دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(17)
ملامح البطل .. فى مسرح السيد حافظ
بقلم : محمود قاسم
دراسة من كتاب
إشكالية الحداثة والرؤي النقدية فى المسرح التجريبى
الســيد حــافظ
)نموذجاً(
ملامح البطل .. فى مسرح السيد حافظ
بقلم : محمود قاسم
من المؤكد أن صفة البطولة أنتفت تماما من شخصيات الأعمال الأدبية المختلفة فى الأبد المعاصر.. وأصبح الانسان الضعيف أو العادي هو الشخص الموجود دائما بين صفات صفحات الأعمال الأدبية المعاصرة كلها.. ولعل كتابات عظيمة هي التى ركزت على نواحي الضعف والقلق والألم والدونية لدى الانسان قد برزت أكثر من أعمال محدثي البطولة لاخارقين عند أطبال صنعتهم الاساطير وبعض أحداث التاريخ أو الشخصيات الحقيقية وضعت لنفسها علامات بارزة في التاريخ.
وقليلة هي الاعمال الأدبية المعاصرة التى أحتفظت للبطل بصورته التى أعتدناها . الذى ينهي كل الصعاب ويتغلب على كل الظروف التى تحيطه. ولذا فإن السيد حافظ قد وضع بطلا خاصا بنفسه. فمن يعرفه شخصيا يدرك أن هذا الانسان الطموح الذى يثور دائما على الأوضاع الموجودة هنا وهناك بحثا عن الافضل.. ومن المؤكد أن البطل عند السيد حافظ يجمع من صفات الكاتب نفسه.. التحرر والبطولة السلبية والثقافة وتلك هي أهم سمات البطل عند السيد حافظ.
والبطل فى أدب السيد حافظ سواء فى القصة القصيرة أو المسرح هو هذا المتحرر الحالم العاشق المثقف الفنان المثالى الفانتازي والمؤلف فى أكثر أعماله التى قرأتها له يركز على بطله وحده دون كل لاشخصيات الأخرى التى فى العمل الأدبى.. وسوف نرى أنه يعطي من صفات بطلة المتعددة للكثير من لاشخصيات الثانوية أو الرئيسيه التى تحيطها أو حتى الشخصيات التى يتمرد عليها.. فسوف نرى أن الإنسان الذى يتمرد عليه لا يتمتع إلا بصفات سطحية من صفات الشر أو العنف.. فهو لا يسيل الدماء ولا يقتل أحدا هو فقط "ظالم" لا أكثر وعلى بطله أن يتمرد على هذا الظلم.
وإذا بدأنا بصفة التمرد عند بطلنا الموجود فى كل هذه الأعمال فهو كما أشرنا متمرد من نوع خاص "يبحث عن المثالية غير قانع بالظروف التي تحيطه مهما كان يسعى إلى الأفضل.
يرتوبي لا يصنع لنفسه يرتوبيا. يتكلم أكثر مما يتصرف. بمعنى أنه متمرد سلبي أو متحرر مثقف سلبي. لا يخطب ولا يحمل سلاحا لا يقتل ولا يسفك الدماء. يستخدم سلاح الكلمة التي يراها أشد فتكا من الرصاص. يهادن بالسلم أكثر من حبه للحرب.
وكلما قلنا فإن كل شخوصه من الرجال والنساء يحملون هذه الصفة مهما تغيرت الأسماء. وهذه الشخصيات لا تتحدث بالحوار العادي المتعارف عليه القائم على السؤال والرد ولكن كل هذه الشخصيات تتحدث لتكمل لبعضها الحديث عن أفكار وأحاسيس تخص المؤلف في غالب الأحيان.
فإذا كان "حنفي" في "حبيبتي أنا مسافر" يعبر عن تمرده قائلا : «لأجلك ركبت على الطغيان والفوضى» فإنه يعود كي يكرر «مليون رصاصة في صدري ... مليون بقعة دم على قميصي ... مليون فدائي في دمي ... مليون شهيد من وطني ... مليون يتيم في قلبي مليون شيء في رأسي» التحرر هنا فعلا ينبع من رأسه. فهو لم يلوث بعد بالدم ولكن رأسه تندفع بأفكار ومشاعر لها سرعة الرصاص وحيوية الدم. و"حمودة" يقول معبرا عن نفس التمرد الذي في داخله. «اسمعوا يا زعماء التأييد. التعصب السريع موت بطيء والهدوء موت على مهل تذكر الورود لا تذبل في الروح».
ولعل أوضح صورة لهذا البطل تتضح في مسرحية «هم كما هم ولكن ليس هم الزعاليك» فنحن أمام مثقف. وهو أيضا متمرد لكن نتيجة لأحداث المسرحية لم يعبر كثيرا عن تمرده مثلما فعل بقية أبطال المسرحيات الأخرى. يقول : «أنا باحب الفقراء والغلابة. أبحاثي كلها منصبة على كيفية معالجة الفقر وأثره على الناس»
ومثل هذا البطل أيضا في مسرحية "الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء" فنحن أمام إنسان رافض سلبي هارب يسكن سطوح الأمر ينزوي عمقا في أحد أركان الخصوبة. يسير انحناءا. لكنه يرغب أن تكون حياته واضحة كالشمس. هذا البطل أيضا يتمثل في الفتاة التي تقول : «بدلا من أن تحدثهم تنظر إليهم تتأمل وتهز رأسك وتبكي ضحكا وتسير » وبالرغم من أن الفتى يعلن لفتاته أنه جاء من أجل الثورة ويكرر هذه العبارة إلا أنه لم يحدد نوع الثورة التي جاء من أجلها.
ولكنها بشكل أو بآخر ثورة سلبية أو نوع من التمرد الداخلى فهو سيقود الصمت المطعون بالظلم المطعون في النفوس البشرية.. وأنه سوف يقود الانسحاق للطاغية الامبريالية .. والفتاة تدرك منذ الوهلة الاولى هذه السلبية لدى حبيبها.. فهى تسخر منه وتطلب أن ينادي على الصمت الذى سيقوده وهى تعرف أن لا أحد يجيب .. وتصرخ أن كل ما يقول هو.. شعارات لا أكثر. وهذه الفتاة هي أكثر شخصيات السيد حافظ فهما للتمرد من أبطاله الذين يهتفون من جوفهم أن الثورة ستقود الصمت المطعون أو أن الثورة سوف تجئ وكلما طلبناها.
وهذا الفتى لا يكف طيلة المسرحية عن الحديث حول الثورة التى لا يعي منها سوى اسمها ويتحدث بعبارات تضع الثورة كعمل فانتازي لا يمكن حدوثه إلا بنوع من التغيير غير الم وجود.. "الخوف من الثورة".
وإذا كانت الثورة أو التمرد عند البطل قائمة على التحدى للحاكم كما يعلن الفتى أكثر من مرة.. فإن الحاكم كما سنرى فيما بعد يتعد ويتحول إلى إنسان ظالم.. والفتى يرى من الحاكم إنسانا قاتلا. قتل إحداهن وأردى بها.. وتتمثل السلبية الثورية فى مفهوم الفتى عندما يعرف الثورة أن تصبح الثورة راية وقصيدة.. أن تصبح الثورة منهجا وحروفا أن تنبت.. أن تتضج .. أن تحصد .. أن تصبح خبرا .. شكلا .. شعارا .. حزبا .. انتماء والحديث رائع عند الفتى عندما يقول وأن تصبح الحروف هزيلة تعشق الضباب وتشلك معنى أخر غير الأصل وتصبح العناوين ستارا كائنا.. وهذه الاشياء كلها كما جاء على لسان أحد اشخاص المسرحية هى هروب فى اللألفاظ والغموض ، فما أحلى أن يصنع الفتى عبارات .. إنه يهتف فقط..لم نره يعمل أو يحله لحروب إلى أى لون من الايجابية فى العمل.. وهذا الفانتازي الثوري يكرر أنه ليس سوى لحظة سجب أن تكون وأن تستمر.
ومن الواضح أن أبطال هذه المسرحيات يظلمون التركيب الثوري المتعارف عليه فالفتاة المعروفة بنضجها، تقول أن الفتى يكرر عبارات تملؤها الشعارات. هذه الفتاة تقول أن الثورة أصبحت صورة شعرية وحلم الطهارة.
والثورة ..كما أشرنا أ:ثر وضوحا فى هذه المسرحية من مسرحيات السيد حافظ الاخرى . فحين يتحدث الرجال عن حيثيات الثورة يقول أحدهم إنها مطبعة وجريدة وإذاعة ثم يعود ويقول إن الثورة الحقيقية هي أن يكتب المرء عن معنى الإنسان والثورة فى مقالة وأن يكتب عن ثورة العمال أو ثورة الفلاحين أو مشكلة القراءة والكتابة أو مشكلة الامبريالية ومن هذا الحوار نرى أن مفهوم هذا الرجل الأول لا يختلف كثيرا عن مفهوم الفتى.. بل لا يختلف عن مفهوم كل أبطال مسرحيات السيد حافظ المتمردين.. وهم كما أشرنا يصبون ثورتهم فى كتاباتهم وهتافاتهم لكنهم لا يصنعون الثورة بأى حال من الأحوال.. ربما لأن المثقفين لا يهتمون دائما سوى فى حيثيات الثورة لكنهم لا يقومون بها فلم نسمع قط بمثقف قام بثورة.. ولا عن مقال أدى الى تظاهره فى دولة ديكتاتورية أو فى دولة متخلفة.. وبالفعل فإن الفتاة تدرك تماما هذه السلبية لدى الفتى المثقف وتحدثه من جديد ساخرة فى نهاية المسرحية قائلة.. يا أمير المواطن والأحلام والثورة.. جئت إلينا بعد فترة.. ثورة تحدثنا بعد أن قرأت كثيرا فى حجرتنا تحدثنا بهذه الكلمات.. فيرد الفتي بأنه يحلم بعالم جديد ونظام جديد ورؤية جديدة ، عالم بلا عبيد ولا سادة. عالم فيه أناس سعداء .. الاطفال يولودون يضحكون بدلا من بكائهم أي أن الثورة هى حلم وبالفعل فإنننا لا نرى أن يقوم بعمل واحد يثبت أو ينفذ حرفا واحدا من هذها لاحلام.. وهذه الرؤية الفانتازية السلبية المليئة بالاحلام الوردية والتمرد على الاوضاع تملأ شخصيات عديدة من مسرح السيد حافظ ولا تقف عند حد ما من الحدود.
يتكرر الفتى من جديد في صورة أبي ذر الغفاري في المسرحية المسماة بنفس الإسم. وإذا كان المؤلف قد حاول صبغ شخصية تاريخية إسلامية معروفة بصبغة فنتازية في أجواء أشبه بالأحلام والبحث عن عالم يوتوبي للغاية.. فإننا يمكن أن نعتبر أن الثوري هنا هو ايضا سلبي وأن الحاكم ايضا كما سنقول ليس شديد الشر.
ولأن البطل يعيش فى عصر يسوده الضلال فيجب أن يظهر البطل الثوري مهما كانت ثوريته أو تمرده.. فأبو ذر الغفاري يقول إنه يحلم بالكلمة . بالسف .. بالسط فى يد المظلوم ، وأبو ذر الغفاري لا يظهر كثيرا فى المسرحية لكنه يزرع تمرده على السلطان فاتك بن ابي ثعلبة وأبنه السلطان أبو المجون.. فبعد أن يموت تنتقل الثورة الى الفلاحين ولااهالى والكورس الذين سمشون ضمائرنا وشاخاصنا.. فإذاكان الك ورس يردد نحن ننتظر الثائر فإن الأخير يردد أن الثائر هو إنسان ليس عنوانا.. تنفيه السلطة والسطلان ونضعه فى الخانات ونلونه بالأحمر والأصفر والأبيض ونشرده ونشرد أطفاله ونكبله بالتهم الملفقة أونعلن الثائر اصبح مجنونا أو مخبولا أو مجذوبا ويستطرد الفلاح مكملا حوار الأخير أن الثوري يسجنه الحاكم ثم يموت.. ويقول السيد حافظ على لسان الكورس أن الثائر يطويه النسيان تنفيه الزنزانة فى صمت الزنزانة تمسخه السلطة والسلطان.. فهو الخائن الملحد المارق والزنديق المتأمر أو تثقله الأحزان حتى يقتحم حزنا أو صمتا.. ويموت بلا ثورة
ولعل العبارة الأخيرة هى مفتاح طيب للدخول الى سلبية الثورة عند السيد حافظ فبعد عذابات السجون والنفى فإن الثائر لا يقوم بثورته التى يرغب فيها مثلما أعلن الفتى فى نهاية الطبول الخرساء.
وهذا البطل المتمرد يختلف عن الإنسان العادي بالطبع. فهو لا يحدث ولا يموت يبعث في كل وقت وأي مكان فيه طغيان. مصنوع من ضمائرنا أشبه بالريح المرسلة والغيث المنهمر والكلمة الفاعلة. وربما تلك أيضا إحدى التطبيقات للإبتعاد بالبطل عن تمرده الثوري والبطل هنا يزرع كل تمرده في الناس فهو لا يبحث عن مال ولا سلطان إنه يريد حق الفقراء ولماذا نترك الفقراء يقيمون أمرهم بأنفسهم. وعندما يرتعد الحاكم يتوجه إلى الناس ويحدثهم عن مظاهر استغلالهم. جشع التجار الذين يمتصون من دمائهم وأموالهم، الجوع يصرخ في المدينة «لن تستقيم أموركم إلا أن تأخذوا حقوقكم بأيديكم وأوقفوا جشع التجار عند حده فلا تخشوا في الحق لومة لائم»
وهذا البطل له صفات أخرى يوجزها السيد حافظ على لسان المؤدي في نفس المسرحية قائلا : أراك في مدينتي كالنهر .. كضغة للصقور .. كبردة للبرد .. كوردة من اللهب .. كحزمة من الشعاع حول بيت من خشب .. كسنبلة .. لتعطي للفقير حبها مهللة .
ويقول المؤدي مخاطبا أبا ذر أنه إذا خطب في المدينة فإنها سوف تنهض من سجنها وكربها وأحزانها فيخرج النساء والرجال يلامسون نداء الرجل كما يلامسون السماء .
والسيد حافظ يعطي بعض الصفات التي أعطتها الحكايات الشعبية عن النبي الخضر الذي وردت بعض أقاصيصه في القرآن الكريم فأبو ذر يظهر في الأسواق. قال بعض الناس أنه مات منذ زمن بعيد. لكن الناس يسمعون عنه في المساجد.. فى أحاديث رجال الدين والعلماء يقولون إنه كان إنسانا صداقا ونقيا مثل الخبز . وأن أحاديثه أشبه بطيرو الفجر الذهبي إنه المنذر للشر والمنبه الى الخير والناس تنتظر دائما ظهوره سواء فى الحارات أو فى صمت الليل أو فى طرق المدينة أو حتى فى الحانات فهو رجل الحق الذى يبحث عن انتصار الحق والابتعاد عن الظلم.
كما أن المؤلف يعطي أبا ذر صفة أخرى من صفات السيد المسيح عليه السلام وهي صفة البعث من القبر فأحد الشهود يقسم بالله أنه قد رآه بعينيه يخرج من المقابر. خرج وارتدى ملابسه واتجه نحو سوق المدينة .
وهذه الثورة السلبية تنعكس على ما يردده أفراد الكورس صاريخين "سنقاوم" والطريف أنهم يستخدمون دائما حرف(س) للتسويف لأننا لن نراهم يقاومون أبدا.. سيظلون أبدا يستعملون هذا الحرف. سنقف كالبنيان المرصصو .. لابد أن تقاوموا .. ونحن اياض .. لابد أن نقاوم وأنتم يا جميع الناس..لابد أن تقاوموا..
والمؤدى يعود ليردد أن على الناس أن تقاوم وتزاحم وأن حذار أن يساوموا وأن السن بالسن والعين بالعين وأن على الفقراء أن يقاوموا.. وإذا كان هذا هو موقف البطل ومعه الناس من عملية الظلم فماذا سيعقل الناس فعلا عندما يتخذون موقفا من خلال بطلهم الثوري المناضل يقف مثل الادعاء ويوجه الاتهام الى المتهمين اللذين اتبعا ابا ذر فيقول وأن الاحتيال على العامة عن طريق غسل أدمغتهم بأفكارهم مدعين أنها أفكار "أبى ذر".
إن الاندساس وسط الناس للاحتماء بهم لتشكيل ضغط على الحكومة بحيث لا تتم اجراءات القبض إلا بعد عسر ومشقة . وتأليب العامة على سلطان البلاد. بتمثل أول المواقف فى العبارات التى يرددها سيف الدولة الفاروق حيث يقول كيف أكون القاضى مرة وأكون المجنى عليه فى المرة الثانية.
يتساءل هل أنتهى الزمن والزمان فى المدينة.. فهو رجل حسبما يقول لا يبحث عن جاه ولا منصب ولكنه يريد أن يعرف.. يود أن يكشف اللعبة.. أى لعبة. ترى هل هى لعبة الحاكم أم لعبة الطغيان والظلم والدكتاتورية.. يتساءل كيف اكتشف من يلعب اللعبة .. يرد عليه شخص من الجمهور أنه حين تقول الحقيقة فسوف تذهب الى السجن والحقيقة هى خط مستقيم يبدأ بالحقيلة كما ينهي الى السجن.. وهنا يقرر القاضى أن يخرج من دائرة اللعبة وأن يعود انسانا بسيطا. وذلك هو قمة الموقف عند بطل ثورى... أن يترك اللعبة كى يلعبها الاخرون بدلا من أن يظل فيى الملعب يلعب ويهزم ويغلب أوي هزم ويقهر ويخرج مغلوبا وبالفعل فإنه باستقالته قد ترك الفرصة أن يتحول الى متهم يمثل أمام الحاكم كي يدافع عن نفسه .. توجه إليه عدة تهم. يحاول الحام ومعاونوه إلصاق العديد من الصفات البذيئة به.. يقولون إن أمة كانت جارية فى القصر.. ثم تركته لتعمل فى حانة مشبوهة وأن أباه كان قواردا..
ويتحول البطل الثورى هنا الى أحد ضحايا كراسى الحكم .. وبالتالي يتحول الى بطل لدى مجموعة من الناس تتمثل ثوريتهم فى الهتافات الصاخرخة الغاضبة الرافضة فهم لا يخلقون الحاكم ولا يحولونه إلى أنسان عادل ولا يعدل من سلوكه.. يظل الحاكم جالسا فوق عرشه.. ويظل الناس يهتفون ويصرخون ضد الظلم.. الموقف مهما كانت فيه إيجابية فهو موقف سلبي ذاتي بمعنى أن سيف الدين لم يحمل سيفا مثل اسد وإنما حمل لسانه ودافع به وتكلم وهتف ولم يسل قطرة دماء واحدة .. لم يتحول الى ثورى دموي وأبو ذر نفسه أشبه بتلميذه سيف الدين لم يساعد أحدا فى إسقاط أي حاكم.
والبطل لاثورى كما قلنا لم يتغير كثيرا فى مواقفه السلبية أكثر مسرحيات السيد حافظ بمعنى أن ثوريته لا تخرج كثيرا عن دائرته.. لا تصل الى الطاغية إلا من خلال الكلمات ويتحول المسرح كله الى هتافات أكثر من كونها حركة ولو كنا فى نقاش حول الحركة فى مسرح السيد حافظ فهى حركة محدودة للغاية بمعنى حركة الحدث نفسه.. ولكننا هنا بصدد الحديث حول ملامح شخصية البطل فى هذا السمرح. فإذا بحثنا عن البطل الثورى فى مسرحية مثل حكاية مدينة الزعفران فسوف نجد أن أهم من يحمل هذه الصفة فى المسرحية هو "مقبول" الإنسان الحالم الرقيق الذى يعبر عن أول معانى رفضه قائلا: "هيا نمضي من مدينة يبحث فيها الأقوياء عن الكلاب المفقودة ويسنون فيها الانسان " ، ثم يقول "إن الناس تخاف أن تبحث عنه فالخوف له قوته وسلطانه". ومقبول يرى أنه أنسان تعلم أن الشرف كل الشرق قد أصبح شيئا غائبا.. وعندما يتبلور موقفه أكثر يقول إنه يرى أن السياسة تتمثل فى كل شئ.. فى الخبز. والمسكن والتجارة وحتى الحب.
والثورة السلبية نراها فى التعبير الذى يجيئ على لسان الوزير حين يحدث ولى نعمته أن الناس يعبرون عن ثورتهم وسخطهم بأنهم يهتفون بسقوط خادم العامة وهذا الوزير يقول للحاكم إن "مقبول عبد الشافى" هو الذى أثار الناس إنه ثوري لامع .. وتظهر بعض الايجابية حين يرفض "مقبولط أن يعين حاكما مثلما فعل سيف الدين من قبل.. وإذا كان هذا الرجل قد تحول الى بطل ورمز فى مسرحية ظهور واختفاء أبى ذر فإن الأمر يختلف عندما ينادي الوالى أن عليهم أن يصنعوا بطلا يحبه الناس ويصبح بالنسبة لهم رمزا للنضال يجب أن يكونهناك ثورة حتى ولو لم تحقق شيئا وعلينا أن نصنع لهم تمثالا بطوليا نكسره متى أردنا.. الناس تحلم بالبطولة دائما وعلينا أن نحول شخصا بدلا من أن يصبحوا كلهم أبطالا.
وكما قلنا فإن "مقبولط حين يتحول الى ترس فى دائرة الحكم فإنه لا يفعل شيئا لمن حوله.. هو فعلا إنسان تقى.. رائع .. يحارب الظلم والطغيان ولكنه عندما يمسك بمقاليد الحكم فإنه يصبح ساخطا على نفسه وليس على الحاكم. يصبح متمردا على املوقف الذى وضع فيه فهو لا يستطيع أن يفعل شيئا.. لا يمكن أن يحول تمرده الى ممارسة يصبح خائفا من أشيائ كان دائرا من اجلها .. يخاف من الخدم كما أ،ه يخاف من السلطة بل ومن نفسه ذاتها.. لم يفعل شيئا واحدا يرضى به هؤلاء الناس الذين يبحثون عن الخبز ولا أن يدافع عن موقفه الذى يتخذه
واذا كان سلوك "مقبول" أشبه بالانسان الاخلاقى العادى فهو ليس ثوريا بأى حال.. فبعد أن تحول الى حاكم يدعو الخدم للجلوس معه إلى مائدة الطعام كي يأكلوا معه هو وزوجته يصبح الصورة العادلة من كاليجولا .. يخاف ممن يحيطونه .. ليس لأنهم سيقتلونه وإنما لأنهم اعتقلوا افكاره وسيغسلون رأسه.. وغذا كانت التجربة لا تدير برأس "مقبول" فلا يصبح اكما سواء كان عادلا أم ظالما ، "زيدان" مساعدة يتهمه أنه كان يؤمن يوما بأ،ه كان يردد أن السماء لا تفتح ابوابها إلا بالعمل.
وإذا كانت هذه السمات التى ينطبق بها البطل الثوري فالسؤال الان هو..لماذا يثور؟ من الواضع أن الثورة أو التمرد فى أبسط الوانها يحدثان عند عدم وجود الراض.. عندما يتوفر الظلم والغبن والحاكم أوالوالى هو شخص فى أغلب الاحيان يتسم بالظلم والجود وهو بصفة عامة ليس ذلك الطاغية الدموى القاتل الذى يصيح بكل معارضيه ويتمسك ويسفك دماءك أو يتقلهم كي ينفرد وحده بالحكم أو لتحقيق مأربه .. فسوف نرى أن الحاكم الظالم فى وجهات نظر ابطال السيد حافظ الثوريين ليس سوى إنسان ظالم.. أو هو إنسان يجب التمرد عليه بأى صورة دون تحديد.. بمعنى أن البشر ينقسمون فى أكثر مسرحيات السيد حافظ قسمين.. اشخاص متمردين وأخرين يجب التمرد عليهم. الاول رافض والثانى يحاول الدفاع عن نفسه وسوف نرى أن الدماء تخلو تماما فى مسرحياته بمعنى أن يطيح أحد الطرفين بالاخرين بأية وسيلة. فكما رأينا الحاكم قد أتاح للبطل الرمز أن يتقلد مقاليد الحكم فإذا بهذا البطل يرفض ولا يعرف لماذا وهذا اللون من المثالية الفانتازية لا يحدث بالطبع سوى فى أفكار مؤلفنا وهو يبين الى أى حد يتسم الحاكم هنا بالتلقائية والطيبة قياسا الى صفات الثائر نفسه. فإذا نظرنا الى صفات الرجل الذى يجب أن نتمرد عليه فى مسرحية "الطبول الخرساء" والذى أسماه المؤلف بالرجل الانيق هذا الرجل يعطى وعودا كاذبة يقول كلاما لا ينفذه مثل: "بأن الديمقراطية يجب أن تسود ، ثم يقول " أنه يؤيد العبودية والتمرد والاستغلال معا ، وهذا الرجل ايضا طاغية سلبى بمعنى أنه لا يمتلك مقومات الطغيان التى نعرفها عن طغاة التاريخ الذين أحرقوا المدن وسفكوا الدماء .. إنه هنا يتجول الى حاكم له وجهة نظر فى الظلم ولم نر أى دليل واحد يقوم على ما يفعل .. ومازلت هنا أقصد بالتصرف الحقيقي. قد يكون هناك أناس يشكون من نقص الغذاء فى بعض الاحيان لكن التمرد هنا فى أغلبه يتمثل فى أن الثورى يود أن يعبر عن رأيه .. والحاكم ايضا يعبر عن رأيه والطريف أن الحاكم فى هذه الاعمال لا يمتلك وسائل الاعلام الحديثة وكما يحدث لدى الطغاة الحكام فى عصرنا الحديث وسوف نرى أن المتمردين يمتلكون أكثر مما يمتلكه الحاكم.. فالناس كلها تعرف بالحوار ويتجمعون معا وبالتالى فإن وسائل الإعلام ليس لها أى تأثيرا أذا استخدمت وهى لم تستخدم هنا قط .. وسوف نرى أن الكورس الذى يتعاطف مع البطل المتمرد وهو الوسيلة الإعلامية الاولى والمنبئة واملحذرة ملا يحدث فى مكان ما..
وسوف نرى صفات الحاكم بكل ما وضحناه متمثلة أكثر ما يكون فى مسرحية حول ظهور واختفاء أبى ذر الغفاري فهو لا يقتل ولا يسفك ولا يخرج ولا يزج النسا فى السجون ولكنه رجل ماجن يشرب الخمر ليلا نهارا " حين تحكم فكر.. فكر وأنت تشرب" يتحدث مع أبنه ويعظه قائلا أن يفعل ما يشاء لكن أم الناس يوم الجمعة وأنت معطر ، وأمسك فى يدك مسحبة وأطلق البخور وتمتم" الوالى العاقل يفعل ما يشاء فى الخفاء وأمام العامة يخرج فى ثوب شفاف كالضوء ويتصدق وييصلى ويبنى المسكن والمسجد.. هل تفهم يا بنى. حين تزور بلدا مسيحيا أبن كنيسة وبارك المسيحية وأدع الى جوارك شيوخ المساج ولا تنسهم فى الولائم وأبسط لهم يديك الكريمتين ليطووا العامة تحت أذرعهم وأجنحتهم الكثيفة فيهتفون لك ويدعون لك. وبذلك تضمن السيطرة عليهم وتاسر قلوبهم وعقولهم. الخ.
فالحاكم هو أنسان يسعى الى السيطرة بالدهاء أكثر من اية وسائل أخرى مثل الأرهاب وسفك الدماء وهو سلطان أشبه فى تركيبته العامة بالكاريكاتورية فنح ن لايمكن أن نكرهه وهو محبب لدى القارئ والمتفرج مثل غيره من شخصيات السيد حافظ.. لأنه ليس شريرا بالمعنى المعروف عن الشر.. ولأنه يختلف فى الكثير من صفاته عن طغاة عرفهم التاريخ وهو رجل فى أغلب الاحيان ضعيف يخاف مثلنا له قلب حنون وهذا السلطان الظالم يضع فى حاشيته مجموعة من كبار التجار الذين يعرفون رجال الشرطة ويغرقونهم بالهدايا والعطايا كما أنه محاط بوزراء يتحلقونمن أجل البقاء فى مقاعدهم وهناك نوع من رجال الشرطة هم أقرب الى المخابرات يسمون بالملثمين يسعون الى حماية السلطان من التمردات التى تحثد ضده وهذا الحاكم يبتسم بسمة هامة فإذا كان البطل الثوري سلبيا لأنه لا يقوم بثورة فإن الحاكم الطاغى ايضا سلبي جدا لأنه يتكلم ولا يطغى أبدا. فبناء على الكلمات التى تتناثر من هنا وهناك فإننا نعتقده طاغية أو ديكتاتوريا ، لكننا لم نر ولا مثل لطغياته إلا ما يتكلم عنه الآخرون. قد يكونون كاذبين أو مبالغين وقد ي كون طاغية. لكنه فى كل الحالات لم يطغ أمام أعيننا.
والسلطان الطاغية السلبي هو ايضا نفس الرجل الأنيق فى مسرحية الطبول الخرساء هو يتكلم كلاما طالما هو حالم ولكنه لا يفعل شيئا إننا نؤد الملكية.. نيؤد الجمهورية.. نؤيد العبودية والتحرر والاستقلال ومن الممكن أن تكون هناك حقوق الجميع.. يحق للأبيض والأسود أن يعشا يحق للأسود أن يعمل فى الاعمال المجهدة فى المحلات العامة ، فى الم وانئ ، واذا كان الفتى فى هذه المسرحية يعلن عن تحديه للحاكم لأنه قاتل فنحن لم نر كذلك أية علامات تدل على أن الحاكم قد قتل أو سفك الدماء.
"ومقبول" فى مدينة الزعفران ، يعترف أن الوالى ليس رجلا ظالما فهو يتخذ اجراءات القمع من أجل تهدئة الموقف.. من أجل امتصاص غضب الناس .. وهذا الوالى فعلا يقوم بتعيين "مقبولط خادما للعامة كنوع من تهدئة الموقف وكما قلنا فإن "مقبول" يمكنه أن يستخدم هذا المنصب لتحقيق وتنفيذ افكاره الثورية إلا أنه يرفض كي يظل انسانا يحلم بالبطولة.. ونحن فى هذه المسرحية نشعر بالتعاطف مع اسلطان أ:ثر من تعاطفنا مع"مقبولط فهذا الاخير قد رفض أن يتولى منصبا وأن يظل ثوريا لكن الحاكم يصبح ثوريا بدوره فهوي ستخدم التعبير المتعارف عليه بأسم الثورة الإدارية يأتي بثائر كي ينصبه فى منصب هام وهو بهذا اكثر اقترابا من قلب المتفرج والقارئ من "مقبول" نفسه".
وإذا كانت أهم صفة للبطل في مسرحيات السيد حافظ هي الثورية ضد طاغية ليس فيه السمات المعروفة عن الطغيان فإن البطل يتسم بصفات أخرى لعل أهم ما فيها، العالم، الحالم، الرقيق، الذي ينشده الأمل والبحث عن المثالية التي تتجسد في الشاعرية والرقة وهذه الصفة موجودة في الرجال والنساء معا..«نادية» في "حبيبتي أنا مسافر" تتغنى بحبيبها أبو القصر العالي الذي يسكن على الجانب الآخر من الشاطئ وأنها تنتظره أن يأتي ويحضر لها اللؤلؤ .. أما "مجيدة" فإنها تحلم بالحب تود أن تحب وأن تعيش في عالم يملؤه الحنان.. نفسى أخد الدنيا فى رجلى. ألمس الحب فى غيدى . وألمس الحنان فى صوتي . نفسى أركب حصان أزرق ويلف بيا جبال العالم طاير نفسى شعري يطير ن نفسى أحس بأنى طايرة بأنى فى كل حاجة نفسى أقول لأى حد على اللى بيا.
وهذه الصفة الحالمة نجدها عند أكثر النساء فى هذه المسرحية ."هدى" "عائشة" .. حتى المشرفة "خديجة" التى قدمت صورتها كإحدى ملامح الطغيان.. هذا فضلا عن الرجال والشباب "مقبول" "شلبي" .. "حموده" فى القلب نغمة والحب نظرة جدع لحبيبة غرقانة.. وتتضح هذه الصفة عند مجيدة التى تتطلع إلى الحب والحنان فى عبارتها "نفسى أسمع كلمتين "الحنان والحب" نفسى أشوفهم . المهم نفسى أخد الدنيا فى رجلى ، وألمس الحب بإيدي ، وألمس الحنان فى صوتى. نفسى أركب حصان أزرق شارد يلف بيا جبال العالم طاير.. وهى نفس العبارة التى سبق أن قالتها "نادية" فى أول المسرحية مما يؤثر على وجود الحلم المشترك لدى كل من المؤلف نفسه وأبطاله ونحن لا يمكن أن نفصل صفة الحلم عن الكاتب نفسه.. وخاصة فى أعمال السيد حافظ فإذا قلنا أن كل الصفات التى يتسم بها البطل هى صفة إنسان واحد أي يمكن أن تجدها فى إنسان واحد فإن كل هذه الصفات هى فى داخل المؤلف نفسه ولعل أبرزها الحلم والطموح والتمرد والمثالية .. ولذا فإن كل هذه الشخصيات العديدة تتكلم بلسان وأحاسيس المؤلف نفسه.
وقد سكب كل صفات الحلم فى مسرحية "أنا مسافر" أكثر من بقية أعماله والحلم هنا يوتوبي من الدرجة الاولى .. حلم بالمثالية.. حلم بالطموح والتمرد حلم أن يكون الانسان شهيدا رجلا أن يقرر الصمود وأن يظل صامدا.. لم يحدد الصمود ضد ماذا .. لكنه صمود ضد أى شيئ يستحق الصمود أمامه فطالما أن بطلنا رجل مثالي فهو يصمد ضد قوى الشر لكن الشر هنا ليس كاملا وعلى البطل والمؤلف نفسه أن يتجنبا شرورا أكثر تأصلا ومحاولة نزعها ، غذا تدور فى دائرة اليائس لتخرج منها ولعل هذه الصفة واضحة جدا حين يتحدث "حمودة" الى "مجيدة" قائلا أنت حالمة.. فترد عليه : لابد من تدمير الأسرة والغرف وإشعار الحريق فى كل شئ فلنحرق حدودهم قبل أن يحرقوا حدودنا".
وصفة الحلم قد لا تتضح كثيرا في مسرحية «حكاية مدينة الزعفران» والطريف أن الحلم السلبي عند البطل قد تحول عند شخصية "زيدان" إلى حلم أقرب إلى الإيجابية بمعنى أن البطل أصبح يحلم أنه يعمل عندما يقول عملت مرة في البحر كنت صبيا وإذا بي أمام سمكة هائلة أخذت أشدها وهي تشدني وفي النهاية سقطت في البحر وأفقت في منزلنا وأنا مبتل وحولي الناس والوالي. في هذه المسرحية يفهم سيكولوجية أبناء شعبه فيردد الناس تحلم بالبطولة دائما وعليها أن تحلم وعلينا أن نحول شخصا بطلا بدلا من أن يصبحوا كلهم أبطالا كما أن الأميرة التى ترمز الى نجمة السينما فى مسرحية حبيبتى أميرة السينما هى مثال ايضا للبطل الحالم وهى هذه المرة تحلم بعالم مادي يجلب لها السعادة حسب منظورها . أحب تجارة الجملة وأصحاب المصانع والسيارات والطائرات مصانع العطور ، تحب أن تغر قفى بحر العطور تحب مدينة نيورك.
والكورس يبدأون مسرحية أبر ذر بأناشيد تعبر عن الحلم المنشود ويصور المؤلف شخصية أب ذر على أنها المتمرد الحالم الذى يحلم بالكلمة قبل السيف .. فالكلمة سوط فى يد المظلوم . تقلم أظفار الظالم.
كما أن شخصية "نون" فى مسرحية الحانة الشاحبة تردد ، أريد إحساسا متدفقا متجددا دائما بالنشوة.
هذا البطل الحالم يتسم بصفة الأخلاق.. لس الأخلاق بمعناها الفلسفى ولكن بمعناها الذى نتداوله فى حيانتنا اليومية أخلاق وسمات الرجل الذى يبحث عن المثالية والحب والأخلاق هنا يونوبية ايضا.. فهى أخلاق شاملة لاننا إذا كنا نمتلك صفات بعضه نسبيا .. فإ، المؤلف يتحدث عن صفة الشمولية داخلها .. ويتضح مزج الحلم بالواقع بالاخلاق والمثالية فى نداء زوجة أبى ذر يا سيدى.. وبمعث الفكر الشريف .. ياحلم الرجال الخصي.. ومنبت الفكر الريف .. وهذه المرأة متدينة كزوجها الذى يحدثها عن الدنيا والدين . عن الجنة والنار. فتحدثه عن لقاء الله بوجه الحقيقة وأبو ذر يتحدث دائما عن الفضيلة من خلال الاحاديث النبوية الشريفة والايات القرآنية الكريمة. وحنفى " يردد فى حبيبتى أنا مسافر " كلمات الشرف والفضيلة معبرا أنها اشياء ميكن أن يدمجها معا كي يصنع بها المقاومة والمساومة كما أن السيدة تعلن أن اللهو بالناس جريمة وتطلب من "شلبي" أن يغلق الباب مبتعدا عن مداعبة أعصاب الآخرين ويهتف "مقبولط ان تحيا المواقف الشريفة وتعلن المرأة البدينة أنها سوف تتبرع بملابس ابنها للأولاد وبملابسها القديمة للفتيات.
ويبرز البطل المتدين ايضا فى شخصية "مقبول" فى مدينة الزعفران "ومقبولط هذا أقرب فى صفاته العامة الى صفات أبى ذر وهو يهتف يا حبيبي يا رسول الله ، الإنسان غذا صار عبدا وصارت الأمة نعاجا أتلهف للقائك يعبرني الزمن أحببتك يا صاعدا محملا فوق أكتاف الرجال المنحنية ظهورهم من التعب يا نبي الله يا حبيب الله يا حبيبى..
وتتضح شخصية المثالى الأخلاقى فى شخصية الذى يحاول فى حبيبتى أميرة السينما فهو رجل ينسلخ من أحلامه القديمة.. يبحث عن أمرأة تطهو له طعاما يلتهمه فرحا تحيك له جواربه ليرتديها مسرعا تقبل كفيه فى الصباح يجلس ما بين فخذيها ليرسم عالما بين الأفخاذ غازيا القارات الست أنه أمل يسعى الى صنع عالم مثالى للأميرة البريئة. واذا كان هناك تشابه بين علامة هذا الرجل الذى يحاول ويبين "أرثو ميللر" الكاتب الامريكى والزوج السابق "مارلين مونرو" والتى عاشت حياة أشبه بأميرة السيد حافظ فأنا أعتقد أن الذى يحاول رجل أكثر مثالية من المؤلف الأمريكى. وغذا تقدم الإنسان بفكرة وسابق ال زمن سقط ضحية. إذا تأخر صار متخلفا واذا سار مع الزمن جنبا الى جنب خذته اللامبالاة والملل وهو يعلن أنه رجل منظم يحب النظام ولا يسمح لساعته أ، تخطئ.
وهذه الذكريات السابقة لبطلنا الذى تحسه وتعيشه فى مسرحيات السيد حافظ هى اساسا تركيبات فانتازية فالثوري السلبي والحالم المثالث هو إنتسان فانتازي يطير من فوق أروقة الواقع الذى تيعشه ويحلق فى سماء ينشدها يركب الأشياء ويصوغ منها تعبيرات جديدة وعوالم جديدة والخيال والفانتازية عند البطل هما شئ واحد أو فرعان لشيئن متقاربين فالبطل قد يرى فى نفسه عاصفة من المرل تغير على شاطئ البحر أوحفنة من الملح المجمد فى ملاحات المكس والمياه التى تحيط ههذ الملاحات غامقة اللون" الملح دايب وانا جمدت فى السحر " فاتو بس الرعد ولدنا سوى. وهى تركيبة فانتازية اشبه بالمئات من التركيبات التى يجيد السيد حافظ صناعتها.. سواء فى مسرحياته أو حتى فى مجموعته القصصية "سمفونية الحب" وهذا البطل الفانتازي يصنع لنفسه عالما أشبه بتركيبته الدالخية. فهو يحلم أنه يعيش فى مياه ندية .. منطقة الحلم ومنطقته الفزع. والبطل هو مثل شجرة الاميليا المختلفة الأوراق "قالوا من يأتي ثدي ثعبان ولد فى أحضان الطبيعة ونشأ مع الفيلة.. عاشر الضفاع وتزوج سلحفاة".
ولعل أوضح مثال للبطل الفانتازي عند المؤلف يتجسد فى شخصية "ضياء" فى 6 رجال فى معتقل 500 شمال حيفا" فقد نتصوره لأول مرة مجنونا ولكنه إنسان يعيش داخل أحلامه الوردية المشوبة بالكثر من معالم الفقر.. والطريف أن هذه المسرحية بها أقل قدر ممكن من العالم الفانتازي بين أعمال المؤلف فهى يمكن أن تحدث فى أى معتقل ولكن "ضياء " يحل بحبيبته ويحدثها عن السيارة الرولز رويس الحمراء التى تدوى وقدغطاها الضباب البيض. وقد وصفه زملاؤه بالجنون لكننا لا نستطيع أن نحدد هل هو صورة من البطل الحالم الذى يبحث عن الأمل وسط آخرين يعيشون فى أرض المعتقل إنه يحاول أن يعبر برأسه وروحه خارج هذا المكان المحدود بعيدا عن الجدران الهشة التى سارت على الطريق متلفحة بشال من الحرير.. هذه الجردان الهشة مصنوعة من ثوب حريرى ينفذ منها شعاع الشمس. يتحدث عن أمواج البحر أو العواصف وهو ينطق من وقت لآخر بعبارات أشبه بالامثال المعروفة شعبيا " الافعى تتلون" حوالين العود الأخضر لجل ما تطوي.." فهذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن رجل مجنون.. وهويهتف مناديا مدينته الرائعة" القدس" متحسرا عليها بعد أن غطاها ال ظلام وبدت بها الصلبان بهتانة.
وهذا "الضياء" يعلن ايضا فى حدثه أن القيامة قد أقتربت.. ومهبط القرآن صبح غريب وها نحن أولاء الآن فى مجتمع تنبؤى ..تنبأ بطلنا السيد حافظ تحدث عن زوال الطغيان وعن اقتراب وزوال الغمام ويبدو أن بطلا ثوريا قد تكلم وتعلم من شخصيات السيد حافظ ان التمرد ليس هو الكلمة ولكنه رصاصة قوية يمكنها أن توجه إلى اسباب الظلم وبذلك سوف يتحول عالمنا إلى عمل إيجابي بدلا من أحلام عن العمل .. أو رؤيا فانتازية عن عوالم وردية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق