الرواية التاريخية في ... شط اسكندرية ياشط الهوى دراسة نقدية

الرواية التاريخية في ... شط اسكندرية ياشط الهوى
دراسة نقدية                                                 يوسف عبود جويعد

يعتمد النص السردي الروائي، على خبرة وتجربة الروائي ، وما يختزنه من معلومات ثقافية وفكرية وتقنية، وكذلك على الادوات والعناصر التي تدخل فن صناعة الرواية، وكل ما تمكن منها،ازدادت محاولاته الابداعية في إضافة بعض التقنيات الجديدة التي تحمل ملامح التجديد والتجريب والحداثة، في رواية(شط اسكندرية ياشط الهوى) للروائي السيد حافظ، نجد المعالجات الفنية التي إضيفت الى متن النص، مثل توظيف التاريخ وفق السياق الفني لمسار المبنى السردي،وإختيار زاوية نظر مختلفة في عملية سرد الأحداث، وهي إعتماد السيناريو وتقطيع المشاهد في التدوين لمجمل الاحداث، حتى إنها تغيرت ملامحها وإختلفت تماماً عن ماهو معتاد عليه في البناء كما هو سائد في النصوص الروائية، مثل عنونة الفصول، أو ترقيمها، أو بقاؤها متصلة الأحداث، وتعتمد على السارد باختلاف أشكاله في إدارة دفة الأحداث، الأمر الذي جعلها تقترب تلقائياً الى فن صناعة الفلم السينمائي، كما أن خروج الاداتين المكان والزمان وجعلهما من ضمن عنوان الفصول أو المشاهد خفف من ثقل إستخدامها داخل متن النص، كون المتلقي سيكتفي بمعرفة تفاصيل المكان والزمان قبل ولوجه الى المشاهد السردية وتبقى عالقة في ذهنه دون الحاجة الى تكرارها في مسيرة الاحداث، كما أن الروائي إعتمد بشكل متواز وإحياناً  يفوق ذلك فيما يخص الحوار، إضافة الى اللغة المصرية المحببة التي تخللت الحوار، وزخر هذا النص السردي بمعلومات كبيرة وكثيرة، عن الاسكندرية وتاريخها واسباب تسميتها والرموز العلمية والادبية والدينية وآثارها وأماكنها المهمة، ولأن الاحداث دارت في القرن التاسع عشر من القرن الماضي، في زمن حكم الخديوي، فقد شهدنا تفاصيل عن حكم مصر في تلك الحقبة الزمنية، لننتقل بعدها الى سياق الاحداث والطريقة التي قدم فيها الروائي تلك الاحداث في هذا النص، حيث إستفاد من الموروث الشعبي العربي حكايات الف ليلة ليلة، لتكون من تروي الاحداث التي حدثت لثلاثة بنات هي شهرزاد أيضاً، والبنات هن سارة اليهودية، وسيرين المسيحية، وسلمى المسلمة، ولكل واحدة منهن حكاية في دورة الاحداث، وهن صديقات تجمعهن المحبة والالفة، وكلهن يعشن في الاسكندرية مدار الاحداث:
( سلمى.. هي انثى.. بل قل همسة.. أو نسمة أوغزالة سمراء مثل النيل خطفت كل جمال النساء من النوبة لأن امها صفية وهي نوبية الأصل وأبوها من أصل يمني.. سلمى مسك وعنبر وحين تنظر لعينيها الخضراتين وسمارها الفاتن تترجل من فوق صهوة حصانك أو تسكر..) ص 9
( سيرين زهرة الإسكندرية، سيرين زهرة الأقباط، وردة من وردات النيل، بل خلقها الله لحظة تجلي فكانت تفتن كل من رآها من الرجال قالوا لو رآها المسيح عليه السلام لتزوجها فتاة لا تليق إلا بالأنبياء والملوك والأمراء وبهرت بجملها كل تجار الاسكندرية المسلمين قبل اليهود واليهود قبل المسيحيين..) ص 28
( سارة عمرها 16 تحب حي بحري في كل صباح تقترب من البحر لتعطيه ضحكتها يغازلها الهواء وترسل للأمواج ابتسامة. وترسل للهواء شعرها ليلعب به دون استحياء.. هي ابنة البحر والهواء قال لها أبوها آيتين... إننا من يهود شبه
الجزيرة العربية من مدينة يثرب وكان هناك في يثرب قبائل بني قينقاع: وقريظة وبني النظير وأسرتنا من بني النضير) ص 35
وهكذا ولأن الاحداث كبيرة ومتداخلة ،فأن الروائي إختار إسلوب نقل الاحداث بطريقة السيناريو والحوار، من أجل إحتواء هذا الكم الكبير من الاحداث ونقل ادق التفاصيل التي تخص كل عائلة وطرق الحياة والاكلات والطقوس الدينية لكل طائفة وحتى التفاصيل الصغيرة لكل دين من الاديان السماوية:
( المكان / بيت سهر
الزمان/ نهاراً
غرفة النوم.. تستلقي سهر على السرير ترتدي روباً أبيض من الحرير الطفل ينام بجوارها هادئاً.. وأمامهما صينية عليها مشروبي المتى والقهوة وزجاجة ماء والخادمة الفلبينية التي أتت بها سهر من مكتب الخدم بعد أن أقنعت منقذ بضرورة وجود خادمة.. الطفل الصغير ينام.. في ملابس أنيقة ومازالت تتوالى الهداية على الصغير..)
قالت سهر احك لي ماذا فعلت سلمى وسارة وسيرين. ضحكت شهرزاد وقالت:
- وبيرتون أنسيتي ريشارد بيرتون
- نعم ماذا فعل في الإسكندرية؟
- كان يا مكان ريتشارد بيرتون هذا الغريب العجيب) ص 70
كما تجدر الإشارة هنا الى أن الروائي إختار حكاية البنات الثلاثة من اديان مختلفة ليقدم للقارئ رؤياه الفنية بشأن العلاقة الانسانية السائدة في ذلك الزمن، والكل يعيش بالفة وأمان دون ان تكون هنالك نعرات طائفية تعيق تلك العلاقة.
ويمر الروائي على تفاصيل تخص بعض الرموز الدينية التي برزت في مدينة الاسكندرية ومنهم الرجل الجليل المرسي ابو العباس، وكذلك يقدم لنا بعض حكايات الامثلة، وأهمها حكاية مثل ( مقصوفة الرقبة)، وتدور الاحداث التي بدأت بشخصية بيرتون الذي قدم من لندن وهو يعرف لغات عديدة، ويجيد التحدث باللغة المصرية، وكذلك يجيد تداوي كل الامراض، وبدأ بحمدان الذي تسمم بسبب الاكثار من اكل السمك، وغيره الكثيرة، وتحول الى شيخ مبروك وتبدل أسمه لدى الشيخ سلامه من بيرتون الى الشيخ ميرزا، وتدور تفاصيل كثيرة تخص هذه الشخصية، وننتقل الى البنات الثلاث، واللاواتي كل ماظهر حكاية لهن، تبعتها تفاصيل واحداث تخص الحياة في مدينة الاسكندرية، لنكون مع سلمى، وبعد دورة احداث نعيش تفاصيل زواجها:
( يوم جديد
كان ياما كان
الزمان / صباحاً
المكان / بيت سحر
قالت شهرزاد وهي تشرب القهوة
- دعينا من هؤلاء واحك لي عن سلمى وسارة وسيرين وبيرتون
- كان يا ما كان في سالف العصر والآوان. ثلاث بنات من أجمل بنات الإسكندرية سلمى وسيرين وسارة.. سلمى التي . تأجل زفافها أربعين يوماً. بسبب فترة الحداد على جدتها رتيبة والدة امها.أما العريس كريم بن مبروك الزفر ابن عمها الذي جاء من رشيد خصيصاً للزواج منها..فظل في بيت عمه نافع أبي سلمى.. وخلال بقائهما في بيت العم لاحظ أن أباه يصرف ببذخ حتى يمسح سيئاته مع أخويه ويتمم الزفاف..) ص 11
وتدور تفاصيل زواج سلمى من كريم بن مبرك الزفر، وتنتقل الى مدينة الرشيد المجاورة لمدينة الاسكندرية، وهناك تكتشف أنه مصاب بضعف جنسي كبير، وأنه لايستطيع فض بكارتها، وتعيش معه على مضض، ويعجب بها خليل الجواهرجي، ويضربها زوجها كريم ضرباَ مبرحاً بسبب تبادل نظرات الاعجاب بينهما،فتهرب من بيت زوجها، وتلتقي بخليل الجواهرجي الذي يوصلها لبيت اهلها وتطلب الطلاق وتطلق، ليشتري خليل الجواهرجي محل لبيع الذهب والجواهر في الاسكندرية ويشتري لها فيلا في احد احياء الاسكندرية ليتزوجها، ولا تخلو تلك الاحداث من مفاجآت جمة، اترك إكتشافها للمتلقي ، وتتزوج سارة الرجل الطبيب اليهودي أرتس، وتنتقل الى العيش في (زيزينيا)، وبعد تفاصيل شيقة وممتعة وكبيرة تتزوج سيرين وتسكن ذات المنطقة اللاتي سكناها سلمى وسارة:
( وانجبت البنات الثلاث صبيان وبنات وخليناهم وجينا).
وهكذا يقدم لنا الروائي السيد حافظ روايته التاريخية ( شط اسكندرية ياشط الهوى) وقد حفلت بكم كبير من المعلومات التاريخية المهمة التي تخص مدينة الاسكندرية بادق تفاصيلها موظفة ضمن مسيرة الاحداث وهي جزء لا يتجزء منها، وتجدر الإشارة هنا أن السيد حافظ واحد من الادباء المصريين المهمين حيث بلغ منجزه الابداعي أكثر من مائة كتاب في الرواية والقصة والمسرح والنقد الادبي، كما أن هذا النص تضمن مقالة مهمة لابنته (غيداء السيد حافظ) تحت عنوان في محراب أبي، وهي من أجمل ما قرأت من أبنة وهي تتحدث عن مسيرة ابيها الحياتية والادبية.

الرواية من اصدارات مركز- رؤيا للنشر والتوزيع الشارقة مويلح لعام 2018ع
نشرت هذه الدراسة في جريدة اخبار الخليج البحرانية ليوم 28-3-2020

تصنيف : مقالات و دراسات عن الكاتب