى والاجتماعى لها.. فقد كان جيل ثورة 23 يوليو 1952 من كتاب المسرح يمارس ضد نفسه وضد الشعب العربى التخاذل فى كثير من الأفكار التى طرحت من أجل تبرير المواقف الهزيمية والتى ارتكبت مع مسيرة الثورة، حافظ يختلف عن معظم كتاب جيله وذلك لأن منهجه الفكرى والسياسى كان مغايراً لمعظم كتاب المسرح العربى وهذا ما جعل الناقد عبد الله هاشم يكتب فى (صحيفة الجماهيرية الليبية إلا أن أهم كاتب طليعى ظهر فى السبعينات فهو يجمع بين الأصالة والمعاصرة وفيها يلتقى أعرق مضمون مع أحدث تكنيك – 15 سبتمبر 1981).
وقد خرج السيد حافظ من خيرة أرض النيل كالصاعقة أو كالنار على الشارع المصرى وكان يلتقط أنفاس البحر ويحمل نهر الكلام والرؤيا ويحمل موجات الإبداع للشارع الثقافى العربى وقد جاء جيله مع النكسة، البعض حرقته النكسة والبعض الآخر حرقته مواقفه وتنازل عن المسرح الفكر أو المسرح الحلم والبعض الآخر سار كالخريف تذبحه الفرق التجارية ويتنازل فى البدء عن بعض الحروف ثم عن بعض الجمل فى الحوار ثم عن الحوار كله وتنتهى أعماله بمجرد الانتهاء من عرضها.
لقد اقتحم السيد حافظ المسرح الطليعى حتى يكشف القناع عن الجرف العربى والظلام عن الاستعارة ويمحو الضباب عن الكتابة.
لقد وجد حافظ كتاب الثورة بدأوا يتنازلون عن أحلامهم ويلقون بأعمالهم فى كتابة التسابيح . لقد شعروا بالشعب ومشى جيله كله على جثث النكسة وهو يشاهد النتيجة لعزلة الجماهير عن القيام بدورها الرئيس فى الساحة الديمقراطية ومن هنا نجد أن حافظ حمل الهزيمة على كتفه منذ عام 1967 وهو تاريخ النكسة وبدأ يبحث عن صياغة جديدة للانقاض وللهذيان الذى أصاب المثقفين فكانت تجربته أشبه ببرق فى فضاء المسرح العربى وهو يريد دوماً أن يصل إلى الكلمة البعث – الكلمة الخلاص وهو يبحث دوماً عن فكرة جديدة فى شقة شقوقها ويركض وزاد الشخصية التى تعبر عن العين السحرية وتدخل من بوابة المسرح الخلفى لتعيش مع الإضاءة والديكور والصوت وغرفة المكياج ثم تنمو معه فى شكل عاصف ثم يبدأ الهجوم لتكون الكلمة إزعاجاً أو سحراً أو طريقاً فهو المسافر فى المعانى والمهاجر فى عقلية المشاهد كى يقتحم المخزون والموورث المسرحى الذى سافر معه منذ ظهور المسرح العربى من الفضيحة الفكرية التى يحياها وهذا ما جعل المخرج عبد الكريم برشيد يقول عن ابداعات سيد حافظ أنها تحلق فى الناس وفى الأشياء بعينين .. العين الأولى عربية وهى مفتوحة على النحن وعلى الآن والهنا أما الثانية فهى غربية مفتوحة على المسرح الأوروبى كتجارب جريئة وجديدة ومدهشة وهذا الازدواج فى الرؤية والتعبير عنها هو ما حرر مسرحه من التبعية للمسرح الطليعى الغربى.
لمن يكتب السيد حافظ :
إن مسرحيات حافظ تطرح العلاقة بين الراعى والرعية أو بين الحاكم والمحكومين وما يتصل بذلك من نظريات حول امكانيات الاختيار وفلسفة التمثيل (تمثيل الفرد للمجموع) – كما قال سعد أردش – ابتداء من مبادئ الشريعة السماوية وانتهاء بما تحققه الشعوبد من مكتسبات ديمقراطية من خلال ثوراتها عبر القرون .. ويذهب حافظ إلى توضيح فكرة ثابتة فى منهجه الفكرى وهو أن الميزان الحقيقى فى ضبط الأمور هو الشعب، الرعية، الناس وهو يتحدث دوماً عن مأساة انعدام الحرية والديمقراطية فى ممارسة لعبة الحكم فى كل الأنظمة ويتكلم عن الإنسان وذاته والذى وضعت الأنظمة والدول والايديولوجيات والتنظيمات ملايين الحواجز والعراقيل والعلاقات المحدودة.
يكتب السيد حافظ أيضاً للقرى – للنجوع – للكفور – للشوارع – للمصاطب – للفلاحين – للاجراء الهاتفين للشمس كل صباح – أيضا يكتب للزارعين الحرية فوق جبال الموت.. لمطحونين فى دوامة اليوم والقهر .. لكل المنبوذين .. للناس الصمت.. الناس الفزع من الأقدار – الناس الخوف.
إن أبطال السيد حافظ كما يقول عبد الكريم برشيد يبحثون عن الممكن وليس عن المحال يبحثون عن مدينة يغيب فيها (ممارسة القهر على المواطن وطمس كيانه ومسخه بتمريره على أجهزة القهر والعجز والتخلف).
ويرى الدكتور الامبابى "سبق ذكر المرجع" إن مسرحيات حافظ تتكلم عن كل الأزمات الإنسانية فهو يتكلم فى مسرحه عن قضايا إنسانية فهو يتكلم فى مسرحه عن قضايا إنسانية متعددة.. يتكلم عن النازية ودلى بموقفه منها.. يتحدث عن أسبانيا وعن المقاومة.. يتحدث عن البلاد التى تعانى من الاضطهاد .. يتكلم عن المشكلة الفلسطينية .. يتحدث فى مسرحه عن أزمة الشرق الأوسط .. يتكلم عن الوجودية.. يتكلم عن فيتنام وعن جنوب أفريقيا يتكلم عن الحرية والديمقراطية المفقودة.. يتحدث عن الحياة المادية وتأثيرها على إنسان هذا العصر.
إذن فهذا الكاتب لم يحمل جواز سفر مصرياً فقط بل فى الحقيقة حمل هذا الكاتب جواز سفر عربياً أفريقياً عالمياً.. فكل قول بالناس جنسيته.
النقد الإنسانى والسياسى فى مصر السيد حافظ
وبدافع من الحرص الوطنى راح السيد حافظ يقدم نقداً للواقع العربى المصاب بالضعف والتخريب والجهل.
إن إحساس الكاتب بخيبة الأمل التى تعيشها معظم الشعوب العربية فى استرداد حريتها وكرامتها وديمقراطيتها وعدالتها التى فقدت كان ذلك يمثل انعكاساً مؤثراً على الأفكار المسرحية التى طرحها حافظ وخاصة النقد الاجتماعى الذى طرحه فى أكثر من مسرحية والذى من خلاله يستعرض لنا تناقضات الواقع الاجتماعى العربى وحركته الآيلة للانهيار ويتفق معى فى ذلك الناقد سعيد فرحات – "الراى العام الكويتية 18/8/1981" فيقول أن السيد حافظ من كتاب المسرح الإنسانى ليس بنزعته نحو العدالة فى الحياة ولكن فى اندماجه فى هموم الحياة العربية ككل فى نفسها الإنسانى والمحاولة العاجزة عن خلق نظام يحقق مجتمعاً جديداً تتحقق فيه سعادة تمسح التعاسة والاندحار فى أعماق الإنسان العربى السئ الحظ.
ولا شك فى أن تعرض حافظ للقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلامية استطاعت كلها تحديد موقفه من القضايا الوطنية ودوره فيها فكان السيد حافظ فى مسرحياته الكاشف والمحرض على التغيير والتقدم والرقى.. وليس استخدامه للشخصية التراثية والموقف التراثى كما فى مسرحية "ظهور واختفاء ابو ذر الغفارى" إلا انطلاقاً وراء تجسيد هذا اليقين "العدل والحرية والمساواة" فى عصر التمزق والتشرذم والتشرد والتفكك.
واليقين عنده هو يقين الموقف ويقين التعبير لذا نجد أن استخدامه للصيغة الشعرية فى مسرحية " ظهور واختفاء ابو ذر الغفارى" هو انعكاس طبيعى لانتمائه القومى ككاتب وإنسان. وظل هذا "اليقين – الحقيقة" ملازماً له بكل عذاباته ومحنه ومعاناته وكل صراعاته فها هى زوجة أبوذر الغفارى تنادى بالعدل والمساواة فى مسرحية أبوذر الغفارى.
المرأة : يا سيدى ومنبت الفكر الشريف – يا حلم الرجال الخصيب ومنبت الفكر الشريف – تسلقت أفكارك حوائط البيوت الضيقة المختنقة – فبين كل حانة وحانة مسجد – وبين كل لص ووال جمع من الفقراء والمساكين وبين الحق والباطل سجون الجلادين بيوت الفقراء بلا طعام وبين كل رجل ورجل ورجل من الشرطة السرية وبين كل مضغة ومضغة من الطعام قلق المجاعة".
الكورس : " الراعى والعرية.. من منهما الضحية .. من منهما الفداء من يخدم من والقاضى ما دوره؟ ورئيس الشرطة العلنية ؟ ورئيس الشرطة السرية.. والسجن لمن.. للص أم لرافض السلطان وكيف يحكم السجان؟ بالقانون أم على هوى السلطان؟ فالثائر بلا عنوان.. تنفيه السلطة والسلطة وتصنفه فى الخانات وتلونه بالأحمر والأصفر والأبيض وتشرد أطفاله.. وتكبله بالتهم الملفقة أو تعلن عن الثائر أصبح مجنوناً أو مخبولاً مجذوباً ويصبح رقماً فى السجن وتمسخه السلطة والسلطان فهو الخائن والملحد والمارق والزنديق أو تثقله الأحزان حتى يتفحم حزناً أو صمتاً ويموت بلا ثورة".
إن شخصية ابو ذر الغفارى فى مسرحية ظهور واختفاء ابو ذكر الغفارى، هى رمز التمرد وهو تمرد اجتماعى سياسيى يقرن الفعل النظرى بالفعل العملى ويزاوج بين كلمة الحق والسيف الذى يحمى الحق وينصره إن هذا البطل الملتحم بالناس وبقضاياهم اليومية يعيش النفى والغربة وذلك شئ طبيعى ما دام أنه يحمل فكراً مغايراً وأخلاقاً مغايرة وتصورات حقيقية للعلاقة بين المواطن والمواطن وبين الراعية والراعى ولأنه يرفض الواقع المزيف كما يقول عبد الكريم برشيد فقط كتب عليه أن يعيش غربته النفسية والاجتماعية والفكرية.
وحافظ نجده دائماً معبراً فى جميع مسرحياته عن روح الشعب فتشعر حين نقرأ كتاباته الطليعية بأنه ضمير الشعب المعبر عن روح نضاله المشرقة فهو الداعى للثورة المحرض عليها – الممجد لانتفاضتها.. المخلد لشهدائها لقد آمن بأن القضايا الانسانية التى يطرحها والمتمثلة فى حصول الانسان العربى على حريته وعدالته وكرامته هى قضايا قومية.. أمن بالعروبة ووحدة الكفاح لتحقيق الوحدة العربية .. فالنضال الوطنى الفلسطينى على سبيل المثال كان نضالاً قومياً جعل حافظ يكتب اكقر من 4 مسرحيات تتعرض لشرح القضية الفلسطينية وشرح الموقف العالمى والعربى السلبى منها.
ويتفق معى فى ذلك الناقد نجيب قرشالى (مجلة الطليعة الكويتية – سبتمبر 1983 – دراسة القضية الفلسطينية فى المسرح المعاصر) يقول أن دور السيد حافظ للقضية الفلسطينية لا يقل أهمية وفعالية عن دور كل من توفيق زياد ومحمود درويش وغسان كنفانى وسميح القاسم ومعين بسيسو ويقول أن مسرحه هو مسرح التنبؤ لأحداث السياسة فقد كتب مسرحية 6 رجال فى معتقل عام 1971 ونشرت عام 1981 أى بعد 10 سنوات وها هى الأحداث السياسية تتحقق وتحدث كما توقعها وخاصة فيما يختص بتوقعاته للمواقف المتخاذلة التى حدثت من الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية . فها هو ضياء البطل الثورى فى مسرحية (6 رجال فى معتقل) يتحدث عن الخيانة مبيناً كيف تحولت القضية الفلسطينية إلى دوسيهات وأوراق وأحاديث جوفاء داخل معظم الأنظمة العربية وضياء هنا يناجى حبيبته ويقصد بها الكاتب ضمير الأمة العربية الغائب.
ضياء : حبيبتى .. دوسيهات القضية انقطعت.. العالم كله يكحل عينيه بالكذب .. الكذب بيفتح للحقيقة قضبان معتقل.
حبيبتى شوارع باريس ولندن ونيويورك اتكلمت من نوم الخلق الشريدة الطريدة من بلادها.. والقضية هيه هى .. والدوسيهات محطوطة قصاد الأفندية.
حبيبتى صدقينى حروف القضية مش حتتولد على الوجود إلا من طلقة بارود.. من صرخة مدافع .. من بحر الدم.. والسلام مش حمام.
وهكذا يتضح أن السيد حافظ كان أول الكتاب الذى تنبأوا بمحاولات الخداع والتضليل داخل منهج الاستسلام الذى انتهجته الأنظمة العربية فى الثمانينات تحت اسم "السلام".
وكتابات حافظ تثبت دوماً أنه أحد المناضلين الحقيقيين الذين ساهموا بالكلمة الحقيقة.. الكلمة الطلقة وذلك لخدمة القضايا الجماهيرية ورفع المعاناة عن كاهل الشعوب المغلوبة على أمرها.. فها هى مسرحية الطبول الخرساء فى الأودية الزرقاء يؤكد السيد حافظ من خلالها على حتمية قدرة الإنسان على التفكير والنضال.. فالإنسان فى رأى حافظ لا يناضل ويفكر فقط بل يصر على النضال ولا يتخاذل .. والصراع فى الطبول الخرساء فى الأودية الزرقاء ويدور فى إحدى مستعمرات افريقيا.
الفتاة : الثورة .. الثورة لمن؟ وستقود من؟ الملونين – الهنود البيض – الفقراء – آه "تسخر من الشاب" لابد وأنك ستقود الكفرة المتوحشين .. هؤلاء السود مثلنا.. من ستقود ؟ عمال المزارع – عمال المصانع – العبيد أم السادة – المسحوقين أم..
التفى : سأقول الصمت المطعون بالظلم فى النفوس البشرية سأقود الانسحاق للطاغية للامبريالية (يأخذ شهيقاً وينادى) أيها المضللون المصلوبون فى الخوف انطلقوا .. انطلقوا إلى الثورة – إلى الوعى فلن يكون هناك ثورة بلا وعى ودون وعى.
الفتى : لمن أكتب ؟ ومن يقرأ؟
الفتاة : لتكتب عن معنى الإنسان والثورة مقالة – لتكتب عن ثورة العمال أو ثورة الفلاحين أو مشكلة القراءة والكتابة أو مشكلة الامبريالية.. هذه هى الثورة الحقيقة .. اكتب لمن يقرأ.
ويوجه حافظ انتباهنا عندما تتحول الكلمات إلى شعارات مزيفة وذلك على لسان الفتى.
الفتى : حين تصبح الكلمة وسادة وراحة تبول وتبرز ولذة نكاح يصبح العالم خواء.. يصبح لعنة فراغ.
والمسرحية يقول مؤلفها السيد حافظ أنها تقع فى ثلاثة تحولات ويقول الناقد ابراهيم عبد الحميد (الرأى العام 28/2/1980) أن المؤلف يرفض القول بثلاثة فصول لأنه لا يميل إلى معنى الفصل.. فالعمل كله وحدة واحدة تتخلق من بعضها وتتوالد ونحن بالفعل أمام ثلاث محاولات للثورة ففى المحاولة الأولى نجد الفتى الذى كان قد غادر قريته إلى أوروبا هارباً فى قاع سفينة ثم عاد ثرياً ولكنه ينشد الثورة لأنه لم يفقد أصوله بعد .
إنه يحاول إيقاظ الجماهير النائمة واكتساب رضاء الأم ولكن الأم لا تقبله إلا إذا ظهر بحياته وبالفعل يقتله أعوان الاستعمار ولكن يموت بل يتحول إلى فتى أخر وهذا هو التحول الثانى فيرفع لواء الثورة ولكن هذا الفتى ينصرف عن الجماهير أى أن الطبول الخرساء لم تعد خرساء بل الإصرار عليها ومواصلتها يؤتى ثماره وتكون الظروف مهيأة للثورة فينهض الشعب ويتخلص من الاستعمار وأعوانه والمسرحية تعرض فلسفة الاستعمار وما يحدث فى المجتمع فمن آثار عملية لتخدير الفكر الجسدى بإشاعة المخدرات.. الخ.. ويتخلص ما نادى به السيد حافظ فى هذه المسرحية هذه العبارة على لسان الفتى :
الثائر الثالث : أرغب أن أرى انساناً جديداً فى كل شبر سعيداً فهذا الكون لن يبتلعه فرد أحلم بالأمات تنجبن طفلاً يبتسم ولا يبكى حتى يهبط للعالم.
والكتابة الطليعية عند السيد حافظ تتمرد على كل الأصوات التقليدية للعالم لكتابة الغد – كما يقول برشيد – التى تقف داخل وخارج الفن المسرحى .. فهى كتابة تؤمن بالمسرح كظاهرة شعبية وابداع فنى فكرى ولكنها تكفر بقواعده البالية وهى قواعد مستهلة وقوانين جائرة ومستبدة كل ذلك أدى إلى أن يعلن د. ابراهيم عابدين فى أن حافظ ملك كل الأدوات التى تؤهله لأن يكون كاتباً عربياً عالمياً فهو يعتبر بحق رائداً للمسرح الإنسانى فى الساحة العربية وحافظ يفضح أسباب القهر والهزيمة دائماً فى مسرحه ويخز الاتباع والأشياع وخزات ضارية محتشداً بالعلم والمعرفة ومن هنا ولد حافظ كما يطلق عيه بعض النقاد كاتب المسرح الموفق ولذلك لم يكن غريباً أن تصبح ولكثير من كتاباته ذات صبغة سياسية فهو على سبيل المثال يفضح فى مسرحيته "مدينة الزعفران" أساليب الاحتكار السياسى والاقتصادى التى تمارس تجاه الشعوب من ذوى النفوس الكبيرة فهو يحذرنا من السلطة عندما تبدأ فى خداع الناس فحينما تعزل السلطة السياسة عن الشعب وتعزل الدين عن السياسة وتحتكر لنفسها السياسة فهذا معناه فى رأى حافظ بداية لعهد ديكتاتورى. عهد تسلطى.. عهد تنعدم فيه حرية الفكر وحرية الكلمة وحرية الديمقراطية.
مقبول : من اختار خادم العامة (الوالى)
الكورس : نحن.
مقبول : من يعزل خادم العامة؟
الكورس : (يهمسون)
مقبول : من يستطيع عزل خادم العامة .
الكورس : السلطان أو الوالى أو الوزير.
مقبول : لا أنتم أيه الناس اتيتكم بخوفى فأتونى بشجاعتكم اتيتكم بضعفى فأتونى بقوتكم. أيها الناس انتم تملكون زمام المواقف .. الناس تحتاج إلى وعيها.. إلى فكرها.. دائماً تترك الناس وعيها وتعتمد على وعى رجل واحد .. أليس هذا قتلاً للوعى العام . لقد تزوجت العدالة بأفكار السلطان فأنجبت المهزلة.
وهذا ما جعل د. الإمبابى مجلة الأسبوع العربى (سبق ذكر المرجع) يقول أن حافظ من الكتاب الذين يحملون مسؤولية الغد على أكتابه وفى أعناقه فهو يخوض غمار معركة الحق والحقيقة والأشياء الخالدة.
وحافظ نجده فى مسرحه يقوم بمحاولات عديدة لبناء الفكر الاجتمعى والسياسى والاقتصادى فى مجتمعنا العربى الذى ينطلق بخطوات واسعة نحو البناء الثورى المكتامل العظيم فهو يملك ذلك الوعى المبكر فنجده فى مسرحية (حكاية الفلاح عبد المطيع ) يبين لنا كيف تستطيع الحكومات من فرض سيطرتها على الموارد الاقتصادية وكيف يصبح السلام الاقتصادى سلاحاً خطيراً متمثلاً فى فرض الجوع من خلال زيادة الأٍعار ونقص فى الحاصلات الزراعية ويرمز حافظ بعبد المطيع وهو بطل مسرحيته فعلى أنه رمز لجيل عاجز  وعتيق لكنه جيل تواق إلى العدل والحرية ولا يعرف سبيل الحق اليهما ويتفق معى فى ذلك د. الامبابى فى أن مسرحية عبد المطيع هى صورة لوضعية الإنسان فى القرن العشرين والذى يعيش تحت ضغط خوف سلطوى.
عبد المطيع : لقد نهبت معاليك السلطة كل شئ والمدينة أصبحت عاطلة عن العمل فنحن نعيش فى عصر الأرانب.
حمد : اتعذب الحيوان يا عبد المطيع ؟
عبد المطيع : لماذا تحزن على الحيوان والإنسان فى كل لحظة يموت.. من المسئول عنه إذا كان الحيوان جائعاً فما رأيك بالإنسان الجائع.
حمد : يا بنى الحيوان مخلوق أخرس.
عبد المطيع : والإنسان أيضاً حيوان اخرس إذا نطق.
ومأساة عبد المطيع تكمن فى رفضه المطلق للعنف المبنى على الإرهاب.. المتصل من مسؤولية الحلم بالمستقبل نفسه.
والسيد حافظ يتمتع بصدق الحوار.. فحين نشاهد أو نقرأ أعماله نشعر بصدق الإحساس وبصدق التعبير فهو يمتاز بإبداع الخلق.. فهو يخلق عالماً له كيان مستقبل قائماً بذاته.. فالكتابة للمسرح كما يقول د. رشاد رشدى هى  عملية خلق وليست عملية تعبير.. فالتعبير عملية نقل لما هو موجود بالفعل أما الخلق فهو عملية تحويل ما هو موجود إلى كائن جديد.
لماذا تثير مسرحيات حافظ الكثير من المناقشات
والآراء فى الأوساط الأدبية عند صدورها؟
نجد الكثير من الآراء قد تعرضت لتلك الظاهرة وهى محاولات لوضع الحقيقة فى نصابها.. وسأتعرض لبعض هذه الأراء قبل أن احلل هذه الظاهرة الثقافية الخطيرة فى الحركة الثقافية العربية.
يقول د. محمد زكى رئيس مجلس إدارة مجلة أمواج المصرية أن تفسير هذه الظاهرة يرجع إلى أن مسرح حافظ يجعلنا مطالبين بأن نتقهقر ليس بالمعنى الإغريقى أو بالمعنى المسرحى ولكن بالمعنى العصرى أى تصبح لدينا الرؤية بالتفكير الصحيح الغير مسبق – (ندوة عن مسرح المقاومة عند السيد حافظ – اسكندرية – مارس 1975)
أما الدكتور شريف الحسينى فيفسر هذه الظاهرة ويقول (سبق ذكر المرجع) لأن مسرحياته تحتاج إلى أكثر من إشارة وذلك لأن ابداعاته العربية الطليعية لا تقل نضجاً عن ابداعات كل من يوجين يونسكو برماردشو – بيكيت . يقول الناقد المصرى على شلش فى مجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية (يناير 1973 ) لأن حافظ حطم بطموحه وجرأته قواعد المسرح من أرسطو إلى بريخت.
ويقول د. الإمبابى فى مجلة الأسبوع العربى البيروتية (سبق ذكر المرجع) مفسراً تلك الظاهرة لأن مسرحيات السيد حافظ من المعالم البارزة فى ادبنا الحديث ذلك لأنها تقف وحدها فى قمة الريادة فى ميدان المسرح الطليعى وأيضاً لأنه ليس كاتباً مسرحياً يحكى لنا حدثاً فى قالب درامى مسرحى بل يعتبر بانتاجه الفكرى الناضج خالقاً ومبدعاً له عالمه الخاص وفلسفته الخاصة وهو يغوص فى أعماق النفس الإنسانية محاولاً الكشف والوصول إلى أرض المثالية التى فقدناها فى القرن العشرين.
أما الدكتور عابدين فيقول فى مجلة "الثقافة العراقية – يناير 1983) أن مسرح حافظ يثير مناقشات واسعة وعنيفة لأنه يقتحم عوالم كثيرة وبمس مفهوماتنا الفنية والاجتماعية والفكرية والسياسية بصورة قوية مباشرة ومن هنا كان لابد وأن يثير مسرحه عاصفة من الآراء المؤيدة والآراء المعارضة على السواء وخصوصاً وأن جهد السيد فيه كثير من العمق والأصالة والحضارة.
ويقول عبد العال الحمامصى (فى مجلة الهلال المصرية نوفمبر 1973) أن مسرحيات حافظ تثير جدلاً لأحد لغلوائه وعدم تعقله وذلك لأننا تعودنا أن نجابه بالعداء ما لا يتوافق مع امزجتنا ومن الغباء أن نواجه تجارب السيد بالرفض المتعصب ويجب أن نعترف له بمحاولاته المتعددة لهز ركود المسرح العربى.
وإذا كان هذا تفسير بعض الأقلام ذات الإنجازات المتعددة تحاول الوقوف على الحقيقة وهى لماذا يوجه إلى السيد حافظ محاولات عديدة تتمثل فى النقد الغير بناء لهدم مسرحه إلا إننى أرى أن تفسير هذه الظاهرة يرجع ذلك لأن حافظ يختلف عن معظم كتاب المسرح العربى والتى أصبحت مسرحياتهم متضمنة أشخاصاً مجرد أنماط سلوكها مرسوم ومسبق عليها أو مجرد دمى تدعو إلى فكرة معينة وهذا انوع من المسرحيات ليس مسرحاً على الإطلاق لأنها عاجزة فى أن تحدث فينا الأثر الدرامى.. لأنها فى الحقيقة ليست أعمالاً فنية على الإطلاق.. إذ لا تعدو أن تكون مجرد نقل لما هو موجود أو مألوف وليست خلقاً لما لم يكن موجوداً أو مألوفاً قبل أن يتم هذا الخلق.
وهذا هو الفرق الحقيقى بين مسرح الخلق والإبداع عند كل من السيد حافظ وعند الكثيرين من كتاب المسرح العربى.
وما من شك فى أن هناك الكثير من الحملات المنظمة والمدبرة على نطاق واسع ضد مسرح حافظ وذلك خوفاً من الشعور بالعجز الفنى والتحجيم الكلاسيكى الذى فرضه معظم كتابنا المسرحيين على أنفسهم.. ولكن منطق الشلل والكتل والاحلاف والأسر التى تحكم حياتنا الفنية والثقافية هو المسؤول عن الجريمة النقدية التى ترتكب فى حق مسرح حافظ والتى كان من آثارها توقفه عن الكتابة الطليعية منذ 5 سنوات.
إننا مطالبون بالتحرك السريع لمواجهة هذا الحدث الذى نحاول أن نجعله شيئاً عادياً.. أطالب بمحاكمة سريعة وعلنية لكل الأحلاف والشلل الثقافية والفنية التى تحاول قتل إبداع المسرح الطليعى وفكر السيد حافظ، هذا الفكر الذى استطاع أن يشكل مرحلة خصبة فى عالم الخلق المسرح وهو دخول اللغة التجريبية فى ميدان المسرح العربى.. كيف نواجه ابتعاده عن الكتابة الطليعية.. هل بالصمت وكأن شيئاً لم يكن.
أم يبدو أن الساحة الثقافية العربية أصيبت بالعمى وفقدان الإحساس فلم تعد تشاهد أو تشعر أو تتلمس أى ضرر آت اليها أو أى منفعة تعود إليها.. لأنها افتقدت إلى لغة التميز والتبصير والتفتح منذ فترة كبيرة ولم أكن أدرى.
د. شادى بن خليل

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More