Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الخميس، 27 أكتوبر 2016

مكانة السيد حافظ فى التجربة المسرحية العربية

نقد مسرحى
مكانة السيد حافظ
فى التجربة المسرحية العربية
دراسة بقلم/الدكتورة ليلى بن عائشة
لفترة طويلة من الزمن كان المسرح العربى عموماً والمسرح المصرى بشكل خاص "  المسرحيات التقليدية حتى أوائل السبعينات إلى أن ظهرت بوادر طيبة تبشر بمحاولات جديدة للنهوض بالمسرح المصرى بعد طول رقاد، فظهر السيد حافظ وأصدر أولى مسرحياته" ( )
فقد كانت هناك حقيقة – لا يمكن تجاهلها – فى الواقع المسرحى وهى افتقار الساح الأدبية المصرحية فى تلك الفترة إلى كتاب يستطيعون أن يطعموا الدراما المسرحية بانتاجات مناسبة تهيئ للمسرح العربى جواً من الاستقلالية وتمنحه مزيداً من الملامح القومية أو الملامح العالمية، فمع صدور مسرحيات "السيد حافظ" كانت هنالك نقلة نوعية جد مهمة لها أثرها البارز فى المسرح العربى والتى تعد بحق "... من المعالم البارزة فى أدبنا الحديث ذلك أنها تقف وحدها فى قمة الريادة فى ميدان المسرح التجريبى فى الساحة العربية. والسيد حافظ ليس مجرد كاتب مسرحى يحكى لنا حدثاً فى قالب درامى مسرحى، بل يعتبر بإنتاجه الفكرى الناضج خالقاً مبدعاً له عالمه الخاص وفلسفته وهو يغوص فى أعماق النفس الإنسانية محاولاً الكشف والوصول إلى أرض المثالية التى فقدناها.. محاولاً الكشف عن كل ما يقابله إنسان ذلك العصر من صراعات مادية ونفسية وحضارية" ( ) وتتفق الدراسات النقدية الدرامية (العربية) على تميز الإبداع الدرامى لدى "السيد حافظ" وتفرده عن غيره من البناءات الدرامية المعاصرة. ويبدو ذلك جلياً فى أعماله التى تكشف لنا عن " مؤلف مقتدر، يمتلك أدق الأدوات المسرحية وأكثرها فاعلية فى عملية الخلق المسرحى.. مؤكد أن .. هذه الأعمال ستفتح .. الآفاق المغلقة، لأنها كتابات جادة وجريئة، كتابات لا تقف عند – حدود – الشائع المعروف ولكنها تتعداه لتصل إلى مشارف كتابة مستقبلية جديدة، وهى تتوسل إلى ذلك من خلال التجريب الواعى والرصين"( ).
ويعد مسرح "السيد حافظ" مسرحاً ثرياً على المستوى الفنى، الفكرى، الفلسفى، الاجتماعى، والسياسى، وهو يمثل بحق المسرح الذى يحتاجه إنسان هذا العصر، ذلك أنه " ... مسرح مليئ بلغة التعبير... مسرح يتحدث بلسان الحياة ضد الموت، وقد قام ليتضمن فى ثناياه القيم الاجتماعية والثورية ليحملها فى ثوب جديد"( ).
إن ما يقدمه "السيد حافظ" من خلال مسرحه يقصد به الكثير، من بين ما يقصده هو أن يستفزنا وأن يحرك فينا ذلك الشعور بالأسف على ما هو قائم فى الواقع المعيش، ومحاولة تغييره ومن هنا فهو يبحث عن الاستجابة التى تستدعيها مشاهدة المسرح التجريبى، والتى تتعدى مجرد التعاطف مع الشخصية الممثلة، وتتعدى مجرد البكاء أو الضحك، تبعاً للموقف المأسوى أو الكوميدى " ... إلى إثارة قضية تهم الإنسان ويعانى منها" ( )
ويصبح أثناء مشاهدته للعمل التجريبى المسرحى لا يفرق بين ما يرى وما يعانيه. ومن هنا " يرقى المشاهد من رؤية المسرح الهزلى.. إلى رؤية المسرح الجاد بالرغم مما قد يكون من تجريب فى الشكل أو المضمون" ..
وق آثارت مسرحيات هذا الكاتب الكثير من المناقشات والمجادلات، لأنه اقتحم من خلالها عوالم كثيرة ومس فى كتاباته المفاهيم المستقرة فى أذهاننا سواء أكانت فنية أم اجتماعية أو فكرية أو سياسية بصورة قوية مباشرة. ومن هنا كان لابد أن يثير مسرحه عاصفة من الآراء المؤيدة والآراء المعارضة على السواء، بيد أن جهد هذا الكاتب فى حقيقة الأمر هو جهد فيه الكثير من العمق والأصالة والحضارة، وهذا ما دعا "مازن الماحى" أن يقول عن هذا الكاتب إنه " ... يؤكد بإنتاجه الفكرى المسرحى يوماً بعد يوم أنه من أوائل كتاب المسرح العربى بل يعتبر بحق رائد اتجاه جديد فى الفكر المسرحى المعاصر" ( )، بل إنه من المجدين فى هذا المسرح بما يحمله من حساسية فنية، وتفكير أو فكر عميق، وفلسفة خاصة... وإيديولوجية إسلامية برزت بشكل كبير فى كتاباته المسرحية كمسرحية (ظهور واختفاء أبو ذر الغفارى)، و(حكاية الفلاح عبد المطيع) و(مدينة الزعفران) ومسرحية (علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا).
" وتدور كتابات (هذا المبدع) دائماً حول الإنسان المعاصر.. الإنسان المطحون بين الأمل والإكثرات لذلك فهو يهتم اهتماماً كلياً بمشكلة الإنسان المعاصر والضغوط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الملقاة عليه. ويحاول أن يقتحم هذه العوالم فى داخل الإنسان"( ). ويبرز هذا من خلال مسرحياته التى ما فتئ يبذل جهداً لا نظير له فى البحث والتنقيب للكشف عن معاناته أكثر فأكثر.
إن المسرح التجريبى بالنسبة "السيد حافظ" ضرورة ملحة، وهو الملاذ الوحيد الذى يمنح للانسان فرصة المواجهة مع الذات الواقع ومع الذات المجتمع ومع الذات الإنسان "... المسرح التجريبى ضرورة لأنه يعنى هدماً وبناءاً، تراثاً ومستقبلاً ورؤى وفناً... المسرح التجريبى [كما يراه السيد حافظ هو أيضاً] ضرورة لإنقاذ المتفرج العربى المريض فكرياً وفنياً ونفسياً"( )
لقد وجد "السيد حافظ" فى المسرح التجريبى ما لم يجده فى أى لون أدبى آخر، ولم يكتف بالمحاولات التى سبقته فى مجال الدراما بل كان يطمح إلى ما هو أفضل وأحسن، إلى مسرح جرئ وجاد، لذا فقد كان معتمداً على واقعه "... ومغامراً جريئاً يعطى كل نفسه ويبذل كل طاقاته باحثاً فى هذا الواقع المتخم بالتكرار عن حياة فريدة وتنفسات جديدة لكن الواقع يرفض المغامرين فى زمانهم" ( )
إلا أن هذا الرفض لم يحل دون مواصلة هذا الكاتب لرسالته مبرزاً رؤاه وأفكاره وفلسفته ودون أن يتأثر بالحملة التى شنت ضده من قبل أولئك الذين لم يفقهوا كنه التجارب الجديدة التى جاء بها نظراً لتعصبهم ولضيق نظرتهم، ولتعودهم على قوالب جاهزة لا يبغون لها بديلاً. " ولا زالت مسرحيات السيد حافظ تتوالى فى الظهور تأكيداً لاتجاهه التجريبى الذى يحاول إثباته فى المسرح المصرى خاصة والمسرح العربى عامة، هذا فى الوقت الذى صمت فيه العديد من كتاب المسرح الجادين وغابت فيه العديد من الأقلام الجادة التى أفسحت المجال واسعاً للمسرح التجارى"( ) ولكن وحده رفع شعار التحدى وسار على دربه الذى اختاره دون أن يتأثر بتلك الحملات التى واجهته منذ البداية، لأنها ما كانت لتحد من عزيمته أو لتثنيها. فقد تعرض فى مسرحه إلى العديد من القضايا منها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية كم "... أبدى.. موقفه من القضايا الوطنية ودوره فيها، فكان السيد حافظ فى مسرحياته الكاشف والمحرض على التغيير والتقدم والرقى... وكانت كتاباته تثبت دوماً أنه أحد المناضلين الحقيقيين الذين ساهموا بالكلمة الحقيقية... الكلمة الطلقة وذلك لخدمة القضايا الجماهيرية ورفع المعاناة عن كاهل الشعوب المغلوبة على أمرها"( )
ويمكننا القول أن "السيد حافظ" يعد الأب الروحى للمسرح التجريبى والطليعى العربى ورائده الذى حمل على عاتقه مهمة الارتقاء به وإخراجه من الدائرة المغلقة التى كان يدور فى ظلها طيلة سنوات عديدة. لقد اضطلع هذا الكاتب بمهمة خطيرة ومهمة فى ذات الوقت، وقد تطلب ذلك الكثير من التضحيات والصمود أمام الجمود الفكرى لذوى العقول المتحجرة. ولا يزال هذا الكاتب يسير بخطى ثابته على مساره ودربه الذى رسم حدوده بكل دقة. على الأقل فى كتابة السيناريوهات بعد أن أعلن اعتزاله للمسرح عام 1990 ضمن الطبعة الثانية لمسرحيته (كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى) وقد جاء فى الإعلان على وجه الخصوص ما يلى :
" فى يناير 1990 قررت اعتزال المسرح ونشر ما لدى من مذكرات نادماً على اننى امضيت ثلاثين سنة..." وقد اقتفى آثار هذا الكاتب الكثير من تلاميذه الذين حملوا شعاراً من أجل مسرح جاد وجرئ يخدم الإنسان أينما كان وحيثما وجد، مسرح لا يعترف بحدود المكان والزمان واللغة، مسرح الإنسان لأجل الإنسان. فما أحوجنا إلى مسرح كهذا والى كاتب كهذا الكاتب، الذى عانى الكثير من أجل ارساء دعائم مسرح جديد، ولم يتأثر أبداً بتلك المحاولات الفاشلة التى كانت تسعى للحد من نشاطه وتجاربه، لأنه كان يعلم علم اليقين أن " المؤلف المسرحى التجريبى مثل الجندى فى إحدى حروب العصابات، ومهما كانت عقيدة المؤلف السياسية، فغن فنه ليس إلا تعبيراً عن حالة روحية كامنة فى وعيه، واعتقد "السيد حافظ" أن أبسط مفهوم للكاتب التجريبى فى الوطن العربى حالة (الضد) التى تهز المفاهيم العتيقة ليحدث الزلزال الفكرى" ( ) وحدوث هذا الزلزال يستلزم كنتيجة حتمية، قيام حملة مضادة، لأن المسرح التجريبى" يظل إدانة لحالة البلاد الذهنية التى يعيشها المواطن العربى، والتجريبيون هم القائمين على لحظة "تنوير العقل"( ) على حد قول "السيد حافظ"
إن الهدف الأساسى للكاتب كما يقول "سعد أردش" " ليس المسرح فى حد ذاته، ليس الصيغة الفنية على أى شكل من الأشكال ولكنه الكلمة المضمون، إنه يمتلئ يصبه فى قالب فنى، ومضامين ذات صبغة إنسانية لا تثير جانباً واحداً من جوابن البناء الاجتماعى، إنك تلمس فى العمل الواحد كل ركائز التكوين الاجتماعى: الأخلاق، الدين، العلم، الحضارة، التاريخ، التراث، فى إطار الفكر السياسى والاقتصادى والعسكرى"( )
وختاماً فإن المتأمل لأعمال "السيد حافظ" المسرحية يجدها كما يقر، الكاتب "عبد الكريم برشيد" ".. تحدق فى الناس والأشياء بعينين: العين الأولى عربية وهى مفتوحة على الـ"نحن" و"الآن" والـ"هنا" أما الثانية فهى غربية مفتوحة على المسرح الأوروبى كتجارب جريئة وجديدة ومدهشة. هذا الإزدواج فى الرؤية والتعبير هو ما حرر مسرحه من التبعية للمسرح التجريبى الغربى، إنه لم يسقط فى اللامعقول أو العبث لأنه اكتفى بمحاورة الشكل العبثى من غير أن يغوص فى مضمونه الفكرى، وهو مضمون وجودى محض... – حتى هلوساته المحمومة وتحليقاته – لا يفقد الصلة بالأرض التى يقف عليها، ولا ينسى المكان والزمان والناس والقضايا، إنه يبتعد – شكلياً ليقترب مضمونياً. فقد نجد أن مسرحياته بعيدة عن جزئيات الواقع، ولكنها قريبة من روح هذا الواقع، قريبة منه لحد الإنصهار فيه"( )
تلك هى ميزة أعمال "السيد حافظ" على وجه العموم والتى تعطيها سم الاستقلالية والتفرد والتميز عن غيرها من الأعمال.
أهم ما يمكن أن يقال فى ختام هذا البحث عن مسرح "السيد حافظ" إنه مسرح يستحق كل التقدير، وذلك أنه مسرح حاول صاحبه أن يعطيه سماته ومميزاته الخاصة التى تميزه عن غيره. ولم تكن هذه الرغبة فى التميز وليدة الإنفراد بعالم مسرحى خاص من قبل الكاتب، بقدر ما هى رغبة جامحة فى تحقيق التغيير عن طريق الكلمة التى يؤكد بأنها كلمة متميزة، إنها الكلمة الفعل الخلاص، فمسرح "السيد حافظ" كما لاحظنا مسرح ثورى يشهر سلاح الكلمة الفعل، ضد كل أدوات القمع والتسلط التى تقتل إرادة الإنسان أو حريته أو بالأحرى تصادرها مع سبق الإصرار والترصد. إنه يعزف بكلماته الرقيقة على وتر التمرد المتمثل فى التغيير، لأنه متيقن أن الإنسان قادر على التغيير إذا لم يركن إلى الاستكانة النابعة من الصمت والخوف. إن الكاتب – باختصار – يرغب فى أن يخرج الإنسان من سلبيته ويصارع الخوف والصمت. ويجب أن يتغلب على كل ذلك لتحقيق ذاته ومن ثم التحرك نحو الخلاص وتغيير الواقع المرفوض فعلاً لا قولاً.
ومن القراءة والتحليل لأعمال الكاتب المسرحية توصلت فى ختام هذا البحث المتواضع إلى جملة من النتائج أوجزها فيما يلى :
- إن مسرح "السيد حافظ" هو مسرح الإنسان (أيضاً) لأنه يعالج قضايا مباشرة تهم السواد الأعظم من الناس، ويرتفع بها إلى رؤى أكثر شمولية وإنسانية، ونسجل إنسيابية كبيرة وتمييعاً فى القضايا التى يطرحها الكاتب، كأن نجده مثلاً يطرق قضايا تخص العالم العربى، ثم سرعان ما نكتشف بأنها قضايا تهم الإنسان أينما كان، ومن هنا فإن الكتابة المسرحية لديه تحاول أن تؤسس الإنسان فى كل مكان، وهى تبحر دوماً بحثاً عن لحظات الإشراق والضياء، وهى سمة من سمات المسرح التجريبى. وتجاربه هذه، هى تجارب فنية قيمة تقدم فى إطارها العام قيماً جمالية وحضارية وإنسانية.. وخبرات ثقافية.
- إن "السيد حافظ" – حسب ما لاحظنا – اكتسب من الجرأة الكثير، مما مكنه من مناقشة وتناول الكثير من القضايا الحساسة فى مسرحه، وتلك ميزة جيله الذى ركز جهوده – دوناً عن غيره من الأجيال التى سبقته – على قضايا عديدة، لم يجرؤ أحد على مناقشتها من بينها قضية الديمقراطية، والحرية السياسية والدفاع عن حقوق الإنسان المهضومة، فى ظل مجتمع يفتقد التقاليد الطبيعية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم على حد تعبير "مصطفى عبد الغنى" . وجرأة الكاتب لم تتوقف عند المضامين فحسب، بل تعدت إلى الشكل بتحطيم تلك القوانين المتوارثة وابتكار أشكال جديدة تتناسب ومضمون كل مسرحية.
- أما من الناحية الفنية فتجاوزات الكاتب واختراقاته عديدة ولا حصر لها (باعتبار أنه فى كل مرة يفاجئنا بالجديد)، فنجده فى مسرحه يعمد ا لى صدم ا لمتلقى أو المتفرج بذلك التقديم المباشر – فى الكثير من الأحيان – لأفكاره مما يحقق له هدفاً من الأهداف التى توخاها "بريشت" فى مسرحه، وهى وضع المتلقى (أو المتفرج) فى مواجهة صدامية مع ما يقدم له، ومحاججته، وحمله على مجابهة ما يراه ومدارسته، وتلك نتيجة فى غاية الأهمية.
- وتبين تقنية الكتاب لدى الكاتب أنه يمتلك قناعة شخصية بضرورة توظيف لغة شاملة الغرض، وما تنوع أنساقها إلا دليل على إدراكه لأهمية هذا الجانب لتوضيح أفكاره ومن ذلك أيضاً، التركيز على تفاصيل الأحداث ومن ثم محاولة نقل الواقع فى صورة مصغرة متحركة من خلال الشخصيات وأدوارها. وقد لاحظنا أن الأعمال المسرحية "السيد حافظ" فى جلها من الناحية الفنية، يعتمد فيها على دقة متناهية فى بلورة الأحداث وتمريرها عبر أسلوب نفاذ وشيق أحياناً وغامض أحياناً أخرى.
- إن التجريب بالنسبة " للسيد حافظ" كان سيطرة تقنية وفنية تامة على الشكل والمضمون ، فهو يولى – كما أسلفنا – أهمية للشكل دون أن يهمل المضمون والعكس صحيح، وذلك انطلاقاً من مبدأ أن التجريب نقيض السطحية. ونجده إذا تناول بالبحث مسألة أو قضية معينة يضع فى حسبانه (الشكل والمضمون معاً)، حيث يركز تركيزاً عميقاص على أبعاد هذه ال قضية، فيحاول استكشاف جوانبها المجهولة وأبعادها المتخفية. كما أن المسرح بالنسبة إليه صرح فنى فكرى، ثقافى ... يقوم على الحرية لأن حرية المسرح تعنى المزيد من البناء والتنوير وخلق عمليات التواصل الاجتماعى الخلاق من أجل مستقبل أفضل، لذا نجد كتاباته متحررة وتصب فى هذه الاتجاه ونحو هذا الهدف النبيل.
- إن "السيد حافظ" مؤلف ومخرج قضية (كما يصرح بنفسه) ، وهو رجل مسرح يفهم كل ما يدور على الخشبة، وكل ما يحدث من خفايا تحدثه بها نفسه، لا يحرم أو بالأحرى لا يبخل بها على كل قارئ أو متفرج، أى على المستويين، (الكتابة والإخراج)، فهو الكاتب بعين المخرج، لذا نجد بعض المخرجين يصفونه بالكاتب الاستفزازى، لأنه يستفز فيهم قدراتهم الإخراجي، غير أن "السيد حافظ" من منظور آخر كاتب قبل أن يكون مخرجاً، لذا نجده حريصاً على الكلمة، إذ يولى أهمية كبيرة للجانب اللغوى باعتبار أن اللغة مؤثر جمالى كبير وهام. ومن هذا المنطلق فإن كل تجربة من تجاربه لها سمات خاصة أو مسحة خاصة، ومن خلال التجارب التى أطلعنا عليها، نجد أن الكاتب زعزع الى حد كبير البناء الصارم التقليدى للغة، إذ وجد نفسه وجهاً لوجه معه، فما كان منه الا أن قاومه بطريقته الخاصة، بحيث أنه استهدف من خلال هذه المقاومة الضدية القوانين القديمة للهروب من النموذجية والقولية الى رحاب بناء لغوى جديد يتناسب مع أفكاره التى يود طرحها وهذا البناء منخلقه وإبداعه.
- المسرح بالنسبة "للسيد حافظ" أيضاً، هو ذلك الفعل الذى يسافر عبر الزمن بحثاً عن العشق والحرية ليعانق مرافئ اللحظة البكر التى يخلق منها الكثير، لذا فالزمن عنده أزمنة، لأن التجارب ببساطة لا تعترف بحدود الزمن الا لشرح قضية من قضايا الإنسان. وكذلك الأمر بالنسبة للمكان، إذ المكان فى مسرحه أمكنة لا تعترف بالحدود، وهو جزء من النص والعرض المسرحى. وقد بادر الكاتب الى استغلاله بما يخدم تجاربه، اذ نجح إلى حد كبير فى تغيير مسار تلك القوانين والقوالب الجاهزة التى تحد من الحركة والفعل... وغيرها بسبب قيد المكان أو الزمان، فهذين العنصرين فى مسرحه متحرران كما تحرره وكلماته.
- إننى أجد أن الكاتب قد طبق فى تجاربه وإبداعاته المسرحية مقولة : بدأوا من هناك فابتدئ من هنا، إذ يحاول التميز عن الآخرين بتقديم تجارب راقية فى مستوى حاجته كفنان وكمبدع وإنسان، وفى مستوى من هم حوله ممن ينتظرون – ربما – من يقودهم إلى الخلاص أو التخلصمن السلبية، والانعتاق من اللامبالاة، والتحرر من سجن الصمت والخوف. واذا كان هذا الكاتب يقودهم إلى ذلك عبر الكلمات – على الأقل – فلهم أن يقودوا أنفسهم بأنفسهم إلى ما هو مرغوب فيه، للخروج من دائر القدر المحتوم، طالما أن السبب لا يزال قائماً (الصمت والخوف)، ومن ثم فغن الفعل التجريبى لدى هذا الكاتب هو فعل جمعى، أى أنه فعل يتجسد بمجموعة تسعى جاهدة إلى نقض المسلمات الجامدة والتقاليد الثابتة والأعراف البالية، والثورة ضد كل ما هو جامد لا حياة فيه.
- وأعيب على الكاتب إغراقه أحياناً فى الرمز مما يفقدنا متعة المتابعة الفكرية للنص المسرحى، بعد استنفاذ كل القوى فى محاولة فكها، ولعل ذلك يبدو أحياناً من أول شئ فى العمل المسرحى وهو العنوان، فكثيراً ما نجد العناوين التى انتقاها الكاتب لأعماله غريبة إلى حد كبير، مما يستدعى التوقف عندها طويلاً. وإذا كان هدف الكاتب هو لفت الانتباه أكثر فاعتقد أنه يستطيع أن يحقق ذلك دون أن يمعن فى الغرابة، وإذا كان يتوقف الأمر لديه عند بعض العناوين فقط، بل يتعداه إلى بعض النصوص المسرحية التى تتطلب جهداً كبيراً للتمكن من فك تلك الرموز التى تشبه إلى حد ما معادلات صعبة قد يفلح القارئ فى حلها وقد يخفق.
- ومهما يكن من أمر فإن مسرح هذا الكاتب حمل الكثير من التجريب، والتجديد على كل المستويات توصلنا إلى اتحديد بعض النقاط وربما غابت عنا أخرى، يبقى أن نقول أن "السيد حافظ" أضاف إلى رحلة التجريب فى المسرح العربى الكثير، بل إنه أرسى قواعده وأسسه، التى سار فى ضوئها الكثير من المبدعين، وإن لم يعلنوا ذلك صراحة.
ولكن السؤال المطروح الذى تبقى الإجابة عنه معلقة هو : لم لا يلق مسرح "السيد حافظ" الاهتمام اللازم (الذى يستحقه)؟!.
قد نتلقى الإجابة عن هذا السؤال يوماً ما.
دراسة بقلم / ليلى بن عائشة
الجزائر – سطيف – ثكنة احمد فون – مجموعة الدرك الوطنى

شهادة الفنان العربى العراقى الكبير يوسف العانى عن السيد حافظ

شهادة الفنان العربى العراقى الكبير يوسف العانى
عن السيد حافظ
فى
المجلس الأعلى للثقافة 2005
*****
عزيزى السيد حافظ مسرحياً مبدعاً وأخاً وفياً.. وصديقاً لا تستطيع إلا أن تعشق حضوره وتتمثله فى غاية حالة من حالات المحبة والإبداع المتواصل.
عسير علىَّ أن يُختص بك أو يتحدث الآخرون عنك.. ولستُ بينهم.. لكن وكما يقول رجال الفقه والقانون للضرورة أحكام... وكم حكمتنا تلك الضرورات لتضعنا أحياناً فى السجن! وأنا فى مقدمتهم !
هذه المرة حكمنا المسرح الذى أنت فيه وفيه علماً وحالة وفاء مستديمة.. حكمنا لأكون ضمن "لجنة التحكيم" وهى مسؤولية أنت تدرى كم اعتز بها وأحرص عليها لكى يكون "الحكم" فيها أمانة شريفة تخرج عدلاً وصدقاً وبُعد نظر.. وهذه أمور حملتها مسرحياتك فى السر والعلن..
اعتذر منك وذريعتى أننى وفى هذه اللحظات سأكون فى المسرح أحسب حساب المسؤولية.. يدفعنى لها وإليها أنت وأمثالك من الذين حرصوا على المسرح قيمةً وأثراً خالداً يغترف من الناس ما يكتشفه فيهم ويقدمه لهم ولكن ليس "نقلاً" بل "إبداعاً" وفكراً عميقاً لا يدخل فى سياق الخطب السياسية والزعيق والصراخ الذى ضاع "طنينه" فى قضاء التعبير المفتعل..
لا .. لست من هؤلاء.. وإذا لم تصدقنى فسل الذين حولك الآن فى هذا الحفل.. أما لو كنت حاضراً لرويت طرائف تضحكهم من القلب فاتحاً لهم من خلالك دروب الأمل التى ضاقت بنا مع الأسف.
دمعة فرح باردة سالت من بين جفونى وأنا أختم سطور المحبة هذه.. تهنئة لك ولمسرحنا العربى كله !
يوسف العانى

الجروتيسك في كوميديات السيد حافظ

الجروتيسك في كوميديات السيد حافظ
د. مصطفى رمضاني

كلما أتيت لي فرصة الكتابة حول مسرح السيد حافظ، إلا واستحضرت مفهوم التعدد الذي
كان صفة لازبة في كل من أدركته حرفة الأدب، أو الفقه، أوالعلم عامة في ثقافاتنا العربية الإسلامية القديمة. فقد كانت تتجمع في الشخصية الواحدة شخصيات متعددة، هي من قبيل ما يطلق عادة صفة المتعدد داخل المفرد. ولذلك كان طبيعيا أن تجد الفقيه شاعرا وكاتبا وعالما وفنانا. وقلما تجد من يركن إلى مجال تخصصه ولا يتعداه إلى ما سواه.
والسيد حافظ من هذه الطينة. فهو كاتب مسرحي تتجمع بداخله ذوات أخرى تجعل منه
شاعرا وقصاصا وباحثا وكاتب سيناريوهات... أي أنه هذا التعدد داخل الفرد. ومن المؤكد أن هذه الخصلة هي التي أهلته ليكون غزير الإنتاج، متنوع التجارب، لا يستقر على نمط واحد في الكتابة، سواء على مستوى التجنيس الأدبي أو الفني، أم على مستوى آليات الكتابة والإبداع. وهذا ما يجعل كتاباته دائمة التجدد، ولا تستقر على شكل أو اتجاه أو
مدرسة أو تيار قار. فهي كتابات غير نمطية، تكفر بالثابت والجاهز والمتداول، ولا تؤمن إلا بما تمليه أصالة الموهبة، وصدق التجربة، والوعي الجمالي المسبق بخصوصية الأدوات الإجرائية التي هي نتاج ثقافة الكاتب وتكوينه ومهاراته الفنية أو التقنية. وهذا ما يشكل في نهاية الأمر خاصية الأسلوب وتفرده. والأسلوب كما نعلم هو الرجل نفسه كما يقول الناقد الفرنسي بوفون.
ومن المؤكد أن أسلوب السيد حافظ هو شخصية السيد حافظ نفسه. فهو يكتب بلسان حال شخصيته، وهي شخصية متمرد لا تؤمن بالجاهز والمألوف، ترفض الاحتذاء. والنمطية، حداثية في انفتاحها على ما يقتضيه التجريب من مغامرة البحث عن الممكن في التصور والآليات والمناهج، ومتشبثة بالثوابت التي هي أساس كل أصيل وجوهري وحقيقي. وهذه هي سمة الحداثة الحق : الحداثة التي تنشد المغايرة والاختلاف، دون الإلغاء أو الإقصاء الكلي لما هو ثابت وجوهري وأصيل، مادام الأصيل أصيلا بشكل مطلق، دون التقيد بمعياري الزمنية أو المكانية، لأن أساس الحداثة في نهاية الأمر هو البناء وليس الهدم.
ولعل نظرة خاطفة إلى مسرحيات السيد حافظ، تؤكد هذا البعد الحداثي الذي يجعل من التجريب وسيلة للبناء، سواء أتعلق الأمر بما يعالجه من قضايا وإشكاليات، أم بكيفية معالجتها، ووسائل أجرأتها وتفعليها جماليا أو تقنيا فوق الركح. وهي كلها مسرحيات تتسم بطابعها الاستفزازي الذي يخلخل السائد ويثير فضول المتلقي : متخصصا كان أم مهتما عاديا. ويلاحظ أن هذا المبدع قد راهن على ذلك الطابع الاستفزازي منذ كتاباته الأولى، وكأنه يعلن بذلك عن ميلاد تجربة مغايرة أفرزتها مرحلة ما بعد النكسات والهزائم العربية سياسيا وعسكريا. وبذلك جاءت محملة بشحنة من الغضب والاستفزاز، بدءا بعناوينها المثيرة، مرورا بالقضايا والإشكاليات التي تعالجها، وصولا إلى كيفية الاشتغال عليها، والصيغ التي تتمثل رؤية الكاتب تجاه قضايا تمتد بين ما هو اجتماعي أو سياسي،
إلى ما هو وجودي وأنطولوجي أحيانا. ومن تلك العناوين المثيرة : "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى"، و"الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء"، و"هم كما هم ولكن ليس هم الزعاليك"، و"حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث"... وظل مصرا على هذا الطابع الاستفزازي حتى في مسرحياته الأخيرة، كما هو الحال مع عناوين مثل "قراقوش والأراجوز والحرفوش"، و"الغجرية والسنكوح"، و"حرب الملوخية"، و"خطفوني ولاد الإيه" إلخ...
ويبدو من نافلة القول تأكيد الوظيفة الجوهرية التي يقوم بها العنوان للدلالة على كينونة العمل الإبداعي، أو على الأقل الإيحاء إلى تلك الكينونة. فالعنوان علامة دالة. وهو العتبة الأولى التي تقربنا من النص : فبها نبدأ قراءتنا الافتراضية قبل قراءة المتن. وهو المفتاح
الإجرائي الأولى الذي يفتح لنا أفق القراءات الممكنة بصريا ودلاليا ولسانيا، ذلك بأن تركيبة العنوان تحتل حيزا مهما من تفكير المبدع. وهو نفس الحيز الذي قد يحتله لدى القارئ أو الناقد، قبل مواجهة النص بالقراءة التأويلية. ولسنا بحاجة كذلك    إلى التذكير بالأهمية التي
يوليها الدرس السيميولوجي للعنوان، ولا سيما عند كبار المنظرين من أمثال رولان بارت R. Barthes، وجان كوهنJ. Cohen ،  وجيرار جينيتG. Genets ، وريفاتير M. Rifaterre، وروبرت شولزR. Scholses  وغيرهم..
ولاشك أن السيد حافظ كان على وعي تام بهذه الوظيفة الاستفزازية لعناوين مسرحياته. وكأنه بذلك يهيئ القارئ سيكولوجيا لولوج عالم المسرحي الذي لا يقل استفزازا وإثارة، بسبب غياب المنطق الداخلي للأنظمة اللغوية والتركيبية في بناء النص من جهة، وغياب هذا المنطق أيضا فيما يخص كيفية النظر إلى الأشياء، ومعالجة القضايا، وطرح الإشكاليات من جهة أخرى، على نحو ما يظهر من هذه الأمثلة :
شاب 3 : في ذيل الدواجن أمي وضعت يدها... تقيس أعمار التاريخ.
شاب 4 : ما عدد الهاموش الذي يغطي وجه الحلوى ؟
شاب 5 : ومطرب العذارى يلفح قلوبهم في الماء تشنجات.
شاب 6 : انتظرتك بالباب.
شاب 4 : الهاموش في ذيل الدواجن... مطرب العذارى في قلوبهم... تشنجات تقيس أعمار التاريخ... بالباب وجه الحلوى... وضعت يدها في الماء...انتظرتك... (1)
فهذه الحوارات وغيرها كثير تبدو كهلوسات لا رابط منطقي يربطها. فما الذي يجمع بينماا الهاموش ومطرب العذارى وذيل الدواجن ؟ وكيف نقيس أعمار التاريخ بالتشنجات ؟ وما الرابط بين وجه الحلوى والباب وهكذا... ؟ إن ما يربطها هو غياب المنطق واالعقلانية. أي العبث.ومسرح العبث يعكس إحدى الواجهات المستفزة في مسيرة المسرح التجريبي عامة. ومسرحيات السيد حافظ تعد نموذجا من تلك الواجهة. فهي مسرحيات تحمل من الغرابة ما يجعلها موغلة في الرمزية. ولكنها رمزية كاشفة، يساعد السياق الخاص للنص على كشف مغالقها. فبدون الإحاطة بذلك السياق، يصعب الإحاطة بالدلالات التي تفجرها التراكيب والصور والألفاظ التي هي لسان حال الشخصيات والأحداث، بل وحتى الأزمنة والأمكنة، ذلك بأن السيد حافظ يتعمد تغريب الفضاء رغبة منه في استفزاز المتلقي، وشحنه بالأسئلة المعلقة والفضول، كما في قوله مثلا وهو يحدد الفضاء المسرحي في مسرحية "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى".
الزمان : أحد أيام العصر الذري الحجري (البرونزي الملامح) في القرن الملوث.
المكان : أرض اللامحدود الملوث (2)
فالفضاء هنا غير محدد، تماما كما في مسرح العبث، لأن الأحداث لا تهم فئة دون أخرى أو مجتمعا بعينه، إنما هي أحداث تهم الإنسان في إطلاقيته. لهذا لا نستغرب أن نجد السيد حافظ يعوض أسماء الشخصيات بالأرقام، أو الألوان، أو الصفات في بعض نصوصه المسرحية (3). كما لا نستغرب تكثيف الإرشادات الركحية بعناصر ومحددات لا يبررها أي منطق، لأن العلاقات التي تربطها عبثية في حد ذاتها، خصوصا إذا ما نظرنا إليها من جانب إيقوني خالص. فغياب المنطق هو المهيمن على أعماله المسرحية. لذلك يتحول حديث الشخصيات إلى هلوسات وشطحات توحي بالفراغ واللاجدوى والقلق والسخرية الممزوجة بالمرارة، تماما كما هو الحال مع شخصيات بعض كتاب العبث، من أمثال يونسكو وبيكيت وأداموف وكامو وغيرهم..غير أن من أبرز ما يميز كتابات السيد حافظ المسرحية، ولا سيما المتأخرة منها، حضور الغروتيسك، أو ما نسميه بالكوميديا السوداء. وهي نوع من الكوميديا التي تتوسل بالسخرية ذات الطابع المأساوي. من المعروف أن كتاب العبث توسلوا بالغروتيسك للتعبير عن تناقضات مجتمع ما بعد الحرب الكونية الثانية، حينما وجدوا أن اللغة العادية لم تعد قادرة عن إبراز حقيقة الخواء الحضاري الذي آل إليه المجتمع الغربي بصفة عامة. وهو خواء ولد لديهم الإحساس بالاغتراب والتمزق...ويبدو أن مثل هذا الإحساس شبيه بما ولدته الهزائم والنكسات العربية في المثقف العربي. لذلك وجدنا كثيرا منهم يكفر بالكلمة واللغة والمنطق والفكر والمجتمع، ويدعو إلى تجديد أدواتنا ورؤانا ومناهجنا، لأنها ساهمت بشكل أو بآخر في تلك الهزائم والنكسات...
ومن المؤكد أن السيد حافظ أحد هؤلاء الذين كفروا بالكلمة المهادنة، وباللغة الفردوسية والصيغ المحبوكة، ففضل أن يركب صهوة الكوميديا الساخرة، ويجعل الضحك سبيلا للنقد والتعرية والإدانة، تمام كما كان يفعل شعراء شعر السخف في تراثنا العربي القديم. لذلك استعان بالنكتة والشيطنة والشطارية للتعبير عن المأساة في إطار يجعل البكاء ضحكا، والضحك بكاء. أولا يقول المثل الشعبي : "إن كثرة الهم تضحك" ؟ بلى!
كذلك فعل السيد حافظ في كوميدياته السوداء. وهي كوميديات ذات وظيفة مزدوجة: بناء الوعي، وإمتاع الروح. فهي من جهة تساهم في بناء الوعي بقضايانا ومشاكلنا المأساوية. ومن جهة ثانية تمتعنا بما توفره الصياغة من مرح وخفة وترويح يجعل المتلقي يواجه المأساة بتفاؤل. ومن الواضح
أن السيد حافظ يعني جيدا هذه الوظيفة المزدوجة للكوميديا السوداء، وإلا لما وجدناه يقدم لبعض أعماله بما يؤكد هذا الوعي. يقول في تقديمه لمسرحية "قراقوش والأراجوز والحرفوش" : "لكنني أرى في هذا الحزن كَمّا من الضحك والكوميديا الإنسانية. كوميديا الشعب المصري الذي واجه السيف بالضحك، وواجه الظلم بالنكات".(4 )واللافت للانتباه أنه –في بعض الأحيان- ينتقي موضوعات كوميدياته من سياقات لا تقتضي أسلوب الكوميديا كما تعودنا ذلك في المسرحيات الاجتماعية مثلا، وإنما يبني تصوره الساخر اعتمادا على موضوعات تقتضي في أصلها صرامة المعالجة، بما في ذلك متانة اللغة وعقلانية الصور والتراكيب، وما إلى ذلك مما يصب في التصور الكلاسيكي للإبداع عامة. ويفترض أن يحضر هذا الشرط أكثر في الموضوعات التاريخية، أو التي لها علاقة بالتاريخ. غير أنه يتحرر من ذلك الشرط استجابة لمبدإ المغايرة، وكسر النمطية والاحتذاء الذي هو مبدأ أساسي في فعل التجريب.
ومن هذا المنطلق كتب نصوصا مسرحية تستمد أحداثها وشخصياتها من التاريخ، ثم وضعها في إطار كوميدي ينتمي إلى جنس الغروتيسك. ومن بين تلك النصوص، نذكر على سبيل المثال نصي : "حلاوة زمان أو عاشق القاهرة الحاكم بأمر الله"، و"قراقوش والأراجوز". وفي سياق الغروتيسك دائما، يعالج موضوعات تعكس قيما إنسانية كبرى مثل الحرية، والديمقراطية، والعدالة، وحرية التعبير وما إلى ذلك؛ فيتوسل بالسخرية والكوميك الصادم،
وتتحول الشخصيات والأحداث مجرد أقنعة تخفي وراءها فظاعة الواقع وهشاشته. ومن هنا يحق لنا أن نتحدث عن مسرحية القناع في إبداعاته المسرحية. وتتنوع ألوان هذا النوع من المسرحيات عنده بين نصوص تعتمد على الخلفية التراثية في الأحداث والشخصيات والأفضية، وبين أخرى تعتمد على وقائع وشخصيات تتميز بواقعيتها المتسترة وراء قناع الرمز. ومن أمثلة نصوص النوع الأول، نذكر على سبيل  التمثيل مسرحيات "ظهور
واحتفاء أبو ذر الغفاري"، و"حكاية الفلاح عبد المطيع". أما من النوع الثاني، فنذكرعلى سبيل التمثيل كذلك مسرحيات : "ملك الزبالين"،و"حرب الملوخية"، و"وسام من الرئيس"، و"الغجرية والسنكوح" إلخ...
ولما كانت الكوميديا تقتضي دوما لغتها الخاصة، وتركيبها الخاص، وسياقها الخاص كذلك، تماما كما النكتة والنادرة والملحة.. فإن السيد حافظ مال في جل نصوصه المسرحية ذات الطابع الكوميدي إلى العامية. فهي أقرب إلى روح النكتة والمرح والسخرية. ومن المعروف أن النكتة تؤدي وظيفتها النقدية الساخرة حين تؤدى في سياقها المعجمي والتركيبي واللساني. فإذا ما ترجمت أو قدمت خارج ذلك السياق، فغالبا ما تفقد كثيرا من تأثيرها وفعاليتها في الإبداع والإمتاع معا. لهذا فضل الاحتفاظ بشعبية المعجم المسرحي حتى يبرز البعد الغروتيسكي للشخصيات والأحداث والمواقف :
شهاب : يا بني تعالى أدبحك وما تجوجعش قلبي.. فين أيام الفراخ لما الواحد يجري   وراه                 ويمسكها... أنت ح تعمل زي الفراخ.
الراجل الميت : حرام عليكم أنا عندي عيال.
شهاب : يا بني أنت كنت ح تموت وبعدين تتحاسب.. دلوقت ح ندبحك وتدخل الجنة.
أبو زيد : كيف تقول هذا الكلام يا راجل .. حرام عليك.
شهاب : ما هو لما يندبح.. كل واحد ياخد طبق ملوخية باللحمة يقول الله.. الله يرحمه.. كان طعمه لذيد
الرجل الميت : لا .. أنا عايز أعيش.. مش أخدت ثمن المدفن من عيالي حلال عليك.
شهاب : يا بني أنت رزق بعته ربنا (5)وإذا كانت العامية أقرب إلى الوجدان الشعبي، وأقدر على التعبير عن الحالات والمواقف الساخرة بشكل عام، فإن الفصحى لا تقل أهمية عنها حين يقضي السياق ذلك. وربما كانت مسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع" نموذجا جيدا للكوميديا السوداء. وهي مسرحية كتبت بلغة فصحى، وحوارات شديدة الدلالة والتعبيرية. ولعل نهايتها المعبرة تختزل هذا البعد الغروتيسكي الذي يجمع في لقطة واحدة، قمة المأساة وأوج السخرية. وهي لقطة تعكس مشهدا عبثيا بكل تأكيد، لأنه مشهد يتأسس على المفارقة وغياب المنطق والانسجام. وهو يذكرنا ببيت المتنبي المشهور :
بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد (6)
الضوء في منتصف المسرح.. عبد المطيع أمام كرسي العرش عاريا، والوزيروالمستشارين)
السلطان : (يضحك) لقد أعجبتني قصتك، عندما سمعت بها قررت تعيينك يا عبد المطيع قاضي القضاة. يصفق رجال الحاشية)
عبد المطيع : لا يا سيدي.. أنا لا أريد أن أكون قاضي القضاة.. أنا أريد أن أكون من العراة.يضحكون بينما هو يبكي)(7)وما يزكي ما ذهبنا إليه، أن المؤلف أعاد كتابة هذا النص المسرحي "حكاية الفلاح عبد المطيع" خمس مرات. وفي كل مرة كان يغير بعض جزئياته التي تخدم التصور الجديد للعمل المسرحي. وكل تغيير كان يقتضي التصرف في المعجم اللغوي، وتركيبة الأحداث والشخصيات. وكان آخر تغيير هو المتمثل في عصرنة النص كليا وكتابته بالعامية، مع الاحتفاظ بالطابع الكاريكاتوري والجو الغروتيسكي العام(8). وهذه العملية كما يشير إلى ذلك المؤلف في المقدمة تفتح بابا واسعا أمام البحثين في مجال الأدب المقارن ضمن الإنتاج الأدبي الواحد لنفس الكاتب. يقول السيد حافظ :"إنها التجربة الخامسة لكتابة مسرحية الفلاح عبد المطيع كتبتها خمس مرات طوال عشرين عاما. وهذا فتح جديد لأساتذة وطلاب وباحثي المسرح المقارن، ليس بين الكاتب وغيره، ولكن بين الكاتب ونفسه"(9)وتندرج هذه العملية ضمن وظيفة التناص. ويتحدد مفهوم التناص عامة انطلاقا مما يسميه ببعض الباحثين بالتعالق النصي. أي ترابط نص بنص أو بنصوص أخرى عن طريق علاقة أو علاقات، قد تكون استلهاما، أو استنباتا، أو توظيفا، أو تضمينا، أو محاكاة، أو استيحاء، أو انبناء، أو غير ذلك مما لا يسمح المجال بذكره في هذا المقام.
ولكن ما قام به السيد حافظ في نصه المسرحي "خطفوني ولاد الإيه"، يعتبر تناصا ذاتيا، لأن المؤلف لم يستلهم نصا خارجيا لكتاب آخر، وإنما بنى نصا جديدا انطلاقا من النص نفسه عن طريق التحوير، مراعاة للظروف الجديدة التي اقتضت تصورا مغايرا، ولغة مغايرة، وتركيبا مغايرا طبعا.
فالتناص الذاتي أو التناص الخاص، هو عملية انبناء النص الجديد من داخل النص الأصلي، يقوم بها المؤلف نفسه؛ هذا خلافا للتناص العام الذي تتم فيه عملية التعالق انطلاقا من نصين مختلفين، لمؤلفين مختلفين في أغلب الأحيان.
وعموما فما قام به السيد حافظ يستدعي وقفة نقدية خاصة في مجال الأدب المقارن. كما أن مواطن الكوميديا السوداء والغروتيسك متعددة في أعماله المسرحية. وهي كلها تقتضي أكثر من وقفة لاستيفاء هذه الظاهرة حقها من الدراسة والنقد، سواء ضمن الريبرتوار المسرحي الخاص للمؤلف، أم ضمن الريبرتوار المسرحي العربي التجريبي الذي ما تزال إشكاليته الغروتيسك فيه لم تحظ بالعناية النقدية الكافية.

د. مصطفى رمضاني
المغــرب

الهوامش :
(1) السيد حافظ : الأشجار تنحني أحيانا – مسرحية : تكاتف الغثاثة على الخلق – موتا- مطبعة الفتح – فيصل الهرم – 1992 – ص 158-159.
(2) السيد حافظ : كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى – سلسلة رؤيا للإبداع – مركز الوطن العربي للنشر والإعلام – الإسكندرية- ط 2 – 1990 –
ص 46.
(3) انظر مثلا مسرحية : الأشجار تنحني أحيانا.
(4) السيد حافظ : قراقوش والأراجوز والحرفوش – منشورات اتحاد الكتاب – ط مركز الحضارة العربية – ط 1 – القاهرة – 2001 –ص 5.
(5) السيد حافظ : حرب الملوخية – دار العربي للنشر والتوزيع – القاهرة – ط 1 – 1998 – ص 86-87.
(6) شرح ديوان المتنبي : وضعه عبد الرحمن البرقوقي – دار الكتاب العربي – بيروت – 1986 – ج 1 – ص 399.
(7) السيد حافظ : كتابة الفلاح عبد المطيع – مطابع صوت الخليج – الكويت – 1982 – ص 61.
(8) عنوان النص هو : خطفوني ولاد الإيه !!
(9) السيد حافظ : خطفوني ولاد الإيه !! – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2004 – ص 5.


المسرح الشعرى يعتبر غير محدد الهوية فى خريطة الابداع العربى


الكاتب المسرحى السيد حافظ
لـ "الملحق"
الملحق – جريدة الرأى العام
العدد 7079
الأحد 18 مايو 1986
المسرح الشعرى يعتبر غير محدد الهوية فى خريطة الابداع العربى
كتب محمد سهيل احمد
• لنبدأ بالمسرح الشعرى .. هذا المسرح لم يأخذ نصيبه من الانتشار رغم أن قلادة العربى رصعت بالشعر منذ القدم..
الشعر هو قلب وروح هذه الأمة (الأمة العربية المبدعة) وكان للأسف معظمه ردة فعل لحالة مرضية نتيجة كبت اجتماعى وظروف متخلفة يحتاج إلى عقلية درامية ونحن بصراحة نتعامل مع الدراما حتى الان على استحياء فننحنى أمام كل القواعد الدرامية الأوربية ولكن لا نستطيع أن نخرج عن اطارها ومن يخرج فالويل كل الويل له من قبل الاكاديمين وأصحاب المقاعد الأكاديمية. لقد حاول الشاعر الكبير احمد شوقى ولكنه فى الحقيقة فشل فى فهم الدراما وتوظيف العمل لخدمة وبناء الشخصيات وتطور الأخداث وتفاعلها فظلت أعماله أسيرة القصيدة الرعبية. أصبحت مجموعة قصائد مطولة على لسان شخصيات. أما محاولة صلاح عبد الصبور فكانت خطوة اخرى فى نفس الدرب ولم نتخلص من قيود القصيدة العربية. أما الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى فكان من حسن حظه أن يكون معه المخرج (كرم مطاوع) الذى يحترف المشاهد المطولة والمكررة ويلخص العمل من الغنائية الشعرية إلى الحالة الدرامية. ولذلك فنحن مطالبون بمفهوم متقدم لتفسير المسرح الشعرى ففى أوروبا الآن يدخلون أعمال شكسبير إلى ورشة عمل مسرحية فيحذفون ما يحذفون منها ويضيفون بعض التكتيك المسرحى حتى تخرج أعماله بالشكل اللائق المعاصر. ويخيل إلى أن تجارب (نجيب سرور) فى المسرح و(على عبد الله) وتجربة (أمل دنقل) مع (الأخوين رحبانى) تميزت بنبض درامى عال ولكن إجمالاً فإن المسرح الشعرى يعتبر غير محدد الهوية فى خريطة الإبداع العربى وهذا ليس بعيب ولكن العيب أن لا نعترف بقصورنا فى مجال ما ونحاول أن نطوره.
• كثر الحديث عن مسرح الطفل وأدلى كل عارف وغير عارف بدوره. باعتبارك واحداً ممن كتبوا للطفل.. كيف تنظر إلى هذه الظاهرة الخطيرة فى حياة النشئ؟
أخبرنى الدكتور (فلاديمير شاغال) المستشرق السوفياتى أثناء زيارته الأخيرة إلى الكويت أن مسرح الطفل فى الاتحاد السوفياتى يأخذ اهتماماً كبيراً من الحوار والأبحاث والمناقشة وأن المستشرقين السوفيات ينظرون إلى مسرح الطفل العربى باهتمام بالغ هذا الأيام ويهمهم أن يقوموا بترجمة ودرامة الأعمال المسرحية التى تقدم للأطفال فى الون العربى عامة وفى منطقة الخليج خاصة بحيث أن مسرح الطفل فى هذه المنطقة أصبح يشكل هوية ومحور ارتكاز. ولكننا للأسف نعيش فى منطقة الخليج فى صراعات نقدية حادة حول ضرورة وهوية هذا المسرح فى المنطقة. حتى الآن لا توجد دراسة واحدة ميدانية تسأل صاحب القضية ألا وهو الطفل وتناقشه. لقد قرأت منذ أيام قليلة أن النقاد فى ألمانيا الاتحادية رفضوا مسرحية للأطفال بحجة أنها غير مكتملة الأسس التربوية والفنية لكن الأطفال هناك احتجوا وقاموا بإرسال مجموعة من الرسائل يطالبون بأن تأخذ المسرحية حقها فى العرض وأن تنال الجائزة الأولى وبناء على ذلك تم منح الجائزة للمسرحية لأن الطفل غير الناقد. ولكننا للأسف نمارس دور حراس المعرفة ودور السجان ونفرض على إبداعنا الموجه للطفل قيوداص غريب. إن مسرح الطفل فى الخليج عامة والكويت خاصة قد أثبت نجاحات متعددة على المستوى الفنى والجماهيرى وهو مسرح لم يتجاوز عمره فى الوطن (25 عاماً) وفى الخليج (10 سنوات) منذ أن قدمت السيدة (عواطف البدر) مسرحية (السندباد البحرى) للكاتب المعروف محفوظ عبد الرحمن ومن إخراج (منصور المنصور) .
مسرح الطفل يحتاج إلى رفع الوصايا من الكبار عليه. واقصد الكبار هنا بعض النقاد المتحذلقين وبعض التربويين.
• كيف تنظر إلى واقع الفرق المسرحية ، بشكل عام ؟
المسرح فى الكويت يضم أربع فرق شبه حكومية، هذه الفرق معظمها غير مبرمج وغير محدد أسلوباً. لذلك من الصعب أن تجد التمايز بين الفرق. ولكن هناك تشابها فى الموسم المسرح الواحد: إذا نجحت مسرحية شعبية تقدم باللهجة المحلية) فإن الموسم كله يتحول مسرحيات شعبية وإذا نجحت مسرحية باللغة العربية الفصحى تناقش هموم الواقع العربى فإن الموسم المسرحى كله يسير على هذا المنوال. إذن لا توجد حالة التمايز ويفتقد التخطيط لمنهج فكرى وفنى موحدين لكل فرقة.
• عبر الأجيال حقق المسرح الكويتى قفزات نوعية . الآن وهو فى منعطف خطير هل فى إمكان المسرح الطليعى أن يؤد دوره الصحيح وكيف؟
كانت هناك فكرة من الدولة لإقامة هذا المسرح من الطلبة خريجى المعهد العالى للفنون المسرحية ولكن فرقة المسرح الطليعى قدمت عملين غير طليعيين أغلق هذا المسرح أبوابه لعدم تفرغ الفنانين له وعدم وجود ميزانية خاصة به مع أنه كان من الممكن أن يكون رائداً للمنطقة بحيث أنه يحتوى على طاقات فنية متميزة مثل الفنانة الكبيرة (سعاد عبد الله) والنجم اللامع (محمد المنصور) والفنان المتميز (على المفيدى) وغيرهم من الفنانين اللامعني ونأمل كما وعدت إدارة المعاهد والفنون بأن هذه الفرقة ستعود قريباً بميزانية جديدة وخطة وأعمال مسرحية (جديدة) لتثرى الواقع المسرح فى الخليج وعموم الوطن العرىب.
• لديك معايشة ودراسات عن الواقع المسرحى فى مصر.. وكانت (مصر سباقة فى التجارب المسرحية الجادة بمختلف صفوفها..
أنا متفائل جداً بالمسرح الجاد فى مصر فهو الآن حافل بالطاقات الإبداعية المتميزة فهناك نخبة من المؤلفين العربى المصريين المتميزين مثل (أبو العلا السلامونى) (يسرى الجندى) (محفوظ عبد الرحمن) (فوزى فهمى) (سمير سرحان) (عبد العزيز حمودة) (فؤاد حجازى) وغيرهم.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More