Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الخميس، 7 أبريل 2022

300 كل من عليها خان - بقلم د. وفاء كمالو

  

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(  300 )

 

كل من عليها خان

بقلم
د. وفاء كمالو

دراسة من كتاب

ورشـــــــــــــــة النــــــــقــــد للســــــــرد الــــــروائـــــي

نموذجًا

سباعية الكاتب السيد حافظ الجزء الرابع { كل من عليها خان}

السرد الروائي ما بين خلخلة التأريخ وتجاوز الذاكرة 

نموذجًا

رواية " كل من عليها خان "

للكاتب السيد حافظ  

الدكتورة/ نجاة صادق الجشعمى 

الطبعة الأولي 2021

كل من عليها خان
د. وفاء كمالو

 



 

تشاكسه عيناها الجميلتان..، تشاغبه الكلمات والمعانى.. تصير الحروف رمالاً، ويصير الجهل موجات.. ، الفتنة غواية، وعشوق الجمال عنوانه.. الورد ليس عطراً..، بل معنى يداعب الروح.. فالجنة أسرار، والعشق أشعار والخيانة بعض من العشق، فهل أنت زانية يا سهر..؟؟ أم عاشقة لرجل آخر؟؟

تحسست سهر صدرها.. عرفت أنه سرق قلبها إلى الأبد..

أمام ضوء القمر أهدها فتحى رضوان وردة الفل وشمس مصر وقلب عصفور، ونغمة ناى.. أخبرها أن الحب لا يعرف السلطة ولا الأخلاق ولا الحلال من الحرام.. الحب جبار، ليس له عنوان ولا مكان ولا زمان.

ظلت الأسئلة تحاصره..، كلما وجد إجابة تفجرت آلاف الأسئلة.. كل موجه خلقها موجات..، وذات ساعة سيتخذ قراره ويحدد هل الكتابة جنته أن ناره..؟ أم بين الجنة والنار؟؟

·         تأخذنا تلك الإيقاعات إلى الرواية المشاغبة "كل من عليها خان" للمؤلف السيد حافظ، القامة الفنية الشامخة..، والكيان الإبداعى المثير للجدل..، المسكون دوماً بالثورة والتمرد، والشاعرية والجموح لهو يمتلك وعياً ثرياً بمفهوم الجدل التاريخى..، انطلق من خلاله إلى عالم درامى مثير، مشحون بالاشتباكات الساخنة مع رؤى الماضى وتناقصات الحاضر والمستقبل..، فلامس آفاق الدهشة عبر فكر متوهج وأسلوب رشيق، وصياغات متفردة ولمسات ساحرة، بعثت وجوداً وحشياً شرساً ينبض بحرارة التكشف وعمق التساؤلات.

·         يبدو أن كل من عليها خان..، كل من عليها هان.. وكل من عليها بان..، هكذا تحدث السيد حافظ فى ملحمته النارية التى تفتح أبواب الجنة والجحيم، هكذا نكتشف معه هذا الوجود القريب البعيد، الشرس العنيد..، نلمس الروح والجسد والعشق والدم والجنون.

·         نقرأ فى "مذكرات رجل يضاجع الوطن والتاري"، عن الشر والخطيئة..، من أول إرهابى على الأرض..، أول قتيل، وأول دماء بشرية تسيل.. عن نارمر أول أنثى انقسم قلبها إلى نصفين. وعبر سحر التقاطعات وجماليات السيطرة على الزمن.. نعلم أن الوطن يلقى بالفقراء ملى أرصفة الجوع، أو الموت غرقاً فى البحر.. وأن الفقراء يعبدون الله ثم الحكومة وفى النهاية يموتون بلا مقبرة، فلا شئ حقيقى فى الوطن، والإبداع ليس له ثمن.

·         تأتى رواية "كل من عليها خان" كوثيقة إبداعية تمثل لحظة فاصلة فى تاريخ الرواية العريقة، فالمؤلف السيد حافظ يقود الآن ثورة عارمة يشهدها واقعنا الثقافى عبر الميلاد الأسطورى المبهر لشرارة الوهج، التى تفتح المسار إلى آفاق رحبة نمتلك فيها الوعى والصوت، والحرية والذات..، إنها ثورة الرواية الجديدة على آليات البناء الروائى الكلاسيكى..، فنحن الآن فى سياق مشروع إبداعى ضحم، تحددت ملامحه عبر نماذج رواية سابقة كتبها المؤلف، وهى "نسكافيه" ، "قهوة سادة"، "كابتشينو" و" ليإلى دبى"..، حيث تناولها العديد من نقاد مصر والعالم العربى، ورصدوا ملامح الحداثة، وتقنيات الكتابة، وأساليب تجاوز المفهوم الروائى الكلاسيكى، وكذلك إيقاعات تطور تجربة السيد حافظ عبر أجزاء ملحمته الكبرى. فى هذا السياق ترتبط الرؤية الحداثية للرواية بشكل عام، بفكرة غياب الأطر والمرجعيات، وانتفاء مبدأ الوحدة العضوية، والتناسق والهارمونية، لنصبح أمام كتابة بلا مركز، تتباعد بقوة عن المرجعيات الاجتماعية، حيث ينمو العمل الفنى ويتشكل عبر اختلاف الرؤى وتعدد الأنماط، والتمرد على سلطة المطلق والواقع والاتجاه العارم إلى إيقاعات الحس والمشاعر، واندفاعات الجسد وخصوصية الذات، وتفاصيل الحياة اليومية، وياتى ذلك فى إطار تتكسر فيه مفاهيم التتابع الزمنى للحكاية والسرد والجواز والأحداث، وتظل الجماليات الشرسة الأخاذة هى الأكثر حضوراً فى قلب عالم روائى تتفجر فيه المعانى الأحادية وتتحول إلى موجات من الفكر المشاغب الذى ينتج فيضاً من الدلالات الحيلية الثائرة.

·         فى روايته الأحداث " كل من عليها خان" كم نشعر مع السيد حافظ بعذابات القبض على جمرات الفن النارية.. فهى تكش فوتبوح وتروى، عن الوطن والعشق والوجود..، عن الرغبة والروح والجسد، وعن مجون السياسة وخلاعة الحقيقة ودعارة السقوط، تلك الحالة التى تدفع القارئ إلى موجهات الوجود وامتلاك بعض أبعاد الحقيقة..، حقيقة العدل والاستبداد.. ومعنى أن الحكام يحكمون بالخناجر وليس بالعدل..، يحكمون بالسجن والكرباج والسيف..، ويذكر أن المؤلف قد استطاع أن يحافظ على سحر موجهات الشغف التى ربطت بين القارئ وبين أبطال الرواية، الذين عرفهم على امتداد الروايات السابقة، فلا يزال وجودهم يموج بالصراع والهوى والجموح..، يشاغبون الزمن، ليرسموا مفارقات التناقض وعذابات الإنسان فى كون شرس يلتهم الروح ويستلب المعنى والدلالات..، وهكذا تمتمد الايقاعات وتتصاعد الأحداث وتنمو الشخصيات.. وتظل "سهر" هى الفكرة الماستر، التى فجرت ينابيع إبداع السيد حافظ، ومنحته مقدرة السيطرة على الزمن.. وإحياء قصوره المختلفة، عبر اندفاعه خلف مسارات روح سهر.. فقد كانت صاحبة روحها الأولى هى "نفر".. امراة العطر الأسطورى فى زمن اخناتون، ثم ذهبت الروح إلى "نور" فى زمن سيدنا موسى، وفى زمن الحاكم بأمر الله..، عصر الدولة الفاطمية كانت "شمس" هى صاحبة الروح، أما التجسيد الرابع لروح "سهر" فهو يأخذنا إلى الجميلة "وجد" فى عهد الخليفة المستنصر، زمن الدولة الفاطمية أيضاً، والتى نتعرف عليها من خلال رواية "كل من عليها خان"..

·         كان جموح السيد حافظ.. عبقرياً مدهشاً وساحراً..، تجاوز كل حدود التوعقات والتصورات الممكنة..، هدم المعايير المألوفة والقيم الفنية السائدة، وجاءت رواياته السابقة كنسيج حريرى فريد يجمع بين السياسة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسلطة والتراث، تلك الحالة التى اتخذت مساراً متصاعداً فى روايته الجديدة "كل من عليها خان" لنصبح أمام حالة ابداعية شديدة النضج والتكثيف والبلاغة، يستعصى على القولية والنمطية، فقد اتجه المؤلف إلى تقنيات كسر الإيهام ، ليثير عقل القارئ وإدراكه ويدفعه بعيداً عن التوحد والاستغراق مع شخصيات الرواية، فاستخدم الأسلوب التليفزيونى.. فاصل ونعود، وكانت الفواصل ثورة وجدل وإبداع واختيار وجمال..، حيث جمعت بين "الفلاش باك" الذى يأخذنا إلى تفاصيل تاريخ الاسكندرية ، الذى يمثل حالة شديدة الثراء من المعرفة والاشتباطات السياسية والعقائدية والتاريخية اللامعة، وكذلك تابعنا فى الفاصل "مذكرات رجل يضاجع الوطن والتاريخ" ، ولامسنا الخطايا والأيام الوجودية، وتاتى الإيقاعات المبهرة مع "احنا والقمر جيران" التى تميزت ببساطة مستوى اللغة، حيث تتناول حكايات جيران المؤلف .

·         أما المسرحيات القصيرة جداً فهى تشكل فى حد ذاتها استعارة جمالية سينوغرافية شديدة الدهشة والإيحاء من الفن والعشق والسهر والجمال..، أما صفحات جرائد الأهرام والأخبار فهى تمثل مقالا عارماً من النقد الاجتماعى والسياسى..، ويذكر أن الهوامش قد اندفعت إلى نبض الوطن باعتبارها جزء من تاريخنا الحقيقى الذى لم يلوثه التزييف.. وأخيراً تأتى ايقاعات المونتاج المتوازى بين دبى والشام ومصر لتنبعث حالة من الحركة والوهج والإيقاع منح التجربة سحراً وأثراً واندفاعاً خلاباً.

·         ظلت شهر زاد القديسة اللعوب ، والشخصية اللامعة التى رسمها المؤلف لتفتح أمامه مسارات الوجود والروح والتاريخ . ظلت تحكى لنا ولسهر حكاية الروح الرابعة.. عن البنت " وجد " والولد "نيروزنى" وثورة النساء.. ثم نظرت طويلاً إلى عينى سهر سألتها عن فتحى رضوان، الصحفى المصرى.. هل هو انس أم جان.. أم بلاء؟؟ فبكت سهر وأخبرتها أن زوجها منقذ لا يعرف الفرق بين الغرام والحب والجنس..، لا يعرف العزف ولا العناق ، ولا يميز بين روح الذكر والأنثى.. حدثتها عن الفراغ والسرير البارد، وعن اندفاعها القدرى إلى فتحى رضوان.. السؤال والزلزال والثمار.. الحوار والنار والزمان والمكان.. العشق والتوحد.. الرجل الذى يفتح للشهوة ألف فكرة وحلم..، لمن يهديها فصارا قمرين.. رشف منهما نوراً، فأصبح عاشقاً قديساً، يمتلك السر والسحر والحياة. وهكذا أخبرتها شهرزاد أن الشعراء هم الذين اخترعوا الحب..، والشعراء يتبعهم الغاوون.

·         إذا كان الفن هو لحظة استثنائية ، ووجود افتراضى منظم ، فأن جماليات الكتابة فى - كل من عليها خان- قد جمعت برشاقة مدهشة بين امرأتين تفصل بينهما آلاف السنوات، وتربطهما روح واحدة، وعطر أخاذ وجمال لافت وعشق مسير.. الأولى هى سهر ابنة زمننا الحإلى، وحبيبة فتحى رضوان، والثانية هى "وجد" حبيبة الفتى النيروزى.. الفراسى الشيعى، وصاحبة الروح الرابعة لسهر..، وعندما نتأمل هذا المونتاج المتوازى الساحر، ندرك أن السيد حافظ هو روائى عظيم، سيثير مزيداً من الجدل والتساؤلات حول روايته الجديدة، وندرك أيضاً أن الحب هو المبدء والمنتهى ، وهو الأب الشرعى للفلسفة والحرب والسياسة، والثورة والفكر والاقتصاد..، والإنسان والتراث والعدل.

·         تتخذ مشاغبات الرواية مسارها عبر تقاطع السردوالحكى مع الحوار المسرحى، والأصوات والأحداث..، المفهوم التقليدى للزمن يغيب مع الفلاش باك والمذكرات، والأغانى وحكايات الجيران، ويظل صوت المؤلف حاضراً بقوة عبر النسيج الروائى الذى تحول إلى تعليقات سياسية ونقدية وجمالية ساخنة.. وخكذا تكشف الكتابة عن حس جمإلى رفيع المستوى يرسم ويكتب ويقرا فى ذاكرة الوطن والجسد والشخصيات التى رسمها السيد حافظ بحرفية عاليه، منحتها مقدرة البقاء والتجدد والامتداد وغابت عنها الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال.

·         يأتى اختيار المؤلف لزمن الخليفة المستنصر كإطار تاريخى تدور فيه أحداث حكاية "وجد" روح سهر الرابعة، لتكشف عن وعى ثائر، وإدراك كاشف لجدل السلطة والسياسة والاقتصاد..، ومعنى الوطن، وعذابات البشر، وعبثية البحث عن العدل والحرية والجمال، فقد امتلك السيد حافظ أقصى أشكال الحرية لتأتى حكايات شهرزاد عن مصر ووجد والفتى نيروزى..، من خلال مسرحية شديدة الرونق والبهاء، تموج بالأحداث والشخصيات والمؤامرات، التى فتحت المسارات أمام دراما التاريخ، واشتباكات الماضى مع وقائع حاضرنا الوحشى العنيد – وهكذا نصبح أمام نص روائى ساخر يتضمن نصاً مسرحياً مبهراً، امتزجا معاير شاقة، لتندفع تيارات الثورة والجموح، والتساؤلات الباحثة عن الكيان والوجود.

·         كنت "وجد" اعجوبة زمنها، عطر جسدها يلهب أجساد الرجال، ويشعل غيرة النساء..، أمها تركية اسمها جميلة..، جارية فى بيت التاجر اليهودى الثرى ياقوتى، الذى منحها حريتها وزوجها من حلاق اسمه عمار، يسكن جاره الزعفران فى القاهرة بحى الحسين..، فى ذلك الزمن كانت مصر تعانى من غياب العدالة..، يحكمها الخليفة المستنصر بعد وفاة أبيه الظاهر بن الحاكم بأمر الله..، كان عمره سبعة أعوام.، وحكم مصر ستين عاماً.. لكن القاهرة الآن لم تعد كما كانت أيام الحاكم بأمر الله.. فالشوارع مظلمة مليئة بالقمامة..، بيوت الدعارة مفتوحة، الخمور فى كل مكان.. القوادات فى الشوارع تعرضن النساء على الرجال..، تجارة العبيد والجوار مباحة..، والبغاء نفسه أصبح قانون الحياة، لا أحد يحاسب أحد..، فنحن فى عصر المستنصر بالله..، الذى لم يستطع الاحتفاظ بحدود الدولة الفاطمية.. خسر بلاد المغرب الأقصى والأوسط، وخسر سلطانه على بلاد الشام.

·         هذه هى مصر فى زمن الخليفة المستنصر.. زمن القهر والفقر والعذاب والغياب للشعب، وهو أيضاً زمن الفساد والاستبداد والتسلط والثراء الفاحش للطبقة الحاكمة.. إنه زمن البلاء والابتلاء والمجاعة..، حين شح النيل وجفت الينابيع وتفجرت وقائع الشدة المستنصرية.. فى هذا السياق تتناول المسرحية أسرار ما حدث فى السنوات السبع للمجاعة، والتى كتبها المؤلف وفقاً لمنظور تاريخى نقدى يشتبك بقوة مع آليات التسلط التى لا تزال تحكم الشرق العربى.

·         تأخذنا البدايات إلى ليلة وفاة الظاهر، حيث نتعرف برشاقة مدهشة على طبيعة القصر والشخصيات..، زوجة الظاهر هى السيدة "سكينة" ، كانت جارية عنده وتزوجها فأنجبت المستنصر..، الولد المنتظر للصعود إلى العرش، أصبحت هى أم خليفة الدولة الفاطمية..، وفى تلك الليلة كان المستنصر صبياً صغيراً يجرى ويلهو، ولا يدرك شيئاً..، الصراع لايزال يحتدم بقوة بين "ست مصر" عمة الفتى..، السيدة الجادة التى تمتلك عقلاً ذهبياً وتعرف أسرار الحكم، وبين "سكينة" الباحثة عن لقب سيدة مصر الأولى..، مستويات اللغة تكشف جماليات الكتاب، وتقاطعات الزمن تندفع بنا إلى بداية الشدة المستنصرية، حيث العام الأول من المجاعة.. المؤامرات تشعل نيران العذاب، والتاجر اليهودى الثرى مستشار الخليفة يجتمع بالكبار ليعلنوا ان مصر تمر بظروف صعبة.. فالنيل غاب وجاءت السنوات السبع العجاف والتى ترتبط دلالياً بسنين النبى يوسف بن يعقوب، لذلك قرروا أن يفعلوا مثله، ويحصلوا على دراهم مصر ودنانيرها مقابل القمح، وكانت هذه القرارات هى البردية الأولى التى تثير جدلاً ثائراً بين السلطة والشعب.

·         كان الخليفة لا يكترث لشئ.. يسهر الليإلى ويعشق الجوارى ويدخن الحشيش.. الدولة عشوائية، والسلطة ذهبت بعيداً عنه..، لا احد يحاكم أحداً.. فالبغاء هو قانون الحياة ، والناس سلموا بالمكتوب..، وفى هذا الإطار كانت وجد تثير أعمال الرجال..، تقدم لها إمام مسجد الحسين، وطلبها شهبندر التجار، فرفضت.، كانت تنتظر فارسها الذى سيمنحها المعنى والحياة..، وحين التقت "وجد" المصرية المسلمة السنية..، بفتاها نيروز الفارسى الشيعى..، كان اللقاء هو شرارة حب مثير جمعتهما ليواجها العالم بتلك الرؤية الإنسانية اللامعة الرحبة، التى تشتبك ببساطة مع أخطر قضايا وجودنا الحإلى..، حيث العنف والإرهاب والوحشية والطائفية والتزييف المخيف للأديان والعقائد.

·         رغم الفواصل والتقاطعات ، وايقاعات لغة المونتاج فى الرواية، تتصاعد أحداث المسرحية لترسم بانوراما غزيرة التفاصيل لبشاعة الحقيقة، وفساد الواقع المشوه..، فكل جار القمح بنوا قصور وامتلكوا الثروات الفاحشة بينما الناس يعيشون الضيق والأزمة ويأكلون لحم بعضهم، وعبر وقائع البرديات تضح ملامح السنوات السبعة.. ففى السنة الثانية قرر التجار الحصول على الجواهر والذهي مقابل القمح وفى الثالثة أخذوا المواشى والدواء مقابل القمح، وفى السنة الرابعة حصلوا على الأراضى والعقارات مقابل القمح، وفى العام السادس قرر ياقوتى والشهبندر اني حصلوا على الأولاد، مقابل القمح حتى يتسروقونهم.. أما العام السابع فقد باعوا القمح مقابل رقاب الناس: وظل كبير الوزراء بدرا لجمال وحاشيته من الكبار يؤكدون أن "مصر مستهدفة من الجميع، لاحتلالها نظراً لموقعها.

·         كانت شخصية بدر الجمإلى حاضرة بقوة فى قلب المشهد المسرحى، يحرك السياسة ويوجه الاقتصاد، ويصعد بقوة نحو أقصى درجات الاستبداد بينما فقد الخليفة المستنصر كل سلطاته وثرواته ، وشهدت مصر أسوأ أزماتها.. فالجوع كافر.. الجوع يبيح كل شئ، أباح لحم الموتى ليأكله الأحياء وكانت تلك هى البداية.. فالمصريون كانوا أول شعوب الأرض الذين قرروا أكل لحم المسئولين فى الحكومة عند المجاعة.. وظلت القاهرة على غير ما يرام.

·         ويذكر أن شخصية الأمير حسن ملك الحشاشين، تأتى كمفارقة درامية شاخنة.. فقد أراد أن يصنع الجنة على الأرض ويحقق العدل، وكان الحشيش هو الوسيلة ليجذب الناس إليه ويمنحهم المقدرة على الكلام والرفض، وحين التقى بالخليفة المستنصر اخبره ان الحكام يحكمون بالخناجر.. وليس بالعدل.. وأن الأمانة من بعده ستكون لابنه نزار..، فانسحب الشيخ وقرر الرحيل إلى بلاده فارس.

·         تقترب سنوات المجاعة والفقر من نهايتها وتشتعل مصر بالفوضى والصراع.. لكن رجالها ظلوا نائمين.. والخليفة لا يجد حتى الطعام، والتجار يسرقون مصر فاندفعت "فجر" زوجة شهبند التجار لتقود ثورة النساء وتهتف بسقوط المستنصر، انضمت "ست مصر" عمة الخليفة إلى النساء.. ارتفعت الهتافات والزعاريد ضد التجار وقواد الجيش.. وانتصرت نساء مصر وقاموا بأول ثورة فى التاريخ على النظام.. كل النساء فى ساحة القصر.. يرددن بسقوط المستنصر.. الشعب يريد إسقاط الخليفة.. هكذا تنتهى سنوات الأزمة.. لكن المؤرخين قاموا بتزوير التاريخ.. إلا قلة منهم قاموا بكتابة حادث هنا وحادث هناك فى أبشع زمن من الأزمان.

·         لا يزال همس الخطيئة فى صوت سهر.. تدفعها اللهفة المجنونة إلى لحظة بلا حدود، مسكونة بالخطايا ، وكان فتحى رضوان معذب بلقائه زوجة رجل ثان لكنه لا يستطيع الفراق.. والآن تناديه الحروف ولا يبوح، بعد أن فقد يقينه بالزهور والعطور واللحم المسحور.

·         أخيراً.. فاض النيل، وانتهت حكاية "وجد" روح سهر الرابعة..، واكتشفنا أن كل من عليها خان.. وأدركنا أن المؤلف السيد حافظ هو طاقات من الوهج والروح والإبداع..، والدهشة والمغامرة.

د. وفاء كمالو

ديسمبر 2015

 










 







299 خلخلة التاريخ وتجاوز الذاكرة في; كل من عليها خان ; للسيد حافظ أ.د. هاجر مباركي

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 299 )

 

خلخلة التاريخ وتجاوز الذاكرة


في" كل من عليها خان " للسيد حافظ


أ.د. هاجر مباركي

دراسة من كتاب

ورشـــــــــــــــة النــــــــقــــد للســــــــرد الــــــروائـــــي

نموذجًا

سباعية الكاتب السيد حافظ الجزء الرابع { كل من عليها خان}

السرد الروائي ما بين خلخلة التأريخ

 وتجاوز الذاكرة 

نموذجًا

رواية " كل من عليها خان "

للكاتب السيد حافظ  

الدكتورة/ نجاة صادق الجشعمى 

الطبعة الأولي 2021

كلمة عن


 الدكتورة / هاجر مباركى

 

كلما اخترت دراسة طاردتني دراسة نقدية أخرى أروع وأجمل وأسماء في عالم النقد نجوم لامعة منهم أ.د هاجر مباركي التي راهنت على السباعية الحافظية فالتجريب والابداع والتجديد ثالوث للبصمة الحافظية في الوطن العربي بصورة عامة وهو مطوق بالمصالح والطبقية والعنصرية ولا يملك وقتا يضيعه مع التابعين والزائفين والمستثقفين والذين يسكنون الغرف المعزولة لايخرجون منها الا وقت الحاجة هؤلاء هم بؤساء وبرابرة الرواية وهؤلاء هم من أطاحوا ودنسوا النص الروائي مابين المستثمر الذكي والمستقرء الغبي اما الرواية على طريقة الكاتب السيد حافظ فهي تعد مؤسسة وموسوعة ثقافية تكتب انطلاقا من الأسفل وترتفع نحو صوت العداله وتصحيح المفاهيم المغلوطة تاريخيا واجتماعيا وثقافيا... لذلك وجب على الكاتب السيد حافظ امانه أدبية في رقبته(بصمته الابداعية الحافظية في التجريب، التحدي ، والتمردعلى التقليد... فهو المغامر الشجاع والمشاكس البارق بالسرد والبناء...

ويقول الكاتب السيد حافظ عن الدكتوره هاجر مباركى.. هى ناقدة ذات بصيرة والكلمة لديها لها وهج خاص محاربة من أجل الكلمة النور والحقيقة ليست عابرة سبيل فى عالم النقد تسعى إلى أن تعيد صياغة العالم من جديد ليس لديها أى حد فاصل بين النقد والإبداع فالنقد لديها إبداع موازٍ واجتهاد حتى الفناء وتجرى فى دمها رغبة بناء النص الأدبى بجناحيه الكاتب والناقد.. هل للنهر القدرة على أن يترك الشاطىء ويمضى نحو الصحراء.. الرغبات المجنونة والحميمية لاكتشاف النص الأدبى وإعادة قيادته للمتلقى.. والمتلقى بالنسبة لها هو الآخر المثقف الذى لايهدأ.. حتى يرى العالم يتغير.. هى من نخبة الناقدات المستترات بعيدا عن عيون الصحافة.. مثل البصرة التى تستر كاتباتها وكتابها تحت جناح التاريخ الذى يغطى المدينة فالبصرة مدينتى التى تصر أن تخلع رداء الحزن وترمح فى صحراء المعرفة والإبداع هاجر تشبه مدينتى بالرغم من أنها جزائرية وانا بصراوية عراقية.. إن هاجر مباركى تحمل جادية الناقدة الحقيقية وتعشق البحث المضنى هكذا كانت المبدعة العربية تشق طريقها وسط الأشواك.. ليست كل مبدعة مرحب بها ومشكوك فيها وفى نواياها ولذلك قد تجد هاجر مباركى فى صحيفة عربية بعيدا عن الجزائر.. ترى هل الجزائر تضيق صدرا بمبدعيها نًقدا وإبداعا ومسرحا وسينما؟؟.. الكتابة عند مبدعي الجزائر مهمة رسمية ورحلة للجنون.. وعند هاجر مباركي قلق شرعى وغير شرعى وغزو للمجهول.. إن هاجر مباركى موهبة نقدية كبرى لاتقل أهمية عن نظيراتها فى الجزائر العملاقة إبداعا وفكرا واستنارة..


 

*********************** 

خلخلة التاريخ وتجاوز الذاكرة


في" كل من عليها خان " للسيد حافظ


أ.د. هاجر مباركي

جامعة عبد الحميد بن باديس

مستغانم – الجزائر

 



 

"جاءني في المنام جمال حمدان وقال لي: قم و اقرأ.. حاولت أن أكمل نومي لكنه قال مرة أخرى: قم و اقرأ.. القراءة عذاب يا عم جمال.. القراءة سر والسر

معرفة والمعرفة أن تفهم.. أفهم ماذا ؟ تفهم مصر وسر هذا الشعب..

 استيقظ فتحي رضوان..و أيقظ معه القارئ ،في مساحة إبداعية تعج بالحياة ، والصيرورة ، لتكسر الرتابة الأدبية ، وتحقق الإمتاع الفني ،،،كل من عليها خان ، وقد يكون هان ، أو بان ، أو جبان بالنسبة للسيد حافظ.. الذى هو مبدع صنع ولا يزال فنا متفردا وفكرا مغايرا ، يسجل به حقبة جديدة في الفن المسرحي والروائي .

 يطل المؤلف على الزمن الحالي بمتغيراته الثقافية ، والايديولوجية ، محملا بتساؤلات وتمزقات عن القيم الموروثة ، ، عن الحب ، ، عن الحياة والموت، من خلال جدارية إبداعية ومزيج متناسق، بين الرواية والمسرحية ، هي كذلك " كل من عليها خان"..صورة وصوت يستنطقان عميق الذوات المغيبة بتمثيل ناطق وتصوير صادق.. هو رجل يقول الحق في زمن الكذب والبهتان.. هذا ما هو عليه الشيخ مجاهد الذي دعاه الياقوتي للفرار والانصهار..وتغيير الوطن ، وحتى الإسم.. فالحق هو الخطيئة الكبرى.. الحق هو الرجل الطيب ليس له مكان.. هذا ما هو عليه السيد حافظ..يلاحق المسكوت عنه ، يكشف المخبوء ، ويمنحنا رؤية جديدة متجددة ، ومركبة للواقع الإنساني ، شخصية منفلتة من الزمان والمكان ، لتعيش خارجهما على طريقتها ، وفق منطق تصالحي ، في عالم خاص ، وفلسفة إبداعية تعري كل ما تتجاذب الإنسان من صراعات مادية ، ونفسية وحضارية ، هو رجل يقول الحق.. والحق أيها الرجل المبدع ليس له مكان..إنك تحاول جاهدا أن

تنقد متفرجا أصابته الأدواء فنيا وفكريا.. لكن البلد معصوب العينين ويحب الجهلاء..ويكره العلماء والشهداء.. "كل من عليها خان".

"كل من عليها خان " عمل روائي يجمع بين سحر الماضي والحاضر ، بطريقة يلتقي فيها واقع الحياة مع عفوية الخيال..فالواقع والخيال يدعم أحدهما الآخر عبر

زمنين مختلفين . يتنقل الكاتب عبر الحقب الزمنية بطريقة لا نكاد نشعر فيها بالمفارقة ، تداخل وامتداد زمني ، وإبداعي، لأعمال روائية سابقة، أسست بناء شامخا يتهاوى على مذابحه الشائع المألوف، ولك أن تتذوق فنيا طعم "قهوة سادة" وكابوتشينو..وأن تحلق عبر" ليالي دبي"، لتدرك أن للإبداع عطر مميز..

 يمتد الزمن في مساحات كل من عليها خان عبر شخصية سهر التي خلّف عطرها توهج الإبداع الحافظي، في روحها الرابعة ، وزمنها الآخر وجد ، فترة المستنصر بالله ، سهر التي تلهب بعطرها..وسحرها خيال الرجال..مساؤها أحزان ودموع..مساء بلا عناق..شجن وفراغ وهموم وقمر من السماء..خانها الحظ في الإختيار ، فاختارت الفرار إلى العشق بين أحضان فتحي رضوان ، مثقف هاجسه الحياة والمعرفة..مسكون بأسئلة شائكة عن الإنسان والحياة ، عن الوطن والتاريخ.. فتحي الذي قال عن نفسه في الجريدة: " وتسألني من أنت.. قلت أنا السؤال والزلزال، والثمار والحوار والنبراس والزمان والمكان.."

 ينفتح القارئ على عوالم الرواية ، عن طريق شخصياتها التي تمنحها قيمة فكرية ، و جمالية، من خلال عملية الإنصات لما تحمله من فكر و إحساس.. من سهر سحر القمر.. إلى الفاتنة شهرزاد..إلى وجد أعجوبة الزمان..دوائر كلها للبوح ، يجعل منها الكاتب مرجعية فنية وفكرية ، يستند عليها القارئ من أجل التصنيف والحكم ، تقوم الإستراتيجية السردية للسيد حافظ ، على وضع الذوات المتحركة داخل الفضاء الروائي، أمام نفسها في مساحات زمنية محددة ، مضبوطة وفي فضاء خاص، يجبرها على الاختيار أمام لحظات الحسم والتحول ، إما القبول أو الرفض.. وأنا الحيران وفي عيني خيمتان للعشق.. واحدة لك.. وأخرى لسورة الرحمن.. ضميني كطفل.. وأطبقي على جسدي.. لعلي أغتسل برحمة من السماء.. تنقذني من غربة النساء والبلاء.. في الصباح حدثتني كطفلة.. في الظهيرة حدثتني كقديسة.. في المساء حدثتني كامرأة..هيفي الليل بلا رفيق.. في سرير الوحدة.. تبحث عن رجل ليؤنسها.. في الفجر أيقظتني لصلاة الفجر.. وخلعت ثوب العهر.. في الشروق لبست مريلة المدرسة.. وأصبحت طفلة.. ماذا أفعل لها نعم أعترف أني أحبها؟..

 يجسد الروائي بصورة قوية ومحورية ظاهرة الإغتراب بشكل متميز يكشف عن علاقة مرتجة بين عالم الواقع ، وعالم الحلم ، لدى شخصيات تفوح دواخلها بالشعور الخانق بالإحباط ، والضياع ، فضاءات التيه والابتلاء.. تشاكسني الحروف وأنا المصلوب والمقهور والمغلوب والمظلوم وقلبي نور، .تشاكسني عيناك فأحن إلى طفولتي ورمال البحر المتسخة في وأنا أبني عليها قصورا.. تصير حروفنا رمالًا ويصير الجهل موجًا فتضيع كل الحكايات في عتمة روح أوطاني فتشاكسني الجهالة والجمال..

كل نساء الشام فاتنات.. والفتنة غواية.. وعشق الجمال غواية.. والزنى بعض من العشق..وهل للزانية النار؟ والجنة اختيار وأسرار.. وللعشق أشعار.. وما زالت الشوارع ثكلى من الفرح.. تتعرى بحب الدنيا.. الدنيا راقصة جميلة رخيصة .

يطالعنا في "مذكرات رجل يضاجع الوطن والتاريخ " الصراع الذي ظل حاكما لمقاصد الحياة البشرية، على مدار المسيرة التاريخية ، منذ صراع الخير والشر الماثلين في مقتل هابيل على يد أخيه قابيل ، لتتواصل أشكال الصراع بين الحرية والاستعباد، بين العاطفة والعقل، الحياة والموت.. يحيلنا هذا المنطلق المؤسس لكنه العلاقات الإنسانية من خلال الرواية، إلى السؤال عن السبب الذي دفع قابيل إلى جريمة شنعاء، وحوله إلى آخر لأخيه هابيل.. هل هو الإحساس المتولد لدى قابيل بالإقصاء.. يعانق الكاتب بحرقة شديدة هواجس وطن جريح ، في عالمه الفني المكثف والمتشعب، ليرفع صوته بقوة عبر النسيج الروائي:"إكرام الميت دفنه ، وإكرام الحي أكله.. البلاد التي تأكل أولادها بالفقر والذل ، تصنع رجالا من ورق ، ونساء من سراب "..

 تحلق الإجابات في فضاء النص الحافظي وفي ذهن المتلقي ، لتتجاوز الكتابة الإبداعية عند الروائي المتمرد، أفق التوقع لدى المتلقي ، لتدهشه بصياغات تخرج بالحكاية إلى السياق الإنساني ، يسعى من خلالها المؤلف إلى تكوين جديد لبنية وعي عربي ، يتخطى صراعاته ، و يتهيأ للاختراق ، موصولا بتراث يحمل قيما رفيعة.

 " في كل من عليها خان "، يتسع فضاء السرد لحركة الشخصيات ، ولأهم الحوارات التي تخللت الأحداث.. حوار سهر مع شهرزاد الزمان.. المرأة النائمة في طيات المتخيل الإبداعي ، وأنثى تحرك خيوط السرد ، وتأسر القارئ عبر دوائر سردية لولبية ، وتفاصيل حكائية، عمد فيها السيد حافظ، على تقنية التقاط التفاصيل الصغيرة المرهفة جدا..والتي تدفع بالقارئ إلى قراءات متعددة ، تولد لديه معان جديدة، غير التي أدركها للوهلة الأولى .

 من أبرز التقنيات السردية في الرواية الوصف، والحوار، والمذكرات وهي لون من ألوان التكنيك الفني الذي أتاح من خلاله المؤلف لشخصيته البطلة فتحي رضوان ، فرصة ليمتح من ذاكرته كثيرا من المواقف والأحداث والأزمات ، التي مرت به ، معبر ذهني مكنه من سبر أغوار الواقع، والتاريخ، من خلال عالمه الشعوري واللاشعوري الخاص.. كان الوطن يسكر مع الخونة والعملاء دون حياء.وكنا على بابه نصرخ ليلا ونهارا..إفتح لنا باب الروح..فلا يسمع.. ويظل سكرانا.إخترت يافتحي أن تكون كاتبًا وصحفيًا مع أن نصيب المواطن العربي في القراءة خلال السنة 6 دقائق فقط ونصيب المواطن الأمريكيمن القراءة في السنة 200 ساعة.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. إسرائيل تنتج خمسة الآف، ضعف إنتاجنا الأدبي والفكري في عام..

 لم يكن فتحي ولا سهر، يجهلان سحر البريق المنبعث من ليالي دبي، دبي المدينة المتألقة والمتقدة بالمشاعر، تنفذ بك إلى عالم مثالي لا يشبه إطلاقا الواقع.. الكذب خيبة.. أنا أدمنت صوت سهر بالفعل.. الحب انشغال وشاغل.. الحب نعمة ونقمة.. ليالي دبي تسحرك تخطفك.. إما أن تشعر بقوة التقدم وتلعن التخلف الذي في مصر وسوريا.. وإما أن تسلم بالأمر وتمضي نحو الاستمتاع بلا مقارنة أو ذاكرة.. وتأمل.. ومن الأفضل أن تظل بلا عقل وتكذب على نفسك وتخدعها بأن مصر أفضل بلاد العالم..ليس غريبا أن يتخذ وصف دبي هذا الاحتفاء، فهو المكان الوحيد في الرواية القادر على الائتلاف مع ذوات تعاني عذاباتها في واقع يعج بالزيف، والبلادة والعتمة المستقرة في قلب الأشياء ..

 في تعبير متوهج عن حالة روحية كامنة في الوعي ، ينفذ السيد حافظ في جداريته الإبداعية "كل من عليها خان" إلى روح وجد..سحر وعطر..روح سهر الرابعة في زمن الخليفة المستنصر الذي فقد الدولة والهيبة ، و أضاع حلم جده الحاكم بالله ، تصوير وتوصيف للحياة في مصر والشام ، في إطار تاريخي يدفع من خلاله الكاتب القارئ إلى إنعاش ذاكرته ، وترتيبها "فالماضي لا يعود إلا في الذاكرة ، وقد نغيره ونفتري عليه ونشوهه ، ولكنه يظل عالقا في الذاكرة".

 تعيش شخصيات الرواية عبر حفر التاريخ المظلمة ، في زمن الشدة المستنصرية، سبعة أعوام من القهر والجوع استنسخها الكاتب ببراعة شديدة من البردية اليوسفية ، في سياق مسرحي متناسق تستسلم فيه الذاكرة البكر والثيب، للحقيقة لتتكشف أمامها أسرار السنوات العجاف.. سنوات الكفر جوعا، فضاء من الرعب ، في ظل الفساد والاستبداد، تجسد الرواية بصورة قوية ومحورية ظاهرة التفسخ الإنساني، لمجتمع نهش بقايا البشر جسده، ليقارب لحظاته الأخيرة في صور صادمة، يتحول فيها الإنسان عن آدميته، و يتشكل حيوانا مفترسا يتحين الانقضاء . .في وسط الضياع المطلق ، تتقد الذاكرة ، وتنفتح البنية الروائية على الأزمنة، عام يسوق آخر السبع العجاف.. لا تنقضي ليجر التاريخ عبرها أذيال خيباته.."أكل المصريون لحم بعضهم بعضا وتلك البداية ، فوجدوا اللحم لذيذا في بادئ الأمر .أكل الناس لحم بعضهم دون تعليق.. المصريون أول شعوب الأرض الذين قرروا أكل لحم المسؤولين في الحكومة عن المجاعة.. "

 مساحة تحشد كل مواقف الفجيعة والألم..جعل منها السيد حافظ مساحة للاسترجاع، والتداعي الذي أسهم في حركة دائبة إلى الأمام والخلف إلى السطح والعمق ليتمكن من ملاحقة الأحداث والإمساك بالخيوط التي تربط بينها .

تتخلل تقاطيع الرواية أغاني، وحكايا الجيران ، ليتهيأ القارئ لسماع ما يرويه الحكواتي –السارد- بشوق، ولهفة ، تلج به دون سابق ولا لاحق، قصة جديدة تنسيه ما سبق سماعه . نحن والجيران" جيران فتحي رضوان"، شخصيات متباينة ، مواقفها رغباتها هذيانها، همومها أحلامها يصنع الكاتب من خلالها تجربة حياتية، تثير جدلا عميقا حول مدى مسؤولية المجتمع، ومسؤولية الأفراد، إزاء الأزمات الإنسانية ، التي تنخر كيان المجتمع العربي .

تتحرك شخوص الرواية في الفترة المستنصرية، عبر أكبر المدن.. القاهرة، المستسلمة لسيول الهزائم المتتالية ، لتعيش تحويرا في كينونتها، وتتحول من قاهرة إلى مقهورة ، تعيث فيها تكتلات فئوية فسادا لا نظير له ، تجار فجار يمارسون الاضطهاد الصارخ والسلطة التعسفية ، التي لا تتوانى عن كبت الحريات وقمع العلماء ، وعلى هذا النحو يعمد الروائي عبر لقطات مشهدية ، وصف حال مصر الاجتماعية، والاقتصادية ، عبر فئة تمنح نفسها حق تطهير المجتمع .

عالم السيد حافظ ، لا ينقطع عن الإضافة باستمرار، للبنية الذهنية والروحية على حد سواء ليتفاعل المتلقي مع بنية النص ويندمج فيها ، يحتفظ النص الروائي "كل من عليها خان " بشيفرة لا يقذف بها النص خارج تخومه بل يحتفظ بها داخل أغواره ، لتحدث داخله قلقا مستمرا ونقرا متواصلا لفكر آن الأوان أن يتحرر..

يتألق النص المسرحي في حضن الرواية، ليعكس نصا حافظيا بامتياز، تتزاوج فيه المسرحية مع الرواية في ضوء علاقة شرعية، تشكل البنية العميقة للنص.سياق مسرحي، ودهشة فنية تحمل تعابير صادمة ، ومفاجئة ، يحدث هزات ارتدادية على سلم الفهم العميق لحقائق التاريخ.

يمثل الشيخ إسحاق الأفاق، في السياق السردي والدلالي للنص ، ذات فردية تفرض ممارساتها الدينية ، لترسخ بها الفقر ، الظلم و الاستبداد ، مستكينا إلى التخلف والشرور ، تجسد ممارسة اغترابية بامتياز تتعمق معها الأوهام ، وتتضائل فرص التغيير ، فهو الإنتقال من شعور ديني خلاق إلى شعور هدام. يزاوج الكاتب في الحدث المسرحي بين شخصية إسحاق وبدر الجمالي الذي يشكل السلطة بكل أطيافها ، سلطة تعسفية تتبنى العلماء والمثقفين وتوفر لهم حماية مشروطة ، وتوقع بهم في مستنقعات السياسة ومؤامراتها.. هكذا حال شعب مصر يفضل العبودية ويخاف من المغامرة والحرية ومن المجهول..كل من عليها عبيد..

تتجاذب الأحداث في نسق تصاعدي ، يكشف من خلاله الروائي قتامة الواقع ، داعيا إلى ضرورة التنبه للفروقات وفهم معانيها وحساسياتها ، حتى نتمكن من الحد من تراجع مستوى النقاش الفكري، الحب ليس له ميعاد ولا هوية ولا بطاقة شخصية ولا لون ولا حاجز يمنعه ولاسجان.. .نيروزى يا نور عيونى.. من أى بلاد الدنيا أتيت إلى مصر؟مصر ياساحرة القلوب دون سبب.. شيء ما خفي يسحر الناس بك ليس الماء وليس الهواء ربما تراب الأرض ها هنا تراب من أجساد كل البشرية التى مرت على أرض مصر، وأجساد الأنبياء الذين دفنوا بها أو مروا عليها باستثناء واحد او أثنين.. هي أرض باركها الله وحاول أن يهدي أهلها.وجد ابنة جميلة وعمار الحلاق أجمل بنات عصرها.. تتذرع بأي حجة لتذهب إلى السوق لتقابل نيروزي الفارسي الوسيم وهو يبيع العطور والبخور.. هكذا كان التزاوج بين النيزوزي ووجد أعجوبة الزمان لكنه التواري ، في تقاطيع التدرج المسرحي. النيروزي ووجد لا يجدان مساحة بعد زواجهما غير المعلن ، إلا السرداب تحت الأرض في مجتمع يكفر بالآخر المختلف . هو استنباط لواقع العلاقات واستشراف لمستقبلها المخيف..

"كل من عليها خان" تراكم واضح للملامح النفسية والسلوكية ، وموطن لنص إبداعي متميز يساءل التاريخ و ووعي الأشخاص.. يطلق السيد حافظ من خلاله صرخة مدوية في وجه كل من يسعى إلى تلميع التاريخ بعناصر انتقائية، لما يريد البعض إتباثه في أذهاننا عن الوطن .

كل من عليها خان عمل روائي مسرحي ، يحمل كل ركائز التكوين الاجتماعي..الأخلاق ، الدين العلم، الحضارة ، التاريخ ، التراث. ليقدم السيد حافظ للمتلقي المتذوق، والمستعد للمغامرة الفكرية والقلاقل الإبداعية ، إنتاجا فكريا ناضجا ، يضخ من خلاله، فلسفة خاصة وكتابة جادة جريئة في محاولات استفزازية للفكر الراكد ، جهد عميق مرهق، يستحق القراءة يبتعد به المبدع المتألق في فكره عن الشكلي ليقف عن المضموني ، لا ينسى فيه السيد حافظ القضايا التي تؤسس لبناء مشروع قومي، وإنتاج فكر متجدد. فهل سيسلم هذا المنتج الإبداعي المتميز من التحريف.. أيها االفرح لا تخف منا، لا تعاقبنا عرفنا الآن قيمتك وسامحنا لأننا أغبياء.

 


 

السيرة الذاتية
أ.د. هاجر مباركي



المؤهلات العلمية :

- حاصلة على الباكالوريا عام 1991 جامعة مستغانم – أدب عربى

- حصلت على الليسانس عام 1995 جامعة وهران – لغة عربية وآدابها

- حصلت على الماجستير عام 2010 جامعة مستغانم – دراسات مقارنة

النشاطات العلمية :

- بحوث وأنشطة علمية : الإشراف على رسائل علمية : ليسانس ، ماستر

- ملتقيات وطنية ودولية في التخصص : طبيعة الإشراف : مشرف أساسي

 










 







Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More