Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الخميس، 27 يوليو 2023

قراقوش الأراجوز1.. مسرحية الكاتب السيِّد حافظ وعتبات النص الكاشفة

 

قراقوش الأراجوز1..


 مسرحية الكاتب السيِّد حافظ وعتبات النص الكاشفة


بقلم:


داود أبو شقرة - سوريا

 





 


 

نشر هذا المقال بجريدة مسرحنا

العدد 830 صدر بتاريخ 24يوليو2023

رابط المقال بجريدة مسرحنا:

https://www.gocp.gov.eg/masr7na/articles.aspx?ArticleID=55684

 

 

قراقوش الأراجوز1..

 

مسرحية الكاتب السيِّد حافظ وعتبات النص

 الكاشفة

 

تتعالق الكوميديا، والمسرح الشعبي، والإسقاط السياسي والتاريخي أو «التحيين» بشكل مدهش في مسرحية (قراقوش الأراجوز)3 للكاتب (السيِّد حافظ)، وتحمل لغتها إيحاءات تتجاوز حدود اللغة الاصطلاحية وحتى المجازية لتنداح إلى انزياحات دلالية عدَّة، فتولِّد المعاني الجديدة التي تحملها تلك الدلالات التي تتفجر من إعادة قراءة التاريخ من وجهة نظر (الشعب) مروراً بذهنٍ مفكِّرٍ خَبِرَ الحياة وضروبها معتمداً الاستقراء الفلسفي لتحليل المادة المسرحية، بهدف الوصول إلى غايات حديثة في قراءة وقائع التاريخ لفهمه من وجهة نظر معاصرة، بعيدا عن تأريخ القصور الذي يلوي عنق الحقيقة لصالحها عادةً.

 وقبل الوقوف عند عتبات النص المسرحي (قراقوش الأراجوز) لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ الآراء اختلفت حول حقيقة قراقوش وشخصيته وأفعاله. فمنهم من اعتبره مظلوماً، ومنهم من أكَّد ظلمه للناس، وأنه كان حاكما غشوماً.

 كما لا بُدَّ من الإشارة إلى أن لفظ )قراقوش( مكون من كلمتين تركيتين تعنيان (العقاب الأسود)،  قرا: أسود. قوش: الطير. وهو في هذا المستوى الدلالي يحمل معنيان: معنى طائر العقاب في حد ذاته. ومعنى العقاب (من العقوبة) التي ابتلي بها الشعب المصري، ويحيلنا إلى معنىً ثالثاً جديداً بإضافة الأسود على ما فيه من شؤم يحمله الطائر. وهو مما تتطير منه العرب، السواد والريح الشمالية وهي المنطقة التي ينتمي إليها قراقوش.

قراقوش وابن مماتي

 وقد اختلف قراقوش مع الوزير الكاتب والمؤرخ المصري (أسعد بن مماتي) فكتب عنه كتاباً شهيراً هو (الفاشوش في أحكام قراقوش) وتعني كلمة (فاشوش) في اللغة العربية: الأحكام الفاشلة أو الوهمية،  وقد ورد ي لسان العرب: فاشوش: ضعيف الرأي والعزم. ويقال في اللهجات العربية الدارجة: «فشوش» للشيء، أو للكلام أو للفعل الفارغ الذي لا مضمون له.

 لقد تناول ابن مماتي وغيره أحكام قراقوش بكثير من التهكُّم ونسبوا إليه أفعالاً تجافي العقلَ، لكن السيِّد حافظ سجل بمسرحيته علامة فارقة في تناول موضوعات الرجل تندرج في باب الفن، وليس من باب السيرة، مع أنهما اشتركا في التأريخ لحياة قراقوش.

وقد عُرفَ (حافظ) بالغوص في التاريخ ومعرفة تفاصليه، ومعالجة خباياها، من وجهة نظر تقدمية. وقدم العديد من المسرحيات التي تحاكي التاريخ، من مثل: (حكاية الفلاح عبد المطيع) و(ملك الزبالين) التي تحكي قصة من تاريخ دمشق، ومسرحية (الحاكم بأمر الله أو القاهرة حلاوة زمان)؛ إضافة إلى إسهامه في مسرح الطفل والمسلسلات التليفزيونية عدا عن الأفلام السينمائية.

علاقة حافظ بالتاريخ وبالتحيين

 وبالنسبة لتعمُّق السيِّد حافظ بالتاريخ يشار –مثلاً- إلى أنَّه عَمِلَ أكثر من ثلاثين عاماً من البحث الدؤوب حول شخصية الحاكم بأمر الله الفاطمي يتحرَّى الدقة في هذه الشخصية الإشكالية؛ كشخصية قراقوش قبل أن يكتب ويهديها إلى من أسماه “الأمير النبيل الذي ظلم كثيراً»، كما يشير إلى أن الحاكم قد سبق زمانه فكرياً بألفي سنة.

  وتُسجَّل للسيِّد حافظ موضوعيته –هنا- حيث بحث وتأمَّل وفكَّر ثم انتصر للحاكم وعرى شخصية قراقوش، في حين سنجد أنه قد بيَّن لنا جوانب عن تلك الشخصية وهو ما كشفه (يوسف زيدان) في روايته (حاكم) عن الشخصية نفسها. فنال قصب السبق... بمعنى: إن  السيِّد حافظ كان يبحث عن الحقيقة وينتصر لها من دون النظر إلى الرأي العام في المسألة، بل إنَّه كان يذهب إلى غاية التأثير في الرأي العام، خاصَّةً إن كان على خطأ، أو انساق لحالة نقلها مؤرخو القصور على نحو مغاير لحقيقتها لإرضاء ذوي السلطان، أو المنتصر. كان (حافظ) غير هيَّاب من الآراء المخالفة، قاصداً المقولة الحق لا يخشى في قولها لومة لائم.

 وفي مسرحية (قراقوش الأراجوز) قدَّم الكاتب عملاً تاريخياً غير وثائقي بقدر ما هو إبداعي، إذ يأتي نتيجة محاكمة فكرية لشخصية تاريخية متناقضة جلست على كرسي السلطة لثلاثة عقود، وعانى منها الشعب المصري معاناة كبيرة، وللتأكيد على موقف السيَّد حافظ الواضح من قراقوش نقف عند عتبات النص، محاولين تحليل مقتضى القول وأغراضه.

عتبة العنوان

 وبالوقف عند العتبة الأولى، ألا وهو العنوان، سنجد أولى الإحالات الذكية التي تربط بين شخصيتين موجودتين في الخيال الشعبي إلا وهما: (قراقوش) و(الأراجوز) أو «قراقوز». وإن كانت الأولى شخصية تاريخية من لحم ودم، فإن الثانية هي مجرد (دمية) و(صوت) لكاركتر اخترعه الخيال الشعبي، وتعامل معه، على أنه مدعاة للسخرية التي يحملها من حيث (الشكل)، ومن حيث (الموضوع) أيضاً، فهو ساخر في الوقت الذي هو مدعاة للسخرية، فهو ساخر لكنه مثال للهزء في الوقت نفسه. وأن تنعت شخصاً بأنَّه أراجوز فإنك تلحق به ضرراً معنويا، وتصمه بتلك الشخصية التي تحمل معاني الغباء والتردُّد والاستنتاجات الغشيمة التي توقعه في مشكلات عويصة. وهي دمية ألعبان، يحركها اللاعب الأساس كما يشتهي، وفي تلك إحالة لا تخفي على المتلقي، أو القارئ الحصيف.

  إذن هي تركيب غريبة ابتدعها المخيال الشعبي بشكل فريد وجمع فيها التناقضات التي يمجها الطبع العام لدى الشعب، تتلخص فيه الكليشهة الشعبية “مُقْرِف وبيتمقرف» أو (غبي ويعلم الفلسفة). فلأول مرة يكون الساخر غبياً لا متغابياً –كما في شخصية جحا- وهو بالتالي يثير الضحك على غبائه على على تغابيه، كما يحصل في طرائف جحا الذي يلوذ بتغابيه لينقذ نفسه من مواجه الحكام، أو لتدارك المواقف المحرجة. وكذلك سنجد مثل هذه الطرائف لدى أبي النواس الذي يتغابى اتقاء شر السلطان لتمير مواقف ساخرة.

لكن الأهم في عتبة العنوان هو أن الكاتب مرَّر عبارة تمرُّ على الذهن سريعا، لكنها تترسخ في (اللاوعي) لتربط بين الشخصيتين، ومع دورانها على الألسن يتشكل تركيب مزجي جديد، يولِّد معنىً راسخاً: (قراقوش الأراجوز)! وكأنه يعلن موقفه من عتبة العنوان: بأن قراقوش كان ألعوبة “أراجوز” بيد من صنعه ووضعه في سدَّة الحكم.

عتبة الإهداء والتحيين

 أما العتبة الدلالية الثانية للنص فقد جاءت في كلمة المؤلف، إذ يقول الكاتب: «إلى قراقوش- العبد الخصي الذي حكم مصر في عهد صلاح الدين الأيوبي، وحكمها بعد موت صلاح الدين».

 ولكي يؤكد الكاتب موضوعيته، فإنه لم ينزع عن شخصية قراقوش محاسنها في حين حكى مثالبها. يهدي الكاتب مسرحيته إلى (قراقوش) ذاته قائلاً: “إلى العبقري في الحرب والبناء، الغبي في العدل والإنصاف».

 إذن نجد أنَّ الكاتب حدَّد موقفه التاريخي منذ البداية، بل في الصفحة الفاصلة بين عنوان المسرحية، والورقة الأولى منها، ومضى إلى الإفصاح أكثر عندما وصف قراقوش بشكل صريح: “إلى عدو الثقافة والكتب، حبيب العسكر والمماليك».

 كثيرون هم الكتاب الذين لم ينظروا إلى المماليك وحكام مصر الأغراب طول نحو ثمانية قرون تلك النظرة الموضوعية على أنهم وافدون للتحكم بخيرات مصر وإرضاء إما الآستانة، أو  الدول الأوروبية، وكان ولاؤهم للقوى الفاعلة، في حين يديرون ظهرهم للشعب، وإنه لم يحكم مصر حاكم من أبنائها إلا بعد ثورة 23 يوليو 1952. لكن الكاتب الحصيف رأى أنهم أغراب تسطلوا على مقدرات الشعب المصري، وعلى إرادته الحرة في أن يكون حراً مستقلاً يحكم نفسه بنفسه. من هؤلاء الكُتَّاب يأتي السيِّد حافظ الذي يمايز بين القومية المبنية على هوية حضارية، وبين قومية براغماتية سواء أكانت اقتصادية أو دينية، فهو مؤمن أن الدين لا يقيم قومية كتلك التي سمحت لحكام أجانب أن يتحكموا بمصر البلد تحت شعارات براقة لم يقدرها المتسلطون، فعبثوا بمقدرات الشعب وحرياته وتصرفوا وكأنهم يملكون الناس والبلد بصك ووكالة أبدية غير قابلة للعزل.

 وخير دليل على هذا المذهب أن السيِّد حافظ نظر إلى الأمر نظرة تاريخية واعية، فجاء الإسقاط التاريخي والسياسي لديه انطلاقاً من قاعدة: (إن التاريخ يعيد نفسه دائماً)، فها هو يقول: «إلى زمنٍ ولَّى، وزمنٍ يجيء» أي أن المتسلطين والغزاة لم يكن وجودهم رهيناً بمرحلة تاريخية ولَّت.

 ويستعير الكاتب (حافظ) عبارت الشاعر المصري (أمل دنقل) مؤيداً وشاهداً على مرامه: “لا تحلموا بعالم سعيد، فخلف كل قراقوش، يقف قراقوش جديد».

 إنَّ السيِّد حافظ يمزج الكوميديا بالألم بالوعي التاريخي، لِمَ لا وهو الابن البار لطبيعة الشعب المصري الذي يحوِّلُ الألمَ إلى نكتة، والقهر إلى مزاحة، والوجع إلى أغنية، وينال الظالم والظلم بطرفة عميقة الغور بعيدة  المرامي، وخير مثال على ذلك دراسة الدكتور محمد رجب النجار4 في دراسته (جحا العربي) الذي عالج فيها طبيعة الشعب المصري المقهور تاريخياً والذي يبتدع النكتة عبر التاريخ بخفة دم صارت من سمات الشعب المصري. وفي هذا الاتجاه نفسه يقول (حافظ): “خلف كل ثائر يموت دمعة أسى وأحزان بلا جدوىن لكنني أرى في هذا الحزن كما في الكوميديا والضحك... كوميديا الشعب المصري  الي واجه السيف بالضحك، وواجه الظلم بالنكات».

 ويمضي (حافظ) إلى المواجهة الثورية أكثر فأكثر إذ يقول: «دعوني أقدم هذه الكوميديا الساخرة  في زمن قراقوش... رحمة الله على أجدادنا الذين تحملوه». ولا يغفل الكاتب عن (التحيين) والإسقاط التاريخي -الذي هو غاية الغايات عنده- فيختم بالقول: «يرحمنا الله من أي قراقوش».

عتبة الإيقاظ

 أما العتبة الثالثة في مفاتيح النص فتأتي في كلمة الكاتب (للباحثين والنقاد) التي ينبه فيها ويشير إلى مقاصده، لمن فاته ذلك، أو يحاول التفسير في سبيل غير الذي نهجه الكاتب، حيث يشير إلى أنه يعالج موضوعاً يهم الإنسان بالدرجة الأولى، ولا يقدم قطعة فنية متحفية بقدر ما يعالج واقعاً يتكرَّرُ بتكرُّرِ الظالمين عبر التاريخ.

 يقول السيِّد حافظ: “أعلم أنكم تقولون إنَّ القراقوز ظهر في مصر في عصر العثمانيين. إنني قد أراه ظهر في مصر في عهد الفاطميين، وعندما واجهت امرأة الحاكم بأمر الله –طيَّب الله ثراه- وكتبت له تشكوه، وتدعو عليه، وقدمت الورقة بيد القراقوز، وعندما أمسك الورقة لم يجد إلا عصل عُقلَ عليها اليد والطرحة... وشكل دمية المرأة. لذلك أرى أن هناك علامة قديمة بين القراقوز والشعب المصري، وأن خيال الظل كان موجوداً أيضاً. لذلك أجمع بين القراقوش والقراقوز لعلها تعجبكم5».

 إنَّ العبارة الأخيرة “لعلها تعجبكم» هي عبارة محايثة، أراد منها الكاتب أن يلوذ خلفها كعبارة انزياحية عن مفهوم آخر، هو عمق المقارنة بين شخصية هزلية، بل هي (هُزء) لدى الشعب، وبين شخصية تاريخية انقسمت الأراء حوله، فيما إن كان غشوما ظلوماً، أم مظلوماً لأنه بنى سور القاهرة وقلعة الجبل، وقناطر الأزبكية؛ وتسبب انقسام الشعب بشأنه –ربما- على أسس مذهبية فرضته إرادة المنتصر الذي مارس تنكيلاً بحق بعض المذاهب، لم يمارسه التتار ولا الصليبيون على المسلمين بشكل عام. بيد أن الكاتب كان ذكياً في استحضار التاريخ لوضعه في صورة لوحات ذكية في بنائها وفي نظمها، ولولا أن الكاتب أراد التصريح بموقفه، لكان من الصعب على النقاد والباحين والمراقبين أن يعرفوا حقيقة موقفه، بل ربما اختلف في موقفه كما اختلفت الآراء حلو شخصية قراقوش وصلاح الدين. لكن السيد حافظ قدم –في اعتقادي- شهادة تاريخية على التاريخ وللتاريخ. وهو يوضح رفض الشعب للظلم:

وجدان  : انت عارفة قراقوش عازم صلاح الدين على  الغداء، بيقولوا في اجتماع هام النهارده.

نرجس    : مش قادرة أفهم، اشمعنى قراقوش اللي مختاره صلاح الدين ليتحكم فينا؟

وجدان    : كل الناس بتقول كده، وكل الناس بتشتكي، وصلاح لدين يقول: أبداً إلا قراقوش. هو قال لي كده.

نرجس    : هو مين اللي قال لك؟

وجدان    : قراقوش طبعاً. اللي ح يقول لي –أُمال- صلاح الدين!

نرجس    : بس أنا عايزة أعرف متمسك بيكي ليه؟

وجدان    : وحياتك يا نرجس ما اعرف. بس هو بيقول إنه بيستريح لي  وبيتطمن لي ، وبيحب ياكل من إيدي. خايف لحد يحط له السم في الأكل.

نرجس    : يا ريت حد يحط له السم.6

المسرحية

 يعتمد (حافظ) في مسرحيته الكوميديا لغرضين رئيسين: أولاً المتعة والتفكه على شخصية سياسية حكم مصر لثلاثين عاماً، وهو موقف ذكر وجريء في الوقت نفسه، لكنه يؤكد حقيقة الأخبار التي نشرها الوزير الكاتب والمؤرخ (أسعد بن مماتي) في كتابه (الفاشوش في أخبار قراقوش) وذلك في لعبة فنية هي الأبقى والأخلد، لأن الأدب يعبر حدود الزمن والسياسة والأديان والطوائف.

 واللعبة الأخطر في العمل المسرحي هو أنه قدم تبريراً لعنوان المسرحية  (قراقوش الأراجوز) في أنه ضمنها الصراع بين الحاكم وبين ابن مماتي، وكيف أنه عمل على خلق مسرحية لـ(القراقوزات) الذين يقدمون المشاهد الذي كتبها ابن مماتي نفسه تحت عنوان «الفاشوش في أحكام قراقوش» وبالتالي فإن المسرح هنا تحول إلى أداه نضال ضد الطغيان عبر القراقوز -”الأراجوز” . إنه غرض مركب فعلاً أن يلوذ بالنكتة والأراجوز ليقدم غرضاً سياسيا نبيلاً، وهو ينسجم مع طبيعة الشعب المصري  الذي يلوذ بالنكتة للنيل من الحاكم الباغي.

 إن المقاومة في مسرحية حافظ تقوم من الشعب نفسه عبر وسائط تجعل الأدب قدوة ومثالاً يحتذى، وعلى الرغم من أن الطاغية كان يهدد رقاب الممثلين إلا أنهم يمضون إلى مصيرهم في مواجهة الظلم:

 ابن مماتي : ازيكم يا شباب؟

الجميع     : الله يسلمك يا محترم.

جعفر     : دا يوسف، مغني، ودا أيوب بيلعب ويغير صوته، ودا حمزة، مكار أحسن واحد في خيال الظل والقراقوز في المحروسة.

ابن مماتي : أهلا وسهلا بالشباب.

جعفر     : (يشير إلى ابن مماتي) و دا الوز......

ابن مماتي : (مقاطعاً) بتقول أيه؟

جعفر     : قصدي دا زير، بتاع مواسير وكوارع، وبقى من الأعيان، وعنده أفكار وحكايات عاملها مخصوص وعايزنا نقدمها في الحارت والشوارع.

الجميع    : ونحنا خدامين.

حمزة    : وح تدفع كام؟ بالصلاة على النبي.

ابن مماتي : (يخرج كيسي ذهب) كيسين.

جعفر    : (يأخذ الكيسين) نتفق –الأول- على الحكايات .

يوسف    : الحكاية اسمها أيه؟

ابن مماتي : الفاشوش في حكم قراقوش.

يوسف    : (ينظرون إلى بعضهم) أنت بتهزر!

ابن مماتي : أنا ما بهزرش،  حتقدموا حكايات عن قراقوش في الأراجوز.

أيوب    : يا عم احنا لسه طالعين من مشكلة مع قراقوش، واتفقنا نقدم حكاية الشاطر حسن وعنتر وأبو زيد الهلالي. لكن عن قراقوش دي صعبة، فيها شنقة.

جعفر    : جرى أيه... انتو داخلين في الراجل شمال كده ليه، مش عايزين فلوس بلاش. ابو زيد زي عنتر زي قراقوش.

حمزة    : يا جعفر قراقوش يبقى معناه اننا نحط رقبتنا قدام سيف قراقوش.

جعفر    : سيف قراقوش... هأو... من امتى وانتم بتخافوا من قراقوش؟

أيوب    : دا رجل مجنون. ضربنا 80 جلدة علشان شاور، أمال علشانه ح يعمل أيه؟7

ثانيا: ينحاز الكاتب إلى الشعب الذي عانى، ويشكر الأجداد على صبرهم. هذا الشكر المغلف بالإدانة لأنهم لم يثوروا على الظلم والظالم، وهو موقف تنويري، يدعو الشعب إلى استنباط التاريخ، ويدعوهم إلى الحرية وإلى إعلان الرأي بألا يرضخوا للظلم، وتلك هي غاية الأدب التنويري، وتتضمن الغرض التطهيري في الوقت نفسه.

 قدم الكاتب المشاهد بطريقة جاذبة وماتعة، وربط بينها بشكل فني بحيث يجعل المتابع متلهفاً ليس للضحك فحسب، بل لمتابعة الأحداث ومعرفة التفاصيل، ومتوقعا النتائج التي لا تأتي على هواه، ربما لأن الشخصية الموتورة لا يمكن توقع ردَّات فعلها. والكاتب لم يغفل عن علم النفس التجريبي بحيث كتب المواقف التي تجعل المتابع في دهشة حقيقية بأن مثل هذه ا لشخصية يمكن أن تؤتمن على بلد عظيم وكبير مثل مصر، وخاصة في مواقف هي في مح طبيعة النفس البشرية، كأن يمنع قراقوش الحب والزواج. أو أن يصدر أحكما تجافي طبيعة النفس البشرية.

 كما لا يفعل عن إثارة الإدانة بقيام هذا الحكام بحرق الكتب، في مكتبة من أغنى المكتبات في العالم، وقيامه بطرد الكتاب، واعتقال الشعراء والأدباء والمبدعين عامة.

صلاح الدين : بأمر صلاح الدين الأيوبي أقلنا الوزير ابن مماتي، وتم تعيين بهاء الدين قراقوش وزيرا ونائباً لنا.

الجماهير : (تصيح) عاش صلاح الدين. عاش صلاح الدين.

قراقوش    : بأمر قراقوش وزير ونائب السلطان صلاح الدين الأيوبي المعظم أمرت بحرق الكتب، وطرد الكتاب، وحرق المكتبات، واعتقال الشعراء والأدباء.8

 باختصار هذه المسرحية كنت صرخة بوجه الظلم، ودعوة إلى الحرية عبر نزهة عقلية لا تغفل عن معالجة الأسباب النفسية والسياسية والحضارية لشعب عظيم كالشعب المصري.

  لقد جمع السيِّد حافظ في هذه المسرحية فنون الفرجة بشكل احترافي، كما قدم مختلف طبقات الشعب، وعبر عن المقاومة الشعبية بأبهى صورها من خلال لعبة فنية مسرحية، كما تنوعت شخصياته لتشمل ذلك التنوع الثر في الشعب المصري الذي عاني من الظلم تاريخيا، فكأن الكاتب الذي لجأ إلى التاريخ فقط ليبعد الشبهة، أكد لنا أن ممارسات الحكام في السلطة هي غاية تثبيت السلطة، وأن الأدوات يجب أن تكون غبية ليأمن السلطان من طموحها، وأن هذا الظلم الغشوم هو وسيلة للسلطان كي يبقى هو المنقذ والحكم والمحبوب، والمخلص.

لقد قام السيَّد حافظ بفضح ممارسات الحاكم بطريق مبتكرة عبر لعبة مسرحية صارخة وعميقة وممتعة، وهي –في اعتقادي- غاية الفن ووسيلته المثلى.

الهوامش

1 - الأراجوز: تعبير شعبي مصري، محور  عن القراقوز، وهو لاعب خيال الظل أو محرك الدمي الذي يستعير صوتاً غريباً ليقدم من خلاله تمثيلية للنظارة تحمل غائية أدبية أو فنية أو اجتماعية.

2- كاتب مسرحي وأكاديمي، أستاذ الأدب المسرحي في الجامعة العربية الدولية

3 - حافظ، السيِّد، مسرحية (قراقوش الأراجوز) في كتاب (حكاية الفلاح عبد المطيع ومسرحيات أخرى). المجلس الأعلى للثقافة في مصر. الطبعة الأولى، القاهرة 2004

4 - النجار، رجب. جحا العربي. سلسلة عالم المعرفة الكويتية، العدد 10.

5 - حافظ، السيد. مسرحية (قراقوش- كراكوز،. ضمن كتاب: (حكاية الفللاح عبد المطيع) صادر عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر. ط1 1004. الصفحة 142.

6 - المسرحية، صفحة 174.

7- المسرحية ، صفحة 181.

8- المسرحية، صفحة 158.

________________________________________

 

داود أبو شقرة - سوريا

 

الجمعة، 21 يوليو 2023

مذكرات السيد حافظ الجزء الثاني

 مذكرات السيد حافظ

الجزء الثاني







تحقيق وتصدير ودراسة


د. ياسر جابر الجمَّال


أستاذ الأدب والنقد


الطبعة الأولي 2023



مذكرات السيد حافظ


 بين توثيق الحقيقة

 

والحقيقة الموازية 

 

د. ياسر جابر الجمَّال


أستاذ الأدب والنقد






لتحميل الكتاب كاملا بصيغة PDF اضغط على أحد الروابط التالية:

رابط التحميل الأول


رابط التحميل الثاني




تقديم

إن الكتابة هي اللغة الوحيدة التي تمكننا من ممارسة حقوقنا بصورة فاعلة، فهي القَصُّ والحكي والسرد، وهي الفعل ورد الفعل، وهي الفعل الذي يمارس سلطاته علينا بصورة مباشرة.

لا يمكننا العيش بدون التعبير عن أفكارنا وما يعتمل في خواطرنا، وإلا تحولنا إلى جمادات، ورغم ذلك فإن الجماد يتكلم بلغة لا يمكن إدراكها بصورة عفوية إنها دلالة المكان التي يطلق عليها سيميائة المكان.

الكتابة دراجات ودركات كما أن الجنة درجات والنار دركات، فالكتابات التي تحمل معاني التنوير والعدل والقضايا الإنسانية الخالدة هي التي ضمن الدرجات، رُتبتها في الدرجة - حسب ما تحمله وتطرحه من قضايا وتصورات تخدم الإنسان.

أما الكتابات الساقطة التي تحمل الزيف والمُهَاترات والتصورات الهدّامة هي ضمن الدركات - لا شك في ذلك ، وهي ساقطة ولو بعد حين، ومتهاوية من عليا زيفها إلى قاع المهانة وقاموس النسيان.

يُعَد الكاتب الكبير "السيد حافظ" من المثقفين الكبار في أمتنا العربية، وله دور محوري في الثقافة على مستويات متعددة، مابين المسرح والتلفيزيون والرواية والنقد.

شكّلت كتاباته أجيالا متعددة من المبدعين عبر ما كان يقو م به في المسرح والتليفزيون من أعمال درامية، ويعد ما يقدمه من أراء وتصورات كانت بمثابة النقش على الحجر في عالم الثقافة والكتابة.

لا يمكن بحال من الأحوال إغفال دور الأستاذ "السيد حافظ" في الحالة الثقافية العربية على كافة المسويات، فإن معاصرته ومجايلته لمراحل متعددة من ثقافتنا منحته القدرة على التربع على عرش الثقافة العربية في وقتنا الحالي.

إن ما نكتبه أو نحاول التأطير له ليس من باب المجاملة أو إعطاء المديح دون دراية، وإنما الحقيقة إن "السيد حافظ" مؤسسة ثقافية متكاملة الأركان تحتاج إلى  جهود كبيرة للنهوض بما فيها من قضايا علمية ومعرفية ، تخدم الأجيال الحالية والآتية.

كما إن الأستاذ "السيد حافظ" - حاليا - يحاول توثيق تجربته الثقافية والفكرية، ورحلاته  التي كانت بين الفن والحياة في عواصم متعددة من أمتنا العربية.

ومع التقدم الكبير الذي نعيشه في ظل عالم الذكاء الاصطناعي والتطورات المذهلة التي تدور من حولنا، يقوم الأستاذ "السيد حافظ" بتوثيق تجربته في لقاءات بينه وبين المشاهدين على كافة المستويات على اليوتيوب، بصورة تشاركية بينه وبين الجمهور، وهي طريقة جديدة لتوثيق المذكرات والكتابات لم تكن متاحة في الماضي.

يبُث من خلال هذه اللقاءات خلاصات عميقة وتصورات متنوعة حول قضايا متعددة متعلقة بالثقافة والفن والمنهج من حيث التصويب والتخطىء، وتلك الفترة تمثل لأجيالنا اللاحقة أهمية قصوى؛ فنحن بحاجة إلى الوقوف بعناية مع تلك المذكرات والحوارت؛ فهي تضع لنا العديد من المفاهيم والقضايا والشخصيات في بؤرة المكاشفة والوضوح والنقد.

إن الكاتب الكبير "السيد حافظ" في الجزء الثاني من مذكراته يُقدّم لنا مجموعة من القضايا، منها ما يتصل بالمنهج في الكتابة والتوثيق والسرد، ومنها ما يتعلق بالموقف والقضايا سواء على المستوى العام أو الخاص فهي تنهض على عدة محاور ثقافية وفكرية لا غنى عنها للإطار الثقافي والفني.

ولأننا نرى أن " التاريخ هو سرد وتوال لقصص وعبر الأمم السابقة، ولعل ذلك السرد التاريخي لم يكن مجرد قصص وحكايات يتداولها الكبار ويحفظونها ليسردوها على الصغار، وإنما كانت السرديات التاريخية متضمنة لخطابات ورسائل مبطنة، تعبر عن حدث ما أو لطيفة معينة. لعل تلك السرديات التاريخية تحمل في كنَفِها، عدة رسائل وخطابات مُبطّنة لها أبعاد معينة.

تُرى هل هناك سرديات تاريخية متعددة؟ وهل تنطوي على خطابات ورسائل لها أبعاد أم هي مجرد حكي عابر؟ هل الغرض منه الدعابة والوقوف على الأطلال أم له أبعاد أخرى تتجاوز النكتة؟ وهل يمكن الحديث عن سردية تاريخية سياسية وأخرى لها علاقة بالمجتمع؟()

نعم يمكن الحديث عن سرديات تاريخية متعددة تنفجر من نص "السيد حافظ" الذي يقدمه في مذكرات، تحمل دلالات متعددة تمتد إلى كافة الجوانب الاجتماعية والثقافية وغيرها.

ويؤكد هذا المعنى "سعيد يقطين" فيقول:" لا يمكن الحديث عن الأدب إلا من خلال أجناسه، كما أنه لا يتأتى لنا تناول أيّ جنس منها بدون الانطلاق من أحد أنواعه. يتقاسم الإحساس بنوعية الأجناس الأدبية كل من القراء والكتاب، ضمنا أو مباشرة. فحين يقرر كاتب ما إبداع عمل أدبي، فهو ينتجه في نطاق القصة أو الرواية أو القصيدة مثلا، ضمن تصور عام للأدب تلتقي فيه كل الأشكال الأدبية. وفي الوقت نفسه، يبدع ذلك الأثر في نطاق النوع الخاص الذي ينشغل به، مراعيا في ذلك القواعد الخاصة بهذا النوع على وجه الإجمال. ويمكن قول الشيء نفسه عن القارئ. فالذي يتجول بين الأروقة الخاصة بالأدب في مكتبة خاصة أو عامة، يختار منها ما يتلاءم مع ميولاته. إن عاشق الرواية البوليسية غير المهتم بالرواية العاطفية، أو التاريخية. وقس على ذلك. وكل قارئ لأيّ نوع تتشكل لديه خطاطات عامة لقواعد أيّ نوع فيمكنه ذلك، عبر التفاعل مع ما يقدمه له الإنتاج الأدبي، من تحقيق المتعة أو الفائدة المراد تحصيلها من وراء عملية القراءة."()

وحول الجزء الثاني من مذكرات الكاتب "السيد حافظ" الذي قمنا بتفريغه وضبط نصوصه ومقابلتها بالمقاطع على اليوتيوب وإخراجه إلى النور في صورة كتاب لتَعُمّ الفائدة، حاولتُ تقديم مجموعة من المقاربات النقدية تتعلق بما جاء فيها في عدة محاور كالآتي:

خطورة تحويل الصراع المادي إلى صراع فكري.

عندما يكون النص فاعلا أكثر من كونه مكتوبًا.

النص الفاعل والنص الميت - الخامل- (جدلية الواقع والمثال).

خطورة تحويل الصراع المادي إلى صراع فكري

إن من الإشكاليات التي نعيشها في العصر الحديث هو الصراع المادي المغلّف بالقضايا الفكرية أو الأطروحات العلمية، فلا يمكن مهاجمة شخصًا أو إنسانا إلا وفق رؤية منهجية معدة قبل ذلك، وأول ذلك إعطاء الأمر شرعية من الناحية الأدبية والفكرية، حتى يحتمي خلفها كل من يريد مجابهة هذا الشخص والنيل منه.

لا يمكن قطع رزق شخص ما مباشرة أو تعطيل أعمالة الإبداعية من أن ترى النور إلا من خلال سياقات معدة سلفا، حتى يتم محاصرته والقضاء عليه واغتياله معنويًا بعد ذلك.

هذه السردية تم تطويرها بصور متعددة عبر التاريخ، فقد بدأت بالوسائل التقليدية - شأنها شأن كافة الأفكارـ لكنها أخذت أساليب غاية في الدقة وبصورة لا يدركها إلا من خَبِر تلك الدروب، إنها مسألة أشبه بقضية أصحاب القفازات البيضاء، فهم في الظاهر يعالجون المرضى إلا إنهم في حقيقة الأمر يقتلونهم في صمت دون أدنى أثر لتلك الجرائم.

هذه الرؤية وتلك القضية يصورها الأستاذ الكبير "السيد حافظ" على امتداد مذكرات من خلال مواقف متعددة تتعلق بالنشر أو العرض المسرحي أو غير ذلك من القضايا، وهو بذلك يوثِّق الموقف العملي والحقيقي في تلك القضايا فمن ذلك عندما يقول الكاتب السيد حافظ: "حكى لي " فتحي العشري" أن "فاروق حسني" قال له: " السيد حافظ " لديه مسرحية عُرضت في الاسكندرية، فأين نعرضها في القاهرة؟

قال " فتحي العشري ": تُعرض في هيئة المسرح أو الثقافة الجماهيرية.

فكتب " فاروق حسني": يتم عرض المسرحية أسبوعا في هيئة المسرح وأسبوعا في الثقافة الجماهيرية..

حدث هذا الحوار في مكتب " فاروق حسني " عندما ذهب إليه "فتحي العشري" ليبارك له منصبه الجديد، حكاه لي " فتحي العشري " وأنا أثق به ثقة كبيرة جدا.. إذن الوزير أمر بعرض المسرحية .. لكن لم ينفذ أحد تعليمات الوزير !! ما هذا يا مصر!!

أصبحت لا أتعجب من شئ.. الوزير يكتب اعرضوا، ويوقِّع قرار طباعة أعمال " السيد حافظ " كاملة سبع مرات .. و"سمير سرحان" يرفض؛ متحججا بالتتابع ودوري في القائمة!!

موضوع تتابع الأدوار بالقائمة هذا مثيرا للسخرية!!

ومن تولّى بعد " فاروق حسني " كالدكتور العظيم " مجاهد أحمد مجاهد " ومن جاء بعدهم... جميعهم رفضوا!!

سعيت كثيرا بحثا عن هذا الورق ولأتتبع ما كتبه "فاروق حسني "من طلب عرض للمسرحية، لكن لما أجده.. أَخفُوا الورق..." ()

هذا موقف يؤسّس به "السيد حافظ" قضية خطيرة نعايشها في حياتنا اليومية.. نحن مجتمع المثقفين والأدباء والكتاب يكون مصيرنا الإقصاء والتهميش، ومن ثم التحنيط على قيد الحياة، بدلا من التكريم وتسليط الضوء على النماذج المشرفة والقدوات الثقافية يتم إزاحتها خارج بؤرة الثقافة والفكر، والمجتمع حتى تنزوي تلك الشخصيات العظيمة وتصبح في طي النسيان.

التاريخ يحدثنا في أكثر من موضع، وعلى امتداد السِنون، وجود نماذج عانت بصورة كبيرة من الإقصاء المتعمد، والإهمال المادي والمعنوي، ومن ذكره العصر الحديث الشاعر الكبير "بيرم التونسي" الذي كان يجلس بالساعات على سلالم المعاشات حتى يتقاضى بعض الجنيهات، لقد ذكر "السيد حافظ" ذلك في مذكراته وعقب عليه وتأسف شديدا لأننا بلغنا تلك المرحلة. هذه نقطة أولية في قضية توثيق الحقيقة والحقيقة الموازية التي نرصدها في مذكرات السيد حافظ.

من المؤسف أن يتناول أعمال "السيد حافظ" بالنقد والتحليل والتقييم من هو أقل منه في الفكر والثقافة والتأسيس المعرفي، والأدهى من ذلك أن يتولى تحيكم تلك الأعمال مَن حاله كذلك، وبضاعته في الثقافة والإبداع مزاجاة، لايستقيم لديه منهج.

هذا نوع من المغالطة والمخاتلة المعرفية، وهو نمط معلوم عند من يعرف دورب الثقافة في أمتنا، أن تُوضَع شخصيات لا علاقة لها بالإبداع وقرائتها للنصوص ليست إلا قراءةً عابرة؛ للتحكيم في اللجان والمسابقات الثقافية - بقصد أو بغير قصد.

وقد تَعرَّض "السيد حافظ " وغيرُه من المثقفين الكبار لمثل تلك المغالطة المُتعمّدة في كثير من الأحيان على امتداد مشروعه الثقافي، فمن ذلك ما يقصه في مذكراته حيث يقول:" من الأمور الطريفة التي أريد أن أتحدث عنها اليوم هو الوجع.. وجع الروح .. أمر "فاروق حسني " عام 2007م بعمل مسرحية لي، دفع لي ثمن التأليف من الوزارة ثم حولها إلى الدكتور " أشرف ذكي "، الدكتور " أشرف ذكي" وقف معي مواقف انسانية تفوق الخيال، مواقف أثناء وجودي في الإمارات، وعند عودتي إلى مصر، وما فعله مع ابني أثناء علاجه من خلال النقابة، وما فعله مع زوجتي ومعي أنا شخصيا، مواقف كثيرة لا تُنسى .. إلا إنه سلّم أمري – في عرض مسرحيتي على مسرح الدولة - لشاب وسيم محترم وهادئ، صوته منخفض، يمكن أن يصبح نجما سينيمائيا، ناقد اسمه " محمد مسعد "..

أعطاه النص، فكتب "محمد مسعد " أن هذا نص فاشل!!

لم أكن أتذكره في البداية وسألت الدكتور" أشرف ذكي" عنه، فرفض أن يخبرني بحجة أن هذا ممنوع، ثم أخبرني بعد إلحاح مني أنه شاب ناقد اسمه "محمد مسعد"، فتذكرته.. هذا الشاب هو نفسه الذي استخدمه مدير مسرح الكوميدي لإيقاف مسرحية (خطفوني ولاد الإيه)، حيث كتب تقريرا ضدي وكتب في نقده أن هذه المسرحية غير صالحة، علما بأن مخرجها كان " مجدي مجاهد " مدير مسرح الكوميدي السابق، وأخبرني أن " محمد مسعد" – وكان مسؤول القراءة وقتها – رفض النص، على الرغم من وجود الممثلين: "محمد عوض " و" خيرية أحمد."()

إن توثيق الحقيقة يحتاج إلى إقدام وجرئة من صاحبها حتى لا يعلوها رُكَام الزيف والتضليل، فالناس دائمًا تميل إلى الصوت العالي الذي يسيطر على الفضاء سواء أكان حقا أم باطلا مادام استحوذ على الأمور، وفي هذه الحالة تُصْنع الحقيقة المزيفة التي يهدف من خلالها طمس معالم الصواب والحقيقة الصادقة، ومن ثَم يترتب على ذلك قضايا لا حصر لها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

عندما يكون النص فاعلا أكثر من كونه مكتوبًا

الكتابات الخالدة هي تلك الكلمات التي تعلق بالإذهات وتنطلق في الفضاء عابرة كافة الحدود والحواجز مُعربَة عن ماهيتها ودلالتها بكافة الوسائل، فهي كالطيور لها أجنحة تحلق حيث تشاء، وتهبط حيث تريد، لا يمكن اعتراضها؛ فهي تمتلك من السلطات ما تعجز المواقف الفعلية التعبير عنه.

الكتابة نوع من المعاناة والمشقة لمن أراد أن يتنكب طريقها، لا تقل لي الكتابة إبداع أو نوع من الرفاهية، فهذا كلام لا يلتقي والكتابات الخالدة، فكما قال الشيخ "سيد درويش" إذا أردت أن تكتب شعرًا فعليك أن تكتب ما يُخلّد.

الكتابة تعني المسؤولية العلمية والأدبية تجاه النفس والأخرين، والقيمة، وإلا أصبح رعاع الناس من الكَتَبة والمُتَسلّقة في مقدمة الركْب، هنا معيار لا يمكن لأحد مهما كان أن يؤثر عليه أو يبلغه، وهو سلطة المكتوب الذاتية التي تنطلق من أحشائه الذاتية فقط، النص يدافع عن نفسه وعن وجوده وقضاياه، ويهاجم صاحبه - قبل عدوه - إذا انحرف عن قناعاته التي كتب بها هذا النص.

إذا أدركت ذلك علمت أن الكتابة هي المعرفة والعلم والهداية، وهي مهنة الرسل والأنبياء والخالدين. من هذا المنطلق وتلك الرؤية تخرج إلينا كتابات "السيد حافظ" الذي أثرى المكتبة العربية بعشرات المؤلفات ما بين المسرح والرواية والقصة، وهي كتابات تنبض بالحيوية والفاعلية؛ فالنصوص لدى "السيد حافظ" ليست مجرد تسويد صفحات أو كتابات مؤقتة بوقت معين، وإنما هي كتابات عابرة، ضاربة بجذورها في عمق القضايا الاجتماعية والفكرية من حولها، كما جاء في: (حكاية الفلاح عبدالمطيع)، (حرب الملوخية)، (وسام الرئيس)، (قهوة سادة)، (نسكافية)، (كابتشينو) وغيرها من الروايات التي تحمل نصوصًا حية، نصوصًا فاعلة في واقعها لا تتستر عليه أو تداهنه بأي صورة من الصور.

إن النص الحقيقي هو النص الكاشف لكل ما حوله من الزيف والاصطناع، وكتابات "السيد حافظ" من هذا القبيل، فالمسرح لديه " يجسد... صورة الشعوب، وذلك بالتعبير عن أفكار وعادات وتقاليد وثقافة كل منطقة، فهو بمثابة هويتها، وللمسرح علاقة وطيدة بالمجتمع لا تنفك بسهولة، فالنص المسرحي مرآة عاكسة للمجتمعات، لذلك يقدم المسرح القضايا الاجتماعية محاولا إخراجها على شكل إبداعات قصد إبراز أركان المجتمع ومعالجة ما يهدده من أمراض وآفات"().

فهذا النص الفاعل الذي يقدمه  "السيد حافظ" هو " نص معرفي تتلاقى فيه جملة من المعارف الإنسانية، أهمها على الإطلاق المعرفة الأدبية، لكنها ليست كافية وحدها، ولذلك فإنّ قارئ الأدب الذي يكتفي بمعرفة الأدب فقط تكون قراءته غير كافية، ومعرفته بالنص هي أيضا غير كافية وحدها، فعليه أن ينزع إلى معارف أخرى لأننا قد نجد في النص الأدبي المعرفة التاريخية والنفسية والاجتماعية والسياسية، وحتى المعرفة الاقتصادية والعلمية وغير ذلك من المعارف الإنسانية، وهو ما يلقي مسؤولية إضافية على كاهل المشتغل بالأدب كتابة وقراءة في التزوّد من المعارف قدر الإمكان للاستعانة بها في قراءة النصوص الأدبية وكتابتها"()

ونصوص "السيد حافظ" هي بمثابة مواقف مؤسسة ومحددة تجاه قضايا متنوعة ومتشابكة مع واقعنا الثقافي، فهي بمثابة  النص الفاعل تجاه تلك الأحداث، فقد خرج " فينا "السيد حافظ" يحارب ضد الموروث و الواقع و الهزيمه، علي عتبة العشرينيات من العمر أعلن الحرب علي المباني القديمه في المسرح، اللغة والدراما والأداء والصورة وكل عناصر المسرح، كان يبحث عن نصر أو غضب يصد النكسة ويدفع المهانة والعار، كان يدور بين المقاهي وأشكال التجمعات يُعلِن عن ثورة اسمها التجريب في كل عناصر المسرح (اللغة والتمثيل والصورة و المباني و الموسيقي و السرد)، التجريب هو اقتطاع جزء من كل معلوم وإعادة بنائه بحيث يصبح كيانا جديدا له منطق ووجود ولغة وشكل، بهذه الطريقة صور الغضب على خشبة المسرح بمُمَثلٍ ونص وشعر ورقص وموسيقى وألوان، حاول "السيد حافظ" إنشاء عالم مسرحي جديد ضد النكسة وأصنام الزمن والكذب . عام١٩٧٠م في الاسكندرية رفع "السيد حافظ" الآذان فقام معه جماعة الاجتياز المسرحية واستديو الدراما وجماعة المسرح الطليعي وأسس منفردا جماعة مسرح الطليعة.            

 مدخل جديد في حياتي ، كنّا مجموعة من الأصدقاء نخرج كل مساء لنلعب البلياردو وكنا نعيش حاله من التركيز والصمت أثناء اللعب حيث لا ضوء إلا فوق طاولة البلياردو، كل ماحولها ظلام تام وصمت لا تسمع غير حركة الكرات وقليل من التعليقات، كان "السيد حافظ" معنا كل مساء يشاهد مباريات البلياردو وهو الشخص الذي لا يهتم أبداً بغير المسرح و المطالعة، ذات مساء قال "السيد حافظ": هنا في صالة البلياردو أُشاهد أحدث وأجمل أشكال المسرح حيث الضوء على الطاولة يحدد مكان خشبة المسرح وعند دخول اللاعب تحت الضوء يبدء المشهد بين الحركة والتعليق والموضوع يتداخل بين اللعبة واللاعب وأصوات تأتي من الظلام خارج الترابيزة ويشتد الصراع بين الكُرات والعِصِيّ، و الكلام وحركة دخول وخروج اللاعبين تحت الضوء تخلق عالما ودراما ولغة وصورة، تخلق حالة مسرحية شديدة السحر والبهجة... هنا انتهى كلام "السيد حافظ".

بدأت حياتي مع التجريب و صناعه الدراما من خليط بين الحلم والواقع مع حرية بلا حدود في خلق وصناعة حكايات اسمها الواقع الموازي أو الفعل الحر، هنا اكتشفت أن أهم وأجمل أشكال الفعل هو تلك الدراما المسرحية التي يخلقها المؤلف، قد يفتح لك عامود البرق باباً في حالك الظلام فتجد أمامك عالم من السحر والبهجة اسمه المسرح، هكذا دخلت إلى عالم المسرح التجريبي حيث وجدتني حر في إنشاء عالم من الجنون والنشوى وجديد القواعد أشجار تطير وخيل تغني ونساء تحملن بين أيديهن مدن وأسواق، فتح "السيد حافظ" أمامي باب دنيا أخرى تدين لي بالفضل و الولاء .

  "السيد حافظ" ذلك المجنون الذي نصر الحلم ومدّ كَفيْه وأخذ القمر فرَمَاهُ في عين الشمس فأصبح الظل فوق الشجر والنساء أقرب من الوقت والمسافة، "السيد حافظ" شيطان ونبي يُرتّل ما تيسر من آيات الدراما، "السيد حافظ" فتح نوافذ التنوير في عالم المسرح ().  

هذا هو النص الفاعل الذي نقصده والذي تتحور كافة كتابات "السيد حافظ" حوله، نص ينبض بالحيوية والتجديد، وعدم الاعتماد على المُورَّث فقط، لقد استطاع "السيد حافظ" إخراج الموَرّث في ثوب جديد يتناسب مع الواقع من حوله ومفرداته الجديدة التي تحتاج إلى معالجةٍ واقعية ودقيقة، نعم قدم "السيد حافظ" ثورة على الموروث وليس انخلاعا من الجذور، استدعى التراث لكن في ثوب جديد، انتقد الواقع لكن قدم البديل لبناء المستقبل، هكذا هي النصوص الحية والفاعلة في واقعها.

هذه هي كتابات السيد حافظ، أما مذكراته فهي شيء أخر ، شيء يقص علينا فيه العوامل التي ساهمت في نشر إبداعه، والعوامل التي كانت تعيق ذلك الإبداع، سواء من الأصدقاء أو الأعدقاء أو الأعداء، المذكرات تقصُّ علينا نبأ قوم واجهوا "السيد حافظ" وحاولوا تحطيمه وإعاقته بكافة السُبل في الحالة الثقافية، كما تقص علينا نماذج مشرفة كما يسميها " شخصيات جميلة في حياتي " .

النص الفاعل والنص الميت- الخامل- (جدلية الواقع والمثال )

النص من وجهة نظري ليس مجموعة من العبارات والجمل المنضبطة نحويًا وبلاغيًا، فهذا من التأسيس الأوّلِي له؛ إنما النص كائن فاعل في منتجه ومتلقيه، وفاعل في ذاته قبل ذلك، ولا يمكن أن تنتهي العلامات التي تتصاعد منه بمرو الوقت والمكان الذي يعتمل فيه ومن خلاله.

إن النصوص الخالدة والفاعلة تفرض نفسها بصورة مباشرة على الساحة الأدبية والمعرفية، ولا تستجيب لعوامل العزل والتعرية التي يمارسها الأخرون ضدها، مهما كانت قوة هؤلاء.

إذ " لا جدال ولا نقاش حول مكانة النص الأدبي، ودوره الديناميكي في حقل تعليميه اللغات، غير أن ما ينبغي التأكيد عليه ولفت الانتباه إليه، هو أن النص الأدبي يجسد ببنائه المكتمل، حركة تفاعلية نشيطة بين أقطاب العملية التعليمية، التي تسعى من خلال أدوارها المَنُوطة بها إلى بلورة مساعي وأهداف المنظومة التربوية التعليمية، في خلق قارئ متميز ومتفاعل، متشبع بحمولات النص العلمية والفنية والثقافية والتربوية، ومن أجل ذلك يراهن النص الأدبي على مجموعة من الآليات، والمنهجيات التي تسمح له باستكمال صورته الأدبية والجمالية، ومما لا شك فيه أنّ القراءة هي السبيل الوحيد، الذي يضمن للنص الأدبي تحقيق وجوده الفعلي في الواقع الملموس، ذلك لأن الفعل الإبداعي هو لحظة إبداعية غير مكتملة، لأنّ عملية الكتابة تستدعي عملية القراءة، كتلازم جدلي بينهما، يساهم فيه بشكل مباشر القارئ، الذي يُتمّم إنجاز النص ويعطيه شهادة الوجود بالفعل" ()

من ذلك مسرحية (حرب الملوخية) من بين الأعمال التي تعتبر رائدة وجريئة، وتفصح عن الموقع الذي يحتله "السيد حافظ" في مجال المسرح تنظيراً وإبداعاً. و نحن بتحليلنا لبعض جوانب هذه المسرحية لا ندّعي المقاربة الشاملة لها، لأن ثراء هذا النص يستدعي مزيداً من البحث و التحليل، لقد فضلنا تفادي المجازفة بتحليل كل مكوناتها، لكننا بالمقابل نؤكد أن قراءة نصوص "السيد حافظ" لا بد و أن تتم في سياق مقاربة شاملة. إن قراءة نص واحد من جملة مجموعة من النصوص هي عملية بتر غير ممنهج للتجربة الإبداعية عند هذا الكاتب، وعذرنا في هذا أننا عملنا بالأساس على استجلاء بعض مكونات الخطاب المسرحي. ويبقى النص بحاجة إلى الكثير من الإضاءات النقدية نظرا لما يتوفر عليه من غنى وإيحاء."()

هذا نص واحد من نصوص "السيد حافظ " التي تفوح من ثناياها مقومات الإبداع والإبتكار، فعندما قدم "السيد حافظ" عنوانًا كهذا حرب الملوخية - " كنا كثيراً ما نسمع ونشاهد عروضا تحمل نفس العنوان، ومع ذلك فهي لا تنتمي إلى الكوميديا من قريب أو بعيد وخاصة فى عصور الانحدار الثقافي وإفلاس الإبداع، وعندما يستعمل تجار المسرح وبسند من أموالهم مسرح القطاع الخاص للفظة السحرية (مسرحية كوميدية)، وماهو دليل التزييف والتحوير فى الكيانات المسرحية السيئة، والتى تبهر باللفظة عينها السذج من الجماهير أيا كان مكانها.

المسرحية تاريخية كما أشار مؤلفها؛ لأنها تدور وسط أحداث تاريخية حقا وهي كوميديا لأنها كوميديا من نسيج خاص خالف الكوميديات ولا أبالغ إذا قلت هذا منذ القديم القديم وحتى الآن.. لماذا؟"()

دائما كانت اختيارات "السيد حافظ" لنصوصه وعناوين تلك النصوص توحي بالدقة والعناية والدلالة المرجوة من ذلك، فهذا يؤكد مدى حرصه على الرسالة المقصودة والنتيجة المنتظرة من ذلك، ولذلك جاءت هذه النصوص طيعة سهلة تنبض بالحياة وتحمل انسيابية كبيرة، " "فالسيد حافظ" ليس مجرد كاتب مسرحي يحكي لنا حدثاً فى قالب درامى مسرحي، بل يعتبر بإنتاجه الفكري الناضج خالقاً مبدعاً له لعالمه الخاص وفلسفته الخاصة. وهو يغوص دائماً فى أعماق النفس الإنسانية محاولاً الكشف والوصول إلى المثالية التى فقدناها فى القرن العشرين محاولاً الكشف عن كل ما يقابله إنسان ذلك العصر من صراعات مالية ونفسية وحضارية. والذي لا شك فيه هو أن "السيد حافظ" يسعى جاهداً إلى خلق أعمال باقية على الزمن مما دفعه غير مرة إلى الخروج صراحة على الأشكال الفنية المألوفة (وهذا ما يؤكده الناقد العربى على شلش - عن مسرح "السيد حافظ" - حينما قال أن ("السيد حافظ" حطم بطموحه وجرأته قواعد المسرح من أرسطو إلى بريخت)، وإلى توسيع أبعاد فنه إلى مستوى التنبؤ العام الشامل بالإضافة إلى الاهتمام بموضوعات الساعة والقضايا المباشرة.

"السيد حافظ" من الكتاب الذين يحملون مسؤولية الغد على أكتافه، فهو يخوض غمار معركة الحق والحقيقة... وهو يرفض أن يكون ملتزماً بالأفكار المجرد، فمسرحه يتكلم عن كل الزمان الإنسانية... فهو يتكلم فى مسرحه عن قضاياً إنسانية متعددة... الكاتب لم يحمل جواز سفر مصرياً فقط، بل فى الحقيقة حمل هذا الكاتب جواز سفر عربياً أفريقياً عالمياً.. فكل قلوب الناس جنسيته."()

نعم هذه ثيمة "السيد حافظ" اللامنتمي، انتماءه إلى القيم كالعدل والمساوة، والمظلومين، دائماً ما كتب حول ذلك، وتحدث حول ذلك، نصرة الإنسان في أي مكان، لذلك كان دائما يعاني بسبب تلك القضايا، " فرفض الواقع مسألة تصعب ممارستها وبخاصة عند الذين لا يملكون البديل للواقع المرفوض. فهؤلاء ليس أمامهم غير الهروب لا من أجل البحث عن بديل من أجل التناسي، التسكع افغماء الواعى، الإلتفات إلى الوراء للتأكد من متابعة واقعهم لهم. ومسألة الهروب هذه هى فى الحقيقة عملية ترسيخ للواقع، وتجذير لأيامه. لذلك نجد حديث الهاربين لا يحتوي إلا على صفحات أراد هذا الإنسان أو ذاك الهروب منها، وتأكد بعد بدايته فى الهروب من استحالة التخلي عنها لأنها تعنيه كياناً، وإنساناً وابناً شرعياً لها، ونتيجة طبيعية لسلوكياتها"().

السيد حافظ لم يكن يهرب من واقعه ويزيف النصوص  حتى يُكتَب له الحظوة والذيوع كغيره من أنصاف المثقفين والكتاب، وإنما كان يكتب نصوصًا حية حقيقية تحمل في طياتها علاجًا لكثير من أمراضنا الثقافية، فقد قدم في أعماله نقدا لكافة السلبيات من حوله في صورة كوميدية أو تراجيدية، وقدم الحلول والمخرج من ذلك للنهوض ببيئة ثقافية جديدة، وفي تلك  المذكرات قدم لنا رؤية حقيقة حول الحياة الثقافية في أمتنا، وحول المعوقات التي تحيل دون الإبداع الحقيقي من الوصول للمتلقين، كما قدم لنا نماذج مشرفة من الكتاب والمبدعين في كافة الأقطار، إنه بذلك يضع الحقيقة بين أيدينا حتى نكون على بينة من أمرنا ، وهل نحن نستطيع تقبل ذلك بصورة شفافة، ونتجاوز حالة الخواء الثقافي ونقدم حالة نقد حقيقي؟ أسئلة متعددة ومقاربات متعددة نتعرف عليها من خلال مطالعة مذكرات السيد حافظ في هذا الجزء بإذن الله تعالى.

د. ياسر جابر الجمال

أستاذ الأدب والنقد

القاهرة 14/7/2023م

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More