Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأربعاء، 6 أبريل 2022

295 الخبرات النفسية والأنساق الجمالية في الموضوعات المتمثلة برواية كل من عليها خان النصوص المسرحية القصيرة أنموذجاً (دراسة جماليَّة) بقلم أ/ أحمد حنفي

  

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 295 )

 

الخبرات النفسية والأنساق الجمالية في

 الموضوعات

 المتمثلة برواية كل من عليها خان


النصوص المسرحية القصيرة أنموذجاً


(دراسة جماليَّة)


بقلم أ/ أحمد حنفي

 

دراسة من كتاب

نموذجًا

التجريب ومكونات البنـي السردية في الرواية

نموذجًا

رواية " كل من عليها خان "

للكاتب السيد حافظ

جمع وإعداد

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى






الخبرات النفسية والأنساق الجمالية في 

الموضوعات

 المتمثلة برواية كل من عليها خان


النصوص المسرحية القصيرة أنموذجاً


(دراسة جماليَّة)


بقلم أ/ أحمد حنفي

 


الخبرات النفسية والأنساق الجمالية في الموضوعات المتمثلة برواية كل من عليها خان
النصوص المسرحية القصيرة أنموذجاً
(دراسة جماليَّة)
بقلم أ/ أحمد حنفي

 

 

في دراسةٍ سابقةٍ لي عن رواية (ليالي دبي) للكاتب الكبير/ السيد حافظ ذكرتُ أننا أمام نص روائي يؤسس وعياً جمالياً مغايراً من حيث الشكل وطرق الأداء، وهو نص يؤطِّر بذلك الوعي المغاير فكرة الغريب ومفهوم الاغتراب المكاني والنفسي والاجتماعي.

وذكرتُ أيضاً أنَّ بنية الرواية لا تتَّصف بالمرونة والانسيابية، بل نجده نصاً مرهقاً يتكون من مجموعة بنى مركبة يتعدَّد فيها الرواة وتتنوَّع فيها الأماكن وتختلفُ فيها الحقب الزمنية وتتمايزُ فيها أشكال السرد.

وهو الأمر ذاته الذي نواجهه بروايتنا التي نحن بصددها (كل من عليها خان)، والتي تُعدُّ استكمالاً لمشروعه الروائي الملحمي الذي ابتدأه برواية (قهوة سادة) ليستكمل قصة انتقال الروح الطيبة من "نفر" إلى "نور" إلى "شمس" وصولاً إلى "وجد" الروح الرابعة "لسهر".

ويستكمل أيضاً حكاية (فتحي رضوان خليل) الكاتب المثقف الذي واجه بمصرَ إحباطاتٍ دفعته للسفر إلى (دبي) مصطحباً زوجته معه، فتحي رضوان العاشق لــ (سهر) تلك الفتاة الحلم والتي تورَّط معها في علاقة غير شرعية، الحكاية في مجملها تسلط الضوء على حياة مثقف وكاتب معاصر ناقد لوطنه ومجتمعه من أجل غدٍ مختلف ومغاير.

وتقوم شخصية (شهر زاد) بالرَّبطِ بين الحكايتين وهو ما بات مألوفاً لمن يتتبع مشروع (السيد حافظ) الروائي، والنموذج الروائي (الحافظي) نموذجٌ متمردٌ، متعددُ البنى، لا يخضعُ لقالبٍ سابقٍ ويرفض قيودَ الشكلِ الروائي التقليدي ليُعلى من نبرة الحريةِ والتي هي أساس العملية الإبداعية.

تتخللُ فصول الرواية بعض الفواصل ذات عناوينَ رئيسيَّةٍ ثابتةٍ؛ وهي:

مسرحية قصيرة جدا (سبع مسرحيات)، نحن والقمر جيران (سبع حكايات)، قصة قصيرة جداً (قصة واحدة)، وبالتالي يمكننا اعتبار (كل من عليها خان) من الروايات المنتمية لتلك التي تتكئ على جماليات التشظي والتفكك، وهي جماليات تعتمد على التجاور والتوازي والتزامن كما هو الحال بسابقتها (ليالي دبي) حيث يواجه القارئُ حدثين متوازيين بزمنين مختلفين بأحداثٍ تُروى من خلال تقطيرها بوعي (الراوي/ السارد) ليصير فعل الكتابةِ تقاطعاً مع الواقعِ من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى انتقال من حدثٍ ماضوي لحدثٍ ماضوي آخر، وبذلك يصبح للرواية زمنها النسبي الخاص ويتقاطع فعل القراءة لدى المتلقي بفعل الكتابة من أجل إعادة إنتاج المعنى والوقوف على دلالات النص وأبعاد الرؤيا التي يطرحها، وهو ما يجعلُ عمليةَ الوصولِ إلى قصد المؤلف عمليةً شاقةً.

ولأنَّ معنى النصِّ لن يتشكلَ بذاتِه مطلقاً "فلابد من عمل القارئ في المادة النصية لينتجَ معنى" على حد تعبير (رامان سلدان) في كتابِه (النظرية الأدبية المعاصرة) ص184 أي أنَّ أي تفسير لنص ما مُطالَب بأن يتحرك خارج النص من أجل أن يُشير للقارئِ "فلا معنى للنص حتى يقرأه شخص ما، ولكي يكون له معنى يجبُ أن يُفسَّرَ، بمعنى أن يُوصَّلَ بعالم القارئ" [راجع والتر ج. أونج: الشفاهية والكتابية ص282،283] ولذا فإن معنى أي نص أقوم بقراءتِهِ إنما في الحقيقة المعنى الذي أقصده لذلك النص.

ومن خلال استعراض التشكيلات البنائية لنص (كل من عليها خان) نستطيعُ التمييزَ بين نوعين أساسيين أو بالأحرى نصين أساسيين أولهما أصلياً متمثلاً في قصة (فتحي رضوان خليل) وحكاية الروح الرابعة لسهر، وثانيهما متشظياً متمثلاً في النصوص المسرحية القصيرة جداً ونحن والقمر جيران وقصة وحيدة قصيرة جداً، رأيتُ أن أتوقفَ أمام النصوص المسرحية السبعة لما تمثله -ظاهرياً- من خروجٍ عن النص الروائي؛ حيث أن حكايات نحن والقمر جيران مرتبطة بجيران (فتحي رضوان) أي أنها ذات صلة -غير مباشرة- ببطل الرواية، كما أنَّ تاريخ (السيد حافظ) المسرحي أحد أهم ملامح تجربته الإبداعية مؤلفاً وممثلاً ومخرجاً.

الموضوعات المتمثلة في النصوص المسرحية القصيرة جداً

تشترك المسرحيات السبع في عدم وجود زمانٍ محددٍ لها ولا مكان، باستثناء المسرحية الثانية والتي حدد فيها المكان بمقهى والزمان نهاراً، وهما في حقيقتهما غير محددين؛ فالمقهى غير معلوم أهو في مدينة أم قرية والنهار لا أعتبره زمناً بقدر ما هو صفة لزمن كما أنه ينطوي على فعلٍ متكرِّرٍ.

كما تشترك المسرحيات في عدم وجود بطل حقيقي يمتلك اسماً وتاريخاً وهيكلاً بنائياً (جسمانياً ونفسياً واجتماعياً) بل هي شخصيات أقربُ إلى التجريدِ تمثلُ أفكاراً خالصةً فكان منطقياً جداً ألا نجد أسماءً وأن يكون الغالب وصفهم حسب النوع (رجال - نساء) أو المهنة (جرسون- كما في المسرحية الثانية)، وقد تكون الشخصيات نصف بشرية حيث كانت بعض الأصوات لرجال ونساء هي البطل في المسرحية الخامسة ولا ظهور لأصحابها على خشبة المسرح، كما تعدت الشخصيات حاجزَها الإنسانيَّ في المسرحية السادسة لتكون مجرد بقعٍ ضوئيةٍ ملونةٍ تتصارعُ.

كما كان لخمسٍ منهن غيابٌ تامٌ للحوار والذي يُعدُّ العنصرَ الرئيسَ في أي نصٍ مسرحيٍّ، حيثُ كان الحوار في المسرحية الثالثة صرخة لرجلٍ يقول "لا"، بينما تتميزُ المسرحية الخامسة بغلبةِ الجمل الحوارية عليها وذلك تبعاً لطبيعتها حيثُ لا وجودَ لشخصياتٍ حقيقيةٍ تظهرُ على المسرحِ، وهي في رأيي أضعفهم وأقلهم قيمةً نظراً للحوار المباشر جداً والفاضح والبعيد عن الرمز والإيحاء كسمتين اتسمت بهما باقي المسرحيات.

المقدمات المنطقية للمسرحيات السبع (حسب اصطلاح لاجوس اجري في كتابه فن كتابة المسرحية، ترجمة دريني خشبة) كانت في معظمها تدور حول فكرة صراع الفرد مع السُّلطةِ؛ حيثُ بَدَت السلطةُ في المسرحية الأولى تدَّعي الديمقراطية بينما الرجل الذي ينام على سرير متواضع يقول "نعم" وحين قال "لا" ماتَ بالرَّصاصِ، و(الجرسون) في المسرحية الثانية مثالاً للمواطن المكبَّلِ بقيود وضغوط رجالِ السلطةِ ولا يَلقى جرَّاء غضبِه وثورتِه على استعباده إلا السجن في قفصٍ خشبيٍّ مكتوبٌ عليه (الوطن)، بينما بدا الصراعُ متعددَ الأطرافِ في المسرحية الثالثة حيث يقع (البطل/ الرجل) بين فريقين من النساءِ (مرتديات الملابس البيضاء يميناً ومرتديات الملابس السوداء يساراً) يجتذبنه وينتقل من يد واحدة للأخرى حتى ينهارُ فيموت ويتكرر الحدث مع رجل آخر أما الثالث الذي لا يقترب منهن يقتلنه ليظلَّ أي (الرجل/ البطل الأخير للمسرحية) ضحيةَ اختياره في البعد عن الصراع، أما في المسرحية الرابعة (فالبطل/ الرجل القصير/ الوطني) يموت دفاعاً عن عَلمِ بلده حتى لا يُسرق لتظلَّ جثته على المسرح ملقاةً لا يتم سحبها إلا بدخول رأس السلطة على خشبة المسرح محاطاً بالكاميرات والإعلاميين، والحوار الفاضح في المسرحية الخامسة يوضح فكرة صراع الفرد مع السلطة بشكل مباشر كتلك الجملة الحوارية مثلاً: "الوطن غائب والمواطن فعل ماض معتل"، وشعار (البقاء للأقوى) هو منطق القوة الحاكم والمسيطر والذي يفرض كلمته في المسرحية السادسة، بينما يشير (السيد حافظ) من طرفٍ خفي في مسرحيته السابعة عن الوطن الذي تفرَّغ من رجاله الصالحين ليكون سقوط الوطن نتيجة حتمية.

وكان لتكرار الفعل المسرحي دوره في التأكيد على ديمومة صراع الفرد مع السلطة كما أن له دلالته حيث يعكس الخبرة النفسية السلبية للمؤلف تجاه وطنه ومجتمعه.

والآن نستطيعُ طرح نفس التساؤل الذي طرحه (رومان إنجاردن) أثناء تصديه للبحث الجمالي وتعلقه بماهية العمل الفني الأدبي ونحن بصدد الحديث عن الوظيفة الفنية والجمالية لتلك النصوص السبعة وعلاقتها بالرواية (النص الأصلي)، حيث تساءل قائلاً: "تحت أي نوع من الأشياء (الظواهر) يمكننا وضع العمل الفني الأدبي، الواقعيات أم المثاليات؟

بدايةً فرَّق (إنجاردن) بين الأشياء الواقعية والأشياء المثالية؛ حيثُ رأى أن الأولى تنشأ في نقطة زمنية ما وتوجد لوقت معين ومن المحتمل كذلك أن تتغير أثناء مجرى وجودها ويمكن أيضاً أن تنسحب من الوجود، أما الموضوعات المثالية لا يسري عليها شئ من هذا فهي لا زمانية وبالتالي تبقى بلا تغيير.    
[راجع: علم الجمال الأدبي عند رومان إنجاردن، سامي إسماعيل ص92 وما بعدها]

والمسرحيات السبع لا زمن لها كما استعرضنا؛ فالحدث لا ينشأ في نقطة زمنية معينة وغالباً لا ينتهي وذلك لتكرار الفعل المسرحي مع شخوص آخرين، فهي على الأحرى موضوعات مثالية قامت على الخبرات النفسية للمؤلف نفسه.

والملفت في الرواية أنها ذات نزعتين إحداهما تاريخية (حكاية البنت وجد والولد نيروزي وثورة النساء)، وثانيتهما نزعة اجتماعية (حكاية فتحي رضوان وسهر)، هاتان النزعتان تفرطان في التشديد على علاقة الفن بالواقع، ولكن حين تُختزل دلالة مضمون أي عمل أدبي إلى مجرد التعبير عن هذا الواقع فهو يُعدُّ إساءة فهمٍ لهذه العلاقة؛ فالسيد حافظ لا ينقل لنا أبداً بعض العادات الاجتماعية أو أسلوباً حضارياً معيناً ولا تطوراً تاريخياً لحقبةٍ ما، وإنما ينقل لنا خبرةً نفسيَّةً معينةً مرَّ بها، كان تجليها الأمثل ليس في النص الأصلي وإنما في تلك التشظيات المسرحية ذات الشحنات الرمزية وما تحويه من موضوعاتٍ متمثلةٍ وُضعت بوصفها نظائر قصديَّة؛ أي توجد فقط بوصفها مقصودة ولا وجود لها خارج هذا القصد، فهي ليست متأصلة في الوجود الواقعي حتى وإن بدت لنا كما لو كانت واقعية، وإنما وجودها الأصلي في خبراتِه النفسية.

وإذا كانت فكرة صراع الفرد مع السلطة هي الفكرة المسيطرة على المسرحيات السبع، وهي خبرات المؤلف النفسية كما ذكرنا، هل يجوز لنا أن نفسر من خلالها النص الأصلي (قصة فتحي رضوان وانتقال الروح الطيبة)؟

أستطيعُ القول أن محاولة تفسير وقراءة العمل الأصلي بالرواية من خلال الخبرات النفسية للكاتب ليس عبثاً كما ادعى (رومان إنجاردن) – وهو في ادعائه ليس مخطئاً أيضاً – لكنه الشكل الجديد متعدد البني الذي ابتكره (السيد حافظ) هو ما جعلنا نثبت خطأ (إنجاردن) في تلك الحالة فقط؛ فإن كان (إنجاردن) يرى أنَّ "خبرات المؤلف النفسية تنسحب من حيز الوجود في نفس اللحظة التي يدخل فيها العمل الأدبي الذي أبدعه إلى حيز الوجود" [علم الجمال الأدبي عند رومان إنجاردن ص96] فقد نُسلمُ بصحة تلك المقولة في حالة عدم تسجيل المؤلف لتلك الخبرات في نصوص متشظية تمثل خروجاً عن النص الأصلي ذاته كما في حالة المسرحيات السبع التي نحن بصددها، ولأن تلك الخبرات النفسية المحفزة لكتابة النص الأصلي تتسمُ بأنها قصيرة الأمد لا تستطيعُ البقاء في حيز الوجود بعد أن مرت فقد قبض عليها (السيد حافظ) وصاغها في هيئة نصوصه المسرحية والتي قامت مقام الكادرات الفوتوغرافية لحالته النفسية (خبراته النفسية) أثناء الكتابة.

أي – وبصيغة أخرى: مثَّلت تلك المسرحيات القصيرة خروجاً وانزياحاً خارج النص الروائي الأصلي من أجل أن تشير إلى القارئ على تلك اللحظات والخبرات النفسية التي اختلجت بصدر الكاتب وحلقت فوق رأسه أثناء تسجيل نصه الأصلي، إنها قراءة (السيد حافظ) نفسه لرؤيته التي يبثها على مدار مشروعه الروائي كله وليس (كل من عليها خان) فحسب، إنها محاولات لقراءة رؤية الذات، محاولات تفسيرية تهدف إلى الاتصال المباشر بعالم القارئ. بما يمكننا أن نقول أنَّ (السيد حافظ) هو القارئ الأول الذي فسر النص الأصلي وأوجد معناه ليس من خلال قراءة تفسيرية عادية بل من خلال تسجيل خبراته النفسية، لتتراجع لدينا معضلة (قصد المؤلف) و(استقلالية النص) والتي تثيرها دائماً النصوص المتشظية.

هل تلك النصوص المسرحية نصوصاً عبثية؟

رأينا كيف كانت تميل تلك المسرحيات لتجريد الشخصيات من محتواها البنائي وكيف أنها كانت تميل للرمز في عرض أفكارها وكيف أن موضوعاتها متمثلة غير واقعية وإن بدت لنا غير ذلك كما رأينا تقنية تكرار الفعل المسرحي والذي يؤدي إلى تكرار الأزمة والصراع، أليس ذلك كله أقرب إلى مسرح العبث؟

يقول الدكتور (عبد القادر القط) في كتابه (فن المسرحية) ص441 أثناء حديثه عن مسرح العبث:

"يعد مسرح العبث خطوة بعيدة في سبيل التجريد والبعد عن محاكاة الواقع في صوره الخارجية والبحث عن صور الواقع في دخيلة النفس الإنسانية، وفيما تنطوي عليه أشكال الحياة وسلوك الناس من حقائق كامنةٍ تحت ذلك السطح الظاهري"

كما أن اتجاه العبث في موضوعه الأساسي جاء ليعكس إحساس الكاتب بعبث الحياة العصرية وقيامها على كثير من الأوضاع غير المعقولة والمتكررة بذات الأحداث لتحل الحيرة وضرورة الانتباه واليقظة عند المشاهد محل انفعالات التعاطف والاندماج، وهو ما أراه موجوداً ومتحققاً في تلك النصوص.

الأنساق الجمالية للنصوص المسرحية السبعة

باعتبارها نصوصاً مرافقة

النَّصُ المرافق في المسرح المتمثل في الجمل الإرشادية ووصف الانفعالات المختلفة للشخصيات وحركة الممثلين على خشبة المسرح والديكور والإضاءة يُعدُّ أحد أهم جماليات الفن المسرحي، لكن النص المسرحي أساساً يكمنُ في الحوار "ذلك أن الحوار في المسرحية هو الأداة الرئيسية التي يبرهن بها الكاتب على مقدمته المنطقية، ويكشف بها عن شخصياته، ويمضي بها في الصراع" [فن كتابة المسرحية، لاجوس اجري ص416]

لكن المسرحيات السبع التي بين أيدينا تكادُ أغلبها تكون نصوصاً مرافقةً صرفاً لغياب الحوار كليَّةً باستثناء المسرحية الخامسة وكان لذلك أثره حيثُ أن الحضور الطاغي للنص المرافق يجعل المسرحيات القصيرة جداً "أكثر قرباً من مفهوم المسرح الذي يعتمد على إبانة الفعل الإنساني أكثر منه عرضاً لأفكار الشخصية"    
[الفعل المسرحي في نصوص ميخائيل رومان، حازم شحاتة ص191،192]

وبالتالي لا يمكننا تقسيم تلك المسرحيات إلى نصوصِ انفعالاتٍ ونصوصِ حركةٍ بل هي الاثنينِ معاً لتعويض غياب الحوار من جهة، ولنفي فكرة اندماج المشاهد وتعاطفه من جهةٍ ثانيةٍ مما يستلزمُ الانتباه واليقظة الدائمين، فالخبرة النفسية لا يجب تلقيها بالشحن العاطفي وإلا فقدت دورها.

إن دمج الانفعالات مثل الوقوف أمام العلَم في المسرحية الرابعة والغناء بدون صوت مع حركة الرجل أثناء الدفاع عن سرقة العلم/ رمز الوطن ومن ثمَّ قتله، ثم دمج حركة دخول الرجل العملاق/ رمز السلطة وتحيته للجماهير مع انفعالات الفرح والسعادةـ أدى إلى تحويل دلالة الوطن عند كلٍّ منهما؛ وبالتالي وضعنا أمام صورتين متقابلتين من ماهية الوطن عند رجل الشارع ورجل السلطة، وكل ذلك دون حوار.

أيضاً من الأنساق الجمالية للمسرحيات السبع باعتبارها نصوصاً مرافقةً:

نسق الحضور/ الغياب

فبازدياد حضور النص المرافق تزداد سرعة الإيقاع مما يؤدي لحضور الفعل/ الحدث على حساب غياب اللغة/ الحوار

نسق اللقطة المقربة بدلاً من اللقطة العامة

ساهم طغيان النص المرافق في التركيز على فعل الشخصيات أكثر من اهتمامه بالحبكةِ، أي أن أفكار المسرحيات تنبع من حركة الشخصيات وردود أفعالها أكثر مما تنبع من أفكارها، وهو ما يشبه اللقطة المقربة للشخصية.

نسق العناصر شبه اللغوية

ظهر ذلك النسق كنتيجة مباشرة لغياب الحوار بل وبديلاً عنه أيضاً؛ فالنصوص لا تعتمدُ على الحوار في إنتاج الفعل المسرحي أو الدرامي، وهو ما سمح بإبرازِ المعاناة النفسية للشخصيات في صراعها مع السلطة، مثل صرخة الرجل في المسرحية الثالثة، وصوت الرصاص في المسرحيتين الأولى والرابعة، وصراخ وبكاء وعويل النساء والموسيقى الراقصة في المسرحية السابعة.

وختاماً:

فقد استعرضنا كيف شكَّلت تلك النصوص المسرحية خروجاً وانزياحاً عن النص الروائي الأصلي كونها خبراتٍ نفسيةً مصاغةً على هيئة كادرات فوتوغرافية، وفي الوقت ذاته لا تتم قراءة العمل الأصلي بالرواية إلا من خلالها كمحاولات تفسيرية تهدف إلى الاتصال المباشر بعالم القارئ.







 







294 جموح التجريب وأحزان وطن مخدوع في كل من عليها خان للسيد حافظ بقلم : أحمد محمد الشريف

  

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 294 )

 

جموح التجريب وأحزان وطن مخدوع
في كل من عليها خان للسيد حافظ
بقلم  : أحمد محمد الشريف

دراسة من كتاب

نموذجًا

التجريب ومكونات البنـي السردية في الرواية

نموذجًا

رواية " كل من عليها خان "

للكاتب السيد حافظ

جمع وإعداد

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى






جموح التجريب وأحزان وطن مخدوع
في كل من عليها خان للسيد حافظ
بقلم  : أحمد محمد الشريف



 

"كل من عليها خان " رواية جامحة تنطلق بجرأة شكلا ومضمونا نحو عالم من التجريب ، كما عودنا الكاتب السيد حافظ خاصة المسرحية في كتاباته المسرحية منذ أوائل السبعينات ، وهاهو هنا ينطلق بشكل حديث لسرد الرواية يجمع بين قوالب فنية متعددة : مابين الحكي الروائي والسرد القصصي والمشهد المسرحي والسيناريو ، والمونولوج الداخلي والشعر،... حيث يبدأ عنوان الرواية بإشراك المتلقي في اختيار العنوان الذي يراه مناسبا من وجهة نظره ، وهذا بالطبع يعمل على تحريك ذهن المتلقي ويجعله متيقظا لاستيعاب ما يقرأه بين وخلف السطور المكتوبة ، وبداية في هذا وحده تمرد على سلبية التلقي للقارئ . وربما كان هذا القالب يعتاد انتشاره في المسرح فيما يعرف بالبريختية التي تبحث دائما عن إيجابية التلقي.

تسير الأشكال المختلفة التي طرحها المؤلف في خطوط متوازية . حيث يضع كل منها في مكانه حينما يشعر أن القارئ بحاجة إلى التنوع من التيقظ والتفكير ، فيبدأ بسرد حكاية العشق الحرام بين سهر وفتحي المصري ، ويتسلل منها الكاتب إلى قصة أول خطيئة على ظهر الأرض في حكاية قابيل وهابيل ، ذلك من خلال سرد البطل فتحي المصري لروايته الجديدة التي يكتبها " مذكرات رجل يضاجع الوطن ".

وإذا ما عاد الكاتب لقصة العاشقين في مدينة اللقاء دبي ، ما يلبث أن ينطلق بنا نحو أغوار التاريخ على لسان شهر زاد صديقة سهر التي تأتمنها سرها ، واختار لها الكاتب اسم شهرزاد التي صارت رمزا للحكي من حكايات ألف ليلة وليلة حيث تحوي في خيالها الأسرار والعجائب ، لكنها هنا تنطلق بنا إلى عصر مظلم كئيب ملئ بتاريخ الفقر والمجاعة في مصر في حكم المستنصر حيث يريد الكاتب إسقاط التاريخ على الحاضر إيمانا بنظرية أن التاريخ يعيد نفسه ، مغلفا غاياته برواية عشق بين وجد والنيروزي في عصر المستنصر كمعادل موضوعي لعشق سهر وفتحي (مع ملاحظة الفارق بين الحب المشروع عند وجد والعشق غير المشروع لدى سهر) .

ومازلنا في أسلوب السرد الروائي حتى يستدرجنا الكاتب إلى أسلوب الحوار المسرحي في مشهد تولي المستنصر خلافة أبيه وهو ابن السبعة أعوام ، ثم يعود مرة أخرى للسرد بسلاسة تحافظ على استغراق المتلقي في متابعة الأحداث مما يحسب لحنكة وخبرة الكاتب ..

ثم يفاجئنا الكاتب بالتجديد في الشكل عند الانتقال بين فصول الرواية بجملة (فاصل ونواصل . لا تذهب بعيدا عن الرواية) وهو أسلوب تليفزيوني بحت يتبع غالبا في البرامج والأفلام والمسلسلات .. وكما ذكرنا من قبل نرجع أصل هذا الأسلوب في المسرح إلى البريختية التي تكسر إيهام المتلقي كي يظل متيقظ الذهن مفكرا متحفزا للتمرد والحراك الإيجابي. وهنا نسجل نقطة جديدة في طريق التجريب والتجديد للمؤلف.

ولم تتوقف مفاجآت السيد حافظ هنا ، فإنه يسارعنا بمفاجأة جديدة بفاصل قصير يتكون من مسرحية قصيرة كاملة متكاملة الأركان (وهي في حد ذاتها مسرحية تجريبية)، وهذه المسرحية لا تخرج عن السياق العام للرواية بل هي جزء أصيل ومكمل لها بما تحمله من دلالات ورموز تثير مشاعر وأفكار المتلقي ، بأسلوب مغاير يكسر رتابة السرد الروائي بشكل عام . فهو هنا بدأ في تحويل أسلوب السرد الروائي إلى أسلوب اللوحات المختلفة في شكلها الفني . ثم يعود إلى الرواية بنفس أسلوب الخروج منها بالفاصل التليفزيوني حيث يقول (عدنا إلى الرواية .. إقرأ الآن) ..

وهكذا يظل السيد حافظ يسافر بنا من شكل إلى شكل آخر بين صفحات الرواية ، حتى يتداخل معها الشعر أيضا بأشعار من تأليفه والاستعانة بأشعار لشعراء آخرين ذاكرا أسمائهم .. ولا ينسى أن يطوف بنا أيضا في جزء من مذكرات شخصية له ضمنها في شخصية فتحي المصري التي تعبر عن جزء كبير من شخصية الكاتب في سفره وحريته وآراءه وعشقه للوطن ورفضه للخيانة وبحثه الدائم عن الحق والحقيقة وجهاده نحو تحقيق وطن للشرفاء.

بين كل تلك الأشكال المتعددة استطاع الكاتب أن يعرض لنا في سياق أفكار الرواية عدة موضوعات وحدها جميعا في إطار فكري واحد ، سارت جميعها في مسارات متجاورة على مدار الرواية من أولها حتى آخرها ، وهي حكاية سهر وفتحي ، حكاية وجد والنيروزي ، قصة هابيل وقابيل ، حكاية المجاعة في عصر المستنصر، حكايات فتحي وجيرانه بالإسكندرية ، بالإضافة لموضوعات الأشعار والمسرحيات القصيرة المتداخلة في الرواية . وقد ضمن في كل ذلك أفكار الحب والعشق (لي في قلبك وردة وفي خيالك حلم وفي شعرك رحلة وفي نهديك قصيدة) وضمنها أفكار الخيانة ، خيانة الوطن فيذكر قائلا :(معظم الكتاب والنقاد الكبار يكتبون ويتحدثون كالأنبياء ويتصرفون كالخونة الأغبياء) وتناول بجرأة شديدة فساد الحاكم وجشع التجار فاضحا كبار رجال الدولة فعلى سبيل المثال يذكر على لسان ياقوتي التاجر اليهودي (خير مصر هو خيرنا نحن .. نحن الذين وهبنا أنفسنا لها .. إن المواشي كلها والدواب لدينا ونبيعها بمائة ضعف وعلينا تجفيف الحم ليكون دوما في بيوتنا نحن الأسياد) وغير خاف على أحد وليس سرا أنه يقصد إسقاط التاريخ على الواقع معلنا تمرده وثورته على الفساد في كل زمان متقمصا شخصية فتحي المصري ، حيث يقول (لم أخن الوطن مرة مثل حور محب أو على بك أبو الدهب أو السادات ، أنا لم أحمل قميص يوسف الملوث بدم كاذب للذئب ورفضت أن أغتصب مصر ليلة 5يونيو1967 مثلما فعل عامر وعبد الناصر)

و يحكي عن هموم الوطن وأنات الضعفاء وأحلام الفقراء .فيقول (هذا الوطن يغير جلده مع كل حاكم جديد .. ويغير دينه مع كل نبي .. ويغيب عقله كل مساء حتى لا يواجه نفسه هل هو حي أم ميت ؟ ونستني مصر)

فنحن هنا أمام ملحمة سياسية وتاريخية تحتاج لصفحات كثيرة بل ودراسة كبيرة متعمقة للمضمون ، لكننا وباختصار شديد جدا يجب أن نذكر أن المؤلف قد تناول تلك الملحمة بجنون الفنان الخبير الواعي ، فقد قام بكشف وتعرية كل من خان وفضح ألاعيب الكبار في كل زمان ومكان ، ففضح فساد الولاة والساسة ، وفضح جشع التجار، وطمع الحكام والمحكومين ، وخيانة المثقفين ، وتملق أصحاب الأقلام ، وتلون رجال الدين ، وخنوع العامة ، وقلة حيلة الضعفاء ، ومكر النساء ، والعشق بنوعيه الطاهر والمدنس، وتفشي الظلم والقهر والانحلال المجتمعي والسياسي والأخلاقي ، في بلد ماضيها مثل حاضرها ، وتتكرر حكاياتها في كل زمان مع تغير الشخوص ، ...

ومن الأهمية أن نلفت انباهنا أيضا لهذا التناقض الذي تناوله المؤلف بين قصتي العشق الأولي في عصرنا الحديث بين سهر وفتحي والثانية في التاريخ القديم بين وجد والنيروزي ، فلأولى تمثل العشق الحرام الذي انزلق في الخطيئة وتمادى في الخيانة ، فهذه القصة هي المعادل الموضوعي هنا لخيانةالوطن ، فكيف لي أن أسكن في وطن أعيش فيه وفي خيراته وأمشي في شوارعه وأطعم من خيراته ، آمنا مؤتمنا ، ونفس الوقت أطعنه في شرفه وأخونه ، ويوازي هذا ماحدث بين سهر وفتحي من خيانة كل منهما لشريك حياته ، ينام ويشرب ويأكل ويسكن إلى زوجه ، من ناحية أخرى يذهب لممارسة العشق والخطيئة مع جسد آخر ، فخيانة الوطن عند السيد حافظ تماثل تماما خيانة الزوج أو الزوجة والأهل ، ولعل القارئ يظن في البداية أن المؤلف متعاطف مع فتحي في هذا الأمر لكننا نكتشف بمرور الأحداث أن المؤلف قد ترك عن عمد استكمال حكايتهما ، في اعتقادي يرجع ذلك لرفضه لسلوكهما وخيانتهما ، مما أصابه بالقرف والإشمئزاز مما يفعلان .. فأهملهما مستكملا حكاية العشق الحلال والحب الطاهر بين الحبيبين وجد والنيروزي ، في اتجاه واحد مع الكفاح من أجل الوطن والعيش بشرف في زمن فسد فيه الجميع. والمؤلف عندما تقمص شخصية فتحي اندمج معها في عشق الوطن والبحث عن العدل والحق ، وفي روعة الإحساس بالحب والعشق مع سهر ، لكنه كان ينخلع من عباءة فتحي إذا ما مارس الرذيلة مع سهر ، حتى أغفلها تماما في أواخر الرواية ويهتم بما يحدث بينهما بعد ذلك .

نكتشف أن المؤلف قد أضاف لنا كما كبيرا من المعلومات عن تاريخ مصر السياسي والاجتماعي ، يكشف من خلاله الكثير من الأسرار حول الحكام والساسة في العصور السابقة وحول المؤامرات والدسائس والقهر ، فيفضح زيف التاريخ الشائع عند العامة حول بعض الحقب التاريخية .

و إذا ما تناولنا المسرحيات القصيرة المتضمنة كفواصل داخل الرواية من الناحية الفنية المسرحية. نجدها جميعها تنتمي إلى التجريب واقتحام شكلا جديدا في المسرح ، يعتمد على الإيحاء والدلالات والرموز دون التصريح أو حتى التلميح ، والبطل الأساسي فيها كلها هو اللون وليس الممثل الشخص ، وليس الكلمة ، إنما نوع جديد من المسرح يعتمد فقط على سينوجرافيا الألوان ودلالاتها ، سواء كان اللون متمثلا في الإضاءة أو الملابس أو قطعة ديكور أو أي (موتيف) على خشبة المسرح ، فينشأ الصراع الدرامي بين الألوان معبرا بالإيحاء عن طبيعة الصراع الأساسي في الرواية الأصلية . وهذا ما يحسب للكاتب من تجديد في الشكل الروائي أيضا .

كل هذا بالإضافة لكثير من الحديث والتحليل عن السرد وعن لغة الكتابة واللغة الشعرية وتحليل الشخصيات وتحليل الزمان والمكان في الرواية، بالإضافة لتحليل الموضوع ، حيث قد يكون لكل من هذه الأمور مقام آخر.

لكننا في النهاية لا ننكر أننا أمام اقتحام نحو تجريب جديد وجرأة وشجاعة للكاتب السيد حافظ في خطوات محسوبة ومدروسة نحو التجديد في السرد الروائي.


أحمد محمد الشريف






 







293 تجليات السرد وملامح الشخصيات في النص الروائي نموذجًا رواية ;كل من عليها خان; للكاتب السيد حافظ بقلم أ . سحر الجابري

  

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(  293)

 

تجليات السرد  وملامح الشخصيات
 في النص  الروائي
نموذجًا رواية "كل من عليها خان " للكاتب السيد حافظ
بقلم أ .  سحر  الجابري

دراسة من كتاب

نموذجًا

التجريب ومكونات البنـي السردية في الرواية

نموذجًا

رواية " كل من عليها خان "

للكاتب السيد حافظ

جمع وإعداد

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى







تجليات السرد  وملامح الشخصيات
 في النص  الروائي
نموذجًا رواية "كل من عليها خان " للكاتب السيد حافظ
بقلم أ .  سحر  الجابري


 

السيد حافظ ....وبما أن لا شك في ابداع السيد فلا بد من  ( فنجان شاي العصر ) ...بدل القهوة...لان طالما

 الحافظ ترك لنا حرية اختيار العنوان من أول صفحة ، فلا تحلو الحكاية ولا نستمتع بالسرد الامع فنجان شاي العصر .. هذا اختياري طبعا .. اما قبل الدخول الى عالم السرد في الرواية لابد من معرفة فنون اللغة

تتكون اللغة العربية من مجموعة متعددة من الفنون مثل القصة، الشعر، الرواية، والخاطرة، وعلى وجه الخصوص في رواية ( كل من عليها خان ) ما يرتبط بالفنون النثرية التي ليس لها علاقة بالكلام الموزون او المقفى في الشعر، اذن  الرواية السردية أحد هذه الفنون ، وتعتمد الرواية السردية على شيئين هما الحدث الرئيسي والطريقة التي يتم فيها توضيح هذا الحدث ومن ثم تسمى الك الطريقة بالسرد .. وقبل الدخول في عالم السرد في الرواية لابد من الاستشهاد ببعض المعزوفات السردية ...فيكتب الكاتب مستهلا بالاهداء الى اخي...عادل حافظ الذي كثيرا مايتصرف كالانبياء.... ثم اهداء خاص...الى امرأة ما لم المس كفها بعد. لم اشرب معها قهوة الصباح وانفاس عطرها تلاحقني بعد..ولم أحضر لها وردتي في المساء عندما تفتح لي الباب واسمعها صوت فيروز في الصباح بعد ان أقرأ لها سورة الرحمن...واسمعها ماقاله الحلاج وأرجون قبل النوم....فهنا الكاتب في الاهداء الاول شخصي الى شخص حاضر وهو عادل حافظ حصه بالاهداء وهذا اختيار المؤلف يله الاهداء الثاني وفيه تأتي الكلمات منقاة في ثلاثة او أربعة سطور بجمل موزونه تغنى بالمرأة والقهوة وفيروز واستشهد بالحلال كقيمة شخصية عامة واسع الانوار. فمعنى ذلك أن المؤلف يصرح بأنه يهدي كتابه الى هذه او تلك سواء كان الاهداء معنويا او ماديا رغم أنها شخصية ترميزية ذات احتمالين اما عشيقته او غاية في نفس الكاتب ...فغالبا ما يرد الاهداء عند السيد حافظ هكذا لأكثر من شخص وغالبا مايرد الاهداء واضحا اي انه مرسل من الكاتب السيد حافظ الى الشخص بعينه.... فلا بد هنا من توضيح مفهوم السرد والبناء .. البناء الذي هو نقيض الهدم ،فيقول الكاتب (    كانت تحاصرني مدن نساء متآكله الاحلام  والرغبة والجنون ..انهض من نومي كل صباح مع قهوتي ...اكتشف اني لم المس جسد نساءعبقريات منذ وقت ليس ببعيد ...الحب يسكن في دير قلبي وحيدا ....وانني جزء من نور الحب المقدس   هكذا هو البناء السردي في نصوص الكاتب السيد حافظ نموذجا ( كل من عليها خان)  هو نسيج محكم من العناصر المكونه له مثل ( الحدث ، والشخصيات ، والزمان ، والمكان ) ومن خلال هذه العناصر تتتابع الاحداث تتابعا سببيا في سلسلة من الاحداث والافعال الصادره من الشخصيات أو مواقف تقع فيها تلك الشخصيات وتفاعلها مع بعضها ليصل فيها المتلقي او القارئ الى الحاله الشعورية التي يريد الكاتب ايصالها .. ويعتبر البناء هو بمثابة الاساس في كل رواية وداخل اطار هذا البناء يقع السرد الذي هو تقدمة شئ الى شئ يأتي به الروائي متسقا بعضه في  اثر بعض متتابعا .. ويقال سرد الحديث ونحوه يسرده سردا اذا تابعه .. والبناء السردي قائم على بنية خطاب متتبع ومقصود وتوافر فضاء تتحرك فيه شخصيات  تنتج احداثا في زمن ما وفق رؤية وحوار ما ... وللسرد ثلاثة انواع

السرد المتسلسل وهو اسلوب غالبا ما نجده في الروايات التاريخية التي توثق احداث مؤرخة تتسلسل بصورة ادبية متتابعة ومؤرخه فلا يستطيع الكاتب ان يقدم او يؤخر حدث

يقال بأن ناصر خان جاء الى سمر قند من أجل تفتيش الجند كان يعتقد بان جيش السلاجقة سيقومون بمهاجمتهم ما ان تخف حرارة الجو في نهاية الصيف .. الخيام كان على معرفة بالسلاجقة منذ صغره ..يذكر ان المقاتلين السلاجقة حاصروا نيشابور قبل ان يولد عمر الخيام بعشر سنين .... ص122

النوع الثاني هو السرد التناوبي وهو سردعدة قصص في وقت واحد عن طريق قفزات بين قصة واخرى فيبدأ بواحدة وينتقل الى اخرى وهذا ما تفرد به الاستاذ الحافظ في سباعيته وفي معظم اجزاءها

المكان في البيت

غرفة المكتب جلس فتحي رضوان خليل يكتب روايته الجديدة .. مذكرات رجل يضاجع الوطن والتاريخ

الفصل الاول ..

لما هبط ادم وحواء من الجنة وافترق عن حواء ولقيها في عرفات ذلك الموضع فعرفها وعرفته وانتقلا الى مصر ... ص 23

انتقل الحافظ هنا في السرد من منزل فتحي الى قصة ادم في رواية فتحي وتتناوب احداثها السردية وقصة ادم وقتل قابيل لاخيه هابيل تستمر وتتناوب الاحداث وسردها الى اخر الرواية.. تتناوب احداث الرواية في عدة قصص وقفزات دون التقيد بأي قيود أو مساحة معينة لكل قصة ..

سهر تسأل شهرزاد ( احكي لي عن روحي الرابعة ،  وجد ، وثورة النسوان في عهد المستنصر بلله

شهرزاد .. سأحكي اليوم البداية .. كان ياما كان روحك الرابعة في جسد بنت تسمى وجد ص 41 وتدخل الرواية بقصة جديدة .. وجد ونيروزي .. ليبدع هنا السيد في تداخل القصص بالتناوب دون ان يتقيد بزمان ولا مكان ولامساحة معينه فيدخل المتلقي في حالة من الشغف لجمع خيوط الاحداث والوصول الى معرفة الحدث الأهم ، ويتناوب كذلك في  تغيرالأطرالخارجية لكل قصة من الدينية الى الاجتماعية الى التاريخية .. ( مصر تعاني من غياب العدالة .. فقد ولد المستنصر بن الظاهر ب لله بن الحاكم بأمر لله .. تولى الخليفة المستنصر حكم مصر سنة 1035 م / 427 هجرية بعد وفاة الظاهر وكان يبلغ من العمر 7 اعوام ص 41

النوع الثالث السرد المتقطع  : هو نظام سردي لايعتمد على زمن ثابت للسرد أو تسلسل منطقي زمني للحدث ، نجد هذا الاسلوب عند السيد مميزا في أحداث الرواية  وكأنه يبدئها من المنتصف ويعود بنا مرة اخرى الى حدث البداية ليبقى القارئ على خط سير القصة بصورة مشوقة جامعا احداثها بأسلوب سردي متقطع

تهاني زوجة فتحي رضوان تسأله

مش حتنام ؟

لم أرد ، وجدتني اذهب الى مكتبتي الصغيرة وأجلس وأقرأ .. (خُلع عباس الثاني من الحكم وتولى الامير حسين كامل وتوفى 1917 وتولى احمد فؤاد الاول حكم مصر وساق المصريين قسرا الى الميدان الشرقي للقتال ، مليون ونصف فلاح مصري لمعاونة جيش الحلفاء ) ص 138 في مشهد سردي متقطع ، من غرفة تهاني الى حكم مصر ... نجده هنا غير محكوم بزمان ولامكان .

أما عن سرده من خلال الشخصيات نجده قد وزع الحوارات بشكل فني وبناء هندسي انيق يجعل القارئ يغوص في تحليل مكنونات كل شخصية سواء كانت الشخصية مركزية وتتمحور حولها الاحداث ، أو ثانوية ، وهذا مايبحثه عبد الملك مرتاض في دراسته (بحث تقنيات الكتابة الروائية ) يقول : لايمكن ان تكون الشخصية المركزية لولا الشخصيات العديمة الاعتبار فكما الفقراء هو الذين يصنعون مجد الاغنياء فكان الامر كذلك ها هنا في العمل الروائي .. يعني هنالك شخصيات رئيسية وثانوية ولايمكن فصل الشخصيات الرئيسية عن الثانوية

الشخصية اذن هي مفتاح العمل الروائي لاشك ، وهي تؤثر في سير الاحداث وفي اسلوب الروائي وهي اطار يؤطر احداث الرواية منذ بدايتها الى اخر عبارة فيها وهي اداة ووسيلة الروائي للتعبير عن رؤيته ،  ومن الناحية الفنية هي الطاقة الدافعة التي تتحلق من حولها كل عناصر السرد

فتحي رضوان شخصية محورية في الرواية واختارها السيد الحافظ مختبرا للقيم وصراع الذات .. يختزن في عقله  الفضيلة والخطيئة ويعيش صراعا عاطفيا واجتماعيا وسياسيا .. علاقته بسهر المتزوجة صراع بين عشق مقدس ومدنس

رن جرس الهاتف كانت الثانية عشره ليلا

الو ..

فتحي ؟

سهر !

الصبح بشوفك على باب الفندق راديسون ساس

مينفعش

لا ينفع

اغلقت السماعة .. الفندق يعني اللقاء .. يعني ان نمارس الغرام ص 144

صراعه مع ذاته ...

وأسأل نفسي هل انا رجل صالح  وكيف اكون هذا وانا اضعف امامك الانثى الجميلة وأذوب وأخبئ نفسي في رزانة وحكمة مصطنعه وأمنع نفسي من التصريح والبوح ، كيف اكون صالحا وانا أغادر منطقة الفضيلة الى المجون وأصير المجنون اذا ماوجدت فرصة للخلوه بها تلك التي اضعف من جمالها ... وكيف اكون صالحا في بلد كل من عليها خان ؟ ص 295 (آه يا أيها الجوع الكافر الذي حكم مصر...يا بلادي آآآه...! ويشتد الجوع...يا قلبي الموجوع بمصر الجوعى....ومازال الكاتب يسرد لنا أنواع الصراعات مع القلب والمعدة مع الجوع والمشاعر وغيرة الزوجة على زوجها فتحي رضوان يعيش

صراع أجتماعي مع زوجته تهاني وكيف يعيش معها في ازدواجية المشاعر

سياسيا صراعه ينعكس على مقالته في الجريدة فيكتب عن الوطن وكيف خذله وأجبره على الهجرة من اجل العيش الكريم لاغير ..

سؤال يبدة ساذجا وعبيط .. هل انا حي أم ميت في هذا البلد .. انا فتحي رضوان خليل لم احلم بكتوز قارون.. وعمر نوح ..وصبر ايوب .. امضيت العمر في الشقاء وارى الدنيا نثل تار أبراهيم ولونها وبردها .. ص 21 وهكذا تتداخل الشخصيات في السرد من المركزية الى الثانوية وينقل لنا الحافظ التاريخ وشخصياته وتعقد علاقاته على شكل حوار روائي مبدع وليس بمنطق المؤرخ او المحقق .. ينقله من خلال شخصية شهرزاد التي اعتبرها أنا هنا شخصية مرجعية  تنقل لنا تاريخ مصر من خلال قصة وجد الروح الرابعة لسهر ونيروزي القادم من بلاد فارس ،  وتاريخ مجاعة مصر والشده المستنصرية في القاهره عام 1065م

أرتشفت شهرزاد رشفة من فنجان الشاي ثم اكملت الحكاية بعد ألحاح سهر وقالت

كان ياماكان في سالف العصر والأوان بنت اسمها وجد وأبوها كان حلاقا وكان ماهرا وأسمه عمار وتلك هي الحكاية من البداية ص 48 شخصية شهرزاد المرجعية تساهم وفي حد كبير في شد القارئ الى الرواية من خلال سردها لسهر حكاية روحها الرابعة ومن خلال علاقتها بباقي الشخصيات حيث كان لها حضور في الرواية ومرجع للاحداث التاريخية .. كل شخصية في الرواية كان لها دور في أحداث فارق كبير في تغيير سير الاحداث حتى اخر سطر في الرواية .. رواية بهذه الصفات هي موسوعة تاريخية واجتماعية .. بأحداث ووقائع  شديدة الألتصاق بالواقع يسرد لنا الحافظ الرواية وبأسلوب الخيال المنفلت من كل قيد وبتركيب تتجلى فيه مهارة الكاتب وجمال اسلوبه وجودة السياق وخلاصة الكلام ، ومن خلال دمج حكاية في حكاية وتفريع قصة من قصة يسرد القصص والحكايا على نمط يجعل كل حكاية قائمة بذاتها وبأسلوب مبسوط العبارة يقول محمود تيمور في ( دراسات في القصة والمسرح ) :

"أن القصة روح قبل أن تكون مظهرا وفكرة .. قبل ان تكون حادثة .. وأن روح القصة الحية وفكرتها الصميمية يجب أن تكون قبسا من الانسانية "

والحافظ هنا يضفي نورا وألقا من روحه على كل حرف في الرواية.. تلك حكاية وجد قصة الروح الرابعة التي لا يعرف قبرها هل في مصر أم هناك في خراسان....؟؟؟

أ. سحر  الجابري






 







Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More