Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات و دراسات عن الكاتب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات و دراسات عن الكاتب. إظهار كافة الرسائل

السبت، 20 أبريل 2024

لمحات من كتاب غيداء – ابنة السيد حافظ بقلم: الكاتب الروائي مصطفى نصر

 لمحات من كتاب غيداء – ابنة السيد حافظ

بقلم: الكاتب الروائي 

مصطفى نصر



      لقد اقتربت من أسرة السيد حافظ في وقت من الأوقات، كان مازال السيد حافظ يعمل في الكويت. وجاء للإسكندرية في إجازة. وقتها كنت أتقابل كثيرا مع صديقي محمود قاسم – الذي يأتي إلى بيتي كل يوم،  فنخرج  معا.

ذهب محمود قاسم معي لبيت السيد حافظ - في آخر شارع محسن من ناحية المحمودية – في منطقة محرم بك التي كانت أهم منطقة في الإسكندرية قبل قيام ثورة يوليو 52، فقبل بناء كورنيش البحر، كان كل كبار البلد لديهم بيوت وقصور على ترعة المحمودية – في منطقة محرم بك.

قرأ السيد حافظ رواياتي الأولى: الجهيني وجبل ناعسة والهماميل. فتحمس لي، وأنا مدين له بذلك، فهو أول من كتب عن رواياتي في الجرائد والمجلات التي تصدر في البلاد العربية، وأول من نبه النقاد ولأدباء الكبار لوجودي.

تعلمت من السيد حافظ أن أوسع دائرة اهتماماتي، أتابع المسرح وفنونه وأراقب المسلسلات التلفزيونية. فقد تحمس لروايتي جبل ناعسة ورغب في أن يحولها لمسلسل تلفزيوني.وبدأ بالفعل في كتابة حلقات منها، تابعناه أنا ومحمود قاسم بإعجاب شديد، كان يكتب وهو جالس على الأرض. ولابد من إشعال أعواد بخور  ليصنع جو سحري.

وقتها تابعت أسرة السيد حافظ باهتمام، والدته المهتمة بشئون أولادها كلهم، الدكتور رمضان المرتبط بالمسجد القريب من البيت، فهو الذي يخطب في صلاة ظهر الجمعة. فتقلق الأم لانشغالنا بأعمالنا الأدبية وقد اقترب  موعد الصلاة، فتلح علينا أن       نسرع للمسجد. 

وأنا أعرف عادل – أصغرأخوة السيد - فقد تأثر بأخيه السيد الذي يكتب للمسرح، وقد أخرج مسرحيات عديدة. فأصبح عادل نجما في المسرح- خاصة في المسرحيات الي يقدمها قصر ثقافة        الحرية وقتها.   

قابلت عادل حافظ  كثيرا في قصر ثقافة الحرية، وشاهدته على المسرح، وزارني كثيرا في بيتي، فقد اتصل السيد حافظ به من الكويت  وكلفه بمهام أدبية، ذهبت معه لبيت عبد الله هاشم الذي يعد كتابا عن مسرح السيد حافظ الطليعي. 

وتابعت أحمد – الأخ التالي للسيد حافظ حاصل على بكالوريوس تجارة ويعمل مراجع في شركة زيوت.

كنت أكتب الحلقات التي يكتبها السيد حافظ على الآلة الكاتبة، وبينما السيد حافظ يحدثني عن كتابة حلقات المسلسل أجد خطيبته تتدخل وتقترح اقتراحات تفيد العمل. 

       عندما قابلنا أنا ومحمود قاسم - مخرجة السينما أسما البكري في بيتها المقابل لمحافظة الإسكندرية، حدثها محمود عما يفعله السيد حافظ بإعجاب شديد، فقد كانت أسما  تستعد وقتها لصنع فيلم شحاذون ومعتزون. وكان يكتبه لها السيناريو صديقها الدكتور حسام زكريا.

00

      مات الحاج حافظ – والد السيد حافظ - وعنده ابن من زوجة طلقها هو محمد حافظ رجب: وأربعة من زوجته الثانية،       أكبرهم السيد.

عندما مات والده – الحاج حافظ -  كان السيد في الحادية عشر من عمره، يعني هو أكبر أبناء الأسرة، فمحمد حافظ رجب بعيد عنهم. كانت أم الأولاد الأربعة مازالت شابة، وأحمد سبع سنين، ورمضان خمس سنين وعادل سنتين. 

حافظت الأم على أولادها، وأحس السيد حافظ بإنه المسئول عن هذه الأسرة. أحس السيد بالمسئولية وهو صغير. فأخوته كلهم في مدارس. ولابد أن يظلوا في المدارس وينجحوا.

هذه التجربة القاسية تركت بصماتها على السيد حافظ طوال حياته. فهو للآن مازال طفل صغير يبكي بكاءً مرا، إذا تحدث عن أبيه أو عن جمال عبد الناصر – الذي يحبه – ويبكي إذا تحدث عن زوجته الأولى التي ماتت – أم أولاده – وهذه خصال الأنقياء.

قراءات السيد حافظ المتعددة جعلته يفكر تقكيرا علميا في كل حياته،  فهو مقتنع بأنه لو أحس برغبة في البكاء، فلا يتردد في أن يبكي، وإذا أراد أن يغني، فيغني بصوت مرتفع.

عندما قابلناه أنا وصديقي محمود قاسم في بيته في آخر شارع محسن  لم يكن قد تزوج.وعلمت بعد ذلك إنه تزوج وأنجب.وعاد ثانية للعمل بالكويت ولدول عربية أخرى..

00

 تحدثت في ندوة بمركز الإبداع عن خصائص عائلة الحاج حاظ رجب، فقد شعرت بأن حالة التمرد التي اشتهر بها محمد حافظ رجب في حياته وفي كتاباته أيضا لا يختص بها وحده وإنما هذه صفة مشتركة في كل أفراد العائلة. وأن حالة التمرد هذه بدأت منذ نشأة والدهم الحاج حافظ رجب. قلت إنه بدأ بائع جرائد في محطة الرمل – هذا ما قرأته عنه – فيتمرد على حالته، ويصل إلى صاحب العديد من المحلات بشارع شكور القريب من ميدان محطة الرمل  حيث بدأ. بل يحاول الحاج حافظ رجب لأن يشتري محل بنيامين – أشهر محل فول وفلافل في الإسكندرية ( مكانه الآن محل فول وفلافل محمد أحمد )

حالة التمرد التي مازلت أذكرها في هذه العائلة هي التي دفعت الأخ الثالث للحاج حافظ رجب – بعد محمد حافظ رجب والسيد حافظ الأستاذ أحمد – لأن يقاطعني وهو جالس في صفوف المتابعين. وكان ينبغي أن ينتظر حتى أكمل رؤيتي، ثم يناقشني فيها. فقد اساءه أن أقول أن والده بدأ بائع جرائد وقال بصوت مرتفع: 

- شارع شكور كان كله ملكا لنا. 

قلت: إني لم أقصد الإساءة بل قصدت أن أمدح العائلة – كما أن مدبولي بدأ بائع جرائد وأصبح أهم ناشر في الوطن العربي، كان ينافس هيئة الكتاب التي تمتلكها الدولة. 

حالة التمرد التي اشتهرت بها أسرة الحاج حافظ رجب كلها، جعلت محمد حافظرجب يعترض على قبولنا لشكل القصة القصيرة الذي فرضه علينا الكاتب الإيطالي بيكاتشيو فقدم شكل مختلف. والسيد حافظ ورث أيضا عن والده هذا التمرد، فلم يقبل الشكل المفروض علينا من الغرب في المسرح، فأتى بشكل فني لم يسبقه إليه أحد وهذا ما جعل عبد الله هاشم يكتب كتابة عن المسرح الطليعي عند السيد حافظ. ما فعله السيد حافظ في المسرح فعله محمد حافظ رجب من قبل في القصة القصيرة. 

ما فعله السيد حافظ في المسرح من تطور مرتبط ارتباطا وثيقا بالتطور الذي جاء به محمود دياب في مسرحيته ليالي الحصاد، لكن -  للأسف الشديد – المجتمع المصري لم يساند محمود دياب ولم يسمح له لأن يكمل طريقه في التجديد، فصعب على المجتمع المصري أن يتقبل موهبة متمردة في المسرح مثل موهبة محمود دياب فعاداه حتى أبعده عن خطته ومشروعه المتطور الحالم. ليأتي السيد حافظ – وهو بعيد عن دائرة الظلم الشديدة في القاهرة – يبتعد أحيانا في دولة الكويت أو الأمارات بعيدا عن مطاردة من هاجموا محمود دياب أو يعيش بعيدا في مدينته الإسكندرية.

ولم تقتصر حالة التمرد هذه على المسرح عند السيد حافظ لكن طالت فن القصة القصيرة والرواية.فلي صديق – ناقد – شديد الإعحاب بكاتب سكندري لأنه يكتب في رواياته اسماء حقيقية يتعامل  معها في عالمه الأدبي.اعتبر هذا الناقد أن هذه طريقة جديدة قدمها هذا الروائي. فقلت له إن السيد حافظ قدم هذه الطريقة في الكثير من أعماله.

وروايات السيد حافظ الأخيرة فيها تمرد عجيب، فيها شطط  فني مطلوب في فن الرواية، وباقي الفنون.  

00

     كتبت غيداء السيد حافظ كتابها عن أبيها بحب شديد، خاصة بعد موت أمها – ودور أبيها بالإهتمام بها وبأخواتها. 

ما شدني أكثر لهذا الكتاب،  التلقائية العجيبة المكتوب بها، فلغة غيداء لغة فنية يمكنها أن تقدم بها قصصا وروايات. .

      تعرف غيداء اهتمامات والدها السيد حافظ – خاصة بالمسرح. فقدمت فصول من هذا الكتاب بالتكنيك المسرحي.  قدمت الأحداث بطريقة المشاهد المسرحية. فنرى في المشهد حجرة أبيها وتصرفاته. ثم تتحدث عن مسرحيات أبيها المستمدة من التاريخ.



الأربعاء، 3 أبريل 2024

السيد حافظ.. موسوعة ثقافية مبدعة


  السيد حافظ.. موسوعة ثقافية مبدعة 
بقلم
 سعيد ياسين






نشر هذا المقال بمجلة "الشارقة الثقافية"
العدد   90 بتاريخ ابريل 2024
لقراءة المقال من الموقع الأصلي

 احتفل الكاتب والروائي والمؤلف السيد حافظ، بعيد ميلاده الماسي (75 عاماً). وفي زيارتي له هنأته، ودعوت له بأن يبقى بيننا حتى نحتفل بمئة وخمسين عاماً على مولده، فقال إنه يتمنى أن يعيش حتى يكمل (82) عاماً فقط، لأن لديه عدداً من الكتب والروايات والقصص الأدبية، تحتاج إلى سبع سنوات للانتهاء منها، فداعبته مؤكداً أنه سيعيش مئات السنين بأعماله وإبداعاته وأثره الطيب.
  

 السيد حافظ.. إنسان راقٍ وصادق وممتلئ، ومتواضع تواضع العظماء، ومبدع استثنائي وقدير، ولو كنا ندرك قيمة وقامة المبدعين الحقيقيين، لوضعته في أعلى وأرفع مكانة ثقافية وأدبية يستحقها، وظلت تفتخر به طويلاً مثلما يفتخر ويعتز به كل المبدعين في كل الدول العربية. وهو موسوعة ثقافية تسير على قدمين، ومدرسة إبداعية ينهل منها القاصي والداني في كل الأقطار العربية.. المثقفون الحقيقيون في مصر يعرفون قدره حق المعرفة، ومن نهر إبداعه الذي ظهر منه فقط (120) كتاباً، و(200) مسرحية، و(29) رواية، وثلاث مجموعات قصصية، و(150) ساعة دراما تلفزيونية، و(15) ساعة عمل إذاعي، وقدمت أعماله في الكويت والعراق وتونس والجزائر وقطر والإمارات، كما قدمت أكثر من (70) رسالة ماجستير ودكتوراه عن أعماله.

تعرفت إليه عام (2001م)، حين كان يصور له مسلسل (عصفور تحت المطر)، الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار وأخرجه محمود بكري، وقام ببطولته أحمد عبدالعزيز، وتيسير فهمي، وأحمد ماهر، وسيد عبدالكريم، وتهاني راشد، وغسان مطر، وعزة بهاء، وآخرون.. وبرغم أن قصة المسلسل بدت وكأنها اجتماعية وإنسانية، فقد كانت بمثابة وثيقة تاريخية مهمة، حيث تناولت أحداثها رحلة شاب يحضر إلى القاهرة طلباً للعلم، ويلتحق بكلية الآداب، ويسكن فوق سطح منزل في حي السيدة زينب، ثم يرتبط بقصة حب مع فتاة جارته، هي ابنة الباشكاتب، الذي يعمل لدى أحد الباشوات، وبرغم أن ابن الباشا يحب الفتاة، فإنها تفضل عليه الشاب البسيط والفقير، الذي يقبض عليه لاحقاً. وقد قدم السيد حافظ قبل هذا العمل، مجموعة من المسلسلات والتمثيليات الناجحة، ومنها: (العطاء، والحصاد المر، وصغيرات على الحياة، وصدى الأيام، ومنين أجيب ناس، وأنا وبناتي في الزحام، وهمام وبنت السلطان).
أجريت معه وقتها حواراً مطولاً، نشر في صحيفة (الحياة) اللندنية، وكنت أرتبط في هذه الفترة بعلاقة طيبة بأغلبية مؤلفي الدراما والسينما في مصر، لإيماني بأن المؤلف يأتي في المرتبة الأولى دائماً، ويجب أن يكون هكذا، برغم كل المتغيرات والأسباب، التي طالت العملية الإنتاجية الفنية فيما بعد، وجعلت بسبب الإعلانات والتسويق، النجم يأتي أولاً وأخيراً.
بقيت على تواصل معه، وذهبت إليه أكثر من مرة في مكتبه في المطبعة، في شارع فيصل في محافظة الجيزة، ثم فوجئت عام (2005م) بأنه خارج مصر، يتولى إدارة تحرير مجلة (الشاشة) في دبي، وعرفت من أحد الأصدقاء المشتركين أنه بخير، ويستكتب في المجلة أغلبية  فناني ومبدعي مصر والوطن العربي، من أمثال المؤلفين والمخرجين: محفوظ عبدالرحمن، وأسامة أنور عكاشة، وحاتم علي، ونجدت أنزور، وعادل الأعصر، ومصطفى محرم، ومجدي صابر.. والشعراء والأدباء: عبدالرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، وإبراهيم عبدالمجيد، وأحمد فؤاد نجم.. ومن الفنانين: نور الشريف، ومحمود ياسين، وأحمد السقا، وهاني رمزي، ووفاء سالم.. ثم عاد بعد ذلك للاستقرار في مصر، واعتقدت أنه أقام في مسقط رأسه في الإسكندرية.

قبل عامين اتصلت به للحصول على رأيه في تحقيق صحافي، وفوجئت أنه يقيم في القاهرة، والتقيته على الفور، وفوجئت بأنه يعاني بعض المشاكل الصحية، وفي مقدمتها هشاشة العظام، وأنه يحتاج إلى عملية جراحية لتركيب مفصل في ركبته اليسرى، وخضت معه رحلة طويلة بين الأطباء، ومراكز الأشعة ومعامل التحاليل، ومراكز التأهيل الطبي والعلاج الطبيعي.
لمست عن قرب مدى حبه وعشقه وامتنانه لكل من التقينا بهم من البشر، مقابل احترام وتقدير كبير يناله من جيرانه والمحيطين به، ومن أطبائه والقائمين على علاجه، وأيضاً من زملائه وتلاميذه من المبدعين العرب، الذين كانوا يخصصون ويستقطعون وقتاً من زياراتهم للقاهرة، للذهاب إليه في منزله والاطمئنان إليه، برغم الألم الشديد الذي كان يشعر به، وتواضع مفرط يعيشه بصدق وتلقائية مع حارس عقاره، وحلاقه الخاص، وعمال المقهى والأسانسيرات، وسائقي سيارات الأجرة، وكل من يقابلهم من البسطاء. 

وفي موازاة ذلك، اكتشفت من خلال قراءاتي لما تيسر لي من أعماله، أنه قاد ثورة إبداعية في الرواية والقصة، وفي المسرح، وطرح مفهوماً جمالياً مغايراً للوجود والإنسان، وأن أسلوبه السردي يتميز بشاعرية اللغة، وسحر التفاصيل، ودفع الصياغات، وأن عالمه القصصي شديد الوهج والإيقاع، واستمتعت مجدداً بقراءة رواياته: (ليالي دبي، وقهوة سادة، ونسيت أحلامي في باريس، وكابتشينو، وكل من عليها خان، وحتى يطمئن قلبي، وكل هذا الحب، والحاكم بأمر الله وشمس) واكتشفت أنه رائد المسرح التجريبي في مصر والوطن العربي، حيث كتب العشرات من المسرحيات القصيرة جداً جداً، والقصيرة جداً، والقصيرة، منذ عام (1968م)، حتى عام (2016م)، أي على امتداد (48) عاماً، وجاءت مكتملة الأبعاد واضحة المعالم والشخصيات، وعبرت عن ملامح تجريبية مدهشة، تبعث وجوداً ملوناً بالسحر والخيال، وتقاطعات الواقع والأحلام، وأهداها لكل التجريبيين في الوطن العربي، الذين يعيشون واقعاً صعباً. 
وفي تعليقه على عيد ميلاده الخامس والسبعين وأمنياته، قال لـ(الشارقة الثقافية): إن المشاركين العرب في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في دورته التي أقيمت أخيراً، حضروا للاحتفاء به في منزله، وأنه كان يتمنى أن تنتبه إدارة المهرجان إلى تجربته الرائدة في المسرح التجريبي، ولو من خلال ندوة يقدم فيها تجربته للأجيال الشابة، كما كان يتمنى أن تحتفي بعيد ميلاده الماسي المجلات الثقافية، أو الصفحات الثقافية في الصحف والمواقع القومية والخاصة، وتخصص ملفاً كاملاً عن أعماله الروائية أو المسرحية، أو مجموعاته القصصية الثلاث، والتي كتب عنها باستفاضة أكثر من (35) ناقداً، من مختلف أنحاء الوطن العربي، من المغرب والجزائر وتونس وفلسطين وسوريا والعراق، وأضاف: (للأسف كل هؤلاء تجاهلوني كأن شيئاً لم يحدث، وأنا أتوقع أن يكتبوا عني بعد موتي صفحات، كما فعلوا من قبل مع عشرات المبدعين بعد رحيلهم، ومنهم حافظ إبراهيم، ومحمود دياب، ونجيب سرور، وآخرون).

العم الجميل النبيل السيد حافظ.. أنت إنسان ثري بكل محاسن البشر، ومتدفق بأحلى وأغلى المعاني والأفكار في موسوعة الإبداع العربي، وتحتاج إلى مجلدات وكلمات كثيرة وكبيرة ومثيرة فى معناها، غزيرة فى مغزاها، لتفيك حقك، امضِ في طريق إبداعك وعطائك قدماً، وواصل رحلتك.. أنت صاحب أفضال كثيرة، وأيادٍ بيضاء لا تعد ولا تحصى، على كثير من أبناء المهنة، من مؤلفين ومخرجين وممثلين وصحافيين وكتاب، ومنهم أسماء كثيرة شهيرة الآن. 

السبت، 21 أكتوبر 2023

السيد حافظ مسرحى يلمع فى مصر


 السيد حافظ مسرحى يلمع فى مصر

بقلم : شفيق العمروسى - الاسكندرية



 شفيق العمروسى صديقى من40 سنة كان من الممكن ان يكون من اهم نقاد مصر وهذه دراسة عن مسرحيتى مدينة الزعفران


 السيد حافظ مسرحى يلمع فى مصر

بقلم : شفيق العمروسى - الاسكندرية

مجلة : العصر والثقافة – صفحة مسرح


كل مدينة هى " مدينة الزعفران " 

هنا الفكر كفر... وكل مواطن خائن !

السيد حافظ نجمه طالع فى مصر المسرحية، ماذا يقول السيد حافظ فى مسرحياته ؟

"أرغب أن أرى إنساناً جديداً فى كل شبر، سعيداً فى هذا الكون لن يبتلعه فرد، أحلم بالأمهات تنجبن طفلاً يبتسم ولا يبكى حين يهبط للعالم"

السيد حافظ (من مسرحية "الطبول الزرقاء")

الاسكندرية

من شفيق العمروسى

ما زال السيد حافظ يصر – رغم انتاجه الكثيف – على أن يجعل من كتاباته سلسلة من التجارب المستمرة بغية الوصول إلى "الكلمة الرغيف، الكلمة ، الكلمة التطهير ، الكلمة الشمول" كما صرح يوماً فى حديث صحافى.

ومسرحياته هى من تلك التى تثير فى ذلك قارئها التساؤلات أكثر مما تعطيه من اجابات.

ينتمى السيد حافظ إلى ذلك الجيل الذى عاش فترة من أكثر فترات تاريخنا الحديث تغيراً وتذبذباً، تلك الفترة التى بدأت بسقوط الملكية وقيام الجمهورية فى مصر عام 1952 ، والتى ما زالت ممتدة إلى يومناً.

ولم تكن تلك الفترة منفصلة عن عالم يمتد حولنا شرقاً وغرباً شهد – وما زال يعانى – من تغيرات ومتغيرات سريعة على المستويات كافة، مادية كانت أم معنوية.

تلك السمة الأساسية لعصرنا، ونعنى بها التحول والتغير السريع والمستمر والذى بدت تتحكم فيه تكنولوجيا متقدمة – سواء على المستوى المحلى أو المستوى العالمى – أدت إلى بروز عديد من المشكلات والأزمات، ابتداء من مشكلات الإدارة وأسلوب الحكم شرقاً أو غرباً ، إلى مشكلات العلاقات الأسرية.

وإذا كان هذا يشكل جانباً من معاناة كاتبنا، فلا شك أن مما يزيد من معاناته أنه ينتمى إلى تلك المنطقة من العالم التى سرعان ما اشتعلت فيها حروب وصراعات دموية لمجرد أن بدت بوادر استغلالها بعد عصور من الاستعمار والاستغلال.

وإنسان السيد حافظ خير بطبيعته، هو إنسان جان جاك روسو الفطرى، أو هو إنسان لوك الذى ولد وذهنه صفحة بيضاء، أو قل – بمعنى أوضح – هو ذلك الذى ولد على دين الفطرة. (فى "مدينة الزعفران" يقول مقبول : يا حبيبى يا رسول الله ما معنى الإنسان إذا صار عبداً وصارت الأمة نعاجاً ، اتلهف للقائك ... يا نبى الله.. يا حبيب الله، يا حبيبى .. ضمنى من هذا العالم ، خذنى إلى صدرك... خذنى بعيداً عن عالم غريب عنى غريب").

إذن فالخير يشكل الجوهر الأساسى للموجود الإنسان، أما الشر فهو شر جزئى، تماماً مثلما قال ابن سينا والمعتزلة، الخير موجود فى داخلنا بالفطرة، أما الشر فهو اختراع بشرى، ولذا فمهما كان انحراف الإنسان فى اتجاه الشر فإنه يبقى دائماً فى داله ذلك الحنين إلى "الخير الفطرى".

يتضح موقف كاتبنا هذا من خلال قراءة آخر ما صدر له "حبيبتى أميرة السينما" وهى مسرحية ضمن ثلاث مسرحيات ضمها مجند واحد، فالى جانب تلك المسرحية هناك مسرحيتان الأولى بعنوان "حكاية مدينة الزعفران" والثانية " 6 رجال فى معتقل ".

القديم الجديد

"حكاية مدينة الزعفران" تطرح قضية قديمة – جديدة، ونعنى بها قضية العلاقة بين الحاكم والمحكومين، إذ أنها الشغل الشاغل لمفكرى هذا العصر ولكل ما سبقه من عصور، فمنذ جمهورية أفلاطون وحتى ما يطلق عليه أزمة الديمقراطية فى عالمنا المعاصر، تظل تلك المشكلة قائمة رغم كل المحاولات التفسيرية ، سواء لدى أصحاب "العقد الاجتماعى" أو ديمقراطية الطبقة أو ديمقراطية التحال...الخ.

ومدينة الزعفران ليست مدينة يونانية قديمة حيث ديمقراطية الأحرار المثالية، بل هى مدينة هذا العصر ، ويكفى أن تغمض عينيك وتضع يدك على أى مدينة فوق خريطة العالم لتكتشف أنها مدينة الزعفران، حيث حاكم يمسك من يديه بكل خيوط اللعبة، وبكل السلطات، تعاونه الأجهزة التى عليها أن توجه الناس إلى حيث يكون الصمت – والصمت هنا مقابل للنطق  وإن كان أرسطو قد عرف الإنسان بانه حيوان ناطق ، أى يفكر ويعقل، فالصمت هنا يعنى اللاتفكير، حيث أن التفكير فى مدينة الزعفران "الحاد وكفر وعصيان". وبالطبع حين تصبح مدينة الزعفران صورة لحضار العصر فالهروب منها لن يجدى وتصبح هناك مشكلة "ان تكون منفياً خارج الوطن أو يكون الوطن منفياً داخلك.

فى مواجهة هذا لا يجد المدينة حين يصبح الفكر جريمة وحين يصبح كل مواطن خائناً حتى تثبت براءته" سوى الهروب، ولكن أى هروب ؟ إنه هروب الذات وليس هروب الجسد، حيث "يلقون العقل والوعى فى سيجارة حشيش أو ثدى امرأة أو كأس أو نوم أو صمت".

هكذا يقدم لنا السيد حافظ مدينة الزعفران "مدينة يبحث فيها الأثرياء عن الكلاب المفقودة ويسجنون فيه االإنسان"، حيث الاستغلال فى أبشع صورة ، وهل أبشع بشاعة من أن يضطر الناس إلى جمع النقود لشراء كفن لبائعة طماطم متوفاة، وحيث "لا يترك الحراس أحداً يفكر إلا وقتلوه" .

ولا شك أن لتجربة نظام الحكم فى مصر قبل وبعد 1967 أثراً ورائحة داخل مدينة الزعفران، ولكن الأزمة حضارياً ما زالت مائلة.

ولابد للرفض وللتمرد أن يوجدا داخل المدينة، وهما يظهران فى شخص (مقبول عبد الشافى) فارس المدينة، أو فارس العصر المهزومة فيه القيمة ، أو هو المهدى المنتظر، فأهل المدينة جميعاً فى انتظار خروجه من السجن، بعضهم ليشكوا له آلامهم، والبعض لكى يقودهم إلى التغيير – مقبول هنا يمثل الخير الفطرى المسجون داخل كل فرد من أفراد المدينة فى مواجهة الفساد الذى استشرى نتيجة لخوفهم وصمتهم – أما مقبول فقد خرج وهو يعرف أنه لا يهم أن يقول الحقيقة أو لايقول ، يفكر أم يعمل، يعيش أم يموت، فلما لا يلتقى الضدان حينما تتلاشى المسافة الفاصلة بين الإنسان والحيوان والمعروفة بالوعى، وحين يرتبط الخير بالوعى – كما أوضح سقراط فى القرن الخامس قبل الميلاد – ولآن مدينة الزعفران فقدت الوعى فما على الخير المتمثل فى مقبول إلا أن يهجر المدينة وليذهب للعمل فى الجبل حطاباً أو مزارعاً.

ولكن المدينة لا تتركه، فحين ينادى الناس بسقوط خادم العالم – لقتله الفلاح عبد المطيع - لا يجد الوالى بمعاونة الوزير إلا أن يلعبا لعبة جديدة بأن يرغما ومعهم الناس مقبول لقبول منصب خادم العام... ولكن هل ينجح مقبول – بعدما أصبح خادماً للعامة – أن يترجم أفكاره إلى واقع . أو بمعنى آخر هل نجح الخير فى إزاحة الشر عن المدينة ؟

بالطبع احاطت به خيوط العنكبوت وتحول إلى رقم فى جهاز الدولة، واستطاعوا أن يجعلوا منه واحداً منهم، على الأقل أمام سكان المدينة .

وتدور الدائرة، وينادى العامة بسقوط خادمهمن وهو هذه المرة مقبول، مخلصهم السابق، بل ويرفضون حتى عودته إلى صفوفهم.

وحيث يختفى مقبول يصبح اختفاؤه علامة استفهام: هل يعنى هذا انتصار قوى الشر ؟ بالطبع يظل هناك دائماً فى أحلك الأوقات من يستمع إلى صوت فطرته باحثاً عن الخير، فحتى لاو "ظل الناس يحكون... مقبول مات " فإن هناك من يصر على "إنه حى فى مكان ما".

"حبيبتى أميرة السينما"

أزمة أخرى يعانى منها عصرنا، كل شئ مجرد موضة قابلة للاستهلاك فى مدينة لا تعرف سوى الصخب والضوضاء، فإنه لابد وأن يفكر، وإذا كان التفكير يعتبر جريمة يعاقب عليها فى مدينة الزعفران، فهو يصبح موضة مقرفة ومفزعة فى مدينة أميريكة – أخر تطورات حضارتنا.

هنا فى "حبيبتى أميرة السينما" نلتقى بخطين متوازيين – وبالرغم من ذلك فهما يلتقيان كدليل على لا معقولية هذا العصر – الخط الأول نعيش فيه مع أميرة السينما التى استطاعت أن تقفز من صفوف الفقراء لتحتل مكاناً مرموقاً وسط المجتمع، فهى "بحكم المولد والزمان والمكان" تنتمى إلى العمال أو إلى الفقراء المطحونين، ولكن حين نكتشف رأسمالها الممثل فى جمالها من خلال "العيون النهمة" التى تحيط بها تبدأ فى تغيير موقفها فتحب "تجار الجملة، أصحاب المصانع والسيارات والطائرات، أحب الثراء، أحب مصانع العطور، أحب أن أغرق فى بحر من العطور، أحب نيويورك". وحين يصبح بهذا المعنى فإنه يفقد كل معانيه ومضامينه الإنسانية، ولهذا فهى تعرف من خلال الإنسان الفطرى الكائن فى داخلها أن هذا التحول جعل ابتسامتها أكثر حزناً، وجعلها مجرد بضاعة تباع وتشترى فى سوق صحافة العصر الملونة الأنيقة.

وعلى الخط الموازى نجد الذى يحاول ممثلاً لكل هؤلاء الذين يحاولون الخروج من مأزق هذا العصر بالبحث عن معنى وماهية الإنسان، فهو ينقب داخل الأشياء ، ويفتش فى كل الموجودات بحثاً عن ذاته ، وبالتالى ذات الإنسان، ويكتشف أن الحياة مجرد "صخب وضوضاء" وإن محاولاته لم تجعل منه سوى تاجراً " فى سوق الكلمات "باحثاً" عن كلمة جديدة".

وعلى هذا فليس غريباً أن يتحول من الكتابة للمسرح إلى الكتابة للسينما حيث أنها موضة العصر وبما تقدمه من ربح أكثر وشهرة أوسع وعمل أسهل.

هذا التحول – الذى فرضه نمط العصر – على الذى يحاول هو الذى سهل عليه أن يلتقى بأميرة السينما، بالرغم من أن الأميرة لم تكن ترى فيه إلا "رجلاً تاه عن حقيقته" ومجرد "رجل مفزع".

ومع هذا يظل الإنسان الفطرى ويظل الخير كامناً فينا، فأميرة السينما رغم كل شئ تعرف أنه "رغم وجود الذئاب" فإن فى داخل كل منا "طفلاً ملائكياً" ، بل حتى وهى تخون زوجها فإن الذى يدفعها إلى ذلك هو الرجل الغريب، وهذا الغريب عن الطفل الملائكى الموجود فى داخلنا، هو نفسه الذى يقدم قانون العصر، "أعرف ممثلات كن نشيطات مع رجال السينما كلهم... حتى وصلن من أسفل إلى أعلى... وعندما تصلين إلى أعلى تأخذين لقب العذراء من جديد وماضيك يغطى بالفضيلة".

وبالرغم من موت الأميرة تحت تلال من خطابات المعجبين ، جمهور عصر الاستهلاك لا شك أن هذا الطفل الملائكى مازال حياً، على الأقل داخل كل من لم يمت من ضحايا هذا العصر.

وفى الاتجاه نفسه نجد المسرحية الثالثة (6 رجال فى معتقل) حيث يعرض السيد حافظ لمجموعة من العسكريين المصريين سقطوا فى أسر العدو الإسرائيلى أثر حرب 1967.

ومن خلال هذا العرض يقدم لنا نماذج من المؤسسة العسكرية المصرية تتعرض لمحاولات متعددة من العدو تبدأ من الكلام الهادئ لتصل إلى الإغراءات الجنسية والتهديد باستخدام العنف أو استخدامه فعلاً فى محاولة لتجنيدهم لحساب المخابرات الاسرائيلية أو للحصول على معلومات.

الهم الأساسى هنا هو هزيمة يونيو، يعالجها الكاتب محاولاً أن يفضح دور المؤسسة العسكرية، إلا أنه يجعل من تلك الهزيمة قضية هزيمة الإسنان، فى معركة أكثر شمولاً هى حرب الاستغلال فى كل مكان، ويبدو هذا واضحاً من خلال حوار ضياء (ضابط الطيران المصرى) وضابط المخابرات الإسرائيلية ، فهزيمة يونيو ترتبط بكل رصاصة أطلقها الإنسان بحثاً عن حريته عابراً كل الحدود المكانية والزمانية، مع باتريس لومومبا وثورته المجروحة، ونكروما، وثورات الزنوج ومواكب الفقر ، ومع هزيمة فريزر ومعركة رشيد، مطاردة أحمس للهكسوس ، وصلاح الدين ، وهيروشيما وهانوى وكوريا.

هنا وامام هذا الشر المتمثل فى استغلال الشعوب وبالقوة المسلحة لا يترك كاتبنا ذلك "الطفل الملائكى" قابعاً وهادئاً فى داخلنا ، هنا يتحول إلى قوة تواجه القوة، ولهذا لم يكن غريباً أن يخرج هذا الطفل ليصرخ فى المتفرجين سائلاً كلا منهم عن سلاحه.

امام غربة إنسان هذا العصر ، وأزماته المتعددة ، هل قدم السيد حافظ أى حلول للخروج من المأزق ؟ بالطبع كان من الممكن أن يجعل أحدى القوتين تنتصر فى ختام كل عمل، ولكنه لم يشأ وفضل أن يترك لك البحث عن حل مستثيراً فيه منطقة عالم لا إنسانى، ناحية أخرى لم يشا أن يسقط فى إطار مثالية تفاؤلية لا تفعل شيئاً سوى امتصاص غربتنا التى سرعان ما تحاصرنا مرة أخرى، أو يسقط فى عالم من التشاؤم لا يقدم شيئاً سوى أن يزيد من ظلمة مستقبل الجنس البشرى. ولم يكن موقف كاتبنا وسطياً ، بل هو موقف تحريض وإثارة ، يحضرك ويشيرك ويضحكك ويغضبك ويستفزك ، ثم يتركك لتواجه حايتك والعالم!.

شفيق العمروسى - الاسكندرية

السيد حافظ ومرآة جيلى

  السيد حافظ ومرآة جيلى

شهادة بقلم

أحمد غانم



عام 1985 كتب الفنان التشكيلى احمد غانم شهادة ادبية عنى  وهو فى الكويت وارسلها لى

 السيد حافظ ومرآة جيلى


أحمد غانـم – الكويت

ملحق البيان الثقافى


عرفت السيد حافظ عندما توهجت رؤوسنا وهى تصطدم – بمستطيل – النكسة وهو مستطيل أسود مستن يخالف فى الشكل والمضمون مستطيل كيوبرسك (أوديسا الفضاء) لقد دشن ميلادنا فى لحظة الذبح، والتقينا فى ابهاء وأزوقة دار العلوم الخشبية، كطيور النورس المذبوحة، كان السيد حافظ طالباً يتمتع بتمرده ، وكان الوقت – بالنسبة إليه – هو الفصل الختامى فى رحلة قلقة الجامعى بين كليات التربية اسكندرية و... و... وكنت فى العام 1969 مشرفاً فنياً للنشاط التشكيلى بالكلية. وكان اللقاء حميماً بين خريج كلية فنية ممثلى – الطلاب أقرب إليه من حبل الوريد – وبعد أن مارسوا – الذبح الوظيفى – عليه ، يتمرد ع لى طقوس الوظيفة فى مدينة النكسة التى ينخرها السوس. كنت هذا الذى هو إنسان أولاً وفنان ثانياً ولا موظف ثلثاً.

فقد كنت أقول – إننى موظف فى اللاوظيفة أو – إنها وظائف اعتمدت فى الوقت الضائع البوار من الأمة – كان السيد حافظ ابناً لمدينة ونبتاً للأسكندرية وشقيقاً لقاص سريالى رائع – محمد حافظ رجب – اصطدم رأسه – الكرة – بالجدار المسنن ، وصار رأسه رأسين وثلاثة وزيادة. وكنت ابناً للريف (مسقط رأسى البحيرة ) وزرعاً لمدينة ريفية صناعية (المحلة الكبرى) .

كانت المدينة الكوزموبولاتانية بالنسبة إلى متاهة تحتاج حلاً. وكانت المدينة بالنسبة إليه أوراقاً كرتونية بل أوراق – نرجسية - بائسة سافرة كان تمردى تمرداً استيطانياً طويلا، ومحاورات مع صديق اختزلت فيه العمر والأمة (فاروق عبد العزيز) وكان تمرده صراخاً ومبالغة محببة. وكان – وكأنه – لابد وأن نلتقى النفى جيلنا على مقولة شهيرة – نحن جيل بلا أساتذة – وبدأ جيلنا يكتب وهو أعجب الأجيال فى تاريخ الأمة المصرية (وهذا ما أوكد أن الأيام يتثبته) فجيلنا ليس ابناً محضاً لثورة 23 يوليو. لقد تشمم جيلنا رائحة أساتذة الأربعينات كان أحدنا أو الأخر قد تأثر بعمق بالآثار الأدبية الرائعة لطه حسين أو توفيق الحكيم أو عباس محمود العقاد أو سلامة موسى.

غير أن التيار وهو يجذر بنا ويمد ويجزر قد أخذنا إلى بعيد،، كانت التحديات الفوارة أكثر ضراوة من ضراوة طروادة هذه الذكرى.

ولقد ولد جيلنا فى عاصفة فصرخته الأولى كانت قنبلة هيروشيما، وقسمة كان – النكبة – وحجلة كان ثورة 23 يوليو وفى لحظة الميلاد الحقيقة لأى جيل (التخرج) اكتشفنا أننا أوراق خريف تخرقها البرودة وتذروها الرياح. 

نحن الأحلام الطائلة لجيلين (الرواد / وجيل الوسط) وقالوا : صرح بدون صوت، فالحبل والمشنقة فى رقبتك، احكمت دائرة الحبل على العنق باسم الثورة والنكسة والمعتقلات ونضال الأمة، وامتد الحبل طويلاً باسم – النفط – وبدأ المسلسل الأوسد : مسلسل الكآبة: نفط بطعم الحنظل، ومدائن يحكمها العسكر ويتركون أبوابها ومرانعها ورمالها تحت نجمة اسرائيل التى تتسيد النجوم الأمريكية.

وبدأنا نكتب ونرسم، وكأننا نمارس الطقوس الوثنية للحرية، وجاءت كتابتنا – شفرية – الأدب والخيال والتاريخ البعيد واللاوعى. تقرأ فيصيبك الدوار أو الخبال. المهم أن تكتب لغة لا يدركها قلم الرقيب ومقصه. وهكذا ولد الغموض شرعياًتحت مقارع النكسة.

كان كل شئ فضفاضاً واسعاً، غامضاً ووهمياً : التاريخ والذكر والفاجعة والأنا والمستقبل : ما تعلمناه وما لم نتعلمه. وما لن نتعلمه. كان السيد حافظ يملك تلك الجرأة التى يملكها ابن المدن الكبيرة، والذى تعلم مع الحجل كيف يتشعبط على أبواب الترام والتروللى والباص. يلج مكاتب – الكبار – بركلة من قدمه. وكنت كريفى يحيا ليلته الأولى فى مدينة لا تحسن استقبال أحد.. ويتساءل: لماذا ؟ وكيف؟ والى أين؟؟ وتشكل جيلنا بين جزئيتى ذرته (السالب/ والموجب) بين جبال الاستبطان الشامخة وبين قعقعة الأحجار المتصايحة وهى تدك أشياء المدن. بين الحزن والسخرية. وكانت الدائرة، وبدأ الجوهر واحداً وواعداً. والنقطة المركيزة للحدث واضحة. والتقى الفريقان على لغة رومانسية ثورية : لغة هياج مصطرخ كان يكتب إلينا السيد حافظ اسم أوزوريس اهداءات كتبه هكذا : إلى الأخضر، إلى النورس ، إلى ضياء الماء، وماء الضوء، إلى البنفسج، إلى الطاقة .

واقتحم السيد حافظ مع الطلب والطالبات مخزناً مغلقاً به الكراسى والمناضد والدواليب التى نريدها لمرسمنا، وأقمناه فى الدور الأول الذى قيل أنه آيل للسقوط ولم يخش – أحدنا – شيئاً من سقوط المبانى، كانت ألفتنا عجيبة لهذا المبنى وكنا حجرة وحيدة، تطل على صحن دار العلوم حيث يلمع تمثال نصفى أبيض لمؤسسها – على مبارك – باشا وكنا نشعر بالألفة العميقة مع هذه الأعمد من الأخشاب النابتة من قلب قرن مضى، وحيث يتساقط دهانها وكأنه لحاء لأشجار عجوز – مع الأطلال – أن نستمع إلى ترددات أصوات المحاضرين عبر مائة عام والى سكون الليل، والى شقشق الضوء فى رواق إسلامى والى جابة الطلاب بين الأعمد، والى مرائى المظاهرات الوطنية التى خرجت من دار العلوم إلى قلب القاهرة عبر السنين.

وحاول السيد حافظ أن يمارس الرسم، ولجأت إلى الرسم به. فلوحتى – الخوذة والشهيد – تحمل بصمات قدمه وبيده كنا رمزيين وتجريديين ، رافضين وباحثين عن واقع آخر، وكنا تعبيريين وحوشيين ووحشيين ومجربين. وكنا نمضى الوقت فى هذه الأنحاء إلى منتصف الليل. وكانوا فى الصباح يسألوننى عن تأخير خمس دقائق من الحضور الوظيفى.

كنت أمارس فى قلب الدوام رحلتين مقدستين إحداها باتجاه الجنوب – عابراً الحى الراقى جاردن سيتى النيل ، اسكب العيون فى أبها، أمواهه وأصواءه، ثانيها إننى أعتلى ظهر مقعد حجرى رطب وثانيتهما باتجاه الشمال إلى قلب ميدان التحرير إلى شارع شمبليون اسمع الموسيقى الكلاسيكية مع رفقة أخرى منهيا العرض دائماً – بالدانوب الأزرق.

وكان السيد حافظ يختفى فى نفس الوقت باتجاه الجنوب إلى روز اليوسف وباتجاه الشمال إلى دار الهلال يقرع أذان- الأسماء 0 بصراخه المشروخ روعة.

وبدأت رحلتى مع مسرحية – حدث كما لم يحدث أى حدث – ولم يكن هناك أوضح – فى لغتنا – من هذا العنوان، فالذى حدث هو أنه لم يحدث أى حدث ، وهذا وحده يكفى تبيانا لموقف .. كنت فى هذه السنوات قادراً على أن اتناول هذه اللامعقولية فى الفن كصرخة احتجاج جيل. وكان فى هذا السيد حافظ لا يبارى. ولقد اتممنا دراسة هذا العمل واحتشدنا لديكور مسرحى فيه لوحة مصممة فى أن نرسم بالقلم الجاف الأسود على مساحة 2,5متر. (ولك أن تقدر حجم هذه الطاقة الانفعالية التى كنت نمتلكها)

فلم نكن نلعب . ووقت البيروقراطية كانت نكبة فى جيل كامل بكل فرقة (الموظفين والعسكر والبيروقراطية والدكاترة ضدنا) وكلهم ينظر إلينا وكأننا نتاج كوكب منفصل لا أحد يريد لنا المشاركة بشئ.

تحول السيد حافظ إلى الاسكندرية وبدأت مراسلاتنا ما بين – عزبة دومور – التى بالكاد أدركت فيها شقة متواضعة من ثلاث غرف فى حجم علبة السردين (الغرفة 2,5 × 2,5 متر)وكان الحصول عليها معجزة بمقدم ومؤخر وصداق ونفقة متع ونفقة حضانة وفى النهاية دخلنا فى طاعتها، وما بين مكسنه الذى لم أراه حتى اليوم ، وكان عنوان، أيضاً بالنسبة إلينا عنوناً شفوياً : محرم بك خلف نمره 16.

أخذتنا سفينة الرخ إلى مدينة الكويت وحتى تكون القاهرة ومصر كبيضة فى راحة اليد على استقامتها. وكانت البيضة ما تزال تفرخ أفراخها المذبوحين. وانقطعت أخبار السيد حافظ عنا. واكتشفت المرء عند لحظة الاصطدام الأولى: كم هى وهمية تلك المدن الذهبية. وأننا أخطأنا العنوان : خلف نمرة مدينة الذهب – لقد غلبتنا شقاوتنا وبدأ فى الكويت لنا تحصيل ثقافى فذ وكبير، ونعتز به تلك كانت طبيعتنا: أن نفرخ ثقافة ولا نفرخ دنانير.. وتذكرت أننى فى مشاهداتى الضحاوية (نسبة إلى الضحى) قد امتلأت بدنانير النيل، وحيث تلمع أضواء الأسماء الفضية على سطحه الأزلى. وكان فضل الكويت علينا أن أدركنا الإدراك الكلى صحوباً بإدراك جزئى. هنا كانت رحلة تطبيق الدنانير. لماذا ؟ والتعليم : لماذا؟ والطباعة : لماذا ؟ ومصر : لماذا ؟ والفلسطينيون: لماذا ؟ وعرب النفط: لماذا؟ والسينما : لماذا ؟ والتصميم  : لماذا ؟ والسياسة  : لماذا ؟ والعسكر  : لماذا ؟ والفرد  : لماذا ؟ والجماع  : لماذا ؟ وآه من هذه اللماذا ؟

بدأنا رحلة التخصص والتطبيق الميدانى الشاق ، الوعر، هنا.. هنا إمكانية ما لتطبيق ما. ومعمل اختبار للأمة العربية كلها. وفى مصر إذا كانوا قد استولدوك ابناً لهم بخساً، فإنهم هنا قد اشتروك بخساً وتظل قيمتك حائرة. هذا الجيل الراحل بلا نظرية ابداً لن يعود إلى ثكناته الريفية إلا بنظري . والنظرية معرفة بالأصول والفروع ، بالكليات والتفاصيل . والفلاح يعرف لا يكف يزرع الطين بل كيف يزرع الرمل والماء بل الأفكار والأحلام والمشاعر. الفلاح الحقيقى هو المثقف الذى عاد يدرك أن الأرض كلها ليست سوى تربته الداخلية: قلبه. وفى قلبك يتكون العالم – خلال رحلة المتاهة العربية – لا لا هالة وهمية بل جداراً جداراً ولبنة فلبنة. 

وفى ذات ضحى صيفى صحراوى قائظ، قابلنا (أنا وفاروق) السيد حافظ فى مدينة الذهب. كان فى أعناقنا طوق عمل لـ22 ساعة يومياً. وفاءاً بوعد لصاحب شركة اعلانية. لكنه خلع بعد تمام العمل صوت الرجل إلى صوت الذئاب وكان للسيد حافظ يبحث ظامئاً عن قطرة ماء. كان كلانا مقيداً – وما يزال – إلى عجلة النار والتجربة. ولم نملك أن نعطيه سوى أعمق الأمنية والسلام.. كان القلب منا يتقطع وهو يسكن فى حرجة 6 × 6 متر بها اثنتى عشر سريراً صعيدياً . وكان قد أتى ومعه لفائف نشرة ورسائله وبعض أعماله ، وفى لحظة إنسانية – أقدرها – لحظة امتعاض مزق خطابات – منطقة دولار – إلى منطقة خلف نمرة 16 – وبهدوء سحبت منه عدة خطابات كان آسفاً وكنت مشرفاً على هذا الأسف بعشق لاضحياتنا القاهرية والنفطية.

ومن مجلة – صوت الخليج – إلى المجلس الوطنى للأداب والفنون – بدأ السيد حافظ يتعيث طريقه ويتوازن وكنت فى هذه الفترة أحمل ما بين القاهرة – الكويت وبالعكس الكتب والرسوم الثقيلة، لا أدرى كيف أو أين تسكن، وبدأ عذاباً كعذاب سيزيف وصرحته. قمة الجبل تنكر عليك الصعود . وبطنه ينكر عليك النزول والعود ليس بأحمد. وامتلأ جسدنا، وتضخم الصوت وعرفنا طعم الفاليوم، واتخذ السيد حافظ ثمة المهاجم فى حديثه يا أولاد كذا وكان فى هذا الصراخ – السبعينى أنقى قلباً وأصفى من الأطفال. هنا بدأ يتعلم الهجوم.. ليس على كتاب أرصفة القاهرة، بل على الجنس العربى كله.

وبدأنا – ننجح – والعارف لا يعرف . وظلت للسيد حافظ لغته المسرحية الفضفاة واكتشفت إننى صرت صاحب ذوق محافظ خاصة فى غير الفن الذى امتهته هل هى المعرفة بالتخصص والتفاصيل أم أن المعارك صارت على جبهات تخصصية شتى ؟

وفى العام 1983 طلبنى السيد حافظ لأصمم له ديكور أول مسرحية يكتبها للأطفال – سندريلا – والتى تعاقد عليها مع مؤسسة البدر . قرأت المسرحية فأسعدنى جمالها وإشراقها ، بساطتها ومغزاها.

وبدت النهاية فيها فى قوة وجمال – لحظة التنوير – فى القصر القصيرة . هل يأس ا لسيد حافظ من عالم الكبار فلجأ إلى الأطفال ؟ ! واكتشفت فيها أن ذلك الشاب الذى مازال يتحدث بلغة المطلقات والرموز. وهذا القلب الغوار بالمحبة قد وجد فى نهاية المطاف أين يضع موهبته؟ ولمن يقدمها ؟!

كنت سعيداً بهذا الاكتشاف واكراماً للسيد حافظ اعددت تصوراً للديكور. واعدت تدارك ما انكمش فى الذاكرة من المنظور المسرحى الخ... التقيت المخرج والمنتج وعرضت عليهم تصورى. وكنت ألمس فى شبح السيد حافظ حزناً لم أره فيه من قبل قط.. بلى وبأساً من المواجهة. لقد اختفى أمام ناظرى.. ولم أعد ألقاه.. وكانت مفاجأة لى أن المخرج والمنتج قد استبدلا – لحظة التنوير – بلحظة تعتيم لا تضفى على المسرحية ناراً بل تجعلها هشيماً . لقد أبدلا النهاية إبدالاً.. تحت دعوى إنها نهاية.. تراجيدية ، وأنهم قدموا من قبل ثلاث مسرحيات أو أربع بنهايات حزينة..!!!

فى نهاية مسرحية – سندريلا – السيد حافظ جعل الشرطى الذى يقيش حذاء سندريلا يصرخ : الحذاء ليس حذاؤها.

وسندريلا تصرخ : إنه حذائى . ومن يصدق سندريلا ؟! وبهذه النهاية – وهى إضافة لها قيمة – يكون هنالك مبرر درامى لفهم موقف الوزير الذى يرفض من البداية هذا الزواج ويكون هنالك إثارة حقيقية للأطفال نحو فهم العلاقات الاجتماعية فى عصرهم وصراعاتهم.

وبتغيير هذه النهاية إلى النهاية التقليدية صارت مسرحية السيد حافظ بلا معنى. ولقد حملت تصوراً رمزياً وتجريدياً وعملياً للديكور يخالف تصورات المخرج. فانسحبت من العمل.. ولم يكن السيد حافظ بقادر فى كآبة نفسه المفاجئة أن يصرخ.. ولأول مرة أرى السيد حافظ استبطانياً..

وفوجئت بالهجوم المنظم والمخطط والذى يستعدى العامة على السيد حافظ محملاً إياه ما قاله كاتب فى مصر أن السيد حافظ يطور مسرح الأطفال فى الكويت – وكأنها سبة أو جريمة يقتضى عقابها؟! وهذا السيد المحرر الذى كتب واستكتب غيره طعناً فى السيد حافظ ومسرحه لم يعتنى أن يشير إليه .. هذا الذى يأكل كلمة ابداعات أمثال السيد حافظ.. ويفرد ضد مسرحه الأعمد الطوال العراض لا يشير إلى من يطعنه ...

وهكذا تمت الدائرة، تولد فى أنظمة العروبة فى غفلة من التاريخ والزمن. تنسانا عند المواقف، تبتزنا بكل اسم، وتطعننا دون أن تشير إلى اسمنا.

المهزلة كاملة، هى رحلة السيد حافظ ولأن الناقد، والنقاد تخلوا عن دورهم الرشيد البناء. فقد تمزعت فى أنفس كآبة السيد حافظ الظلال كلها، فاتخذ من الأطفال فى مسرحيته التالية – الشاطر حسن – حفل اختبار للغته الفضفاضة الواسعة التائهة.. وكانت تلك جريمة النقاد بأكثر مما هى مسؤوليته. لقد خالفت تصوره المعذب المشتت .. المشتت هذا.. وارباً به أن يعود إلى سندريلا قاموساً له.. بكلام الأطفال بهذه اللغة البسيطة المشرقة ويعيد سرد حكاوينا القديمة بمرآته العصري البسيطة. لا استعراض فى الفن. ولا لغة فضفاضة ومتشتتة ستعيش للزمن. أملنا فى السيد حافظ أن يخاطب الطفل بحنو قلبه ببساطة الكلمة، وعمق مراييه وشروخات عصره. ستبرز من بين يديه كإشراقة يوم جديد.

ليس حديثى حديث ناقد.. فلست بناقد مسرحى.. إنما هو حديث نتاج رحلة واحدة. ركب فيها السيد حافظ بساط المسرح الذى هو ساحر وأنا مسحور به (هذا البساط) وركبت متون جبال المستحيل بين الضوء والطمى. ولا استطيع الحديث عن السيد حافظ دون أن اتحدث عن نفسى، فهذا الحوار بين أفراد جيلنا صلة لا نستطيه منها فكاكاً، نحن المقيدون فى عجلة النار العربية، نستطيه أن نتخاطب.. أن نتهاتف ، أن نتحاور، حتى ولو عددت الكلمات فى عصرنا العربى كل معانيها حتى ولو كان الصمت حبلاً وطرقاً وأنشوطة عذت.

احمد غانم

الكويت 5 مارس 1985

الأحد، 17 سبتمبر 2023

مهرجان المسرح التجريبي والسيد حافظ بقلم: إبراهيم عبد المجيد

 


مهرجان المسرح التجريبي والسيد حافظ

بقلم:

إبراهيم عبد المجيد








مقالي في القدس العربي:
مهرجان المسرح التجريبي والسيد حافظ
إبراهيم عبد المجيد

 احترت في السبب والعنوان الذي اكتبه لهذا المقال. هل يكون السبب هو أن السيد حافظ أتم منذ أيام الخامسة والسبعين من العمر، أم يكون السبب هو تجاهل تكريم كاتب بحجم السيد حافظ في مهرجان للمسرح التجريبي الأخير الذي انتهي في مصر منذ أيام ، وهو ممن أنفقوا حياتهم وراء التجريب في المسرح منذ نهاية الستينات وأوائل السبعينات. أي منذ الشباب المبكر. وهل يكون العنوان عن المهرجان والسيد حافظ أم عن تجربة السيد حافظ أم عن العمر الذي مضي ونحن نتوسم الأمل فيما فعلناه، ثم انتهي بنا الأمر بسؤال هل كنا على خطأ؟ 

 لقد تزاملنا في الدراسة الجامعية في الاسكندرية أوائل السبعينات. كنا في كلية الأداب قسم اجتماع وفلسفة، كم كانت لنا لقاءات كتبت عنها من قبل، وكانت لنا مشروعات نجحنا فيها رغم كل المعوقات. كنت وقتها من أوائل من كتبوا عن مسرح السيد حافظ وكنت مغرما بالقراءة في المسرح ودراسته حتى أني سجلت الماجستير في موضوع جماليات الدراما بين ارسطو وبريخت لكني تركت الإسكندرية والدراسة الأكاديمية إلى القاهرة مفتونا بحياة الصعلكة والحرية التي رأيتها ذخيرة الروائي لا الدراسات والنظام. كان مقالي عنه أشبه بالدراسة عنوانه "مسرح السيد حافظ - حالة من التمرد والتحريض الحضارى" عن ثلاث مسرحيات تجريبية من مسرحياته الأولى هي " كبرياء التفاهة في بلاد اللا معني" و "هم كانوا ومازالوا الزعاليك" و"حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث" . كانت دراسة عن جرأة التجديد في القالب المسرحي بكل عناصره وكذلك أدوات إخراجه فضلا عن قضايا الاغتراب والاستلاب للبشر والصراع الاجتماعي والرؤي الفلسفية خلف الصراع. شهد قصر ثقافة الحرية في الإسكندرية إخراج بعض مسرحياته وسافرت أنا لأعيش في القاهرة منذ عام 1974 وسافر هو إلى الكويت عام 1975 وتنقل مابين الكويت والعراق ودبي وشغل مناصب عديدة في بعض المجلات مثل مجلة الشاشة ومجلة المغامر بدبي ومستشارا إعلاميا ببعض المؤسسات وغيرها، لكن ذلك لم يصرفه عن المسرح والكتابة له والإخراج أيضا.

تم إخراج مسرحيات عديدة له في البلاد العربية التي يعمل فيها أو لا يعمل . في الكويت مثلا أخرج له منصور المنصور ودخيل الدخيل وحسين مسلم وعبد الله عبد الرسول، وفي تونس أخرج له الطيب السهلي مسرحية "الفلاح عبد المطيع " التي نالت هناك جائزة أفضل عرض عام 2010 .

عُرضت له في مسرح الطفل الذي كتب فيها مسرحيات عديدة في الكويت وغيرها مثل مصر ومنها مسرحية "سندريلا " و" الشاطر حسن" و"سندس" و"علي بابا" و " أولاد جحا"  و"بيبي والعجوز" و"فرسان بني هلال" بمخرجين من الكويت وغيرها والحديث في كل مجال يطول. 

كانت بين سنوات السفر سنوات عودة إلى مصر يقوم فيها بالإخراج ولم يتوقف عن الكتابة، وشهد المسرح مابين سنوات 1994-2004 تقريبا عشرين مسرحية له. أخرجها مخرجون مثل فريد عبد الحميد ورجائي فتحي ومحمد الخولي وعلى عزب وماهر سليم وسيد هنداوي ومجدي مجاهد وابراهيم شكري. كذلك شهدت القاهرة والإسكندرية مسرحيات له اخرجتها أسماء مثل أحمد عبد الحليم ومحمود الألفي ومجدى عبيد وفاروق زكي و الدكتور محمد عبد المعطي  والدكتور حسام عطا  وعبد الرحمن الشافعي وعباس أحمد وغيرهم كثير. 

من المهم الاشارة إلى أمثلة مما قام به هو من إخراج لمسرحيات تعبر عن فهمه للمسرح ورؤيته مثل "مسافر ليل" لصلاح عبد الصبور عام 1970 من بطولة 25 طفل وطفلة ، أصغرهم 6 سنوات وأكبرهم 12 سنة، في عرض غنائى موسيقى من ألحان المرحوم حمدى رؤوف وكورال 40 طفل وطفلة. كذلك مسرحيات مثل "الحبل" ليوجين أونيل 1968 و"الزوبعة" لمحمود دياب عام 1973 وكذلك "ليالي الحصاد" ومسرحية "حديقة الحيوان" لإدوارد أولبي و"بنطلون روميو" لأبي السعود الأبيارى و "مسافر بلا متاع" لجان أنوى وغيرها فضلا عن مسرحيات عديدة من تأليفه، كما أخرج نصوصا شعرية في قالب درامي لمحمود درويش وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي ومجدي نجيب وفؤاد حداد.

أسس السيد حافظ جماعات تجريبية للمسرح منها "فرقة الصعاليك" وفرقة "ألف باء مسرح" و" جماعة الاجتياز" وجماعة "المسرح الطليعي" التي قدمت مسرحية (آه يا وطن) لمدة 110 يوم وكانت أول فرقة للهواة في تاريخ مصر تقدم عرضًا متواصلاً دون أجازة – عام 1973.

قدم مشروعات مسرحية مثل مشروع "المسرح الكوميدي" وكتب فيه الكثير من المسرحيات كما كتب مشروعا مسرحيا للقضية الفلسطينية وحرب اكتوبر وحرب الاستنزاف والقضية الوطنية للمصريين ضد الاحتلال البريطاني.

قدم للمسرح التجريبي غير ما أشرت إليه في بداية مقالي عنه عددا كبيرا من المسرحيات منها "هم كما هم ولكن ليسوا هم" و "الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء" و" الميراث " وغيرها ، كذلك خمس مسرحيات تجريبية في فصل واحد، وزاد ماقدمه من مسرحيات تجريبية عن العشرين. وقدم مشروعا للمسرح النسوي به خمس مسرحيات للنساء بعنوان عام " اكسبريسو" وعناوين خاصة بكل مسرحية . غير ما كتبه من مسرحيات مونودراما، ومسرحيات لا تزيد عن دقيقة ونصف تجاوزت الثلاثين مسرحية في مجموعة بعنوان لافت هو "صراع الألوان" و "مزامير" مسرحية تجاوزت الخمس والعشرين.

أنت هنا في كل ماكتب وأخرج في قلب التجريب في المسرح الذي صار مشروع عمره.

على الناحية الأخري يمثل السيد حافظ فكرة المبدع الشامل الذي يكتب في  كثير من المجالات، فبالإضافة للمسرح تأليفا وإخراجا كتب مسلسلات تليفزيونية للكبار وسهرات للأطفال بلغت حوالي عشرين مسلسلا أخرجتها أسماء شهيرة من مصر والعالم العربي مثل كاظم القلاف وعبد العزيز منصور وحسين الصالح ويوسف حمودة ومحمد عيسى وهدى حمادة وكريم ضياء الدين ومحمد عبد السلام ومحمود بكري، وشارك فيها مشاهير من الممثلين مثل حياة الفهد وجلال الشرقاوي وياسر جلال وطارق الدسوقي ومحمود الجندي وأحمد سلامة وزيزي البدراوي وهالة فاخر ونوال أبو الفتوح وغيرهم كثير. أما المسلسلات الإذاعية فكتبها وأذيعت في إذاعات دول عربية مثل قطر وأبو ظبي والكويت والبحرين وبلغ بعضها تسعين حلقة. 

منذ أواخر التسعينات كتب السيد حافظ الرواية أيضا وتفرغ لها فأنجز أكثر من عشرين رواية. 


كتبت عنه دراسات وكتب ورسائل دكتوراة وماجستير في مصر والعالم العربي مذهلة في عددها وعناوينها وتم طبعها في بلاد مثل الجزائر والمغرب وتونس والكويت والعرا ق وطبعا مصر لكن العالم العربي أكثر. كتب وصلت تقريبا إلى السبعين كتابا لأسماء رائعة من النقاد والباحثين  والمفكرين لا يتسع لاسمائهم المقال، عن موضوعاته وشكل كتابته في المسرح والرواية ومظاهر التجديد والتجريب عنده في كل أنواع كتابته في 

المسرح التي أشرت إليها والرواية.

ما جرى من احتفاء باعماله في مصر وخارجها جعله في استغناء متفرغا للكتابة فقط، حتى أنه كان يطبع رواياته علي نفقته إلا مرة او مرتين، وعندما قلت له مرة لا بد أن تذهب بها إلى دور النشر لأنك تطبع كميات قليلة ابتسم. هو سعيد بالكتابة لا أكثر كما أقام كل المشروعات التي أشرت إليها بجهده وماله الذي طبعا فاز به من الدول العربية في غربته ونفد مع الزمن. أصابته أمراض العمر فصار حبيس بيته يطل من صفحته على الفيسبوك، كثيرا ما يتأسى ولا يعلن السبب الذي أراه أنا، فهذا الجهد الجبار عبر السنين كان كفيلا بترشيجه إلي أكبر جوائز الدولة، أو الاحتفاء بانتاجه المسرحي من هيئة المسرح، فتخصص شهرا مثلا في مسارح مصر تعرض فيه مسرحيات مختلفة له، أو تعيد هيئة حكومية طبع أعماله، وأشياء كثيرة يمكن أن تحدث لقامة وقيمة لها هذا المنجذ الرائع، لكن حتي مهرجان المسرح التجريبي لم يقم بتكريمه حتي الدورة الأخيرة التي انتهت منذ أيام. 

*****

 لقراءة المقال من الموقع الأصلي بمجلة القدس العربي

*****

عزيزي الزائر أنت تتصفح الآن مدونة أعمال الكاتب/ السيد حافظ

*****

مدونة أعمال الكاتب السيد حافظ

مدونة شخصية , فنية وأدبية. تعرض أعمال الكاتب/ السيد حافظ المسرحية والروائية. وأهم الدراسات والمقالات والرسائل والأبحاث والكتب التي تناولت أعماله...





 السيد حافظ كاتب مسرحي وروائي, ومخرج مسرحي, وهو رائد المسرح التجريبي في المسرح المصري والعربي منذ أوائل السبعينيات, كما أنه عمل بالصحافة المصرية والعربية لسنوات طويلة.

برز الكاتب السيد حافظ منذ أوائل السبعينيات ككاتب ومخرج مسرحي تميز بأسلوبه التجريبي المتمرد على القوالب التقليدية في الكتابة المسرحية منذ صدور مسرحيته التجريبية الأولى "كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى" التي أثارت جدلا كبيرا حينها, وهي أول مسرحية صدرت من المسرح التجريبي عام 1970م عن دار "كتابات مناصرة" لصاحبها الناقد التشكيلي/ صبحي الشاروني. كما كان الكاتب السيد حافظ أول من أدخل المسرح التجريبي في العراق بمسرحية "الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء" حينما أخرجها المخرج/ وليم يلدا في معهد الفنون المسرحية عام ١٩٧٧م, وبعده بعامين كانت المسرحية الثانية من تأليف/ السيد حافظ  "حكاية الفلاح عبد المطيع" حيث عرضت على يد دكتور/ سعدى يونس عام 1979م, وقدمت في المقاهي والساحات في العراق.

 

وقد توالت أعماله المسرحية التي بلغت حتى الآن أكثر من 200 مسرحية تراوحت  بين المسرح التجريبي والمسرح الكلاسيكي والتاريخي والتراثي ومسرح الطفل, والمسرح الكوميدي, والمسرح النسوي أيضا.




Alsayed Hafez's

business blog

Blog of the works of the writer, Mr. Hafez

A personal, artistic and literary blog. It displays the theatrical and fictional works of the writer, Mr. Hafez. The most important studies, articles, letters, research and books that dealt with his work...

  Mr. Hafez is a playwright, novelist, and theater director. He has been a pioneer of experimental theater in Egyptian and Arab theater since the early seventies. He has also worked in the Egyptian and Arab press for many years.

The writer, Mr. Hafez, has emerged since the early seventies as a writer and theater director, distinguished by his experimental style that rebels against traditional templates in theatrical writing since the publication of his first experimental play, “The Pride of Banality in the Land of Meaninglessness,” which sparked great controversy at the time. He was also the first to introduce experimental theater in Iraq with a play “The Mute Drums in the Blue Valleys” was directed by director William Yalda at the Institute of Dramatic Arts in 1977 AD, and two years later the second play was written by Mr. Hafez “The Story of the Peasant Abdul Muti’”, which was presented by Dr. Saadi Younis in 1979 AD, and presented in cafes. And squares in Iraq.

 

His theatrical works have so far amounted to more than 150 plays, ranging from experimental theatre, classical, historical and heritage theatre, children’s theatre, comedy theatre, and feminist theatre as well.





-    السيد حافظ من مواليد محافظة الإسكندرية جمهورية مصر العربية 1948

-    خريج جامعة الإسكندرية قسم فلسفة واجتماع عام 1976/ كلية التربية.

-    أخصائي مسرح بالثقافة الجماهيرية بالإسكندرية من 1974/1976.

-    حاصل على الجائزة الأولى في التأليف المسرحي بمصر عام 1970.

-    مدير تحرير مجلة (الشاشة) (دبي مؤسسة الصدي 2006– 2007).

-    مدير تحرير مجلة (المغامر) (دبي مؤسسة الصدي 2006 – 2007).

-    مستشار إعلامي دبي مؤسسة الصدى (2006 – 2007).

-    مدير مكتب مجلة أفكار بالقاهرة (الكويت).

-    مدير مركز الوطن العربي للنشر والإعلام (رؤيا) لمدة خمسة سنوات.

-  حصل على جائزة أحسن مؤلف لعمل مسرحي موجه للأطفال في الكويت عن مسرحية سندريلا عام1980.

-     حصل على جائزة التميز من اتحاد كتاب مصر 2015

- تم تكريمه بالمهرجان القومي للمسرح المصري عام 2019.

 كتب عنه أكثر من 52 رسالة جامعية بين مشروع تخرج أو ماجستير أو دكتوراة

 


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More