Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الجمعة، 2 يونيو 2017

الموتيف في رواية قهوة سادة


الموتيف في رواية " قهوة سادة "
للأديب / السيد حافظ-

بقلم دينا نبيل

توطئة :
في محاولة لتصنيف الحكايات الشعبية العالمية، قام عالم الفلكلور الأمريكي ستيث طومسون بوضع "معجم الموتيفات في الأدب الشعبي" عام 1932، مؤثثاً بذلك مصطلح "الموتيف" لأول مرة والذي صار فيما بعد أساس نظرية فلاديمير بروب في دراسته وظائف بُنى الحكاية العجائبية. ولم يتوقف مصطلح الموتيف عند حدود الحكايا الشعبية والأساطير، وإنما تجاوز كونه (أصغر وحدة جزئية في الحكاية الشعبية [...] لتصبح منهجاً متكاملاً لفهم كثير من الظواهر الثقافية والفنيّة)[1]؛ فصار جزءاً من الفنون التشكيلية والموسيقى إلى جانب الدراما والقص. والموتيف كما يعرّفه د. سليمان العطّار، هو (موقف نمطيّ يتكرر منتزع من الواقع على يد الخيال، وله ملامح محددة لها قدر كبير من الثبات بعد انتزاعه من موضعه في سياق عدد غير محدد من الأعمال الأدبية الشعبية والفردية ثم تجريده، ثم يصنف في مجموعات يطلق على كل منها إطاراً موتيفياً)[2]، ومثال ذلك الفتاة التي تغادر المكان مخلفة فردة حذائها، فيمكن أن يتغير تشكيل وحدة التعرف على الفتاة ليصبح منديلاً في حكاية أخرى، ومثال آخر الشخص الذي يعود بعد غياب ولا يتعرف عليه أحد إلا من علامة في جسده ، وقد تتغير تلك الوحدة وتصير خاتماً مثلاً أو قرطاً ، فبالرغم من اختلاف تشكيل الموتيف إلا أنّ ملامح الموقف ذاته تبقى نمطيّة. وقد يحوي العمل الأدبي الواحد أكثر من موتيفة، فتبدو الموتيفات كتمفصلات وتعشيقات تفرز ظواهر وتقنيات تؤثر في البنية السردية، ومن ناحية أخرى تسهم في تحفيز الموضوعة الرئيسة التي يدور حولها العمل الأدبي.
ورواية " قهوة سادة " للأديب السيد حافظ الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب لعام 2012، رواية ملحمية ليست الأولى للكاتب المسرحي الكبير، الذي أضافت تجربته المسرحية حسّاً فريداً في كتابته الروائية، فــــ(كاتب المسرح ليس إلا سياسياً مبدعاً، يسيطر على ما حوله من واقع مفتت سيطرة الوعي المضيء، فيسعى للملمة شمل الفتات المتناثر خالقاً منها صورة متناسقة ذات نظام في عالمه)[3]. والرواية تنقسم إلى جزئين: "حكاية سهر والعشق والقمر" والتي تمثل الواقع المعيش بين مصر وسوريا بعد حلّ الوحدة بينهما عام 1958، والجزء الثاني: "حكاية نفر وإخناتون والنيل" والتي هي حكاية داخل حكاية ، يتنقل فيها القارئ بين مصر الفرعونية ومصر الحديثة والشام، وهي محاولة لسبر أغوار الشخصية المصرية في واقعتين تاريخيتين فاصلتين من تاريخ مصر: هزيمة 67 وثورة إخناتون لتوحيد الآلهة، بوصف الرواية الشكل (الملحمي المرن القادر على تصوير وتحليل وتجسيد بانوراما الحياة المصرية في كليتها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية في سباق التطورات والتحولات السياسية والاقتصادية)[4]، ثم يجمع الكاتب تلك المشاهد المتوالية - الأشبه بالمشاهد المسرحية التي تنبثق من بعضها وتتنقل عبر الزمان والمكان - في توليفة واحدة مما أضاف إلى ثرائها وعمقها. واستعان الكاتب في لحم هذا التقطيع بتعشيقات موتيفية استعارها من الحكايا الشعبية في التراث العربي والأساطير المصرية القديمة والسومرية والإغريقية مما أعطى العمل عالمية أشمل، إلى جانب توظيف الرؤى الصوفية والتوثيقات التاريخية والصحفية، للتركيز على موضوعة وحداوية العالم وانبثاقه من ذات واحدة ألا وهي الروح .
المحاور :
1-مأتم الجسد (الفناء)
2-البناء والهدم
3-الثورة
4-البحث عن الذات والخلاص
1-مأتم الجسد (الفناء):
يأتي العنوان الموضوعاتي " قهوة سادة " معتمداً على مضمون الرواية عن طريق (المجاز المرسل والكناية المتعلقة بموضوع لا يتموقع الحديث فيه كثيراً)[5]، فاستعان الكاتب بالوحدة الدلالية - القهوة السادة – التي ترسل للمتلقي منذ مصافحته عتبة النص الأولى إيحاءً بالموت وما يصاحبه من مأتم يسترعي انتباه القارئ لتعقب الجسد الفاني في النص. وهذا الارتباط بين القهوة السادة والمأتم من الموروث الشعبي العربي، لذا فيؤكد الكاتب في "صدر الرواية" على موضوعة فناء الجسد ومايرافقه من غرائز جبليّة:"أنسى أنّ النساء جسد من لحم ودم وأتذكر أنهن عطر له روح /9"، فيجذب معه المتلقي نحو التسامي عن مطالب الجسد الدنيوية. وقد قام الكاتب بتخليق موتيفة جديدة من وحدة شُرب " القهوة السادة " وربطها بالموت أو القتل من ناحية ، والنشوة الروحانية من ناحية أخرى، ويظل الكاتب يرسلها على دفعات مقدماً معها ارتقاءات إنسانية تبدأ من الجسد وشهواته منتهية إلى الروح .
ففي أول تقدُمة لموتيف القهوة السادة يربطه الكاتب بشهوة النكاح،" تنصح [ شهرزاد ] بعض النساء بعمل فنجان قهوة على الريحة قبل الجماع بنصف ساعة/17" ، ثم يستعين به الكاتب لإظهار شهوة من نوع آخر وهي السلطة وفساد الحكام ، يقول البطل - فتحي رضوان:"دعا ابن عباد القاضي [...] كل حكام الإمارات في الأندلس [...] للغداء ثم الاستحمام في الحمام الجديد الفاخر .. وشرب القهوة السادة هناك .. وأثناء الاستحمام أغلق عليهم الباب .. بالطوب والخشب وجعلها مقبرة جماعية/ 77"، فهذا دليل على تفشّي الدكتاتورية واستغلال المكر والدهاء وتحليل القتل للانفراد بالسلطة – أكثر الشهوات إغراءً للإنسان - ثم يربطها بتوثيق تاريخي لمواقف مشابهة في أزمان مختلفة: محمد علي وجمال عبد الناصر وصدام حسين؛ لأنها أكثر المشاكل التي عصفت بالأمة العربية. كما استخدم الكاتب الموتيف بإيحائه الحسي –المذاق الُمر– كناية عن استنكار الأوضاع في الوطن، يقول فتحي: "هل خدعت الشباب بحبها ؟ وأنها أم الدنيا وأنا لست أولهم؟ [...] أنا قلت لهم إن لبن ثديها نقي تقي ثم وجدت اللبن في ثدي مصر هو دم رائحته قذرة .. ممزوجة بطعم القهوة المرة/ 89" ، فهذه ثورة ضد الجسد المصري الهجين الذي يتسيّده الخدم والرعاع محبو التملق والنفاق، وتعلو فيه رؤوس فساد لا تنظر إلا إرضاء نزواتها. وفي تمفصلٍ فارق في الرواية تبدأ الروح بالانفصال والعلو عن الجسد الضائع، يقول فتحي:" آه في البرد أحتاج إلى قهوة سادة .. وإلى حضن أنثى [...] ينسيني أنثى ليس لها مكان إلا في جنة عشقي/ 106" ، فتلك الموتيفة وما يصحبها من ملامح جديدة كانقطاع الكهرباء في الشقة ومرافقته زميلته الجديدة ماجدة ، التي تجسد في سمراوتها مقومات الشهوة، وشعور البطل بالضياع والتخبّط في الظلام، توحي بظلمة دونية الجسد ومتطلباته، لتبدأ بعدها مرحلة الارتقاء الروحي والتصوّف.
تتمظهر الرؤية الصوفية بجلاء في الرواية، كون (الصوفية في العصر الحديث دخلت ساحة الإبداع الأدبي بوصفها أحد العناصر المهمة في التيارات الحديثة وخاصة السريالية)[6]، فتسلّم بفناء الجسد - أحد مقامات الصوفية - متخذة من " القهوة السادة" وسيلة للتنبيه الروحاني، يقول فتحي:" القهوة قبلات للروح كي تنهض [...] أكره أن روحي تغفل وعقلي يتوقف عن التأمل / 266" ، فالقهوة لصيقة بمجالس الذكر الصوفية ، لأنها تعطي فسحة للتأمل إلى حدّ يصل أحياناً إلى الهلوسة، "هذا هو فنجان القهوة أمامي قد برد .. وزهرة على المائدة ذابلة [..] أيتها المدينة التي تدعى القاهرة .. تعالي من وسخ الشوارع [...] تعالي ولو مرة واحدة لتشربي معي القهوة وأنتِ طاهرة / 359 ". إنّ الجسد في نهاية الرواية يذوي تدريجياً حتى يصل إلى الفناء وعندها تتطهر النفس من جميع الأدران وتتمكن من الرؤية بصورة سليمة؛ وهذه الرؤية (مزيج من استعداد فطري ومؤهلات اكتسابية بعد رياضة وإجهاد وسياسة للنفس)[7]؛ فقد عانى البطل واقعاً مؤلماً إثر انهيار كثير من المسلمات عن حاضر الوطن، " فتحي رضوان كان نموذجاً لملايين الشباب العربي والمصري الضائع الذي تطير أحلامهم في السماء كل صباح وترحل في المساء مع السفن المهاجرة إلى أميركا والغرب/185". وتتداخل الرؤية الصوفية لموضوعة فناء الجسد مع موتيفة البحث عن الخلود بعد الفناء في أسطورة كلكامش السومرية، فحين وصلت رحلة كلكامش إلى نهاية مطافها، بدت له حقيقة الوجود الإنساني الآيل إلى الفناء الجسدي، فبدأ التفكير في الخلود الأخلاقي من خلال الصنيع الطيب. ومن ثمّ تتضح الرؤية الصوفية عبر الموتيفة كون التصوف(حاجة إنسانية ونفسية للخلاص والسمو والصفاء الروحي الذي لا بد وأن تسعى إليه النفس البشرية)[8]، بل وتظل الروح تتنقل عبر الأجساد الفانية بغية الخلود، وبإسقاط تلك الرؤية على واقع البلد المرير الذي أودت شهوات أصحابه من حكام ومحكومين به فصار وردة ذابلة ، يقول فتحي:" الوطن يذبل ويموت كالزهور ثم يحيا بعد أن نلقي فيه ببذور عشق جديدة / 35" ، فيدعو الكاتب على لسان البطل أبناء الوطن للتطهر من الشهوات والانبعاث الروحي من جديد.
وبسبب ارتباط القهوة بالتصوف فقد أضيفت لها إحدى لوازم الصوفية وهى ادعاء علم الغيب والكشف عن المستقبل بقراءة فنجان القهوة الذي لم تكن تجيده في الرواية سوى " شهرزاد العرّافة "، إلا أنّ الكاتب استخدم تلك الموتيفة بشكلٍ مغايرٍ، فرغم تنبؤ شهرزاد لمستقبل "سهر" بخروجها من الجبل والشام لتتزوج في الخليج إلا أنّ موتيفة القهوة السادة لم تكن لتلك النبوءة وإنما لكشف واستجلاء روح "سهر" الماضية:"مالت شهرزاد [...] وأخذت تصبّ القهوة ، قالت: بلغني يا أميرة سهر أن الجميلة نفر عاشت في قصر الفرعون إخناتون/310"، وهي محاولة للبحث في الروح الإنسانية الأصلية - الذات الصافية التي لا تتغير عبر العصور ولا الأماكن.  وتبعاً للرؤية الصوفية والأسطورة الفرعونية فإن الأرواح تتناسخ وتحل في أجساد الآخرين؛ ومن ثمّ تظهر علاقة اسمي "كاظم" مع "باكا" واشتراكهما في الفونيمة " كا " والتي تعرف في اللغة الهيروغليفية بكونها (مظهراً من مظاهر الطاقة الحيوية كقوة خلاقة وكقوة تحفظ الحياة)[9] يعني الروح، وتلك الرؤية جعلت الكاتب يتحكم في عجلة الزمان فيعيدها من الحاضر إلى الماضي ثم إلى الحاضر مجدداً بحلول وأجوبة أصيلة لواقع معاصر محيّر.
2-البناء والهدم :
تركز الرواية على موضوعة دورة الحياة وتكرار أحداثها حد الثبات ، فتلتقي موتيفة القهوة السادة وفناء الجسد بموضوعة الثبات التاريخي، إذ (التاريخ حلقات من عصور تتكرر، فالزمن ليس تقدماً إلى الأمام بل هو عود على بدء)[10]. إن موضوعة العجلة الزمنية المفرغة إحدى إحالات موتيفة البناء والهدم المنبثقة من موتيفة الغزل والنقض في ملحمة الأوديسة الإغريقية،  ففي الليل تنقض "بنيلوبي" ما تغزله في النهار في انتظار زوجها "أوديسيوس" وهكذا دواليك ، ومثل تلك الدائرية حاصلة في الرواية ، فنجد مثال ذلك ما ذكره الراوي على لسان فتحي رضوان، أنّ الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل، أعيد بناؤه على يد السادات بعد تداعيه وسُمّي بالحزب الوطني الديمقراطي ليرأسه رئيس مصر، وهو ذاته الذي حُطّم في 2011 على يد الثوّار، " وتم تغيير اسمه إلى الحزب الوطني الجديد بعد تولّي طلعت السادات رئاسته [...] حتى تم حل الحزب نهائياً بقرار من المحكمة الإدراية /201". إنها لُعبة تغيير أسماء وشعارات فحسب وليس تغييراً حقيقياً يتدخل فيه الإنسان بقوة ليرغم تلك العجلة على التوقف عن هزليتها ، يقول فتحي:" كان لابد ولزاماً علينا بعد النكسة مباشرة أن يتغير المناخ الثقافي في مصر [...] كان لابد أن تتغير الكلمة وتنبع من أعماق الشعب وليس من أعماق الزيف [...] تغييرا جذريا ولكن للأسف لم تتغير سوى شعارات أو تغيير بعض الأفراد وتعيين مرتزقة جدد/ 297" ، فإن الرضوخ والتسليم للواقع يقيّد الإنسان في عجلة الزمن وتجعله يرسف تحت نيرها دون توقف ، ومن المفارقات أنّ هذه العقلية من الموروثات الفرعونية ، يقول " بتاح حُتب "- أحد حكماء الفراعنة :(انحن أمام من هو فوقك [...] حتى يستمر بيتك مفتوحاً ويستمر رزقك ومرتبك جارياً ولا تعصه، فإن عصيان من بيده السلطة شر مستطير)[11]، فالنفس المصرية لديها إيثار الاستسلام للواقع بدائرية حركته على تحمل صعوبة التغيير.
بينما تظهر الحالة الفريدة للبناء الحقيقي فيما أراده إخناتون من تغيير العبادة في مصر لتوحيد شتات العقل والوجدان المصري بين آلهة دونية في سبيل النظر إلى السماء وعبادة آتون "الشمس"، " كان إخناتون أول قائد فعلي في التاريخ لم يهتم برأي الشعب في العبادة، ووقف ضد الرأي العام [...] ومن سوء حظ إخناتون أن يفرض عقيدته في بلد لم يكن فيه رجل يستطيع نسيان الماضي غير إخناتون نفسه/333" ، فبينما هو ينقض ما قبله بتحطيمه تماثيل الآلهة القديمة في الليل، ليحكم غزله ببناء المعابد الجديدة لآتون، وتراتيله وأناشيده لتمجيد الإله الجديد ودعوته الرعية لاتباعه في مبادئه ثم إنشاء أكثر من مدينة تحمل الاسم ذاته " أخيتاتون" أي مدينة آتون، إلا أن غزله كان ينقض يوماً بعد يوم من زوجته "نفرتيتي" وقائد الجيش " حور محب" والكهنة المتآمرين على قتله، "وقد أعاد الكاهن الأعظم باسم توت عنخ آمون[ابن إخناتون] عبادة الآلهة القدامى [...] إن سقوط إخناتون كان يعتبر في نظر أعدائه المنتصرين إعادة للنظام الخلقي القديم [...] كان مذهب إخناتون كشهاب لامع وسط ظلام دامس فجذب النظر وترك بعض الأثر/ 392"، وهكذا نُقِض الغزل لتعود الأمور إلى ما كانت عليه. وإن كانت تلك الأحداث منذ آلاف السنين، فإن إسقاطها على حاضر مصر بعد ثورة يناير 2011 ينقل وعي الكاتب وقلقه على مستقبل البناء الآخذ في التصاعد بعد الثورة وخشية الأيدي الخفية من اللعب بالبناء فيعود النظام السابق كما كان.
وتتجسد موضوعة دورة الحياة قرب نهاية الرواية في آخر مشهد لفتحي رضوان مع دودة القزّ – الرمز الموتيفي للغزل والنقض- لتجسيد الفكرة في بساطتها؛ فالدودة تغزل شرنقتها بالحرير الثمين وتظل خاملة حتى تصير فراشة، يقول فتحي: " فراشة دودة القز ربما هي روح أنثى .. ربما هي أنثاي المسحورة / 381" ، إلا أنّ عمرها قصير، لأن القاهرة " مدينة لا تحب المواهب الكبيرة ولا المبدعين الكبار .. الحسد يفتك بعقلها / 383"، وبالرغم من عنصر النقض بموت الفراشة المحتوم إلا أنها خلّفت غزلاً حريرياً ثميناً وبيضاً يعود مجدداً لإكمال دورة الحياة، وبإسقاط هذه الرموز على الواقع، تتبين بارقة الأمل لدى الكاتب بظهور أجيال جديدة تشبه دودة القز، تغزل النفع والخير، وتنسى نفسها في سبيل مصلحة الوطن .
3-الثورة:
انطلاقاً من علاقة الأدب بالسياسة، تظهر الملامح السياسية في رواية " قهوة سادة " في تبنيها قضايا الثورة على الاستبداد والأوضاع السلوكية بوجه عام وبث الوعي بحقيقة الأزمة العربية. ونتيجة للهزائم المتكررة في تاريخنا العربي، فقد جنح الأدباء إلى استجلاب شخصيات تاريخية وتراثية وأسطورية، إذ (كان من الطبيعي أيضاً أن تتلازم أسئلة التراث والمعاصرة [...] مع أسئلة الهزيمة التي أنتجت معاً حراكاً ثقافياً عربياً عنيَ بالعودة إلى الجذور لاستلهام التراث بأشكاله كافة)[12]، وهو بالضبط ما قام به السيد حافظ في الرواية معتمداً على موتيفات متنوعة.
لجأ الكاتب إلى موتيفات تراثية وأسطورية تجسّد الواقع العربي على الصعيد السياسي وما يعصف به من استبداد من قبل الأقوياء، وموضوعة الثورة في مقابل الاحتكار والاستبداد تتماس مع موتيفة أسطورة " بروميثيوس" الذي تمرّد على احتكار الآلهة للنار، فــــ(يرفض الاستسلام ويأبى الخضوع والانسياق ويحلم بالانتصار على الرغم من العذاب الشديد)[13]، وإنّ رفض الاحتكار والانفراد بمقومات السلطة من الأسس الأولى للثورة، يقول فتحي:"الطغاة كلما نهبوا طمعوا، كلما دمروا وهدموا، كلما موّناهم وخدمناهم زادوا جرأة واستقووا وزادوا إقبالا على الفناء والدمار. فإن أمسكنا عن تموينهم ورجعنا عن طاعتهم صاروا بلا حرب ولا ضرب/ 237" ، ومن ثمّ تتضح علاقة الموتيفة بالثورة ضد مظاهر الاستبداد والاحتكار مع تحمل تبعات الوقوف في وجه من بأيديهم السلطة ، فمصير الثوّار في الغالب إما العذاب والسجن مثل " كاظم " عند اتهامه بالشيوعية أو القتل كما يقول فتحي عن الأمير فخر الدين الشامي المستنير:" يا ويلك يا فتى هكذا يموت الثوار بلا صوت / 60"، أو مصيرهم في طيات النسيان ولا يبقى منهم سوى تذكار ، يقول سالم – والد سهر - :" كان الماضي حياً .. كفاح ونضال وتحرير [...] الآن الأمور ليست هكذا أعطوا كلاً منا نيشاناً ووساماً وشهادة تقدير[...] ولا شيء حصل .. الجنرالات حصلوا على كل شيء المناصب وأراض ومال .. وأصبحت المقاومة في خبر كان / 153" ، فهذا ما يحذّر منه الكاتب ومن مصير الثورة، لاسيما وأنّ الرواية كتبت بعد ثورة يناير 2011 ، فهو يتكلم بلسان البصير للأمور كي لا تؤول الثورة وحال الثوار إلى مثل من كان قبلهم .
وعلى الصعيد المجتمعي ، تتبدّى الثورة على أوضاع المجتمع من خلال موتيفة العمل من أجل اللاعمل المنبثقة من أسطورة " سيزيف " - رمز العبثية - الذي تحدى الآلهة وقَبِلَ العقاب الأزلي بحمل الصخرة إلى قمة الجبل لتسقط إلى السفح فيعود ليحملها من جديد، و(ترمز أسطورة سيزيف باختصار إلى مجانية العمل الإنساني وضياع الجهد)[14]، ويترتب على ذلك وجود من يعمل ويكدح في مقابل من يقبض ثمن هذا العمل دون عناء، لذا فـــ(طبقات المعنى الكامنة تحت رمز هذه الموتيفة ستمثل صراع الإنسان الطبقي)[15]. ويبدو عبر هذه الموتيفة المجتمع مصغّراً بطبقاته: أسرة " سهر " الشامية البسيطة ذات الكبرياء، فبالرغم من الفقر إلا أنّ " الأب كان سياسياً يحارب العدو الفرنسي المحتل / 81"، والتاجر "شداد " الذي يمثّل الرأسمالية البورجوازية، "شداد تاجر فاجر يشتري ويبيع كل شيء .. شداد يشتري النساء كما يشتري الفاكهة.. النساء عند شداد مثل التفاح والتفاح أنواع حسب الطعم والمكان/86" ، فينظر إلى " سهر " كونها صفقة تجارية يدفع من أجل الفوز بها بأي طريقة حتى وإن وصل الأمر إلى الرشوة والخطف، وهذا البَون بين الطبقتين يفرز طبقة دنيئة من البشر تتخلى عن المبادئ وتستغل فاقة الآخرين، مثل مختار القرية " بسام " الذي تبدو فيه موتيفة زير النساء، تقول شهرزاد:" بسام القصير المكير الذي لا يتوارى أبداً عن فعل أي فاحشة في السر وخاصة مع النساء والمطلقات ... واللائي يسافر أزواجهن إلى العمل بالخارج .. بحجة أنه يرعى النساء المكسورات الجناح /101"، بل ويضحي بأمانيه - الزواج من " سهر " - في سبيل أمانٍ أكبر،" التاجر شداد وعده أن يعطيه أوتوموبيل فرنسي هدية للزواج/ 113 "، ومن ثمّ تظهر الهوة الكبيرة بين والد " سهر " الذي يحارب المحتل الفرنسي، وبين بسام وشداد اللذين يتاجران مع المحتل في سبيل إرضاء رغباتهم. ومن خلال هذا الصراع يتبين لدى المتلقي العلاقة بين " سهر " والوطن كون ( العالم المرجو تخليصه هو المرموز إليه بالمرأة)[16]، إذ الجميع يطمع في الوصول إليها بطرق شريفة وغير شريفة ويحاولون شراءها إلا أنّ والدها الثوريّ القديم يرفض كل ذلك بحس ثوري بسيط ، ومن ثمّ تتضح أصناف البشر أمام الوطن وتناحر الطبقات إما بالحفاظ عليه أو التفريط فيه والتهاون في حقوقه من أجل المصلحة الخاصة .
كما عمد الكاتب إلى استخدام موتيفات تراثية عربية وتوظيفها مع موضوعة الثورة بطريقة حداثية ، ولعل أكثرها وضوحاً هي شخصية "شهرزاد" التي تتناص جزئياً مع " زرقاء اليمامة " ومن ناحية أخرى مع موتيفة شهرزاد ألف ليلة وليلة. فتلتقي مع زرقاء اليمامة لا في زرقة العينين فحسب وإنما في بُعد النظر، فإن كانت زرقاء اليمامة حادة الإبصار، فشهرزاد حادة البصيرة ، فهي أول من تنبأ لسهر بمستقبلها:" اسمعي يا بنت سالم .. أنت لن يتزوجك ولا واحد من الفلاحين .. سيأتي من يأخذك إلى الخارج صاحب علم وفهم .. ويسافر بك إلى بلاد الذهب/ 151" . وتلتقي مع موتيفة شهرزاد ألف ليلة وليلة إذ يقدّم الكاتب شهرزاد بشخصيتها في الرواية أقرب إلى الأسطورة، " شهرزاد تعرف قصة لسان امرأة مسمّاة بالألفية جامعها ألف رجل/ 17" ؛ فهي التي تحفظ الحكايات وكتب جلال الدين السيوطي وابن حزم وطوق الحمامة وتفسّر الأحلام وتنصح النساء بنصائح المعاشرة ويتناقل الناس عنها الأخبار:" قالوا عن جمالها تزوجها جنّي جميل .. ومنع كل الرجال عنها أو الاقتراب منها/ 18" وهذا من منطلق الحكي الشعبي أنّ (تصور الزواج بين الإنس والجن وأحياناً تصور الحب بينهما بصورة سعادة واكتساب القوى ومعرفة المستقبل)[17]، وهذا سبب امتيازها عن بقيّة النسوة . وهي إلى جانب ذلك تمثّل أحد عناصر الثورة ضد الأوضاع المجتمعية الخاطئة؛ فإلى جانب شرابها مشروب " المتي" الذي كان يشربه جيفارا – الثوري اللاتيني المعروف، كانت تقف أمام قوى الرأسمالية التي يمثّلها التاجر شداد - الذي بدوره يمثّل موتيفة عقدة شهريار - " فهو لا يمانع أن يتزوج أي أنثى [...] شداد لا يتوانى عن شراء أسرة العروس أبوها وأمها وأخوها وأختها .. وعندما يتم الطلاق يترك لها بعض المال ومصاريف العيال [...] لا يعرف أسماء العيال ولا عددهم [...] وإذا تزوجت امرأة قطع عن أولاده منها أي زاد أو زوّاد أو مال .. عقاباً لها لأن أي امرأة تتزوج شداد يجب ألا تتزوج بعده / 87" ، فإن كان شهريار يقتل النساء قتلاً حقيقياً ، فإن شداد يقتلهن معنوياً وحسيّاً معاً ويقتل معهن أبناءهن،  فكل عام يتزوج من امرأة جميلة ويتركها ويرحل ، فكانت شهرزاد " قهوة سادة " من أوضحت للأهالي وكشفت سره وألاعيبه على الفلاحين الفقراء لاسيما " سهر" - رمز الوطن في النص - تقول شهرزاد :" الحمد لله كشفت سره لأهل القرية .. حتى أنهم سيمتنعون عن بيع التفاح والزيتون له / 152" وهذا أساس الثورة الذي تكلّم عنه فتحي رضوان من إمداد الضعفاء للأقوياء في طغيانهم وبغيهم ، فكان الامتناع والمقاطعة خير عقاب لهم.
4- البحث عن الذات والخلاص:
إن موضوعة البحث عن الوطن لا تقتصر على الغياب الحقيقي عن الوطن الذي ولد وعاش به المرء ، وإنما قد يكون البحث مجازيّاً فتكون الغيبة روحية أو غيبة الإنسان عن ذاته حتى يعثر عليها في الأخير. وباستقراء شخصية البطل – فتحي رضوان - نلاحظ أنّه يعيش حالة من القلق الوجودي ، فـــ( يواجه الفرد بمسئوليته ، ويدعوه لإدراك وجوده الأصيل)[18] ، وتساوره الشكوك ولا يفتر عن طرح الأسئلة حول العالم الذي يعيش فيه لتمييز حقيقته عن زيفه حتى فيما يتعلّق بأكبر الحقائق في حياته – الوطن - " كان يبحث عن سؤال لماذا سميت مصر أم الدنيا؟ مع أن كل حياتها وتاريخها العسكري محتشد بالهزائم المنكرة / 182" وغيرها كثير عن العروبة والازدواجية وأصل فلسطين هل هي عربية أم يهودية! ، حتى يصل به الحد إلى الاغتراب الوجودي وهو (اغتراب عن وجود الإنسان ذاته ، وإحساس المرء بأنه في العالم لا في بيته)[19]،  يقول فتحي: " سمعت دقات قلب الوطن تلازم دقات قلبي .. وجدتني مواطنا بلا وطن .. وجدتني مشروع كاتب في وطن أميّ .. ومثقف وسط أدعياء .. وطيبا وسط أشرار/ 35" ومن ثمّ فيفتقد الشعور بالانتماء ويفكّر في السفر ، وتتماس تلك الموضوعة مع موتيفة التنقل والأسفار في حكاية السندباد البحري وبحثه عن الكنوز والترحال؛ (فالسندباد من حيث هذه الدوافع وغيرها رمز لقلق الإنسان وطموحه اللامتناهي إلى الحرية والانسلاخ من القيود، والرغبة في الكشف عن المجهول والغامض بالمغامرة وركوب الخطر وتخطى الصعاب، وتجاوز المكرور السائد)[20] ، فشخصية فتحي دائمة التنقل والسؤال للكشف عن حقيقة المسلمات، لذا فاستعان الكاتب بالتوثيق الصحفي والتاريخي لإظهار صدق وديمومة بحث البطل عن زيف الحقائق التي يسلم بها الناس بلا تفكير ، فأدرج الكاتب اقتباسات من الصحف الرسمية ومذكرات الزعيم محمد فريد وخطابًا لجمال عبد الناصر وغيرها من كتب السيوطي وابن كثير. وبالرغم من حداثة هذه التقنية إلا أنّ الكاتب أحسن في إدماجها بشخصية البطل ومقارنتها بأحداث مشابهة. وكان تنقل فتحي الجسدي كذلك بانتقاله من الإسكندرية إلى القاهرة ثم التفكير في السفر للكويت بغية حرية التعبير، وكذا التنقل بين الوظائف من خطيب باتحاد الطلاب إلى مصحح لغوي ثم مراسل للأدباء ، فكل هذه التنقلات بما فيها التنقل بين النساء اللاتي أحببهن – ناهد وفيفيان وماجدة – باختلاف دياناتهن وجنسياتهن تؤكد رغبته الجامحة في البحث عن ذاته ووطنه الذي ضاع بضياع ذاته .
وإن كانت حالة الشك الوجودية مسيطرة على البطل ، فهو ( يحاول خلالها أن يجد طريقاً للخلاص من سجن العالم الذي أُلقي فيه دون إرادته)[21] ، يقول فتحي :" أعلن أنا فتحي رضوان خليل حتى لو هزمتنا إسرائيل والعالم كله و الأمريكان .. لن أهزم أبدا أبدا .. أنا روح وصمود هذا الشعب العنيد العبيط [...] ومن روحه أستضيء .. وأبعث في الكلمات وردة الحياة / 46" ، ففتحي الخطيب الذي يحرك الطلاب ومشاعرهم ، أشبه بالمخلص ، ومن هنا تتلاقى شخصيته مع موتيفة المخلص الذي يضحي بذاته في سبيل الآخرين ووصول الآخرين إلى الحقّ ، فبالرغم من امتلاك فتحي أدوات تجعله يتحكم بالجماهير – الكتابة والخطابة – إلا أنّه لم يضحِ بمبادئه ولم يسلك طرقاً ملتوية أو سهلة ككثير من أصدقائه. وقد عمد الكاتب إلى موتيفة المخلّص بسبب الإحباط العاصف بالذات العربية فاستنهض (شخصية المخلّص بوصفها رمزاً أسطوريّاً معبّراً عن تطلّعات الجماعة المقهورة وأحلامها، والباحثة عن قوّة تبعثها من رمادها، وتستعيد لها إمكاناتها المضيَّعة)[22]. وطبقاً للرؤية الصوفية في الرواية ، فإن وسيلة الخلاص هي التخلّص من دنس الشهوات الدونية بالتحرر من ربقة الجسد للانطلاق في فضاءات الروح وكذلك (العودة إلى رحم الطبيعة، أو إلى قيم البداءة الأولى، لتحرير الإنسان من بطش القوى السالبة)[23] ، بل والاتحاد مع سائر العصور والحضارات السالفة ، يقول فتحي:" من تلك المنطلقات يدخل في أحرفي العصر اليوناني والروماني والفرعوني يصيرون وحدة واحدة وفضاء بلا خريطة من تلك المنطلقات أشعر أني مجرد نقطة بيضاء وخطوط حمراء وصحراء مزروعة بياسمين شفتيكِ / 360" ، وقد أعان الكاتب في تلك النظرة الشمولية كون الإسكندرية هي المسرح الرئيس للأحداث وهي مدينة ( كوزموبوليتانية يتعايش فيها الجميع بكل حب وود وسلام منذ الأزمنة القديمة)[24] ، فالأجانب من جميع الأجناس والملل يعاشرون المصريين يقاسمونهم الألم والهم المشترك فيه الجميع كونهم ينتمون إلى المكان ذاته. وتتمظهر موتيفة المخلّص في أكثر مظاهرها جلاءً مع إخناتون بوصفه الإنسان الوحيد في الرواية الذي استطاع تحقيق الصفاء الروحاني، والتجرّد من الاستبداد السلطوي والجسدي والأكثر استنارة وحرصاً على شعبه ، فكان جزاؤه الخيانة والقتل، يقول إخناتون :" الكهنة سبب بلاء هذه البلاد باسم الآلهة يلعبون بعقول الشعب الساذج البسيط . أنا جعلت الآلهة إلها واحدا[...] أنا أجادلهم بالتي هي أحسن ولم أقتل أو أحاكم أحدا يعبد إلها غير آتون/ 244" ومن ثمّ يسمو بأناشيده وخلقه عن الدنايا ، فجاء مشهد قتله أثناء الصلاة واختفاء جثّته ليذكرنا بالمسيح وصعوده إلى السماء، فإن فَني جسد إخناتون المخلّص فإن روحه لا تزال موجودة وطبقاً للرؤية الصوفية التي تتلاقى هنا مع موتيفة المخلّص فإنها ستنزل من جديد. وبإسقاط تلك الأحداث ورموز هذه الموتيفة على حاضرنا تتضح رؤية الكاتب وأمله في ظهور تلك الروح من جديد ، ومن ثمّ تتماهى تلك الموتيفة مع رؤية الكاتب التي ذكرها في " الإهداء " ، يقول:" أكتب هذه الرواية بحثاً عن روح مصر المتخاذلة سبعة آلاف عام .. وبحثا عن روح مصر أخرى للإنسان فيها معنى وقيمة وحضارة حقيقية فعلا وقولا./ 12"
خاتمة:
" قهوة سادة " رواية ملحمية دسمة تتزاحم بها الرؤى الصوفية والوجودية الفلسفية مع النظرة الواقعية التوثيقية للأحداث مما يضع المتلقي في مواجهة قوية مع ماضيه وحاضره وزمانه ومكانه وذاته والعالم بأكمله . وبالرغم من طغيان المسحة المسرحية على شكل الرواية إلا أنها كانت شديدة الترابط والتناغم بين المشاهد فيما بينها، وساعد على ذلك الموتيفات المتنوعة التي استخدمها الكاتب ، وقد كان لتنوعها الأثر الكبير في أسطرة الكثير من جوانبها وشخوصها بل والنزوع إلى عالميتها فلا تكون قاصرة على شعب دون غيره ، بل وكأنها اختزال كامل للحضارة الإنسانية بأسرها وهو مكمن إبداعها. 
الإحالات :
1- الموتيف في الأدب الشعبي والفردي "نحو منهجية جديدة": د. سليمان العطّار، الهيئة المصرية العامةللكتاب ، القاهرة، ط1، 2012: ص 9
2- المصدر ذاته: ص 29
3- المصدر ذاته: ص 211
4- أوراق نقدية في الأدب:عبدالرحمن أبو عوف،الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،2006:ص 170
5-عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص): عبد الحق بلعابد، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2008: ص 79
6-الواقعية السحرية في أدب نجيب محفوظ رواية " ليالي ألف ليلة ": حامد أبو حامد، مجلة إبداع مجلة فصلية للأدب والفن، العدد 9 ، شتاء 2009، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة : ص 108
7- بنية السرد القصصي الصوفي(المكونات والوظائف والتقنيات): د. ناهضة ستار، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق، 2003: ص 21
8- المصدر ذاته: ص 23
9- معجم الحضارة المصرية القديمة:جورج بوزنر،سيرج سونرون، جان يويوت،أ.أ.س.إدواردز، ف.ل.ليونيه، جان دوريس، ترجمة: أمين سلامة، مراجعة: د. سيد توفيق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1996: ص 279
10-قال الراوي، تأملات في فن الرواية:أحمد عبدالمعطي حجازي،الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة،1997 :ص51
11- آثار حضارة الفراعنة في حياتنا الحالية: محرم كمال، الهيئة المصرية العامةللكتاب، القاهرة، 1997: ص 19
12- النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة: د. نضال الصالح، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2001: ص 73
13- أثر التراث الشعبي في القصيدة العربية المعاصرة (قراءة في المكونات والأصول) دراسة: د. كاملي بلحاج ، اتحاد الكتاب العرب، دمشق ، 2004: ص 85
14- المصدر ذاته : ص 87
15- الموتيف في الأدب الشعبي والفردي: ص 67
16- المصدر ذاته: ص 72
17- فنون الأدب الشعبي: أحمد رشدي صالح، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997: ص140
18- المحاكاة السردية للقلق الوجودي في رواية " عزازيل ": د. حجاج أبو جبر، مجلة الرواية قضايا وآفاق، العدد 6 ، سنة 2011، الهيئة المصرية العامةللكتاب ، القاهرة: ص 357
19- المصدر ذاته : ص 358
20- أثر التراث الشعبي في القصيدة العربية المعاصرة: ص 92
21- المحاكاة السردية للقلق الوجودي في رواية " عزازيل ": ص 358
22- النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة:  ص 73
23- المصدر ذاته : ص 145
24- رواية الأسكندرية في الربع الأخير من القرن الماضي: أ. شوقي بدر يوسف، مؤتمر اليوم الأدبي الواحد ، تطور الرواية السكندرية في الربع الأخير من القرن العشرين، 2010، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الأسكندرية: ص151

الخميس، 1 يونيو 2017

لقاء الكاتب السيد حافظ مع التليفزيون المصري

لقاء الكاتب السيد حافظ مع التليفزيون المصري

لمشاهدة الحوار كاملا اضغط  الرابط التالي :


المرأة والحب فى رواية قهوة سادة


المرأة والحب فى رواية قهوة سادة
للكاتب السيد حافظ
بقلم د/ لبلبة فتحي خليفة
مدرس مسرح بكلية التربية النوعية
أن المرأة فى صراع دائم نحو الحب هذا الصراع هو الذي يشكل وجودها وماهيتها ، فهي تصارع العدم المتأصل بداخلها من أجل الوجود وتقاوم اليأس من أجل الأمل وتسعي إلي الحرية والإلتزام وتحي حاضرها ، وفي الوقت نفسه تتطلع إلي مستقبل مختلف عنه ، فالحب هو الذي يعطي لها معني للوجود.
يسعي الروائى  السيد حافظ للبحث عن مستقبل الحب فى حياة المرأة ويرهنه بالخلفية الثقافية علي مر التاريخ من خلال قصة " سهر  " بطلة الرواية والتي إكتملت إنوثتها فى يوم تنحي عبدالناصر بعد نكسة 67 وكأن مصير سهر فى البحث عن الحب هو مصير مصر فى البحث عن الحرية والإستقرار وبدأت حكاية سهر بالبحث عن العريس المناسب فالأبنة هي مستقبل الأب ومستقبل المجتمع وتطلعاته وأمنياته فى أن يكون له مستقبل أفضل من حاضره ويربط الكاتب القصة بضرورة تغير المناخ الثقافي بعد النكسة فى مصر وأن يتغير كل فناني مصر وتتغير الكلمة وتنبع من أعماق الشعب وليس من أعماق الزيف ، ويعبر الكاتب عن الحلم بالحرية بحلم عصفور من الزواج بسهر لتحويل حلم الحرية إلي ممارسات. لجاء الكاتب للتاريخ بحثاً عن هذه الحرية الضائعة التي تعبر عن الحب فى كل مكان وزمان والتي إن وجدت كانت الحضارة وكانت قيمة الإنسان المهدرة علي مر التاريخ سواء رجل أو أمرأة ليكتشف "فتحي رضوان " الشخصية المؤرخة لفترة ما بعد 67 أنها عصور بربرية فوضوية.
ويتساءل الكاتب علي لسان "فتحي رضوان" ما سبب إزدواجية الشخصية المصرية هل جينات العبيد الذين إشتراهم محمد علي وإشتراهم المماليك هم بلاء الشخصية المصرية للخضوع والإستلام وهل ستظل مصر بين قبضة الفساد والمفسدين؟؟؟  ، فمشكلة مصر الدائمة هي الدستور – دولة القانون – العدالة الإجتماعية ، وإذا سلمنا بتشريط الشخصية المصرية علي مر العصور فهذا دليل علي أزدواجية مصر بين الأنا والأخر ، الرجل وامرأة ، السياسية والمبادئ ، النور والظلام ، الحرية والطغيان هي جميعها تجسيد لإزدوجية "الحب والقهر" فالمرأة دائماً مقهورة علي مر العصور مثل هذا المجتمع تماماً حتى أن وجد الحب يستغله المتسلط كمظهر من مظاهر القهر لتبرير طابعة الإستغلالي كما قال "مصطفي حجازي" فى كتاب سيكولوجية القهر إذاً فما هو الحد الفاصل بين العشق والكره كما يتساءل الكاتب.  وسنتعرف علي تفاصيل هذا التساؤل من خلال  جدل أبطال رواية "السيد حافظ"  قهوة سادة ليوضح لنا علاقة المرأة بالمجتمع ومصير الحب فى الرواية والتي تنقسم شخصيتها بين العشق والكره وفي تجريب تاريخي فى مختلف العصور يخرج الكاتب من عصر إلي عصر بشخصية المؤرخ "فتحي رضوان" ليروي لنا باقي القصة بشخصية الرواية "شهرزاد" مكملة لهذا العصر وملابساته وظروفه وثقافته ومصير الحب فيه، اختار الكاتب شخصية شهرزاد كعرافة وهي شخصية لها خلفية تاريخية من فنون الحكي ولكن الكاتب أراد أن تكون "شهرزاد" نفسها معبرة عن عصر فى الماضي له إمتداد فى الحاضر وهي "سهر" بطلة الرواية إشارة إلي أن الزمن متوقف عند شهرزاد التي لم تعثر بعد علي الفارس المناسب الذي يخرجها من التخلف فجميع رجال بلدتها غير قادرين علي إكتساب حبها لوجود نقص ما يحول بينهم وبين حبها ولذلك فهي تجسد الماضي الأليم ... وسهر هي الحاضر الذي لم يمل فى البحث عن الحب الذي لم تجده شهرزاد وتبحث عنه هي الأخرى مع سهر فى توحد لمصير لم يتحدد بعد.
تحاول العرافة "شهرزاد" أن تتنبئا لمستقبل "سهر" من خلال قصة فرعونية "نفر" حيث تربطهما نفس الروح العطره ، فإذا أعتبارنا أن مصير الحب والمرأة فى أي عصر هو عنوان تقدم العصر أو تخلفه ، نجد تسأل الكاتب عن مستقبل الفترة من 67 إلي 25 بناءاً علي المقدمات والمعايير الأدبية التي وضعتها القصة وهي مصير المرأة ومستقبلها وعلاقتها بالرجل بإعتباره سلطة أو نظام ينظم العلاقات ويحدد الحقوق والواجبات والمسئوليات ، لا تري "سهر" مستقبل واضح مع المنقذ خارج البلاد فتلجأ إلي شهرزاد لتربط قصة "سهر" العصرية "بنفر" الفرعونية فسهر لها نفس عطر نفر الذي يسحر الألباب فروحيهما واحدة علي مر العصور وبدون حواجز الزمان والمكان قصة العشق والعطر واحدة ، فما هي قصة "نفر" التي وصلت إلي نهاية فلسفة الوجود من خلال مواقفها فالأب نجار وكان يفضل ابنه "كي"  علي ابنته "نفر" فى حين يحاول الأخ أن يستغل أخته ليعتلي منصب الكاهن وبينما "نفر " فى أسرتها الصغيرة لا تستطيع أن تأخذ حقها فهي مباحة ومستغلة فأسرتها الصغيرة تجسد عامة الشعب ونجد علي صعيد الحكام والقصر صراع بين الأم " تي " أم الفرعون وزوجته "نفرتيتي " كأنه صراع علي المصير فأم الملك "اخناتون" "تي" تكره زوجة الأبن وتحاول أقصاؤها فهي لم تنجب سوء البنات فقامت بتزويجه بالملكة "كية " التي إنجبت له الولد وكان صراع الملكة "تي" هو صراع علي تثبيت نظامها وعقيدتها فى عبادة " أمون " وترسيخ لكهنة المعبد ، ولكن أخناتون كان يفكر فى عبادة الإله الواحد "أتون" وكان يكره كهنة المعبد ويعتبر هذا أنقلاب علي نظام الملكة وثورة علي السائد والموروث وبرغم نجاحها فى تزويجه إلا أنها لم تنجح فى تثبيت عقيدته فقد تعلقت روحه بعقيدة التوحيد. فعقيده نفر وإخناتون هي تحدياً للثقافة الرسمية والعقيدة السائدة التي إستطاع اخناتون أن يثور عليها لأنها ضد "نفر" ولا تجسد الحب الحقيقي فهي ثقافة إستغلالية يشوبها التبرير الكاذب لمصير الهلاك الذي ينتظر نفر علي يد الأب والأخ ، فقد إستخدم "كي" أخو "نفر" شعار الحفاظ علي العقيدة من خلال التضحية بأخته كعروس للنيل ولكن فى الحقيقية هو الحفاظ علي السيطرة والتسلط  يتجسد ايضا في وخوف الأب علي غياب الأبن دون الإنتباه علي غياب الأبنه بالرغم أنها هي التي تدير المنزل فى حين أن الأبن عاطل هي صورة لمجتمع أبوي متسلط.
ومن هنا تتضح فكرة الكاتب في أن صراع وهلاك الأمم يكمن فى الفئة المستغلة التي تطفوا علي أكتاف الأمم بدعوي المصلحة الرشيدة والحب المزيف والوصايا الماكرة ، فهي مبررات لإقصاء الحب الحقيقي من أجل المصالح الذاتية وبالتالي إقصاء القيم المطلقة فى قيم نسبية لا تبغي حضارة ولا إنشاء دول عميقة بقدر ما تبغي السيادة والسيطرة . ومن هنا تبرز مشكلة الحب والمرأة التي تعاني من أزداوجية الحب فهناك من يحب بدافع المصلحة ومن يحب بدافع الحرية.
يربط "السيد حافظ" مصير الحب بالموقف التاريخي من خلال "فتحي رضوان" حيث بعد كل موقف تاريخي للوطن تتطور الأحداث فى قصة "سهر " بشكل يؤكد صراع الشخصيات نحو حبها ونصل لنتيجة حتمية ملزمة لموقف كل شخصية تتصارع فيه الأحداث وتتشابك بين قصة سهر والظروف المجتمعية فى زمانين ومكانين مختلفان وكأن "فتحي رضوان " فى قصته وحكايته فى صراع مع ذاته لتحديد مصير الوطن الذي يراه فى حكاية "سهر مع الحب" لإثبات أن شرط وجود الحب وتحقيقه هو إلتزام ومسئولية من أحب ويمكن التنبأ بذلك من خلال ردود أفعال الشخصيات فى مواقفها المصيرية نحو الحب والإستقرار فى قصص "فتحي رضوان " مع النكسة حتى 25 يناير ومع حكاية سهر مع من أحبوها والعكس وذلك لأنها عندما تعي حقيقة الموقف تعي حريتها وبالتالي تستطيع تحقيق الحق أو إختيار المستقبل الأفضل ولكن سهر طالبة الثانوي لم تكتمل علمياً وثقافياً تستمد بعض المعارف والخبرات من عرفة القرية "شهرزاد" وفي ضوء موقف سهر تجاه من أحبوها يأتي موقف من أحبوها لنجد الأستاذ "كاظم " مدرس اللغة العربية لم يحدد موقفه تجاه سهر لأنه لم يحدد موقفه من الحاضر الذي يحياه لكي يصنع مستقبله الذي يبغاه ولذلك فشل فى الوصول إلي سهر لأنه لم يستطع فعل شئ من أجلها فكان بمثابة رد فعل لإرادة "وردة " أبنة راغب فى زواجها منه حيث إنتابة إحساس بالقلق بين إشتهائة لوردة التي يخاف من وجودها فى منزلة وخوفه من معرفة سهر بذلك لأنه إلزم نفسه بحبها ، ولكن بالرغم من حبه لسهر إلا أنه لم يستطيع مواجهة راغب أحد سماسرة الأوطان فى كل زمان ومكان فأصبح صراعه ضد راغب وأخته وردة حتى لا ينجرف فى تيار دنياهم الزائفة غير متكافئ بسبب فقر كاظم فحبه وعلمه لا يكفيان فلابد أن يدعمهما قوة المال والنفوذ وذلك لأن سماسرة الأوطان فى كل زمان ومكان تستطيع إفساد أي مشروع أمثال ابو راغب المختار – "إبنه وإبنته وميثاء العجوز الحيزبون " فكل منهم كان له دور فى حجب حب كاظم فنجد ابنه راغب وقد تقدم للزواج من سهر من جانب وأقدمت وردة لإيقاع كاظم فى حبها من ناحية أخري وهي إرهاصات بإقتناص روح كل من كاظم وسهر ليعيشا دنيا راغب وأبنائه الزائفة.
فكاظم فى حياة سهر يعبر عن الحلم بالمستقبل الذي لم يأتي وما زال فى الغيب هل ستنهض سهر بحبه ، هل سيستفيد "كاظم " من قصص "فتحي رضوان" عن التاريخ والماضي لوضوح رؤية مستقبلية يهتدي بها هذا الحب ؟ أما أن هناك نقص ينتاب تجربته ولابد أن ينظر فى نفسه أولاً ليتدارك أي نقص يهدد هذا الحب وما هي المقومات الأساسية لبناء أي مجتمع حضاري .
يتضح أن هناك توازي فى قصص فتحي رضوان عن التاريخ ومصير الحب فى حياة الوطن وفي حياة كل من "سهر ونفر" فكما أستطاع راغب المختار وأبنته وردة من السيطرة علي حياة كاظم ، سيطرة الكهنة علي حياة نفر من خلال أيدلوجية وعقيدة راسخة علي مر التاريخ وهي "حذر الحب" التي ترسخت فى أذهان الشرقيين وثقافتهم ولذلك استطاعت شخصية " المحبش " أن تثير الفتنة علي أجمل فتاتين فى حارة فتحي رضوان جعلت أخوها يزوجها إلي إسكافي ليستر الفضيحة الوهمية وبذلك حبس جمالها فى الأحذية وهجر الجمال الحارة ، فعندما شبه الكاتب هزيمة سوريا ومصر أمام إسرائيل وترك سوريا للجولان ومصر لسيناء بحرب سراويل حيث خلعت مصر وسوريا سراويلها أمام الأسرائليون فأني أري أسرائيل فى كل من " المحبش وراغب المختار وكهنة المعبد " فهناك توازي فى المصير يفعله المتسلط دائماً ضد ضحيته والذي ينجح فى أغلب الأحوال  ل
نقص فى مقومات التكامل ينتاب الضحية ، هذا النقص نتيجة لانفصال الفكر ومحاولة ابتلاع الأنا للأخر ، فسفاحون الأوطان ينتصرون فى كل زمان فحرب الكهنة فى قصة " نفر" علي ترسيخ وإرساء شرعية العقيدة والدين ليجعلوا العامة تلتف حولهم ويجردوا العقيدة من مضمونها ورحها بقتل روح أخناتون التي تجسد روح العقيدة أما فى قصة سهر فقد إنتصر راغب المختار فى حربه دفاعا  عن الشرف وتزويج إبنته لكاظم هو إدعاء كاذب  لإرساء شرعية وجود إبنته فى حياة كاظم . وبالرغم من أن  فكرة إنتهاك شرفه إدعاء مزيف إلا إنه استطاع أن يزوج كاظم من إبنته "وردة" الوردة التي ليس لها رائحة ، وفرض دنياه المزيفة الخالية من الحب ويرضخ كاظم لمصيره بعد إستعلاء علي فكرة الزواج لفترة عامان .
وبهذا نجد المتسلط يستغل الحب كمبرر لطمس طابعه الإستغلالي من خلال إحاطة ضحيته بمجموعة من الأساطير تجعله يبدو مشروعاً وطبيعياً فعندما أراد " كي " أخو "نفر" أن يتزوج منها حاول أن يطمس طابعة الاستغلالي من خلال شرعية معينة ولكنه ليس أله حتى يسمح له بذلك وعندما  لم يجد بد من ذلك فذهب لكي يقدمها للكهنه " قرباناً للنيل " ومن هنا إستغل " كي " إخته "نفر " تحت شعار الحفاظ علي الهوية والعقيدة ولكن فى الحقيقة هو الحفاظ علي السيطرة والتسلط وعندما يضحي " كي " بنفر" فهو فاقد للعقل والحكمة بالإضافة إلي الفقر غير قادر علي العطاء ولذلك عمل بالمعبد مغسل للأموات.
أما راغب المختار فجعل من ذهاب إبنته إلي كاظم بالمستشفي وحبها له أسطورة حول إنتهاك شرفه وخطيئة إرتكبت فى حقه وكان هذا مبرر لتزويجه كاظم لإبنته علي غير إرادته ليصبح كاظم المختار تجسيد للعبودية المختارة فى حياة كاظم.
لقد إستطاع السيد حافظ أن يوضح أن المفارقة بين الماضي والحاضر والمستقبل هي جوهر الحرية الإنسانية ، فالمفارقة بين الحب والحرية إتخذت أشكالاً مختلفة عند التطبيق فى ضوء الظرف الإجتماعي والتاريخي بين فتحي رضوان وقصة كل من "سهر وكاظم" ، "نفر وإخناتون" وتذكرني الأخيرة بالتجريب فى المسرح بإعتباره تحدياً للثقافة الرسمية والهامشية معاً وخروجاً عليها حيث يجسد إخناتون الثقافة الرسمية وتجسد نفر الثقافة الهامشية وكيف إنتقلت نفر من إبنة نجار إلي قصر فرعون حيث كانت نفر فى توحدها مع فكر إخناتون أكثر تضامناً من زوجته التي تضامنت مع عقيدة الكهنة الموروثة لإنقلاب الفرعون ضد السائد والموروث والتطلع إلي عقيدة التوحيد وكانت نهاية إخناتون علي يد الكهنة و "كي " أخو "نفر " هي نهاية لنفر ، فإذا كان جسد إخناتون يجسد الدنيا فروح نفر العطرة تجسد عقيدة اخناتون للتوحيد ، ومنا هنا نصل إلي النقص الذي ينتاب المحبين ليصلوا بمن أحبوا إلي بر الأمان وهو ضرورة أن يستند الحب إلي فكر تنويري حتى لا يصبح الحب وهماً زائفاً أو شكلاً بلا مضمون ، فقصة نفر هي الصورة المثالية لمستقبل " سهر " التي سردتها العرافة "شهرزاد " علي "سهر" حتى تتنبأ من خلالها بمستقبلها والتي تحمل فكرة الكاتب عن الحب والوجود فوجود الحب لا يكمن إلا فى إنتفاء الذات ذوبان الجسد من أجل بقاء الروح والوجود الحقيقي للحب هو الإيمان بفكرة أن الوجود مستمد من التوحيد ، وأن كل الأعمال الطبية من أجل الله ومن هنا جاءت نهاية قصة "سهر " منطقية ، حيث إكتشف الأستاذ كاظم بعد إستعلاءه عن زواجه من "وردة" أن السعادة الحقيقية هي الأتصال بالذات الألهه وأن يفني ذاته وجسده فى سبيل السعادة الأبدية وأن الجسد شئ نسبي يجسد سعادة وقتية دنيوية فأخذ يمارس حياته ولأول مرة مع "وردة" بطبيعية ، أما حرية "سهر" التي ستأخذها علي يد " المنقذ "هي حرية لا تلتزم بشئ لأنه لا معني لوجودها أو حريتها فى وطن أخر غير وطنها فما معني وجودها بدون إنتماء ، ولا حرية بدون إلتزام ، ولا حب بدون مسئولية ، فالمنقذ العريس المنتظر إختيار الأسرة لن يحقق الحرية لسهر وبالتالي لن يكون هو الحب الحقيقي حيث لا حب ولا حرية بلا وطن وإلتزام ومسئولية ، فأمواله لا قيمة لها بدون وطن تنتمي إليه " سهر ".
يقول الكاتب " حب الوطن أكبر خطيئة فهو شئ هُلامي يسكننا ونسكنه رغماً منا ، لو علمنا أن الله يرث الأرض وما عليها لعشقنا الله فقط ".
تجسد هذه المقولة فكرة الكاتب عن الحب والوجود . ولكني أري أن حب الوطن عندما يكون فى المطلق فأنا أعشقه لكي يكون للجميع ولكن لو نظر كل فرد للوطن علي أنه ملكاً له ما أستطعنا أن نحافظ علي هويتنا وكرامتنا فالحب المفقود يجهله كل من يحاول أن يصنع القيود فى أيد "سهر" أو يمنع طائر الحرية أن يسكن صدرها فغياب الحب هو غياب الحرية. ودعاء عصفور الحرية إلي الله من أن ينقذه من الصيادين والصقور وأن يجعل صدر "سهر" وطناً له وأن يعتقه من كونه عصفوراً إلي بشر هو دعاء بأن تصبح الحرية التي نحلم بها ونحن نحلق فى سماء الحب إلي حقيقية تلامس أحضان الوطن وأن يرحمه من البخلاء والصيادين والصقور هو تجسيد للكهنة والمختار وابن الصياد الذي يريد أن يتزوج من " نفر " فهم بلاء لا يسمح للحب بالعيش علي الأرض وليس فى كوكب واحد بل فى كوكب الأرض.
يؤكد السيد حافظ فكرته عن أهمية الخلفية الثقافة والتاريخية علي لسان فتحي رضوان من خلال حكاية (الجبرتي) مع محمد علي وعلاقته بالحب والوطن من خلال قصته الشخصية فثقافة الجبرتي هي القرآن الكريم وعلاقته بالحب والمرأة تكمن فى زواجه للمرة الثانية بعد ثلاثين عاماً عندما إكتملت ثقافته عندها عرف الحب وأنجب مستقبلاً من الحرية والحب متجسداً فى أحب أبناؤه "خليل" وعندها لم يفلح محمد علي فى تحويل (الجبرتي) إلي مجرد موظف يحدد مواقيت الصلاة ويكتشف الهلال وحتى لا يدون الجبرتي تاريخ ويوميات مصر إغتال محمد علي ابن الجبرتي " خليل " وبإغتيال "خليل" إغتيل الحب والحرية من حياة الجبرتي ، ففي كل عصر نجد الدكتاتور يحول المثقفين بعيداً عن دورهم التنويري لإقصاء الحرية وبالتالي أقصاء الحب فنحن مجتمعات تربت علي الاقصاء حتى فى ثقافة الجنس نجد ظاهرة "الختان" التي تمنع المرأة من حقها ، فمشكلة المرأة هي مشكلة الرجل فى الأساس فكيف يأخذ الرجل حريته حتى تستطيع المرأة أن تعطيه الحب إذا فالحرية والحب مستهدفاً علي مر العصور وكل من يحاول التجريب يغتال جسدياً أو نفسياً ومن هنا نستطيع أن نقول أن مأساة  " سهر ونفر "هي فقدان الحرية فالحب المفقود يجهله كل من يحاول أن يضع القيود فى أيد "سهر ونفر " فغياب الحب هو غياب للحرية والجهلاء الذي يضعون القيود أمثال "المحبش" فى قصة فتحي رضوان هم دائماً متفقين مع النظام السائد ضد الحب والحرية لأنهم فقراء العقل والقلب أمثال " ميثاء " جارة  " سهر " التي أرادات أن تساعد التاجر " شداد " فى خطف "سهر" لتزوجها فميثاء عجوز حيزبون فقيرة ناقمة علي رفض أم سهر لشداد الغني ، كما أراد راغب أن يزوج سهر لتجار الوطن ، فالحب البديل المزيف لا يعرف إلا التجار وسماسرة الأوطان والمضللون من الجهلاء وأصحاب القوة والنفوذ. فنهاية حب كاظم لسهر بزوجه من وردة هو أنتصار لأصحاب القوة والنفوذ وإنتصار الحب المزيف ليصبح الوطن مقبرة فى شكل وردة وترتفع الروح إلي السماء فلا وجود للحب علي الأرض.
بخطبة سهر للمنقذ وهي تجسيد لهجرة من أحب الوطن من حضن الوطن وروحه العطرة إلي بلاد النفط وتركهم لروح الوطن بعد نكسة 67.

د/ لبلبة فتحي خليفة
مدرس مسرح بكلية التربية النوعية
جامعة طنطا..هاتف 01001139910


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More