Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأربعاء، 14 يونيو 2017

خصوصيات التجريب و مظاهره في مسرح السيد حافظ

خصوصيات التجريب و مظاهره في مسرح السيد حافظ
دراسة بقلم  الهوارى بن يونس
الفصل الأول : التيمات الأساسية في مسرح السيد حافظ و علاقتها بالتجريب

قبل أن نباشر البحث في الموضوعات التي عالجها مسرح السيد حافظ سنتوقف قليلا عند هم الإشكاليات في مسرحنا العربي ظاهرة التجريب . فهي الإشكالية التي شغلت بال المسرحيين العرب و لا زالت تشغلهم . فمن خلالها تبرز الصورة التي ال إليها مسرحنا العربي . و الأشواط التي قطعها في رحلتة التجريبية .
تجيز لنا الدخول إلى عوالم غير مكتشفة " تأخذ بعين الاعتبار عناصر تكوينها و اختلافها عن وطاه السؤال الغربي .
و لتحقيق هذا المطلب العسير . ترد ضرورة تحرير كل إبداعاتنا العربية من الضغوط النفسية لظلال الغرب .و تمكينها من تخطي الكائن سعيا نحو الممكن . ليخرج المسرح العربي من " حجري رحا أخذت تطحن فية بلا هوادة " . لهذا الاعتبار . تظهر عملية التجريب . فهو ضرورة معرفية و فنية يساعد على تحقيق مجموعة من المقترحات الممكنة . لأنة يتضمن سمة التحرر من الجاهز و المألوف . فالتجريب فعل يعني المغايرة و التجدد . و يعتمد في ذلك على الافتراضات و الاقتراحات الممكنة .
و بمقتضى ذلك . يصبح للتجريب فعالية أبداعية هامة . تتزاح عن تكرار النموذج السابق . و ترتقي بالذوق العام للجمهور العربي من خلال ابتكار أساليب جديدة تكون قادرة على توفير الأبعاد الفكرية المتوخاة . و تحقيق المتعة الفنية المطلوبة تمشيا مع التطورات العالمية المنجزة في حقل الإبداع المسرحي العالمي . و من ثم يكتسي التجريب طابعا ديناميا تظهر فعليتة في سياق ثراء دلالاتة الفنية و الجمالية . و مدى انفتاحة على العالم الخارجي . فالتجريب رؤيا تجديدية تختبر الوسائل التعبيرية المسرحية . وتطوع مجموعة من المكتسبات التقنية المبتكرة قصد الحصول على الأدوات و الآليات المطلوبة في استيعاب الواقع و تغيرة . لذا فان أهم خاصية تتميز بها هذة الظاهرة التي توفرها مجموعة من الوسائط . كونة يتعايش فيها الأدبي و غير الأدبي ضمن تعدد قنوات الخطاب المسرحي . فالتجريب كما هو معروف لا يقف عند حدود النص الذي لا يعد إلا جزءا من مكونات العرض المسرحي . و إنما يتبلور أكثر في هذة المكونات . فالمخرج هو الذي يستغل بشكل أكثر إمكانية التجريب . لأنة هو الذي يضيف إلى النص كل ما يجعلة حيا فوق الركح عن طريق تلك المكونات التي يمثل كل جزء منها نصا دالا و معبرا .
و في هذا الصدد يقدم " بانريس بافيس " تعريفا للمسرح التجريبي مفدة أنة " مسرح يسخر كا الأشكال التعبيرية الجديدة قبل البحث . وذلك في علاقتها بعمل الممثل . و من ثم . فان التجريب يضع تلك المكونات في العمل المسرحي موضع التساؤل " كما إن مهمة تقضي الاستفادة مما يراة مناسبا من المدارس أو الاتجاهات و غيرها مما يندرج ضمن فعل التجريب عامة . بحثا عن أقصى درجات التواصل مع الجمهور .
وهذا ما يقتضي من عمل المجيين . الاسترشاد بمنارات أكثر توهجا في مجال البحث التجريبي . بقصد اكتشاف وسائل حديثة و ميكانزمات متطورة تعي صيرورة الحركة الثقافية . و لا تقف عند حدود هضم النظريات السابقة . و من ثم فان علاقة التجريب بحرية الإبداع تجعلةفعلا متخلصا من القيود ؛ لأنة يتجاوز ثوابها قصد بناء المغاير . لذا فان التجريب مغامرة تتميز بطابع مشاكس و مستفز باستمرار .
بيد إن هذة المهمة لا تنشا من الفراغ . فالعمل التجريبي الحقيقي لة أصولة . و ليس مجرد طفرة مندفعة . ولا يمكن لهذا العمل إن يتحقق آلا في ضوء ما انجزة الآخرون فعلا فبي الحقل نفسه . ذلك أنة كي تتقدم فلا بد أولا من النظر إلى الوراء .
فالتجريب إذا يسعى إلى تطوير تجربة شابه أو تجاوزها برؤية مختلفة . و لكن ذلك يقتضي من المبدع المجب إن يستوعب الأبدع الكائن قبل الثورة علية . ذلك بان حركة التجريب لا تخضع للزمن الثابت . و إنما تتغير باستمرار لتنخرط ضمن ورشة كبيرة من المفاهيم و الأدوات .
و إذا كان التجريب في المسرح الغربي يلتقي في كثير من مفاهيمة و اهدافة . فان هناك خصائص يتميز بها عن غيرة من المسارح الأخرى ز فما هي هذة المميزات في ضوء التراكمات المنتجة حتى الآن ؟ و ما هي علاقة التجريب في المسرح الغربي بالمسرح العربي ؟ و بصيغة أكثر وضوحا . ماهي عناصر الإتلاف و الاختلاف بين المسرح الغربي و المسرح الغربي ؟
قبل أن تجيب عن هذة الأسئلة . فلا بد آن نتوقف عن أهم المحطات التي شكلت مراحل تطورة . ز ماذا حقق فيها من تجارب لا شيما في القرن العشرين ؟
من المعروف إن إرهاصات التجريب الغربي لم تظهر في المسرح الغربي إلا مع نهاية القرن 19مع رائد المسرح الطليعي " الفريد جاري " واضع بذورالدراما الطليعية من خلال عملة المتميز " اوبوملكا Uburoi ".
وقد جسدت هذة المسرحية ثورة حقيقية على الدراما التقليدية و علىا لنزعة الواقعية  السائدة . فسدت كثيرا من الفراغ الذي تركتة المدرسة السريالية . و قد استطاع " الفريد جاري " ان يبتكر أسلوبا جديدا في التشخيص . و اذ اقترح أسلوب الأقنعة في التشخيص بدل التمثيل المباشر المألوف . و تسللت إلي الأداء أجواء فنتازية امتزجت فيها السخرية المرحة بالحوارات الداخلية . لا سيما و إن النص يتحدث عن سخرية تلميذ بأستاذة . فكانت هذة التجربة نقلة كبرى مهدت لميلاد المسرح الطليعي . وهو مسرح كان المؤلف الروسي " تشيخوف " قد بشربة من خلال أعمالة الخالدة .
واهم ما ميز مسرحيات " تشيكوف " تجسيدها لقضايا المجتمع الروسي و معاناتة قبيل الثورة البلشفية . كما استطاع أن يمزج في مسرحياتة بين النزع الواقعية و التعبير الرمزي بعد ما أمدها بخيط رفيع جسد من خلا لة جو الاغتراب و القلق الذي تعيشة شخصياتة . و يمكن إن نشير في هذا الصددالى مسرحياتة نحو : " الشقيقات الثلاث – النورس – بستان الكرز – الخال فانيا و غيرها " . و قد شكلت هذة الأعمال مصدر إغراء للمخرجين . لا سيما الروس منهم . و على رأسهم " ستانسلاسفكي و مييرهولد " .
غير أن التجريب في المسرح الغربي لم يبلغ انطلاقة الحقيقية ألا مع نهاية الحربين الكونيتين بما خلفتة من أثار نفسية مدمرة . و امتعاض شديد . و هي أمور أفضت إلى الإحساس ببشاعة العالم ووحشية قاتمة الإنسان الأوربي عندما " نصبت هويتة الجديدة في قالب غريب و مرعب بدفعة بلا رحمة في نفق التقدم الآلي المعقلن . لقد بدا مؤخرا اكتشاف تكويم الجثث و الفظائع التي تمزق هذا الإنسان في اعماقة الخفية . ( و بهذا اقترنت ) " ولادة المسرح الأوربي مرتبطة عفويا بنشأة التحديث الأوربي . حيث تمزق الإنسان بين رحمة القديم و قالبة الجديد " .
ولم تكن تلك الرغبة وليدة تشتت الواقع الأوربي . بل كانت هناك طموحات فنية تتوخى هدم السابق من المسارح الكلاسية بدءا بالمسرح الإغريقي . و مرورا بالمسرح الديني في العصور الوسطي . و نمط المسرحيات البطولية التي عهد بها العصر الاليزابيثي . و الدراما العاطفية في القرن 18 . وصولا إلى الميلودراما في القرن 19 .
و من الذين قوضوا مبادئ هذة المسارح . نذكر رواد مسرح العبث من أمثال " صمويل بيكت " ( 1906 – 1989 ) و " يوجين يونسكو " ( 1912 – 1994 ) . و كان للفرنسي انتونان ارتو . صاحب نظرية مسرح القسوة الدور الكبير في تقويض النظرية الارسطية للمسرح . فقد عاد بالدراما إلى الأصول الشرقية القديمة " الباليني بخاصة " . ولم تتوقف رحلتة عند حدود الايديولوجيا . اذ استطاع إن يكون " ثوريا حقا . مثل كل المبدعين الكبار و لكن ثورتة ليست أحادية البعد و لا ثابتة و لا مؤدلجة " .
لقد فسح " ارتو " المجال إمام قدرات الجسد كي يفجر طاقاتة . و يخرج عن سلطة اللغة المنطوقة ضمن فاعلية " القسوة في تطويع قدرات الجسد الحقيقية بغرض الوصول إلى الصدق الفني . و بهذا يصبح الجسد . عند ارسطو . بديلا عن الفراغ . فهو إلى جانب المكونات السيوغرافية الديكور . الاكسسوارات . الإضاءة و غيرها " يؤدي مجموعة من الوظائف الدلالية و يساهم في خلق فضاء يعوض العلبة الإيطالية .
ولا يفوتنا إن نشير إلى جهود الرواد الآخرين . خصوصا فيما يتعلق بجانب الإخراج و قضايا التمثيل . و الإعداد الفني بعامة . و منهم رائد الثورة على القاعة الإيطالية الألماني ماكس رينهاردت ( 1873 – 1943 ) . و الروسيين مييرهولد ( 1874 – 1940 ) و ستانسلافكي ( 1863 – 1938 ) و يرجع الفضل لهذا الأخير في ابتكار أساليب جديدة في فن التمثيل . إلى جانب البوني ( جرو تفسكي ) صاحب نظرية " المسرح الفقير " ويعد " بريخت " أهم مبدع خالف المسرح الارسطي و المسرح الكلاسي عامة . فالية يرجع الفضل في فتح الباب واسعا إمام التجريب المسرحي . ذلك بان المسرح الملحمي لازال يشكل مصدر إغراء لمجموعة من الإبداعات المسرحية . و حقلا مفضلا لها بفضل اسهاماتة النظرية و التطبيقية في مجال المسرح بعامة .
بعد هذة الإشارة السريعة إلى أهم محطات التجريب الغربي نتساءل :
ما هي عناصر الائتلاف بين هذا التجريب في المسرح الغربي و بينة في المسرح العربي ؟
مما لاشك فية . إن التجريب الغربي يتميز بريبرتوار يجمع عصورا مختلفة . و هذا ما يفسر غايتة المتجهة صوب " الكفر بالمسرح التقليدي . و المسرح السائد . و هو كفر يتعداة المسرح الفن . ليشمل كل الكفر التقليدي بكل ما فية من المفاهيم  و القيم الماضوية العتيقة " ذلك بان المسرح الغربي خلف رصيدا ابداعيا مهما على امتداد زمني طويل . كما افرز سيلا من الاتجاهات الفنية . و المدارس المسرحية . و هي صفات تخول للمسرح الغربي جواز الهدم بغية تأسيس المغاير .
و مع ذلك . فأنة بالرغم من خصوبة الحقول الإبداعية و تطور الجهاز ألمفاهيمي التنظيري في الريبورتوار المسرحي الغربي . لازال جل رواد المسرح الحديث متشبثين بأصول الفرجة القديمة و قد استلهم " ارتو " مصادر فرجتة من الأصول الشرقية القديمة المنحدرة من جزر بالي . فهي في راية تمثل المنابع الصافية للفرجة . و لا سيما و أن الأساليب الجديدة لوثتها اصابع المدينة الغريبة الحديثة . و هذا ما يشفع لنا القول بان : التجريب لا ينشا من فراغ . ذلك بان التجريب لا يلغي القديم . و أنما يتجاوزة . في حين أن قاعدة المسرح العربي تختلف في كونة يدشن " بداية طريق البحث عن صيغة عربية في المسرح " .
و من هذا المنطلق . فان التجريب في المسرح العربي يتقضي تجاوز النماذج المهيأة سلفا . و امتطاء أساليب ملائمة تتغرس في التربة المحلية من جهة . و تمنح من روافد طليعية تغتني حقل الممارسة بثمار جديدة تستجيب للذوق العام العربي من جهة أخرى . فالتجريب هو استمرار في البحث عن تقنيات جديدة . و استنباط مناهج ملائمة و جادة . و ابتداع صياغة جمالية تتناسب مع مشكلات العصر .
ومن ثم فهو . في جوهرة . رؤية أبداعية شاملة تنظر في مختلف عناصر الفرجة . بدءا بالنص باعتبارة بنية خطابية تتناسق أو تتقاطع فيها مستويات تلك البنية ضمن فضاء متعدد . و مرورا بالرؤية في مكونات الإخراج و السينوغرافيا باعتبارها تكملة للنص . أو إعادة خلق لة قصد اكتشاف علامات جديدة تختفي وراء ستار النص . و صولا  إلى زعزعة عملية التلقي قصد ارتقاء بالذوق العام المسرحي العربي . لا سيما و إن المسرح العربي اليوم . كما يقول الدكتور علي الراعي . " أضحي جزءا من الوجدان العربي . و نمت لة عضلات . و طال لسانة . و ان تنقشع عنة هذة الغمامة من عدم الثقة و الرغبة في المحاكمة . و إصدار الأحكام التي تعوق تدفق الأعمال المخلصة و الجادة من أقلام الكتاب الجادين "
و يجدر التذكير بان عملية التجريب المسرحي في الوطن العربي قد انتلقت مع الرواد . و إن كانت الانطلاقة الرصينة لم تتبلور بوضوح إلا مع الدكتور " رشاد رشدي " .  فقد استطاع هذا المبدع أن يقدم عملا متميزا في نهاية الخمسينات بشرت مسرحيتة المثيرة " اتفرج يا سلام " التي استلهم فيها شكل " خيال الظل الشعبي " و عبر من خلا لة على نضامين فكريب معاصرة . و بذلك استطاع أن  يطوع هذا القالب الفني لمعاجلة قضايا سياسية و اجتماعية و فنية . و كانة يؤكد أن الإشكال الشعبية العربية الإسلامية تتضمن عناصر المسرحة على غرار إشكال الغريبة المعروفة .
و إلى  جانب شكل  خيال الظل الشعبي استعان " رشاد رشدي " بمجموعة من الظواهر الفنية المستمدة من البيئة الشعبية المحلية . كالأغاني و المواويل الشعبية و الأذكار الدينية و جعله تخدم قالبة الفني لتشكل كلها بناء فنية متماسكة . و لكنة . و في نفس الوقت . استفاد من تقنيات المسرح الحديث : كتقنية المسرح داخل المسرح . و الارتجال في تنفيذ الأدوار و قيام الممثل الواحد بمجموعة من الأدوار و غيرها . . .
و حتى يعطي يعطي بعدا ايجابيا للتجريب . عمد الدكتور رشاد رشدي إلى كسر الجدار الرابع بغرض رفع الإيهام . و خلق تواصل مباشر مع الجمهور . و قد تعددت سمات التجريب في عملة هذا . من خلال انفتاح الفضاء المسرحي على عدة مستويات روحية . كما تحددة هذة الإشارات المسرحية في مقدمة النص :
" ميدان من ميادين القاهرة في عصر المماليك في الجانب الأيسر . قهوة الشعراء و فوقها بيت سعيد صاحب القهوة. إلى جانب القهوة محكمة و فوقها بيت قاضي القضاة الشيخ عثمان حمزة . و في الجانب الأخر . بيت أبو المعافي . و أخوة سيد . و إلى جانية دكان الحلاق عبد ألعال . و قد ساعد تعدد الأمكنة على إضفاء جو شاعري للفضاء المسرحي . و اثرائة بمجموعة من الدلالات قصد تكثيف الأبعاد الفنية و الفكرية للمسرحية  .
و من حيث اللغة . اعتمد رشاد رشدي على لغة و واضحة و بسيطة . اذ زواج بين اللغة الفصحى و العامية المصرية المطراوحةبين الشعر و النثر في تناسق ذكي بين الشكل و المضمون مستمد من عصر المماليك . الذي سادت فية . من سجع و جناس و طباق و مقابلة . . كذلك فان الشكل الفني للمسرحية مستمد من مسرح خيال الظل . مما يحتم فنيا و دراميا استفاة من الغنائية التي يتميز به المسرح " .
فقد استلهم رشاد رشدي خيال الظل من منطلق حدائي و استطاع أن يبعث لنا صيغة مسرحية ضاربة في عمق التاريخ العربي و الإسلامي . و قريبة من الوجدان الشعبي . حيث وظف خيال الظل في رؤية جديدة لا تتوقف عند حدود محاكاة الواقع . و إنما تتجاوز ذلك لتعيد تشكشلة فنية ضمن مسوغات التجريب التجديدية .
و من هذا المنطلق . اقترن " خيال الظل " بوظيفة جديدة . و إذا يصبح بمثابة الكورس في هذة المسرحية : غير أنة لا يوظفة المؤلف باعتبارة معلقا . آو متدخلا في الإحداث . و أنما يوظفة باعتبارة مكونا سينو غرافيا يقوم بمهمة الإنارة و ضبط حركات الممثلين .
كما وظف شخصية سعيد " صاحب خيال الظل " من منطلق تجريبي . فهو يقوم إلى جانب الجوقة بالتدخل في الإحداث . و المساهمة في بلورتها . كما نجد في هذا المثال :
سعيد : بقى في البلد السلطانية
أحوال الناس الاجتماعية دايما زفت و اطران
دا شيء كلة عرفينة
و عارفين كمان أن
اللي يقولة السلطان
أو خدامينة
يبقى كانة قران
أنزلة الرحمن
فلمل الدادبان
قال علي ابن النعمان
أنة مجنون . . .
أو كما جاء على لسان الجوقة :
- الجوقة : ( لحن جماعي مخاطبين المتفرجين على المسرح )
ألف تحيو و ألف سلام
بص و شوف الفرق بين الاثنين
ظلم و ضلال
من نرر و جمال
و مين اللي عمل الفرق دة
مين اللي حقق كل دة
انتم
و إحنا
و أحنا
و انتم
المصريين
و يبدو لنا أن الحوارات تسللت إليها لغة شعرية بالسجع . و تكرار فيها فيها مقاطع شعرية تتالف في نفس التركيب في مناسبات كثيرة و هذا الأمر يؤثر سالباعلى تماسك البناء الدرامي ,و مع ذلك فان هذة الحوارات لم تسقط في الغنائية التي كانت سمة اغلب النصوص العربية العربية خلال تلك الفترة , لأنها تجسد لنل مجموعه من الاحدلث و المواقف بكثير من الدرامية , و فضلا عن ذلك , فهي لا تتورط في الأسلوب التحريضي المباشر الذي يغلب على كثير من إعمالنا المسرحية العربية .
و يمكن القول : أن رشاد رشدي استطاع إن يستلهم شكل خيال الظل و يعيد صياغتة فنيا ليسلط من خلا لة اضواؤة على إحداث العصر المملوكي , و هي إحداث أو مواقف لا يخلوا منها عصرنا الراهن . و بذلك طوع مجموعة من الأساليب الفنية القديمة لصالح التجريب , كما مسرح عدة إشكال احتفالية ( كالرقص و الغناء ) في أسلوب حكائي يستوعب قضايا العصر , و يلبي الذوق العام للجمهور العربي .
و قد بشرت هذة الخطوة التجريبية في المسرح العربي بميلاد محاولات عدة شكلت الإرهاصات الجادة للتجريب , سنجد لثارها و أضح في الستينات مع يوسف إدريس و توفيق الحكيم و علي الراعي و محمود دياب و غيرهم ممن كانوا يبحثون عن قالب ملائم يؤسس مسرحا عربيا قائم الذات , و يتوحد مع الجماهير العريضة في الوطن العربي  .
بيد أن هذة المحاولات سواء على مستوى الأبدع أم الكتابات التنظيرية بقيت " متعثرة حينا و خجولة حينا آخر , حتى كانت هزيمة 1967 التي ابانت عن إفلاس الهياكل السائدة في المجتمع العربي . و بذلك صار التفكير جادا أكثر في خلق هوية متميزة للمسرح العربي "
و بموازاة لتنامي البعث التحرري الفكر النهوضي العربي , تواصلت اسهمات المبدعين العرب على الرغم من أنها لم تستطع حتى الآن إن تشك مذهبا خاصا يجمع ستات الاجتهادات المسرحية العربية نتيجة اختلاف الحقول الفنية و المرجعيات مختلفة المشارب .
على أن هذا الفعل التحرري لم يمنع من تبلور النضج الفني الذي يتجاوز حدود مجاراة النمزج الغربي , و ابتكار أشكال بكر تتلام مع الذوق العام , بل و تساهم في ترقية هذا الذوق . و في الوقت نفسة تستجيب لمتطلبات الواقع و تحولاتة . و بمعنى أخر فان صفة التجديد تبقى واردة , لان كل تجريب يسعى إلى تأسيس المغاير و الإبحار في محيط المغامرة , دونما تقيد بضوبط محدودة , و تعاليم سلطوية في سياق الوعي بمهمة التجريب المنوطو ب " محاولات التحلق فوق الواقع , وصولا إلى تحقيق حلم التطور الفني الذي هو في الوقت نفسة ليس منفصلا عن حلم الإنسان الذي يهدف الوصول لحالة أفضل "
فمن آفاق التجريب إدراك الارتقاء بالفن نحو الأفضل استجابة المبدع نفسة , و لتطلعات مجتمعة من جهة ثانية في سبيل البحث عن شكل و معنى جديدين يكونان أكثر ملائمة , و أكثر تعبيرا عن قالبنا و روحنا , و أكثر كشفا عن تيمات حياة الشعب في غالبيتة العظمى و مفارقة هذة الحياة و تخديمها التخديم الفني الصحيح  . تتضافر . بمقتضاة . هذة المسوغات في تقديم الحيوية المطلوبة , و الحركية المتدفقة في الخلق و الابتكار ليظل هذا العامل " متحركا ما لم تتوقف عملية التجريب نفسها " .
لكن مهمة مثل هذة تتطلب الإلمام بحصاد تجارب إنسانية تتفاعل فيها مختلف التراكمات الثقافية , و الخبرات الإنسانية , لان هذا الأمر يوفر للفنان ثراء معرفيا و فنيا .
فانفتاحة على العالم الخارجي , و واطلاعة على مكونات التراث العالمية المضيئة يعد مطلبا ضروريا باعتبارة " إن قيام أي عمل تجريبي في ثقافة محلية معزولة و مختلفة غير قادرة على الاحتكاك و التداخل مع الثقافات الأخرى مسالة غير ممكنة على الإطلاق . . و من هنا فان خصوصية التجريب تتمثل في كونة عملا إنسانيا خلاقا " .
بيد إن حتمية السجال الثقافي بين التجريب في المسرح الغربي و التجريب في المسرح العربي افرزت سمة ولع المسرحيين العرب ببعض المدارس الغربية , و انبهارهم بالاتجاهات الأجنبية دون مراعاة الخصوصية المحلية للذوق العربي العام . و بهذا من شانة إن يرسخ فكرة المركزية الغربية المغلوطة . " و لكي نجرب لابد إن نفعل مثل بيتر بروك أو شانيا او بريخت , أي إن التجريب مرادف للانسلاخ عن الذات , و إن تقفز على ما هو مضموني و روحي , و تعانق مع ما هو شكلاني محض "
و لقد كان لهذا الموقف اثار سلبية على استنباط الأبعاد الحقيقية للتجريب الذي ظن فية البعض أنها حركة توازي العبث أو إلا معقول و الغرابة الذاهبة في صوت الإبهام . و قد ساهمت هذة الفكرة في قص جناح الإبداعات العربية حادت بها إلى الميوعة الفنية .
و هي القاعدة التي تنطبق على مهرجان دولي من حجم ملتقي القاهرة السنوي للمسرح التجريبي الذي يغرق اغراقا كبيرةا في الجانب الاستعراضي , لا سيما و أن هذا الجانب يعد مقياسا كبيرا للظفر بإحدى الجوائز المخصصة في المنافسة بين العروض .
و لما كن الانفتاح على الاتجاهات العالمية لا يخلو من أهمية تتجلى نتائجها خاصة في حقل المواهب , فأنة من جهة أخرى ينطوي على سلبيات قد تؤدي بأغلب المبدعين المسرحيين العرب إلى الابتعاد عن الإمساك بخيط المسافة الرابطة بين الشكل و المضمون و تغريب الملتقى العربي بابتعاد عن ذوقة باستعارة تقنيات غريبة عنة . لأنة اقتباس الإشكال الغربية و إفراغها داخل وعاء واقعنا العربي , يفضي إلى نتائج عكسية تعلوفيها  الكفة لصالح الشكل .
و قد تنعكس هذة المعادلة ليصبح المضمون سيدا لصالح اكبر ظاهرة طغت على سطح مسرحنا العربي , و هي التصاق التجريب بالسياسة , حتى أصبحت هذة الأخيرة . و على رأي الدكتور مصطفى رمضاني الحصان الذي يجر عربة المسرح , و ليس العكس كما ينبغي إن يكون . و مهمة المسرح العربي , آو بالاحرى مشروعة الهام يتاسس على ما يقدمة من رؤى جمالية لا تتعالى فيها المواقف السياسية و الأيديولوجيات المغرضة , ف " الناتج الذي يرفعة شعارات هو وسيلة الأعلام عليها إن تغير حاكم . . . أما الفن و الأدب . . فهما اقرب إلى الثبات و الالتصاق بالتكوين التربوي للكائن و الفرد و الجماعات " . و لنا من الامثلة ما نقيس علية هذا الدعم فإعمال العظماء من الأدباء و الفنانين لازالت تحتفظ لنفسها بصفة الخلود , إما المذاهب السياسية التي ساقتها فقد توارت مع مرور الزمن . فإبداعات " بريخت " الكثيرة لازالت مصدر اغراء لمختلف المسرحيين على اختلاف جنسياتهم , بما قدمتة من إنجازات مهمة في جانب التقنيات الفنية و السيوغرافية . في حين إن دعواتها للماركسية سرعان ما تحولت إلى خيط دخان سابح .
لهذا و بعد إن وعي المسرح العربي و جهتة , و خطورة المسالك المؤدية إليها , فانة إن الأوان لان يرسم خطاة العاكسة لجسدة المتغدي من روح بيئتة المحلية و مناخة الخاص بة . فبعد إن عرف الإنسان النوع –حسب تغير غز الدين المدني – علية إن يولى وجهة شطر الإشكال الوفيرة التي يختزنها تراثة كي يحقق مكسب الانفلات من التبعية التي تجاوزت " حدود الدهشة و الاندهاش . على المسرح الغربي في الشكل الذي بدا فية " . و هو المطلب الذي أصبح ينادي بة اغلب النظيرات العربية التي يراود حلمها تحقيق التصورات المقترحة بما يتناسب مع الجوانب التطبيقية لإعمالها .
كل ذلك كي لا يتبقى " مجرد ممارسات هلامية و غافية " اذ عليها إن تتساوق " في سياق مسرحي يراعى جدلية التفاعل بين الفن و كل العوامل التي تتحكم بالإنسان العربي و قضاياة " . و هي مهمة شاقة لا تاخذ طريقها إلى النهج الصحيح إلا باستمرار عدد كبير من الإبداعات , تنم عن بزوغ نهضة حديثة للمسرح العربي إلي أصبح بصيص نورها يبرز نسبيا . غير أن اكتمال اشعاعها يظل بعيد الآمل إذا لم تراع ذاتها .
و يبدو إن أفضل سبيل لا جتناب تكرار النماذج المسرحية الغربية يقتضي الإلمام برسالة المسرح السامية بما تقدمة من إعمال تخدم المتلقي في إطار العام بدل اللجوء إلى تكويم النظريات , و استيراد المفاهيم الغربية عن ذوقنا .
و من ثم فان الإجابة عن إشكالية التوفيق بين المحلي و العالمي في التجارب المسرحية العربية و تكيفها مع خصوصياتنا العربية و الإسلامية .
و فضلا عن ذلك . فان تعدد مستويات الخطاب المسرحي يقتضي ايجاد المعادلات المناسبة بين المستويين الفكري و الجمالي باعتبارهم يشكلان نسيجا متكاملا ضمن مكونات الخطاب النصية و الإخراجية و السينوغرافيا ككل .
و تأسيسا على ذلك , فان مقاربت إشكاليات التجريب في المسرح العربي يمكن إن نحددها في مظهرين اثنين , فالمظهر الأول , يتحدد في طبيعة العلاقة بين التجريب في المسرح الغربي , و هو تعاقد يندرج في سياق علاقة الذات لأخر , و حتمية التبادل الثقافي . و هذا الأمر يطرح إشكالية إثبات الذات , و حوافز المسرح العربي في البحث عن هويتة .
إما المظهر الثاني لهذة الاشكاية , فيقترن بإيجاد مواصفات جديدة , و صيغ ملائمة للفرجة المسرحية العربية بلغة خلق شروط مناسبة لاكتمال الفعل التجريبي في المسرح العربي .
إن التجريب في المسرح العربي يتميز بخصوصيات منفردة تكتسي خطورة بالغة  , و هي تقدم إشكاليات متداخلة تقترن أولاها بالهم التأسيسي , إما الإشكاليات الأخرى , فيمكن إن نصلها بطبيعة التجريب نفسة , و بهاجس المجريين المرتبط بالبحث عن الصيغ المغايرة  و المختلقة لحدود التجارب السابقة .
غير إن تداخل الخبرات الإنسانية , و تعايش ثقافاتها ضمن نسيج عالمي يسير أشكالا أكثر , قد تتشابة بموجبة الأعمال المسرحية .
و في ضوء هذا الكم الهائل من المبادرات العالمية و الإنجازات الغربية يتعدد مدارسها و مناهجها . كيف يمكن للتجريب العربي إن يؤسس فرادتة و يصبح فاعلا في الثقافة العالمية على غرار التجارب الإنسانية الأخرى دون التضحية بالخصوصية الاجتماعية و الحضارية للأمة العربية ؟
في سياق هذة المهمة الصعبة . كيف يمكن للطاقات المسرحية العربية إن تخلق مسرحا يتميز بخطاب يختلف عن قاطرة المسرح الغربي ؟
إن المسرح كحياة يتجدد و يتطور بطور المواقف الإنسانية و تغييرها . فمنذ نشاتة الأولى بين معابد اليونان , و الإنسان يحاول إن يكتشف سر جاذبيتة , و ينصت إلى صخب أبطالة و هم يتصارعون مع قوى ميتافيزيقية تكبك جماحهم . غير إن هذا الإنسان بحكم ايمانة بقدرة التجاوز رأي إن يكسر الجدران , و ينتقل إلى جوهر الصراع الذي  يربطة بالحياة . و بذلك أخذت الكتابة المسرحية تكسر لحظتها الآنية لبناء و اقع أخر , و هو مبدؤها الذي لا تتعالى عنة , و لكنها تسمو بة بعد إن تستوعبة و تنتج معرفتة .
و في الوقت نفسة تحاول إن تكسر تلك اللحظة , و تعبر عنها بطريقة جمالية تعبق بالتوتر الحاد و ترفض الاجترار , كما يقول المرحوم محمد مسكين , " أن تكتب مسرحية يعني ان تعيد بناء الأشياء و الناس . إن الكتابة المسرحية هي فصل يحدث الشرخ في السيرورة المتزنة للواقع . لهذا فهي كسر للتوازن الظاهري " .
غير أن هذا الأمر يقتضي وسائل جديدة قادرة على نبذ الاعراف الفنية التقليدية السائدة التي لا يستجيب للفئات العريضة من متذوقي الفن الدرامي .
و كان الدراماتورج . السيد حافظ . ولا يزال من خلال ابداعاتة المتدفقة واحدا من هؤلاء الذين جسدوا التوجة الصحيح القائم على استكمال المقومات التعبيرية الدرامية , في افق تاسيس كتابات واعية منذ الستينات .
الا إن هذة اليقظة لم تتبلور بشكل واضح , لا سيما في ظل ألازمة السائدة للمسرح المصري الذي سادتة نظرة كانت تعتقد إن المسرح " مجرد دار عرض للتسلية و الترفية , و انتاجة لا يعدو ان يكون ساعة من سلع الريح تدخل تحت اسم تجارة الضحك و التسلية و التجميل و كسب الغفلة و التحجر و الجمود " .
فوسط ضباب كثيف من الأعمال السائدة آنذاك , ازدهار المسرح التجاري و كاد ان يحجب المحاولات التي انبعثت في فجر سادة ظلام تلك الفترة . و قد لعبت الدولة دورا سلبيا ساهم في انحسار المسرح الجاد بسبب الحمالات المعادية لكتاب المسرح , و الممارسة الرقابية للنصوص المسرحية . كما ساهمت الهياكل التنظيمية لمؤسسات المسرح في انحدار المستوى الثقافي . و بذلك ساهمة سياسة التهميش في " انحسار المسرح الجاد . و انطفاء الجذور الثقافية الإنتاج المسرحي عموما " .
و تتصالح أوضاع أخرى لترسيخ الوضع في المسرح المصري , على وجة الخصوص , و المسرح العربي عموما . الا و هو فساد الذوق العام الفني للجمهور المقابل على هذة الإعمال التجارية . و مما يزكى هذا التدني الملحوظ ان الجمهور يظل سلبيا و بعيدا عن المشاركة في الخلق و الإبداع . فضلا عن ذلك . لم تتحرك حركة التأليف المسرحي في الساحة المصرية اهدافها المنوطة بها . فقد فش ثلة من المؤلفين من أمثال محمد عناني و سمير سرحان و عبد العزيز حمودة و فوزي فهمي و علي سالم و غيرهم في بلورة وعي فني واضح , و نضج جمالي يستجيب للدراما المعاصرة , و يفي لمتطلبات الواقع الجديد , و أنما سقطت إبداعاتهم في فخ  الإسقاط السياسي و الاستعراض التراثي المباشر في غالب الاحيان . و يبدو ان هناك عوامل متعددة لخصت ب " أوزوريس إلى ان يخرج من قاع النيل كي يعانق ايزيس " التي يقول عنها السيد حافظ " فعشيقتي ايزيس تهبني في كل رحلة سرا من أسرار الحقيقة , تهبني رفضا منقوعا في شريان الوعي "
فقد كانت ايزيس – أو مصر – هي التي امدتة بخصوبة الفن , و الهمتة ينابيع التجريب الصافية التي كدرها احتقار المتطفلين . و في هذا يضيف السيد حافظ : " جيلنا من الكتاب الذي لم يظهر إلى الآن , جيل رائع ملئ بأشياء خفية مكتوب عليها ممنوع الاقتراب من هيئة المسرح و الثقافة الجماهيرية , لان الهيئة احتكار للمفلسين فكريا . و الثقافة الجماهيرية مرتع للفوارغ من كل شيء في الاقلام " .
تسلل هذا الفتى الاسكندراني إذن بين أحشاء الدروب المقهورة , و فتح عينية على الكنابة و عمرة لا يتجاوز ربيعة الثاني و العشرين , فأعلن بذالك عن قرب نهاية خريف المتطفلين . و كانت الانطلاقة مع أحدى المسرحيات التي دخلت التجريب من بابة الواسع , و يكفي عنوانها المثير دلالة على ذلك " التفاهة في بلاد الا معنى " سنة 1970 .
و لم تكن هذة الباكورة لتسلم من الهجوم الشرس , بل و الرفض القاطع . فخلال الندوة التي اقامتها جمعية الدراما بالقاهرة لمناقشة هذة المسرحية انطلقت سهام النقد معلنة عن مقاطعة هذة الإعمال . و قد قام المبدع علي سالم خلالها ليعلن رفضة لمثل هذا التجريب المسرحي لأنة " تخريب في المسرح , و في عقلية الجمهور , و لن يقدم هذا العمل , انني لو حكمت لطلبات إطلاق النار على مثل هذة الإعمال التي لا تبتني الإنسان و لكنها تهدمة " .
لقد كانت تجربة تخريبية للشكل المسرحي السائد , و لكنها كانت تسعى إلى التبشير بأسلوب جديد في الكتابة . و بذالك كانت هذة المسرحية تمثل سابقة تسمو بعقل الجمهور و بذوقة من اجل بناء تصور جديد و ذوق مغاير و نمط مخالف للسائد و الجتهز من المسرح العربي . فالمسرحية تؤكد هذا الجانب التجريبي . " فشخصية المزيع " في المسرحية فقدت تواصلها مع العالم . و لم تستطع ان تعبر عن طموحاتها الفنية لاصطدامها بارض الواقع . و كانت رحلتها شبيهة بالحلم . لهذا قرر المذيع , الذي هو صوت الكاتب نفسة . أم يقف عجلاتها . و هو موقف طليعي يعكس طموحات السيد حافظ المصر على تقديم المغاير و الجديد . و هذا ليس غريبا من مبدع  خرج " من خميرة ارض النيل كالصاعقة , أو كالنار على الشارع المصري و كان يلتقط أنفاس البحر , و يحمل نهر الكلام ز الرؤيا و يحمل موجات الإبداع للشارع الثقافي العربي . و قد اقتحم المسرح الطليعي حتى يكشف القناع عن الحرف العربي . و الظلام عن الاستعارة و يمحو الضباب عن الكتابة " .
و قد استطاع السيد حافظ . من خلال هذة المسرحية الشبيهة . بالكارت بوستال . كما يصفها احد النقاد ان يغرس بذورا تجريبية جديدة . و يختلس تركيبات الواقع البئيس بطريقة غير معهودة . فقد ابرز مظاهر التجريب بشكل مثير , لا سيما حين وظف أشياء جامدة لكرسي . فانيلة مثلثات . ميكروفون . . . " باعتبارها معادلات لأبطال بشريين . و هو توظيف ذكي استطاع من خلالة السيد حافظ ان يفجر اللغة بكل ما تحملة من أبعاد رمزية و ايحاءات مكثفة لتعكس بكل مرارة مفارقات " العصر الذري الحجري ( البرونزي ) في القرن الفوضوي , في ارض الا محدود الملوث " .
و لم يكن هدف المؤلف مجرد التمرد على إشكال القوالب الراكدة , بل كانت هناك عوامل أخرى ساقتها الظروف الاجتماعية و السياسية المثقلة للمجتمع المصري بخاصة , و المجتمع العربي بعامة .
و سنحاول ان نكشف عن علاقة التجريب عمدة بهذة العوامل , و كيف ساهمت في تطوير تجربتة الإبداعية في مجال المسرح



تنظير نقدى لإخراج مسرحية ( قميص السعادة )

تنظير نقدى لإخراج مسرحية ( قميص السعادة )
كوميديا شعبية موسيقية رومانسية
للكاتب / السيد حافظ

أ.م.د. محمد عبد المعطى محمد
*****
إن الإبداع المسرحى للطفل هو أشق أنواع الإبداع، وتكمن مشقته فى ضرورة أن يدلى كلا من الكاتب وصانع العرض المسرحى "المخرج" وكل عناصر العمل المسرحى بخيالهم وحدسهم إلى عالم الطفل، أن يرون بعينه ويفسرون العالم بمنطقه الذى يختلف تماماً عن المنطق العقلانى والتجريدى الذى يحكم نظرة الكبار، وليظهر لنا فى النهاية العالم فى جدته وأيضاً فى برائته وألفته وغرابته.
" قميص السعادة " والكوميديا الشعبية الرومانسية :
إن مسرح الطفل يقترب فى أعلى مراتبه من الكوميديا الشعبية الرومانسية. عرفنا ذلك فى مسرحيات مثل " حلم منتصف ليلة صيف " أو "العاصفة" أو قصة شتاء" عند شكسبير كما عرفناه فى مسرحية "حدوتة من حواديت العجائز" لجورج بيل و"الطائر الأزرق" لميترلنك أو فى " رسائل قاضى أشبيليه" لكاتبنا العربى الفريد فرج، وأخيراً نراه فى "قميص السعادة" للسيد حافظ، والتى تستقى مادتها من الفكلور الشعبى العربى، وقد امتزجت فيها الحواديت والنوادر الشعبية بالألعاب المألوفة والأهازيج والأغانى الموروثة وحيث طرحت رؤية شاملة للوجود، وإن استغنت عن عنصر ثبات الأشياء.. هذا العنصر الأخاذ المثير لخيال طفل ما قبل الثامنة والذى يختلط فيه الأنس والجن بالطير والحيوان وبالمردة والسحرة، وتنطق فيه الزهور والأشجار وتسيطر المعجزات والخوارق والتحولات العجيبة فى المواقف والشخصيات.. وذلك لعدم الحاجة الدرامية إليها من ناحية ولأن الموضوع يدور وبثبات حول العلاقات الإنسانية للجماعات ويتناول معانى العدل والخير والإنسانى والشر المجسد فى النفوس.. إن الفعل يدور فى محور الإمكانات التخيلية والإمكانات الثقافية والمكتسبات البيئية لطفل ما بين الثانية عشر والسادسة عشر.
ومن هنا كانت الكوميديا الرومانسية الشعبية هى أنسب الأشكال الفنية للتوجه إلى هذا النوع من الأطفال "الشبيبه" إذ أن أجواءها والأضداد فيها والعاطفة المشبوبة تمتزج فى بوتقة خياله الخصب وتحاكى منطق الأسطورة والحلم.
فى إطار هذه الرؤية يكتسب الصراع المحورى بين الخير والشر فى "قميص السعادة" مفهوماً شاملاً. ويتسع مفهوم الشر ليشمل كل القوى والنوازع التى تناهش الحياة مثل التسلط والجشع والقسوة والظلم والأنانية :
الوزير الوصولى الجشع.
القاضى المرتشى.
قائد الشرطة المستغل لسلطاته.
الطبيب المحتال المستغل.
وينبسط مفهوم الخير ليشمل كافة القيم المؤازرة للحياة والخصوبة مثل : العدل والحب والجد والوفاء:
الأمير الباحث عن السعادة.
الأميرة الرافضة لظلم الوالد الجشع.
الوصيفة والخادم المخلصان حتى النهاية.
ابن الحلاق الباحث عن الحب ويناضل للحصول عليه رغم فقره.
أفراد الشعب الذين يلتفون حول أميرهم ليستعيد سعادته، ويستعيدون العدل.
*****
و "قميص السعادة" تختار مادتها من الحكايات الشعبية، إذ أن الحكايات الشعبية – فى أصولها – تستهدف الطفل فى المقام الأول لما تحتوى عليه من عالم فانتازيا رحب. لقد أدت هذه الخصوبة – خصوصية الخيال الخصب – إلى جعل هذا المصدر الشعبى الفنى أهم مصادر الاستلهام للكتابة للطفل عموماً.
إن التراث الشعبى – فنون مرئية وأدب وموسيقى – له القدرة على ملائمة الواقع. ولفنونه القدرة على أن تغير من ذاتها وتتجدد بشكل مستمر لا يتوقف عن صيغة بعينها. إن عناصره تحتضن أهم عناصر المحاكاة وبذور المسرح.. عناصره تحتضن الأساطير والملاحم والقصص والحكايات والسير والمرائى والأغانى والحكم والأمثال وهى عناصر تتسم بخصائص العراقة والواقعية والجماعية.. "إنه الأدب الصادق الذى يخرج من الروح الشاعرة فى داخل الإنسان " كما يقول يعقوب جرم.
وإذا كان مسرح الطفل كأدب فنى ينبع من روح الفرد الشاعرة الواعية بالملتقى الصغير ذو الخيال الخصب، فإن استلهامه هذه العناصر الفنية فى التراث يدعم هذا الخيال ويكسبه صوراً إبداعية ودرامية ومسرحية لا حصر لها.
قميص السعادة وألف ليلة وليلة :
إذا حصرنا جملة المسرحيات التى تم استلهام موضوعها من حكايات ألف ليلة وليلة سنجد أنها تمثل الجانب الأعظم من المسرحيات العربية ذات الأصول الشعبية والتراثية، ويرجع هذا إلى تعدد موضوعات وثراء أفكار المصدر كما أشرنا.
وبدءً برائد المسرح العربى "مارون نقاش" (1817 – 1855) وانتماءً بالكاتب السورى سعد الله ونوس فى مسرحيته (الملك هو الملك) 1978 نجد "السيد حافظ" ومن قبله عدد كبير من كتاب الدراما يستلهم موضوعه أيضاً من هذا المنبع الخصب (ألف ليلة وليلة) ولعل أشهر كتابنا من هؤلاء الكاتب المصرى المبدع "الفريد فرج" فى مسرحيته حلاق بغداد (1964) و(على جناح التبريزى وتابعه – 1969).
ومسرحيتنا "قميص السعادة" فى تأثرها بهذا المصدر فإنما تهتم بجماليات الصورة المسرحية وسحر أثرها والتى ظهرت فى التجسيد على مسرح.. إنها تنتقل إلى أماكن ومناظر شعبية ساحرة فى تأثيرها وهى وثريه بالخيال والابداع.
والمؤلف فى انتفاءه للفعل المسرحى فى غرابته وطرافته والأمكنة اللامألوفة إنما ليترك تأثيراً قوياً غنى بالخيال والإيحاء للطفل المشاهد يفوق لغة التعبير الكلامى.. بل وينحو نحو المسرح المعاصر اليوم فى استلهامه للمادة التراثية.. هذا بجانب تميز "قميص السعادة" عندما تلجأ إلى عناصر القصص المتداخلة الغنية بالأحداث والتى تتميز بها حكايات السير الشعبية : الأمير وابنه السلطان من ناحية والخادم دندش والوصيف مرجانة من ناحية يؤكدهما حكاية ابن الحلاق مع من يحبها ويعجز عن الارتباط بها (أنظر النص الملحق)
أصداء رحلات البحث فى " قميص السعادة " :
وكما فى معظم الكوميديات الشعبية الرومانسية فإن الرحلة تردد أصداءها فى "قميص السعادة" :
رحلة بحث الأمير عن السعادة المفقودة.
رحلة بحث الوزير عن ابنته الهاربة من ظلمه.
رحلة بحث الشعب عن مخرج لخلاصه من اضطهاد رئيس الشرطة واستغلال القاضى.
رحلة بحث أم سعيد عن ابنها التاءه.
رحلة بحث الشركة عن الطبيب شعبان لينفذ مخطط  الوزير الشرير.
المنادى كدلالة ووسيلة للبحث.
إن رحلة البحث تمثل الخيط الرئيسى الذى ينظم أحداث وعناصر "قميص السعادة" ويغدو موضوع البحث هنا سواء عن طائر أو قميص أو فتاة أو ماء الحياة رمزاً شاملاً للخير أو الرخاء أو العدالة.. يغدو رمزاً لقيمة إيجابية تتخطى الكيان المادى ويكون لذلك تأثيره العقلانى والوجدانى العميق على الطفل.
" قميص السعادة " والتربوية الهادفة :
إن "لقميص السعادة" تستوحى الكوميديا الرومانسية الشعبية فى مادتها وفى صياغتها فترتقى إلى مرتبتها الفنية وتتخطى بذلك التفسير المسطح للهدف التربوى فى مسرح الطفل. إنها تطرح تفسيراً ناضجاً يرتقى بمفهوم التربية من التلقين المباشر الذى رأيناه فى الكثير من مسرحيات الطفل المصرى، زمن الخطابة الجافة المتعالية وضرب الأمثلة الساذجة إلى إخصاب الخيال وتنمية الحس الجمالى نصاً وعرضاً.. ترتقى بمشاعر الطفل المشاهد وعقله حتى يتخذ موقفاً إيجابياً تجاه ما يشاهده من أطراف الصراع بين الخير والشر.
والقصة المحلية التى استوحاها المؤلف من ألف ليلة وليلة نجد لها أصداء مشابهة فى الأساطير العالمية وقد أعاد المؤلف تشكيل خيوطها فى نسيج جديد ممتع أثرى الإخراج المسرحى وذلك بالجمع ما بين الألفة والطرافة.
القصة تدور حول رحلة بحث أمير البلاد "حسان" وقد أصابه الشعور بالكآبة عن علاج ودواء يشفيه من علته.. ولما كان يعى جيداً أساليب طبيبه المغرضة فإنه يجد طريق السعادة والذى لا يملكه إلا أسعد سعداء البلاد.. ولأن شعبه يرزح تحت وطأة الفقر والعور واضطهاد الوزير وأعوانه.. فإن أسعد سعيد هذا سيكون نادر الوجود.. أو هو غير موجود بالمرة!!
إن الأمير المدرك للحقيقة يجد أن سعادته الحقيقية لا تكمن إلا فى حب شعبه.. وهو عندما يمتحنه.. مستنكراً فى ملابس صياد غريب – يجده مخلصاً، بل يساعده على كشف المزيفين من موظفيه وأعوانه والمحيطين به من الذين أولاهم ثقته فى الحكم والتحكم فى مقدرات الناس.. ولقد وجد أن السعادة الحقه لا يحصل عليها الإنسان فى قميص أو سروال ولكن فى العمل والإخلاص ومحاسبة المخطئين والأشرار. وتجمع الرحلة بطريق المصادفة بين عدة حكايات.. أهمها لقاءه مع فتاه فى السوق هى فى الأصل أبنة الوزير الذى يريد أن يزوجها ممن لا تحب. من ذات الأمير الحزين الكئيب.. ولكنها تكتشف فيه وهو الصياد الفقير المُجد المناض فتى أحلامها الحقيقى!..
نظم الإخراج هذه الخيوط البسيطة مع مثيلاتها فى نسق مسرحى بسيط ومشوق ويتسم بالغرابة التى أساسها الكوميديا والمواقف الرومانسية والمتناقضات.. نسق مسرحى يقوم على مبدأ تجسيد الصراع بين الخير والشر، الخاص والعام مستغلاً كل امكانات المسرح الاستعراضى من أداء حركى وغنائى وتمثيلى واستعراضى راقص وإبهار محبب فى الموتيفات التشكيلية الثابتة والمتحركة فى الديكور وفى أداء الممثل الرشيق، والغالب عليه الكاريكاتورية من ناحية وصدق العواطف الرومانسية من ناحية أخرى.
ولقد طعم الغرض بنماذج منوعة من ألعاب وأغانى الأطفال الشعبية، تلك التى صاغها فنياً الشاعر " مصطفى الشندويلى" فعمق البعد الفولكلورى من ناحية والمعاصر التربوى من ناحية أخرى: "يظهر السلطان بسوق المدينة فى ملابس صياد فقير.. دندش فى ملابس المعلم مختار.. الباعة فى السوق يغنون" :
المنادى : قرب .. قرب.. قرب جرب.. جرب .. جرب
بائع 1 : بلح الشام يا حلاه بالسكر متشرب
المنادى : ياللا يا مرزوق خشى على السوق
  قولوا هيه.. هيه.. هيه
بائع 2 : شربات برقوق.. اتفضل دوق
  قولوا هيه.. هيه.. هيه
الحاوى : توت توت .. حاوى توت
  اسمى حسين احمد شلتوت
  توت .. حاوى توت
  من ودنى باطلع كتكوت
  توت توت.. حاوى توت
  أكل العيش مر يا أستاذ.. لما نجوع نتعش قزاز
  اوأما بنعطش نشرب جاز.. لا بنتعور ولا نموت (الخ)
    توت.. توت.. توت (أنظر النص وشريط العرض)
ومن الأهمية فى هذا العرض، فإن الصياغة الشعرية تميزت بالدرامية وأصبحت جزءاً من الحوار المغنى والذى يمثل جزءاً من النسيج الدرامى الأساسى ولم تعد مجرد غنائيات تحشر فى الفواصل المسرحية. ومن عنا تكاملت عناصر الكوميديا الرومانسية الموسيقية فى هذا العمل. وقد تكاتفت جهود الشاعر مع جهود الملحن الذى قدم للطفل صوراً موسيقية بسيطة تتناسب مع احساسه الخاص البسيط بالإيقاع والنغمة وأيضاً فى رشاقة وسرعة تتناسب والإيقاع الطبيعى الخفيف لحركة الطفل وأيضاً الكوميديا الخفيف فى هذا العمل.
لغة الصورة المسرحية فى قميص السعادة :
إن اللغة الشعرية النثرية على بساطتها.. منغمة وموقعة دون دون رتابة.. قد جانبها لغة الصورة المسرحية المرئية فى الفراغ المسرحى وهى تنأى عن التجريد والتعقيد.. ولقد سعيت كمخرج أن أوصلها إلى الطفل فى سلاسة وطرافة بحيث تتفتح من ناحية على الشعر الراقى ومن ناحية أخرى على الهزل الشعبى الفكه وعلى سبيل المثال فإن افتتاحية المسرحية تبدأ بمجموعة شعبية تضم اطفالاً وكباراً وأقزاماً ولاعبى سيرك وحواة وتدعو المشاهدين إلى رحلة البحث عن السعادة وهنا ولأنها بداية لابد أن تكون مشوقة وطريفة فقد اشتركت فيها الأقنعة البشرية للنماذج الشعبية المألوفة وكذلك العرائس العملاقة يلبسها اللاعبون ونتحرك بحركتهم صعوداً وهبوطاً وانثناءاً مما أعطى ذلك الكثير من الطابع الهزلى والمشوق.
وتلعب صورة الديكور الشرقى الطابع فى سحره وألوانه الساخنة دوراً فعالاً فى الولوج إلى عالم الأسطورة والحدوتة الشعبية بمجسمات وأبنية لها طابع الواقع الخيالى فى المقدمة :
أما الخلفية فللمدينة بأبنيتها الفقيرة والغنية وقبابها الإسلامية الجميلة. والصورة إلى السوق .. إلى حجرة.. إلى السجن.. بينما وفى أوقات متفاوتة تتحرك فى الخلفية أقمار ونجوم تجوب المكان صعوداً وهبوطاً.. حركة سيارة تضفى الجو الشاعى الرومانسى الأخاذ على شعبية المكان.
الشخصيات :
فى كاريكاتورية واقعية رسم الإخراج أنماط الشخصيات تترجم حال الشخصية لتصل إلى الطفل سهلة وواضحة وساخرة فى نفس الوقت فاختيرت على سبيل المثال لا الحصر أنماط الجنود الكسالى ورئيسهم أنماط تتنافر أجسامها ما بين قزم وقارع ونحيف وسمين فتحقق من ناحية هزلية ومن ناحية أخرى معنى الكذب والاحتيال المرغوب توصيله من خلالهم.
ولقد حرص الاخراج على الاختيار الدقيق شخصية المهرج دندش بالذات لتحقيق صورته المألوفة فى الفولكلور المصرى العريق فى تناول مثل هذه الشخصيات.. حيث جاء سليط اللسان، نحيف جداً.. سريع الحركة.. سريع البديهة.. يملك لغة جسدية عالية ويجيد البهلوانية والأكروبات وهو خفيف الظل تماماً.. وهو فى دخوله على المسرح ينقلب دائماً كل ما هو سوى من موجودات وأفكار وحوار إلى فوضى محببة إلى المشاهد واعتقد كمخرج أن الممثل الذى اختير قد نجح إلى حد كبير فى تحقيق ذلك للعمل، وهو الممثل (علاء عوض) الممثل الهزلى الذى يجيد لغة الحركة والجسد ويجيد الرقص بشكل كبير.
وشخصية رئيس الشرطة حرص الإخراج على أن تكون شخصية مضادة لشخصية دندش شكلاً وموضوعاً وإن اجتمعا فى خفة الظل ولكنهما فى النهاية يكونان ثنائياً متنافراً.. هذا فى ذكاءه وخفته والأخر فى ثقله الجسمى وغباءه وعنجهيته.. هذا فى عطاءه وهذا فى شحه واستغلاله وتدليسه وقد لعبه الممثل "ماجد الكدوانى" بتكوينه الجسمى الهزلى بتوفيق.
تتوالى الشخصيات.. الأميرة الرقيقة ذات الصوت الطفولى ولكنه يجلجل متمرداً عندما تغضب من أبوها الوزير الذى يريد أن يظلم قلبها ويستغلها لمصالحه وقد لعبته ممثلة شابة هى "راندا" بتكوينها الشرقى الارستقراطى وحركتها التى تتسم بالطفولة والأنوثة فى وقت واحد.
ثم الوزير الجشع اختير له ممثلاً يتميز بحشركة فى صوته وحدية وعصبية فى حركته وقسوة فى أداءه ولكن فى نفس الوقت خفه فى ظله عندما يتخابث ويتآمر وينهى ويأمر والذى مثله باقتدار الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة.
أما القاضى الأفاق والذى رسم الإخراج صورته أن يكون قصيراً لئيماً داهية ذو حركة قافزة بين جنوده الفارعى الطويل.. يجوب الأسواق محمولاً على محفة لا قاعدة لها فقد جسده الممثل إيمان الصيرفى فحقق هذه المعادلة بإمكانياته الجسدية المناسبة والعصبية.
تتوالى الشخصيات (انظر العرض فى الشريط المسجل) تتقدمها الأنماط الشعبية.. من تجار وحواه وبائعين جائلين ومنادين وصناع حرفيين وراكبى العصى وجمهرة الأطفال ومجاميع الأقزام.. تتقدم ممثلة أنماط هذا الشعب. وفى الوقت الذى يجسد فيه جنود الشرطة العنجهية والتسلط والتخبط فى لحن كاريكاتورى يذكرنا بألحان سيد درويش الساخرة اللاذعة،
فإننا نرى من جانب آخر اجتماع الشعب حول لحن عاطفى أمومى يسجد فقطان أن سعيد لطفلها فى زحام السوق والحياة.. لحن يحمل كل معانى الفقدان التى يعانى منها الأمير.. ويجسد لحن آخر معانى التضامن عند الشدة وآخر ثورة الناس على الطغيان ومناداتهم بالتغيير.. تغيير الشرطة والقاضى والمحتسب وأعداء الحياة.
(أنظر الصور الفوتوغرافية والشريط المسجل للعرض الحى)
أ.م.د. محمد عبد المعطى محمد

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More