Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأربعاء، 14 يونيو 2017

تنظير نقدى لإخراج مسرحية ( قميص السعادة )

تنظير نقدى لإخراج مسرحية ( قميص السعادة )
كوميديا شعبية موسيقية رومانسية
للكاتب / السيد حافظ

أ.م.د. محمد عبد المعطى محمد
*****
إن الإبداع المسرحى للطفل هو أشق أنواع الإبداع، وتكمن مشقته فى ضرورة أن يدلى كلا من الكاتب وصانع العرض المسرحى "المخرج" وكل عناصر العمل المسرحى بخيالهم وحدسهم إلى عالم الطفل، أن يرون بعينه ويفسرون العالم بمنطقه الذى يختلف تماماً عن المنطق العقلانى والتجريدى الذى يحكم نظرة الكبار، وليظهر لنا فى النهاية العالم فى جدته وأيضاً فى برائته وألفته وغرابته.
" قميص السعادة " والكوميديا الشعبية الرومانسية :
إن مسرح الطفل يقترب فى أعلى مراتبه من الكوميديا الشعبية الرومانسية. عرفنا ذلك فى مسرحيات مثل " حلم منتصف ليلة صيف " أو "العاصفة" أو قصة شتاء" عند شكسبير كما عرفناه فى مسرحية "حدوتة من حواديت العجائز" لجورج بيل و"الطائر الأزرق" لميترلنك أو فى " رسائل قاضى أشبيليه" لكاتبنا العربى الفريد فرج، وأخيراً نراه فى "قميص السعادة" للسيد حافظ، والتى تستقى مادتها من الفكلور الشعبى العربى، وقد امتزجت فيها الحواديت والنوادر الشعبية بالألعاب المألوفة والأهازيج والأغانى الموروثة وحيث طرحت رؤية شاملة للوجود، وإن استغنت عن عنصر ثبات الأشياء.. هذا العنصر الأخاذ المثير لخيال طفل ما قبل الثامنة والذى يختلط فيه الأنس والجن بالطير والحيوان وبالمردة والسحرة، وتنطق فيه الزهور والأشجار وتسيطر المعجزات والخوارق والتحولات العجيبة فى المواقف والشخصيات.. وذلك لعدم الحاجة الدرامية إليها من ناحية ولأن الموضوع يدور وبثبات حول العلاقات الإنسانية للجماعات ويتناول معانى العدل والخير والإنسانى والشر المجسد فى النفوس.. إن الفعل يدور فى محور الإمكانات التخيلية والإمكانات الثقافية والمكتسبات البيئية لطفل ما بين الثانية عشر والسادسة عشر.
ومن هنا كانت الكوميديا الرومانسية الشعبية هى أنسب الأشكال الفنية للتوجه إلى هذا النوع من الأطفال "الشبيبه" إذ أن أجواءها والأضداد فيها والعاطفة المشبوبة تمتزج فى بوتقة خياله الخصب وتحاكى منطق الأسطورة والحلم.
فى إطار هذه الرؤية يكتسب الصراع المحورى بين الخير والشر فى "قميص السعادة" مفهوماً شاملاً. ويتسع مفهوم الشر ليشمل كل القوى والنوازع التى تناهش الحياة مثل التسلط والجشع والقسوة والظلم والأنانية :
الوزير الوصولى الجشع.
القاضى المرتشى.
قائد الشرطة المستغل لسلطاته.
الطبيب المحتال المستغل.
وينبسط مفهوم الخير ليشمل كافة القيم المؤازرة للحياة والخصوبة مثل : العدل والحب والجد والوفاء:
الأمير الباحث عن السعادة.
الأميرة الرافضة لظلم الوالد الجشع.
الوصيفة والخادم المخلصان حتى النهاية.
ابن الحلاق الباحث عن الحب ويناضل للحصول عليه رغم فقره.
أفراد الشعب الذين يلتفون حول أميرهم ليستعيد سعادته، ويستعيدون العدل.
*****
و "قميص السعادة" تختار مادتها من الحكايات الشعبية، إذ أن الحكايات الشعبية – فى أصولها – تستهدف الطفل فى المقام الأول لما تحتوى عليه من عالم فانتازيا رحب. لقد أدت هذه الخصوبة – خصوصية الخيال الخصب – إلى جعل هذا المصدر الشعبى الفنى أهم مصادر الاستلهام للكتابة للطفل عموماً.
إن التراث الشعبى – فنون مرئية وأدب وموسيقى – له القدرة على ملائمة الواقع. ولفنونه القدرة على أن تغير من ذاتها وتتجدد بشكل مستمر لا يتوقف عن صيغة بعينها. إن عناصره تحتضن أهم عناصر المحاكاة وبذور المسرح.. عناصره تحتضن الأساطير والملاحم والقصص والحكايات والسير والمرائى والأغانى والحكم والأمثال وهى عناصر تتسم بخصائص العراقة والواقعية والجماعية.. "إنه الأدب الصادق الذى يخرج من الروح الشاعرة فى داخل الإنسان " كما يقول يعقوب جرم.
وإذا كان مسرح الطفل كأدب فنى ينبع من روح الفرد الشاعرة الواعية بالملتقى الصغير ذو الخيال الخصب، فإن استلهامه هذه العناصر الفنية فى التراث يدعم هذا الخيال ويكسبه صوراً إبداعية ودرامية ومسرحية لا حصر لها.
قميص السعادة وألف ليلة وليلة :
إذا حصرنا جملة المسرحيات التى تم استلهام موضوعها من حكايات ألف ليلة وليلة سنجد أنها تمثل الجانب الأعظم من المسرحيات العربية ذات الأصول الشعبية والتراثية، ويرجع هذا إلى تعدد موضوعات وثراء أفكار المصدر كما أشرنا.
وبدءً برائد المسرح العربى "مارون نقاش" (1817 – 1855) وانتماءً بالكاتب السورى سعد الله ونوس فى مسرحيته (الملك هو الملك) 1978 نجد "السيد حافظ" ومن قبله عدد كبير من كتاب الدراما يستلهم موضوعه أيضاً من هذا المنبع الخصب (ألف ليلة وليلة) ولعل أشهر كتابنا من هؤلاء الكاتب المصرى المبدع "الفريد فرج" فى مسرحيته حلاق بغداد (1964) و(على جناح التبريزى وتابعه – 1969).
ومسرحيتنا "قميص السعادة" فى تأثرها بهذا المصدر فإنما تهتم بجماليات الصورة المسرحية وسحر أثرها والتى ظهرت فى التجسيد على مسرح.. إنها تنتقل إلى أماكن ومناظر شعبية ساحرة فى تأثيرها وهى وثريه بالخيال والابداع.
والمؤلف فى انتفاءه للفعل المسرحى فى غرابته وطرافته والأمكنة اللامألوفة إنما ليترك تأثيراً قوياً غنى بالخيال والإيحاء للطفل المشاهد يفوق لغة التعبير الكلامى.. بل وينحو نحو المسرح المعاصر اليوم فى استلهامه للمادة التراثية.. هذا بجانب تميز "قميص السعادة" عندما تلجأ إلى عناصر القصص المتداخلة الغنية بالأحداث والتى تتميز بها حكايات السير الشعبية : الأمير وابنه السلطان من ناحية والخادم دندش والوصيف مرجانة من ناحية يؤكدهما حكاية ابن الحلاق مع من يحبها ويعجز عن الارتباط بها (أنظر النص الملحق)
أصداء رحلات البحث فى " قميص السعادة " :
وكما فى معظم الكوميديات الشعبية الرومانسية فإن الرحلة تردد أصداءها فى "قميص السعادة" :
رحلة بحث الأمير عن السعادة المفقودة.
رحلة بحث الوزير عن ابنته الهاربة من ظلمه.
رحلة بحث الشعب عن مخرج لخلاصه من اضطهاد رئيس الشرطة واستغلال القاضى.
رحلة بحث أم سعيد عن ابنها التاءه.
رحلة بحث الشركة عن الطبيب شعبان لينفذ مخطط  الوزير الشرير.
المنادى كدلالة ووسيلة للبحث.
إن رحلة البحث تمثل الخيط الرئيسى الذى ينظم أحداث وعناصر "قميص السعادة" ويغدو موضوع البحث هنا سواء عن طائر أو قميص أو فتاة أو ماء الحياة رمزاً شاملاً للخير أو الرخاء أو العدالة.. يغدو رمزاً لقيمة إيجابية تتخطى الكيان المادى ويكون لذلك تأثيره العقلانى والوجدانى العميق على الطفل.
" قميص السعادة " والتربوية الهادفة :
إن "لقميص السعادة" تستوحى الكوميديا الرومانسية الشعبية فى مادتها وفى صياغتها فترتقى إلى مرتبتها الفنية وتتخطى بذلك التفسير المسطح للهدف التربوى فى مسرح الطفل. إنها تطرح تفسيراً ناضجاً يرتقى بمفهوم التربية من التلقين المباشر الذى رأيناه فى الكثير من مسرحيات الطفل المصرى، زمن الخطابة الجافة المتعالية وضرب الأمثلة الساذجة إلى إخصاب الخيال وتنمية الحس الجمالى نصاً وعرضاً.. ترتقى بمشاعر الطفل المشاهد وعقله حتى يتخذ موقفاً إيجابياً تجاه ما يشاهده من أطراف الصراع بين الخير والشر.
والقصة المحلية التى استوحاها المؤلف من ألف ليلة وليلة نجد لها أصداء مشابهة فى الأساطير العالمية وقد أعاد المؤلف تشكيل خيوطها فى نسيج جديد ممتع أثرى الإخراج المسرحى وذلك بالجمع ما بين الألفة والطرافة.
القصة تدور حول رحلة بحث أمير البلاد "حسان" وقد أصابه الشعور بالكآبة عن علاج ودواء يشفيه من علته.. ولما كان يعى جيداً أساليب طبيبه المغرضة فإنه يجد طريق السعادة والذى لا يملكه إلا أسعد سعداء البلاد.. ولأن شعبه يرزح تحت وطأة الفقر والعور واضطهاد الوزير وأعوانه.. فإن أسعد سعيد هذا سيكون نادر الوجود.. أو هو غير موجود بالمرة!!
إن الأمير المدرك للحقيقة يجد أن سعادته الحقيقية لا تكمن إلا فى حب شعبه.. وهو عندما يمتحنه.. مستنكراً فى ملابس صياد غريب – يجده مخلصاً، بل يساعده على كشف المزيفين من موظفيه وأعوانه والمحيطين به من الذين أولاهم ثقته فى الحكم والتحكم فى مقدرات الناس.. ولقد وجد أن السعادة الحقه لا يحصل عليها الإنسان فى قميص أو سروال ولكن فى العمل والإخلاص ومحاسبة المخطئين والأشرار. وتجمع الرحلة بطريق المصادفة بين عدة حكايات.. أهمها لقاءه مع فتاه فى السوق هى فى الأصل أبنة الوزير الذى يريد أن يزوجها ممن لا تحب. من ذات الأمير الحزين الكئيب.. ولكنها تكتشف فيه وهو الصياد الفقير المُجد المناض فتى أحلامها الحقيقى!..
نظم الإخراج هذه الخيوط البسيطة مع مثيلاتها فى نسق مسرحى بسيط ومشوق ويتسم بالغرابة التى أساسها الكوميديا والمواقف الرومانسية والمتناقضات.. نسق مسرحى يقوم على مبدأ تجسيد الصراع بين الخير والشر، الخاص والعام مستغلاً كل امكانات المسرح الاستعراضى من أداء حركى وغنائى وتمثيلى واستعراضى راقص وإبهار محبب فى الموتيفات التشكيلية الثابتة والمتحركة فى الديكور وفى أداء الممثل الرشيق، والغالب عليه الكاريكاتورية من ناحية وصدق العواطف الرومانسية من ناحية أخرى.
ولقد طعم الغرض بنماذج منوعة من ألعاب وأغانى الأطفال الشعبية، تلك التى صاغها فنياً الشاعر " مصطفى الشندويلى" فعمق البعد الفولكلورى من ناحية والمعاصر التربوى من ناحية أخرى: "يظهر السلطان بسوق المدينة فى ملابس صياد فقير.. دندش فى ملابس المعلم مختار.. الباعة فى السوق يغنون" :
المنادى : قرب .. قرب.. قرب جرب.. جرب .. جرب
بائع 1 : بلح الشام يا حلاه بالسكر متشرب
المنادى : ياللا يا مرزوق خشى على السوق
  قولوا هيه.. هيه.. هيه
بائع 2 : شربات برقوق.. اتفضل دوق
  قولوا هيه.. هيه.. هيه
الحاوى : توت توت .. حاوى توت
  اسمى حسين احمد شلتوت
  توت .. حاوى توت
  من ودنى باطلع كتكوت
  توت توت.. حاوى توت
  أكل العيش مر يا أستاذ.. لما نجوع نتعش قزاز
  اوأما بنعطش نشرب جاز.. لا بنتعور ولا نموت (الخ)
    توت.. توت.. توت (أنظر النص وشريط العرض)
ومن الأهمية فى هذا العرض، فإن الصياغة الشعرية تميزت بالدرامية وأصبحت جزءاً من الحوار المغنى والذى يمثل جزءاً من النسيج الدرامى الأساسى ولم تعد مجرد غنائيات تحشر فى الفواصل المسرحية. ومن عنا تكاملت عناصر الكوميديا الرومانسية الموسيقية فى هذا العمل. وقد تكاتفت جهود الشاعر مع جهود الملحن الذى قدم للطفل صوراً موسيقية بسيطة تتناسب مع احساسه الخاص البسيط بالإيقاع والنغمة وأيضاً فى رشاقة وسرعة تتناسب والإيقاع الطبيعى الخفيف لحركة الطفل وأيضاً الكوميديا الخفيف فى هذا العمل.
لغة الصورة المسرحية فى قميص السعادة :
إن اللغة الشعرية النثرية على بساطتها.. منغمة وموقعة دون دون رتابة.. قد جانبها لغة الصورة المسرحية المرئية فى الفراغ المسرحى وهى تنأى عن التجريد والتعقيد.. ولقد سعيت كمخرج أن أوصلها إلى الطفل فى سلاسة وطرافة بحيث تتفتح من ناحية على الشعر الراقى ومن ناحية أخرى على الهزل الشعبى الفكه وعلى سبيل المثال فإن افتتاحية المسرحية تبدأ بمجموعة شعبية تضم اطفالاً وكباراً وأقزاماً ولاعبى سيرك وحواة وتدعو المشاهدين إلى رحلة البحث عن السعادة وهنا ولأنها بداية لابد أن تكون مشوقة وطريفة فقد اشتركت فيها الأقنعة البشرية للنماذج الشعبية المألوفة وكذلك العرائس العملاقة يلبسها اللاعبون ونتحرك بحركتهم صعوداً وهبوطاً وانثناءاً مما أعطى ذلك الكثير من الطابع الهزلى والمشوق.
وتلعب صورة الديكور الشرقى الطابع فى سحره وألوانه الساخنة دوراً فعالاً فى الولوج إلى عالم الأسطورة والحدوتة الشعبية بمجسمات وأبنية لها طابع الواقع الخيالى فى المقدمة :
أما الخلفية فللمدينة بأبنيتها الفقيرة والغنية وقبابها الإسلامية الجميلة. والصورة إلى السوق .. إلى حجرة.. إلى السجن.. بينما وفى أوقات متفاوتة تتحرك فى الخلفية أقمار ونجوم تجوب المكان صعوداً وهبوطاً.. حركة سيارة تضفى الجو الشاعى الرومانسى الأخاذ على شعبية المكان.
الشخصيات :
فى كاريكاتورية واقعية رسم الإخراج أنماط الشخصيات تترجم حال الشخصية لتصل إلى الطفل سهلة وواضحة وساخرة فى نفس الوقت فاختيرت على سبيل المثال لا الحصر أنماط الجنود الكسالى ورئيسهم أنماط تتنافر أجسامها ما بين قزم وقارع ونحيف وسمين فتحقق من ناحية هزلية ومن ناحية أخرى معنى الكذب والاحتيال المرغوب توصيله من خلالهم.
ولقد حرص الاخراج على الاختيار الدقيق شخصية المهرج دندش بالذات لتحقيق صورته المألوفة فى الفولكلور المصرى العريق فى تناول مثل هذه الشخصيات.. حيث جاء سليط اللسان، نحيف جداً.. سريع الحركة.. سريع البديهة.. يملك لغة جسدية عالية ويجيد البهلوانية والأكروبات وهو خفيف الظل تماماً.. وهو فى دخوله على المسرح ينقلب دائماً كل ما هو سوى من موجودات وأفكار وحوار إلى فوضى محببة إلى المشاهد واعتقد كمخرج أن الممثل الذى اختير قد نجح إلى حد كبير فى تحقيق ذلك للعمل، وهو الممثل (علاء عوض) الممثل الهزلى الذى يجيد لغة الحركة والجسد ويجيد الرقص بشكل كبير.
وشخصية رئيس الشرطة حرص الإخراج على أن تكون شخصية مضادة لشخصية دندش شكلاً وموضوعاً وإن اجتمعا فى خفة الظل ولكنهما فى النهاية يكونان ثنائياً متنافراً.. هذا فى ذكاءه وخفته والأخر فى ثقله الجسمى وغباءه وعنجهيته.. هذا فى عطاءه وهذا فى شحه واستغلاله وتدليسه وقد لعبه الممثل "ماجد الكدوانى" بتكوينه الجسمى الهزلى بتوفيق.
تتوالى الشخصيات.. الأميرة الرقيقة ذات الصوت الطفولى ولكنه يجلجل متمرداً عندما تغضب من أبوها الوزير الذى يريد أن يظلم قلبها ويستغلها لمصالحه وقد لعبته ممثلة شابة هى "راندا" بتكوينها الشرقى الارستقراطى وحركتها التى تتسم بالطفولة والأنوثة فى وقت واحد.
ثم الوزير الجشع اختير له ممثلاً يتميز بحشركة فى صوته وحدية وعصبية فى حركته وقسوة فى أداءه ولكن فى نفس الوقت خفه فى ظله عندما يتخابث ويتآمر وينهى ويأمر والذى مثله باقتدار الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة.
أما القاضى الأفاق والذى رسم الإخراج صورته أن يكون قصيراً لئيماً داهية ذو حركة قافزة بين جنوده الفارعى الطويل.. يجوب الأسواق محمولاً على محفة لا قاعدة لها فقد جسده الممثل إيمان الصيرفى فحقق هذه المعادلة بإمكانياته الجسدية المناسبة والعصبية.
تتوالى الشخصيات (انظر العرض فى الشريط المسجل) تتقدمها الأنماط الشعبية.. من تجار وحواه وبائعين جائلين ومنادين وصناع حرفيين وراكبى العصى وجمهرة الأطفال ومجاميع الأقزام.. تتقدم ممثلة أنماط هذا الشعب. وفى الوقت الذى يجسد فيه جنود الشرطة العنجهية والتسلط والتخبط فى لحن كاريكاتورى يذكرنا بألحان سيد درويش الساخرة اللاذعة،
فإننا نرى من جانب آخر اجتماع الشعب حول لحن عاطفى أمومى يسجد فقطان أن سعيد لطفلها فى زحام السوق والحياة.. لحن يحمل كل معانى الفقدان التى يعانى منها الأمير.. ويجسد لحن آخر معانى التضامن عند الشدة وآخر ثورة الناس على الطغيان ومناداتهم بالتغيير.. تغيير الشرطة والقاضى والمحتسب وأعداء الحياة.
(أنظر الصور الفوتوغرافية والشريط المسجل للعرض الحى)
أ.م.د. محمد عبد المعطى محمد

السيد حافظ وتشكيل النص المسرحى

السيد حافظ وتشكيل النص المسرحى

أ.د. عقيل مهدى يوسف
*****
الرجل التاريخى.. الاتجاهات المعاكسة بين (الفرد) و(السلطة) الكوميديا السوداء.. التأكيد على "الأثر" الجمالى لدى المتلقى، كلها باتت علامات نشطة فى التجرب الدرامية للسيد حافظ.
فهو واحد من بين المسرحيين العرب الذين انتبهوا مبكراً لتلك الآلية التى تحدّ من آفاق "الذاكرة" الثمينة للشعب، فتحصر "الفرد" فى توهمات وأزمنة قريبة مأزومة، أو بعيدة خرافية، لكى يخسر هذا الفرد مسارب مرجعياته، بسبب الإحباط الذى يكابده المواطن حينما لا يجد وسيلة أو ملاذاً للخروج من المأزق الماثل فى حاضرة العشوم.
اتينا من الماضى القريب "حكاية الفلاح عبد المطيع"، ومن الزمن الأبعد نسبياً تقابل "ظهور واختفاء ابى ذر الغفارى" و"قراقوش الأراجوز" و"حرب الملوخية" و"الأشجار تنحنى أحياناً" و"رحلات ابن بسبوسة" و"ملك الزبالة"... الخ.
وسواها وكلها تشكل التوسطات اليومية، الرابطة بين السالف واللاحق من الأحداث المصيرية على مستوى الفرد أو الجماعة فى تاريخنا العربى بطله "التاريخى" ليس من أولئك الخارقين، والوثقيين، والمنتصرين على أعدائهم، بما جبلوا عليه من قدرات فائقة، وتمرس فى اجترام الحلول للخروج سالمين من المحنة!! هم بخلاف ذلك، ينتهون محطمين، تسورهم الأشداق الضاحكة، الشامتة من خيباتهم وقلة حيلهم للتفلت من القبضة الفولاذية الضاربة على رؤوسهم بحمية إجرامية .. جنونية!! نعم يحصل كل ذلك فى زمن الأرانب الذى يتأوه منه "عبد المطيع" إنه زمن "قنصوة الغورى" الذى امتدت شفراته الوراثية إلى آماد مستقبلية، وكأنها تتناسل من صلبها، لتنبتح أزلام شائهين، يضعون السيف فى موضع الندى"!!
ويقلبون ظهر المجن، ويتقهقرون إلى الوراء، حتى ينكفء التاريخ، فيصبح الحاضر، صيحة متلاشية فى وادى الصخور الصماء الراسخة، التى يمثلها جبروت الماضى" وتسلطه الماحق لحرية الفرد.
لا يمطح (السيد حافظ) أن يكون متاجراً بالقصص والحكايا، بل يريد أن يعيد تشكيل التفاعل ما بين طرفى اللعبة المسرحى، الفنان من جهة والمتفرج من جهة ثانية، ولا يطمح لخلق بطل سوبرمان بل إنسان عادى، تشكلت خلاياه بحر مسيرة سرية، ابتدأت منذ زمن أبعد من الفراعنة ومن السومريين، لتمرّ عبرهم، وهكذا حسب (الراوى) "نامت أحزانه الفرعونية" وهو يتحدث عن الفلاح عبد المطيع، ويالتالى، يمتد طوفان حزنه لكيون موصولاً بالزمن العربى اللاحق، حتى تنام (أحلامه العربية على وسادته) التى يتحكم بمستقرها بوصلة السلطان، حتى إن كانت عينه رمداء، طالما يصبح بالإمكان أن تسبغ الجلابيب على البشر، قيماً متباينة من التسلط والتسفل.
يذهب "السيد حافظ" ببطله اليومى إلى أفقه التاريخى، وهو يحرص تماماً على تجمير أحزانه بريام فترات ما قبل الميلاد وما يليها، وهذا "الجمر" المتقد، اللاهش، الآيل للانطفاء والعدم، يقوى على دفع شراراته إلى أحجار أخرى، قابلة للتواصل مع هذا الاشتعال لتبقى "الجذوة" الشعبية، ماثلة عند العامة" دون "الخاصة" فالمؤلف لا يرضى بانقلاب الهرم، لأن السواد الأعظم هو المرتكز.. ومن دون "حرية"، وحرص على أرزاقه وحرماته، تتهافت كل الأسماء مهما اتصلت بأسباب المجد، لأنها تصنع الراية بأيدى قرقوش، الأراجوز، الذى أعمى الغباء بصيرته، وبصره واستكلبت دمه السلطة الباغية.
يجيب "مهند" عند سؤال "عبد المطيع"، من أتى بالسلاطين إلينا ؟ بقوله :
إنى هنا لا أفهم.. لقد خلقنا ووجدنا السلاطين (ص8)
هنا يبدع "السيد حافظ" استراتيجية نصية، درامية، ليس غرضه سرد كلمات وجمل ومقاطع، بل معالجة "الحكاية" بحضور جمالى للصوت المطرز بالموالى والأغنية والشعر والجناسات والمفارقات، حتى لا يُقفل المعنى على اتجاه خطى، وأحادى، للموروثات من الحكايا والقصص والأخبار، التى تتوفر عليها ذاكرة الشعب، أو المخزونة بكتب المؤرخين والتى غالباً ما، يجرى اسطرتها، وتجريدها، وتثبيتها فى أفق أعلى من أحاسيس الناس وأفكارهم، وقدراتهم على التغيير، أوفى إعادة النظر إلى الفكر والعالم والإنسان من موقع متقدم متنامى جديد، لكى يرفض الحلقة المغلقة للجهل، اسمع الكورس ينشد :
- انجبت له زوجته عشرة أطفال، الأول غبى الفطرة، والأخير غبى الاكتساب. (ص 13).
هذا الخوف من المعرفة جعله :
- لم يدخل كتاباً لتعليم القراءة لأن القراءة تجلب المتاعب وتتعب العقل.
وكما يقول "نيشته" فالمشاكل الكبرى توجد فى الشارع، لهذا يحرض (السيد حافظ) على فضح التابوات (ممنوع أن تضحك ممنوع أن تبكى) فهذا التسلط القهرى التدميرى، لابد أن يخفر نقائضه الكامنة بأناس هذا الشارع، الذى يخدر التاريخ عبر هفواته، وغرائزه وأحلامه توابيه وحسه الفطرى، وليمتد تدفقه فى شرايين الأحداث والمصائر والشخوص التى تسكن "فضاءات نصوصه المسرحية" رجل التاريخ، رغم ضآلته ، يحمل الختم السرى فجيناته الوراثية الوطنية، يصطدم بالطغاة، ويضحى بوجوده الأرضى، لكى يخلق: "الفضاء الحر للحركة" المنبعثة من طيات المجتمع السلفى ، لتظهر للعلن وهى تهدر بعناصرها المتفجرة من داخل سور النص المسرحى نفسه لتلهم الآخرين "ايدلوجية" متزنة، وموضوعية، وليست مفروضة من خارج خطاب النص الدرامى !! أو غير مستبجية لدواعي الحضارية لذلك يتوسل "السيد حافظ" بالكوميديا السوداء، التى تجعل من ملابس عبد المطيع الرثة الشغل الشاغل لعسس السلطان!!
فلا ينقذه الثوب الأبيض من بؤس الثوب الأسود! فكلاهما لا يلتئمان مع يومى السعد والنحس للسلطان المسعور! وتقلبات أطواره، ونوبات شذوذه!!
حرص السيد حافظ بتشكيلاته النصية على الوجه إلى الإنسان العربى ابن القرى والنجوع والمدن ليرسم له الأزمنة والأمكنة المتخيلة، والتى يضع لها "تأرخه" مؤسلية وشرطية فى سبيل إنشاء تركيب جديد، يُبنى من عناصر عادية معروفة، لكنها تحول العادى والمألوف مثل (عبد المطيع) إلى بطل يلهم الناس البسطاء، قدراً من الفعالية الذنية وهم يكابدون انفعالات لم يعهدوها قبل تجربة التماس مع هذا العمل الفنى، وهذه من وظائف الفنان، الحاذق فى صنع تحفيزات فنية فى النص، تحرك من أفق التلقى عند الجمهور، وهذا النوع من التفاعل يبنى على إدراك أسرار لا تكشفها النظرة السطحية للناس وهم منهمكون فى تيارات الحياة المتلاطمة، يسيّرها الطمع والبلاد، والاستغلال.
إن (ثيم) نصوص "السيد حافظ" تعيد ترتيب العناصر بطريقة خاطئة تجعل إحساساً عاماً ما، يهيمن على تجربة التلقى، ربما تكون الآراء والانطباعات التى تظهرها الشخوص الواقعية بسيطة وسطحية، لكنها تتضافر معاً لتعزيز "الأمثولة" التى يريد الكاتب البرهنة على صدقية فرضتها فنياً هو يجبح لهذا الصراع بين السيد والمسود، ليحسم مواقف محددة فى نصوصه، مزروعة فى تربة الحاضر وآنيته الراهنة مهما أوعى من رحلات فى جوف التاريخ والأسطورة والحكاية أو الأمثولة، لأن توظيف الاستعارات والتشبيهات لا تتم إلا بدمج العناصر الدرامية مع بعضها، فيدور الراوى والكورى والشخوص والأحداث فى فضاء تجريبى، رسمت آفاقه ابداعات عربية، بعد نكسات مُرة على مستوى الشارع والوطن والأمة.
وبالتالى لا يصبح الحديث مجدياً عن " الشكل" التجريبى الجديد الذى جاء به السيد حافظ على أهمية ذلك، لكن الأهم هو جعل النص من خلالها رسالته التنويرية الساخطة على الواقع.
أ.د. عقيل مهدى يوسف

الأداء السياسى فى مسرحيتى السيد حافظ إشاعة" و"رحلات ابن بسبوسة

ملف فنان
الأداء السياسى فى مسرحيتى السيد حافظ
"إشاعة" و"رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة"
بقلم/ عبد الغنى داود
يقول المنظم المسرحى المغربى واستاذ الدراما فى جامعة مكناس فى المغرب د. عبد الرحمن بن زيدان:
(يعتمد السيد حافظ على أسلوب التحريض ومحاصرة المتفرج بالأصوات الرافضة المحتجة الداعية إلى النظر فى الواقع بغضب)
كما يقولعنه د. السعيد الورقى استاذ الأدب الغربى فى كلية الآداب – جامعة الاسكندرية : (لعل أهم ما يميز مسرح الكاتب المصرى السيد حافظ هو سيطرة فكرة الثورة على تلك الأعمال – هكذا تبدو الثورة تياراً عاماً متدفقاً خلال أعمال المؤلف منذ مسرحيته الأولى).. لكن (الغضب والثورة) يصطدمان بالفساد وتغييب الوعى وتزييف التاريخ، وبعوامل الانشقاق والتشرذم والتفكك والانحلال بين أبناء الوطن العربى، وهو ما جسده فى مسرحيتى "إشاعة" و"رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة" اللتين سنتناولهما فيما بعد.
ونلمس فيها البعد السياسى الواضح فى خطابيهما. وأن الأداء السياسى يحتل المكانة الأولى فيهما.. حتى ولو كان يكتب الكوميديا التى قد تصل إلى درجة الهزلية.
تتمركز أحداث النص الأول "إشاعة" حول فتاة من الصعيد، محملة بقيم ومبادئ استاذها (مصباح الزمان) الذى يريد أن يعيد كتابة تاريخ مصر، ليكشف الزيف فيه ويصل إلى الحقيقة، فتحاربه قوى الشر المتمثلة فى أستاذ الجامعة (فهمان) والصحفى اللامع (أبى الكلام) رئيس تحرير صحيفة (الجماهير) وتتعرض الفتاة الصعيدية طالبة الجامعة لضغوط وإغراءات تحاول أن تشدها إلى الانحراف والتخلى عن مبادئ استاذها وخيانته، والانجراف إلى مهاوى العصر الملئ بالفساد وخراب الذمم والتزييف والتدليس، وعندما تقاوم يطاردونهما بالإشاعات عن علاقة آثمة بينها وبين استاذها.. مما يجعل خطيبها الفتى الصعيدى المتعلم يفسخ خطوبتها ويتهمها فى شرفها. وفى اللحظة التى يكاد ابن العم يؤمن ببراءتها وطهارتها – بعد أن راقبها ولم يجد فى سلوكها عيباً.. وبعد أن جاءه عمها الكبير الراحل فى المنام.. ذلك العلم الرمز الذى علقت الطالبة صورته فى شقتها، العمل الذى يرمز إلى نموذج الزعيم الأب – نجد أن قوى الشر تحول الإشاعة التى أطلقتها على الفتاة.. وهى أنها أنجبت طفلاً سفاحاً – فى الحرام.. إلى حقيقة مؤكدة.. ويجد (ابن عمها) بالفعل طفلاً رضيعاً فى شقتها وتحاول الفتاة عبثاً – أن تدرأ عن نفسها التهمة دون جدوى، ويدوى صوت الاستاذ المزيف (فهمان) فى أذنيها... مذكراً إياها أنها لن تستطيع أن تفلت من قبضتهم (لأنهم صدقوا كل شئ فى البلد) وتنتهى المسرحية والفتاة تصرخ فى هيستريا نافية التهمة.. بينما يمسك ابن العم بالطفل المزعوم صارخاً: إن طفل الخطية هو الحقيقة الملموسة وليس مجرد إشاعة..
والنص – كما نرى – تراجيديا تدور أحداثها فى أماكن متعددة مما يجعل المشاهد المسرحية سريعة متلاحقة وأقرب مما يجعل المشاهد التليفزيونية المتتابعة.. حين ينتقل ما بين شقة الفتاة إلى المدرج الجامعى، إلى كافتيريا الجامعة، إلى مكتب رئيس تحرير صحيفة الجماهير إلى محطة الأتوبيس، إلى ساحة مولد، إلى مكاتب أساتذة الجامعة، لتكشف أنواع الضغوط والمغريات تمارسها قوى الشر والفساد فى مقابل مقاومة الفتاة.. بينما يحسم استاذها صراعه مع قوى الشر ورفضه لكل الإغراءات وشجبه لكل إدعاءاتهم المغرضة. × المسرحية - كما نرى – يقتحم قضية مهمة من قضايا الوطن وهى الصراع الأبدى بين الشرفاء × من خلال رموز سياسية حكمت مصر منذ × وحتى اليوم. تتمثل فى صورة (العم الكبير) × نموذج الأب Father Figure الماثلة دائماً طوال العرض، والذى تخطابه الفتاة وخطيبها و(والد الفتاة) الذى أصابه الجزع والخوف على مصير ابنته لأنها تسبح ضد التيار مما يعرضها لإشاعات السوء – وكان هذا العم ما يزال حياً، وتأتى المفارقة الدرامية حين تجلب قوى الشر رضيعاً وتضعه فى شقة الفتاة على أساس أنه (ابن السفاح) الذى أنجبته، لكى يحولوا الإشاعة إلى حقيقة. وهذا المشهد هو مركز الثقل فى المسرحية.. وعليه كان من الممكن أن تقوم دراما أكثر احتداماً وإثارة وحيوية.. لكنه فى النهاية جاء كالمفاجأة التى لم يتم التمهيد لها، ولم يُغرس لها خيط درامى لتكون هى القضية الجوهرية فى هذه المسرحية المحملة بدلالات إيحائية متعددة عندما تنعى عصر الطهارة والنقاء أيام العم الكبير أو صورة الأب.. هذا الذى كان يهاجمه ابن العم (الخطيب) الصعيدى المثقف ويتهمه بأن كان ديكتاتورياً لأنه لم يعلمه كيف يتحاور معه، وأنه كان ديكتاورياً لأنه لم يعلمه كيف يتحاور معه، وانه كان مستبداً أفقده كل قدراته الإبداعية والاعتماد على النفس.
وفى تصورى ان هذا التعلق (العاطفى) بنموذج الأب أو شبح الأب أو فلنقل (صورة الأب) قد جعل النص ينحو منحى خطابياً فى بعض المشاهد، لكن تعدد المشاهد القصيرة وسرعة تتابعها (وهى أقرب إلى الومضات الخاطفة)، وتكتيك السيناريو التليفزيونى كما سبق أن قلنا – قد خففت من هذه النبرة الخطابية... فالأحداث هنا تدور بمنهج التنويعات على موضوع واحد.. فالتاة الجامعية تتعرض للمغريات وللتهديد عبر أكثر من أربعة نماذج فاسدة، وتتعرض للوم والمؤاخذة من الأب وابن العمل الخطيب.. مما استدرج النص إلى التكرار أحياناً، خفف من وطأته إمكانية الارتجال فى دور (أبو الكلام) واللجوء إلى الهزلية فى تصوير شخصية الشاب المدلل الفارع الطول (طقطق) – (الطالب الفاسد)...
ويبقى لهذا النص الجاد الذى كتب فى المانينات ونشر عام 1994 (سلسة إشراقات – الهيئة العامة للكتاب – مصر) أنه يناقش قضية جادة فى مناخ هازل.. فلم تعد القضايا الجادة تشغل بال غالبية أهل المسرح بقدر ما يهمهم اجتذاب الجمهور بشتى ألوان الفرجة والزركشة والبهرجة التى تخدع العين دون اهتمام بالخطاب الذى يخلق الجدلية والحيوية التى تمهد لمناخ ديمقراطى حقيقى.
وفى النص الثانى (رحلات ابن بسبوسة) يواصل القيام بدوره السياسى فى جبهة لا تنفصل كثيراً عن الجبهة التى دارت فيها أحداث وصراعات النص الأول.. ذلك الذى تصدر للتزييف والخداع والمساومة فى مصير الوطن، ودعاوى الانفتاح والمهادنة والمسالمة والتخاذل..
لكن مسرحية (رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة) 1994 كوميديا هزلية، تنتمى إلى الكوميديا السوداء، وفيها ملامح كوميديا مسرح العبث الذى يعتمد على (الفارْس) أى الهزلية.. وتستعرض المسرحية عذبات إنسان مصرى يعمل مدرساً، هو (عبد الله بن بسبوسة) تصحبه زوجته (سميرة) فى رحلته للبلاد العربية الشقيقة، للبحث عن فرصة عمل أفضل، تتيح له أن يقيم بيتاً فى بلده يأوى إليه. وتبدأ رحلة العذاب من السفارة العربية بالقاهرة إلى المطارين رحلة العذاب من السفارة العربية بالقاهرة إلى المطارين المصرى، والعربى، ويستعرض النص ظروف معاناة الباحث عن عمل أو الذى يعمل فى ذلك البلد العربى الشرقى، وخلافات ساسة هذه الدول العربية التى يدفع ثمنها الإنسان المصرى البسيط، الذى لا يجد من يحميه إلى أن يعود خائب الرجاء، مفلساً، لا حول له ولا قوة. ثم يعاود (عبد الله) الكرة مرة أخرى، ويشد الرحال إلى البلد العربى الآخر (الغربى) الذى يرفع شعارات وحدة الوطن العربى وينادى بأمة عربية واحدة. ويلاقى المواطن البسيط الصغير الأمرَّين من رجال النظام هناك.. كما حدث أن لقى العنت والاضطهاد من رجال النظام فى بلده..
والنص بهذا الشكل صرخة احتجاج حادة وشديدة السخرية والتهكم مما يحدث من سلبيات وفصامية، وتناقض بين الشعارات المنادية بأخوة أبناء الوطن الواحد وما يحدث فى الواقع فى تفرقة وتشتت وتخلف وتعصب واضطهاد أبناء الوطن الواحد بعضهم لبعض.. فى شكل يميل إلى التجسيد الكاريكاتورى الذكى لمأساة الإنسان والمواطن العربى البسيط متجسداً فى شخصية (عبدالله) المدرس المصرى الباحث عن حياة أفضل.. لذا فالقضية ساخنة، وتقيم جسوراً وجدانية وعاطفية مع المتلقى فى كل بلدان الوطن العربى.. حتى فى تلك البلدان التى ينتقدها النص ويسخر من عيوبها.. فهى تُعد بالنسبة لهم نقداً ذاتياً يراجعون فيه أنفسهم، ويشير لمواطنيه إلى الكابوس الذى يعيشون فى ظله ولابد لهم أن يفيقوا ويتخلصوا من هلاوسه.. كما يتضمن صوراً من السلبيات المبتلى بها أبناء هذا الوطن، مثل لوحة الفنانة المصرية المبتذلة التى تتدنى لإغواء موظفى مطار البلد العربى كى تحقق مكاسب زهيدة وتسئ فى الوقت نفسه إلى الفن والفنانين فى بلدها، أو تهافت بعض ضعاف النفوس على دراهم معدودات.
إن هذا النص يستفيد من سمات مسرح الكبارية أو ما يطلقون عليه (مسرح الكباريه السياسى) وهو مسرح تسلية ومتعة، ظهر فى بدايات القرن العشرين، ويحتاج إلى أقل عدد ممكن من أدوات الإكسسوار، وكان يعتمد على ممثلين فرادى يغنون ويرقصون، وممثلوه كوميديون بطبعهم، يستطيعون إقامة علاقة حميمة مع متفرجيهم. وقد ظهر من خلال هذا المسرح العديد من نجوم الكوميديا فى كثير من بلدان العالم.. إلا أن النص فى النهاية عمل كوميدى متماسك ذو خطاب سياسى واضح ومحدد، فيه نبرة مريرة وحادة.. لكنها عاشقة لإنسان هذا الوطن العربى المنكوب..
ويبقى تساؤل : هل لدى هذا المسرح الثورى الغاضب القدرة على التأثير فى ظل الرقابة السياسية على المسرح فى الدول ذات النظام الشمولى والتى تمنع حتماً وصول أى خطاب غير مصرح به؟
اتصور أنه يستطيع الانفلات والوصول إلى المتلقى فى مناخ هامش الديمقراطية المتاح الآن، ويكون له تأثيره السياسى الواضح فى منطقة الوعى وفى سياق المعارك القومية والاتجاهات والتيارات المحتدمة والمتغيرة التى نتناوبها...

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More