Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

نسكافيه رواية البوح والكشف والمغامرة ا. د مصطفى رمضاني

نسكافيه رواية البوح والكشف والمغامرة
                      ا. د مصطفى  رمضاني


بين الرواية والأتوبيوغرافيا حد رقيق : تلك تتحدث عن الآخر أو الآخرين برؤية السارد ، وهذه تتحدث عن الأنا بأنا السارد ..
وفي حالتنا يبدو السرد الأتوبيوغرافي الأكثر حضورا ، رغم أنه لا يلغي البعد السوسيوغرافي للرواية . فهو حاضر بالقوة وبالفعل . فرواية " نسكافيه " للكاتب العربي السيد حافظ ، تبدو في ظاهرها كما لو أنها أتوبيوغرافيا خالصة ، مادامت ذات السارد هي التي تشكل جوهر الحدث : فكل الأحداث تدور حول العلاقة العاطفية التي تربط البطل " وحيد سالم " بالبطلة " لمى " ، خصوصا وأن السارد يستعرض بعض الأحداث والوقائع والصفات وغيرها من القرائن اللفظية والمعنوية التي تحيلنا على جزء من حياة السيد حافظ ، في صراعه ضد نزواته الذاتية ، وضد تناقضات المجتمع ، وضد كل القوى التي حالت دون تحقيق أحلامه وطموحاته ، ومن خلالها طموحات كل الحالمين في الوطن العربي بوطن يمنحهم الدفء والاستقرار ، بعيدا عن كل ألوان المصادرات، مهما كان حجمها ونوعها ومصدرها . وهي كلها قرائن تؤشر على الطابع الواقعي للأحداث ، مما يمنحها هذا البعد السوسيوغرافي الذي هو الوجه الخفي للرواية.
لهذا تنطلق الرواية من الذات الخاصة لتمتد إلى ذات الواقع العربي المتهرئ من الخليج إلى المحيط ، قصد تعريته وإدانته بأسلوب يقطر سخرية ومرارة ، رغم أن التيمة المهيمنة على النص في ظاهرها هو الحب ؛ أو لنقل هو العشق بمختلف تجلياته المادية والروحية .
ومن مظاهر تلك السخرية ، استعانة الكاتب بمبدأ المفارقات بغية تعرية مواطن الخلل ، انطلاقا من استحضار واقع الحال ومقارنته بمنطق الحقيقة ، أو لنقل خلق تعارض بين الواقع والحقيقة .ولإبراز هذه الخاصية ، لجأ الكاتب إلى تقنية الهوامش والحواشي ضمن الخطاب السردي . ومن المعروف أن الهوامش والحواشي تثبت عادة بصفتها إضافات خارج المتن للتعليق أو التصحيح أو نحو ذلك مما يشكل نصا موازيا أو عتبة نصية ميتاسردية . ولكن السيد حافظ وظفها باعتبارها تكملة لأسلوب السرد ضمن خطاب السارد الأساسي. وهي نوعان هنا: نوع سماه المؤلف" تنهيدة" . أما النوع الثاني فأطلق عليه اسم : "همسة ". وهما معا بمثابة عتبات داخلية تكسر تواتر السرد وتنامي الأحداث ، لتصير مستوى آخر من التعبير النقدي المباشر ، يبدو وكأنه ليست له علاقة مباشرة بالتيمة الأساس ، ولكنه في العمق يغنيها فنيا وفكريا.
فهذه العتبات تشكل نصوصا موازية غير سردية ، لأنها توظف أسلوب النقد أو التأريخ أو الشهادة ، أو نحو ذلك مما يندرج ضمن الكتابة العابرة للنصوص . وهي عملية مقصودة لاستحضار بعض القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية التي يعالجها المؤلف بموازاة مع التيمة الأساس ، ليقدم موقفه النقدي باعتبارها قضايا تهم أي مواطن في الوطن العربي الكبير. فهي تقنية ميتا سردية كما قلنا يوظفها السيد حافظ لتأكيد مبدأ المفارقة حتى يبرز ما وقع تاريخيا وما يقع اليوم، أو يقدم صورة لما هو كائن وما ينبغي أن يكون ...وبذلك يربط السوسيوغرافي بالبيوغرافي من منطلق التعرية والإدانة . وكأنه يذكّرنا بأن الذات المتمردة التي يتحدث عنها ، إنما هي جزء فقط من ذوات أخرى في الوطن العربي ، عانت أو تعاني نفس المرارة والمعاناة التي يعانيها البطل ولكن بمستوى آخر ومن زاوية أخرى .
والحق أن هذا الأسلوب طريف في الإبداعات السردية العربية ، ويميز هذا العمل السردي ويرشحه ليكون عملا تجريبيا على مستوى الخطاب الفني . والواضح أن السيد حافظ يستفيد من تراكم تجربته الإبداعية في مجال الكتابة المسرحية . وهو أحد فرسان المسرح العربي كما نعلم . لذلك نجده هنا ينزاح عن النمط السردي المألوف الذي يعتمد توالي الأحداث ، وصرامة ضبط عملية مستويات السرد ورؤاها ، ويستعين بما سميناه بتقية الميتا نصية لخدمة موقفه الفكري والجمالي عبر "التنهيدات والهمسات " .
وإذا كان هذا هو الوجه الأول الذي يؤكد جرأة هذه الرواية من الناحية الموضوعية والفنية ، فإن الوجه الآخر لتك الجرأة يتمثل في جعل الذات الساردة ـ التي هي ذات المؤلف على الأرجح ـ هي مادة السرد وقضيته الأولى : منها يبدأ وإليها ينتهي. وهي جرأة غير مألوفة في الكشف عن الخفي والخاص ، بل والحميم أيضا في تلك الذات وعلاقتها بالآخر ، انطلاقا من طابو العشق الذي يمارس خفية وعلانية بكل تفاصيله الصادمة أحيانا .
لهذا ، فبقدر ما تبدو الرواية سيرة ذاتية لعاشق كرس جزءا من حياته للحب ، تبدو رواية كشف وتعرية وبوح... بوح ذات تصارع من أجل تفجير نزواتها الصغرى والكبرى ، والكشف عن مشاعرها البسيطة والمركبة التي تتوارى عادة وراء قناع التابوهات ... إنها ببساطة رواية البوح والكشف والمغامرة ...




نسكافيه ا.د مدحت الجيار

نسكافيه
ا.د مدحت الجيار

هذه الرواية تمثل تجربة سردية عربية متميزة .فهي تجمع بين السيرة الذاتية والمسح الاجتماعي والسياسي والتوثيقي ولها لغة خاصة تتواشج مع نوع الشخصية التي تتحاور أو تتصارع أو حين يصف السارد مشهدا من مشاهد الحب أو معلما من معالم العواصم العربية التي انتقلت إليها قصة الحب بين الوطن الأم والعواصم العربية التى ذهب إليها البطل أو الحبيبة .. هذه الرواية شهادة للتاريخ.على ماتم فيما بين 1967- 2011 وهي وثيقة توجب القراءة وتغري بمغامرة القراءة أيضا
ا.د مدحت الجيار
استاذ النقد الادبي جامعة الزقازيق

نسكافيه " نص مشبع بالتجريب د.مصطفى الضبع

"نسكافيه " نص مشبع بالتجريب
د.مصطفى الضبع


لا تتوقف الحياة عن طرح مواضعاتها ، ولا يتوقف الفن عن التجريب ، طارحا رهاناته على وعي الإنسان ، ولا تتوقف الرواية عن طرح جمالياتها الخاصة الداعمة للوعي البشري ، والكاشفة عن طبيعتها من حيث هي شفرة للاتصال بين مبدعها ومتلقيها ضمنيا كان أم حقيقيا .
تأتي " نسكافيه " من مرجعية مسرحية ليس لأن السيد حافظ مسرحي بالأساس ، تشربت روحه بالفعل المسرحي فمارسه كتابة ، واعتنقه فكرا ، ولكن لأنها تستمد دراميتها من الواقع وتراجيديتها من طرح اللحظة التاريخية المعيشة .
تراهن نسكافيه على تجربيتها بوصفها تلعب على وعي جديد لمتلق قادر على تجاوز الأنماط التقليدية في الكتابة ، متلق يعرف المساحات غير الفاصلة بين الفن والواقع ، بين الوعي الإنساني ووعي التاريخ ، بين نماذج تراها في النص ، ليست بعيدة عن معايشتها في الواقع ( راجع ما تطرحه الرواية عن ليلى مراد مثلا ) ، كما تراهن على قدرتها على تمكين الواقع من المرور إلى وعي المتلقى عبر سياق فني له طبيعته الجمالية ، وله سماته الأيديولوجية الدالة .
ولكن الواقع هنا يستمد قوته من كونه تقنية لا موضوعا يجد المتلقي نفسه منتقلا من خانة المراقب إلى خانة المشارك في تشكيله حيث يسقط الحائط الرابع الوهمي ليقف المتلقي على خشبته الخاصة مؤديا دوره الأكثر فاعلية .
على متلقي نسكافيه أن يجتهد في جمع خيوط يضعها المؤلف بين يديه لا ليدرك مساحات الجمال فيها فحسب وإنما ليشارك في طرح لحظته التاريخية خارج وعيه مستبدلا وعيه المفعم بالروح الجديدة لوعي يتخلق في رحم النص .
لقد بذل المؤلف جهدا خارقا لإنتاج نص له سماته الخاصة التي على المتلقي ألا يقف دون بذل جهد مواز في التلقي .
د.مصطفى الضبع
7/1/2011
18 شارع اسحاق توفيق حدائق القبة القاهرة

مقام البوح على شرفة الجسد رشفة من فنجان قهوة سادة

مقام البوح على شرفة الجسد
رشفة من فنجان قهوة سادة

                                       بقلم:  حنان حطاب
                 استاذة بجامعة محمد لمين دباغين
                                    سطيف – الجزائر

قد تعجز الذات عن فهم ذاتها... واستيعاب الآخر من حولها، حينها يتحول العالم الإنساني إلى كتلة من التناقضات التي لا تحيلك إلا على أزمة حقيقية، غير أن الذات بوصفها تمردا / ثورة، تحاول الخروج من مأزقيتها نحو عالم التكشف والبوح عن اللامعبر عنه، فلا تجد سبيلا لها غير هداية الكتابة، والانطلاق في كشف عوالمها الداخلية، لتغدو كتابة الذات طوقا للنجاة..وحبلا للخلاص الذي يقود الذات لذاتها وإلى آخرها وتغدو الحياة فعلا كتابيا تحفه الأسئلة والقراءات والتأويلات، وكأن الكتابة إعادة خلق شيء من شيء آخر... أو بعث للروح بعد أن جفت القرائح والأجساد وتهاوت جثثا مواتا إلا ذات فيها.
من هنا تغدو رحلة الذات كشفا عن المنطقة المظلمة فيها وبحثا في مناطق السواد وتكحيلها ببياض البوح وزرقة السؤال الدائم.
من هنا تغدو الكتابة سحرا لمن لا سحر له... وفعلا وجوديا يضمن توازن الذات وتجددها واستمراريتها.. فلا تكف مساءلة الذات لذاتها عن مداعبة وعينا في محاولة للانوجاد... فالبحث عن الذات رحلة وجودية ترتحل عبر مفاصل الحياة الإنسانية، وعبر جسد قهوة سادة فتنطلق ال "أنا" متحدثة عن رغباتها وأهوائها وتمثيلاتها الغريزية(*) وما تفتقد في الواقع، وتتحول الكتابة من مجرد سواد إلى بياض، إلى نوع من الفلسفة في الحياة، ويتحول فعل الكتابة رغبة في بلورة الأسئلة التي تمنح للوجود معنى حقيقيا، معنى يحرر المبدع ويحرر معه القارئ والمتهم من احتمال التحول إلى مجرد رؤوس وسط قطيع... فالذات حين تشعر بثقل العالم فوق كاهلها، تلجأ للكتابة فيصير فعل الكتابة معادلا للنجاة، والمخرج الوحيد المضمون للانفلات من ثقل الروح المتعبة..، فالكتابة تمكننا مساءلة المجتمع وتسعى لخلخة قيم استشرت بعنف فيه".()
و قهوة سادة جاءت لتجيب عن تقلبات هذه الذات وأوجاعها.. كيف تتموقع هذه الذات أمام ذاتها... ثم كيف تنكشف أمام آخرها، كيف تتعرى ذات سهر وتنكشف أمام ذاتها وأمام آخرها ممثلا في كاظم (العاشق الولهان) وشهرزاد (رمز الحلم والرؤيا) وفتحي رضوان (زوجها بعد 15 عشر عاما).
كيف تكون شرفه الجسد مقاما للبوح... وسبيلا للبحث عن هوية الذات... كيف ينكشف الجسد أمام الذات؟
كيف تتعرى الذوات في مرآة فنجان من القهوة... السوداء المعتمة الثقيلة... المحملة بالأسى والهروب والمتعبة بسواد الليالي الحالكات وبأرق القلوب العاشقة...
بين صخب أجساد متعطشة وأرواح متمردة... ذوات تفتقد لذواتها... وتبحث عنها من خلال كل رشفة من فنجان قهوة سادة.
... على شرفة الجسد
يطرح النص السردي اليوم إشكالا محوريا على صعيد القراءة والتأويل حول طبيعة اللغة وعلاقتها بالمتلقي ، ومدى إسهامها في تحويل ادراكاته المعرفية اتجاه آفاق جديدة ومدى احتوائها على أبعاد دلالية ومعرفية وأخلاقية لاسيما بعدما كثر الحديث عن لغة الجسد
منذ الأسطر الأولى، تعلن الرواية وبكثير من الجرأة صرخة الجسد في كل ركن من أركانها، وعبر كل شخصياتها التي تتداخل ضمن لعبة درامية شخصياتها مربكة، متناقضة تعبث بذواتنا وتخدعنا برائحة عطر يتسرب إلينا عبر أحداث الرواية.. رواية تنطلق من تعانق الأجساد لتروم تفجيرها والانسلاخ عنها...

تبدأ رواية قهوة سادة... حكاية سهر والعشق والقمر، بعلامات النضوج الأنثوي عند سهر واقترانها بحادثة تنحي الزعيم عبد الناصر لتأخذ خيوط الرواية(*) بالتشكل وتتبدى للقارئ –تدريجيا- شخصيات/ أجساد النص...
سهر: "اسم يعرفه الليل والبحر والسحر وأحلام الشباب المراهقين والرجال العجائز على أبواب الدكاكين والمحلات في الجبل في بلاد الشام".()
أما كاظم... فعاشق سهر "معلم اللغة العربية في مدرسة سهر 40 سنة، أشقر وسيم... العاشق لها في صمت يحب كل الصباحات كي يراها... يريد أن يتنفس وجودها في الفصل... في المدرسة، في الحي في القرية... في الكون.."()
وأما شهر زاد.. فالمرأة ذات بصيرة حادة... قارئة للمستقبل... وملمة بعديد الكتب والتفاسير... قارئة للكف ومفسرة للأحلام.. "شهر زاد لم تتزوج، ولكن سميت بشهر زاد لأنها أسعدت أناسا كثيرين بقراءة كفهم... شهرزاد على ذقنها وشم أخضر، هي بيضاء عيناها زرقاوان.. قالوا من جمالها تزوجها جني جميل ومنع كل الرجال عنها أو الاقتراب منها".()
أما فتحي رضوان.. "سيكون حبيب سهر بعد 15 عشر عاما(...) شاب 17 عاما... مصري الملامح... عربي الفكر... عالمي الإحساس بالجمال، كان يذاكر الثانوية العامة أدبي"()
شخصيات محورية في رواية قهوة سادة... تتواطؤ على حب الجسد والغرق في متاهاته.. تتعاتق مع سهر الليالي... يفضح السارد من خلالها تورط العربي وفشله الذريع في علاقته مع الجسد.. ولهذا يحاول من خلال الخوض من مناطقها المحرمة الكشف عن الذاوت من خلال الأجساد... فيكون مقام البوح من على شرفة الجسد.
ترسم الرواية ملامح شخصياتها من خلال لغة الجسد الذي يصبح مصدرا للتخيل ولبعث عديد الشفرات الوجودية، فهو يتجاوز الجانب الفيزيقي ليكون حمالا لفلسفة أو فكر، ويعكس بشكل أو بآخر الذات التي تختبئ وراء ذلك الجسد... دون أن تنفصل عنه... "فالجسد – والقول ل مين دوبيران–Maine de Biran- ليس جسدا عضويا.... وليس كيانا حيا ولا جسدا إنسانيا، إنه جسد يتعالى عن هذه الظواهر التي من خلالها يقدم لنا نفسه، وبما أنه جسد يعيش في العالم، فإنه يوحد بين شكلين أو نمطين من أنماط وجوده أي وجوده ومظهره في الجسد الشخصي".()
لم تسلم سهر الطفلة البريئة من لعنة الجسد التي تضفيها قهوة سادة على كل من يرتشفها... "ابنة السابعة عشر ربيعا التي كلما سارت في الأزقة أو الشارع يبعث نهداها في قلوب الرجال إشارات كهرومغناطيسية بفرح.. هي تعرف أن الله جميل... وأحيانا يمنح أنثى من روحه ومن وجهه ألقا".()
سهر مثلما رسمت صورة طفلة جميلة بريئة مثلت نزوة صغيرة في بداية تشكلها، وفتنه كبيرة في قلوب الكثيرين "كل صباح تنظر سهر في المرآة... تنظر في عينيها... يرتعش رمشها، تجد فتنة مختزنة لو وزعت على النساء العابرات في مدن الجمال لفتن رجال العالم العابرين على جسور العشق..."()، بل إن السارد يبالغ في فتنه هذه الطفلة المراهقة وجاذبيتها من خلال تلك العلاقة التي ربطتها بعصفور الكناري الذي لطالما تسلل إلى غرفتها وداعب أحلامها وخصلات شعرها، والذي لم يسلم هو الآخر من فتنة جمالها وإغماءة عطرها إلى درجة أنه تمنى أن يتحول إنسيا... بشرا يتسنى له عشقها... "أخذت العصفور في حضنها ونامت... وتدفأ المجرم الصغير.. ونام بين النهدين يحلم ويسأل الله أن يتحول إنسيا... ولو ليلة... ساعتين... نصف ساعة... دقائق... لكن لا فائدة تقدم ببطء من شفتيها ونال قبلة.. فتحت عينيها...
أي... أي
ضحكت ضمته، وضمته مرة أخرى إلى نهديها وشدت اللحاف، لم ينم العصفور وطاف بخياله ألف حلم.... آه لو كان بشرا يطاف بها في الفراش حول الكرة الأرضية واغتصبها ألف مرة... تزوجها رغما عن أنف كل البشر..."()
و يواصل السارد الحديث عن الجسد مع كاظم... عاشق سهر، وبعيدا عن هيمنة الذكورية التي طبعت النصوص  السردية وعبرت عن ملامح الرجل العاشق الدنجواني... تبرز لنا شخصية كاظم الذي يعيش قصة حبه في صمت قاتل، حب تحت وقع المسكنات، وأقصد أحلام اليقظة وكتب الجنس ومهدئات فرويد وكولن ويلسن... كاظم الذي "لم يلمس امرأة في حياته، لم يضاجع أنثى... ولكن أمامه الكتب تشرح ما هو الجنس... يعرف الجنس بأنه جملة من الخصائص التشكيلية والفيسيولوجية العضوية التي تؤمن التكاثر الذي يتلخص جوهره بالتلقيح في نهاية المطاف".()
و هنا تناقش هذه الرؤية علاقة كاظم بالجسد من خلال الاكتفاء بعالم الأحلام والتخيل، الأمر الذي يكشف عن رؤية السارد للرجل العربي والجنس والتي تتسم بالغباوة واللا حرفة "العربي لا يفلح إلا في مضاجعة النساء... وهذه المقولة ثبت فشلها بعد أن كتبت الأجنبيات الأوروبيات مذكراتهن مع العرب في الفراش، فسمعة العربي في فراش الجنس صدفة وليست حرفة، فمستواه ضعيف ومترد وهمجي مثل الكلاب... المرة والوحيدة التي نجح في جيش مصر بكرباج محمد علي الذي دربهم على القتال وضعوا في أذن الفلاح المصري اليمنى بصلة واليسرى قطعة قطن حتى يعرف اليمين من اليسار... فكانوا يقولون باتجاه أذنك التي بها بصلة أو القطنة"()، والأمر ذاته كان مع فتحي رضوان زوج سهر بعد 15 عاما والذي عرف بمواقفه السياسية ودفاعه عن الوطن غير أنه تخبط بين ألاعيب النساء وأجسادهن وأكاذيب السياسة ومشاكلها "كان فتحي يسأل نفسه دوما... لماذا النساء في حياتي ضرورة كالماء والهواء وخطب عبد الناصر والميثاق، ومقالات هيكل يوم الجمعة... ولم يرتشف الوجود والعدم من سارتر والعبث من ألبير كامي وصامويل بيكيت، لماذا تبحث عن كل كتب كولين ويلسن... لماذا يبحث عن الجاحظ ويعشق المبني ونهود ناهد حجازي وفيفيان وماجدة، والمظاهرة التي يخرج بها الطلبة من أجل فلسطين والجزائر واليمن..."()
فتحي رضوان الذي اهتم بالأحداث والمواقف السياسية وساند المظاهرات والثورات الشعبية,,, لكن لسان حاله لطالما ردد "...يدها الحانية، أحن من يد الوطن على كتفي".()
وفي مقابل هذا الانخذال الذكوري تقتحم الأنثى خصوصية جسد النص من خلال شهرزاد... فهي عكس كاظم (الفاشل جنسيا) مثقفة جنسيا.. لعوب وذكية وقارئة للمستقبل... وقد مثلت هي الأخرى مساحة للصخب الجسدي من خلال الخبرة في تعليم النساء والرجال وتلقينهم آداب وفنون العلاقات... رغم أنها المرأة التي فقد قلبها بوصلته، إلى بر الأمان.. وصار جمالها فتنة ونقمة منعتها من الزواج "هكذا الجميلات يا وردة يسحرن الرجال ويتزوجن القلق والصداع في صمت".()


على شرفة الروح
في حضرة الجسد تولد أسئلة الهوية والانتماء وفي حضرة الجسد ينحت السرد وتتفاعل الكلمات وتتناسل الأفكار وتتهاوى..فداخل جغرافية الجسد تكتب الكلمات وتسافر في أبعادها الدلالية باحثة عن كيانها/هويتها/وجودها
هكذا بدت الرواية... عالما من الأجساد التي لا تحسن غير لغة الجسد والحركات.. أجساد تتآكل من الداخل... تتهاوى نفوسها وتختنق من شدة الحلم ولا الظفر... أجساد ترفض الانكشاف لأنها اكتشفت أنها بلا هوية... بلا انتماء... أجساد عارية لا وجود لها.
لكنها أجساد تبحث عن الانتماء والهوية... هذه الأخيرة التي تمثل عند ادموند مارك "ظاهرة معقدة ومتناقضة، أيضا الواقع أنها ظاهرة التميز والاختلاف غير القابل للاختزال عن الآخرين، لكنها تعني أيضا ما هو مماثل أي ما هو مشابه تماما مع بقائه متميزا (..) إنه يوحي بأن الهوية تتحرك بين التشابه والاختلاف، بين ما يجعل منا فرد متميزا ويجعلنا مشابها للآخرين في الوقت نفسه .يبين علم النفس جيدا  بأن الهوية تتشكل بحركة تماثل واختلاف مزدوجة مشابهة للآخرين وتميز عنهم"()
غير أنها لا تتشكل خارج الجسد... بل يمثل دعامة أساسية لتشكل هذه الهوية وتحديد ملامحها، ورغم سطوة لغة الجسد على رواية "قهوة سادة" إلا أن هذا الجسد يحدد هوية الرواية بعيدا عن كونها رواية جسد أو رواية جنس.
إنها رواية جسد يبحث عن هويته عن روحه، يبحث عن السكينة بعيدا عن المساومات.
إنها رواية وقوع الذوات تحت وطأة الجسد وتلاشي الهويات تحت رحمة الشهوة، إنها انعكاس لقلق وجودي... ولحياة عبثية وسجن إنساني داخل بوتقة الجسد.
اللعبة التي أراد السارد أن يتخفى وراءها ليرسم ملامح الذوات العربية الحائرة والأجساد المتمردة... إنه الجسد العربي الذي استبيح للجميع فاغتصبوه دون رحمة... إنه جسد الوطن العربي وأي وطن هذا.. وطن عار من اللباس من الأمان من الحقيقة من الحياة والحياء، وطن بلا روح ،وطن من ورق
إنه الوجع المصري الذي يتملص من المسؤولية، فلا يجد غير وسوسات الشيطان وإغراءات النساء..." كلما حاصرني حب الوطن بنيرانه وأسهم حقده... وحاول قتلي هربت منه تحت جلد النساء حق أضمد جراحي..." وهو تعبير عن حاله الاستسلام الروحي... أين تغيب الروح وتعلو سلطة الجسد التي تعري عفن النفوس.
إنها حالة من الاغتراب الروحي والاضطراب النفسي تعيشها شخصيات الرواية لتنكشف من خلال المخاوف والأوهام التي يعيشونها.
فها هي سهر تعيش حالة خوف من مستقبلها وجمالها، وتخشى أن يكون جمالها لعنة عليها مثلما كان مع شهر زاد... وها هو كاظم غارق في أوهامه ينام على حمى سهر ويستيقظ معانقا أحد كتبه... وأما شهر زاد فقارئة المستقبل التي عجزت عن قراءة مستقبلها وفشلت طقوسها وكتبها وثقافتها عن نزع لعنة جمالها... وها هو فتحي رضوان أسكرته المظاهرات والشعارات وأتعبته النساء المتعددات الجنسيات وقاتله الشعور بالازدواجية وأللانتماء...
"وجدتني أثناء محاكمتي أبكى لأني سمعت دقات قلب الوطن تلازم دقات قلبي... وجدتني مواطنا بلا وطن.. وجدتني مشروع كاتب في وطن أمتي... ومثقف وسط أدعياء... وطبيبا وسط أشرار.. وجدتني حلما يمسح مؤخرة الوطن الذي يضاجعه الأثرياء من عسكر يوليو الذين سرقوا مجوهرات الملك فاروق وسنوات مصر وأصبحوا باشوات هذا الزمان.. وجدتني بسمة على شفاه أطفال لا تعرف الرياء... وجدتني أعشق كل الأنبياء وأنه من الغباء ألا نشعر أن الانسان خليفة الله على أرضه وتحت سمائه".()
أليست هذه أجساد حائرة تشعر بالانتماء واللا هوية بعد أن سجنتها أجسادها وأفرغتها من روحانيتها... أفرغتها من حب الوطن وملأتها بحب الأجساد الفانية، أفرغتها من الأمان وملأتها بالوجع، وأي وجع هو :"أه... أشرقت في نفسي لحظة اكتشفت فيها أن الوجع ليس له هوية وليس له انتماء...اكتشفت أن حب الوطن والكتابة عناء ألقيت أشواقي على أحرف اسمك يا وطني فتحولت على الورق إلى ثلاث زهرات ذابلة..."()
إن السارد ومن خلال "قهوة سادة" يحاول رسم ملامح الجسد العربي عموما والمصري بشكل خاص، الجسد الهارب من هويته وانتمائه والمتخفي وراء لعنة أجساد عارية.. غير أن بذور الأمل ما زالت فيه تبعث فيه الأمل لغد أفضل، ووطن أفضل..."الوطن يذبل ويموت كالزهور ثم يحيا بعد أن نلقي فيه ببذور عشق جديدة".()
كانت هذه رشفة من فنجان قهوة سادة.. سوداء كالليالي الحالكة... ومرة كمرارة الحياة في وطن غريب تاهت روحه واغتصب جسده...
فـ "إذا مر قبلي على بابكم أخبروني فقد ذهب ليبحث عن وطن ليتدفأ به في هذا الشتاء".()


"أكتب هذه الرواية بحثا عن روح مصر
المتخاذلة سبعة آلاف عام، وبحثا عن
روح مصر أخرى، للإنسان فيها معنى
وقيمة وحضارة حقيقة فعلا وقوة"
السيد حافظ


قائمة المصادر والمراجع
المصدر:
السيد حافظ : قهوة سادة (رواية)
الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 2012.
المراجع:
• فريد الزاهي: النص والجسد والتأويل:
• عمر محمد منيب أدلبي، سرد الذات فعل الكتابة وسؤال الوجود دراسة في فن السيرة الذاتية، إصدارات دار الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة، 2008.
• كاترين هالبيرن وآخرون: الهويات الفرد، الجماعة، المجتمع، ترجمة إبراهيم صحراوي، دار التنوير، الجزائر، ط1، 2015.
• hhattab.hanane@gmail.com

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More