تعد رواية " قهوة سادة " للروائي السيد حافظ مشروعاً ثقافياً ونقدياً باهراً في آن واحد ، لما تحمله في بنيتها العميقة من عملية تناسل للمدلولات الثقافية ، وما هذا المشروع النقدي إلا دليلاً واضحاً على ذلك، فهو يعالج "جدلية الأنساق والدلالات الرمزية المضمرة في السرد الروائي" في هذه الرواية ، وهذه المعالجة تشتغل عليها المنظومة النقدية الحديثة في طروحاتها ، إذ أصبحت " الأنساق المضمرة " نظرية معرفية – ابستميولوجية تفرزها البيئة الثقافية والحضارية، وهي تختفي تحت عباءة بنية الخطابات الأدبية السردية كالرواية ، وتؤشر بصورة ادهاشية لهذه الثقافة الكائنة فكرياً، والمتحركة ألسنياً ما بين عنصري عملية التواصل – الخطاب والمتلقي ، وتتبنى هذه النظرية بعضاً من استراتجيات جاك دريدا وميشال فوكو التفكيكية القائمة على مبدأ الاختلاف بالدرجة الأساس ، لكنها تسعى لتحقيق التكامل المعرفي ما بين الظاهر والمضمر لبيان مجمل الأنساق والدلالات الرمزية والإيحائية سواءً أكانت مهيمنة أو متضافرة ، مشكلة بذلك ثنائية ضدية متقاطبة ، مجالها النقد الثقافي الذي يؤسس لثلاث بنى قصدية : معجمية ورمزية وثقافية ، فالدلالة الرمزية والثقافية ثيمات مضمرة مخبوءة تحت السطح عملت الذات على صياغتها سردياً لا لجعلها مشروعاً ذاتياً فحسب وإنما ثقافة كلية تحكمها قوانين الخطاب وكفاءة المتلقي في التقاط السياقات الداخلة والخارجة عن الكلام .
قرأت ثلاث مسرحیات لثلاثة كتاب مسرح معروفین على الساحة المسرحیة العربیة عن الخلیفة الفاطمي الحاكم بأمر ﷲ ، وبقدر ما استمتعت بهذه المسرحیات الثلاث بقدر ما حفزتني على الكتابة حولها ، كي أقارن بینها وخاصة أنها كتبت من طرف مبدعین من جیلین مختلفین ومن بلدین عربیین مختلفین ، حیث قرأت المسرحیة الأولى التي كتبها الأدیب المصري الكبیر علي أحمد باكثیر ووضعها تحت اسم "سر الحاكم بأمر ﷲ"( وجاءت في ۲٥۱ ص من الحجم المتوسط .
والمسرحیة الثانیة من تألیف الكاتب المصري الشاب السید حافظ وعنونها بـ (حلاوة زمان أو عاشق القاهرة الحاكم بأمر ﷲ)(1) وقد صدرت في حجم كبیر من ۱۱۸۸ ص.
أما المسرحیة الثالثة والتي استوقفتني طویلاً ، قراءة وتدریساً للطلبة فهي مسرحیة الشاعر التونسي الأستاذ البشیر القهواجي والتي تحمل عنوان (بیارق ﷲ) وقد نشرت في ٥۱۱ ص من الحجم الصغیر.
لا عجب في هذا العنوان المثير والطويل والغريب فهو أي هذا العنوان يليق بالسيد حافظ المتعدد المواهب والقدرات والتي ظهرت عليه في ريعان شبابه في مسقط رأسه بعاصمة الدنيا الإسكندرية .
وبنفس الروح السكندرية تلبس السيد حافظ روح ومعيار بلده وأيضًا وفى نفس التوقيت المذهل تلبثت الروح السكندرية جسد وروح بطلنا التراجيدي السيد حافظ. وانكب في بداية مواهبه المذهلة غائصًا في دنيا المسرح أخصائي مسرح – مؤلف مسرح – مخرج مسرح – ممثل – ناقد وأصبح السيد حافظ علامة فارقة في دنيا المسرح بمصر والوطن العربي محترفًا ذائع الصيت. وأغرب ما في هذا الموضوع أننى التقيته ونحن شباب في الإسكندرية وإن كنت أنا أسبقه بعقد أو أكثر من الزمان إلا أننا للمصادفة المدهشة أننا نصارع قرنين من الزمان كل في حلبته وأحيانًا كثيرة وغالباً ما تجمعنا حلقة المصارعة وإن كان الاسم للزمان وللدقة لنوافل ما يحدث في هذا الزمان من أعاجيب ومنغصات ومعوقات وأحيانًا كثيرة وهي الأغلب صراع مع تجهم الزمن وتضييق البشر. جمعنا الطموح والشباب وروح السبعينات التي كانت تكهرب الدنيا. يوم أن كان اليسار موضة الشباب وفتوة العالم وكانت النجومية الطاغية للمناضل جيفارا.. في هذه الزحمة تعارفنا وافترقنا ولكن كل منا في عرينه يرعاه ومع موهبته ينزفها مع نفسه وغباء عصره.. وعلى امتداد السنين أخذ علو اسم السيد حافظ كاتبًا مسرحيًا متعدد المناهل : فكتب للفلاح .. ولأبى ذر وكتب للتاريخ وكتب للطفل وكتب المسلسلات ولم يترك شقًا إلا وكتب فيه. ولقد تمثل بطلنا السيد حافظ كل ما قرأه وعرفه من مذاهب الإبداع فهو تمثل .. بلزاك في ذروة الواقع واميل زولا بشير المذهب الطبيعى ثم الواقعية الرمزية عند ابسن ثم عرج على مترلنك مدهش الرمزية ثم غاص مع ماكسيم جوركى مصبح وسبح كذلك فى تيار الواقعية الاشتراكية وصاحب جان بول سارتر ومسرح الأفكار وكذلك عميد الكتابة المسرحية والعربية توفيق الحكيم . كل هذا والسيد حافظ لا يرتوي فهو قد تصاحب أيضاً مع بريخت وجنون يونيسكو وبتليت واستوديوى مع ماكس رينهات وعرف الشقاوة مع تينسى وليامز وأرثر ميلر وتعبد في محراب يوجين أونيل ومع كل هذا وذاك لم نلمحه مرة يقلد أو ينقل ولكن للرحلة بناء عقلى وروحى وظل إبداعه يحمل روحه وبحثه وعمقه في التاريخ البشري. والأعجب والأغرب أن السيد حافظ كما أسلفنا عن شبابه وكيف أنه وجد اليسار فتوة الدنيا في ذلك الوقت فالتصقت به اليسارية بحكم صداقته اللصيقة بأصدقائه وعومل على أساس اليسارية وحوسب عليها وصنف كثيرًا على أنه منها.. وعلى الرغم هذا فهو لم يتحسس أن يبتعد أو أن ينفس بل ظل صديقًا وفيًا وقريباً من كل أصدقائه الضالعين في مضمار اليسار. كل هذا والسيد حافظ يصارع القرن العشرين ويصمد ويقاتل وظل حاضرا للنضال للقرن الواحد والعشرين بكل أدواته الأدبية والفكرية وبنفس الصلابة. بل والأعجب من ذلك أن السيد حافظ في عام 1997 فاجأ الدنيا بأول رواية له “مسافرون بلا هوية” ثم داوم على كتابة عدة روايات ومنها : نسكافيه 2010 قهوة سادة 2011 كابتشينو 2012 شاي أخضر - شاي بالياسمين 2014 كل من عليها خان 2015 حتى يطمئن قلبي 2016 ما أنا بكاتب (تشظى منها روايتان : وهمت به – شط إسكندرية يا شط الهوى) 2017 نور وموسى الحبل السري للروح 2018 نيروزي والبنت وجد 2018 شهر زاد تحب القهوة سادة 2018 كرس على البحر 2018 هل ما زلت تشرب السيجار 2018 الحاكم بأمر الله وشمس 2018 وتحممت بعطرها 2019 حكاية البنت لامار وقراقوش 2019 لو لم أعشقها 2019 كل هذا الحب 2019 نسيت أحلامى فى باريس 2019 أنا وفاطمة ومارك 2012 – رواية رقمية تفاعلية ط 2020 أنا ومارك ويوسف 2011 – مذكرات رجل يضاجع الوطن والتاريخ – الجزء الأول – طبعة 2021 زينب وأنا ومارك 2014 رواية رقمية تفاعلية ط 2022 وهذه روايات وبعيدًا عن التمجيد والإشادة فأنا قلت في أحد الندوات عن السيد حافظ الروائى ... “ إنه قلب الصفحة وكتب الرواية الخاصة به وبروحه وإبداعه المتميز وإذا كان معتادًا أن المسرحي يكتب رواية أو العكس إلا إنه يبقى أن السيد حافظ على تميزه الروائى كما حافظ على تميزه المسرحي وهو الذى عاصر في القرنين ثورة الرواية في العالم وعوالمها وابتكاراتها إلا أنه وضع بصمته كروائى مبتكر إلى جانب أساطين الرواية في الدنيا كلها»