منذ أكثر من نصف قرن، كتبتُ أولى صرخاتي على خشبة المسرح: "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى"، وكانت تلك العبارة المفتاحية التي قرعت أجراس المسكوت عنه، وفتحت بابًا لعالمٍ لم يكن يعترف إلا بما يُرضي السلطة، أو يُرضي الغفلة.
منذ ذلك الحين، وأنا أكتب على الحد الفاصل بين الجرح واليقظة، بين السؤال والتمرّد، بين المسرح والحياة.
خضتُ معارك التجريب في المسرح، ثم في الرواية، وها أنا الآن، في لحظة تأمّل لا تخلو من القلق، أفتح نافذة جديدة:
الرواية الشعرية المكثفة ليست قصيدة، وليست رواية تقليدية، ليست نثرًا عابرًا، ولا بوحًا اعتباطيًا، بل هي محاولة لكتابة الحياة من قلب الشعر، ومن هوامش الحلم، ومن حواف اللغة التي لا تهدأ.
هذا المشروع، "عمّا يشبه الشعر"، ليس مجرّد تجريب ثالث، بل هو ذروة المراكمة الإبداعية التي بدأت منذ أول جملة كتبتها، وكنتُ أعرف أنها ستُفجّر الصمت.
الرواية الشعرية المكثفة هي نصّ لا يُلخّص، ولا يُدرّس، ولا يُؤرشف بسهولة. إنها مقاومة.
كتابة ضد المحو. ضد الترويض. ضد الاستهلاك.
لقد تعبت، نعم. لكنني لم أتنازل، ولم أساوم، ولم أزفّ الأكاذيب للقراء.
وقفتُ دائمًا ضد التنميط، وضد البهرجة الفارغة، وضد "تجّار التجريب" الذين يرفعون رايته فقط حين تُدرّ الجوائز.
هل سيحاربونني للمرة الثالثة؟
ربما، لكنهم لا يعرفون أنني، في كل مرة، أخرج من تحت الركام بنصّ جديد، بفكرة جديدة، برغبة لا تموت في أن أكتب لأفهم... لا لأُرضي.
إلى القارئ الذي ما زال يبحث عمّا يشبه الحقيقة، إليك هذا المشروع – ربما لا يشبه الرواية، ولا يشبه الشعر، لكنه يشبهني.
ويشبهنا... نحن الذين ما زلنا نكتب رغم كل شيء.
حين تتداخل الأجناس ويعلو الصوت، حين يشتدّ الضيق بالعالم، وتصبح الأجناس الأدبية أقفاصًا جاهزة، وحين تفقد القصيدة صوتها وسط الزخارف، وحين تتضخّم الرواية وتتورّم بالوصف الزائف، كان لا بدّ من كتابةٍ تشبه الحياة... لا الشعر وحده، ولا الرواية وحدها.
هكذا وُلد هذا المشروع: رواية شعرية مكثفة، أو ما أحبّ أن أسمّيه "عمّا يشبه الشعر".
ليس الغرض تجريب الشكل، بل إنقاذ المعنى.
ليس الهروب من النوع، بل تحرير النصّ.
فمن قال إن الشعر لا يكون سيرة؟
ومن حرّم على الرواية أن تكون رؤيا؟
ومن ادّعى أن الحديث مع الله، والنداء على "رشا"، والبكاء في شوارع الإسكندرية، ليس شعرًا لأنه لا يُوزن؟
كتبتُ هذه النصوص وأنا في قلب المرض، وفي أقصى مراحل التأمل.
كتبتها كما لو أنني أودّع الحياة، أو أستقبلها بعد غيبوبة.
ليست هذه قصائد، وليست فصول رواية، هي مقاطع من ذاتٍ مشروخة، تبوح بكلّ ما لم يُسمح لها بقوله، في زمن الصمت، والنفاق، والتطاول على الشكل.
لم أعد أؤمن بأن هناك "نصًّا نقيًّا"، بل أؤمن بالنصّ الصادق، الذي يخلط الاعتراف بالشطح، والشهادة بالرؤيا، والألم بالحب.
جسّدتُ في هذه الرواية الشعرية تجربة تكسير القالب، لا من أجل الحداثة، بل من أجل الصدق.
جعلتُ من كل مقطع محطة:
مرة يعلو فيها صوت الله،
ومرّة صوت الإسكندرية وهي تخنقك،
ومرّة صوت الحبيبة وهي تخون،
ومرّة صوت الفنان الثائر،
ومرّة صوت الأب المفلس في وجه العالم.
قد لا يدرك هذا العالم بعدُ ما أحاوله، وقد لا يُصنّف هذا العمل بسهولة، لكنني أكتب ليبقى الصوت، لا الشكل.
الصوت الذي يشبهني...
ويشبه جيلًا كاملًا مات واقفًا... ولم ينصفه أحد.
السيد حافظ
لقراءة أو تحميل الكتاب كاملا من احد الروابط التالية:
منذ أكثر من نصف قرن، كتبتُ أولى صرخاتي على خشبة المسرح: "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى"، وكانت تلك العبارة المفتاحية التي قرعت أجراس المسكوت عنه، وفتحت بابًا لعالمٍ لم يكن يعترف إلا بما يُرضي السلطة، أو يُرضي الغفلة.
منذ ذلك الحين، وأنا أكتب على الحد الفاصل بين الجرح واليقظة، بين السؤال والتمرّد، بين المسرح والحياة.
خضتُ معارك التجريب في المسرح، ثم في الرواية، وها أنا الآن، في لحظة تأمّل لا تخلو من القلق، أفتح نافذة جديدة:
الرواية الشعرية المكثفة ليست قصيدة، وليست رواية تقليدية، ليست نثرًا عابرًا، ولا بوحًا اعتباطيًا، بل هي محاولة لكتابة الحياة من قلب الشعر، ومن هوامش الحلم، ومن حواف اللغة التي لا تهدأ.
هذا المشروع، "عمّا يشبه الشعر"، ليس مجرّد تجريب ثالث، بل هو ذروة المراكمة الإبداعية التي بدأت منذ أول جملة كتبتها، وكنتُ أعرف أنها ستُفجّر الصمت.
الرواية الشعرية المكثفة هي نصّ لا يُلخّص، ولا يُدرّس، ولا يُؤرشف بسهولة. إنها مقاومة.
كتابة ضد المحو. ضد الترويض. ضد الاستهلاك.
لقد تعبت، نعم. لكنني لم أتنازل، ولم أساوم، ولم أزفّ الأكاذيب للقراء.
وقفتُ دائمًا ضد التنميط، وضد البهرجة الفارغة، وضد "تجّار التجريب" الذين يرفعون رايته فقط حين تُدرّ الجوائز.
هل سيحاربونني للمرة الثالثة؟
ربما، لكنهم لا يعرفون أنني، في كل مرة، أخرج من تحت الركام بنصّ جديد، بفكرة جديدة، برغبة لا تموت في أن أكتب لأفهم... لا لأُرضي.
إلى القارئ الذي ما زال يبحث عمّا يشبه الحقيقة، إليك هذا المشروع – ربما لا يشبه الرواية، ولا يشبه الشعر، لكنه يشبهني.
ويشبهنا... نحن الذين ما زلنا نكتب رغم كل شيء.
حين تتداخل الأجناس ويعلو الصوت، حين يشتدّ الضيق بالعالم، وتصبح الأجناس الأدبية أقفاصًا جاهزة، وحين تفقد القصيدة صوتها وسط الزخارف، وحين تتضخّم الرواية وتتورّم بالوصف الزائف، كان لا بدّ من كتابةٍ تشبه الحياة... لا الشعر وحده، ولا الرواية وحدها.
هكذا وُلد هذا المشروع: رواية شعرية مكثفة، أو ما أحبّ أن أسمّيه "عمّا يشبه الشعر".
ليس الغرض تجريب الشكل، بل إنقاذ المعنى.
ليس الهروب من النوع، بل تحرير النصّ.
فمن قال إن الشعر لا يكون سيرة؟
ومن حرّم على الرواية أن تكون رؤيا؟
ومن ادّعى أن الحديث مع الله، والنداء على "رشا"، والبكاء في شوارع الإسكندرية، ليس شعرًا لأنه لا يُوزن؟
كتبتُ هذه النصوص وأنا في قلب المرض، وفي أقصى مراحل التأمل.
كتبتها كما لو أنني أودّع الحياة، أو أستقبلها بعد غيبوبة.
ليست هذه قصائد، وليست فصول رواية، هي مقاطع من ذاتٍ مشروخة، تبوح بكلّ ما لم يُسمح لها بقوله، في زمن الصمت، والنفاق، والتطاول على الشكل.
لم أعد أؤمن بأن هناك "نصًّا نقيًّا"، بل أؤمن بالنصّ الصادق، الذي يخلط الاعتراف بالشطح، والشهادة بالرؤيا، والألم بالحب.
جسّدتُ في هذه الرواية الشعرية تجربة تكسير القالب، لا من أجل الحداثة، بل من أجل الصدق.
جعلتُ من كل مقطع محطة:
مرة يعلو فيها صوت الله،
ومرّة صوت الإسكندرية وهي تخنقك،
ومرّة صوت الحبيبة وهي تخون،
ومرّة صوت الفنان الثائر،
ومرّة صوت الأب المفلس في وجه العالم.
قد لا يدرك هذا العالم بعدُ ما أحاوله، وقد لا يُصنّف هذا العمل بسهولة، لكنني أكتب ليبقى الصوت، لا الشكل.
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح السيد حافظ
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة محمد لمين دباغين – سطيف 2
كلية الآداب والفنون
قسم اللغة والأدب العربي
أطروحة الدكتوراه
الشعبة: دراسات أدبية
التخصص: أدب عربي حديث ومعاصر
إعداد الطالبة:
ريمة بن عيسى
عنوان الأطروحة:
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح السيد حافظ -
المشرفة(ة): أ. د. ليلى بن عائشة
الجامعة: المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري
---
أعضاء لجنة المناقشة:
الاسم واللقب الرتبة الجامعة الصفة
حسين تيروش أستاذ التعليم العالي جامعة محمد لمين دباغين - سطيف 2 رئيسًا
ليلى بن عائشة أستاذ التعليم العالي المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري - برج الكيفان - الجزائر مشرفًا ومقرّرًا
حياة دريوش أستاذ محاضر – أ – جامعة محمد لمين دباغين - سطيف 2 ممتحنًا
علي بخوش أستاذ محاضر – أ – جامعة سكيكدة ممتحنًا
رابح بوشباب أستاذ محاضر – أ – جامعة محمد لمين دباغين - سطيف 2 ممتحنًا
عبد الحميد حلالة أستاذ محاضر – أ – جامعة عباس لغرور – خنشلة ممتحنًا
---
السنة الجامعية: 2024-2025
أطروحة دكتوراه حول "مسرحة التراث" في تجارب السيد حافظ بجامعة سطيف 2
شهدت كلية الآداب والفنون بجامعة محمد لمين دباغين - سطيف 2، مناقشة أطروحة دكتوراه متميزة في الأدب العربي الحديث، تناولت بالدراسة والتحليل أعمال الكاتب المسرحي المصري السيد حافظ، أحد أبرز المجددين في المسرح العربي.
الأطروحة الموسومة بـ "مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية – قراءة في مسرح السيد حافظ"، أعدتها الباحثة ريمة بن عيسى، وأشرفت عليها الأستاذة الدكتورة ليلى بن عائشة من المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، برج الكيفان – الجزائر.
ناقشت الدراسة كيفيات توظيف التراث العربي في المسرح من خلال تجربة السيد حافظ، الذي يعد من أبرز روّاد هذا الاتجاه، حيث استطاع أن يُعيد صياغة الرموز والأساطير والنصوص التراثية في بنى درامية معاصرة تخاطب الوجدان العربي الراهن.
تكوّنت لجنة المناقشة من نخبة من الأساتذة من جامعات جزائرية متعددة، وترأسها الدكتور حسين تيروش، وشارك فيها كل من الأساتذة: حياة دريوش، علي بخوش، رابح بوعشاب، وعبد الحميد حلالة، الذين أشادوا بجهد الباحثة العلمي ورؤيتها النقدية.
وتأتي هذه الدراسة كإضافة نوعية للمكتبة المسرحية العربية، خصوصًا في ما يتعلق بجهود السيد حافظ في المزج بين التراث والمسرح الحديث، وإسهاماته في تكوين هوية مسرحية عربية واعية بالذاكرة والتاريخ.
السنة الجامعية: 2024-2025
مقدمة
تعد الفنون أحد أصناف الثقافة الإنسانية، وجزءا لا يتجزأ من ثقافة الأمم، فهي نتاج الإبداع الإنساني النابع من أعماق الذات التي تضفي لمستها الفنية الفاعلة والمفكرة والصانعة للجمال؛ فالفنون ككل إنتاج لأشكال ممتعة مؤثرة، وجاذبة تجتمع فيها كل جوانب الإبداع والتعبير والتمثيل كونها تنقسم إلى عدة أنواع منها: الفنون التشكيلية كالرسم، النحت العمارة، فن الكتابة والخط التصميم والفنون التطبيقية (الزخرفة الديكور، صناعة الأثاث الخزف صناعة الحلي، تصميم الأزياء والفنون الأدائية ) كالموسيقى، الشعر الغناء، الأوبرا السينما والمسرح)، إذ يعد هذا الأخير أبا الجميع الفنون؛ كونه مجموعة تجارب تعكس واقع مجتمع ما ومستواه الفكري والثقافي والاجتماعي في قالب تأليفي يتميز بالانسجام والتفاعل بين مختلف المكونات المسرحية.
يحمل المسرح بوصفه صورة مرئية متسقة العناصر نصا وعرضا، رسالة فنية وثقافية تعليمية هادفة، فهو من بين الفنون الإنسانية، التي احتفى به الإغريق القدماء فمنحوه كل طاقتهم الإبداعية تأليفا وتمثيلاً، ولا يزال فنا جماعيا تكامليا يشهد مواجهة حية بين الممثل والجمهور، هذه العلاقة التفاعلية بين هذين الأخيرين حققت مضامين فكرية وجمالية خاصة من ناحية العرض المسرحي القائم على التشكيل البصري السمعي المتناغم والمتجانس في منظومة العرض الركحي، ومنه جاء المسرح ليكون قراءة واعية للمواقع باستخدامه عدة عناصر وتقنيات إبداعية أسهمت في تشكل الكتابة المسرحية العربية، فمنطلق الإبداع هو الواقع يتشكل منه، ويتجاوزه في الوقت نفسه.
اللافت للانتباه أن هذا الإبداع لم يكن وليد الصدفة، بل له مرجعيات فكرية، أدبية ثقافية، فلسفية تاريخية وتراثية، عدت لبنة أساسية في التأثيث المسرح عربي أصيل فكان التراث ركيزة قويمة، ومصدرا رئيسا للإبداع الفكري والحضاري، وهذا الإبداع لا يتحقق إلا من خلال تفاعل المسرح مع التراث.
لقراءة أو تحميل الكتاب كاملا بصيغة PDF اتبع أحد الروابط التالية :
أطروحة دكتوراه بجامعة سطيف 2 تستكشف مسرحة التراث في أعماله المسرحية
في مبادرة علمية تعكس اهتمام الجامعة بالمسرح العربي وقضاياه الفكرية والجمالية، تستعد كلية الآداب واللغات بجامعة سطيف 2 - بالجزائر لاحتضان مناقشة أطروحة دكتوراه تسلط الضوء على تجربة الكاتب والمسرحي المصري السيد حافظ، وذلك يوم الاثنين 23 جوان 2025 على الساعة 17:00 مساءً بقاعة المناقشات الكبرى (3000 مقعد).
الباحثة ريمة بن عيسى تتناول في أطروحتها، التي تقدّمت بها لنيل شهادة الدكتوراه في أدب عربي حديث ومعاصر، موضوعًا بعنوان:
"مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية – قراءة في مسرح السيد حافظ"
وتحاول من خلاله الغوص في الأنساق الجمالية والمرجعية التي استند إليها السيد حافظ في تحويل التراث العربي إلى مادة درامية حيوية، قادرة على التفاعل مع الواقع وتحديات العصر، دون أن تفقد بعدها التاريخي والروحي.
لجنة المناقشة تتكوّن من:
د. حسن تيوين – رئيسًا
د. ليلى بن عائشة – مشرفة ومقررة
د. رابح ذياب، د. عبد الحميد حدادة، د. علي كروش، ود. حياة قيرون – أعضاء
يوفر لنا حقل الدراسات الثقافية ( Cultural Studies ) فرصة للإجتهاد حول إعادة فهم شخصية المثقف وطبيعة إنتاجه الثقافي وعلاقته بالبنية الإجتماعية، فإذا كانت الأيديولوجيا بوصفها مظهراً من مظاهر الثقافة تمثل نسقاً يتمظهر في البنية الأساسية لأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، فإن المثقف الذي يتبنَّى أيديولوجيا ما يكون بالضرورة مثقفاً نسقياً لأنه يخضع في إبداعه العام لنسقية تلك الثقافة فضلاً عن دفاعه المستمر عنها، وبالنتيجة فإن الذي لا يتبنى تلك الأيديولوجيا لأنها تمثل نسق السلطة بأشكالها المتعددة ( سياسية، إجتماعية، دينية، ثقافية ) فإنه يكون مثقفاً غير نسقي. وعلى هذا يكون ( المثقف اللانسقي ) هو من يعمل خارج نسقية السلطة لأنه يؤمن بالتحرر من سلطة الأيديولوجيا وفكرة الهيمنة ( Hegemony ) في خطابها على حدِّ تعبير غرامشي.
إن المثقف اللانسقي يُعدَّ حالة إستثنائية في الثقافة العربية لأنه – وظيفياً – يكون خارجاً عن نسق السلطة في إبداعه، وحركته، وفعله، ومواقفه، والى هذه الصورة ينتمي الكاتب المسرحي المصري ( السيد حافظ ) الذي يغادر نسقية السلطة بدءاً من إبداعه المسرحي، ومروراً بفعله العضوي في المجتمع، وإنتهاء بمواقفه الجريئة والمعلنة في كل ما حوله.
تبدأ لا نسقية السيد حافظ من مغامرة الكتابة لديه التي تتوزع على ( المسرح، القصة، الرواية، الدراما الإذاعية والتلفزيونية، المقالة الصحفية)، فضلاً عن الممارسة العملية في فعل الإخراج وتأسيس الجماعات المسرحية التجريبية المنفلتة من نسقية المؤسسة المسرحية الرسمية. وهذه اللانسقية تذهب صوب ( التجريب Experimentation ) الذي يوفر له فرصة المغايرة مع خطابات السلطة القائمة، سواءاً كانت هذه السلطة ممثلة بسلطة الثقافة نفسها عبر الشكل المسرحي القار الذي يمارس نسقية إجناسية تفرض على الكاتب المسرحي إقتفائها، أو كانت سلطة الأيديولوجيا التي تُروِّج لها المؤسسة المسرحية الرسمية المرتبطة بخطاب الدولة بوصفها مالكة لوسائل الإنتاج الثقافي.
إن تجريبية السيد حافظ ولا نسقيته يتعاضدان لينتجا للثقافة العربية نصوصاً إبداعية ملغومة بالإشكاليات البنيو – رؤيوية لأنهما يفرضان وجودها بدءاً من العتبات النصيِّة الأولى أو ما يسمى في التصور السيميائي بالعناوين أو العنونة (titrologie ) حيث تبدو اللانسقية في العنوان في معظم تلك النصوص ( مثال : كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى، هم كما هم ولكنهم ليس هم الصعاليك ) وهذه الغرابة واللانسقية تمتد لكل مفاصل النص بوصفه خطاباً خارجاً عن نسقية خطابات سلطة الجنس الأدبي والفني الذي هو – بالضرورة – تمثيل لخطاب سلطة المؤسسة المسرحية الذي يتكئ على المرجعية النسقية لخطاب السلطة السياسية أو الإجتماعية أو الثقافية أو الدينية بدء من إختياره لثيماته المميزة التي تهدف إلى الكشف عن ( القاع ) بوصفه الحقيقة الهامشية والمُغيبة في خطابات السلطة، فالقاع هو الفضاء المسكوت عنه الذي يختزن الحقيقة الفعلية التي تغطيها جماليات خطابات السلطة، وبالتالي فإن السيد حافظ يشتغل في الأنساق المضمرة في تلك الخطابات التي لا تُصرِّح بها خطابات السلطة، ويبرز ذلك بشكل واضح في تعامله مع التاريخ والتراث بشكل واضح في نصوصه الإبداعية، إذ أنه يغادر الرواية الرسمية للتاريخ أو التراث التي يرويها مؤرخو السلطة، ويشرع في الحفر الأركيولوجي في التاريخ المنسي والمهمَّش الذي يقابل ذلك التاريخ الرسمي المزيف. فيعمل على إخراج الشخصية التاريخية أو التراثية من الصورة النمطية ( Stereotype ) التي رسمتها خطابات السلطة مانحاً إياها تصورات جديدة مغايرة لتلك النسقية ( مثال : شخصية الحاكم بأمر الله، في مسرحية ” حلاوة زمان ” ) مُعرِّياً في الوقت ذاته التاريخ الرسمي. ولا يقتصر ذلك فقط على الشخصية التاريخية أو التراثية، بل يتعداه أيضاً إلى الشخصيات المعاصرة عبر فضح نسقية خطابات المؤسسات السلطوية بتمظهراتها المتعددة ( الحكومة، المجتمع، رجال الدين، المثقفون، الأثرياء، العائلة، المهنيون ، … الخ ) .
يخرج السيد حافظ أيضاً من نسقية اللغة بوصفها خطاباً سلطوياً ، فاللغة مؤسسة ثقافية لها نظامها القائم الذي يفرض على المثقف التعامل معه على وفق شروط محددة تجعل من منطق الهيمنة هو السائد في علاقة المثقف بلغة التعبير لديه، وهذا الخروج من نسقية اللغة بوصفها أداة التعبير الرئيسة يتخذ في نصوصه أشكالاً مختلفة تبدأ من إستعمال المحكي اليومي ( اللهجة العامية ) في العديد من تلك النصوص، وتمر بفعل المزاوجة بين العامية واللغة الفصيحة، وتنتهي بإستعماله للغة الفصيحة الخالصة. وفي كل مرحلة من تلك المراحل تعتمد نصوصه على آليات لغوية تتجنب الوقوع في نسقية اللغة بوصفها سلطة، فاللجوء إلى العامية في نصوص الصغار والكبار على حدٍّ سواء إنما لإيمانه أن العامية تمثل اللغة غير الرسمية للناس غير الرسميين ( عامة الشعب ) بإزاء اللغة الرسمية للناس الرسميين ( الحكومة ومن يرتبط بمؤسساتها )، وهو يلجأ إلى المزاوجة بينهما لأن شكل الصراع في بعض نصوصه يفرض عليه هذه المزاوجة بين الرسمي وغير الرسمي لتحقيق ضرورات فنية وفكرية تدفع بذلك الصراع إلى التكشف والوضوح. وحتى في إستخداماته للغة الفصيحة الخالصة في نصوص أخرى فهو يتجنب الوقوع في نسقية اللغة وسطوتها عبر اللجوء إلى المزاوجة بين لغة الشعر والنثر والتعابر الأسلوبي والبلاغي بينهما ليكوِّنا لغة لا نسقية تنفرد بها خطابات السيد حافظ المسرحية. وهذا الحال ينطبق على تعامله أيضاً مع العناصر الدراماتيكية الأخرى في نصوصه مثل الزمان والمكان.
بقي أن نقول : “أن لا نسقية السيد حافظ سعت إلى إيجاد مؤسسة بديلة للمؤسسة الرسمية عبر تأسيسه لعدد من الجماعات المسرحية التجريبية المستقلة التي هدفت في حركتها الإبداعية إلى إيجاد خطابات لا نسقية إنتاجاً وإبداعاً، فضلاً عن تأسيسه مؤسسة ( رؤيا ) التي صرف عليها من ماله الخاص في سعي دونكيشوتي لتكوين سلطة ثقافية لا نسقية خارج سلطة الثقافة النسقية السائدة في بلاده” ، الأمر الذي يدفعنا إلى القول : “أن تجربة السيد حافظ في الانفلات من سلطة المؤسسة الرسمية وخطاباتها الأيديولوجية يفتح لنا الباب في تكرار التجربة لأنها أسفرت عن أنموذج للمثقف اللانسقي في البلاد العربية.
لا أتوقع شيئًا من هذا الوطن. لم يمنحني وظيفة، فسافرتُ إلى الكويت. ١٩٧٦.. منحتني الكويت وظيفة، وسيارة، وفرصة للكتابة للتلفزيون، والإذاعة، والمسرح.
وعُدتُ من الكويت بعد عشر سنوات، وتقدمتُ بطلب وظيفة إلى فاروق حسني. فأرسل الطلب إلى إدارات الوزارة، فلم توافق إدارة واحدة على تعييني. بل قابلني أبو العلا السلاموني، وقال لي: «طلبك حوَّله الوزير لكل الإدارات، وأنا اقترحت عقدًا لك مؤقتًا بمائة وعشرين جنيهًا (1990)»… وضحك.
لا أتوقع معاشًا استثنائيًا من هذا الوطن. طلب أحد النقباء الشرفاء من الوزيرة منحي معاشًا، فرفضت.
لا أتوقع سكنًا من هذا الوطن، ولا مدفنًا. وحين طالبتُ بعلاج زوجتي، رفضوا فسافرتُ إلى الإمارات. أعطتني وظيفة مدير تحرير مجلة الشاشة ومجلة المغامر. وحين تعثرتُ، تدخَّل الشيخ سلطان القاسمي بمعاونة أشرف زكي ونور الشريف، وفكَّا مشكلة شيك إيجار مؤجَّل. وحين عدتُ من الإمارات مفلسًا، لم تفعل أي جهة أي شيء. كنت أبحث عن الله في شوارع الجيزة والقاهرة والهرم، ولم أتوقع شيئًا من مصر… فالوفاء في مصر نادر، والوطن غائب و"عايب".
حتى النساء الجميلات اللائي تزوَّجتهن تركنني بعد أن عرفن أنني غير قادر على شراء عقد ياسمين، ورغيفين ساخنين، وثمن فنجانين من القهوة على مقهى البستان.
وظهرت أجيال من الأدباء والشعراء حملوا وساخة الأجيال السابقة ووساخة جيلهم. معظمهم أبناء غير شرعيين، أنجبتهم مصر في غرفة نجيب محفوظ في قصته تحت المظلة، حيث كانت هناك عاهرة عمياء في غرفة مظلمة يدخل عليها كل الغرباء، يقضون حاجتهم ويرحلون. هذه هي حقيقة مصر التي لا يذكرها أدعياء الكتابة والنقد عن وصف الحاج نجيب محفوظ.
أنا متأكد أن الوطن الذي لم يُكرم محمد فريد، وترك جثته في المستشفى في أوروبا، لولا تدخل أحد تجار الفاكهة الذي دفع ثمن المصاريف لنقل الجثمان إلى القاهرة… لن يمنحني حتى كوب ماء إلا بعد الدفع.
ترى، أي طفل سيحمل اسمي ذات يوم ويرفع اسمي على علم؟ وأي فتاة ستضع صورتي على صدرها في قلادة، وحين يُسألها النهد: «لمن هذه الصورة؟» تقول: لرجل عشق عيون جميلات مصر، وندم أنه لم يُنجب جيشًا من الأولاد ليُعلِّمهم الحب.
سلسلة دراسات و بحوث فى مسرح و روايات السيد حافظ ( 112)
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ
دراسة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة
من الباحثة
ريم يحيى عبد العظيم حسانين
إشراف
أ.د. محمد عبد الله حسين
أستاذ الأدب والنقد العربي الحديث بكلية دار العلوم - جامعة المنيا
أمين اللجنة العلمية الترقية الأساتذة
جامعة المنيا - كلية دار العلوم
قسم الدراسات الأدبية
كان من بين الدوافع لاختيار هذه الدراسة؛ تسليط الضوء على زاوية السرد الفني وتداخل الأجناس الأدبية في الرؤية السردية من خلال "المسرواية" في روايات السيد حافظ؛ حيث تطمح هذه الدراسة إلى استيعاب هاجس من هواجس الرواية العربية المعاصرة؛ يتمثل في طموح الرواية إلى التفاعل الخلاق مع الأجناس الأدبية الأخرى، وبخاصة فن المسرح، والتفاعل بين الرواية والدراما، الذي يشير، في أحد جوانبه إلى مرونة الفن الروائي وقدرته على أن يفيد من معطيات الفنون الأخرى بهدف تطوير الشكل الروائي ومزاولته كي يستوعب معطيات وتقنيات جديدة للوصول إلى رواية عربية تعبر عن الوعي الفكري والجمالي للعصر الذي تنتمي إليه دون أن تفقد الكتابة الروائية، عبر هذه المثاقفة الواعية سماتها وخصائصها وهويتها المرنة؛ من هنا كان من الطبيعي أن تتلاقى في مسيرة الرواية العربية المعاصرة، تيارات شتى ومدارس متعددة، ورؤى إبداعية مختلفة، تصبو هذه الدراسة للكشف عن أبرز ملامحها وتحولاتها.
وقد كان من بين دوافع اختيار هذا الموضوع تقديم دراسة جديدة إلى المكتبة العربية تضاف إلى ما قدم من دراسات عن طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ.
لقراءة وتحميل الكتاب كاملا من أحد الروابط التالية: