مقدمة:
لا مراء أن الاستناد على نصوص سابقة من التاريخ والتراث وغيرهما، من السمات البارزة التي ميزت الأعمال الأدبية عامة والمسرحية خاصة، فهي سعت إلى تأصيل المسرح، ولإثبات الوجود.
فالتداخل النصصي أو التناص فيما هو متداول، هو كل ما يندرج تحت ظل ترحال النصوص ومزجها في فضاء نص معين من هنا كان استنباط التاريخ والتراث في الأعمال المسرحية ووضعها في طابع جديد، ولهذه العودة مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، التي ساعدت كلها في صناعة الوعي القومي لدى الكتاب، فوجدوا في التاريخ والتراث خير معبر عما يختلج في صدورهم من مشاعر تجاه أمتهم، والمعبر الوحيد عن آلامهم وآمالهم، وأيقنوا أن هذا التوظيف يحقق لهم التواصل والتراث في مسرحهم يقربهم من وجدان الجمهور لما يحمله هذان الأخيران من مكانة في ذاكرة الشعوب والأمم
ولعل الكاتب المسرحي المصري "السيد" "حافظ" من أهم الأسماء اللامعة التي حلقت عاليا في هذا الجانب من خلال جهودهم الإبداعية المعتبرة التي أثرت في الساحة المسرحية العربية، وذلك من خلال محاولته تأسيس تجربته، التي تعكس مواقفه وتصوراته التي نتجت عن ظروف الحياة المحيطة به وبالعالم العربي أجمع ، فقد انطلق "السيد حافظ" يبحث عن مغامرة جديدة في مجال المسرح سعيا منه إلى التحرر من القوالب التقليدية الجاهزة ففجر لنا ما هو غائب ومسكوت عنه من تاريخنا وتراثنا العربي الإسلامي
ومن بين هذه الأعمال المسرحية، نخص بالذكر مسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع"
التي تغص بمشكلات الإنسان المعاصر والضغوط الاجتماعية والسياسية والإقتصادية الملقاة عليه، فاعتمد فيها على واقعه، ولكن كان مغامرا جريئا بأن بذل طاقته باحثا عن وسائل جديدة بعيدة عن القوالب الجاهزة المتخمة بالتكرار. ومن بين ما يمكن أن تعكسه هذه المسرحية بل جل إنتاجه المسرحي الذي يقع تحت مظلة المسرح التجريبي قدرته على الجمع بين مكونات السياق الاجتماعي، التاريخ والتراث، والدين، والأخلاق، والحضارة في سياق سياسي واقتصادي.
ومن هنا كان منبع التصور العام الذي تمحورت حوله الدراسة، والهاجس الأساسي الذي دفعنا إلى اختيار موضوع التداخلات النصوصية في المسرح كموضوع محوري، والسيد حافظ كرائد في ميدان المسرح التجريبي في الساحة العربية، وذلك من خلال هذا الموسوم بـ: "التداخلات النصوصية في مسرحية حكاية الفلاح عبد المطيع للسيد حافظ"، حيث كان الاختيار مؤسسا على جملة من الأسباب الذاتية والموضوعية؛ فالذاتية تتمثل في: شغفنا وحبنا للمسرح، وأيضا لفتح المجال للزملاء فيما بعد ؛ فدراسة المسرح قليلة والتطرق إليها يعد بالصعب، فأردنا أن نخوض غمار التجربة فيه، أما الموضوعية : فتتعلق بمحاولة تتبع وفهم المحاولات الجديدة في المسرح العربي بعدما بقي لفترة طويلة حبيس القوالب التقليدية ، ومنه
الإلمام قدر الإمكان بالبناءات الدرامية المعاصرة وحتى آليات دراسة النصوص المسرحية.
وتكمن أهمية هذا البحث وأهدافه في إثراء المعلومات حول مسرح "السيد حافظ" والتعريف بالتجريب الذي حضر فيها والتداخلات المستعملة إلى جانب توضيح مدى أهمية المسرح في إنتاج الوعي القومي للشعوب، ومدى تأثير المقومات القديمة في حياة الكاتب وكيفية تجسيدها في صورة حية ومؤثرة مستعينا في نصه ببعض من النصوص الغائبة.
وموضوع البحث ليس بالجديد المطلق، فهناك دراسات سابقة قد سبق إليها بعض الباحثين، لكن تختلف في الطرح والتحليل، ومن أهم هذه الدراسات:
ليلی بن عائشة عن التجريب في مسرح السيد حافظ.
الهواري بنيونس إشكالية التجريب في مسرح السيد حافظ.
مصطفى رمضاني الذي جمع مجموعة من الدراسات المتعلقة بالسيد حافظ في كتاب عنونه بـ: السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد المغرب العربي.
وانطلاقا من المساعي السابقة، سنحاول في بحثنا هذا الإجابة عن إشكاليات تتمثل في:
كيف بدت ملامح تحيين التاريخ؟.
فيما تجلت ملامح التراث في المسرحية؟.
ما مدى انسجام ذلك واتساقه داخل المسرحية؟.
كيف أظهر السيد حافظ شخصيته ومجتمعه من خلال هذه المسرحية؟.
وهل كان لهذا تجليات ولمسات أجد؟.
وللإجابة على هذه الإشكاليات اعتمدنا على العلامة الآلية منهجية يتم من خلالها الفحص البنيوي لمسرحية الفلاح" عبد المطيع، من خلال تحديد عناصرها البنائية وسماتها الخاصة، خاصة وأن الأمر يتعلق باستخراج النصوص الغائبة المعتمدة من طرف "السيد حافظ" حيث جمع بين الهدم والبناء والتراث والمستقبل والفكر والفن...، ضمن مسرحه التجريبي.
وقد حددنا خطة البحث في: مقدمة ، ومدخل ، وفصلين ، وخاتمة، وملحق. خصصنا المدخل للمفاهيم والمعلومات من خلال التعريف بمفهوم التداخل النصي، ثم ملخص لمسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع، قمنا بالحديث عن العرض المسرحي الأول، فدراسة عتباتها.
أما الفصل الأول الموسوم بـ: تجليات التاريخ في المسرحية من خلال تحيين التاريخ والاستشهاد ببعض الشخصيات التاريخية المؤثرة مع ذكر المعالم والثروات، أما الفصل الثاني، والذي اخترنا له عنوان تجليات التراث في مسرحية حكاية الفلاح عبد المطيع، ناقشنا فيه كل ما يتعلق بالتراث الشعبي من شخصيات ومعالم وقصص شعبية.
وضمنت الخاتمة جملة من النتائج التي توصلنا إليها.
ولتحقيق الفائدة أكثر دعمنا هذا البحث بملحق خصصناه للسيرة الذاتية للسيد حافظ، بالإضافة إلى أعماله، ومؤلفاته، وانجازاته.
ومن بين أهم المراجع التي اعتمدنا عليها في بحثنا:
كتاب السيد حافظ في عيون نقاد المغرب لنجاة الشجعمي.
كتاب توظيف التراث في المسرح، دراسة تطبيقية في مسر سعد الله ونوس لحسين علي المعلق.
كتاب حضارة مصر والعراق، التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، لبرهان الدين دلو.
ولعل من أهم الصعوبات التي واجهتنا في إنجاز هذا البحث قلة المراجع المتعلقة بالإشكالية المطروحة في هذا البحث، وفي الوقت نفسه كثرة بعض المعلومات وبشكل مغرق، مما يؤدي إلى صعوبة الاختيار والتصنيف والترتيب، ولاننسى الظروف الراهنة التي نعيشها و العالم أجمع (كوفيد19) وتأثيره علينا.
وفي الأخير نرفع أدينا إلى الله عز وجل الذي وفقنا وسدد خطانا في إنجاز هذا العمل المتواضع، ونتقدم بعبارات الشكر والامتنان والاحترام لأستاذتنا المشرفة: "الدكتورة غجاتي "أسماء" التي تابعتنا طيلة هذه الفترة بالنصح والتوجيه وكانت لنا نعم السند.
ولا ننسى في هذا المقام أن نشكر كل من ساعدنا بالتوجيه والإرشاد والنصح لإنجاز هذا البحث، سلمت أيديكم التي مدت
لنا العون.