Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأحد، 22 يناير 2017

السيد حافظ بين التجريب والإلتزام .. وهموم الإنسان بقلم : د . أحمد العشرى

السيد حافظ بين التجريب والإلتزام .. وهموم الإنسان
‏                                                    بقلم : د . أحمد العشرى
‏    السيد حافظ كاتب مسرحى ملتزم بموقف تجاه جيله وواقعه ومجتمعه العربى . وهذا الموقف لا ‏يتمثل فقط على مستوى الإلتزام كمعنى وسلوك , إنما يتجاوز ذلك إلى إبداعاته الفنية فى مجال المسرح ‏‏. فهو كاتب بدأ الكتابة مبكراً ( فى سبعينات القرن العشرين ) عزيز الإنتاج متنوع الروافد والطرح . ‏
‏    فهو من ناحية كاتب يعبر عن الواقع بمرارة وحسرة يبغى الأفضل للإنسان والوطن .‏
‏       ومن  ناحية أخرى فهو كاتب يعرف كيف يستلهم التراث بأنواعه , وكيف يوظفه مسقطاً على ‏واقع حضارى معيش , وهو من ناحية ثالثة إلى جانب كونه كاتباً درامياً سياسياً فهو من أوائل ‏التجريبيين ليس فى مصر فحسب , بل فى المنطقة العربية بأسرها , ولعل مسرحيته 
‏( كبرياء التفاهة فى بلاد اللاسوقى  والتى كتبها فى مطلع السبعينات لدلالة أكيدة على سبقه فى مجال ‏التجرب , حتى قبل أن يطرح المصطلح للتداول , وحتى قبل أن يتفلسف المنظرون حول أشكالية ‏المصطلح فى أواخر الثمانينات .‏
‏  ومن ناحية رابعة , فقد كتب للطفل عدداً كبيراً من النصوص المسرحية مثل معظمها فى الكويت ‏وقطر والإمارات والعراق ... هذا إلى جانب عدد من الرسائل والبحوث الأكاديمية التى خطت فى ‏المغارب العربية والخليج حول مسرح السيد حافظ فى شتى أشكاله وإتجاهاته .‏
‏    كما أن أعماله المسرحية قد تصدى لها بالنقد والتحليل عدد ليس بقليل من النقاد الأكفاء فى مصر ‏وسائر البلدان العربية , ونوقشت أعماله فى معظمها بإذاعة البرنامج الثانى .‏
وتلك الأعمال التلى بين يديك عزيزى القارىء متنوعة فى شكلها ومضامينها . وإذا كان التنوع فى ‏المضمون قد طرحته تلك الأعمال وهى فى معظمها تقف مع الإنسان وحلمه بالحرية وتجاوز الإغتراب ‏بشتى أنواعه , إلا انها من ناحية الشكل تمثل وقفة , وإضاءة فى مسيرة الكاتب المسرحية .‏
‏    والسيد حافظ من الكتاب المهمومين بمفهوم التجريب من ناحية , ومن ناحية أخرى من المهمومين ‏بطرح قضايا كلية تطرح ثيمات ( ألعدل والظلم والموت والحرية والنشىء والإستلاب).أنه ينتصر ‏للإنسان ضد عوامل القهر اقتصادية واجتماعية أو سياسية أو حتى كونية .‏
‏    ومن ناحية أخيرة وفى إطاره التجريبى فإنه يملك وعياً بمفهوم وحدة الفنون , ( فالكلمة والصورة ‏واللون والضوء والصمت والحركة والموسيقى ) أشكاليات يجرب فى إطارها أعماله المسرحية .‏
‏   والسيد حافظ مهموم بالنموذج البشرى , رجلاً كان أم إمرأة , فتى أو عجوزاً , يطرح من خلاله ‏معاناة النموذج فى مواجهة كل عوامل القهر والإستلاب والنشىء والظلم .‏
‏   ورغم أن السيد حافظ يطرح قضايا كلية ويهتم بالنموذج البشرى , إلا أنه فى نفس الوقت يمتلك ‏خصوصية البيئة العربية والمصرية فى همومها اليومية وإنعكاساتها على نموذجه البشرى بكل تنويعاته ‏‏, إنه كاتب يؤمن أولاً وأخيراً بقيمة الإنسان العربى ومستقبله , منطلقاً من خصوصية الإنسان المصرى ‏إبن الحضارة الفرعونية والمسيحية والإسلامية والعربية على مر العصور .‏
إنه كاتب مصرى الأرض والنبض والحضارة . وكلما أقرأ كتاباته أدرك بقينا أن مياه النيل لم تتدفق ‏عبثاً .* * مسرحية إشاعة .. ايه معنى الوطن .. والإنسان .؟   ‏
‏    ولنطالع معاً قراءة سريعة لنماذج من إنتاجه المسرحى التى يجمعها هذا الكتاب . ففى مسرحية ( ‏إشاعة ) ينتصر السيد حافظ رغم المأساة إلى فضيلة البراءة المطلقة فى مواجهة قوى الشر المتربصة ‏ولعله فى هذه المسرحية ينطلق من الجزء إلى الكل لادانة كل عوامل وملامح التربص بالجمال والحب ‏والنبل الإنسانى . رافضاً للحقد والكراهية والأنانية , وكل مظاهر الإستلاب والتخلف والحقد  ... ‏
‏    إذ تطرح مسرحية ( إشاعة ) مفهوماً عصرياً للصراع الأزلى بين إرادة الخير وإرادة الشر . إذ ‏تطرح المسرحية نموذجاً نبيلاً عالماً مصرياً لم يفقد برائته بعد .. حصل على جائزة نوبل فى العلوم ‏الإجتماعية .. وهو لفرط برائته يهدى الجائزة إلى مصر وكل مصرى .‏
‏    وعليه فإن إرادة الحير المطلق تحسم فى البداية إلى جانب الدكتور مصباح , ولأن الخير حقيقى , ‏ولأن الشر زيف فهو يتخذ أكثر من وجه وأكثر تنويعة .. تتمثل تلك التنويعات فى إرادة الشر فى أخد ‏جوانبها فى شخصية خطيب الفتاة والتى تركها المؤلف كنموذج تعبيرى لكل فتاة جامعية طموحه ‏وكتنويعة إيجابية على شخصية الدكتور مصباح .. إذ يدور حوار ملىء بالمفارقات بين خطيب لفتاة ( ‏ابن لحمها ) حوار حول الكلب الذى مات وهو يعبر فى الشارع ليبذر المؤلف مقدمة صغرى للمسرحية ‏ككل , ويرهص لشىء نبيل أو وفى سيقتل أو سيشوه .. ولعله الدكتور مصباح , أو لعله الفتاة نفسها .‏
‏    ثم تطرح المسرحية تنويعها آخر على صراع الخير والشر بين مصباح الزمان الذى يبغى أن يكون ‏مجموعة جديدة من الشباب لقيد كتابة التاريخ بشكل حقيقى ( ثورة 1919 مثلاً : مين إللى ظلم ومين ‏إللى إتظلم , مين القيادة الحقيقية والقيادة الرسمية ) .‏
‏     وإرادة الرجل المهم عدو التقدم وعدو التاريخ وعدو الحقيقة كنموذج وتنويعه على إرادة الشر ‏
‏ الرجل المهم ‏:‏ ما أنت عايزهم يعيدوا كتابة تاريخ ثورة 19 وبعدين ثورة 36 وبعدين ‏ثورة 48 وبعدين ثورة 52 وبعدين ثورة 125 مايو 71 وبعدين ثورة ايه ‏‏...‏
مصباح الزمان ‏:‏ ياريت الشباب يقدر يعيد تاريخ بلاده .‏
‏    ولأن سؤال الدكتور مصباح الزمان سؤال منطقى ولأنه موضوعى فى طرحه ولأن أشكالية كتابة ‏التاريخ أشكالية تؤرق كل مثقف مصرى , ولأن الرجل المهم غبى , يمثل تنويعه على  إرادة الشر فإنه ‏يناور ويسعى لتشويه صفحة الدكتور مصباح فيلجأ إلى حوار مباشر للتشكيك فى سمعة الرجل .‏
الرجل المهم ‏:‏ ‏... وبعدين ايه حكاية البنت دى ( يخرج سلايدز وفيه صورة الفتاة).‏
مصباح الزمان ‏:‏ دى طالبة .. مالها ؟ ‏
الرجل المهم ‏:‏ ‏( يضحك ) ملها .. عيب عليك لما تبقى راجل كبير وناقص .. دى قد ‏بنتك يا أخى .. عيب .. خذوه ( يسحبون أستاذ الجامعة ) .‏

‏   إن الرجل المهم قد جهز كل شىء .. التهمة والفضيحة بإطارها المادى , لقد انتصرت إرادة الشر ‏مرحلياً .‏
‏   ثم تطرح المسرحية تنويعة ثالثة على إرادة الشر لتشكل مع سابقاتها ملامح الإنهيار فى المجتمع .. ‏إنها شخصية الأستاذ فهمان .. كنموذج لشخصية غير سوية والتى تفسد كل شىء فى مجتمعنا .‏
‏   إنها نموذج فج لفقدان البراءة .. انه استاذ جامعى وسمسار يبيع كل شىء .. ولديه التبرير لكل شىء ‏‏.. انه نموذج مجسد على مستوى الدراما فى مسرحية ( إشاعة ) للمثقف البرجوازى الإنتهازى ولنقرأ ‏معاً حواره التالى وهو حوار خطير يلمح بل ويصرح : ‏
الأستاذ فهمان ‏:‏ أنا بعرف سفارات وهيئات أجنبية بتجمع معلومات لعمل أبحاث علمية ‏مؤسسة .. أنا موافق إنك تشتغلى فى أبحاث لدولة من دول ‏
الفتاة ‏:‏ دى خيانة .. بيع المعلومات والتجسس خيانة .‏

‏   وكتنويعة على سابقة الرجل المهم يرى أن حجة الفتاة نموذج الجيل الجديد حجة قوية فهى لا تجيب ‏بأكثر من كلمة خيانة . فيلجأ فهمان للمناورة ..فيطلب منها ملخص جلسات أستاذها مصباح الزمان .. ‏فترفض الفتاة أيضاً .‏
‏   وتنقلنا المسرحية فى بناء درامى متصاعد إلى نموذج أو تنويعة ثالثة تتمثلفى الصحفى أبو الكلام , ‏والذى يؤكد الكاتب أن يقوم بدوره نفس الشخصية السابقة .. غير أنه يتنكر بإرتدائه نظارة ويمسك قلماً ‏كبيراً .. والذى عاش طوال عمره متنكراً .. ففى عصر الملك كان قلمه , ومع الثورة كان قلمها ومع ‏كل رئيس ..مع الشرق كان شرقى .. مع الغرب كان غربى .‏
الفتاة ‏:‏ وقلمك هو هو والحبر بيتغير , مرة أحمر , مرة أصفر , مرة أخضر .. ‏مرة من دم الغلابة مرة بتبيع الغلابة , مرة مع العبيد , مرة مع السادة مرة ‏مؤمن , مرة كافر , بس قوللى أنت مين ؟
‏    فيبرر لها أبو الكلام ويشرح لها الأمر ببساطة فهو رجل الأقنعة , كل ثانية لها قناع .‏
الصحفى أبو الكلام ‏:‏ كل همسة كل ثانية لها قناع , لها قلم , لها حبر , لها كلام والصحافة هى ‏أنا ... البلد دى طول عمرها إللى خانها كسب وإللى باعها كسب .. النديم ‏مات غريب .. غريب اتنفى عشرين سنة , وإللى ضحى زى محمد فريد ‏طلع من المولد بلا حمص , مخدش حقه من التاريخ ولا حتى لقى فى آخر ‏أيامه طبق طبيخ .‏
‏    وعندما تسأله الفتاة عن رأيه فى الدكتور مصباح الزمان يجيبها بأنه رجل عنيد .‏
أبو الكلام ‏:‏ ‏... الراجل ده مفهمش , إللى كانوا زيه على مر العصور يا إما إتسجنوا , ‏يا إما دخلوا مستشفى أمراض عقلية .. القضية ي اصبية إن مفيش قضية ‏‏.. التجسس فى الزمان ده مش خيانة ... التجسس فى الزمان ده إسمه ‏شطارة إسمه مفهومية .. إسمه جمعيات دولية للسلام والأمان .. إسمه ‏مراكز بحوث وفلوس للمحتاجين .. إسمه المعونة والإعانة للشعوب ‏الغلبانة .‏
‏  ‏
‏    ان أبو الكلام كنموذج للخائن بل هو الخيانة يفشل فى إقناع الفتاة , فيحاول أن يجندها لتكتب فى ‏الصحافة لكنها ترفض لأنها إذ أدركت أن أمثال أبو الكلام هم سبب النكبة .‏
الفتاة ‏:‏ أنا بس عرفت ليه دلوقت فيه أمية ثقافية فى الجامعة , ليه ولاد كثير ‏ميعرفوش الفرق بين نجيب محفوظ طبيب النساء .. ليه ميعرفوش طلعت ‏حرب ولا سيد قطب ولا حافظ إبراهيم ولا محمود شاكر .. ولا مين إللى ‏بنى مصر .. عن إذنك .. بس قبل ماأمشى أحب أقولك مع ده فيه ولاد فى ‏الجامعة زى النديم وبيرم التونسى وزى فاروق الباز .. وزى عبد الناصر ‏ويمكن أكثر .. عن إذنك . ‏
‏  ‏
‏      تنقلنا المسرحية فى حوار متدفق وصراع متوافر إلى مكتب مصباح الزمان . وإذا كانت الدراما ‏تطرح سؤالاً وبالطبع تطرح الفتاة بعد كل النماذج التى قابلتها سؤالها لأستاذها : ‏
الفتاة ‏:‏ اية فايدة البحوث لما تترمى فى الأدراج ولا على الرفوف فى كتاب ضرير ‏ما يتقراش .. ايه فايدة القصيدة والعلم والحلم لحظة انهيار الوطن .؟  ‏
‏     فيدرك الدكتور مصباح الزمان على الفور أنها قابلت نماذج يعرفها جيداً .‏
مصباح الزمان ‏:‏ عارف إنك قابلتيه .. وعارف إللى متعرفهوش عنه .. دا أخوه الصحفى ‏أبو الكلام , وابن عمه سابق أوانه المحافظ إللى باع الآثار والأسرار ‏وهرب مليار دولار وحفظهم فى خزانة سويسرا فى رقم سرى , يبقى جده ‏الكبير إللى خان اخناتون .. يبقى عمه إللى خان عرابى. ‏
‏     انهم سرطان هذا الزمان , والخيانة لها تاريخ ممتد .. إن السلفية يتجمعون ويكونون نسيجاً ‏اخطبوطياً انتهازياً يعوق التقدم ..‏
‏   فتلاحقه الفتاة بالسؤال :‏
الفتاة ‏:‏ تفتكر ايه معنى الوطن لما يبقى الإنسان مالوش ثمن ؟  ‏
‏      ان التاريخ ذاكرة لا تمحى فبقدر ما يسجل الخيانة قطعاً يسجل المجد حتى ولو تأخر الآن آلاف ‏السنين أو حاول البعض تزيفه .‏
مصباح الزمان ‏:‏ جدك الكبير أحمس .. عرفاه .. لما مات شاله تاريخه من على المعابد ‏ومسحوا سيرته , وفجأة بعد 4 آلاف سنة لقوا بردية مقبرة تلميذ فرعونى ‏مكتوب فيه دوره إللى أداه .. ومع كدة لما نمشى على كوبرى عباس ابقى ‏بصى تحت الكوبرى تلقى دم الشهداء إللى ماتوا عليه , طرح مدارس ‏ومستشفيات وعمارات وقهاوى وغناوى .. مفيش حد بيحب بلده بيستنى ‏الثمن .. وإللى خانوا ياما وإللى خانوا ياما وإللى باعو ياما . ‏
‏     وتردد الفتاة فى تخبره بالإشاعات حوله فتطلب منه الهجرة .. أن يغادر الزمان والمكان , لكن ‏الوطن فى رأى الدكتور مصباح إنسان ويرفض أن يترك الوطن وتنتهى المسرحية بانتصار إرادة الشر ‏وهنا تكمن الدرامية فيها , فقد تآمر على الفتاة كنموذج للبكارة والخصوبة زهرة الحياة وأم الأجيال . ‏تآمر عليها كنموذج للأرض كل عناصر السوء , واستشرت إرادة الشر ( أبو الكلام , فهمان , الرجل ‏المهم ) ودسوا لها طفلاً كمعادل موضوعى لتشويهها على المستوى المعنوى . فى مشهد ميلو درامى ‏ويستمر الروند مرة ومرة وتنتهى المسرحية من حيث بدأت .. فالشر باق وفى نفس الوقت سيبقى ‏مصباح الزمان فى كل مكان .‏
‏* * الإغتراب والبراءة :‏
‏      فى دراما ( أجازة بابا ) – وهى دراما لممثل واحد – تؤكد على مفهوم الإعتراب الإجتماعى ‏والذى يعيشه أحمد بطل المسرحية ترتبط مع مسرحية امرأتان بوشائج قربى .. إذ يوجد حيوان ( كلب ‏‏) يهاجم باب شقة أحمد فى مسرحية أجازة بابا وكلب يصطحب المرأتان فى مسرحية امرأتان ثم هناك ‏علاقة بين الرسالة القادمة من أمريكا فى مسرحية أجازة بابا بالسيدتين اللتن تنتظران الخال الفنى الذى ‏لن ياتى أبداً .‏
‏    عمد السيد حافظ فى مسرحية أجازة بابا إلى إستخدام ( البلاى باك ) فى مناطق كثييرة , ويبرز حالة ‏الإغتراب التى يعيشها البطل والذى يهرب من واقعة إلى منطقة الحلم , ولكنه حلم غير متحقق , حلم ‏مجهض فى كونه شاعراً أو طياراً أو مليونيراً أو ضابطاً , أو حتى مجرد سفره إلى شقيقه فى لندن .‏
‏      وتتوالى الأحلام والأمانى المجهضة ( بيت – جديد – عربة فلوس تساعد أختى فى جوازها , ‏وزوجتى تطلب تأمين مستقبل الأولاد ... الخ ) .‏
‏       وتكمن مأساة أحمد بكل مسرحية أجازة بابا فى أنه شخصية واعية , وفى نفس الوقت عارفة .. ‏والمعرفة والوعى تعد فى عصرنا نوعاً من الخطأ الترراجيدى الذى يؤدى بصاحبه إلى نهاية مأسوية , ‏وهنا يكمن السمو فى شخصية البطل كإنسان عادى , وكنموذج لأبطال الطبقة الوسطى , لكنه فى نفس ‏الوقت نموذج متمرد حتى على زوجته التى تملك قدراً هائلاً من البراءة والتى لا تعرف الكثير عن ‏العالم الخارج عن محيط أسرتها .‏
‏ أحمد ‏:‏ محدش علمك شىء عن حق الحياة عن الفشل .. عن النجاح .. عن الكفاح ‏‏.. فتحت عنيكى لقيتى كل شىء موجود واليوم إللى قالت لك فيه المدرسة ‏اكتبى موضوع إنشاء عن أسرة فقيرة .. كتبت .. كانت هناك أسرة فقيرة ‏‏.. وخادمتهم فقيرة وطباخهم فقير وسواقهم فقير .. وحارس الفيلا فقير .. ‏ولما أبوكى خسر كل فلوس اتجوزتينى وأنت واعية ان العالم المحيط ‏حواليكى أخفى الحقيقة تماماً عنك .. ولما تزوجت عليك الأمور وعاش ‏كل منا فى عالم خاص به .   ‏
‏     ان أحمد كمغترب اجتماعى عن زوجته يعد بمثابة أغرب الغرباء , أنه يلقى باللوم  على والده الذى ‏عمله أن كل شىء حرام .. قد علمه المثالية رغم أن كل شىء قد تغير والناس تغيرت فالزمان غير ‏الزمان .. أن احمد فى حالة لا يستطيع فيها التفريق بين الصح والخطأ , أنه يبحث عن الحقيقة , ولا ‏يفيق من أحلامه وهواجه التى تعد بمثابة محاكمة لنموذج مسئول من ناحية عن حرية اختياره وغير ‏مسئول من نواحى كثيرة عن نواحى الفساد من حوله .فهو مغترب على المستوى المادى وأغرب ‏الغرباء على المستوى الإجتماعى , يقيم علاقة إستبدالية مع الصور الموجودة فى منزله , يحاسب نفسه ‏ويحاسبهم ( الزوجة – الإبن – الأب ) ويأتى صوت أذان الفجر ليستيقظ من تداعياته ويقرر تجاوز ‏عزلته المادية ليلحق بزوجته وأولاده ويمتلك القدرة على الفعل .‏
‏* * ماذا جرى فى العالم ؟ ..‏
‏       فى مسرحية ( العزف فى الظهيرة ) يطرح لنا المؤلف نموذجاً آخر للمرأة المستلبة .. انها ‏صبرية التى تسكن فى شارع منصور المتيم , تعيش حياتها وحيدة هادئة , حتى يقتحمها رجل يدعى ‏الهمشرى بحجة أنه يسأل عن مواطن هارب مطلوب للعدالة , فيحتل المكان عنوة ويأتيه أحد أتباعه ‏وتحاول صبرية عبثاً أن تبرهن عن أن الشقة شقتها والأشياء ملكها , الإ أن محاولاتها تضيع هباء , إذ ‏يشهد الحارس والبقال والرجل الثانى أن المكان ملك للهمشرى .‏
‏    وعندما تأتى ليلى صديقتها لزيارتها تعتقل أيضاً داخل الشقة وترغم المرأتان على الرقص والقيام ‏بالخدمة , وعندما تحاول صبرية أن تناقش الهمشرى ( الممثل ؟) منطقياً فى عدم أحقيته فى الشقة ‏وإحتلالها عنوة مع أتباعه , يمارس الهمشرى وأتباعه أنواعاً عديدة من القهر والتعذيب ويخبرها ‏الهمشرى أنه يعرف عنها كل شىء بل ويتجاوز ذلك إلى محاولة طردها من الشقة هى وصديقتها ليلى , ‏بل ويدفعهما بعنف حتى تسقط المرأتان على الأرض , ونكتشف فى المشهد الأخير أن صبرية تقوم من ‏النوم مفزوعة تنظر حولها تجد كل شىء على ما هو عليه , تجرى إلى المرآة تنظر فيها تصرخ حين ‏ت شاهد بقعة دم من إصابة فى وجهها .. ثم تصرخ وتبكى وتطرح السؤال .. ماذا جرى فى العالم .. ‏وينزل الستار بطيئاً . ‏
‏    والمسرحية تطرح سؤالاً إلى جانب سؤال صبرية حول مفهوم نسبية الحقيقة , وهل ما حدث حقيقة ‏أم أن صبرية كانت تحلم .. وعلى العموم أن المسرحية بمثابة صرخة تحذير فى زمن الحق الضائع .‏
‏* * الإنتظار .. والإغتراب :‏
‏     ويبدو أن المرأة المغتربة بتنويع عليها حواء كانت وحيدة فى مسرحية إشاعة أو مع صديقتها فى ‏مسرحية العزف فى الظهيرة , أو مع شقيقتها فى مسرحية امرأتان , إلا أنها تعانى من غربة واضطهاد ‏‏, يبرزهما المؤلف بأكثر من صورة درامية .. ففى مسرحية إشاعة تتعرض الفتاة إلى شتى أنواع الظلم ‏والقهر حتى تتهم فى شرفها وتشوه سمعتها .. وفى مسرحية العزف فى الظهيرة يقتحم شقتها أناس لا ‏تعرف عنهم أى شىء ويعرفون عنها كل شىء ويتأمر الجميع لإستلاب شقتها وامتهان كرامتها واقتحام ‏خصوصيتها هى وصديقتها ليلى والأدهى من ذلك أن الحارس والبقال يقفان بجانب إرادة الشر .. وفى ‏مسرحية إمرأتان تعانى سنية وهدى من حالة جديدة من حالات الإغتراب , إلى جانب حالة مستمرة من ‏حالات الإنتظار .. إنهما عانستان تنتظران وهما لن يأتى أبداً , تنتظر أن الخال الذى هرب من تحمل ‏المسئولية وسافر إلى أمريكا ويشاع أنه إمتلك ثروة وأنه سيعود ولكنه أبداً لن يعود فقد مات منذ سنوات ‏‏. ان هدى وشقيقتها سنية تعيشان حلماً من أحلام اليقظة فى أن يعود الحق الذى استلب منمها .. وأن ‏يعود الخطيب الإنتهازى مصطفى وأن يعود الخال بعد طول غياب .. ان كلا منمها تكلق لنفسها العنان ‏‏, تحلم وتكذب على نفسها وتستمرىْ ذلك  هرباً من قسوة الواقع .‏
‏    ويطرح المؤلف قمة الإغتراب الذى تعيشه الأختان فى محاولتهما البحث عن كلب يعيش معهما بعد ‏أن فقدتا الثقة فى كل البشر .‏
‏    ان المرأتين فى هذه المسرحية ظلتا تنتظران الوهم ( الزوج –  الحبيب – الخطيب – الخال) لكنه ‏لم يأت ولن يأتى أبداً .. ان مسرحية إمرأتان تطرح نماذج فى حالة انتظار وإغتراب وخواء طوال ‏المسرحية إنهما ينتظران هؤلاء الذى لن يأتى أبداً .‏
التجريب .. الحوار بنى الكلمة والصورة .. ومفهوم وحدة الفنون :‏
‏    فى المسرحية القصيرة جداً ( معزوفة للعدل الغائب ) تجربة درامية مكثفة وجديدة فى شكلها ‏ومعناها تطرح جدلاً ثنائياً بين الشخوص والألوان ( الخطاط الرسم والفتاة ) , ( الفتى والفتاة ) , (  ‏النجار العجوز والزوجة ) , ( الأبيض والأسود ) على المستوى اللونى , ( المسموع والمرئى المكتوب ‏‏) , ( الصمت والحوار ) , انها تجربة جديدة فى مفهوم وحدة الفنون تطرح جدلاً بين الكلمة والصورة , ‏بين ما تراه العين وتسمعه الأذن تتخللها اصداء عبيثة وحالة من الإغتراب والسخط والموت .‏
‏    انه يطرح جدلاً ملموساً بين حالة الصمت والمقروء من جهة والذى يعد بمثابة المعلق على الحدث , ‏والمعادل للكورس الحديث .‏
‏   حوار مكثف غاية فى الكثافة , يطرح معان , ومعان للمعنى أنه حوار عبثى وفلسفى وساخط وساخر ‏وجودى وكونى فى آن واحد .‏
‏   ان تجربة ( معزوفة للعدل الغائب) تعد بمثابة كوميديا سوداء تطرح العديد من المفارقات اللفظية ‏والإستدلال الخاطىء , كما توحى بدلالة اللفظ المسموع والمكتوب , حيث توارت مساحات الحوار ‏التقليدية فى الدراما , وحل محلها مساحات مكتوبة أو مرسومة , فالخطاط الصامت معلق على الحوار ‏والموقف النفسى , يعلق على الحدث بشكل جديد , مرئى وليس مسموعاً .‏
‏   وهنا يطرح السيد حافظ نوعاً جديداً وفريداً من الكتابة المتغيرة والمتطورة دوماً , وفق تغير وتطور ‏الموقف أن تجربة ( معزوفة للعدل ) لا يمكن أن تناقش نقدياً كحالة تجريبية فى شكل الكتابة ‏والمضمون ومحالوة حل الفضاء المسرحى وتوظيف الألوان والصوت والضوء – وفق مناهج النقد ‏التقليدية المعروفة والمألوفة لمناقشة دراما تقليدية , انها تجربة مسرحية لا بد للملتقى من مشاهدتها أو ‏قرأتها . حيث إستحالة تلخيصها أو تحليل شخوصها أو لغتها أو مستويات صراعها .. إذ تناقش قضايا ‏كلية فى عالم مضطرب على مستوى الدراما وعلى مستوى الواقع فى آن واحد .   ‏

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More