Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الجمعة، 28 أكتوبر 2016

مسرح الطفل الحقل الخصب لتفتح البراعم الجديدة


مسرح الطفل الحقل الخصب لتفتح البراعم الجديدة
جريدة الرّايَة
ملحق العدد 1209
الأربعاء 16 نوفمبر 1983م

كتب فيصل السعد – الكويت
البدر والمنصور .. أكدا إمكانية تبنى مسرح الطفل العربى
ذهن الطفل عموماً حقل خصب جاهز لاستقبال كل البذور.. ولكن تظل البذور غير قابلة للنمو لأنها تشترط السقى المستمر والمدارات.. إذ أن نمو هذا البذر أو ذاك يشكل انطلاقة محسوسة عند الطفل وهذه الانطلاقة تصبح باعلانها هوية تصاحب طفلها حتى الكبر وبواسطتها تعرف الممثل ، الشاعر، الناقد، القاص،  المهندس، العالم.. الخ.
وحب التسنط الذى يمارسه الطفل منذ بداية حياته هو جوع تعيشه خلايا ذهنه لمعرفة ما يدور حوله واختيار الأفضل منها.. وهذه الممارسات تكون مفروضه عليه لا يستطيع اقفال أبوابها إذ أن بدايات التحرك الذهنى تكون لا إرادية وغير متعمدة.
إذن لابد من احتضان الأطفال من أجل أن توجه أذهانهم إلى الدرب التى يعتقد هذا المحتضن أو ذاك بأنها قابلة للإبداع وأكثر خصوبة من الدروب الأخرى، وذلك عن طريق احتضان الطفل وإدخاله فى تجارب عديدة من أجل التأكد من حيله وحبه لهذه الممارسة أو تلك.
وهذا الاحتضان من شأنه أن يبعد أطفالنا عن عملية التسنط والبحث المرفقة وغير القادرة على توجيه الطفل لأنها تترك له مهمة الخيار دون أن تدله على الدروب الصحيحة والمنشطة لخلاياه الذهنية وخاصة الثقافية منها .
اطفال الخليج – للأسف – لم يرثوا عن أبائهم غير أغانى البحر، ورغم فنية هذا الميراث إلا أن الالتزام به يؤدى إلى شل الامكانات الأخرى المتوفرة والمتحفزة فى ذهن الطفل.
مؤسسة البدر الكويتية أدركت هذه الحقيقة فأنشأت "مسرح الطفل" من أجل أن ترعى وتنمى أذهان الأطفال التى تحتوى على رغبات مسرحية متحفزة لصعود خشبة المسرح لتجعل منها مستقبلاً ، أذهاناً قادرة على العطاء والمشاركة فى تنمية الروح الإيجابية لدى الطفل، والتى تشمل الأخلاق بكل ما فيها من استقامة واحترام للذات وللآخرين.
عواطف البدر تحسها حين تقف قبالتها بأنها لازالت – وبإصرار – متحدية لكل عواصف الصمت التى تجابه بها إزاء أعمالها الستة التى قدمتها. رغم أن الحقيقة تقول أن مسرح الطفل لا ينتهى دوره عند غلق الستارة بل أن أى عمل على هذا المسرح يشكل بداية تكون خطواتها الأخرى فى البيت، المدرسة، الصحافة، الإعلام، الشارع.
إلا أنه .. وللأسف مرة أخرى.. الواقع الصعب الذى يعيشه مسرح الطفل فى الخليج حوله إلى مكان لهو يستطيع أن يسرق الأطفال من أحضان امهاتهم ليمنحهم الفرصة للتبرج من أجل الزيارة أو التبضع فى الأٍواق.
مسرح الطفل درس يجب أن تشرب جرعته العائلة قبل طفلها إذ أنه يدل على التربية الجيدة، الاعتناء وطرقه، توجيه الطفل.. ولكن، لا حياة لمن تنادى.
لذلك لا يمكننا – أو لا نملك وهى الأصح – إلى الشد على يد البدر بحرارة رافعين حواجبنا استغراباً لهذا الإصرار.
السندريللا
هذه الحكاية القديمة التى تكاد تأخذ عمر الأسطورة لازالت – رغم قدمها – تمثل مادة صالحة للمسرح .
تناولها الكاتب سيد حافظ لتكون العمل السادس لمسرح الطفل وطبيعى أن إعادة صياغة أى عمل بإضافات بسيطة تمنح الكاتب شرعية إدعاء تأليف العمل.
ولكن كان من الأفضل استبدال كلمة "تأليف" بكلمة "إعداد" لأن هذه الحكايات القديمة حفظها الصغار والكبار بشكل مختلف من واحد إلى أخر، وبالتالى وعند مشاهدتهم لمسرحية السندريللا لا يمكنهم اقناع أنفسهم بأن هذا العمل من تأليف السيد حافظ ومن شأن تفكير كهذا أن يبعد المشاهد عن متابعة فنية العمل إخراجاً وتمثيلاً لأنه يكون لاهيا بالفارق الذى استحدثه الكاتب لاعطائه شرعية ادعائه.
ولكن الذى قرأ أو اطلع على اخر سندريللا كتبت سيجدها تختلف بهذا الشكل البسيط أو ذاك عما كتبه السيد حاف.
وباستثناء كلمة "تأليف" استطاع الكاتب أن يستغل حكاية سندريللا استغلال مقتدر لينتج هذا العمل الناجح.
ولا شك أن الكاتب أهلاً للكتابة المسرحية ولدى قلمه أكثر من دليل على هذه الحقيقة.



المخرج منصور المنصور
الذى يصر على قضية ما يكون متعلقاً بأمل قد يوصله إلى الدرب الذى يريد واعتقد أن إصرار البدر جاء من خلال استمرار مخرج هذا المسرح الاستاذ منصور المنصور الذى زرع البذرة الأولى ورعاها ووعد بانها ستثمر واستطاع أن يحقق ما وعد به.
المنصور شكل عالم طفل حديث النمو ولكنه منحه القدرة على العطاء وما عاد يعنى حكايات الصغار فقط.
فمن خلال المتابعة لديكور المسرح، الحوار، الحركات، الملابس، المكياج يمكن أن يفهم المشاهد بأن هناك أموراً عديدة منع الكبار من الصراخ بها ولكن المنصور استطاع أن يجاهر بها عبر حناجر الأطفال ، صيحاتهم ، رقصاتهم، ضحكاتهم.
ففى هذه المسرحية عرفنا الفقير، الغنى، السلطان، الأمير ، زوجة الأب الظالمة، طفلة الزوجة الأولى المظلومة دائماً.
ولأن المنصور يدرك أن اليد الواحدة لا يمكنها التصفيق واتمام العمل بالشكل الذى يريد لذلك فقد اختار الفنان ماجد سلطان ليكون مساعداً للمخرج وقد استطاع أن يقوم بمهمته على الوجه الأكمل.
ولأن انجاح أى مل على خشبة المسرح لا يمكن أن ينسب للمخرج فقط إذ أن الأيادى الأخرى كان لها الدور شبه الرئيسى فى العمل لذلك لا يمكننا القول بأن هذا المسرح هو مسرح البدر أو المنصور أو .. أو.. أنه مسرح الأذهان التى اتحدت لرعاية طفل هذا القرن.

الملحن طالب غالى
متابعتى لأوتار هذا الملحن اقنعتنى بأن اختياره يشكل أفضيلة عن الأخرين إذ أنه منذ أعوام تجاوزت العشرة وهو يمارس العمل فى المسرح الغنائى ، وبديهى أن المسرح الغنائى بحاجة إلى ثقافة موسيقية موسعة يكون حاملها قادراً على فرز اللغات الموسقية من حزن ، وفرح ، وقادراً أيضاً على تحريك كوامن الصغار من خلال النغم الذى يعشقون.
فى مسرحية السندريللا كان طالب غالى يتحدث بموسيقاه عبر ألحان زرعت فى أذهاننا الملامح الرئيس للغة الصغار ، لذلك استطاع أن يزرع الفرح حتى فى أذهان الكبار ، ويزرع الحزن حين يتطلب الموقف بحيث كانت موسيقاه عاملاً مساعداً على تقريب مضمون المسرحية من أذهان الجمهور ولا شك أن الذى ساعده فى الوصول إلى هذه النتيجة الجيدة هو شاعر الأغنية فلاح هاشم الذى قرأ النص أكثر من مرة قبل أن يكتب أغانيه.
إن الامكانات الموسيقية الجيدة المتوفرة فى أوتار عود الملحن غالى تشجعنا على المجاهرة بضرورة استغلالها فى انجاح الاستعراضات الغنائية سواء كان للطفل أو للمسرح بشكل عام.
الدكتور حسن خليل
طبيعى أن الألحان المتوفرة من شأنها أن تشكل البداية الاستعراضية للوحات التى يحتويها أى عمل مسرحى وقد  استطاع الدكتور حسن خليل أن يشكل اللوحات الاستعراضية التى لا يمكن الصاقها بلحن أخر غير الذى طله به غالى.
ومن خلال المتابعة للوحات التى شكلها الدكتور خليل فى هذا العمل ندرك بأن حضوره أثناء البداية الأولى للإعداية جعله يعرف تماماً ما يحتاجه هذا العمل من لوحات، ولذلك فإن ماشاهدناه فى الرقص والحركة كان يمثل لغة مسرحية مكملة لحركة المخرج ووتر الملحن.

الممثلون
من أجل أن يتقن الممثل دوره لابد له من أن ينسلخ من حاضره ويستبدل دماءه بدماء عصر جديد تنثه الشخصية التى سيمثلها والاتقان الذى حققه الممثلون يؤكد بأن حوارهم كان معهم فى المدرسة، الشارع، البيت، الفراش والذى يؤكد هذه الحقيقة هو الأداء الجيد الذى أبدوه وخاصة أن معظم أشخاص المسرحية كانوا أطفالاً ، والطفل يعصب عليه الحفظ دون تلبس صفات الشخصية التى يحفظ لها كما يتصورها هو لذلك نجد اطفالنا يؤدون القصائد المدرسية أو الأناشيد بتمثيل يهدفون من وارئه الوصول إلى الشخصية المتحدثة.
ولا شك أن هناك فى المسرحية من احترف التمثيل أو أدمن معايشته مثل الممثلة القديرة أسمهان توفيق والممثل حسين المنصور وانتصار الشراح واحمد العامر وغيرهم، هؤلاء ربما يجدون سهولة فى ارتداء ملابس الدور خاصة بعد أن تكون المسرحية مقنعة بالنسبة لهم.
ولكن هناك من الصغار : سحر حسين واختها هدى وسناء طالب وسوسن محمد جواد ووليد خليفة واحمد القطان وجاسم عباس وأخرين. هؤلاء لازالوا فى بداية السلم المسرحى ورغم أنه فى البداية فقد استطاعوا انجاح هذا العمل بشكل جيد.
وأُناء الحديث عن الممثلين لا يمكن أن نمر مروراً سريعاً بل لابد أن نتوقف عند الممثلة المبدعة .. هدى حسين.. التى استطاعت أن تكون السندريللا التى عرفناها حقاً.
ولذلك أجد نفسى أملك شرعية فى توقع مستقبل فنى جيد لهذه الطفلة وكلمة "طفلة" هنا أعنى بها عمر الفن إذ أن الذى يريد أن يظل مبدعاً فى الأدب والفن عليه أن يشعر دائماً بانه لازال فى البداية.

خاتمة
الأعمال الناجحة لا يجب أن نواجهها بظهورنا بل لابد أن نلتفت لها نذكر عنها ما يجب أن يقال تؤكد جودتها إذ أن سلة النسيان فى هذا العصر كبيرة.. كبيرة فاتحة فاهاً دائماً لطى أى ورقة. فلابد من تأكيد جودة العمل من أجل ترسيخه فى الأذهان القابلة للترسيخ.
ومسرح الطفل فى الكويت يفرض علينا المؤازرة والتشجيع إذ أنه يعين حاضرنا فى نشأة الجيل القادم الذى من خلاله يمكن ترسيخ ايجابيات هذا العصر بما فيها من سلوكيات وتقاليد وعادات وأخلاق عامة فى أذهان الجيل القادم.

الخميس، 27 أكتوبر 2016

الجروتيسك في كوميديات السيد حافظ

الجروتيسك في كوميديات السيد حافظ
د. مصطفى رمضاني

كلما أتيت لي فرصة الكتابة حول مسرح السيد حافظ، إلا واستحضرت مفهوم التعدد الذي
كان صفة لازبة في كل من أدركته حرفة الأدب، أو الفقه، أوالعلم عامة في ثقافاتنا العربية الإسلامية القديمة. فقد كانت تتجمع في الشخصية الواحدة شخصيات متعددة، هي من قبيل ما يطلق عادة صفة المتعدد داخل المفرد. ولذلك كان طبيعيا أن تجد الفقيه شاعرا وكاتبا وعالما وفنانا. وقلما تجد من يركن إلى مجال تخصصه ولا يتعداه إلى ما سواه.
والسيد حافظ من هذه الطينة. فهو كاتب مسرحي تتجمع بداخله ذوات أخرى تجعل منه
شاعرا وقصاصا وباحثا وكاتب سيناريوهات... أي أنه هذا التعدد داخل الفرد. ومن المؤكد أن هذه الخصلة هي التي أهلته ليكون غزير الإنتاج، متنوع التجارب، لا يستقر على نمط واحد في الكتابة، سواء على مستوى التجنيس الأدبي أو الفني، أم على مستوى آليات الكتابة والإبداع. وهذا ما يجعل كتاباته دائمة التجدد، ولا تستقر على شكل أو اتجاه أو
مدرسة أو تيار قار. فهي كتابات غير نمطية، تكفر بالثابت والجاهز والمتداول، ولا تؤمن إلا بما تمليه أصالة الموهبة، وصدق التجربة، والوعي الجمالي المسبق بخصوصية الأدوات الإجرائية التي هي نتاج ثقافة الكاتب وتكوينه ومهاراته الفنية أو التقنية. وهذا ما يشكل في نهاية الأمر خاصية الأسلوب وتفرده. والأسلوب كما نعلم هو الرجل نفسه كما يقول الناقد الفرنسي بوفون.
ومن المؤكد أن أسلوب السيد حافظ هو شخصية السيد حافظ نفسه. فهو يكتب بلسان حال شخصيته، وهي شخصية متمرد لا تؤمن بالجاهز والمألوف، ترفض الاحتذاء. والنمطية، حداثية في انفتاحها على ما يقتضيه التجريب من مغامرة البحث عن الممكن في التصور والآليات والمناهج، ومتشبثة بالثوابت التي هي أساس كل أصيل وجوهري وحقيقي. وهذه هي سمة الحداثة الحق : الحداثة التي تنشد المغايرة والاختلاف، دون الإلغاء أو الإقصاء الكلي لما هو ثابت وجوهري وأصيل، مادام الأصيل أصيلا بشكل مطلق، دون التقيد بمعياري الزمنية أو المكانية، لأن أساس الحداثة في نهاية الأمر هو البناء وليس الهدم.
ولعل نظرة خاطفة إلى مسرحيات السيد حافظ، تؤكد هذا البعد الحداثي الذي يجعل من التجريب وسيلة للبناء، سواء أتعلق الأمر بما يعالجه من قضايا وإشكاليات، أم بكيفية معالجتها، ووسائل أجرأتها وتفعليها جماليا أو تقنيا فوق الركح. وهي كلها مسرحيات تتسم بطابعها الاستفزازي الذي يخلخل السائد ويثير فضول المتلقي : متخصصا كان أم مهتما عاديا. ويلاحظ أن هذا المبدع قد راهن على ذلك الطابع الاستفزازي منذ كتاباته الأولى، وكأنه يعلن بذلك عن ميلاد تجربة مغايرة أفرزتها مرحلة ما بعد النكسات والهزائم العربية سياسيا وعسكريا. وبذلك جاءت محملة بشحنة من الغضب والاستفزاز، بدءا بعناوينها المثيرة، مرورا بالقضايا والإشكاليات التي تعالجها، وصولا إلى كيفية الاشتغال عليها، والصيغ التي تتمثل رؤية الكاتب تجاه قضايا تمتد بين ما هو اجتماعي أو سياسي،
إلى ما هو وجودي وأنطولوجي أحيانا. ومن تلك العناوين المثيرة : "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى"، و"الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء"، و"هم كما هم ولكن ليس هم الزعاليك"، و"حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث"... وظل مصرا على هذا الطابع الاستفزازي حتى في مسرحياته الأخيرة، كما هو الحال مع عناوين مثل "قراقوش والأراجوز والحرفوش"، و"الغجرية والسنكوح"، و"حرب الملوخية"، و"خطفوني ولاد الإيه" إلخ...
ويبدو من نافلة القول تأكيد الوظيفة الجوهرية التي يقوم بها العنوان للدلالة على كينونة العمل الإبداعي، أو على الأقل الإيحاء إلى تلك الكينونة. فالعنوان علامة دالة. وهو العتبة الأولى التي تقربنا من النص : فبها نبدأ قراءتنا الافتراضية قبل قراءة المتن. وهو المفتاح
الإجرائي الأولى الذي يفتح لنا أفق القراءات الممكنة بصريا ودلاليا ولسانيا، ذلك بأن تركيبة العنوان تحتل حيزا مهما من تفكير المبدع. وهو نفس الحيز الذي قد يحتله لدى القارئ أو الناقد، قبل مواجهة النص بالقراءة التأويلية. ولسنا بحاجة كذلك    إلى التذكير بالأهمية التي
يوليها الدرس السيميولوجي للعنوان، ولا سيما عند كبار المنظرين من أمثال رولان بارت R. Barthes، وجان كوهنJ. Cohen ،  وجيرار جينيتG. Genets ، وريفاتير M. Rifaterre، وروبرت شولزR. Scholses  وغيرهم..
ولاشك أن السيد حافظ كان على وعي تام بهذه الوظيفة الاستفزازية لعناوين مسرحياته. وكأنه بذلك يهيئ القارئ سيكولوجيا لولوج عالم المسرحي الذي لا يقل استفزازا وإثارة، بسبب غياب المنطق الداخلي للأنظمة اللغوية والتركيبية في بناء النص من جهة، وغياب هذا المنطق أيضا فيما يخص كيفية النظر إلى الأشياء، ومعالجة القضايا، وطرح الإشكاليات من جهة أخرى، على نحو ما يظهر من هذه الأمثلة :
شاب 3 : في ذيل الدواجن أمي وضعت يدها... تقيس أعمار التاريخ.
شاب 4 : ما عدد الهاموش الذي يغطي وجه الحلوى ؟
شاب 5 : ومطرب العذارى يلفح قلوبهم في الماء تشنجات.
شاب 6 : انتظرتك بالباب.
شاب 4 : الهاموش في ذيل الدواجن... مطرب العذارى في قلوبهم... تشنجات تقيس أعمار التاريخ... بالباب وجه الحلوى... وضعت يدها في الماء...انتظرتك... (1)
فهذه الحوارات وغيرها كثير تبدو كهلوسات لا رابط منطقي يربطها. فما الذي يجمع بينماا الهاموش ومطرب العذارى وذيل الدواجن ؟ وكيف نقيس أعمار التاريخ بالتشنجات ؟ وما الرابط بين وجه الحلوى والباب وهكذا... ؟ إن ما يربطها هو غياب المنطق واالعقلانية. أي العبث.ومسرح العبث يعكس إحدى الواجهات المستفزة في مسيرة المسرح التجريبي عامة. ومسرحيات السيد حافظ تعد نموذجا من تلك الواجهة. فهي مسرحيات تحمل من الغرابة ما يجعلها موغلة في الرمزية. ولكنها رمزية كاشفة، يساعد السياق الخاص للنص على كشف مغالقها. فبدون الإحاطة بذلك السياق، يصعب الإحاطة بالدلالات التي تفجرها التراكيب والصور والألفاظ التي هي لسان حال الشخصيات والأحداث، بل وحتى الأزمنة والأمكنة، ذلك بأن السيد حافظ يتعمد تغريب الفضاء رغبة منه في استفزاز المتلقي، وشحنه بالأسئلة المعلقة والفضول، كما في قوله مثلا وهو يحدد الفضاء المسرحي في مسرحية "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى".
الزمان : أحد أيام العصر الذري الحجري (البرونزي الملامح) في القرن الملوث.
المكان : أرض اللامحدود الملوث (2)
فالفضاء هنا غير محدد، تماما كما في مسرح العبث، لأن الأحداث لا تهم فئة دون أخرى أو مجتمعا بعينه، إنما هي أحداث تهم الإنسان في إطلاقيته. لهذا لا نستغرب أن نجد السيد حافظ يعوض أسماء الشخصيات بالأرقام، أو الألوان، أو الصفات في بعض نصوصه المسرحية (3). كما لا نستغرب تكثيف الإرشادات الركحية بعناصر ومحددات لا يبررها أي منطق، لأن العلاقات التي تربطها عبثية في حد ذاتها، خصوصا إذا ما نظرنا إليها من جانب إيقوني خالص. فغياب المنطق هو المهيمن على أعماله المسرحية. لذلك يتحول حديث الشخصيات إلى هلوسات وشطحات توحي بالفراغ واللاجدوى والقلق والسخرية الممزوجة بالمرارة، تماما كما هو الحال مع شخصيات بعض كتاب العبث، من أمثال يونسكو وبيكيت وأداموف وكامو وغيرهم..غير أن من أبرز ما يميز كتابات السيد حافظ المسرحية، ولا سيما المتأخرة منها، حضور الغروتيسك، أو ما نسميه بالكوميديا السوداء. وهي نوع من الكوميديا التي تتوسل بالسخرية ذات الطابع المأساوي. من المعروف أن كتاب العبث توسلوا بالغروتيسك للتعبير عن تناقضات مجتمع ما بعد الحرب الكونية الثانية، حينما وجدوا أن اللغة العادية لم تعد قادرة عن إبراز حقيقة الخواء الحضاري الذي آل إليه المجتمع الغربي بصفة عامة. وهو خواء ولد لديهم الإحساس بالاغتراب والتمزق...ويبدو أن مثل هذا الإحساس شبيه بما ولدته الهزائم والنكسات العربية في المثقف العربي. لذلك وجدنا كثيرا منهم يكفر بالكلمة واللغة والمنطق والفكر والمجتمع، ويدعو إلى تجديد أدواتنا ورؤانا ومناهجنا، لأنها ساهمت بشكل أو بآخر في تلك الهزائم والنكسات...
ومن المؤكد أن السيد حافظ أحد هؤلاء الذين كفروا بالكلمة المهادنة، وباللغة الفردوسية والصيغ المحبوكة، ففضل أن يركب صهوة الكوميديا الساخرة، ويجعل الضحك سبيلا للنقد والتعرية والإدانة، تمام كما كان يفعل شعراء شعر السخف في تراثنا العربي القديم. لذلك استعان بالنكتة والشيطنة والشطارية للتعبير عن المأساة في إطار يجعل البكاء ضحكا، والضحك بكاء. أولا يقول المثل الشعبي : "إن كثرة الهم تضحك" ؟ بلى!
كذلك فعل السيد حافظ في كوميدياته السوداء. وهي كوميديات ذات وظيفة مزدوجة: بناء الوعي، وإمتاع الروح. فهي من جهة تساهم في بناء الوعي بقضايانا ومشاكلنا المأساوية. ومن جهة ثانية تمتعنا بما توفره الصياغة من مرح وخفة وترويح يجعل المتلقي يواجه المأساة بتفاؤل. ومن الواضح
أن السيد حافظ يعني جيدا هذه الوظيفة المزدوجة للكوميديا السوداء، وإلا لما وجدناه يقدم لبعض أعماله بما يؤكد هذا الوعي. يقول في تقديمه لمسرحية "قراقوش والأراجوز والحرفوش" : "لكنني أرى في هذا الحزن كَمّا من الضحك والكوميديا الإنسانية. كوميديا الشعب المصري الذي واجه السيف بالضحك، وواجه الظلم بالنكات".(4 )واللافت للانتباه أنه –في بعض الأحيان- ينتقي موضوعات كوميدياته من سياقات لا تقتضي أسلوب الكوميديا كما تعودنا ذلك في المسرحيات الاجتماعية مثلا، وإنما يبني تصوره الساخر اعتمادا على موضوعات تقتضي في أصلها صرامة المعالجة، بما في ذلك متانة اللغة وعقلانية الصور والتراكيب، وما إلى ذلك مما يصب في التصور الكلاسيكي للإبداع عامة. ويفترض أن يحضر هذا الشرط أكثر في الموضوعات التاريخية، أو التي لها علاقة بالتاريخ. غير أنه يتحرر من ذلك الشرط استجابة لمبدإ المغايرة، وكسر النمطية والاحتذاء الذي هو مبدأ أساسي في فعل التجريب.
ومن هذا المنطلق كتب نصوصا مسرحية تستمد أحداثها وشخصياتها من التاريخ، ثم وضعها في إطار كوميدي ينتمي إلى جنس الغروتيسك. ومن بين تلك النصوص، نذكر على سبيل المثال نصي : "حلاوة زمان أو عاشق القاهرة الحاكم بأمر الله"، و"قراقوش والأراجوز". وفي سياق الغروتيسك دائما، يعالج موضوعات تعكس قيما إنسانية كبرى مثل الحرية، والديمقراطية، والعدالة، وحرية التعبير وما إلى ذلك؛ فيتوسل بالسخرية والكوميك الصادم،
وتتحول الشخصيات والأحداث مجرد أقنعة تخفي وراءها فظاعة الواقع وهشاشته. ومن هنا يحق لنا أن نتحدث عن مسرحية القناع في إبداعاته المسرحية. وتتنوع ألوان هذا النوع من المسرحيات عنده بين نصوص تعتمد على الخلفية التراثية في الأحداث والشخصيات والأفضية، وبين أخرى تعتمد على وقائع وشخصيات تتميز بواقعيتها المتسترة وراء قناع الرمز. ومن أمثلة نصوص النوع الأول، نذكر على سبيل  التمثيل مسرحيات "ظهور
واحتفاء أبو ذر الغفاري"، و"حكاية الفلاح عبد المطيع". أما من النوع الثاني، فنذكرعلى سبيل التمثيل كذلك مسرحيات : "ملك الزبالين"،و"حرب الملوخية"، و"وسام من الرئيس"، و"الغجرية والسنكوح" إلخ...
ولما كانت الكوميديا تقتضي دوما لغتها الخاصة، وتركيبها الخاص، وسياقها الخاص كذلك، تماما كما النكتة والنادرة والملحة.. فإن السيد حافظ مال في جل نصوصه المسرحية ذات الطابع الكوميدي إلى العامية. فهي أقرب إلى روح النكتة والمرح والسخرية. ومن المعروف أن النكتة تؤدي وظيفتها النقدية الساخرة حين تؤدى في سياقها المعجمي والتركيبي واللساني. فإذا ما ترجمت أو قدمت خارج ذلك السياق، فغالبا ما تفقد كثيرا من تأثيرها وفعاليتها في الإبداع والإمتاع معا. لهذا فضل الاحتفاظ بشعبية المعجم المسرحي حتى يبرز البعد الغروتيسكي للشخصيات والأحداث والمواقف :
شهاب : يا بني تعالى أدبحك وما تجوجعش قلبي.. فين أيام الفراخ لما الواحد يجري   وراه                 ويمسكها... أنت ح تعمل زي الفراخ.
الراجل الميت : حرام عليكم أنا عندي عيال.
شهاب : يا بني أنت كنت ح تموت وبعدين تتحاسب.. دلوقت ح ندبحك وتدخل الجنة.
أبو زيد : كيف تقول هذا الكلام يا راجل .. حرام عليك.
شهاب : ما هو لما يندبح.. كل واحد ياخد طبق ملوخية باللحمة يقول الله.. الله يرحمه.. كان طعمه لذيد
الرجل الميت : لا .. أنا عايز أعيش.. مش أخدت ثمن المدفن من عيالي حلال عليك.
شهاب : يا بني أنت رزق بعته ربنا (5)وإذا كانت العامية أقرب إلى الوجدان الشعبي، وأقدر على التعبير عن الحالات والمواقف الساخرة بشكل عام، فإن الفصحى لا تقل أهمية عنها حين يقضي السياق ذلك. وربما كانت مسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع" نموذجا جيدا للكوميديا السوداء. وهي مسرحية كتبت بلغة فصحى، وحوارات شديدة الدلالة والتعبيرية. ولعل نهايتها المعبرة تختزل هذا البعد الغروتيسكي الذي يجمع في لقطة واحدة، قمة المأساة وأوج السخرية. وهي لقطة تعكس مشهدا عبثيا بكل تأكيد، لأنه مشهد يتأسس على المفارقة وغياب المنطق والانسجام. وهو يذكرنا ببيت المتنبي المشهور :
بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد (6)
الضوء في منتصف المسرح.. عبد المطيع أمام كرسي العرش عاريا، والوزيروالمستشارين)
السلطان : (يضحك) لقد أعجبتني قصتك، عندما سمعت بها قررت تعيينك يا عبد المطيع قاضي القضاة. يصفق رجال الحاشية)
عبد المطيع : لا يا سيدي.. أنا لا أريد أن أكون قاضي القضاة.. أنا أريد أن أكون من العراة.يضحكون بينما هو يبكي)(7)وما يزكي ما ذهبنا إليه، أن المؤلف أعاد كتابة هذا النص المسرحي "حكاية الفلاح عبد المطيع" خمس مرات. وفي كل مرة كان يغير بعض جزئياته التي تخدم التصور الجديد للعمل المسرحي. وكل تغيير كان يقتضي التصرف في المعجم اللغوي، وتركيبة الأحداث والشخصيات. وكان آخر تغيير هو المتمثل في عصرنة النص كليا وكتابته بالعامية، مع الاحتفاظ بالطابع الكاريكاتوري والجو الغروتيسكي العام(8). وهذه العملية كما يشير إلى ذلك المؤلف في المقدمة تفتح بابا واسعا أمام البحثين في مجال الأدب المقارن ضمن الإنتاج الأدبي الواحد لنفس الكاتب. يقول السيد حافظ :"إنها التجربة الخامسة لكتابة مسرحية الفلاح عبد المطيع كتبتها خمس مرات طوال عشرين عاما. وهذا فتح جديد لأساتذة وطلاب وباحثي المسرح المقارن، ليس بين الكاتب وغيره، ولكن بين الكاتب ونفسه"(9)وتندرج هذه العملية ضمن وظيفة التناص. ويتحدد مفهوم التناص عامة انطلاقا مما يسميه ببعض الباحثين بالتعالق النصي. أي ترابط نص بنص أو بنصوص أخرى عن طريق علاقة أو علاقات، قد تكون استلهاما، أو استنباتا، أو توظيفا، أو تضمينا، أو محاكاة، أو استيحاء، أو انبناء، أو غير ذلك مما لا يسمح المجال بذكره في هذا المقام.
ولكن ما قام به السيد حافظ في نصه المسرحي "خطفوني ولاد الإيه"، يعتبر تناصا ذاتيا، لأن المؤلف لم يستلهم نصا خارجيا لكتاب آخر، وإنما بنى نصا جديدا انطلاقا من النص نفسه عن طريق التحوير، مراعاة للظروف الجديدة التي اقتضت تصورا مغايرا، ولغة مغايرة، وتركيبا مغايرا طبعا.
فالتناص الذاتي أو التناص الخاص، هو عملية انبناء النص الجديد من داخل النص الأصلي، يقوم بها المؤلف نفسه؛ هذا خلافا للتناص العام الذي تتم فيه عملية التعالق انطلاقا من نصين مختلفين، لمؤلفين مختلفين في أغلب الأحيان.
وعموما فما قام به السيد حافظ يستدعي وقفة نقدية خاصة في مجال الأدب المقارن. كما أن مواطن الكوميديا السوداء والغروتيسك متعددة في أعماله المسرحية. وهي كلها تقتضي أكثر من وقفة لاستيفاء هذه الظاهرة حقها من الدراسة والنقد، سواء ضمن الريبرتوار المسرحي الخاص للمؤلف، أم ضمن الريبرتوار المسرحي العربي التجريبي الذي ما تزال إشكاليته الغروتيسك فيه لم تحظ بالعناية النقدية الكافية.

د. مصطفى رمضاني
المغــرب

الهوامش :
(1) السيد حافظ : الأشجار تنحني أحيانا – مسرحية : تكاتف الغثاثة على الخلق – موتا- مطبعة الفتح – فيصل الهرم – 1992 – ص 158-159.
(2) السيد حافظ : كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى – سلسلة رؤيا للإبداع – مركز الوطن العربي للنشر والإعلام – الإسكندرية- ط 2 – 1990 –
ص 46.
(3) انظر مثلا مسرحية : الأشجار تنحني أحيانا.
(4) السيد حافظ : قراقوش والأراجوز والحرفوش – منشورات اتحاد الكتاب – ط مركز الحضارة العربية – ط 1 – القاهرة – 2001 –ص 5.
(5) السيد حافظ : حرب الملوخية – دار العربي للنشر والتوزيع – القاهرة – ط 1 – 1998 – ص 86-87.
(6) شرح ديوان المتنبي : وضعه عبد الرحمن البرقوقي – دار الكتاب العربي – بيروت – 1986 – ج 1 – ص 399.
(7) السيد حافظ : كتابة الفلاح عبد المطيع – مطابع صوت الخليج – الكويت – 1982 – ص 61.
(8) عنوان النص هو : خطفوني ولاد الإيه !!
(9) السيد حافظ : خطفوني ولاد الإيه !! – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2004 – ص 5.


تنظير نقدى لإخراج مسرحية ( قميص السعادة )

تنظير نقدى لإخراج مسرحية
( قميص السعادة )
كوميديا شعبية موسيقية رومانسية
للكاتب / السيد حافظ
أ.م.د. محمد عبد المعطى محمد
*****
إن الإبداع المسرحى للطفل هو أشق أنواع الإبداع، وتكمن مشقته فى ضرورة أن يدلى كلا من الكاتب وصانع العرض المسرحى "المخرج" وكل عناصر العمل المسرحى بخيالهم وحدسهم إلى عالم الطفل، أن يرون بعينه ويفسرون العالم بمنطقه الذى يختلف تماماً عن المنطق العقلانى والتجريدى الذى يحكم نظرة الكبار، وليظهر لنا فى النهاية العالم فى جدته وأيضاً فى برائته وألفته وغرابته.
" قميص السعادة " والكوميديا الشعبية الرومانسية :
إن مسرح الطفل يقترب فى أعلى مراتبه من الكوميديا الشعبية الرومانسية. عرفنا ذلك فى مسرحيات مثل " حلم منتصف ليلة صيف " أو "العاصفة" أو قصة شتاء" عند شكسبير كما عرفناه فى مسرحية "حدوتة من حواديت العجائز" لجورج بيل و"الطائر الأزرق" لميترلنك أو فى " رسائل قاضى أشبيليه" لكاتبنا العربى الفريد فرج، وأخيراً نراه فى "قميص السعادة" للسيد حافظ، والتى تستقى مادتها من الفكلور الشعبى العربى، وقد امتزجت فيها الحواديت والنوادر الشعبية بالألعاب المألوفة والأهازيج والأغانى الموروثة وحيث طرحت رؤية شاملة للوجود، وإن استغنت عن عنصر ثبات الأشياء.. هذا العنصر الأخاذ المثير لخيال طفل ما قبل الثامنة والذى يختلط فيه الأنس والجن بالطير والحيوان وبالمردة والسحرة، وتنطق فيه الزهور والأشجار وتسيطر المعجزات والخوارق والتحولات العجيبة فى المواقف والشخصيات.. وذلك لعدم الحاجة الدرامية إليها من ناحية ولأن الموضوع يدور وبثبات حول العلاقات الإنسانية للجماعات ويتناول معانى العدل والخير والإنسانى والشر المجسد فى النفوس.. إن الفعل يدور فى محور الإمكانات التخيلية والإمكانات الثقافية والمكتسبات البيئية لطفل ما بين الثانية عشر والسادسة عشر.
ومن هنا كانت الكوميديا الرومانسية الشعبية هى أنسب الأشكال الفنية للتوجه إلى هذا النوع من الأطفال "الشبيبه" إذ أن أجواءها والأضداد فيها والعاطفة المشبوبة تمتزج فى بوتقة خياله الخصب وتحاكى منطق الأسطورة والحلم.
فى إطار هذه الرؤية يكتسب الصراع المحورى بين الخير والشر فى "قميص السعادة" مفهوماً شاملاً. ويتسع مفهوم الشر ليشمل كل القوى والنوازع التى تناهش الحياة مثل التسلط والجشع والقسوة والظلم والأنانية :
الوزير الوصولى الجشع.
القاضى المرتشى.
قائد الشرطة المستغل لسلطاته.
الطبيب المحتال المستغل.
وينبسط مفهوم الخير ليشمل كافة القيم المؤازرة للحياة والخصوبة مثل : العدل والحب والجد والوفاء:
الأمير الباحث عن السعادة.
الأميرة الرافضة لظلم الوالد الجشع.
الوصيفة والخادم المخلصان حتى النهاية.
ابن الحلاق الباحث عن الحب ويناضل للحصول عليه رغم فقره.
أفراد الشعب الذين يلتفون حول أميرهم ليستعيد سعادته، ويستعيدون العدل.
*****
و "قميص السعادة" تختار مادتها من الحكايات الشعبية، إذ أن الحكايات الشعبية – فى أصولها – تستهدف الطفل فى المقام الأول لما تحتوى عليه من عالم فانتازيا رحب. لقد أدت هذه الخصوبة – خصوصية الخيال الخصب – إلى جعل هذا المصدر الشعبى الفنى أهم مصادر الاستلهام للكتابة للطفل عموماً.
إن التراث الشعبى – فنون مرئية وأدب وموسيقى – له القدرة على ملائمة الواقع. ولفنونه القدرة على أن تغير من ذاتها وتتجدد بشكل مستمر لا يتوقف عن صيغة بعينها. إن عناصره تحتضن أهم عناصر المحاكاة وبذور المسرح.. عناصره تحتضن الأساطير والملاحم والقصص والحكايات والسير والمرائى والأغانى والحكم والأمثال وهى عناصر تتسم بخصائص العراقة والواقعية والجماعية.. "إنه الأدب الصادق الذى يخرج من الروح الشاعرة فى داخل الإنسان " كما يقول يعقوب جرم.
وإذا كان مسرح الطفل كأدب فنى ينبع من روح الفرد الشاعرة الواعية بالملتقى الصغير ذو الخيال الخصب، فإن استلهامه هذه العناصر الفنية فى التراث يدعم هذا الخيال ويكسبه صوراً إبداعية ودرامية ومسرحية لا حصر لها.
قميص السعادة وألف ليلة وليلة :
إذا حصرنا جملة المسرحيات التى تم استلهام موضوعها من حكايات ألف ليلة وليلة سنجد أنها تمثل الجانب الأعظم من المسرحيات العربية ذات الأصول الشعبية والتراثية، ويرجع هذا إلى تعدد موضوعات وثراء أفكار المصدر كما أشرنا.
وبدءً برائد المسرح العربى "مارون نقاش" (1817 – 1855) وانتماءً بالكاتب السورى سعد الله ونوس فى مسرحيته (الملك هو الملك) 1978 نجد "السيد حافظ" ومن قبله عدد كبير من كتاب الدراما يستلهم موضوعه أيضاً من هذا المنبع الخصب (ألف ليلة وليلة) ولعل أشهر كتابنا من هؤلاء الكاتب المصرى المبدع "الفريد فرج" فى مسرحيته حلاق بغداد (1964) و(على جناح التبريزى وتابعه – 1969).
ومسرحيتنا "قميص السعادة" فى تأثرها بهذا المصدر فإنما تهتم بجماليات الصورة المسرحية وسحر أثرها والتى ظهرت فى التجسيد على مسرح.. إنها تنتقل إلى أماكن ومناظر شعبية ساحرة فى تأثيرها وهى وثريه بالخيال والابداع.
والمؤلف فى انتفاءه للفعل المسرحى فى غرابته وطرافته والأمكنة اللامألوفة إنما ليترك تأثيراً قوياً غنى بالخيال والإيحاء للطفل المشاهد يفوق لغة التعبير الكلامى.. بل وينحو نحو المسرح المعاصر اليوم فى استلهامه للمادة التراثية.. هذا بجانب تميز "قميص السعادة" عندما تلجأ إلى عناصر القصص المتداخلة الغنية بالأحداث والتى تتميز بها حكايات السير الشعبية : الأمير وابنه السلطان من ناحية والخادم دندش والوصيف مرجانة من ناحية يؤكدهما حكاية ابن الحلاق مع من يحبها ويعجز عن الارتباط بها (أنظر النص الملحق)
أصداء رحلات البحث فى " قميص السعادة " :
وكما فى معظم الكوميديات الشعبية الرومانسية فإن الرحلة تردد أصداءها فى "قميص السعادة" :
رحلة بحث الأمير عن السعادة المفقودة.
رحلة بحث الوزير عن ابنته الهاربة من ظلمه.
رحلة بحث الشعب عن مخرج لخلاصه من اضطهاد رئيس الشرطة واستغلال القاضى.
رحلة بحث أم سعيد عن ابنها التاءه.
رحلة بحث الشركة عن الطبيب شعبان لينفذ مخطط الوزير الشرير.
المنادى كدلالة ووسيلة للبحث.
إن رحلة البحث تمثل الخيط الرئيسى الذى ينظم أحداث وعناصر "قميص السعادة" ويغدو موضوع البحث هنا سواء عن طائر أو قميص أو فتاة أو ماء الحياة رمزاً شاملاً للخير أو الرخاء أو العدالة.. يغدو رمزاً لقيمة إيجابية تتخطى الكيان المادى ويكون لذلك تأثيره العقلانى والوجدانى العميق على الطفل.
" قميص السعادة " والتربوية الهادفة :
إن "لقميص السعادة" تستوحى الكوميديا الرومانسية الشعبية فى مادتها وفى صياغتها فترتقى إلى مرتبتها الفنية وتتخطى بذلك التفسير المسطح للهدف التربوى فى مسرح الطفل. إنها تطرح تفسيراً ناضجاً يرتقى بمفهوم التربية من التلقين المباشر الذى رأيناه فى الكثير من مسرحيات الطفل المصرى، زمن الخطابة الجافة المتعالية وضرب الأمثلة الساذجة إلى إخصاب الخيال وتنمية الحس الجمالى نصاً وعرضاً.. ترتقى بمشاعر الطفل المشاهد وعقله حتى يتخذ موقفاً إيجابياً تجاه ما يشاهده من أطراف الصراع بين الخير والشر.
والقصة المحلية التى استوحاها المؤلف من ألف ليلة وليلة نجد لها أصداء مشابهة فى الأساطير العالمية وقد أعاد المؤلف تشكيل خيوطها فى نسيج جديد ممتع أثرى الإخراج المسرحى وذلك بالجمع ما بين الألفة والطرافة.
القصة تدور حول رحلة بحث أمير البلاد "حسان" وقد أصابه الشعور بالكآبة عن علاج ودواء يشفيه من علته.. ولما كان يعى جيداً أساليب طبيبه المغرضة فإنه يجد طريق السعادة والذى لا يملكه إلا أسعد سعداء البلاد.. ولأن شعبه يرزح تحت وطأة الفقر والعور واضطهاد الوزير وأعوانه.. فإن أسعد سعيد هذا سيكون نادر الوجود.. أو هو غير موجود بالمرة!!
إن الأمير المدرك للحقيقة يجد أن سعادته الحقيقية لا تكمن إلا فى حب شعبه.. وهو عندما يمتحنه.. مستنكراً فى ملابس صياد غريب – يجده مخلصاً، بل يساعده على كشف المزيفين من موظفيه وأعوانه والمحيطين به من الذين أولاهم ثقته فى الحكم والتحكم فى مقدرات الناس.. ولقد وجد أن السعادة الحقه لا يحصل عليها الإنسان فى قميص أو سروال ولكن فى العمل والإخلاص ومحاسبة المخطئين والأشرار. وتجمع الرحلة بطريق المصادفة بين عدة حكايات.. أهمها لقاءه مع فتاه فى السوق هى فى الأصل أبنة الوزير الذى يريد أن يزوجها ممن لا تحب. من ذات الأمير الحزين الكئيب.. ولكنها تكتشف فيه وهو الصياد الفقير المُجد المناض فتى أحلامها الحقيقى!..
نظم الإخراج هذه الخيوط البسيطة مع مثيلاتها فى نسق مسرحى بسيط ومشوق ويتسم بالغرابة التى أساسها الكوميديا والمواقف الرومانسية والمتناقضات.. نسق مسرحى يقوم على مبدأ تجسيد الصراع بين الخير والشر، الخاص والعام مستغلاً كل امكانات المسرح الاستعراضى من أداء حركى وغنائى وتمثيلى واستعراضى راقص وإبهار محبب فى الموتيفات التشكيلية الثابتة والمتحركة فى الديكور وفى أداء الممثل الرشيق، والغالب عليه الكاريكاتورية من ناحية وصدق العواطف الرومانسية من ناحية أخرى.
ولقد طعم الغرض بنماذج منوعة من ألعاب وأغانى الأطفال الشعبية، تلك التى صاغها فنياً الشاعر " مصطفى الشندويلى" فعمق البعد الفولكلورى من ناحية والمعاصر التربوى من ناحية أخرى: "يظهر السلطان بسوق المدينة فى ملابس صياد فقير.. دندش فى ملابس المعلم مختار.. الباعة فى السوق يغنون" :
المنادى : قرب .. قرب.. قرب جرب.. جرب .. جرب
بائع 1 : بلح الشام يا حلاه بالسكر متشرب
المنادى : ياللا يا مرزوق خشى على السوق
قولوا هيه.. هيه.. هيه
بائع 2 : شربات برقوق.. اتفضل دوق
قولوا هيه.. هيه.. هيه
الحاوى : توت توت .. حاوى توت
اسمى حسين احمد شلتوت
توت .. حاوى توت
من ودنى باطلع كتكوت
توت توت.. حاوى توت
أكل العيش مر يا أستاذ.. لما نجوع نتعش قزاز
اوأما بنعطش نشرب جاز.. لا بنتعور ولا نموت (الخ)
توت.. توت.. توت (أنظر النص وشريط العرض)
ومن الأهمية فى هذا العرض، فإن الصياغة الشعرية تميزت بالدرامية وأصبحت جزءاً من الحوار المغنى والذى يمثل جزءاً من النسيج الدرامى الأساسى ولم تعد مجرد غنائيات تحشر فى الفواصل المسرحية. ومن عنا تكاملت عناصر الكوميديا الرومانسية الموسيقية فى هذا العمل. وقد تكاتفت جهود الشاعر مع جهود الملحن الذى قدم للطفل صوراً موسيقية بسيطة تتناسب مع احساسه الخاص البسيط بالإيقاع والنغمة وأيضاً فى رشاقة وسرعة تتناسب والإيقاع الطبيعى الخفيف لحركة الطفل وأيضاً الكوميديا الخفيف فى هذا العمل.
لغة الصورة المسرحية فى قميص السعادة :
إن اللغة الشعرية النثرية على بساطتها.. منغمة وموقعة دون دون رتابة.. قد جانبها لغة الصورة المسرحية المرئية فى الفراغ المسرحى وهى تنأى عن التجريد والتعقيد.. ولقد سعيت كمخرج أن أوصلها إلى الطفل فى سلاسة وطرافة بحيث تتفتح من ناحية على الشعر الراقى ومن ناحية أخرى على الهزل الشعبى الفكه وعلى سبيل المثال فإن افتتاحية المسرحية تبدأ بمجموعة شعبية تضم اطفالاً وكباراً وأقزاماً ولاعبى سيرك وحواة وتدعو المشاهدين إلى رحلة البحث عن السعادة وهنا ولأنها بداية لابد أن تكون مشوقة وطريفة فقد اشتركت فيها الأقنعة البشرية للنماذج الشعبية المألوفة وكذلك العرائس العملاقة يلبسها اللاعبون ونتحرك بحركتهم صعوداً وهبوطاً وانثناءاً مما أعطى ذلك الكثير من الطابع الهزلى والمشوق.
وتلعب صورة الديكور الشرقى الطابع فى سحره وألوانه الساخنة دوراً فعالاً فى الولوج إلى عالم الأسطورة والحدوتة الشعبية بمجسمات وأبنية لها طابع الواقع الخيالى فى المقدمة :
أما الخلفية فللمدينة بأبنيتها الفقيرة والغنية وقبابها الإسلامية الجميلة. والصورة إلى السوق .. إلى حجرة.. إلى السجن.. بينما وفى أوقات متفاوتة تتحرك فى الخلفية أقمار ونجوم تجوب المكان صعوداً وهبوطاً.. حركة سيارة تضفى الجو الشاعى الرومانسى الأخاذ على شعبية المكان.
الشخصيات :
فى كاريكاتورية واقعية رسم الإخراج أنماط الشخصيات تترجم حال الشخصية لتصل إلى الطفل سهلة وواضحة وساخرة فى نفس الوقت فاختيرت على سبيل المثال لا الحصر أنماط الجنود الكسالى ورئيسهم أنماط تتنافر أجسامها ما بين قزم وقارع ونحيف وسمين فتحقق من ناحية هزلية ومن ناحية أخرى معنى الكذب والاحتيال المرغوب توصيله من خلالهم.
ولقد حرص الاخراج على الاختيار الدقيق شخصية المهرج دندش بالذات لتحقيق صورته المألوفة فى الفولكلور المصرى العريق فى تناول مثل هذه الشخصيات.. حيث جاء سليط اللسان، نحيف جداً.. سريع الحركة.. سريع البديهة.. يملك لغة جسدية عالية ويجيد البهلوانية والأكروبات وهو خفيف الظل تماماً.. وهو فى دخوله على المسرح ينقلب دائماً كل ما هو سوى من موجودات وأفكار وحوار إلى فوضى محببة إلى المشاهد واعتقد كمخرج أن الممثل الذى اختير قد نجح إلى حد كبير فى تحقيق ذلك للعمل، وهو الممثل (علاء عوض) الممثل الهزلى الذى يجيد لغة الحركة والجسد ويجيد الرقص بشكل كبير.
وشخصية رئيس الشرطة حرص الإخراج على أن تكون شخصية مضادة لشخصية دندش شكلاً وموضوعاً وإن اجتمعا فى خفة الظل ولكنهما فى النهاية يكونان ثنائياً متنافراً.. هذا فى ذكاءه وخفته والأخر فى ثقله الجسمى وغباءه وعنجهيته.. هذا فى عطاءه وهذا فى شحه واستغلاله وتدليسه وقد لعبه الممثل "ماجد الكدوانى" بتكوينه الجسمى الهزلى بتوفيق.
تتوالى الشخصيات.. الأميرة الرقيقة ذات الصوت الطفولى ولكنه يجلجل متمرداً عندما تغضب من أبوها الوزير الذى يريد أن يظلم قلبها ويستغلها لمصالحه وقد لعبته ممثلة شابة هى "راندا" بتكوينها الشرقى الارستقراطى وحركتها التى تتسم بالطفولة والأنوثة فى وقت واحد.
ثم الوزير الجشع اختير له ممثلاً يتميز بحشركة فى صوته وحدية وعصبية فى حركته وقسوة فى أداءه ولكن فى نفس الوقت خفه فى ظله عندما يتخابث ويتآمر وينهى ويأمر والذى مثله باقتدار الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة.
أما القاضى الأفاق والذى رسم الإخراج صورته أن يكون قصيراً لئيماً داهية ذو حركة قافزة بين جنوده الفارعى الطويل.. يجوب الأسواق محمولاً على محفة لا قاعدة لها فقد جسده الممثل إيمان الصيرفى فحقق هذه المعادلة بإمكانياته الجسدية المناسبة والعصبية.
تتوالى الشخصيات (انظر العرض فى الشريط المسجل) تتقدمها الأنماط الشعبية.. من تجار وحواه وبائعين جائلين ومنادين وصناع حرفيين وراكبى العصى وجمهرة الأطفال ومجاميع الأقزام.. تتقدم ممثلة أنماط هذا الشعب. وفى الوقت الذى يجسد فيه جنود الشرطة العنجهية والتسلط والتخبط فى لحن كاريكاتورى يذكرنا بألحان سيد درويش الساخرة اللاذعة،
فإننا نرى من جانب آخر اجتماع الشعب حول لحن عاطفى أمومى يسجد فقطان أن سعيد لطفلها فى زحام السوق والحياة.. لحن يحمل كل معانى الفقدان التى يعانى منها الأمير.. ويجسد لحن آخر معانى التضامن عند الشدة وآخر ثورة الناس على الطغيان ومناداتهم بالتغيير.. تغيير الشرطة والقاضى والمحتسب وأعداء الحياة.
(أنظر الصور الفوتوغرافية والشريط المسجل للعرض الحى)
أ.م.د. محمد عبد المعطى محمد
استاذاذ بالعهد العالى للفنون المسرحية

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More