Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2021

18 شاهد من جيلنا السيد حافظ أو التوقيع بالدم على خشبة المسرح ؟! بقلم : محمد يوسف

 

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(18)

 

شاهد من جيلنا السيد حافظ
أو التوقيع بالدم على خشبة المسرح ؟!
بقلم : محمد يوسف

 

دراسة من كتاب

إشكالية الحداثة والرؤي النقدية فى المسرح التجريبى

الســيد حــافظ

)نموذجاً)

شاهد من جيلنا السيد حافظ
أو
التوقيع بالدم على خشبة المسرح ؟!
بقلم
: محمد يوسف

ينتمى السيد حافظ إلى رعيل من جيلنا شارك فى المظاهرات الطلابية التى انفجرت فى مدينة الإسكندرية عام 1968م أى بعد مرور عام على الهزيمة الفاجعة لسنة1967 م، وكان من هؤلاء المتظاهرين الذين خرجوا يتحدون الحكومة والنظام، ويطالبون بمحاكمة الجنرالات والضباط الكبار الذين انشغلوا بالكرة والأندية الرياضية عن الاستعداد العسكرى.

واتخذوا الممثلات والراقصات وبنات الهوى عاشقات لهم ، وتوازى هذا كله مع انهيار بريق الزعامة الناصرية ، وكان لابد أن تبذغ شمس جديدة وتخرج سنبلة قمح لامعة تنتصر على العقم والموت الفاجع. فخرجت جامعة الاسكندرية كالغزالة البرية الشادرة. تجأر وتصرخ وتنزف وخرج طلابها كالخيول العربية الجامحة يصهلون ويحولون الصهيل الى اتهام لهؤلاء الجنرالات والضباط الكبار الذين خذلوا الوطن . وخانوا القضية وارتموا تحت اقدام الغوانى ، كما تحول الصهيل الى المطالبة بمحاكمة علانية لهم لكى تعلمهم الجامعة بالمجان فى (ذروة المد الناصري) ، ثم ساقوهم الى صحراء سيناء المكشوفة كأنهم قبائل بدوية قادمة من كهوف الجاهلية ، وهناك باغتتهم المعدات الحربية الاسرائيلية. وهبطت عليهم الطائرات الاسرائيلية ولامست اكتافهم المحترقة بفعل الشمس الحارقة وهم منبطحون ارضا وألقت عليهم بالمنشورات الصغيرة وقطع الحلوى و (والشكولاته) وتجاسر بعض هؤلاء الأبناء "الجنود" وقرأ مضمون المنشور الذىكان يقولك

"قولوا لعبد الناصر عيب أن يرميكم فى الصحراء المك شوفة حتى الموت فزعا أو عطشا أو جوعا".

أى عار ، وأى هوان؟

وانفطرت القبائل البدوية فى تية صحراء سيناء المكشوفة وركض الجنود الذين تخلى "الجنرالات" وقادة الجيش عنهم لسب بسيط هوأ، معظمهم كان يدير المعركة من غرفة العمليات بالقاهرة.

        وكان مشهدا فريدا لهؤلاء الذين ربطون بين "دينامية" الفعل الابداعى الذى يمكن تحقيقه وتجسيده فى الفعل الحياتي اليومى ودينامية" الوعى المشارك فى تحويل الصهيل الزلزال الى حركة حياتية يومية".

        وشعر السيد حافظ " أنه واحد من المشاركين فى "كريشندو الصهيل" (أو كريشندو العناق بين وعى المثقف وحركته الحياتية بالاضافة الى تجسيد " الحلم الثورى "المتكئ على رؤية سياسية...

        وكان هذا الدرس بليغا . ومقنعا وموحيا ، فقد تعلم "السيد حافظ" أن الكلمة الصادقة المسلحة بوعى ثورى، تؤتي ثمارها حين تتحولالى "فعل ثورى".

        وتحويل " الوعى الثورى" إلى "فعل ثورى" هو المحضور الذى تخشى الحكومات والانظمة الديكتاتورية من وقوعه ، لنه يحمل بذرة نهايتها المأساوية؟

        كانت الكلمة ثمرة يانعة ، وكان الوعى الثورى "ثمرة مرجأة" لكن وقوع " المحضور" حولها إلى ثمرة"بالفعل بالكمونية" وإلى حالة مشعة من حالات تحويل الوعى الثورى الى فعل ثورى عن طريق الشهادة بالدم؟!


        بعد مظاهرات جامعة الاسكندرية فى عام 1968 ، اتخذ " الوعى الثورى " لطبقة ابناء الفلاحين والعمال الذين يتلقون تعليمهم بالمجان) مسارا أخر ، إذ بدأ اصحاب هؤلاء " الوعى " يفضلون بين عبد الناصر كزعيم وبين عبد الناصر كنظام (أى حكومة و دولة تملك من المؤسسات القمعية والاجهزة السرية ، وأمراض التسلط الادارى ، والبيوقراطية ، والقهر المعنوى وخلخلة الاستقرار الاجتماعى والاقتصادي وهيمنة هذه المؤسسات والاجهزة على الحياة فى مصر).

        ومن هنا.. فإن الصدام الدموي الذى حدث فى عام 1968. لم يكن بين "عبد الناصر " (الرمز والزعيم). وتيار الوعى الثورى، وإنما كان بين الذين دفعوا الثمن الفادح للهزيمة(الصدمة المعنوية) ، والانكسار القوى ، والشعور بعبثية وفوضوية الأبنية العسكرية الفوية ، وغياب الحرية والديموقراطية بدعوى الإعداد للحب وعدم التشكيك فى صلابة الجهة الوطنية؟!) وبين عبد الناصر – النظام والدولة؟!

وقيل صدرت الأوامر بالتراجع والانسحاب ، ولا أظن أحدا يسمع مثل هذا الندءا فى يوم القيامة ، والناس من هول القارعة فى سكرة شديدة!

        ولا يهمنى إذا كانت الاوامر قد صدرت أو لم تصدر ، فقد تحولت سيناء إلى "برزخ" للألم المر المالح ، ومعبر للمكابد الدموية، ومسرح لليتم الفاجع ، واتجه الابناء (الجنود) نحو "قناة السويس" ثم عربوا النقاة سباحة حتى انشلتهم القوارب، ثم واصلوا الركض على غير هدى الىأن اهتدى كل منهم الى بيت أمه.

        ولا أنسى واحدا من هؤلاء الابناء (الجنود الرجال) صادفته راكضا على الطريق الزراعى لمدينة المنصورة ، و قد تورمت قدماه وتقرحتا ، وأنتفخ وجه ، فلما استوقفته فر منى مذعورا فلاحقته مهدئنا من روعه ، إذ ظن أننى أستوقفته للتبليغ عن "فراره" فلما أطمأن الى وقف وهو يلهث، وعرى جسمه المتقرح ، وذراعيه المحترقين ، وحين بدأت أحاوره أكتشفت انعقاد لسانه من أثر الصدمة ، فأدركت أنه عاد من سيناء راكضا عبر قناة السويس، ولم يجد ما يحتمى به غير بيت أمه فى قريته الصغيرة.

        ورجوته أن يتمهل لتناول الشاي أو القهوة على الطريق فرفض ، فتركته لحاله ، وغيرت اتجاهي وبكيت؟!

        إذن.. فهى القارعة التى لم يسمع زلزالها إلا الفلاحون الفقراء ، والعمال الفقراء وأبناؤهم الذين ساقوهم إلى صحراء سيناء المكشوفة بينما "الجنرالات" فى غرف النوم المكيفة يغطون فى نوم عميق؟!

        وكان لابد أن ينهض أبناء الفقراء من الصدمة المعنوية، ويطالبون بإخراج الجنبلاات من غرف النوم المكيفة محاكمتهم.

        وهكذا..خرج السيد حافظ " مع صهيل جامعة الاسكندرية لكى تتحلو الاسكندرية الى وردة من الدم والنار؟ واجتاح الصهيل الزلزال كل شئ فى المدينة العريقة ؟ وافاقت المخابرات والاجهزة القمعية على صوت الصهيل – الزلزال وأخذتها المباغتة فلم تجد بدا من إطلاق الرصاص على المتظاهريه بحجة تفرقتهم " ولسنا نجد وقتا لاضاعته".

        وكانت هذه ظاهرة صحية. حرضت عبد الناصر على إسقاط دولة المخابرات" ومراكز القوى، وتفويض الجماهير له ، وتفويضه للجماهير لاسترداد "الجذوة المقدسة التى تفرق بين الاحياء والاموات من البشر ، واستعارة هيبة الجنود الذين ساءت سمعتهم بعد هزيمة 1967 والتفرقة بينهم وبين "الضباط الكبار" الذين ينامون فى الغرف المكيفة والخنادق المكيفة والجنود (أبناء الفقراء والذين لا خبز عندهم). وبناء الجبهة الداخلية ، وتطهيرها من عوامل التحلل والتفسخ والتسيب وقطع "عبد الناصر" شوطا كبيرا فى إنجاز هذا الأمر ، وأطلق على هذه الفترة مرحلة "حرب الاستئنزاف"

        من الصدمة المعنوية الفادحة ، والانهيار الفاجع الى "حرب الاستنزاف " تراوح المد والجزر (فى بحر الايبداع ) بين الصعود والهبوط وبدأت السلطة فى مصر تركز على هذا الرعيل من جيلنا الذى زاوج بين الكتابة والدم ، وكان "السيد حافظ" واحدا من هذا الرعيل اذى كان التوقيع بالدم (على خشبة المسرح ) يقينا قاطعا بالنسبة له؟!

        هو إذن هذا الرعيل الذى فجر التنافر فى عام 1968 (عام المظاهرات الطلابية) وأوصله الى مرحلة النفور(أى النفور من مداهنات ومداهمات السلطة)* فى عام 1971 ، عام الانقلاب الرجعي وقطع راس الحكم الثورى ، وضرب "الغزالة البرية" حتى النخاع ،" وقتل الصهيل" و"البوح" ومسخ الكتابة بالدم ، ومزج الدم بالماء؟!

5) وقوع الحلم الناصرى فى الأسر

حبيبتى.. أنا مسافر والقطار أنت والرحلة والانسان

تطرح مسرحية "السيد حافظ " الاولى حبيبتى.. أنا مسافر والقطار أنت والرحلة والانسان تجسيدا دراميا لجيل ثورة يوليو 1952. وطموحاته ، وإحباطاته ، ومكابداته ، وحلمه الثورى الذى ارتطم بصخرة الهزيمة فى يونيه 1967 حتى سال من رأسه الدم، وتناثر على الأسفلت الأسود شظايا تبوح للنصب التذكارى فى ميدان التحرير بسر العشق. وسر الشهادة الممنوعة!.

        وللوهلة الأولى تأخذك الشخيات (التى تتراوح أعمارها بين 17 سنة بالنسبة لعائشة) (وأن كانت قد صرحت صفحة 89 من المسرحية أن عمرها 20 سنة تقريبا). " ويا سين" الذى يبلغ من العمر 23 سنة إلى ساحة الحلم الثوري المقطوع الرأس زمانا ومكانا ، فقد اختار الكاتب عام 1968 (وهو عام انفجار المظاهرات الطلابية التى كانت تطالب رؤوس الجنرالات والضباط الكبار الذين تخاذلوا وخذلوا الجندى والسلاح حتى وقعت الواقعة . ولحق بالحلم الثورى عار الهزيمة). وأختار المكان: أحد الملاجئ ليرمز الى انفصال "جيل يوليو 1952" عن الواقع الحياتى والواقع السياسى أيضا. واصابته بحالة من الإحباط الكامل. الشامل ، والشيزوفرانيا القاتلة بحيث فقد. هويتهم السوية، وتحول حلمه الثورى من خصوبة الفعل والانجاز الى عقد الهذيان ، والهلوثة التى تصل إلى درجة اللغو والثرثرة.

        كان هذا الجيل الأخضر نقيا. شفافا يكبر مع حلمه الثورى يوما بعد يوم. وعندما وقع هذا الحلم فى الأسر(بانكسار عبد الناصر ، وهيمنة الاجهزة القمعية التى كانت تمارس الاضطهاد النفسى ، وغسل الدماغ على أصحاب الحلم) ، كسر هذا الجيل محارته الشفافة وخارج عاريا. نافيا ، يبرئ نفسه من عار الهزيمة وينتزع الخنجر القمعي من جثة فؤاده ، وكان صراخة عاليا ، وصرخته حارقة ، وشهقته نازفة تلامس لحم الحلم المتهرئ الذى يطؤه الجنرالات بالأحذية الثقيلة .

        أنا لا أريد أن ألخص المسرحية ، لأن هذه العملية تفسد الإيقاع النفسي الذى يتسرب به الحوار. وتندثر به الأحداث ، بالإضافة إلى عملية إلى عملية التلخيص تسئ الى التكنيك التجريبي الذى أتبعه المؤلف الذى يتراوح بين التقطيع النفسى للجمل بحيث يوازى درجة الإحباط التى تعانى منه الشخصية ، والتفسخ الذى يجسد فساد مدينة الجنرالات ذوى الرتب العسكرية العالية . كل شئ باطل كل شئ متفسخ. كل شئ فاسد ملوث. حتى اللغة التى أصابها الإحباط والرخاوة واللزوجة والازدواجية. ومن هنا فإننى أفضل أن اقتطف لك بعض الإشرافات الداخلية والشخصيات حين تجسد خلجاتها النفسة والحوار المسرحى.

شلبى  : (لحمودة) بتحب الجملة الاسمية ولا الفعلية؟

حمودة        : ما بحبش الجمل

شلبى  : تبقى بتحب الكلمة.

حمودة        : أنا بحب الأرقام كلها وأحب الجملة الفعلية والاسمية!

"صفحة12"

        ومن الواضح ان هذه الإشراقة النفسية لهذا الجيل المحبط تصور نفوره من الكلمة السالبة. ألم تهزمنا الخطب العنترية ، والبلاغات العسكرية الكاذبة ، والأناشيد الحماسية الجوفاء!

        فى الملجأ الذى يعيش فيه جيل ثورة يوليو ومعه الحلم الثوري المحيط . تحاصر السلطة التى يمثلها المشرف "طه" – 45 سنة – والمشرفة "خديجة" – 45 سنة – الجيل والحلم معا ، بدأت تهشم رأس الحلم المقطوع ، وتفتت الكيان الإنسانى على مستوى "الفرد" (لا على مستوى المواطن لأن " المواطن" ليس له وجود وبالتالى فإن "السلطة" أخذت تحشد أجهزتها القمعية فى طمث ومحو ملامح ، وسمات الفرد!).

        وهكذا أصبح الكل محاصرا داخل الوطن الفرد – الفرد ، والفرد المواطن ، ثم الفرد- الأمة. والأمة – الفرد ! ونجحت المؤسسات القمعية فى تقزيم الفرد وتقزيم الأمة ، ولم يبق إلا الرماد المتناثر فى الأفق الرمادي الملطخ بالدم؟!

        هذه هى الفكرة المحورية حصار الفرد أدى الى حصار الوطن ، وحصار الوطن أفضى الى هزيمة الفرد ، وهزيمة الوطن!.

        وينفخ المؤلف فى "جذوة الشعر" التى يتفرع فى الصدر حبالاً من الضوء الشفاف و جذوع من الاشجار المنسة ، وعشبا يابسا ينعى النهر الذي يعانى من سنوات "التحريق" والجفاف ، ويتحسس "الدقة الشعراوية" المنهمرة من ضلوع شخصياته المنحرقة للتحرر من الخوف. ومقاومة الأرهاب وممارسة الحرية " كفعلط" حياتي!

(صفحة51): عائشة : أنهار من المطر ، وترعى "العطاشى" وجسور الخيانة . وقناطر المشتاقين للعبور.

هدى: الأرض هى الأرض. الهواء هو الهوا. الشمس هى الشمس. والفصول هى الفصول ، ماتحلميش بقى!

أزهار: على القلعة حيخدونا.. زى ما أخدوا أبويا . وفى سجن القلعة رموه على القلاع فى المينا . البحر بينادينا ، والسواحل فى السحر والشفق.. ضميت دراعى للى مالوش حبيب يا سواحل الدنيا يا حلمى أمتى تاخدينى لمركب حبيبى!)

(صفحة 61) : ياسين: مدى مفرشك زخرفية بصورتى ، وصور أهلى باللون الأخضر والأحمر والأبيض ، باللون الأخضر ارسمى الأرض ، باللون الأخضر ارسمى السماء ، باللون الأبيض ارسمينا وحطى الشوك على المفارش!

        جاذبية الشعر تشد المنولوج الداخلى ، فينبثق دفقة دفقة من بؤرة اللاشعور غلى الشعور ، إلى "التوج الدرامى"!

        وينفجر "الكريشندو" المكتوم إيقاعا إيقاعا ، وسوناتا سوناتا ، ويمتزج الشعر بدم الحلم المهضوم ، ويبلغ الموقف الدرامى ذروته ، حين يزور "الملجأ" مسئول عظيم(من إياهم)، يحترف الثرثرة الغبية وسيدة جليلة من سيدات المجتمع (البنفسجى) ويتطلف "المشرف طه". و"المشرفة خديجة مع الأولاد" لحبك الدور ، وعدم إفساد جو الحفل الذى ستنتشر صورة ووقائعه فى الصحف . ويرتدى كل منهم قناع التلطف والمجاملة.

        ويبدأ المسئول العظيم فى إلقاء كلمته ، ويقاطعه "الأولاد" بطريقة "تنافر الأضداد " ويتنامى التنافر بينهم وبينه ، وتتقدم محيية لتلقى كلمة "البنات" و "ينفجر" الحلم على هيئة"منولوج" ملتاع.

مجيدة: أنت يا وطنى ، هل أنت أمامى أم خلفى ، أم بجواري ، أم أنا أنت؟! ومن أكون أنا ومن تكون أنت؟!

حنجرتى ملايين خرساء ، يخرج من ضلوعي الفقراء ، أحلامهم أعلامهم ، وانا فى بدء الأعماق والميلاد ، كنت خطأ فى خريطتك . وسطرا فى تاريخ الخفاء ، وملجأ لبحار عاشق ، الثوار كانوا ، ومازالوا ، سكون ماساة الثائرين إنهم يوصفون بالخسة والتآمر على السلطان وقالوا إنك وطنى؟! أم ان خريطتك سحابة سراب. وخرائط الدنيا أكذوبة سحب الحق ، إنى قدمت أو أنت قدمت داخلى ، الحق أنى لا أعرف يا وطنى . لا أعرف .. لا أعرف يا ... (ص84).

هدى:  كان لكل منا عري.

حموده:  وعروسة.

عائشة:  وحصان.

مقبل:  وبسمة .

شلبى:  وحلم

نادية:  وخاطر.

حمودة:  كنا مثل القبعة.

مقبل : والسفر.

شلبى:  والألحان

ياسين:  والدنيا.

حنفى :  والاذان.

نادية :  كنا نعرف

مجيدة:  قلاع العصافير الخجلى.

أزهار:  واحتمالات القدر.

عائشة:  وقرارات السحب

هدى:  و:إشارات القمر

نادية:  كنا ن درك الحذر.

حمودة : وقوانين الجدل.

الجميع

(يغنون):  من فضلك يا سيد.. خدنى فى منديلك.

                وألق به فى النيل

        يوما سأصير أرجوحة أطفال

        من فضلك يا سيد.. منى لا تخف

        فأنا أصلى حبا

        وأبى لا أعرفهن :ان أبى منسيا؟

        ربما كان هناك

        فى أرض وسماء

شلبى: فى بهوت أو كمشيش أو الاسماعيلية.

        من فضلك يا سيد.. خدنى فى منديلك.

        دعنى أمام النيل! (ص 110 – 111)

لم يعضم "الوعى "جيل ثورة يوليو من "معاناة" الهزيمة " و" الوقوف " على حافة الصراخ الذى يقضى إلى الصراخ ، بل إلى طبقات متراكمة من الصراخ ، ومن يصرخ يجرونه إلى ما وراء الشمس حيث لا أحد!

        ويحاول المشرف "طه" والمشرفة "خديجة " تطويع " الانفجار" وتطويقه عن طريق الترغيب والترهيب لكتابة تعهد بعدم اللجوء الى "الفعل الثورى" أسوة بـ "بيرم التونسى " الذى اعتذر للملك (؟!).

        ويتخذ "الأولاد" قرارهم الحاسم ، ويعتصمون فى المبنى ، ويحتلونه ، إيماء الى انتصار "الوعى الثورى" على الواقع المشبع برائحة التحلل والعفونة

وتنتهى المسرحية بدق الجرس ، ويقف "الأولاد" فى طابور ، ويذهبون فى خطوات منظمة ويغنون.

- ضع السماعة ايها الطيب على قلب شجرة واسمع قلب الاشجار.

ضع السماعة أيها الطبيب على قلب حجرة واسمع قلب الاحجار ، إن قلبى ليس مثل قلبهم.. إن قلبى ليس مثل قلوبهم..

        ويمكن القول – بإيجاز – إن هذه المسرحية تدين نظام الحكم الناصرى كمؤسسات قمعية، ولا تدين عبد الناصر كزعامة ذات إشعاع وطنى وقومى ، ومعنوى واجتماعي ويحمل عام 1968 وهو العام الذى تناوله هذه المسرحية، رمزا سياسيا ، فهو العام الذى انفجرت فيه المظاهرات الطلابية ، وتمحور"الوعى الطلابى " حول "إجتياز" الهزيمة" بقطع "رؤوس" المؤسة العسكرية الناصرية، التى كانت تدير العمليات العسكرية من غرفة القيادة بالقاهرة بينما الجنود (أبناء الفلاحين الفقراء) يعانون محنة القهر بتفوق السلاح الامريكى فى الصرحاء المكشوفة.

* اللغة الدرامية:

        لا أوافق كاتب المسرحية على استخدام نمطين لغويين (اللغة الفصحى ، واللهجة العامية المحلة بالتكثيف الشعرى الشفاف) لأن ذلك – في رايي – يشتت التركيز الذهنى عند المتفرج بالإضافة الى فرض نوع من الاختلاف فى التذوق الدرامى ، والمشاركة فى "إنجاز" الحدث المسرحى ، وهذا على ما أعتقد عكس ما أراده المؤلف. الذى أراد أن يطوع اللغة الفصحى. واللهجة العامية عن طريق "التفجير الشعرى" ، والحوار الخاطف ، والمونولوج المشبع بالإيماءات النفسية إذ أن "جبروت" اللغة الفصحى ، وخصوبة إشعاعها ، وهارمونية تركيبها قلل – فى رأيى- من قيمة ،وفعالية " اللهجة العامية ، المطعمة بالشحنة الشعرية الشفافة.

        والتضاد اللغوى. والتاقطع التعبيري. الذى فجرته الشخصيات عند ملامسة اللهجة العامية الشفافة لأفق اللغة الفصحى اللانهائى نجح فى إبراز الفكرة المحورية ، فقد يظن المرء للوهلة الاولى أن الشخصيات محبطة لكنه حين يستجمع جزيئات الدلالات النفسية وبخاصة فى "المونولوجات" المتصاعدة الإيقاعات يدرك " أن "الحلم" هو الذى وصل إلى حافة الإحباط ، بينما "الشخصيات" تحاول استنفاذده ، والفرار به إلى مدينة جديدة تنكشم المؤسسات القمعية أو تتلائى ، ويكبر "الكيان الإنساني" وتلامس طموحاته الوطنية والقومية حافة الأفق اللانهائى.

_ هم كما هم ولكن ليس هم الزعاليك

.... والزعاليك هنا هم الصعاليك. أى هذه "العينات البشرية" التى تضج بالحيوية ، والاندماج الامل فى دائرة الصراع الحياتي ، والتدخل الفعال فى تسيير دفة الحياة وفق طموحاتها ، وأهوائها ، وؤيتها "الفلسفية" التى تتكئ على "ممارسة الحياة" والصعايك هم هؤلاء الناس السبسطاء. الظامئون لحياة خالية من الشر والظلم ، والدمامة ، لكنهم لا يملكون أجنحة للتحليق بهذا "الحلم" إلى دائرة أوسع من دائرة أهتماماتهم  اليومية التى تضيق بهم. فهم اسرى"الواقع الحياتى" المحبط (بفتح وجر الباء) ولا يستطيعون منه فكاكا. الصعاليك – إذن – هؤلاء البشر العاديون. الذين يخففون عن بعضهم بعضا كثيرا من قسوة الحياة الفظة ، الخشنة ، الغليظة ، البشعة ، هم "انيسة" ولا يهمها أن يلوث الآخرون سمعتها ، فهى الحياة الخصبة ، والخصوبة المتدفقة بماء العشق والدفءالأنثوى الحار). وعم محمود (بائع البطاطا الحلوة التى تلبي نداء الجوع عند الجماهير المتشققة الأيدى). وعبد السميع (ماسح الاحذية ، فى ثيابه الرثة وذقنة الكثيفة الشعر؟ وقدمية العارتين) الصعيدي الذى عشق الاسكندرية. ووقع فى هواها. واحتمل اذى الايام والناس فيها وعم"شحاته" و "حوده" الذى ينشطر الى أثنين "حوده" رقم"1" وحودة رقم"2" و"العسكرى" الانتهازي ، الذى يمتص دم "الغلابة" لأنه جزء من "السلطة العسكرية" وأداة من أدوات القهر ، والمثقف المصاب بالازدواجية ، والعجز عند القيام بفعل ما (فعل ثورى على وجه التحديد). والانفصام فى الشخصية ، والتعالى عن حركة المجتمع. فى نفس الوقت الذى لا يستطيع فيه قضاء حاجته ، وتفريغ أمعائه " فى المرحاض إلا بعد أن ييسر له "الصعاليك" مكانا فى المرحاضَ.

- المثقف (لعم شحاته) يا راجل أنت ، طلع الراجل اللى جوه ده !

شحاته ومحمود(معا).

حوده: (للمثقف) سمعت يا سيدى!

المثقف: الراجل اللى ج وه أ،هو راجل؟

(ص185) (يقصد الرجل الذى فى المرحاض)

وهذه السخرية المبطنة تزري بموقف المثقف (استاذ الجامعة) الذى لا ينال منه الصعاليك سوى فضلات أمعائه!

الصعاليك (كطبقة) – مقابل المثقف (البرجوازي) كممثل لطبقة ، أو شاهد عيان لانتماء طبقى أكثر وعياص ، وأ،ضج رؤية رغم محاصرة "الأقنعة القمعية" لحلمهم المحبط!

وقد برزت السمات النفسية لشخصيات الصعاليك المتميزة. المنفردة فى تعاملها الحياتى. بينما ظل المثقف نمطا(لا شخصية متميزة متفردة) مندمغا فى أنماط أخرى من الشرائح البرجوازية التى تعتلى قمة الهرم الثقافى فى "الفكر السائد المعلن" وهذه النمطية أضعفت من تأثير موقف الصعاليك كطبقة على موقف المثقفين كنمط "جشتاطلي " جامد!

        وهناك نقطة أخرى، وهى مسألة اللهجة العامية" فى المسرح التجريبي ، إذ أن التجريب يقتنص "تكريس" تركيبات لغوية مشعة ، تومئ وتلتف وتتشابك ، وتندمج وتندغم ثم تنفرط فى غيقاعات درامية مشتعلة ولا أظن أن إيقاع اللهجة العامية و"تركيباته" السهلة تمكن المؤلف من إشباع اتجاهه التجريبى.

        على أن الأمر من وجهة نظر تاريخية ، بقى فى هذا الاطار ، إن هذه شهادة من هذا الجيل من شاهد (أدلى بشهادة كتبها بالدم ، والطمى ، والماء الحارة) ينتمى الى جيل ما وراء الشمس حيث مملكة الكلمات السرية تتسنبل فى رحم الأرض وخصوبة النهر ، وحافة الضفة التى تخفى سر العشق وسر الكلمات الخضراء!





17 ملامح البطل .. فى مسرح السيد حافظ بقلم : محمود قاسم

 

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(17)

ملامح البطل .. فى مسرح السيد حافظ
بقلم : محمود قاسم

دراسة من كتاب

إشكالية الحداثة والرؤي النقدية فى المسرح التجريبى

الســيد حــافظ

)نموذجاً(

 

 



ملامح البطل .. فى مسرح السيد حافظ
بقلم
: محمود قاسم

من المؤكد أن صفة البطولة أنتفت تماما من شخصيات الأعمال الأدبية المختلفة فى الأبد المعاصر.. وأصبح الانسان الضعيف أو العادي هو الشخص الموجود دائما بين صفات صفحات الأعمال الأدبية المعاصرة كلها.. ولعل كتابات عظيمة هي التى ركزت على نواحي الضعف والقلق والألم والدونية لدى الانسان قد برزت أكثر من أعمال محدثي البطولة لاخارقين عند أطبال صنعتهم الاساطير وبعض أحداث التاريخ أو الشخصيات الحقيقية وضعت لنفسها علامات بارزة في التاريخ.

وقليلة هي الاعمال الأدبية المعاصرة التى أحتفظت للبطل بصورته التى أعتدناها . الذى ينهي كل الصعاب ويتغلب على كل الظروف التى تحيطه. ولذا فإن السيد حافظ قد وضع بطلا خاصا بنفسه. فمن يعرفه شخصيا يدرك أن هذا الانسان الطموح الذى يثور دائما على الأوضاع الموجودة هنا وهناك بحثا عن الافضل.. ومن المؤكد أن البطل عند السيد حافظ يجمع من صفات الكاتب نفسه.. التحرر والبطولة السلبية والثقافة وتلك هي أهم سمات البطل عند السيد حافظ.

والبطل فى أدب السيد حافظ سواء فى القصة القصيرة أو المسرح هو هذا المتحرر الحالم العاشق المثقف الفنان المثالى الفانتازي والمؤلف فى أكثر أعماله التى قرأتها له يركز على بطله وحده دون كل لاشخصيات الأخرى التى فى العمل الأدبى.. وسوف نرى أنه يعطي من صفات بطلة المتعددة للكثير من لاشخصيات الثانوية أو الرئيسيه التى تحيطها أو حتى الشخصيات التى يتمرد عليها.. فسوف نرى أن الإنسان الذى يتمرد عليه لا يتمتع إلا بصفات سطحية من صفات الشر أو العنف.. فهو لا يسيل الدماء ولا يقتل أحدا هو فقط "ظالم" لا أكثر وعلى بطله أن يتمرد على هذا الظلم.

وإذا بدأنا بصفة التمرد عند بطلنا الموجود فى كل هذه الأعمال فهو كما أشرنا متمرد من نوع خاص "يبحث عن المثالية غير قانع بالظروف التي تحيطه مهما كان يسعى إلى الأفضل.

يرتوبي لا يصنع لنفسه يرتوبيا. يتكلم أكثر مما يتصرف. بمعنى أنه متمرد سلبي أو متحرر مثقف سلبي. لا يخطب ولا يحمل سلاحا لا يقتل ولا يسفك الدماء. يستخدم سلاح الكلمة التي يراها أشد فتكا من الرصاص. يهادن بالسلم أكثر من حبه للحرب.

وكلما قلنا فإن كل شخوصه من الرجال والنساء يحملون هذه الصفة مهما تغيرت الأسماء. وهذه الشخصيات لا تتحدث بالحوار العادي المتعارف عليه القائم على السؤال والرد ولكن كل هذه الشخصيات تتحدث لتكمل لبعضها الحديث عن أفكار وأحاسيس تخص المؤلف في غالب الأحيان.

فإذا كان "حنفي" في "حبيبتي أنا مسافر" يعبر عن تمرده قائلا : «لأجلك ركبت على الطغيان والفوضى» فإنه يعود كي يكرر «مليون رصاصة في صدري ... مليون بقعة دم على قميصي ... مليون فدائي في دمي ... مليون شهيد من وطني ... مليون يتيم في قلبي  مليون شيء في رأسي» التحرر هنا فعلا ينبع من رأسه. فهو لم يلوث بعد بالدم ولكن رأسه تندفع بأفكار ومشاعر لها سرعة الرصاص وحيوية الدم. و"حمودة" يقول معبرا عن نفس التمرد الذي في داخله. «اسمعوا يا زعماء التأييد. التعصب السريع موت بطيء والهدوء موت على مهل تذكر الورود لا تذبل في الروح».

 ولعل أوضح صورة لهذا البطل تتضح في مسرحية «هم كما هم ولكن ليس هم الزعاليك» فنحن أمام مثقف. وهو أيضا متمرد لكن نتيجة لأحداث المسرحية لم يعبر كثيرا عن تمرده مثلما فعل بقية أبطال المسرحيات الأخرى. يقول : «أنا باحب الفقراء والغلابة. أبحاثي كلها منصبة على كيفية معالجة الفقر وأثره على الناس»

ومثل هذا البطل أيضا في مسرحية "الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء" فنحن أمام إنسان رافض سلبي هارب يسكن سطوح الأمر ينزوي عمقا في أحد أركان الخصوبة. يسير انحناءا. لكنه يرغب أن تكون حياته واضحة كالشمس. هذا البطل أيضا يتمثل في الفتاة التي تقول : «بدلا من أن تحدثهم تنظر إليهم تتأمل وتهز رأسك وتبكي ضحكا وتسير » وبالرغم من أن الفتى يعلن لفتاته أنه جاء من أجل الثورة ويكرر هذه العبارة إلا أنه لم يحدد نوع الثورة التي جاء من أجلها.

ولكنها بشكل أو بآخر ثورة سلبية أو نوع من التمرد الداخلى فهو سيقود الصمت المطعون بالظلم المطعون في النفوس البشرية.. وأنه سوف يقود الانسحاق للطاغية الامبريالية .. والفتاة تدرك منذ الوهلة الاولى هذه السلبية لدى حبيبها.. فهى تسخر منه وتطلب أن ينادي على الصمت الذى سيقوده وهى تعرف أن لا أحد يجيب .. وتصرخ أن كل ما يقول هو.. شعارات لا أكثر. وهذه الفتاة هي أكثر شخصيات السيد حافظ فهما للتمرد من أبطاله الذين يهتفون من جوفهم أن الثورة ستقود الصمت المطعون أو أن الثورة سوف تجئ وكلما طلبناها.

وهذا الفتى لا يكف طيلة المسرحية عن الحديث حول الثورة التى لا يعي منها سوى اسمها ويتحدث بعبارات تضع الثورة كعمل فانتازي لا يمكن حدوثه إلا بنوع من التغيير غير الم وجود.. "الخوف من الثورة".

        وإذا كانت الثورة أو التمرد عند البطل قائمة على التحدى للحاكم كما يعلن الفتى أكثر من مرة.. فإن الحاكم كما سنرى فيما بعد يتعد ويتحول إلى إنسان ظالم.. والفتى يرى من الحاكم إنسانا قاتلا. قتل إحداهن وأردى بها.. وتتمثل السلبية الثورية فى مفهوم الفتى عندما يعرف الثورة أن تصبح الثورة راية وقصيدة.. أن تصبح الثورة منهجا وحروفا أن تنبت.. أن تتضج .. أن تحصد .. أن تصبح خبرا .. شكلا .. شعارا .. حزبا .. انتماء والحديث رائع عند الفتى عندما يقول وأن تصبح الحروف هزيلة تعشق الضباب وتشلك معنى أخر غير الأصل وتصبح العناوين ستارا كائنا.. وهذه الاشياء كلها كما جاء على لسان أحد اشخاص المسرحية هى هروب فى اللألفاظ والغموض ، فما أحلى أن يصنع الفتى عبارات .. إنه يهتف فقط..لم نره يعمل أو يحله لحروب إلى أى لون من الايجابية فى العمل.. وهذا الفانتازي الثوري يكرر أنه ليس سوى لحظة سجب أن تكون وأن تستمر.

ومن الواضح أن أبطال هذه المسرحيات يظلمون التركيب الثوري المتعارف عليه فالفتاة المعروفة بنضجها، تقول أن الفتى يكرر عبارات تملؤها الشعارات. هذه الفتاة تقول أن الثورة أصبحت صورة شعرية وحلم الطهارة.

والثورة ..كما أشرنا أ:ثر وضوحا فى هذه المسرحية من مسرحيات السيد حافظ الاخرى . فحين يتحدث الرجال عن حيثيات الثورة يقول أحدهم إنها مطبعة وجريدة وإذاعة ثم يعود ويقول إن الثورة الحقيقية هي أن يكتب المرء عن معنى الإنسان والثورة فى مقالة وأن يكتب عن ثورة العمال أو ثورة الفلاحين أو مشكلة القراءة والكتابة أو  مشكلة الامبريالية ومن هذا الحوار نرى أن مفهوم هذا الرجل الأول لا يختلف كثيرا عن مفهوم الفتى.. بل لا يختلف عن مفهوم كل أبطال مسرحيات السيد حافظ المتمردين.. وهم كما أشرنا يصبون ثورتهم فى كتاباتهم وهتافاتهم لكنهم لا يصنعون الثورة بأى حال من الأحوال.. ربما لأن المثقفين لا يهتمون دائما سوى فى حيثيات الثورة لكنهم لا يقومون بها فلم نسمع قط بمثقف قام بثورة.. ولا عن مقال أدى الى تظاهره فى دولة ديكتاتورية أو فى دولة متخلفة.. وبالفعل فإن الفتاة تدرك تماما هذه السلبية لدى الفتى المثقف وتحدثه من جديد ساخرة فى نهاية المسرحية قائلة.. يا أمير المواطن والأحلام والثورة.. جئت إلينا بعد فترة.. ثورة تحدثنا بعد أن قرأت كثيرا فى حجرتنا تحدثنا بهذه الكلمات.. فيرد الفتي بأنه يحلم بعالم جديد ونظام جديد ورؤية جديدة ، عالم بلا عبيد ولا سادة. عالم فيه أناس سعداء .. الاطفال يولودون يضحكون بدلا من بكائهم أي أن الثورة هى حلم وبالفعل فإنننا لا نرى أن يقوم بعمل واحد يثبت أو ينفذ حرفا واحدا من هذها لاحلام.. وهذه الرؤية الفانتازية السلبية المليئة بالاحلام الوردية والتمرد على الاوضاع تملأ شخصيات عديدة من مسرح السيد حافظ ولا تقف عند حد ما من الحدود.

يتكرر الفتى من جديد في صورة أبي ذر الغفاري في المسرحية المسماة بنفس الإسم. وإذا كان المؤلف قد حاول صبغ شخصية تاريخية إسلامية معروفة بصبغة فنتازية في أجواء أشبه بالأحلام والبحث عن عالم يوتوبي للغاية.. فإننا يمكن أن نعتبر أن الثوري هنا هو ايضا سلبي وأن الحاكم ايضا كما سنقول ليس شديد الشر.

ولأن البطل يعيش فى عصر يسوده الضلال فيجب أن يظهر البطل الثوري مهما كانت ثوريته أو تمرده.. فأبو ذر الغفاري يقول إنه يحلم بالكلمة . بالسف .. بالسط فى يد المظلوم ، وأبو ذر الغفاري  لا يظهر كثيرا فى المسرحية لكنه يزرع تمرده على السلطان فاتك بن ابي ثعلبة وأبنه السلطان أبو المجون.. فبعد أن يموت تنتقل الثورة الى الفلاحين ولااهالى والكورس الذين سمشون ضمائرنا وشاخاصنا.. فإذاكان الك ورس يردد نحن ننتظر الثائر فإن الأخير يردد أن الثائر هو إنسان ليس عنوانا.. تنفيه السلطة والسطلان ونضعه فى الخانات ونلونه بالأحمر والأصفر والأبيض ونشرده ونشرد أطفاله ونكبله بالتهم الملفقة أونعلن الثائر اصبح مجنونا أو مخبولا أو مجذوبا ويستطرد الفلاح مكملا حوار الأخير أن الثوري يسجنه الحاكم ثم يموت.. ويقول السيد حافظ على لسان الكورس أن الثائر يطويه النسيان تنفيه الزنزانة فى صمت الزنزانة تمسخه السلطة والسلطان.. فهو الخائن الملحد المارق والزنديق المتأمر أو تثقله الأحزان حتى يقتحم حزنا أو صمتا.. ويموت بلا ثورة

ولعل العبارة الأخيرة هى مفتاح طيب للدخول الى سلبية الثورة عند السيد حافظ فبعد عذابات السجون والنفى فإن الثائر لا يقوم بثورته التى يرغب فيها مثلما أعلن الفتى فى نهاية الطبول الخرساء.


وهذا البطل المتمرد يختلف عن الإنسان العادي بالطبع. فهو لا يحدث ولا يموت يبعث في كل وقت وأي مكان فيه طغيان. مصنوع من ضمائرنا أشبه بالريح المرسلة والغيث المنهمر والكلمة الفاعلة. وربما تلك أيضا إحدى التطبيقات للإبتعاد بالبطل عن تمرده الثوري والبطل هنا يزرع كل تمرده في الناس فهو لا يبحث عن  مال ولا سلطان إنه يريد حق الفقراء ولماذا نترك الفقراء يقيمون أمرهم بأنفسهم. وعندما يرتعد الحاكم يتوجه إلى الناس ويحدثهم عن مظاهر استغلالهم. جشع التجار الذين يمتصون من دمائهم وأموالهم، الجوع يصرخ في المدينة «لن تستقيم أموركم إلا أن تأخذوا حقوقكم بأيديكم وأوقفوا جشع التجار عند حده فلا تخشوا في الحق لومة لائم»

وهذا البطل له صفات أخرى يوجزها السيد حافظ على لسان المؤدي في نفس المسرحية قائلا : أراك في مدينتي كالنهر .. كضغة للصقور .. كبردة للبرد .. كوردة من اللهب .. كحزمة من الشعاع حول بيت من خشب .. كسنبلة .. لتعطي للفقير حبها مهللة .

ويقول المؤدي مخاطبا أبا ذر أنه إذا خطب في المدينة فإنها سوف تنهض من سجنها وكربها وأحزانها فيخرج النساء والرجال يلامسون نداء الرجل كما يلامسون السماء .

والسيد حافظ يعطي بعض الصفات التي أعطتها الحكايات الشعبية عن النبي الخضر الذي وردت بعض أقاصيصه في القرآن الكريم فأبو ذر يظهر في الأسواق. قال بعض الناس أنه مات منذ زمن بعيد. لكن الناس يسمعون عنه في المساجد.. فى أحاديث رجال الدين والعلماء يقولون إنه كان إنسانا صداقا ونقيا مثل الخبز . وأن أحاديثه أشبه بطيرو الفجر الذهبي إنه المنذر للشر والمنبه الى الخير والناس تنتظر دائما ظهوره سواء فى الحارات أو فى صمت الليل أو فى طرق المدينة أو حتى فى الحانات فهو رجل الحق الذى يبحث عن انتصار الحق والابتعاد عن الظلم.

كما أن المؤلف  يعطي أبا ذر صفة أخرى من صفات السيد المسيح عليه السلام وهي صفة البعث من القبر فأحد الشهود يقسم بالله أنه قد رآه بعينيه يخرج من المقابر. خرج وارتدى ملابسه واتجه نحو سوق المدينة .

وهذه الثورة السلبية تنعكس على ما يردده أفراد الكورس صاريخين "سنقاوم" والطريف أنهم يستخدمون دائما حرف(س) للتسويف لأننا لن نراهم يقاومون أبدا.. سيظلون أبدا يستعملون هذا الحرف. سنقف كالبنيان المرصصو .. لابد أن تقاوموا .. ونحن اياض .. لابد أن نقاوم وأنتم يا جميع الناس..لابد أن تقاوموا..

والمؤدى يعود ليردد أن على الناس أن تقاوم وتزاحم وأن حذار أن يساوموا وأن السن بالسن والعين بالعين وأن على الفقراء أن يقاوموا.. وإذا كان هذا هو موقف البطل ومعه الناس من عملية الظلم فماذا سيعقل الناس فعلا عندما يتخذون موقفا من خلال بطلهم الثوري المناضل يقف مثل الادعاء ويوجه الاتهام الى المتهمين اللذين اتبعا ابا ذر فيقول وأن الاحتيال على العامة عن طريق غسل أدمغتهم بأفكارهم مدعين أنها أفكار "أبى ذر".

إن الاندساس وسط الناس للاحتماء بهم لتشكيل ضغط على الحكومة بحيث لا تتم اجراءات القبض إلا بعد عسر ومشقة . وتأليب العامة على سلطان البلاد. بتمثل أول المواقف فى العبارات التى يرددها سيف الدولة الفاروق حيث يقول كيف أكون القاضى مرة وأكون المجنى عليه فى المرة الثانية.

يتساءل هل أنتهى الزمن والزمان فى المدينة.. فهو رجل حسبما يقول لا يبحث عن جاه ولا منصب ولكنه يريد أن يعرف.. يود أن يكشف اللعبة.. أى لعبة. ترى هل هى لعبة الحاكم أم لعبة الطغيان والظلم والدكتاتورية.. يتساءل كيف اكتشف من يلعب اللعبة .. يرد عليه شخص من  الجمهور أنه حين تقول الحقيقة فسوف تذهب الى السجن والحقيقة هى خط مستقيم يبدأ بالحقيلة كما ينهي الى السجن.. وهنا يقرر القاضى أن يخرج من دائرة اللعبة وأن يعود انسانا بسيطا. وذلك هو قمة الموقف عند بطل ثورى... أن يترك اللعبة كى يلعبها الاخرون بدلا من أن يظل فيى الملعب يلعب ويهزم ويغلب أوي هزم ويقهر ويخرج مغلوبا وبالفعل فإنه باستقالته قد ترك الفرصة أن يتحول الى متهم يمثل أمام الحاكم كي يدافع عن نفسه .. توجه إليه عدة تهم. يحاول الحام ومعاونوه إلصاق العديد من الصفات البذيئة به.. يقولون إن أمة كانت جارية فى القصر.. ثم تركته لتعمل فى حانة مشبوهة وأن أباه كان قواردا..

ويتحول البطل الثورى هنا الى أحد ضحايا كراسى الحكم .. وبالتالي يتحول الى بطل لدى مجموعة من الناس تتمثل ثوريتهم فى الهتافات الصاخرخة الغاضبة الرافضة فهم لا يخلقون الحاكم ولا يحولونه إلى أنسان عادل ولا يعدل من سلوكه.. يظل الحاكم جالسا فوق عرشه.. ويظل الناس يهتفون ويصرخون ضد الظلم.. الموقف مهما كانت فيه إيجابية فهو موقف سلبي ذاتي بمعنى أن سيف الدين لم يحمل سيفا مثل اسد وإنما حمل لسانه ودافع به وتكلم وهتف ولم يسل قطرة دماء واحدة .. لم يتحول الى ثورى دموي وأبو ذر نفسه أشبه بتلميذه سيف الدين لم يساعد أحدا فى إسقاط أي حاكم.

والبطل لاثورى كما قلنا لم يتغير كثيرا فى مواقفه السلبية أكثر مسرحيات السيد حافظ بمعنى أن ثوريته لا تخرج كثيرا عن دائرته.. لا تصل الى الطاغية إلا من خلال الكلمات ويتحول المسرح كله الى هتافات أكثر من كونها حركة ولو كنا فى نقاش حول الحركة فى مسرح السيد حافظ فهى حركة محدودة للغاية بمعنى حركة الحدث نفسه.. ولكننا هنا بصدد الحديث حول ملامح شخصية البطل فى هذا السمرح. فإذا بحثنا عن البطل الثورى فى مسرحية مثل حكاية مدينة الزعفران فسوف نجد أن أهم من يحمل هذه الصفة فى المسرحية هو "مقبول" الإنسان الحالم الرقيق الذى يعبر عن أول معانى رفضه قائلا: "هيا نمضي من مدينة يبحث فيها الأقوياء عن الكلاب المفقودة ويسنون فيها الانسان " ، ثم يقول "إن الناس تخاف أن تبحث عنه فالخوف له قوته وسلطانه". ومقبول يرى أنه أنسان تعلم أن الشرف كل الشرق قد أصبح شيئا غائبا.. وعندما يتبلور موقفه أكثر يقول إنه يرى أن السياسة تتمثل فى كل شئ.. فى الخبز. والمسكن والتجارة وحتى الحب.

والثورة السلبية نراها فى التعبير الذى يجيئ على لسان الوزير حين  يحدث ولى نعمته أن الناس يعبرون عن ثورتهم وسخطهم بأنهم يهتفون بسقوط خادم العامة وهذا الوزير يقول للحاكم إن "مقبول عبد الشافى" هو الذى أثار الناس إنه ثوري لامع .. وتظهر بعض الايجابية حين يرفض "مقبولط أن يعين حاكما مثلما فعل سيف الدين من قبل.. وإذا كان هذا الرجل قد تحول الى بطل ورمز فى مسرحية ظهور واختفاء أبى ذر فإن الأمر يختلف عندما ينادي الوالى أن عليهم أن يصنعوا بطلا يحبه الناس ويصبح بالنسبة لهم رمزا للنضال يجب أن يكونهناك ثورة حتى ولو لم تحقق شيئا وعلينا أن نصنع لهم تمثالا بطوليا نكسره متى أردنا.. الناس تحلم بالبطولة دائما وعلينا أن نحول شخصا بدلا من أن يصبحوا كلهم أبطالا.

وكما قلنا فإن "مقبولط حين يتحول الى ترس فى دائرة الحكم فإنه لا يفعل شيئا لمن حوله.. هو فعلا إنسان تقى.. رائع .. يحارب الظلم والطغيان ولكنه عندما يمسك بمقاليد الحكم فإنه يصبح ساخطا على نفسه وليس على الحاكم. يصبح متمردا على املوقف الذى وضع فيه فهو لا يستطيع أن يفعل شيئا.. لا يمكن أن يحول تمرده الى ممارسة يصبح خائفا من أشيائ كان دائرا من اجلها .. يخاف من الخدم كما أ،ه يخاف من السلطة بل ومن نفسه ذاتها.. لم يفعل شيئا واحدا يرضى به هؤلاء الناس الذين يبحثون عن الخبز ولا أن يدافع عن موقفه الذى يتخذه

واذا كان سلوك "مقبول" أشبه بالانسان الاخلاقى العادى فهو ليس ثوريا بأى حال.. فبعد أن تحول الى حاكم يدعو الخدم للجلوس معه إلى مائدة الطعام كي يأكلوا معه هو وزوجته يصبح الصورة العادلة من كاليجولا .. يخاف ممن يحيطونه .. ليس لأنهم سيقتلونه وإنما لأنهم اعتقلوا افكاره وسيغسلون رأسه.. وغذا كانت التجربة لا تدير برأس "مقبول" فلا يصبح اكما سواء كان عادلا أم ظالما ، "زيدان" مساعدة يتهمه أنه كان يؤمن يوما بأ،ه كان يردد أن السماء لا تفتح ابوابها إلا بالعمل.

وإذا كانت هذه السمات التى ينطبق بها البطل الثوري فالسؤال الان هو..لماذا يثور؟ من الواضع أن الثورة أو التمرد فى أبسط الوانها يحدثان عند عدم وجود الراض.. عندما يتوفر الظلم والغبن والحاكم أوالوالى هو شخص فى أغلب الاحيان يتسم بالظلم والجود وهو بصفة عامة ليس ذلك الطاغية الدموى القاتل الذى يصيح بكل معارضيه ويتمسك ويسفك دماءك أو يتقلهم كي ينفرد وحده بالحكم أو لتحقيق مأربه .. فسوف نرى أن الحاكم الظالم فى وجهات نظر ابطال السيد حافظ الثوريين ليس سوى إنسان ظالم.. أو هو إنسان يجب التمرد عليه بأى صورة دون تحديد.. بمعنى أن البشر ينقسمون فى أكثر مسرحيات السيد حافظ قسمين.. اشخاص متمردين وأخرين يجب التمرد عليهم. الاول رافض والثانى يحاول الدفاع عن نفسه وسوف نرى أن الدماء تخلو تماما فى مسرحياته بمعنى أن يطيح أحد الطرفين بالاخرين بأية وسيلة. فكما رأينا الحاكم قد أتاح للبطل الرمز أن يتقلد مقاليد الحكم فإذا بهذا البطل يرفض ولا يعرف لماذا وهذا اللون من المثالية الفانتازية لا يحدث بالطبع سوى فى أفكار مؤلفنا وهو يبين الى أى حد يتسم الحاكم هنا بالتلقائية والطيبة قياسا الى صفات الثائر نفسه. فإذا نظرنا الى صفات الرجل الذى يجب أن نتمرد عليه فى مسرحية "الطبول الخرساء" والذى أسماه المؤلف بالرجل الانيق هذا الرجل يعطى وعودا كاذبة يقول كلاما لا ينفذه مثل: "بأن الديمقراطية يجب أن تسود ، ثم يقول " أنه يؤيد العبودية والتمرد والاستغلال معا ، وهذا الرجل ايضا طاغية سلبى بمعنى أنه لا يمتلك مقومات الطغيان التى نعرفها عن طغاة التاريخ الذين أحرقوا المدن وسفكوا الدماء .. إنه هنا يتجول الى حاكم له وجهة نظر فى الظلم ولم نر أى دليل واحد يقوم على ما يفعل .. ومازلت هنا أقصد بالتصرف الحقيقي. قد يكون هناك أناس يشكون من نقص الغذاء فى بعض الاحيان لكن التمرد هنا فى أغلبه يتمثل فى أن الثورى يود أن يعبر عن رأيه .. والحاكم ايضا يعبر عن رأيه والطريف أن الحاكم فى هذه الاعمال لا يمتلك وسائل الاعلام الحديثة وكما يحدث لدى الطغاة الحكام فى عصرنا الحديث وسوف نرى أن المتمردين يمتلكون أكثر مما يمتلكه الحاكم.. فالناس كلها تعرف بالحوار ويتجمعون معا وبالتالى فإن وسائل الإعلام ليس لها أى تأثيرا أذا استخدمت وهى لم تستخدم هنا قط .. وسوف نرى أن الكورس الذى يتعاطف مع البطل المتمرد وهو الوسيلة الإعلامية الاولى والمنبئة واملحذرة ملا يحدث فى مكان ما..

وسوف نرى صفات الحاكم بكل ما وضحناه متمثلة أكثر ما يكون فى مسرحية حول ظهور واختفاء أبى ذر الغفاري فهو لا يقتل ولا يسفك ولا يخرج ولا يزج النسا فى السجون ولكنه رجل ماجن يشرب الخمر ليلا نهارا " حين تحكم فكر.. فكر وأنت تشرب" يتحدث مع أبنه ويعظه قائلا أن يفعل ما يشاء لكن أم الناس يوم الجمعة وأنت معطر ،  وأمسك فى يدك مسحبة وأطلق البخور وتمتم" الوالى العاقل يفعل ما يشاء فى الخفاء وأمام العامة يخرج فى ثوب شفاف كالضوء ويتصدق وييصلى ويبنى المسكن والمسجد.. هل تفهم يا بنى. حين تزور بلدا مسيحيا أبن كنيسة وبارك المسيحية وأدع الى جوارك شيوخ المساج ولا تنسهم فى الولائم وأبسط لهم يديك الكريمتين ليطووا العامة تحت أذرعهم وأجنحتهم الكثيفة فيهتفون لك ويدعون لك. وبذلك تضمن السيطرة عليهم وتاسر قلوبهم وعقولهم. الخ.

فالحاكم  هو أنسان يسعى الى السيطرة بالدهاء أكثر من اية وسائل أخرى مثل الأرهاب وسفك الدماء وهو سلطان أشبه فى تركيبته العامة بالكاريكاتورية فنح ن لايمكن أن نكرهه وهو محبب لدى القارئ والمتفرج مثل غيره من شخصيات السيد حافظ.. لأنه ليس شريرا بالمعنى المعروف عن الشر.. ولأنه يختلف فى الكثير من صفاته عن طغاة عرفهم التاريخ وهو رجل فى أغلب الاحيان ضعيف يخاف مثلنا له قلب حنون وهذا السلطان الظالم يضع فى حاشيته مجموعة من كبار التجار الذين يعرفون رجال الشرطة ويغرقونهم بالهدايا والعطايا كما أنه محاط بوزراء يتحلقونمن أجل البقاء فى مقاعدهم وهناك نوع من رجال الشرطة هم أقرب الى المخابرات يسمون بالملثمين يسعون الى حماية السلطان من التمردات التى تحثد ضده وهذا الحاكم يبتسم بسمة هامة فإذا كان البطل الثوري سلبيا لأنه لا يقوم بثورة فإن الحاكم الطاغى ايضا سلبي جدا لأنه يتكلم ولا يطغى أبدا. فبناء على الكلمات التى تتناثر من هنا وهناك فإننا نعتقده طاغية أو ديكتاتوريا ، لكننا لم نر ولا مثل لطغياته إلا ما يتكلم عنه الآخرون. قد يكونون كاذبين أو مبالغين وقد ي كون طاغية. لكنه فى كل الحالات لم يطغ أمام أعيننا.

والسلطان الطاغية السلبي هو ايضا نفس الرجل الأنيق فى مسرحية الطبول الخرساء هو يتكلم كلاما طالما هو حالم ولكنه لا يفعل شيئا إننا نؤد الملكية.. نيؤد الجمهورية.. نؤيد العبودية والتحرر والاستقلال ومن الممكن أن تكون هناك حقوق الجميع.. يحق للأبيض والأسود أن يعشا يحق للأسود أن يعمل فى الاعمال المجهدة فى المحلات العامة ، فى الم وانئ ، واذا كان الفتى فى هذه المسرحية يعلن عن تحديه للحاكم لأنه قاتل فنحن لم نر كذلك أية علامات تدل على أن الحاكم قد قتل أو سفك الدماء.

"ومقبول" فى مدينة الزعفران ، يعترف أن الوالى ليس رجلا ظالما فهو يتخذ اجراءات القمع من أجل تهدئة الموقف.. من أجل امتصاص غضب الناس .. وهذا الوالى فعلا يقوم بتعيين "مقبولط خادما للعامة كنوع من تهدئة الموقف وكما قلنا فإن "مقبول" يمكنه أن يستخدم هذا المنصب لتحقيق وتنفيذ افكاره الثورية إلا أنه يرفض كي يظل انسانا يحلم بالبطولة.. ونحن فى هذه المسرحية نشعر بالتعاطف مع اسلطان أ:ثر من تعاطفنا مع"مقبولط فهذا الاخير قد رفض أن يتولى منصبا وأن يظل ثوريا لكن الحاكم يصبح ثوريا بدوره فهوي ستخدم التعبير المتعارف عليه بأسم الثورة الإدارية يأتي بثائر كي ينصبه فى منصب هام وهو بهذا اكثر اقترابا من قلب المتفرج والقارئ من "مقبول" نفسه".

وإذا كانت أهم صفة للبطل في مسرحيات السيد حافظ هي الثورية ضد طاغية ليس فيه السمات المعروفة عن الطغيان فإن البطل يتسم بصفات أخرى لعل أهم ما فيها، العالم، الحالم، الرقيق، الذي ينشده الأمل والبحث عن المثالية التي تتجسد في الشاعرية والرقة وهذه الصفة موجودة في الرجال والنساء معا..«نادية» في "حبيبتي أنا مسافر" تتغنى بحبيبها أبو القصر العالي الذي يسكن على الجانب الآخر من الشاطئ وأنها تنتظره أن يأتي ويحضر لها اللؤلؤ .. أما "مجيدة" فإنها تحلم بالحب تود أن تحب وأن تعيش في عالم يملؤه الحنان.. نفسى أخد الدنيا فى رجلى. ألمس الحب فى غيدى . وألمس الحنان فى صوتي . نفسى أركب حصان أزرق ويلف بيا جبال العالم طاير نفسى شعري يطير ن نفسى أحس بأنى طايرة بأنى فى كل حاجة نفسى أقول لأى حد على اللى بيا.

وهذه الصفة الحالمة نجدها عند أكثر النساء فى هذه المسرحية ."هدى" "عائشة" .. حتى المشرفة "خديجة" التى قدمت صورتها كإحدى ملامح الطغيان.. هذا فضلا عن الرجال والشباب "مقبول" "شلبي" .. "حموده" فى القلب نغمة والحب نظرة جدع لحبيبة غرقانة.. وتتضح هذه الصفة عند مجيدة التى تتطلع إلى الحب والحنان فى عبارتها "نفسى أسمع كلمتين "الحنان والحب" نفسى أشوفهم . المهم نفسى أخد الدنيا فى رجلى ، وألمس الحب بإيدي ، وألمس الحنان فى صوتى. نفسى  أركب حصان أزرق شارد يلف بيا جبال العالم طاير.. وهى نفس العبارة التى سبق أن قالتها "نادية" فى أول المسرحية مما يؤثر على وجود الحلم المشترك لدى كل من المؤلف نفسه وأبطاله ونحن لا يمكن أن نفصل صفة الحلم عن الكاتب نفسه.. وخاصة فى أعمال السيد حافظ فإذا قلنا أن كل الصفات التى يتسم بها البطل هى صفة إنسان واحد أي يمكن أن تجدها فى إنسان واحد فإن كل هذه الصفات هى فى داخل المؤلف نفسه ولعل أبرزها الحلم والطموح والتمرد والمثالية .. ولذا فإن كل هذه الشخصيات العديدة تتكلم بلسان وأحاسيس المؤلف نفسه.

وقد سكب كل صفات الحلم فى مسرحية "أنا مسافر" أكثر من بقية أعماله والحلم هنا يوتوبي من الدرجة الاولى .. حلم بالمثالية.. حلم بالطموح والتمرد حلم أن يكون الانسان شهيدا رجلا أن يقرر الصمود وأن يظل صامدا.. لم يحدد الصمود ضد ماذا .. لكنه صمود ضد أى شيئ يستحق الصمود أمامه فطالما أن بطلنا رجل مثالي فهو يصمد ضد قوى الشر لكن الشر هنا ليس كاملا وعلى البطل والمؤلف نفسه أن يتجنبا شرورا أكثر تأصلا ومحاولة نزعها ، غذا تدور فى دائرة اليائس لتخرج منها ولعل هذه الصفة واضحة جدا حين يتحدث "حمودة" الى "مجيدة" قائلا أنت حالمة.. فترد عليه : لابد من تدمير الأسرة والغرف وإشعار الحريق فى كل شئ فلنحرق حدودهم قبل أن يحرقوا حدودنا".

وصفة الحلم قد لا تتضح كثيرا في مسرحية «حكاية مدينة الزعفران» والطريف أن الحلم السلبي عند البطل قد تحول عند شخصية "زيدان" إلى حلم أقرب إلى الإيجابية بمعنى أن البطل أصبح يحلم أنه يعمل عندما يقول عملت مرة في البحر كنت صبيا وإذا بي أمام سمكة هائلة أخذت أشدها وهي تشدني وفي النهاية سقطت في البحر وأفقت في منزلنا وأنا مبتل وحولي الناس والوالي. في هذه المسرحية يفهم سيكولوجية أبناء شعبه فيردد الناس تحلم بالبطولة دائما وعليها أن تحلم وعلينا أن نحول شخصا بطلا بدلا من أن يصبحوا كلهم أبطالا كما أن الأميرة التى ترمز الى نجمة السينما فى مسرحية حبيبتى أميرة السينما هى مثال ايضا للبطل الحالم وهى هذه المرة تحلم بعالم مادي يجلب لها السعادة حسب منظورها . أحب تجارة الجملة وأصحاب المصانع والسيارات والطائرات مصانع العطور ، تحب أن تغر قفى بحر العطور تحب مدينة نيورك.

والكورس يبدأون مسرحية أبر ذر بأناشيد تعبر عن الحلم المنشود ويصور المؤلف شخصية أب ذر على أنها المتمرد الحالم الذى يحلم بالكلمة قبل السيف .. فالكلمة سوط فى يد المظلوم . تقلم أظفار الظالم.

كما أن شخصية "نون" فى مسرحية الحانة الشاحبة تردد ، أريد إحساسا متدفقا متجددا دائما بالنشوة.

هذا البطل الحالم يتسم بصفة الأخلاق.. لس الأخلاق بمعناها الفلسفى ولكن بمعناها الذى نتداوله فى حيانتنا اليومية أخلاق وسمات الرجل الذى يبحث عن المثالية والحب والأخلاق هنا يونوبية ايضا.. فهى أخلاق شاملة لاننا إذا كنا نمتلك صفات بعضه نسبيا .. فإ، المؤلف يتحدث عن صفة الشمولية داخلها .. ويتضح مزج الحلم بالواقع بالاخلاق والمثالية فى نداء زوجة أبى ذر يا سيدى.. وبمعث الفكر الشريف .. ياحلم الرجال الخصي.. ومنبت الفكر الريف .. وهذه المرأة متدينة كزوجها الذى يحدثها عن الدنيا والدين . عن الجنة والنار. فتحدثه عن لقاء الله بوجه الحقيقة وأبو ذر يتحدث دائما عن الفضيلة من خلال الاحاديث النبوية الشريفة والايات القرآنية الكريمة. وحنفى " يردد فى حبيبتى أنا مسافر " كلمات الشرف والفضيلة معبرا أنها اشياء ميكن أن يدمجها معا كي يصنع بها المقاومة والمساومة كما أن السيدة تعلن أن اللهو بالناس جريمة وتطلب من "شلبي" أن يغلق الباب مبتعدا عن مداعبة أعصاب الآخرين ويهتف "مقبولط ان تحيا المواقف الشريفة وتعلن المرأة البدينة أنها سوف تتبرع بملابس ابنها للأولاد وبملابسها القديمة للفتيات.

ويبرز البطل المتدين ايضا فى شخصية "مقبول" فى مدينة الزعفران "ومقبولط هذا أقرب فى صفاته العامة الى صفات أبى ذر وهو يهتف يا حبيبي يا رسول الله ، الإنسان غذا صار عبدا وصارت الأمة نعاجا أتلهف للقائك يعبرني الزمن أحببتك يا صاعدا محملا فوق أكتاف الرجال المنحنية ظهورهم من التعب يا نبي الله يا حبيب الله يا حبيبى..

وتتضح شخصية المثالى الأخلاقى فى شخصية الذى يحاول فى حبيبتى أميرة السينما فهو رجل ينسلخ من أحلامه القديمة.. يبحث عن أمرأة تطهو له طعاما يلتهمه فرحا تحيك له جواربه ليرتديها مسرعا تقبل كفيه فى الصباح يجلس ما بين فخذيها ليرسم عالما بين الأفخاذ غازيا القارات الست أنه أمل يسعى الى صنع عالم مثالى للأميرة البريئة. واذا كان هناك تشابه بين علامة هذا الرجل الذى يحاول ويبين "أرثو ميللر" الكاتب الامريكى والزوج السابق "مارلين مونرو" والتى عاشت حياة أشبه بأميرة السيد حافظ فأنا أعتقد أن الذى يحاول رجل أكثر مثالية من المؤلف الأمريكى. وغذا تقدم الإنسان بفكرة وسابق ال زمن سقط ضحية. إذا تأخر صار متخلفا واذا سار مع الزمن جنبا الى جنب خذته اللامبالاة والملل وهو يعلن أنه رجل منظم يحب النظام ولا يسمح لساعته أ، تخطئ.

        وهذه الذكريات السابقة لبطلنا الذى تحسه وتعيشه فى مسرحيات السيد حافظ هى اساسا تركيبات فانتازية فالثوري السلبي والحالم المثالث هو إنتسان فانتازي يطير من فوق أروقة الواقع الذى تيعشه ويحلق فى سماء ينشدها يركب الأشياء ويصوغ منها تعبيرات جديدة وعوالم جديدة والخيال والفانتازية عند البطل هما شئ واحد أو فرعان لشيئن متقاربين فالبطل قد يرى فى نفسه عاصفة من المرل تغير على شاطئ البحر أوحفنة من الملح المجمد فى ملاحات المكس والمياه التى تحيط ههذ الملاحات غامقة اللون" الملح دايب وانا جمدت فى السحر " فاتو بس الرعد ولدنا سوى. وهى تركيبة فانتازية اشبه بالمئات من التركيبات التى يجيد السيد حافظ صناعتها.. سواء فى مسرحياته أو حتى فى مجموعته القصصية "سمفونية الحب" وهذا البطل الفانتازي يصنع لنفسه عالما أشبه بتركيبته الدالخية. فهو يحلم أنه يعيش فى مياه ندية .. منطقة الحلم ومنطقته الفزع. والبطل هو مثل شجرة الاميليا المختلفة الأوراق "قالوا من يأتي ثدي ثعبان ولد فى أحضان الطبيعة ونشأ مع الفيلة.. عاشر الضفاع وتزوج سلحفاة".

ولعل أوضح مثال للبطل الفانتازي عند المؤلف يتجسد فى شخصية "ضياء" فى 6 رجال فى معتقل 500 شمال حيفا" فقد نتصوره لأول مرة مجنونا ولكنه إنسان يعيش داخل أحلامه الوردية المشوبة بالكثر من معالم الفقر.. والطريف أن هذه المسرحية بها أقل قدر ممكن من العالم الفانتازي بين أعمال المؤلف فهى يمكن أن تحدث فى أى معتقل ولكن "ضياء " يحل بحبيبته ويحدثها عن السيارة الرولز رويس الحمراء التى تدوى وقدغطاها الضباب البيض. وقد وصفه زملاؤه بالجنون لكننا لا نستطيع أن نحدد هل هو صورة من البطل الحالم الذى يبحث عن الأمل وسط آخرين يعيشون فى أرض المعتقل إنه يحاول أن يعبر برأسه وروحه خارج هذا المكان المحدود بعيدا عن الجدران الهشة التى سارت على الطريق متلفحة بشال من الحرير.. هذه الجردان الهشة مصنوعة من ثوب حريرى ينفذ منها شعاع الشمس. يتحدث عن أمواج البحر أو العواصف وهو ينطق من وقت لآخر بعبارات أشبه بالامثال المعروفة شعبيا " الافعى تتلون" حوالين العود الأخضر لجل ما تطوي.." فهذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن رجل مجنون.. وهويهتف مناديا مدينته الرائعة" القدس" متحسرا عليها بعد أن غطاها ال ظلام وبدت بها الصلبان بهتانة.

وهذا "الضياء" يعلن ايضا فى حدثه أن القيامة قد أقتربت.. ومهبط القرآن صبح غريب وها نحن أولاء الآن فى مجتمع تنبؤى ..تنبأ بطلنا السيد حافظ تحدث عن زوال الطغيان وعن اقتراب وزوال الغمام ويبدو أن بطلا ثوريا قد تكلم وتعلم من شخصيات السيد حافظ ان التمرد ليس هو الكلمة ولكنه رصاصة قوية يمكنها أن توجه إلى اسباب الظلم وبذلك سوف يتحول عالمنا إلى عمل إيجابي بدلا من أحلام عن العمل  .. أو رؤيا فانتازية عن عوالم وردية.

 

 

 



Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More