Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الاثنين، 22 مايو 2017

الخطاب النفسي في مسرحية امرأتان للسـيد حافظ


الخطاب النفسي في مسرحية امرأتان للسـيد حافظ

أ.ليلى بن عائشة

 
لم أجد لدراسة هذه المسرحية أفضل من التركيز على بنية 
الخطاب النفسي ،لأنها مسرحية مفعمة بل وطافحة بهذا النوع من الخطاب،الذي أراد الكاتب أن يقول من خلاله الكثير ،مما سنحاول الوقوف عليه عبر هذه القراءة المقتضبة،وسأستعين فيها بكل ما من شأنه أن يبرز لنا قيمة وتأثير هذا النوع من الخطابات في المتلقي قارئا كان أم متفرجا مستكنهة لب (امرأتان).ولنبدأ من حيث يجب أن تكون البداية ،بمصطلح الخطاب الذي لا يختلف اثنان في أنه «كل كلام تجاوز الجملة الواحدة سواء كان مكتوبا أو ملفوظا »(1).
ويعرفه "بنفنست"بأنه «الملفوظ منظورا إليه من وجهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل..»(2). وبشكل أدق فالخطاب عنده هو«كل تلفظ يفترض متكلما ومستمعا وعند الأول هدف التأثير على الثاني »(3).
ولا شك أن "السيد حافظ" قد اختار الخطاب النفسي والاجتماعي وصبه ضمن القالب المسرحي ليكوّن مرسلة معينة لها بداية ولها نهاية كمتتالية لسانية، ولكنها بالمقابل لا تنتهي لأنها تصل إلى عدد لا حصر له من المتلقين القراء ممن ستقع هذه المسرحية بين أيديهم ،وعدد آخر من المتلقين الذين ربما يعدون أكثر حظا من حيث حصولهم على متعة القراءة للمسرحية من جهة ومتعة المشاهدة لها كعرض من جهة ثانية.وإذا ما عدنا إلى تعريف الخطاب من وجهة نظر السيكو-لسانيات فإنه عبارة عن«متتالية منسجمة من الملفوظات»(4)،وهذا الانسجام لا يتأتى لنا هكذا ،وإنما بتضافر مجموعة من العناصر والتي يتحدد وفقها هذا التناسق ونجملها فيما يلي:
«1-
إن الخطاب يفترض تعالقا يتم بواسطة الفعالية التلفظية بين مجموعة من الملفوظات.هذه الملفوظات لا يجب اعتبارها مبنية سلفا وأن علينا أن نربط بينها ،...
2-
لكن الطابع السابق ليس كافيا فالخطاب هو أيضا عملية مستمرة:إنه يجري في الزمن بشكل موجه.وهذا الطابع الموجه ينعكس داخل الملفوظ ذاته من خلال البنية:علاقات الموضوع بالمحمول ... وهكذا يتجلى الخطاب كتتابع تحويلات تتيح الانتقال من حالة إلى أخرى..
3-
وأخيرا أن التتابع لا يتم بأي وجه ،إنه يأخذ طابع التصاعد في اتجاه هدف ما.وتبعا لذلك تغدو للخطاب فعلا قصدية.ومن.. هذا العنصر الأخير يبدو المنطلق السيكولوجي...ومن خلال ترابط هذه الملاحظات يتحقق الخطاب كفعل منسجم »(5) .
وبما أننا بصدد تقديم قراءة في مسرحية وجب أن نتسلح بما يسعفنا في إنجاز ذلك ،خاصة وأننا سنقدم قراءة في مسرحية لكاتب لم نتعود منه كتابة أي كلام ،بل إنه كاتب برهن من خلال أعماله بأنه ينتقي ما يكتب،وعما يكتب بعناية شديدة ،بل إنه ينتقي أيضا لـمن يكتب«ألم يقل هنري جيمس،في هذا المعنى،بأن..كل مؤلف يمكن أن..يبتكر..قارئه بنفس الطريقة التي يبتكر بها شخصياته»(6).كذلك هو "السيد حافظ" يبتكرنا ويثير بكتاباته فينا روح القراءة الفاعلة والمثمرة،ثم إن استراتيجية الكتابة لديه تحفزنا عبر بناها على المساهمة الجادة والمتأنية في بناء المعنى وإنتاجه.
إن القراءة الحقيقية هي تلك التي تسعى سعيا حثيثا إلى الإفصاح عما يريد الكاتب قوله فـ«القراءة حرية لا تمنح الوجود ولا تأسره ،وخاصة لما يتعلق الأمر بوجود وعي الكاتب في النص،أي ما أراد أن يقوله ،لكن حرية القراءة أكثر شساعة من ذلك إنها تهتم بما لا يريد الكاتب قوله أيضا، هكذا تكون القراءة التحاقا بنية الكاتب، التحاقا بعالم الكتابة كما هو مهيأ أصلا لإعادة صوغ ولإعادة نسج، وفق مشترطات التفاعل ،وفي أفق يجعل القارئ «لا مستهلكا للنص بل منتجا له» ..حيث تتجه القراءة صوب هدفها مسترشدة بأفقها النظري والمعرفي ،مستندة إلى ذاتها المؤسسة »(7).
إن القارئ الفعال –في رأيي- هو ذاك الذي يحاول أن يبني علاقة متينة مع النص الذي هو بصدد قراءته،بل إن«علاقة القارئ بالنص..هي علاقة مزدوجة:من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص.هنا يتأسس الحوار والتبادل،وتتبلور تلك الجدلية اللانهائية..حيث يكون النص متوفرا –بالضرورة- على استراتيجية ينبغي للقارئ أن يستثمرها لا لفهم النص [فحسب]بل لبناء معناه المتعدد»(8). إننا إذ نورد هذه المفاهيم إنما لنسترشد بها ولتكون دليلنا إلى قراءة نتوسم أن تكون فاعلة ومنتجة .
تتكون مسرحية (امرأتان) "للسيد حافظ"من فصل واحد،ومن عدد محدود من الشخصيات أبرزها وأهمها على وجه الخصوص :
-
شخصية (سنية).
-
شخصية (هدى).وتضاف إليهما شخصية (سليمان) وهي أقل بروزا منهما .
فإذا حاولنا في البداية أن نحدد طبيعة التواصل بين الأطراف الفاعلة والمشاركة في الخطاب المسرحي لـ(امرأتان)فبإمكاننا التمثيل له بالشكل (1)–مع العلم أنني لم أشاهد عرض هذه المسرحية،ولكن انطلاقا من اطلاعي على بعض مما كتب عنها في الجرائد التقطت على الأقل أسماء الممثلين الذين أدوا أدوار الشخصيات التي اقترحها الكاتب وسيتم التركيز في هذا المخطط على كل الأطراف-.
يتشكل المخطط من قطب الإرسال الذي يتمثل في :المؤلف "السيد حافظ "من جهة ،والمخرج "محمد سمير حسني" من جهة أخرى، واللذان يرسلان إبداعهما عن طريق قطب آخر؛ فبالنسبة للمؤلف قطب إرساله يتمثل في الشخصيات التي ابتكرها والتي أخذت على عاتقها عبء تطوير الأحداث وهي: سنية، هدى،وسليمان.وبالنسبة للمخرج فالقطب الذي يعتمد عليه في الإرسال –بالإضافة إلى ميكانيزمات الإخراج المتنوعة إضاءة،ديكور،..وغيرها– هم الممثلون:ماجدة منير،آمال رمزي،ورضا عبد الحكيم.ويتمثل قطب التلقي في الشخصيات نفسها باعتبار تبادل الحوار،والممثلون أنفسهم لذات السبب هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد الجزء الأهم في قطب التلقي،هو المتلقي الذي يتمثل في القراء من ناحية ومن بين هؤلاء ليلى بن عائشة –وهذا النوع من المتلقين يخص الكاتب فقط أي أن علاقتهم تكون علاقة مباشرة مع الكاتب عن طريق المسرحية المكتوبة- والمتفرجون من ناحية ثانية وهؤلاء علاقتهم في التلقي تكون مزدوجة مع الكاتب باعتباره مؤلف المسرحية،ومع المخرج باعتباره المبدع في مجال إخراج هذا العمل،وإن كان هنالك عدد كبير ممن يساعدونه في إنجاز هذه المهمة، ويدخلون ضمن قطبي الإرسال والتلقي تبعا لطبيعة العلاقة التي تجمعهم مع الآخرين، وإن كان ذلك كله ضمنا (أي يستشف فقط).
قطب الإرسال قطب التلقي


المؤلف الشخصية الممثل(ة) الممثل(ة) الشخصية المتلقي
(
السيد حافظ) سنية ماجدة منير ماجدة منير سنية القارئ
المخرج هدى آمال رمزي آمال رمزي هدى ( ليلى بن
محمد سمير حسني سليمان رضا ع/الحكيم رضا ع/الحكيم سليمان عائشة )
ت تواصل تناظري=ذوات حقيقية المتفرج
تواصل لا تناظري=ذوات غير حقيقية
تواصل تناظري=ذوات حقيقية
شكل(01)
وسنحاول فيما يلي الوقوف على طبيعة هذا التواصل على الأقل بيننا كقراء وبين الكاتب "السيد حافظ" وتحديدا عبر عمله المسرحي هذا لنكشف النقاب .
 
إن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة هو لماذا (امرأتان) وليس (رجلان) ؟ في اعتقادي أن الكاتب أصاب في اختياره للفئة التي سيسبر أغوارها ويكشف عن دخيلتها؛فالمرأة بدون شك مخلوق ضعيف مهما تظاهرت بالقوة ،ومهما توصلت إلى أن تكون في مركز قوة ،فطبيعتها التي فطرت عليها هي جنوحها الكبير إلى العاطفة ،وتميزها بالرقة اللامتناهية، والهشاشة التي تصل إلى حد الانكسار مع أول صدمة ،وإن كانت تستطيع أن تقف مجددا وتستعيد الثقة بنفسها مرة وأخرى ..ولكن إذا توالت النكبات وازدادت الخيبات وكثرت المآسي، فإن أحسن حال تكون عليه هو الحياة بدون هدف محدد، وإن توفر هذا الهدف فهو لا يعدو أن يكون حماية نفسها، وأقرب الناس إليها،وغالبا ما تلف حياتها غمامة من الاكتئاب الدائم وعدم الوثوق بأي شخص،ولعل شخصية (سنية) تعكس لنا ذلك بصدق، بل إنها صورة لآلاف الفتيات اللائي لم يسعفهن الحظ في بناء أسرة ؛ فقد انكسرت أحلامها على عتبة باب الخطوبة التي لم تتم،وانكمشت على نفسها وانطوت بعد توالي المآسي عليها، ولم تعد تثق بأي شخص، وتسعى جاهدة إلى نقل أحاسيسها إلى من حولها ،وأن تقنع أختها (هدى) بأفكارها. إن(سنية) تحاول أن تمسح الحقيقة المرّة والفرحة التي لم تكتمل من ذاكرتها، ولكن (هدى) تواجهها بالحقيقة وتعيدها إلى عالم الواقع ،داعية إياها ضمنيا إلى التخلص من تلك النظرة السوداوية التي تلف حياتها بأكملها ولكن دون جدوى.
«
سنية: أنا أختك الكبيرة وافهم الناس أحسن منك. هدى:إوعي تكوني لسه شايلة من أخوها. سنية:أخوها...أخوها دا يطلع مين... هدى:عندك.. ما تغلطيش...لأن دا في يوم من الأيام كان هيبقى جوزك. سنية:أنا رفضته. هدى:هو ما جاش يوم الخطوبة وانا فاكرة. سنية:أصلا أنا كنت رفضاه. هدى:لأ..انتي كنت مستنياه ولبستي الفستان الأزرق وحطيتي الوردة البيضا ورحتي الكوافير بالأمارة وفاكرة..بالأمارة كعب الجزمة العالي انكسر ليلتها...اتشأمتي.سنية:دي تفاصيل من خيالك أنا ما كنش عندي فستان أزرق ولا وردة بيضا ولا..».(المسرحية. ص.9).
ورغم الضغوط النفسية التي تمارسها (سنية) على (هدى) إلا أن هذه الأخيرة تأبى أن تنقاد لها
 «
سنية: الناس مصالح...كويس انك عرفتي الحقيقة دي..كويس انك كسرتي الصورة المثالية من ذهنك..كويس انك فهمتي ان العالم اللي حوالينا ما بيرحمش ولا بيجامل. هدى:أد كده بتكرهي الناس ؟.سنية: من عمايلهم.هدى:ليه؟.سنية:تفتكري الناس عملت إيه ساعة أبوكي ما مات؛طمعوا في المصنع وسرقوه بأوراق مزورة..شريك أبوكي أخذ المصنع وسابنا..الفلوس يا دوبك اللي في البنك بنعيش بيها والبيت.... هدى:... سنية:ليه..لأن الناس تحب تشوف الدم وتشوف الإنسان وهو مصلوب وبينزف وهما بيبتسموا ويقزقزوا اللب؟؟.هدى:والسماح فين؟؟.سنية: السماح كان زمان .. لما كان الواحد بيسأل عن جاره هو نام جعان ولا شعبان..فيه حد بيسأل عننا؟ .هدى:لأ. سنية: لأ ليه ؟. هدى:لأن ما لناش مصلحة مع حد دلوقت لا شركة ولا فلوس ولا مراكز...الناس بتتصل بالناس علشان كده.سنية :الناس يا حبيبتي مش ملائكة.هدى: بس الخير لسه يا سنية في الناس». (المسرحية ص. 20/21).
وتحاول (هدى) التعلق بأي قشة أمل،ليزهر هذا الأمل بأشياء جميلة يكون لها وقعها في حياتها،وإن كانت هذه الأشياء زائفة لافرق بينها وبين السراب؛ فالمرأة أحيانا وفي أحلك الظروف تسعى إلى خلق الحب والدفء في حياتها حتى وإن كان ذلك عن طريق الحلم،فحينما تنضب مشاعرنا من الحب وتجف مآقينا من الدموع التي تغسل ذواتنا وتطهر أرواحنا من أدران كثيرة لطالما علقت بها، حينما تضيق السبل بنا ،نسعى جاهدين لخلق الأشياء الجميلة والمشاعر الرقيقة التي نتعطش إليها في حياتنا، فبالحلم يعاود الإنسان في كثير من الأحيان بناء نفسه،واسترجاع ذاته الضائعة في زخم الحياة وترهاتها المادية التي تقبض على أنفاسه ،وتحاول اغتيال ما تبقى من إنسانيته العذبة بكل ما فيها من أحلام ومشاعر وعواطف ،وخيبات وانكسارات.هذا ما أدركته من خلال هذه المسرحية وربما هذا ما أراد "السيد حافظ" قوله ،ولقد نجح في تصوير مشاعر (سنية)،و(هدى) «سنية:فيه إيه ؟.هدى:ولا شيء أنا قلقانة وخايفة أنام مش عارفة ليه ؟؟..هدى:...أختي إفرضي خالك قال إنه جاي علشان ياخذنا معاه. سنية:سبق وقلت لك ..أنا مش هاسافر معاه ولا مع حد خارج البلد دي...هدى:يمكن احنا محتاجين نشوف الدنيا. سنية:الناس هما الناس أفعالهم واحدة...شرهم واحد..خيرهم واحد.... هدى:بس الدنيا هناك غير هنا؟...سنية:كل شيء عندي متساوي... الخير... الشر... الخيانة.. الليل.. والنهار.هدى:معقولة..إيه اللي حصلك؟؟.سنية:أنا لا أسمح لخالك ولا لأي راجل يدخل في حياتي مرة ثانية ويدمرها ويدمرني.....بس احب أقولك شيء ..مفيش حد هيخلي بالو منك إلا أنا ومفيش حد هيخلي بالو مني إلا انتي ».(المسرحية.ص.22/23).
وأجدني مستغربة إلى حد ما من دقة تصويره (الكاتب) ،لأنني أعتقد أن المرأة الأديبة ستكون ربما أكثر دقة في وصف مشاعر امرأة مثلها ،لأن لكلتيهما التركيبة نفسها،وإن لم تكن لهما التجربة ذاتها.لكن ينجلي هذا الغموض إلى حد ما،حينما نستحضر معلومة تخص الكاتب وهي أنه حاصل على دبلوم دراسات في علم النفس، وهذا ما ساعده ربما على النفاذ إلى أعماق الشخصيات واختراق ذواتها،حتى الأقل منها ظهورا.ولكن مع هذا أضيف أن تصويرا بهذا العمق لا يتاح إلاّ لكاتب هو إنسان بالدرجة الأولى وملتحم بالناس إلى حد كبير بالدرجة الثانية ،وهذا الالتحام يصل إلى حد الذوبان وهذا ما تعودناه في كتابات"السيد حافظ"؛ فالإحساس بالآخرين سلعة نادرة في هذا العصر،وقد تجد الكثير من القارئات سلواهن في قراءة حالة مشابهة لحالتهن،فحينما يعجز الإنسان عن إيجاد من يصغي إليه فالعزاء الوحيد يكون في إيجاد من يروي له مأساة مشابهة لمأساته،فيسلي همومه بأشجان وأحزان غيره وإن كانت هي ذات الهموم وذات الأحزان.
إن شخصيات هذه المسرحية تعيش صراعا نفسيا « هدى:ممكن ندخل ننام.سنية:ننام..طول عمرنا بنام..أخذنا إيه..الليل مشكلة كل شيء بيختفي...هدى:أنا عايزة أخرج من سجنك...من إحباطك..من ظنونك..من قلقك....من كابوسك ؟.....حتى انت يا مصطفى طلعت متجوز .. انت الراجل الوحيد اللي حبيته في حياتي اللي حسيت اني ممكن أعيش معاه تحت سقف واحد وبيت واحد...طلعت متجوز ..مش دي خيبة..... (المسرحية.ص.26/27).
هدى:انتي ليه بتشوهي كل حاجة حلوة؟ سنية:كل حاجة اتشوهت من زمان بس احنا ساعات نحب نجملها ونتفاءل بيها من غير سبب.هدى: انت إيه ؟!!سنية:اختك.هدى:انتي شريرة.سنية:مفيش حد خالي من الشر فينا».(المسرحية.ص.29).وصراعا اجتماعيا فرضته الظروف وتركيبة المجتمع وقيمه التي انهارت ،في ظل التغيرات التي شهدها العالم ككل،فالمجتمع العربي جزء لا يتجزأ من هذا العالم؛إذ الابتعاد عن العقيدة جعل مجتمعاتنا تتأثر بهذه التغيرات ،ليس من الناحية الإيجابية فحسب بل من الناحية السلبية أيضا.فالمصلحة وحدها هي التي تجعل من الإنسان شخصا ذا قيمة يحظى بالاهتمام من طرف الجميع ، فعلى قدر امتلاك الفرد للأموال والسلطة والجاه على قدر اهتمام الآخرين به.وهذا ما حدث مع (سنية)و(هدى) فبمجرد انتشار خبر عودة خالهما المليونير من الولايات المتحدة الأمريكية،إلا وتغيرت معاملة الجميع لهما،فهاتفهما الذي ما كان يرن أبدا، أصبح لا يتوقف عن الرنين من فرط المكالمات للسؤال عن حالهما وعن موعد قدوم خالهما« سنية :عجبك كده..التليفون ما بطلش. هدى:شفتي ازاي خالك خلى الناس يتصلوا بينا.سنية:ناس منافقين؟هدى:ليه؟. سنية:فاكرين انه هيحقق أحلامهم».(المسرحية ص.19/20).
 
وما أسوأ حال المرأة التي تجد نفسها بدون مال،وبدون أب أو أخ أو زوج يحميها من غدر الزمان، فـ(سنية) امرأة منسية ولم يعد لها أي وجود سوى في حياة (هدى) و(العم سليمان) هذا الأخير الذي يتحمل منها الكثير من العناء ،وكأن كل الوجوه الغائبة في حياتها حاضرة فيه،وقد عبّرت (هدى) عن ذلك صراحة بقولها بأنه الرجل الوحيد في حياتها بحكم انطوائها وانعزالها كلية عن المجتمع فلا علاقات اجتماعية لها ،إنها تنظر بعدائية شديدة إلى المجتمع وتحمله كل خيباتها وانكساراتها«هدى: ساعات أحس انك بتعاملي عم سليمان كأنه جوزك.سنية:اخرسي يا بنت.. !هدى: وساعات أحس انك بتعامليه كأنه أبوكي .سنية:دا أبويا. !هدى:ماهو ياأبوكي يا جوزك ...اختاري. سنية: ما اسمحليكيش ..زودتيها... هدى:وساعات أحس انك بتعامليه كأنه الإنسان اللي بيحميكي من العالم-لا بيخليكي تروحي السوق ولا تتعبي وكل حاجة تعوزيها يجيبها لك»(المسرحية ص.15). وإذا كانت(سنية) ترى في البيت الحماية الكاملة ،فإن(هدى) ترى فيه سجنا يحد من حريتها وأحلامها وطموحاته« هدى:سجن. سنية:سجن.. !بيت أبوكي سجن..البيت اللي اتربينا فيه..البيت اللي حمانا من الي يسوى واللي ما يسواش..سجن !هدى:أيوه سجن..أنا بسميه سجن.سنية:البيت الواسع.. دا سجن .. الفيلا دي كلها سجن دا فيه ناس تتمنى تسكن في ربعه.هدى:السجن مش لازم يكون صغير وللا كبير..السجن يعني الحياة ما يبقاش لها طعم ولا معنى.سنية: البيت دا سجن !كل جدار فيه حمانا من ألف عين بتبص علينا ..كل ليلة قضيناها فيه كانت لها طعم ولها ريحه طيبة.هدى:أنا بطلت أحلم من يوم أبوكي وأمك ما ماتوا..أول مرة أحلم امبارح من ساعة ماجه التلغراف عارفه يعني إيه..؟يعني خالك ..لسه عارفنا ..لسه احنا جواه ..يعني جاي لينا ياخذنا».(المسرحية ص.16/17).
 
فبينما تجتهد (سنية) في النأي والابتعاد عن الآخرين تسعى (هدى) إلى الاندماج في المجتمع حتى وإن كانت مدركة لحقيقة كل ما تقوله (سنية) «سنية:....ساعات أحس انك غبية .هدى: (وهي منفعلة) أنا مش غبية..أنا فاهمة كل حاجة. سنية :فاهمة إيه..؟.هدى:فاهمة ان مصطفى كان يمثل عليّ انه فرحان..وفاهمة انه طمعان في فلوس خالي ...فاهمة انه فاكر ان ورايا.. فاكر اننا معانا كنز وانه ممكن يستولي عليه ..فاكر انه يقدر يضحك علينا بشكل الحلو.سنية:امال ليه مستمرة معاه عايزة افهم! !؟هدى:لو ما حلمناش كنا نموت..كنا ننتحر يا أختي احنا في زمن رديء ».(المسرحية ص.33).
إلا أنها تغض الطرف عمدا لتحيا على الأمل وإن كان زائفا ،على الحب وإن كان كاذبا، تضحك رغم إدراكها أن عمرها الحقيقي غير ما تصرح به للآخرين« هدى:..عندي 29سنة يا عمي سليمان وبقول 19واختي 39 وبتقول 29 وبنضحك على بعض وبنكدب وبنصدق كدبنا !!».(المسرحية ص.36).تستلذ الحياة بالكذب الذي تلف نفسها به، وإن كانت في قرارة نفسها تؤمن بالعكس، وتدرك الحقيقة بكل تجلياتها .إنها بكل بساطة تخلق عالما يمتزج فيه الزيف بالحقيقة ،والكذب بالصدق في واقع ملىء بهذا وذاك ، لا لشيء إلاّ لتحيا الحياة بكل تفاصيلها .
وما أروع الخاتمة التي ختم بها الكاتب هذه المسرحية،فبعد طول انتظار ،وأيام قليلة تترقب فيها الأختان قدوم الخال كانت دهرا بالنسبة لهما -وإن كان ذلك باديا بوضوح على (هدى) من خلال تصرفاتها ولهفتها على استقبال الخال والذهاب إلى المطار قبل موعد وصول الطائرة بساعات ، ولم يكن يظهر على تصرفات (سنية) إلا أننا نحس وبطريقة خفية نتلمسها من لغة الكاتب أنها راغبة في أن يصبح الحلم حقيقة،ويكمن الإختلاف بينهما في أن (هدى) شفافة ،ومشاعرها تلقائية،لا تحرم نفسها ولا الآخرين من إبداء هذه المشاعر،بينما (سنية) تقف على الطرف النقيض هي مبهمة وغامضة في أحاسيسها دائما –ولعلني أفتح قوسا هنا لأقول (بأن اختيار الكاتب لشخصيتين تعيشان تحت سقف واحد وتختلفان في الكثير من الأمور على المستوى النفسي والإجتماعي جعل العمل يبدو أكثر توازنا ،هذا التوازن أسهم بشكل كبير في نجاح المسرحية ووصول الكاتب إلى المبتغى).
أعود إلى النهاية التي أرادها الكاتب-كما أرى- مفتاحا للأمل الذي بني على أنقاض أمل سرعان ما دفن كما دفن الخال الذي تنتظره الشخصيتان منذ سنوات،ليكون باب الأمل والفرح مفتوحا على مصراعيه بعد حضور (العم سليمان) لأخذهما معه إلى عرس ابنه ،فبابتسامة ربما ساخرة من حلم زائف بنيت عليه أحلام وأحلام،رافقت (هدى) و(سنية) (العم سليمان) الحاضر بقوة في حياتهما ،أو ربما هي ابتسامة مشرقة أو ضحكة تتغلب من خلالها كل واحدة منهما على هذه الخيبة الجديدة التي تضاف وستضاف إليها خيبات أخرى طالما أن الحياة مستمرة ،فكل شيء سيستمر ولن تتوقف الرحى عن «عم سليمان:هتيجوا معايا الفرح ..غصب عنكم..أنا جيت أخدكم ومعايا أم العريس برة مستنياكم اتفضلوا.....سنية:احنا جايين معاك ياعم سليمان مادام انت جيت بنفسك يا أبو العريس.(موسيقى الفرح مع خروجهم يضحكون ..) ».(المسرحية ص.42).
وفي الختام أجدني قد قرأت هذه المسرحية مرارا، ولكن مع كل قراءة جديدة كنت اكتشف فيها الكثير،ولي أن أقول دون مجاملة مني للكاتب بأن هذه المسرحية وثيقة هامة، على طلبة علم النفس اعتمادها لاكتشاف وجه بل وجوه من مشاعر المرأة وأحاسيسها قالها الكاتب ،ولم تقو ربما المرأة على قولها بهذا الصدق وهذه الدقة.


الهوامش:
*-
إمرأتان: مجموعة مسرحيات من فصل واحد . السيدحافظ .رؤيا مركز الكتاب العربي.ط.1.2003.
1-
خطاب النهضة والتقدم في الرواية العربية المعاصرة:رزان محمود إبراهيم.دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان/الأردن.ط1. 2003.ص.17.
02-
تحليل الخطاب الروائي:سعيد يقطين.المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء.ط1. 1989.ص.19.
03-
م.ن.ص.ن 04-م.ن.ص.24. 05-م.ن.ص.ن.
06-
شعرية الفضاء السردي:حسن نجمي.المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء.ط.1. 2000.ص.78.
07-
م.ن.ص.ن. 08-م.ن.ص.79.




التغير الاجتماعي ومسرح الطفل مسرح السيد حافظ نموذجا


التغير الاجتماعي ومسرح الطفل
مسرح السيد حافظ نموذجا

اعداد
أ.د. كمال الدين حسين / 2005
أستاذ الأدب المسرحي والدراسات الشعبية
كلية رياض الأطفال – جامعة القاهرة
الدقي – كلية رياض الأطفال – القاهرة
جمهورية مصر العربية

حجر في الماء الراكد
جاء السيد حافظ مؤلفنا المسرحي الذي بدأ توجهه للأطفال ، بداية من 1982 واستمر في تقديم خطابه المسرحي للطفل حتى 1996 تقريبا ، والذي كان بمثابة الحجر الذي أصاب الماء الراكد بالنسبة للخطاب المسرحي الموجه للطفل .
جاء مسرحا تحريضيا سياسيا خرج به السيد حافظ من عباءة القيم التربوية، والتوجيه الأخلاقي ليعلم الأطفال معنى الحرية والوحدة والمقاومة ، وهي القيم التي لابد أن يتزود بها صناع المستقبل . فكيف جاء هذا في مسرح السيد حافظ ؟
يعتبر السيد حافظ واحدا من جيل كتاب المسرح في السبعينيات و ما بعدها، حمل هم مصر وتأثر بنكسة يونيو 1967، وأفرغ شحنة الغضب والأمل في تجاوزهما واللذان إعتملا داخله، في عدد من المسرحيات التجريبية التي نادى فيها بضرورة تحقق الديموقراطية والحرية السياسية والدفاع عن حقوق الإنسان باعتبارهما قضايا مصيرية وكان في غيابها حدوث النكسة.
بدأ السيد حافظ رحلته في عالم التجريب في مسرح الكبار بمسرحية "6 رجال في المعتقل " عام 1968، ثم " كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى " 1971، واستمر عطاؤه وتحمل هجوم النقاد والمسرحيون، حتى يأس من عالم الكبار، فارتحل إلى دولة الكويت، في إعارة وظيفية . وهناك بدأ يكتب لمسرح الطفل ملتمسا للشعب العربي الخلاص في أولئك الأطفال الأبرياء على اعتبار أنهم عدة الحاضر وركيزة المستقبل كما قال : " إن الطفل بالنسبة لي هو المستقبل وأنا قد يئست من الكتابة للكبار، فالكبار في الوطن العربي ينشغلون بهموم وتفاصيل القضايا اليومية، وفي البحث عن رغيف العيش ، لكني أرى في الطفل نوعا من التحدي والاستكشاف وأحس أني أمام قائد المستقبل، وشاعر المستقبل، وسياسي المستقبل " .

مسرح السيد حافظ للأطفال
وبهذا الفهم والإيمان بدأ السيد حافظ رحلته مع مسرح الطفل من الكويت وبدأ يتحسس الدرب، عين على السلامة والأخرى تبكي على الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين .
فبدأ " بسندريلا " حكاية شعبية عالمية معروفة للأطفال مليئة – لمن يلاحظ – بالكثير من القيم والدروس التربوية والأخلاقية، وفي ثناياها – لدقيق الملاحظة – أضاف بعض المشاهد التي تدعو الناس للتعاطف والتراحم والمودة ، وأن ينسوا الخلاف السائد ويتذكروا ماضيهم الجميل، رافضا الجحود والقهر الذي تتعرض له سندريلا، وتعرض له في مصر من النقاد المسرحيين، مم أضطره للسفر إلى الكويت سعيا وراء لقمة العيش ( وهذا واحد من أسباب الإعارة) ولمناخ جديد قد يستطيع فيه أن يعبر عما بداخله (وهذا سبب آخر ).
وبعد أن اطمأنت العين القلقة بدأت روح الثوري داخل السيد حافظ تموج بعدد من المسرحيات والتي فضل لها الإطار التراثي ليطرح من خلالها كثير من ظواهر التغير السياسي والاجتماعي الذي أصاب الأمة العربية، بعد حادثتين هامتين أثر كل التأثير في البنية السياسية والاجتماعية والقومية، وهما نكسة يونيو 1967، واتفاق السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وقد أثارهما في :
· الفِرقة التي أصابت العالم العربي بعد توقيع معاهدة السلام ( أولاد جحا ).
· الانتفاضة الفلسطينية الأولى .
· سيطرة رأس المال وتفشي الاستغلال والإنتهازية ( علي بابا ).
· الحرب بين العراق وإيران .
· اتساع الهوة بين الشعب والحكام ودور الأعوان في عزل السلطان عن الشعب
(الشاطر حسن ).
جميعها مظاهر للتغير السياسي والاجتماعي تشكل اللحظة التاريخية التي وعى بها السيد حافظ وتفهمها فرصدها لطرح وجهة نظره تجاهها ، مصورا حلمه بمستقبل تتجاوز فيه الأمة كل هذا الإنهيار .
فكيف جاء ذلك في مسرحه ؟
التراث الشعبي ورصد التغيير الاجتماعي
لجأ السيد حافظ إلى الرمز التراثي لطرح ظواهر التغيير الاجتماعي من خلال إستلهام بعض الحكايات الشعبية المعروفة كأطروحة يطرح من خلالها وجهة نظره، مستفيدا من ذلك البريق الذي يختص به التراث الشعبي ، ويجذب به الكبار والصغار، متمثلا في غرابة عالم الحكايات الشعبية وخصوصيات شخصياته التي ترمز لقيم الخير والحق والعدل ، وهي القيم التي يتمناها الجميع بجانب عناصر التشويق والمغامرة التي يعجب بها الكبار ، فما بالنا بالأطفال في المراحل العمرية التي وجه إليها خطابه من 9-15 عاما .
لقد استفاد السيد حافظ من التعميم الذي تحفل به هذه الحكايات خاصة في عنصري الزمان والمكان ، والترميز الذي يحيط بشخوصه وأحداثه ليسقط من خلالها إن جاز القول ، أو ليدلل برمزها على واقعه المعاصر الذي يعانيه ، طارحا وجهة نظره في أسباب إنهياره موحيا بسبل إصلاحه .
كذلك استفاد من خاصية المرونة التي تميز هذا التراث وتسمح بالحذف والإضافة حسب مقتضى الحال ( وهذه المرونة هي التي تفسر ظهور أكثر من صياغة لنفس الحكاية)، استفاد بالمرونة فحذف وأضاف ما يساعده على طرح وجهة نظره التي اختار الموضوع التراثي إطارا لها .
فماذا فعل السيد حافظ؟
لنعرف كيف رصد السيد حافظ التغير الاجتماعي المعاصر ، سنلقي الضوء على بعض مسرحياته في الفترة من 1983-1993
سندريلا 1983
علي بابا 1985
أولاد جحا 1986
الشاطر حسن أو قميص السعادة 1993



سندريلا
صاغ السيد حافظ حكاية سندريلا العالمية صياغتين : الأولى عام 1983، والثانية عام 1987 باسم سندريلا والأمير ، وحكاية سندريلا والأمير حكاية عالمية وتحكى عن فتاة تعاني من القهر الذي توقعه عليها زوجة أبيها وابنتيهما ، لكن لصدقها وأحلامها وخصالها النبيلة ، تنتصر وتفوز بحب الأمير وتتزوجه . هذا الحدث الرئيسي للحكاية الشعبية ، التي حاول من خلالها الكاتب أن يرصد الواقع العربي فأضاف أحداثا وشخصيات في مسرحيته ليحقق ما يريد .
يبدأ السيد حافظ بتجسيد الغلظة والقسوة التي أصبحتا سمة التعامل اليومي ، نتعامل بهما مع بعضنا البعض، وقد يكون السبب صعوبة سبل الحياة ، فسندريلا بقروشها القليلة لاتستطيع أن تشتري أي شيء من السوق ، فالأسعار في ارتفاع والتجار لا يفكرون إلا في صالحهم ، لكن شيخ السوق إكراما لأبيها الأمين الذي كان يعمل حارسا في السوق ، يوفر لها احتياجاتها . وفي الصياغة الثانية يضيف بعدا آخر للحكاية الشعبية ، فسندريلا بعد أن تجرب الحذاء ، يأخذها الحرس إلى القصر لتتزوج الأمير فتلقى الرفض من الوزير ومن كل الأغنياء والأمراء الغاضبون على الأمير الذي سيتزوج من بنت فقيرة لاحسب لها ولا نسب لها . فيتآمروا عليها ويستبدلوا الحذاء ليناسب ابنة الوزير . وتنطلي الخدعة على الأمير وتطرد سندريلا من القصر . المهم هنا أن السيد حافظ حاول أن يكشف الزيف الذي يعيشه القصر والفساد والذمم الخربة التي تسيطر على رجال القصر من هذا المشهد ، كما أضاف شخصية جديدة للحكاية هي شخصية المهرج الذي تمثل ( البصيرة – الحكمة ) الذي يلعب دور الراوي المعقب على الأحداث والدافع لها ، وعلى لسانه يقول المؤلف ما يريده حول هذا العالم السيئ الفاسد:
المهرج : من أين يأتي العدل؟
من أين نعرف الميزان؟
ناس في الحارات تأكل التراب وناس في القصور تأكل التفاح
وهكذا يميز التميز الطبقي بين سكان الحارات وسكان القصور ، وفى موقع آخر يقول :
أم الخير : الإنسان قوى بالعمل وبإيمانه بأمله وبنفسه وبالأصدقاء .
وهكذا تحدد لسندريلا سبيل استرداد حقها الضائع ، إضافة أخرى أضافها السيد حافظ على الحدث وهى تنكر الأمير والمهرج ونزولهما إلى البلدة للبحث عن صاحبة الحذاء الحقيقية ، وفى تجوالهما يكتشفا مدى الظلم والبؤس الذي يعيشه الناس
الأمير : هل هذه مدينتي ؟
المهرج : نعم يا مولاي
الأمير : فقراء ومساكين يسيرون في الشوارع
المهرج : نعم يا مولاي عندما يجلس الأمراء في القصور ..ولاينزلون للأسواق والحارات
يحدث البلاء في كل البلاد فالتجار أفلسوا الناس ، والنساء يبعن مايملكن لاتقاء ظلم
وجشع التجار ، والتجار يخافون الوزير
ونفس الفكرة كررها السيد حافظ في مسرحية الشاطر حسن . 
أولاد جحا
أما في أولاد جحا ، فيأخذنا الكاتب إلى عالم جحا . ويستقدم من التاريخ شخصية جحا وتيمورلنك ، الذي يحتل البلدة ويترك أفيالها تهدم البيوت ( القضية الفلسطينية) ، ولا يجد الناس أمامهم إلا جحا فهو الكبير صاحب الحيلة ، ويتطوع جحا لمقابلة تيمورلنك ليحدثه في أمر الأفيال ، وتكون المفاجأة يتحالف جحا مع تيمورلنك ، ويرسله الأخير ليشتري له الأفيال، كما يعلق المنادي : اليوم قابل جحا الخاقان العظيم تيمورلنك ، وأرسله في مهمة رسمية لشراء ألف فيل جديد تكون حارسه عليكم فحافظو على الأفيال .
ويتعجب الجميع ، هل باعهم جحا ؟ ولماذا ؟ فلا يجدوا أمامهم إلا أهل جحا وداره ، ويقررا أن يحرقوها على من فيها . وتختلف الجماعة فمنهم مازال يحمل التقدير لجحا ومنهم من تملكه الغيظ ( تماما كما حدث مع المصريين بعد اتفاقية كامب ديفيد ) .
لكن أبناء جحا ( ابنه وابنته) يحاولان تهدئة الجميع ، ويعملون على جمع شمل الرجال لمواجهة تيمورلنك ، وبعد أن اتفق الجميع في العلن على المواجهة ، حاول كل منهم وسرا أن يتنصل من الاتفاق ، فكل له همه ومخاوفه ومصالحه التي يخاف عليها . وأخيرا يذهب ابن جحا ويحاول تيمورلنك شراؤه ، لكن ليس بالضرورة أن يكرر الابن أخطاء الأب . وبالحيلة يستطيع ابن جحا أن ينتصر لقومه ويجندهم لمقاومة تيمورلنك وأفياله . وبالفعل يتكاتف الرجال ويغرقوا الأفيال في البحر وكما يختتم المسرحية :
ـ في زمن من غير رجال تكثر فيه الأفيال
ـ خللي بالكم يا أولاد لو خفنا من الفيل راح تكتر الأفيال
هنا يؤكد السيد حافظ مبدأين هامين :
الأول : أن الأفيال في حاجة لمقاومة الرجال
الثاني : إن كان جحا قد أخطا في حق نفسه ووطنه فهذا لا يعني أن كل أهل البلد حتى أولاده من نفس النوع .
علي بابا
وباستلهام واحدة من أكثر الحكايات الشعبية شيوعا وألفة (علي بابا ) حاول السيد حافظ أن يرصد جانبا هاما من جوانب الفساد التي سادت المجتمع العربي في الثمانينات من القرن الماضي ، وهو ما يرتبط بالثراء الفاحش عن طريق أساليب غير مشروعة ، وكيفية إفساد العدل تحت سطوة رأس المال والجشع والطمع ، وهذا آفة الفساد وتدهور المجتمعات :
( يا أطفال الدنيا .. هذا العالم واسع بين العدل وبين الظلم
حاول .. حاول .. أن تنصف
حاول حاول أن تجعل من وطنك وطن العدل
امنع امنع جشعك ..حاول أن تعدل.)
لقد جسد السيد حافظ في أحداث مسرحيته الصراع بين كبار التجار (الفاسدين) وصغارهم من الشرفاء ، الذي أدى بعلي بابا أن يعلن إفلاسه ، ويغلق تجارته للعمل حطابا كسابق عهده حتى يكتشف سر المغارة الخاصة باللصوص ، ويحمل منها ما يجعله واحد من الأثرياء وهنا يترك السيد حافظ الحدث الرئيسي ، ليسأل مع من يسألون هل يعتبر علي بابا لصا ) ؟ وماذا سيفعل علي بابا بما عثر عليه من كنوز في المغارة ؟
أما بالنسبة للسؤال الأول : يتهم الجميع علي بابا باللصوصية
علي بابا : أنا لص ؟
حمدان : ما الفرق بينك وبينهم ، هم سرقوا الناس وأنت سرقتهم
علي بابا : أنا لم أسرقهم . أنا أخذت حقوقي التي سرقوها مني . سرقوا الدكان والتجارة
* و يُدان علي بابا ، حتى لو كان ينطق بمنطق كل اللصوص الذين يعتقدون أنهم شرفاء طالما سرقوا لصوصا آخرين . أما بالنسبة للشق الثاني الذي يترك للوطن اعتراضا على العدل الضائع
علي بابا : الوطن ينصف المظلوم .. الوطن عدل .. الوطن حق .. الوطن يسمع صوت
الفقير قبل الغني
و يتحول علي بابا إلى شخص آخر بعد أن يعيش حياة الأثرياء !
مرجانه : أتذكر كنت تقول دائما ليس بي رغبة سوى أن أعطي الفلاحين الأرض
علي بابا : نحن الآن أثرياء
* إضافة أخرى أضافها السيد حافظ على شخصيات الحكاية الشعبية ، هي شخصية محجوب التي تماثل شخصية المهرج في سندريلا والأمير الذي ينطق ولديه قدرة على الاستبصار
محجوب : يلهب السوق ولد صغير تايه اسمه العدل وبنت صغيرة تايهة اسمها الحقيقة
* إذا فالبحث عن الحقيقة والعدل هما الهدف وهما الحل كما يقول محجوب ، الذي يحذر الناس الفقراء من أن يسرقوا
محجوب : أغلقوا الأبواب جيدا ، واحموا بيوتكم من اللصوص .فإذا سرق البيت سرقت
الأرض ؟ يا فقراء العالم يد تبني ويد تدافع
* وعندما يتوجه بحديثه إلى الفقراء هنا بالضرورة فقد الثقة بالأغنياء الجشعون الفاسدين
محجوب : الثعلب بان بان والعدل لابد يبان ، ويا أطفال بغداد ، يا أطفال الدنيا اعلموا أن
علي بابا كان شريفا ثم أصبح لصا والسارق لابد أن يسرق .
* فعلا وإن غابت عدالة الناس على الأرض لفترة فعدالة الله بالمرصاد طول العمر.

الشاطر حسن

تتناول المسرحية هنا ، الهوة الواسعة بين الحاكم والشعب ودور أعوان الحاكم في عزل الحاكم عن شعبه ليسهل لهم السيطرة والاستغلال للشعب والبلدة.
وفي إطار من حكايات ألف ليلة ، وحلم البسطاء بتولي الحكم ولو لساعات معدودات، يقدم لنا السيد حافظ الشاطر حسن الشاب الفقير الأمين الذي يشبه شكلا أمير البلاد . وعن طريق هذا الشبه الظاهري، يتبادل الشاطر حسن والأمير أدوارهما لأيام ثلاث، وفي ممارسة الدور الجديد، يكتشف كل منهما الجانب الغامض عليه في حياة الآخر، يكتشف الأمير كم الظلم والقهر الذي يعيش فيه الشعب، ويكتشف الشاطر حسن كم الفساد والزيف الذي يعم القصر . وإن كان الأمير في رحلته للشعب لا يقدر أن يفعل لهم أي شيء ، إلا أن الشاطر حسن يستغل أيامه الثلاث في خدمة البسطاء ، ومساعدة الجميع بلا مقابل ، وإنقاذ جزيرة الأمل ممن احتلوها
* إذا كنتم عايزين السلام معانا لازم تسيبوا الأرض اللي احتلتوها.. وإلا تأكدوا إحنا ما راح نسكت عن شبر واحد من أرض جزيرة الأمل ...
هذا واقع العالم العربي بعد الأحداث الجسام التي مر بها وغيرت من كثير من جوانبه، كما رصده السيد حافظ ، وضمنه بعض من حلمه بمجتمع عادل آمن، تسوده المحبة والتعاون والتكافل كما نآى به على لسان شخصياته المهرج محجوب وغيرهم.
والآن وبعد هذا العرض الموجز لمحاولات السيد حافظ لربط المسرح بمظاهر التغير الاجتماعي، ألا يحق لنا القول بأن ما نشاهده اليوم في عالمنا العربي من صرخات ودعوات للإصلاح وحتى وإن جاءت من الغرب إلا أن الاستجابة لها وجدت اتفاقا – لم يكن في الحسبان – لدى شعوب المنطقة والتي بدأ بعض منها يصارع من أجل الحصول على حقه في حياة كريمة و عادلة و آمنة .
ألا يحق لنا القول بأن ما نشاهده اليوم هو نتاج لتراكمات أسس لها التنويريون من أدباء ومفكرين قرابة قرنين من الزمن منذ بداية المنفلوطي ومحمد عبده وقاسم أمين ولطفي السيد ، مرورا بالسيد حافظ وأبناء جيله .
هل نحصد اليوم فعلا ثمار ما زرعوه ذات يوم فكرا وإبداعا ؟ وهل سنشاهد تحولا وتغيرا في عالمنا العربي وإلى الأفضل ؟
إنه حلم فالتغير الاجتماعي لابد له من قوة دافعة ولن يكون هناك أقوى من الأدب والفكر . وقد بدأنا بها ، وليس أمامنا إلا النضال حتى نستكمل الحصاد .



أ.د / كمال الدين حسين
22/3/2005

نكسة 1967والقضية الفلسطينية فى مسرح السيد حافظ [جزء اول

دراسات فى المسرح السياسى
نكسة 1967والقضية الفلسطينية فى مسرح السيد حافظ
نموذج مسرحية 6 رجال فى معتقل 500/ب شمال حيفا
شنايف الحبيب




اســــم الجــامعـة : محمد الأول – وجده – المغرباســــم الكــليــة : الآداب والعلوم الإنسانيةاســــم الطــالـــب : شنايف الحبيبالأستاذ المشرف : د. مصطفى رمضانىرقم التسجيـــــل : 5564الرقم الوطنــــــى : 197310/86السنة الجامعية : 1989 - 1990 الإهــــداءإلى رائد العروبة فى المشرق العربى أول الأبطال ورائد الثوار صانع ثورة 23 يوليو الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.إلى البدوى الذى خرج من رحم الصحراء العربية مثقلاً بالهموم والغبار ممتطياً صهوة جواده الأخضر، يتحدى الزوابع والأعاصير.. يشق صدر الصحراء فيخرج منها الماء العذب سلسبيلاً يروى صفرة الرمال والأحزان إلى... جنات حسان صاحب النهر العظيم.إلى الجند البواسل طيور الأبابيل الذين أعادوا الأمل فى الانتفاضة الذين قال فيهم عز وجل "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة .." وقال فيهم "ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون.. " إلى تلك الصقور الغاضبة التى تقابل عصابات الهمج البربر قطعان الشر.. النازيون الجدد.. الصهاينة الأندال.إلى أبى وأمى وإخواتى وأخوانى وأصدقائى وصديقاتى والى الحبيبة الوحيدة (ف) أهدى هذا العمل المتواضع.بسم الله الرحمن الرحيمالمسرح فى زمانى ومكانى يرصد الفكرة الإنسانية من خلال الكلمة والحوار المسرحى والحدث والشخصيات وما إلى ذلك.. ولما كان المسرح يعكس كل التناقضات الفكرية والسياسية والاجتماعية التى تعرفها المجتمعات على اختلاف شرائحها. كان لابد وأن يخضع لجدلية التأثير وبين الفكر والمجتمع. بمعنى آخر فإن تطور المسرح يعزى لتطور المجتمعات لأنه كلما ازدادت الحياة تعقيداً إلا وازدادت الحاجة إلى شكل مسرحى يستجيب للوضع الجديد.والمجتمع المصرى كغيره من المجتمعات عرف مجموعة من النكسات أثرت سلباً على واقعه ولعل أهمها هزيمة حزيران 1967، التى امتد تأثيرها إلى الحياة المسرحية حتى أصابها نوع من الركود والتردى. إلا أن الله اختار لهذا المجتمع مجموعة من أبنائه المخلصين ذوى الضمائر الحية والغيرة الوطنية الذين حملوا على عاتقهم مسئولية النهوض بالحركة المسرحية بعد النكسة. ويأتى على رأس هذه القائمة السيد حافظ الذى وقف كالطود الشامخ رافضاً الهزيمة ومصراً على تجاوزها. إذ عمل على تطليق الأشكال المسرحية البالية التقليدية واستبدالها بأخرى جديدة. فأنتج لنا لأول مرة المسرح التجريبى فى مصر بالمعنى الأعلى لكلمة التجريب على حد قول نجيب قرشالى : السيد حافظ هو إحدى العلامات المميزة فى المسرح العربى اعتبره النقاد المسرحيون رائداً للمسرح التجريبى، فهو أول من قدم المسرح التجريبى فى مصر من خلال مسرحيته المعروضة كبرياء التفاهة فى بلاد اللا معنى.. فقد أصر السيد حافظ على هذا النوع من المسرح محملاً إياه رؤية جديدة بالوقوف مع الإنسان المقهور المهزوم الذى فرضت عليه كافة أنواع القهر والظلم الاجتماعية والسياسية، وهو ما يفسر لماذا سخط السيد حافظ، وهذا السخط عنده شمل الكتابة وكل المواصفات الحضارية والاجتماعية والسياسية، لذا نجده يدعو إلى التمرد والثورة لدرجة جعلت البعض يعتبر مسرح السيد حافظ ينتمى للمسرح الثورى. والحقيقة أنه أحب تراب الوطن وانحاز للفقراء والمحرومين والحزانى، فرفض الحجر على الفكر ومنع الجرائد، إنه الطائر الصادق باسم الحرية والديمقراطية والوحدة. إنه كما قال شادى ابن خليل.. أحد المناضلين الحقيقيين الذين ساهموا بالكلمة الحقيقية، الكلمة الطلقة وذلك لخدمة القضايا الجماهيرية ورفع المعاناة عن كاهل الشعوب المغلوبة على أمرها. لهذا وذلك ظل السيد حافظ منسياً ومهمشاً إن صح التعبير فى زمن الانفتاح الساداتى، زمن الردة، زمن الارتزاق بالفن وتشويه الثقافة ومسخها، ومما زاد من شدة الحصار المضروب عليه وجوده فى الإسكندرية بعيداً عن القاهرة والبعد عن القاهرة كما قال أحد الدارسين يعنى البعد عن مركز السلطة السياسية والثقافية والفكرية.. كل هذه العوامل جعلت السيد حافظ يكاد يكون مجهولاً لدى طبقة عريضة من المثقفين فى الوطن العربى – خاصة هنا فى المغرب.ومساهمة منى فى إعطاء هذا الكاتب حقه والتعريف به وبتجربته المسرحية وبرؤيته الجديدة المميزة فى عالم المسرح العربى، فإنى أقدم بحثى هذا وهو دراسة تحليلية لإحدى مسرحياته المعنونة بـ"ستة رجال فى معتقل بـ/500 شمال حيفا".وحتى يكون بحثى هذا مستوفياً فإنى سأعمل على تقسيمه إلى بابين وخاتمة، والباب يشمل فصلين، سأحاول فى الباب الأول أن أرصد التجريب فى مسرح السيد حافظ حيث سأقف فى الفصل الأول عند الحركة التجريبية فى المسرح المصرى خلال السبعينات، أما فى الفصل الثانى فسأتحدث عن موقع السيد حافظ داخل هذه الحركة التجريبية، وفى الباب الثانى سأقف عند دراسة المسرحية وسأعالج فى الفصل الأول القضايا التى أثارتها المسرحية، وفى الفصل الثانى سأتناول الجانب الجمالى أما الخاتمة فستكون بمثابة تقييم عام للبحث ككل.وأنا مقبل على هذا العمل أجد نفسى محاصراً بمجموعة من الصعوبات – خاصة وأنى أقدم لأول مرة على عمل بمثل هذا الحجم – لعل أهمها قلة الدراسات التى تناولت مسرح السيد حافظ، ولكن بإشراف الأستاذ مصطفى رمضانى على بحثى هذا – والذى أعتز بإشرافه – فإن كل الصعوبات ستتبدد وتتلاشى نظراً لخبرته الكبيرة وتعامله القريب مع المسرح باعتباره باحثاً وناقداً مسرحياً. لذا فإن توجيهاته ونصائحه ستكون لى أهم مرجع وخير سند بل ستكون بمثابة مواقف نقدية مهمة اعتمد عليها.والله المعين تمهيـــدلا يمكن تقييم الفن فى أى مرحلة من المراحل، أى الحكم عليه بالجودة أو بالرداءة، بالتطور أو بالجمود (شكلاً ومضموناً) دون النظر إلى المراحل التى سبقته، لذا فإننا عندما نتناول المسرح التجريبى فى مصر خلال السبعينات، يتحتم علينا الرجوع إلى الوراء قليلاً لنعرف المستوى الذى استطاع المسرح العربى بلوغه فى الستينات، فبغير هذه العملية التى لاشك فى نجاحها لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نصدر حكماً موضوعياً فى حق هذه المرحلة.لا يختلف اثنان فى أن المسرح المصرى سجل أخصب مراحل حياته وأجملها خلال الستينات، لاعتبارات تتعلق بهذه المرحلة، ذلك أننا عندما نتحدث عن أى إنتاج فكرى أو فنى لابد وأن نرصد العلاقة التى تربطه بالواقع الذى ظهر فيه، باعتبار أن العلاقة التى تربط الفكر بالواقع الذى ظهر فيه علاقة جدلية تتصل بحركة الناس وبالوعى وبالثقافة والتكوين النفسى والحضارى.. علاقة وطيدة مباشرة وجدلية متفاعلة مع حركة المجتمع، ولما كانت فترة الستينات فترة حاسمة وخطيرة فى تاريخ أمتنا العربية ومصر بصفة خاصة – لأنها مرحلة الصراع المرير مع العدو الصهيونى – كان لابد وأن تعرف نهضة مسرحية جادة تواكب تحديات المرحلة، كما كان للخطوات الجريئة التى اتخذتها ثورة 23 يوليو 1952 فى المجال الاقتصادى والاجتماعى والتى أسفرت عن صدور قوانين يوليو لسنة 1961 الاشتراكية والميثاق الوطنى لعالم 1962 الدور فى تهيؤ المناخ لحركة مسرحية حقيقية صنعت فنانيها ومبدعيها، فأنشأت المسارح فى كل مكان وترجمت الأعمال المسرحية العالمية, وبرزت على الساحة أسماء لامعة أمثال توفيق الحكيم فى الطعام لكل فم، الأيدى الناعمة، ويوسف إإدريس فى الفرافير، والمهزلة الأرضية.. وميخائيل رومان الكاتب المتمرد فى الدخان.. ورشاد رشدى وسعد الدين وهبه ومحمود دياب وغيرهم.لكن ما كادت فترة الستينات تنتهى حتى خيمت هزيمة 67 بظلامها الدامس على الحياة الثقافية والفكرية ليس فى مصر فحسب بل فى الوطن العربى كله، معلنة ميلاد عهد جديد طرح فيه الإنسان العربى أكثر من سؤال من أجل البحث عن أسباب النصر وتجاوز الهزيمة، إن البداية المأساوية التى شهدتها سبعينات هذا القرن كانت سبباً فى انهيار المسرح العربى، وخاصة المسرح الذى كان يحمل بعض الأحلام والتصورات الإيديولوجية بسبب انهيار الإنسان العربى نفسياً وعسكرياً، كما كانت سبباً فى بروز المسرح التجريبى طمعاً فى تجاوز الهزيمة على المستوى الفنى على الأقل، فقد ظهر جيل جديد من الكتاب يحمل هماً كبيراً: هم الهزيمة المرة وهم الإنسان القلق، وهم الحرب وتحرير الأرض والإنسان.. كل هذه العوامل ستتضافر فى تكوين نفسية وعقلية إنسان ما بعد الهزيمة.إن مرحلة السبعينات مرحلة حاسمة اتسمت بالعنف والغضب على الواقع، كما اتسمت بالعمل الجاد الهادف الذى يروى ظمأ الإنسان المتعطش للحرية والديمقراطية: حتى كانت هزيمة حزيران 1967 التى أبانت عن إفلاس الهياكل السائدة فى المجتمع العربى وبذلك صار التفكير جاداً أكثر فى خلق هوية مميزة للمسرح العربى .وقد أخذ المسرح المصرى بعد الهزيمة ثلاثة اتجاهات متعاكسة، الاتجاه الأول مثله مسرح القطاع العام، إلا أنه لم يحافظ على النفس الذى انطلق به فى الستينات، أما الاتجاه الثانى فتمثل فى مسرح القطاع الخاص الذى قام بدور خطير فى إفساد الحركة المسرحية، والاتجاه بالمسرح بعيداً عن دوره الإنسانى إلى مخاطبة الغرائز الشهوانية خدمة للزمن الانفتاحى.أما الاتجاه الثالث فمثله مسرح الهواة الذى قام بنشاط مكثف وايجابى لصالح الحركة المسرحية لدرجة جعلت البعض يعتبره المسرح الوحيد الذى فتح ذراعيه للجماهير فى فترة انهار فيها المسرح بمعانيه العميقة والرسولية والإبداعية، إضافة إلى دوره الكبير فى مقاومة السقوط والتردى، هذا الصنف هو الذى أعطى لنا المسرح التجريبى أو الطليعى. ذلك هو واقع المسرح المصرى طيلة السبعينات، واقع مهزوم لأن الهزيمة عششت فوق رءوس الجميع رؤساء ومرءوسين فنانين ومفكرين.. وكل من يمشى على هذا الوطن – المصرى – حاملاً هم أمته سواء كان مواطناً بسيطاً. أو داخل موقع من مواقع السلطة لكن هل هذا الغبن وتلك الهزيمة ظلتا تلاحق الكل؟ أو لم ينج من مطارقها أحد؟ أو لم يوجد من رفض الهزيمة وأصر على تجاوزها؟ هل مات الحلم فى النفوس وقبر الأمل؟ أو لم يعمل أحد على تطوير تقنيات المسرح ويطرح أشكالاً جديدة بأسلوب يتفق مع الوضع الجديد؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه فى هذا الفصل
البــــاب الأول

موقع الســــيــد حــافــظداخـــلالحركة التجريبية فى مصر خلال السبعينات
الفصل الأول : الحركة التجريبية فى مصر خلال السبعيناتالفصل الثانى : موقع السيد حافظ داخل المسرحية التجريبية الفصل الأول
الحركةالتجريبية فى مصر خلال السبعينات وجود المسرح التجريبى فى مصر ومنها فى العالم العربى ظل منذ ظهوره محط جدل ونقاش حادين بين كثير من النقاد والدارسين، بين رافض ومؤيد. فهناك من رأى أن ظهور المسرح التجريبى نتيجة طبيعية لموجه الشك والتساؤل التى يطرحها الفنان المسألة تتعلق إذن بإشكالية الهوية فى المسرح العربى هل هناك فلسفة جمالية خاصة بالإبداع العربى؟ هل يملك الفكر العربى استقلاليته المجردة من التبعية للغرب (...) إن مثل هذه الأسئلة وغيرها تبقى مشرعة فى ظل تلك التحديات التى يعرفها المجتمع العربى، وهى نفسها الأسئلة التى ولدت حركة تجريبية جادة فى المجال الدرامى ابتداء من الإبداع مروراً بالنقد وصولاً إلى التنظير . فقد أحس الفنان العربى وهو يتعامل مع المسرح التقليدى بأن هذا المسرح قد عفا عليه الزمن ولم يعد صالحاً للتواصل بينه وبين المجتمع. كما لم يعد فى مستوى التكثيف مع الواقع الجديد لأن الحياة تزداد كل يوم تعقيداً. فلابد إذن من شكل جديد يتلاءم مع الوضع الطارئ. لذا أصبح لازماً على المغامرة العلمية والتخلص من قيود السلف.وللتأكيد على البيئة الزمانية يكفى أن أشير إلى أن الفترة التى كتب فيها نعمان عاشور مثلاً مسرحية المغماطيس ليست هى الفترة الزمنية التى كتب فيها السيد حافظ مسرحية "مدينة الزعفران" فالأولى كتبت فى الخمسينات فترة الزعامة الشعبية لعبد الناصر أى فترة التحرر والاشتراكية والثانية كتبت بعد الهزيمة، وشتان بين المرحلتين. والحقيقة أن التجريب ظهرت بوادره وإرهاصاته الأولى خلال الستينات مع توفيق الحكيم ويوسف إدريس ، وإلا فبماذا تفسر وجود مسرحيات مثل يا طالع الشجرة "الفرافير" وأننا ربطنا فكرة التجريب هذه بإشكالية البحث عن الهوية فى المسرح العربى، فقد حاول يوسف يوسف إدريس وهو يبحث عن ذات المسرح العربى أن يتجاوز القواعد التقليدية من خلال رؤية فنية جديدة أو مغامرة إبداعية جديدة إن صح التعبير على مستوى منهج العمل والنص وكذا القضاء المسرحى، وقد اختار من السامر الريفى شكلاً للعرض ومن الفرفور طريقاً للأدوات، هذا التجاوز أو هذا الانعتاق من المقاييس القديمة والدخول فى أخرى جديدة وهو معادلة للبحث عن طريق جديد وفتح أبواب جديدة فى كل ما يتعلق بالعمل المسرحى ، نفس الشىء يمكن تكراره مع توفيق الحكيم فى مسرحية "يا طالع الشجرة" وهو ما أكده كذلك الدكتور كمال عيد فى ظل اجتياح الآداب العربية التى اجتاحت أوروبا منذ نهاية الأربعينات (1949) على يد يونسكو وبكيت وأدموف وأربال وغيرهم، ووصول هذه التيارات الفكرية إلى مصر فى الستينات عرضت بعض الأعمال على خشبة المسرح المصرى، وقدم مسرح الجيب دراما (يا طالع الشجرة) ومن الثابت أن الحكيم قد تأثر بهذا الاتجاه الأوروبى فى أشكاله الفنية فقط وإن لم يستطع التخلص من موقفه الفكرى القديم . ولكن الذى يمكن تسجيله عن توفيق الحكيم أنه لم يستطع المزاوجة بين هذا الشكل الفنى الدخيل وموقفه الفكرى التقليدى. ومن ثم ظل عمله ناقصاً ورؤيته مشلولة، قولنا هذا يفضى بنا إلى أن التجريب كشكل فنى ورؤيته الجديدة لم يكتمل فى مصر إلا بعد هزيمة 1976؛ لأن هذه الهزيمة سوف تؤثر على الأدب والفن والفكر: إن حرب حزيران بما حملته من مرارة الهزيمة والخيبة كان لابد أن تفرز رؤية جديدة وأن تعطى كتابات مغايرة كتابة عنيفة من الواقع الواقف موقف الرافض الغاضب .فالتجريب يرتبط بالواقع وبمن يصنع هذا الواقع؛ يقول عبد الكريم برشيد : إن التجريب كتعبير فنى فكرى هو بالأساس محاكاة للتغير الواقعى اجتماعياً ونفسياً سياسياً وفكرياً، ومن هنا يكون للتجريب الغربى معنى لأنه ثورة تسير بمحاذاة ثورات أخرى يمكن حصرها فى الثورة السياسية والصناعية والدينية والفكرية . فالتجريب إذن هو الموازى
Parallele لسلسلة الثورات والمتغيرات التى تشهدها المجتمعات على جميع الأصعدة. لذا اعتبره عبدالكريم برشيد بمثابة ثورة فى العالم الغربى تساير ثورات أخرى فى الميدان السياسى والصناعى والدينى والفكرى، والحقيقة أننا عندما نتكلم عن التجريب فى العالم الغربى يمكن أن ننظر إليه من زاويتين، تطور الفكر الغربى من جهة والحرب العالمية الثانية من جهة أخرى، إن أهم فكرة يقوم عليها الفكر الغربى هى تمجيد حرية الإنسان على المستوى الاجتماعى والسياسى والاقتصادى، فالإنسان حر فى التفكير وفى التغيير والملكية هذه الحرية ستجعل الإنسان الغربى يطرق كل الأبواب فى كل المجالات دون الخوف من أى رادع دينى أو أخلاقى مستنداً على الشعارات التى رفعتها الثورة الفرنسية، من جهة أخرى فإن هذا الفكر خاصة بعد الثورة الصناعية الكبرى أصبح ينظر للإنسان كوحدة بيولوجية ومن ثم كوحدة إنتاجية، مما يعنى غض النظر عن الجانب الروحى فى الإنسان (قتل الإنسان)، هذا المنطق الذى ساد التفكير الغربى انعكس سلبياً على الإنسان، فتمجيد الحرية أدى إلى انهيار الأخلاق والنزول بالإنسان إلى مستوى البهيمية فى كثير من تصرفاته، والى تفكك الأسرة.. وقد عملت الحرب العالمية الثانية على تعميق هذه التناقضات فانتاب الإنسان الغربى موجه من الشك عبر عنها بمجموعة من الأسئلة: من أنا؟ ما قيمتى فى هذا الوجود؟.. فالأزمة إذن وجودية ميتافزيقية "أما الانهزام الغربى فهو انهزام وجودى متافيزيقى انهزام الإنسان أمام صمت الكروان وانغلاقه وعبثه " فلا شىء حقيقى سوى العبث والضياع، موجة الضياع والقلق هذه عبر عنها الفنان الغربى المسرحى بدخوله التجريب (يونيسكو وبكيت) كحوار متواصل بين المبدع والجمهور الإنسان العربى لم يعرف أزمة وجودية ولا ميتافزيقية. لم تتفكك أسرته ولن تنهار أخلاقه ولم يعرف ثورة صناعية وإنما عرف هزيمة عسكرية أمام عدو متغطرس بجنون القوة، ولدت لديه نوعاً من التعقيد الذهنى والإحباط النفسى والشك فى مصداقية الأنظمة السياسية التى تتحكم فى رقاب الناس، فرفض كل الحلول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى لم تجلب إلا الخراب والهزيمة، هذا الرفض للواقع المصرى سيمتد بتأثيره ليشمل الجانب الفنى والفكرى والثقافى فى حياة الإنسان المصرى حتى كانت هزيمة 1967 التى أبانت عن إفلاس الهياكل السائدة فى المجتمع العربى، وبذلك صار التفكير جاداً فى خلق هوية متميزة للمسرح العربى . فالتجريب فى مصر لم يأت نتيجة مخاض فكرى أو نتيجة تجديد حاصل فى بنيات المجتمع الاقتصادية والسياسية والفكرية انعكس على الجانب الفنى فقط وإنما جاء كذلك نتيجة لعدة عوامل لأخرى؛ فهو من جهة تقليد للغرب، ومن جهة أخرى نتيجة انهزام عسكرى حضارى سياسى وتاريخى، فدخول الإنسان العربى المصرى كان متزامناً مع دخول الإنسان العربى عهد الهزيمة، فهل استطاع التجريب أن يكسر ما كان سائداً؟ وهل استطاع أن يؤسس رؤية جديدة للانسان والعالم والفن؟ ما هى خصائصه الفنية والتقنية؟ وهل استطاعت الجماهير أن تتفاعل مع هذا الشكل المسرحى أم ظل هذا العمل غريباً عن الإنسان المصرى؟ وأخيراً هل يمكن الحديث حقاً عن وجود التجريب أم أنه مجرد مغالطة ولعب بالمصطلحات؟إن هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها إلا من خلال الوقوف عند أهم الأعمال التجريبية التى عرفتها الساحة المصرية وكذا الوقوف عند النقاد وملاحظاتهم، فبغير هذه العملية لا يمكن أن نصدر حكماً موضوعياً ونزيها فى حق هذا الفن والعاملين فيه، وحتى لا نظلم التجريب كشكل مسرحى جديد يجب ألا نغفل العامل الزمنى، إذ أن هذا الشكل المسرحى إذا ما قيس زمنياً فإنه لا يزال فتياً مما يعنى قلة الأعمال التجريبية كماً ونوعاً، فأول عمل تجريبى بالمعنى الأعلى للكلمة يرجع إلى سنة 1970 – وإن كانت هناك إرهاصات أولى فإنها لم ترق إلى مستوى التجريب – ولسنا نبالغ إذا قلنا إن التجريب فى مصر طيلة السبعينات ظل مقروناً باسم السيد حافظ لمساهماته الكبيرة ولوضوح رؤيته التجريبية من خلال رصد بعض الأعمال التجريبية فى مصر وقفت عند حقيقة ثابتة وهى أن المبدع لم يدخل التجريب لخلق شكل مسرحى جديد فقط، وإنما استجابة لحالة الواقع المصرى المتردى كذلك، منطقياً يعنى الاستجابة لحالة الجمهور الذى لم يكن فى مستوى تفهم وتقبل هذا النمط الجديد نظراً لتفشى الجهل والأمية وعدم إدراكه لذاته.. إن التجريب الفنى والفكرى بابه موصود لأنه حوار غير موصول بين المبدع والواقع، إنه رؤية مغايرة وأدوات فنية جديدة لواقع لا يريد أن يكون جديداً أو مغايراً .وقد أدى هذا الموضوع إلى شرخ وهوة عميقين بل إلى قطيعة طويلة وحادة بين طرفى المعادلة المسرحية، وغياب الجمهور معناه قتل المسرح "لا أشمل بكلامى هذا جمهور المثقفين لأن هؤلاء ظلوا ملازمين ومتابعين للحركة المسرحية فى مدها وجزرها" وإنما أقصد بذلك الطبقة العريضة من الشعب التى انجرت وراء المسرح التجارى والتى لم يكن ارتباطها به محض الصدفة بل بقرار سياسى كما يقول السيد حافظ "لقد تحول الجمهور من صفوف المسرح الجاد إلى المسرح التجارى بقرار سياسى غير معلن يهدف إلى تجهيل الجمهور وبعده عن موقفه الوطنى .وهناك سبب آخر أدى إلى تخلخل العلاقة الحميمية بين المبدع والجمهور وتدميرها فى كثير من الأحيان ويتمثل فى جهل بعض الفنانين – ولا أقول الكل- بخصوصية الجمهور المصرى (تكونيه النفسى – الاجتماعى..) إذ عمل هؤلاء على مخاطبة الجمهور من أبراج عاجية بلغة جديدة لا يفهمها، فكان التجريب من هذه الناحية عملاً تعسفياً لم يألفه الجمهور بسهولة ولم يرتح له بسرعة " فكان أن صارت بعض الأعمال غريبة عن الجمهور.. وبذكر حادثة طريقة تؤكد رأيه أثناء عرض مسرحية كليوباترا – مسرحية شعرية – أن سيدة من حى شعبى ترتدى ملاية لف كانت تجلس فى الصف الأول عندما سمعت أول جملة فى المسرحية انتفضت واقفة وهى تزعق يا لهوى.. دى مش عربى. وهذا يوضح إلى أى حد يمكن أن تصبح بعض التجارب غريبة عن الجماهير العادية ومن العبث إخراجها لهم .لكن هذا لا يعنى أن الأعمال التجريبية التى عرفتها الساحة المصرية فى السبعينات ظلت بعيدة، فلسنا نبالغ إذا قلنا إن الفنان التجريبى ارتبط بالجمهور أكثر مما كان معروفاً من ذى قبل "فالمسرح التجريبى أولاً وقبل كل شىء نشأ على يد الهواة، وقد أجمع الباحثون والدارسون على الإشادة بدورهم فى الحفاظ على الطابع الإبداعى والرسولى للمسرح لأنهم رفضوا إطلاق الاتجاه بالمسرح نحو الارتزاق" رعاية هؤلاء للمسرح (التجريبى) جعله يعانق الجمهور بأحلامه وآلامه يذكره بحاضره، يرسم له آفاق المستقبل ثم يدعوه إلى الثورة والتمرد (الإيجابى) ويفضح أمامه عورة المجتمع والحكام والخونة ويطرح أمامه القضايا الوطنية والقومية والعالمية ويدعوه إلى أن يتخذ منها موقفاً، لقد كانت كتابة رفض: ترفض المهادنة والاستسلام بل كانت دعوة مستمرة للتحريض والاستفزاز. ولا يخفى علينا أن التجريب عاصر ثلاثة أحداث مهمة فى مصر منها نكسة 1967 التى يقول عنها عبد الكريم برشيد إن نكسة 1967 وما حملته من مرارة الهزيمة والخيبة كان لابد أن تفرز رؤية جديدة وأن تعطى كتابة مغايرة، كتابة عنيفة تقف من الواقع موقف الرفض الغاضب ، وحرب أكتوبر التى أعادت للإنسان المصرى والعربى الثقة فى النفس والأمل فى المستقبل والكرامة وأكدت أن الإنسان العربى قادر على صنع المستقبل إذا ما توفرت له الإمكانيات، فكان لهذه الحرب تأثير ايجابى على الحياة الفنية والفكرية، لكن هذا التأثير سرعان ما تلاشى وتبدد مع ضباب الخيانة والاستسلام، ابتداءً من مفاوضات الخيمة بالكيلومتر 101 وانتهاء بمعاهدة اصطبل داود التى حطمت ثمار أكتوبر وما صاحب ذلك من مقاطعة عربية للنظام الساداتى، وقوانين استثنائية إضافة إلى شبح الانفتاح الذى دمر الأخلاق والإنسان والاقتصاد.. ولنذكر من جديد: هزيمة 67 الانتفاضة الطلابية 1972، أحداث 17، 18 يناير 1977، صلح كامب ديفيد، سياسة الانفتاح الاقتصادى 74 مظاهرات أول يناير 75 ترسانة القوانين الاستثنائية كقانونى حماية القيم من العيب وحماية الجبهة الداخلية، استحداث نظام المدعى الاشتراكى فى التشريع المصرى.. إن هذه الخريطة التى طبعت التاريخ العربى المصرى انعكست على المسرح التجريبى الذى وقف منها موقف الرفض والصدام فى حين تقبلها المسرح التجارى فكان أن ظلت الرؤية السياسة وخاصة قضية الديمقراطية هى المحور الذى تدور حوله كل الكتابات التجريبية، لقد كان أكثر القضايا التى أولاها جيل السبعينات كما رأينا هى قضية الحرية السياسية وكرامة الإنسان المصرى فى مجتمع يفتقد التقاليد الطبيعية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم" فقد ظل المسرح التجريبى مفتوحاً للجماهير كاشفاً عن عورة المجتمع ونظام السادات، مقاوماً السقوط والاستسلام والتطبيع من خلال غسل دماغ الجمهور من العفونة التى حاول النظام ترسيخها فى عقل الإنسان المصرى بالتوعية والتحريض والتنوير وهذا ما نلمسه بشكل واضح فى مسرح السيد حافظ (أبوذر الغفارى، حكاية الفلاح عبد المطيع..) كما عمل على تعرية الواقع اللاديمقراطى رافضاً مصادرة الفكر والتعبير والاعتقاد فأصبح التجريب بحثاً متواصلاً لرصد الظاهر السلبية فى المجتمع معبراً عن روح الشعب ومدافعاً عن قضاياه القومية والوطنية، هذه الخاصية هى التى ميزت المسرح السبعينى ككل. والمسرح التجريبى بصفة خاصة من المراحل السابقة، وهذا ما أكده مصطفى عبد الغنى ففى الوقت الذى غلبت فيه الرؤية الاجتماعية والوطنية فى الستينات غلبت فيه الرؤية السياسية فى السبعينات.هذه الرؤية السياسية التى تحدث عنها مصطفى عبد الغنى كان من المفروض أن تمتد إلى الجانب الفنى، ذلك أن السؤال الذى ظل يراود المبدع هو كيف يصوغ هذه الرؤية السياسية فى قالب فنى جديد يتجاوز القيود لأن لن هذه الكتابة من جهة أخرى هى كتابة تأسيس لمسرح عربى، لقد سبق وأن أكدنا إلى أن التجريب كشكل مسرحى جديد جاء ثورة على المسرح التقليدى الذى لم يستطع أن يماشى الواقع الجديد، ولإنجاح هذه الثورة فإنه قد استجاب للدعوة العلمية خاصة العلوم التجريبية القائمة على التجريب المخبرى، فكانت الأعمال التجريبية تقدم فى حدود ضيقة أو أمام جمهور معين (مثقفون.. أساتذة جامعات.. دارسون.. باحثون..) قبل عرضها أمام الجمهور، فلا يخرج المبدع جنينه للوجود إلا بعد أن يتأكد من اكتمال أعضائه، ولعل أهم جانب كان يركز عليه هو الجانب الفنى.ولما كان التجريب حركة تأسيس وتأصيل لمسرح عربى تنتقى فيه أشكال البناء التقليدية (العربية)، كان لابد وأن يبحث المبدع عن أشكال أخرى تنبثق من الجماهير وتتحدث عنها، فبدأ التفكير فى إعادة النظر فى الصيغ التى تسربت إلينا من الغرب والشك فى مصداقيتها بل ورفضها.. وعلة ذلك عند هؤلاء أن الخطاب المسرحى يملك دائماً حق تجديد أدواته وتقنياته تبعاً لتغير البيئة الزمانية والمكانية.وإذا وقفنا عند المسرح فى السبعينات نلاحظ أن هذه المواقف ظهرت بشكل كبير فى المسرح التجريبى الذى رفض كتابه أن يأتوا بنصوص مسرحية وفق نماذج عربية فسعوا إلى التمرد على الشكل الدرامى القديم والتحرر من القيود الأرسطية التى كانت تقيد حركة الفنان المسرحى، فلا قدسية إذن للوحدات الثلاث (الزمان، المكان، الحدث) ولا قدسية كذلك لثلاثية الخط المسرحى (بداية – وسط – نهاية) الفصل بين الأنواع المسرحية من تراجيديا وكوميديا.. فتشابكت هذه الأنواع، وكان المسرح عبارة عن فسيفساء تجمعت فيه كل الألوان المسرحية أملاً فى خلق شىء جديد يؤصل المسرح ويعربه " فالفنان حر فى الحركة يحب كل الأشكال التى تخطر على باله. لأن المسرح أولاً وقبل كل شىء خطاب، وتوصيل الخطاب يتم عبر أشكال مختلفة ومتنوعة، فلابد إذن من التعرض لها بل وابتكار أخرى غير معروفة، وإلا ما معنى الإبداع إذا لم يكن هناك خلق ومغامرة.. كما يبدو هذا الجموح فى تحطيم عناصر الشكل المركب واتساق اللغة الواحدة والقوالب التقليدية والشخصيات والحوار إلى غير ذلك من المفاهيم التقليدية" وليس عيباً أن نجد الفنان التجريبى فى السبعينات يمزج بين كل هذا الخليط فقد سبقه ذلك العلماء التجريبيون خاصة علماء النبات، الذين كانوا يمزجون أو (يفلحون) بين الفروع المختلفة فأعطتهم التجربة كائناً نباتياً جديداً لم يكن له وجود من ذى قبل.لجأ الفنان التجريبى دائماً إلى إطار الثورة على القديم (المسرح التقليدى) إلى التراث لأنه وجد فيه الوعاء الحقيقى للقومية العربية، الذى يمتزج فيه الماضى والحاضر والمستقبل ويحدد رؤية الإنسان العربى وعقله ووجدانه بأبعاده الاجتماعية والثقافية، فاستلهم المبدع التاريخ والأساطير والحكايات والرموز وغير ذلك، كما هو الشأن عند السيد حافظ (ظهور واختفاء أبى ذر، حكاية الفلاح عبد المطيع..) حيث نلاحظ تمرداً واضحاًَ على الأساليب الواقعية والطبيعية ليس هروباً من الرقابة التى كانت تشد الخناق على المبدعين وإنما غيرة على القومية العربية المفقودة، فعمل المبدعون على تحديد مواقع التراث من التحولات القومية والمحلية اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. الفصل الثانى
موقع السيد حافظ داخل المسرحية التجريبية
للبيئة الزمكانية دور خطير فى خلق وتوجيه الإنسان المبدع، فالزمن تراكمات الماضى وترسبات الحاضر، والمكان بما يحمله من تجليات الحاضر فالحاضر غرس الماضى. والمستقبل يجنى الحاضر: إنها دورة زراعية خصبة مستمرة مؤثرة ومتأثرة بيئية مكانية أمدتها بشحنات أسمنتية ومواد عضوية، لذا فإن الحديث عن السيد حافظ هو فى الحقيقة حديث عن تاريخ مصر وحضارتها فى الحاضر والماضى فى إطارها الإقليمى ومحيطها العربى (زمان + مكان + إنسان).فالسيد حافظ شأنه شأن أبناء مصر ورث حضارة عريقة وهو ابن لأمة عظيمة وسمت التاريخ بميسمها فورث عنها العالم والفكر والفن كما ورث عنها الكرامة والمجد والأرض، فغاظه أن تضيع الأمانة ويسقط صرح الأجداد، فوقف من شبح الهزيمة الأسود رافضاً ساخطاً فى وجه عالم الظلم والقهر.. يقول سعد أردش "إن هذا الكاتب ينتمى إلى جيل عاش حياته ويعيش عصر التحرر والاشتراكية والعدالة والضيق من كل ما كان يثقل كواهل الأجيال السابقة وما حاربت من أجل الخلاص منه أجيال 1919، 1946 وما قمت من أجله ثورة 1952 وما تلاها" .لقد ربط السيد حافظ مصيره بمصر فعاش أحلامها وانتصاراتها وفرح بها، وعاش انتكاساتها وانهزاماتها فرفضها، رفض أسبابها ومسببيها: قال لا للهزيمة، لا لأسباب الهزيمة، لا للواقع اللاديمقراطى، لا لضياع فلسطين، لا للاعتراف بالعدو، لا للحلول الاستسلامية.. فامتدت هذه (اللا) لتشمل كل شىء عند السيد حافظ من الواقع إلى الفن.إن جيل السيد حافظ هو جيل المعاناة والإحباط، هذه المعاناة كانت تضرب بجذورها فى كل الاتجاهات سياسياً وثقافياً واجتماعياً، فعلى المستوى السياسى ستترك مجموع الأحداث الخطيرة التى عرفتها مصر بدءً من نكسة 1967 مروراً بإجهاض نصر أكتوبر، وكامب ديفيد والانفتاح الاقتصادى، والقوانين الاستثنائية، أثراً خطيراً فى نفس المواطن، فقد نتج عن تلك الأحداث تخلخل فى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وترتب عن سياسة الانفتاح الاقتصادى بروز طبقة برجوازية سيطرت على المواقع الحساسة فى هرم السلطة وعلى اقتصاد البلاد، فى حين ظلت الغالبية العظمى من أبناء الشعب، تعانى مرارة الحرمان فى حق العمل والتعليم والصحة.. فانتشرت البطالة والرشوة وارتفعت الضرائب وكثرت المخدرات وغيرها من السموم التى تؤكد على فساد المجتمع.أما على المستوى الثقافى فإن البرنامج الذى انتهجته الدولة فى هذا المجال كان يتماشى وتوجهها السياسى والاقتصادى، فكان أن انحدر المستوى الثقافى انحداراً رهيباً نتيجة الحجر المفروض على الكتاب من جهة، وبروز الثقافة التجارية كثمرة للواقع الانفتاحى من جهة ثانية، فكان على المبدعين الذين حملوا على عاتقهم رسالة المسرح بنية الحجر المفروض على الكتاب من جهة، وبروز الثقافة التجارية كثمرة للواقع الانفتاحى من جهة ثانية، فكان على المبدعين الذين حملوا على عاتقهم رسالة المسرح بنية وإخلاص إما مواجهة الثقافة الانفتاحية أو الكف عن الكتابة، فى حين فضل البعض الآخر مغادرة البلاد حاملاً قضية وطنه وأمته فى كفه مفضلاً المنفى والنضال على حياة الذلة ومنع الفكر.. وذلك كان خط السيد حافظ – أما من بقى داخل البلاد فقد مورس عليه الحصار فظل مهمشاً بسبب البعد عن مراكز السلطة الثقافية والسياسية المحتكرة من نخبة معينة متمركزة فى مدينة واحدة هى القاهرة، وهذا الوضع أفرز حالة من الرفض ظهرت بشكل كبير فى ميدان المسرح خاصة عند السيد حافظ.فإذا كان جيل كاتبنا قد كُتب عليه أن يكون كبش الفداء الذى يدفع الثمن غالياً من لحمه ودمه بسبب هذه السياسة العرجاء التى انتهجها النظام والتى كانت سبباً فى سلسلة الهزائم العسكرية والحضارية، فإنه فضل أن يكون الصخرة الصلبة التى تتكسر عليها كل المحاولات المحمومة المضادة لإرادة الجماهير، فأطلق صرخته التاريخية ضد الواقع المريض بسياسته وثقافته وفنه.. لأنه رفض أن يرى أبناء شعب يسقطون فى مستنقع الهزيمة.ولما كان من الصعب دراسة النص المسرحى سواء عند السيد حافظ أو غيره بمعزل عن الواقع الذى ظهر فيه (لا أغفل هنا الجانب الإبداعى عند الكاتب) أعنى الواقع السياسى والثقافى، ونحن نعلم أن هذا الواقع كان يسير فى اتجاه معاكس لإرادة الإنسان والفن، كان لابد أن نجد عنده – السيد حافظ – نصاً لا كالنصوص: نصاً كله ثورة وتمرد لأن صاحبه منذ البداية حدد موقفه وموقعه، فهو رافض للواقع السياسى الاقتصادى والاجتماعى منحاز للفقراء والكادحين ضد المعتقلات والحجر على الفكر (أبو ذر الغفارى، حكاية الفلاح عبد المطيع..) ومن جهة ثانية ساخط على القواعد البالية لأنها ترسم اتجاهاً واحداً للإبداع، وهذا الاتجاه عنده يقتل الابتكار والخلق، فاحتضن الشكل التجريبى وتبناه، لكن كيف دخل مجال التجريب؟ ما الذى يميز رؤيته الفنية والفكرية؟إن دخول السيد حافظ مجال التجريب كان دخولاً شرعياً، ذلك أن حالة الجمود الذى وقعت فيه الثورة الناصرية ولدت نوعاً من اليأس والغضب الداخلى اللذين انفجرا بشكل عفوى مع هزيمة 1967. هذه الثورة (الثورة الناصرية) جاءت لتحرير الإنسان المصرى والعربى مما يثقل كاهله وتحقيق الأهداف التى حاربت من أجلها الأجيال السابقة، فطرحت المبادئ الستة للثورة، فتعلق بها الإنسان وكان لهذه المبادئ أثر كبير على الحياة السياسية والثقافية، لكن هذه الثورة وقعت فى مستنقع الجمود نتيجة البيروقراطية والانتهازية والوصولية.. ففقدت الجماهير الثقة فيها ناهيك عن عدم التطبيق الفعلى للمبادئ الستة سواء من طرف الحاكم أو من طرف المحكوم، فكان نتيجة ذلك هزيمة 1967 التى أجهضت حلم الجماهير فى الثورة فعم اليأس والإحباط والقنوط. فما أشبه هذه اللحظات بتلك الفترة الحزينة التى اجتاحت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية والتى كانت وراء موجة العبث.. هذا الغبن ازداد عمقاً.خلال السبعينات تحت رحمة الانفتاح الاقتصادى والقوانين الاستثنائية وغير ذلك من القوانين التعسفية كما سبق وأن أشرنا هذا الوضع المشين أجج نار الغضب فى صدر الإنسان المصرى الذى خرج متظاهراً ساخطاً متمرداً فى كتاباته وتفكيره، وإذا عدنا إلى السيد حافظ فإننا نجده لا يشكل استثناء عن هذه القاعدة، من هنا فالتجريب لديه يشكل نوعاً من الرفض، لكن هذا الرفض لم يكن عبثاً كما هو الشأن فى الغرب أو بدون هدف. إنما هو متولد عن حاجات داخلية وعن أسس موضوعية توجب التغيير لا فى المجال الثقافى فحسب، والتجريب عنده شمل الكتابة وأدوات الكتابة والرؤية.. وإلا لم يكن ليستحق لقب الثورة، لأن الثورة تغير جذرى لكل شىء، تناولت هذه الكتابة موضوعياً قضايا إنسانية مثل علاقة الحاكم والمحكوم (حكاية الفلاح عبد المطيع) وحقوق الإنسان والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (أبو ذر الغفارى – مدينة الزعفران..) وجمالياً حطمت قواعد المسرح البالية من أرسطو إلى بريخت، وهذا ما يظهر بشكل واضح فى كتابات السيد حافظ، فما هى ملامح الكتابة عند السيد حافظ جمالياً وفكريا؟ وما هو موقعه داخل الحركة التجريبية فى مصر ككل؟إن الحياة لم تعد بسيطة هادئة هدوء الإنسان فى القرن السادس عشر أو السابع عشر، فإذا كانت الحياة فى ما مضى تتحرك بمتتالية حسابية فإنها اليوم تتحرك بمتتالية هندسية، وكلما ازدادت الحياة سرعة إلا وازدادت حركة وتولدت حرارة أكثر، فعالم اليوم كثير التناقض والتعقيد سريع الحركة والجديد بين اليوم والغد يمكن أن تتغير خريطة العالم، يمكن أن تنشب حرب، يمكن اكتشاف سر خطير.. والإنسان يزداد قلقاً وخوفاً وسرعة فى تفكيره وتمرده وغضبه لأنه يعيش عصر القلق، لا أريد بهذا استحضار معارفى وإنما أريد أن أؤكد أنه من السخافة والسذاجة أن نجد كاتباً اليوم يكتب بنفس الطريقة التى كتب بها فنان أو مبدع فى القرن السادس عشر أو السابع عشر، فإذا كان موليير قد كتب مثلاً البخيل فى القرن السابع عشر فإنها تتلاءم قالباً ومضموناً مع حركية الحياة وبساطة الفكرة، أما أن نخضع مشاكل اليوم أو مواضيع الساعة لمقالب الأمس فإنه من العسف بمكان، فهل يعقل أن يسافر إنسان اليوم على سفينة شراعية لعبور الأطلسى متحملاً المخاطر والتعب لقضاء حاجته فى أمريكا وهو يجد أمامه السفن ذات المحركات الضخمة والطائرات العملاقة؟ فإذا كان هذا لا يعقل فكيف يعقل الأول؟ كان كاتبنا أكثر إدراكاً لهذه الحقيقة، فعمل على تجاوز الموروث والسائد، لكن عملية التخطى هذه لا يمكن أن تتم إلا عبر ثنائية الهدم.والبناء : هدم التقليدى وتأسيس الآخر مكانه، وتماشياً مع النمو الطبيعى فإن العملية لابد وأن تمر عبر عدة مراحل من أجل الوصول إلى الصيغة النهائية الكاملة، لذا فإن البناء الفنى عند السيد حافظ يختلف من مسرحية إلى أخرى، إن إحساس الكاتب بأنه يحمل مضامين مغايرة ألزمه بأن يبحث لها عن أشكال مسرحية مغايرة وفى انتظار أن يعثر عليها فلابد من حيث يجب البدء أى من هدم المسرح فى شكله التقليدى وذلك ما فعل، قد يكون هذا الهدم فوضوياً فى البداية لأنه لم يعط البديل الفكرى الفنى ولكنه عدم ضرورى أولاً لتحطيم قدسية الأوثان المسرحية، وثانياً لتوكيد الشعور بالحاجة إلى مسرح آخر بعد هذا نسأل ما هى ملامح الكتابة التجريبية عند السيد حافظ.( )إن الهدم معناه تدمير الشىء وإزالته من مكانه لإقامة الآخر بدلاً عنه، وهذا لا يعنى أنه يشمل جزءً دون الآخر، حتى وإن كان الهدف من عملية الهدم هو إزالة الجزء دون الكل فحتماً سيتصدع الجانب الآخر وينهار نتيجة التزابط وتماسك أعضائه وهذه حقيقة كل بناء مرصوص متماسك، وفى حالة عدم سقوطه – أى الجزء الآخر - فإنه لن ينجو من عملية الترميم، والبناء المسرحى لا يختلف فى هذا البناء المعمارى. فهو كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.قولنا هذا يقضى بنا إلى أن عملية التجديد عند السيد حافظ شملت كل البناء بدءً من الوحدات الثلاث (أزمان – مكان – حدث) واللغة وما إلى ذلك.. لا أجمع النقاد على نعت عمله بأنه ثورة باعتبار أن الثورة تغير جذرى لكل الأدوات الفاسدة، وذلك حقيقة كل الثورات سواء كانت ثقافية فكرية أو سياسية، وحتى لا تقع حركته التجريبية فى مستنقع الجمود والركون فإنه لم يحصرها فى كيان خاص لا يسمح بالتجديد وهذا ما ذهب إليه كذلك عبد الكريم برشيد يمكن أن نقول بأن كل مسرحية لها بناؤها الدرامى الخاص فهو فى كل إبداع جديد يجرب شكلاً جديداً( ).ولما كانت الثورة فنية بالدرجة الأولى فإن أهم ما شملته هو جانب الشكل، ولعل أول ما يثير انتباهنا بالدرجة الأولى، هو أن السيد حافظ لا يحترم قانون افصل بين الأنواع المسرحية من تراجيديا وكوميديا وملحمية و...، بل إن هذه الأشكال تكاد تختلط فيما بينها لتعطى عملاً من نوع خاص يختلط فيه الضحك بالبكاء والفرح بالحزن (حكاية الفلاح عبد المطيع.. ستة رجال فى معتقل ب500 شمال حيفا وهذا الخلط هو الذى أعطى للعمل الفنى طابعه الإبداعى والتجريبى القائم على المغامرة العلمية المخبرية، كما لا يحترم قانون تقسيم النص المسرحى إلى ثلاثة أو أربعة فصول، بل يستحضر تقنيات جديدة بأنه دائماً يعيد النظر فى الصيغة التى تسربت إلينا من الغرب ففى حبيبتى أميرة السينما يقسم النص إلى لقطة أولى ولقطة ثانية أو إلى عدة جسور كما فى ستة رجال فى معتقل ب500 شمال حيفا أو إلى ثلاثة حدود…أما إذا انتقلنا إلى الوحدات الثلاث فإنها ستنال أكبر ضربة على يد السيد حافظ، فهو لم يتناول الزمان والمكان كما طرحا من قبل، بل يقدمهما فى صورة غريبة وغير واقعية وغير منطقية فى نفس الوقت، فمثلاً فى مسرحية كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى ويقدم الزمان كالتالى، أيام العصر الذرى الحجرى البرونزى الملامح فى القرن الفوضوى. فعن أى زمان يتحدث السيد حافظ؟ إن هذا الزمان لا وجود له فى دنيا الواقع على ما يبدو لأن الإنسانية لم تعرف قط فى تاريخها عصراً حجرياً ذرياً برونزياً وإنما عرفت عصراً حجرياً ثم بعد آلاف السنين عصراً برونزياً وبعد عدة قرون عصراً ذرياً، ولكن بالرغم من ذلك فإن هذا العصر موجود وبالتأكيد إنه عصرنا الذى نعيش فيه، عصر الفوضى والرعب النووى والحروب وقانون الغاب، إنه موجود فى ذهن القارئ.إن هذا الجمع بين هذه المتضادات هو فى الحقيقة جمع لتناقضات هذا العصر المتقدم تكنولوجياً المتخلف حضارياً (حجرياً) فى قيمه، فى طغيان المادة عليه، وغياب المبادئ الإنسانية، أما فى الحانة الشاحبة.. فالزمن يقدمه كالتالى:بعد أحداث 5 يونيو



مسرحية سندريلا بقلم الدكتورة / نيرمين يوسف إبراهيم الحوطي *


مسرحية سندريلا
بقلم الدكتورة / نيرمين يوسف إبراهيم الحوطي 
*


كانت سندريلا من الموضوعات أو المضامين التي لاقت قبولاً كبيرا عند كل أطفال العالم ، سواء كانت قصة منشورة ، أو مسرحية معروضة ، أو فيلما سينمائيا ، ففيها من الخيال المثير مما يشبع نهم الأطفال من خلال المفاجآت التي ينقلب أو تتقلب بها الحال بسندريلا من وضع إلى آخر ، بحيث تنتصر الشخصية التي يكاد الأطفال يتوحدون معها تماما . ومن هنا أقبل معظم كتاب العالم لتوظيف هذه التيمة من زوايا تناسب أطفالهم ، خاصة فيما يتصل بانتصار الحب على الظلم والقهر والتعسف ،ونظرا لأن التيمة أو الحدوتة معروفة للجميع حتى إذا ما قدمت كعرض باليه لا يستخدم الكلمات ، فإن هذه القدرة المعنوية والحركية تتيح المجال لكل من المؤلف المسرحي والكاتب المسرحي لكي يقدما منظوراً محليا يسمح للأطفال بالتوحد العاطفي مع سندريلا إلى أكبر حد ممكن .

ولا شك أن الجانب التربوي في المسرحية ، جانب واضح ومتبلور وممتع ومثير ، وبعيد في الوقت نفسه عن أي إرشاد أو تعليم مباشر للأطفال الذين يتابعون ويشعرون بأن للظلم نهاية لابد أن تأتي ، حتى تتوازن الأمور ويصبح للعدل اليد العليا . وقد استلهمت معظم المسرحيات من القصة الخيالية "
Fairytale " والتي كتبها الأديب الفرنسي بيرو " Perrault " والتي كانت من الجاذبية بحيث تحولت أيضا إلى أوبرا من تأليف الموسيقار الإيطالي روسيتي التي قدمت في روما عام 1817م ، وكتب كلماتها المستوحاة من القصة " ج فيريتى " ، كما تحولت إلى أوبرا أخرى للموسيقار الفرنسي " ماسينيه " وعرضت في باريس عام 1899م ، وكتب كلماتها الشاعر " لين " الذي قال أن القصة تحمل كل مقومات الإثارة والغناء ، وفي عام 1900م أشترك الموسيقيان وولف وفيرارى في تأليف أوبرا ، وعرضت في البندقية تحت اسم " سينيرن تولاوفي " عام 1945م كتب الموسيقار السوفيتي " بروكو فييف " باليه سندريلا الذي جمع بين الأغنية والحركة


 لقراءة الدراسة كاملة أو تحميلها بصيغة PDF
 اضغط على الرابط التالي

https://drive.google.com/open?id=0B2rLU6MapsKuUjRHQk85allNbVU

السيرة الشعبية في مسرح الطفل .

السيرة الشعبية في مسرح الطفل .

تجربة السيد حافظ .
دراسة للدكتور / طارق محمود الحصري .



إشراف دكتور أبو الحسن سلام .
رسالة ماجستير / جامعة الإسكندرية / قسم المسرح عام 2005 .

توظيف السيرة الشعبية في مسرح الأطفال :
تطبيقا على مسرحية " عنترة بن شداد " للسيد حافظ :

حظيت السير الشعبية باهتمام كبير من قبل الأدباء والمبدعين المعاصرين الذين استلهموا موضوعاتها وعناصرها في أكثر من عمل أدبي ، كما كان لمسرح الكبار نصيب كبير في استلهام السير الشعبية في أعمال درامية منذ بدايات القرن العشرين ، ومن هذه السير سيرة " عنترة بن شداد " .

يشير رمسيس عوض 
[1] في موسوعة المسرح العصري الببلوجرافية إلى أنه قد تم عرض أول مسرحية باسم " عنترة بن شداد " عام 1901 من تأليف شكري غانم ، وفي عام 19288 كتب حبيب جاماتي مسرحية تحمل عنوان " عنترة " كما قام أحمد شوقي عام 1932 بكتابة مسرحية تاريخية شعرية بنفس الاسم " عنترة " . وفي عام 1977 قدم مسرح الطليعة مسرحية " يا عنترة " من تأليف يسري الجندي [2] وإخراج سمير العصفوري ، أما بالنسبة لمسرح الأطفال فقد كان للسيد حافظ تجربتين في استلهام السير الشعبية هما " عنتر بن شداد " [3] ، و" فرسان بني هلال " ، " أبو زيد  الهلالي " . ولم تظهر حتى الآن محاولات أخرى لكتاب آخرين في مجال توظيف السير الشعبية واستلهامها في مسرح الطفل .

وسنحاول في هذا الفصل الاقتراب من هذين العملين بالدراسة والتحليل ، وسنبدأ بمسرحية " عنترة بن شداد " . وسيرة عنترة قد احتلت وجدان الشعب العربي لفترة طويلة، بل لعله لا يزال حتى الآن رمزا للبطل الذي حطم كل القيود التي وقفت في سبيل حريته وتحقيق ذات أمته وكمالها ، وإذا ما انتقلنا إلى صورة البطل " عنترة " في السيرة الشعبية ، نجده بطلا يحمل الملامح الأسطورية بما أضاف إليه الخيال الشعبي من ملامح وصفات وأخبار عجيبة عن مغامراته .




لقراءة الدراسة كاملة أو تحميلها بصيغة PDF
 اضغط على أحد الروابط التالية

رابط التحميل الأول


*******

رابط التحميل الثاني


*******

التجريب في مسرح الطفل مسرحية " عنترة بن شداد " للسيد حافظ




التجريب في مسرح الطفل
مسرحية " عنترة بن شداد " للسيد حافظ


التجريب في مسرح الطفل
مسرحية " عنترة بن شداد " للسيد حافظجامعه محمد الأول
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
وجـدة
شعبة اللغة العربية وآدابها

التجريب في مسرح الطفل
مسرحية " عنترة بن شداد " للسيد حافظ
نمــوذجــا
بحث لنيل الأجازة في اللغة العربية وآدابها

اعداد الطالبة : تحت أشراف الأستاذ :
يمينه الرادي مصطفى رمضاني

السنـة الجامعيـة : 1996 - 1997

الجوانب الفكرية
لمسرحية عنترة بن شداد

ملخص المسرحية
تدور أحداث مسرحية عنترة بن شداد في إحدى البيوت العربية حيث يجتمع أفراد الأسرة في صالون عادي حول الشاي ومعهم بعض الضيوف الذين حضروا لزيارتهم ، وبينما هم كذلك ، إذ يقترح عليهم – العم سالم – قصص حكايات عنترة ، وعلى الجميع الاشتراك في تمثيلها . وهي حكاية مستوحاة من السيرة الشعبية ، تحمل في طياتها الكثير من المغامرات البطولية لعنترة بن شداد العبد الذي نشا ذليلا من أبيه ومن قبيلته بسب سواد لونه من جهة ، وعدم خلوص نسبه من جهة أخرى ، ولا شك فيه أن مأساته اقترنت بوضعه الاجتماعي أولا ، وبحبه لعبلة التي يطمع فيها كل من الربيع ، ضرغام ،عمارة ،فالأول حاول إغراءها بالمال ،والثاني بالجمال ،أما الثالث فبقوة العضلات ، لكنها رفضتهم جميعا لكونها تعترف بهذه المؤهلات . أما عنترة فظل حزينا كئيبا يتحين الفرصة للتقرب منها . وقد وجدها سانحة يوم أسرت قبيلته من طرف إحدى القبائل المجاورة التي طلبت منه الفدية المتمثلة في إحضار ثلاث تفاحات ذهبية مقابل إطلاق سراحهم .وبالفعل وعدهم بذلك ورحل في مغامرة شاقة لا يعلم مصيرها إلا الله .
وهكذا بدأ مسيرة البحث رفقة أخيه شيبوب ، وفي البداية التقيا بالحكيم الذي باع لهما ثلاث حكم مقابل رغيف من الخبز . وفجأة اختفى شيبوب



 لقراءة الدراسة كاملة أو تحميلها بصيغة PDF
 اضغط على الرابط التالي

https://drive.google.com/open?id=0B2rLU6MapsKuVVRuRnhrUlFKc00

" الحكاية الشعبية في مسرح الطفل في الكويت " دراسة في مسرح السيد حافظ بقلم / آمال الغريب




" الحكاية الشعبية في مسرح الطفل في الكويت "
دراسة في مسرح السيد حافظ
بقلم / آمال الغريب
باحثة كويتية


د. علي عاشور الجعفر
الكويت
13/1/2006

أولا : الدراسات



1. آمال الغريب
1985
2. شنايف الحبيب
1990
3. فاطمه حاجي
1990
4. نزيهه بنطالب
1990
5. محمد المنصور
1995
6. عماد المنصور
1996
7. نعيمه عبد لاوي
1996
8. يمينه الراوي
1996
9. عبدالعزيز خلوفة
2002
10. ليلى بن عائشة
11. زينب علي
2004 2005
12. طارق الحصري
2005
13. نيرمين الحوطي
2005


" الحكاية الشعبية في مسرح الطفل في الكويت "
دراسة في مسرح السيد حافظ
بقلم / آمال الغريب
باحثة كويتية

إشراف الأستاذ الدكتور / حمدي إبراهيم
المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت سنة 1985

تحليل مسرحية " سندريلا "
ومقارنتها بالأصل الشعبي
*****************
" سندريلا "
سندريلا هي تلك الفتاة الطيبة البريئة الصابرة النقية ، التي تتعرض مع ذلك لقوى الشر فتعاني من ضروب الظلم والاضطهاد الشيء الكثير . حيث أن عالمنا الواقعي زاخر بالشر والحقد والغيرة والكراهية والصراع . ثم يحدث أن تتدخل بعض القوى الخارقة لمساعدتها – وإنصافها ، ولا تتركها إلا بعد أن تحقق لها كل طموحاتها النبيلة والمشروعة ، وتعيد للحياة وجهها الخير . وهذه هي قصة سندريلا المعروفة في الأدب الشعبي العالمي وتمثلها على المستوى المحلى في الكويت حكاية ( سميمكة) المعروفة.
وفي هذا الفصل نود أن نوضح أوجه التشابه والاختلاف والتعديل والإضافة بين كل من النص المسرحي للمؤلف السيد حافظ والأصل الشعبي لقصة سندريلا ، وأن نقدم التفسير الكامن وراء ذلك الاختلاف .
ومن عناصر التشابه بين النص المسرحي والأصل الشعبي :
تقديم سندريلا السيد حافظ كفتاة يتيمة تعيش في اضطهاد وعذاب من قبل زوجة أبيها ، كذلك الحفل الذي تذهب إليه سندريلا بمساعدة ( الجنّية ) ، حيث تلتقي بالأمير ، وتفوز بقلبه وتفقد أحد نعليها ، وعن طريق هذا 



لقراءة الدراسة كاملة أو تحميلها بصيغة PDF

 اضغط على أحد الروابط التالية

رابط التحميل الأول

اضغط هنا

رابط التحميل الثاني


رابط التحميل الثالث

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More