تحولات فى المسرح العربى
ابداعات مسرح السيد حافظ لماذا نغتالها؟؟
جريدة الرأى العام صفحة 10 فى 24/9/1983 العدد 7131
بقلم : د. شريف الحسينى
الدخول إلى عالم السيد حافظ المسرحى يحتاج إلى أكثر من وقفة وأكثر من إشارة.. فابداعاته المسرحية لا تقل نضجاً عن ابداعات كل من يوجين اونيكو – جورج برنادشو – وصومويل بيكيت. فهو من الكتاب المبدعين الذين يملكون قدرة بالغة على التجسيد وهو يملك قدرات واعية على التجسيد وهو يملك قدرات واعية وعميقة على رسم شخصيات مسرحية بدقة وعمق فهو كاتب متمكن من لغته الدرامية والمتتبع لمسرحياته ابتداء من كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى وحتى آخر ما صدر له مؤخراً "حكاية الفلاح عبد المطيع" يستدل على أنه فنان عرف أن الشخصية الإنسانية فى المسرح هى التى تمنح الدفء والدم وحرارة الحياة وهى التى تنزل المسرح من عالم التجريد إلى الحياة الصادقة.
وحافظ أديب يتمتع بموهبة فكرية أصقلته تجاربه الفكرية وجعلته يقدم للمسرح فكراً أكثر منه فناً كما قال الناقد فتحى العشرى فهو لم يكتب فى المسرح من فراغ بل تشعر حين تقرأ كتاباته المسرحية أنه يمتلك رؤية ايديولوجية فكرية متميزة استمدها من معرفته للاتجاهات والمذاهب الفكرية والروحية والسياسية إلى جان بمعلومات لا نهاية لها عن الفن والأدب والعلم ودور كل منها فى خدمة الإنسان المعاصر.
ويعتبر السيد حافظ من أصدق الكتاب المسرحيين الذين عبروا بصدق عما يدور فى أعماق الانسان وهو لا يهمه أن يتتبع التقاليد المسرحية الموروثة بقدر ما يهمه أن يقدم رؤياه أو فلسفته التى يريد أن يعبر عنها بحرية كاملة وهو فى سبيل ذلك على استعداد أن يضحى بالعناصر الدرامية المعروفة لذا فهو دائماً يغوص فى أعماق النفس الإنسانية ليقدم لنا التجربة الإنسانية ليقدم لنا التجربة الإنسانية بعمقها وأدق تفاصيلها واعتقد أن هذا هو السبب فى العمق الذى يتميز به مسرحه.
استطاع حافظ منذ البداية أن يكون موضع اهتمام النقاد فى الساحة العربية وفعندما نشرت مسرحيته الأولى عام 1971 "كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى" يقول الناقد المصرى عبد العال الحمامصى فى مجلة الهلال "إنها أثارت أثناء مناقشاتها فى الأوساط الأدبية العربية جدلاً لأحد لغوائه وعدم تعقله .. فقد انطلق البعض يرجمها لأن هذا البعض صدمته غرابتها لما هو مألوف لديه .. لقد نغصت مسرحية السيد حافظ الأولى استقرار البعض على مفاهيم جاهزة وارتياحه لها.. فقد تعودنا فى حياتنا الأدبية والفنية أن نجابه بالعداء والكراهية ما لا يتوافق مع امزجتنا وقد كان هذا الموقف الدائم من محاولات الإبداع التى يقدمها مسرح السيد حافظ على الرغم من أن هذه المحاولات تتسلح دوماً بالرؤية وبالثقافة والاقتدار الفنى وربما كان يعلم حافظ مسبقاً لما سيحدث عندما قال فى إحدى مقدمات مسرحياته " قد أكون مجرد نقطة حوار فى المسرح تمهد للاضافة ".
ثم يقول فى مقدمة مسرحيته "الطبول الخرساء فى الأودية الزرقاء " "عرفت الصمت لونى والضوء رجمى والمخاطر زادى وسب المجوفين صيحة البحث لى.. اهضم القديم .. اتجشأ الحديث.. اتقياً معنى الأمس حين يولد اليوم".
مذهبه المسرحى
ويعتبر السيد حافظ الأدب الروحى للمسرح التجريبى فى مصر وقد سار على نفس الدرب الكثير من تلاميذه ويتميز مسرحه بطابعين عامين أولهما الصراحة المطلقة فى الحوار وثانياً يتبنى قضايا الساعة لذا فهو حمل على كتفيه مهمة القيام بتجربة خطيرة فى التاريخ المسرحى العربى.. فقد ظل المسرح العربى بشكل عام والمسرح المصرى بشكل خاص حبيس المستوى التقليدى من حيث المسرحيات الكلاسيكية حتى أوائل السبعينات إلى أن ظهرت بوادر طيبة تبشر بمحاولات جديدة للنهوض بالمسرح المصرى بعد طول رقاد .. فظهر السيد حافظ وأصدر أولى مسرحياته التجريبية "كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى" والتى قال عنها الناقد على شلش أنها حطمت كل القواعد الكلاسيكية التى مارسها الكتاب المسرحيون فى مصر وكانت هذه التجربة الأولى بمثابة تفجير قضية فنية وهى " " هل نقبل هذا الخط الجديد من المسرح أم نرفضه لأنها محاولات جديدة على واقعنا المسرحى الكلاسيكى "؟
فقد كانت هناك حقيقة فى واقعنا المسرحى وهو افتقارنا إلى كتاب يستطيعون أن يطعموا الدراما المسرحية بانتاجات مناسبة تهيئ للمسرح العربى جواً من الاستقلالية وتمنحه مزيداً من الملامح القومية أو الملامح العالمية إلى أن صدرت كما قلت مسرحيات السيد حافظ والتى كتب عنها د. ابراهيم عابدين فى مجلة الثقافة العراقية تحت عنوان "عالمية المسرح عند السيد حافظ" (الثقافة – العراقية – يناسر 1983)
"إن السيد حافظ ملك كل الأدوات الفنية التى تؤهله لأن يكون كاتباً عالمياً"
وكتب الدكتور الامبابى فى مجلة الأسبوع العربى البيروتية فقال : إن مسرح حافظ مدرسة مستقلة لها كيانها الخاص ومعالمها المتميزة وسوف يصبح مسرحه للأجيال القادمة تراثاً مسرحياً هاماً فمسرحه هو المسرح الحقيقى الذى اهتم بالإنسان المعاصر ومعاناته. (مجلة الأسبوع العربى – بيروت 23/5/1983)
واذا تعمقنا فى التجربة الفكرية المسرحية عند حافظ نجدها عميقة فيقول عن تجربته فى أحد اللقاءات الصحفية "فى مجرى نهر الكلمات الأولى عرضت الحرية والإنسان والرغيف فى درب الحناجر والإعلام والدم عرفت الثورة والفن والتغير تشرق تجربتى مع أنهم يسلبونا كل يوم قيمة.
تشرق فى الأطفال وجدذور البحث وبقايا الصدق المترب.
وحينما نقف أمام مسرحه فنحن نقف امام طاقات ابداعية عربية جديدة تستطيع أن تغير الواقع العربى والواقع الاجتماعى.
ولابد وأن نقف أمام لغة الكلمة المجددة فى مسرحه فيقول حافظ فى مقدمة مسرحيته "هم كما هم ولكن ليس هم الزعاليك"
لقد وجدت أننا نسير فى بشاعة كل المواقف .. نمتص رائحة عفونة الفكر المتدهورة .. حينما سقط تمزق الرؤى فى القرن العشرين يلفظ وعى اللحظة فينا إحساساً بالوحشة .. لكننا حين ندرك سر العلاقة بيننا كشعب نام والعلاقة بين الحضارات الأخرى يحدث لنا من توتر الوعى ذبذبة نتجب إشعاعاً يمكنه القدرة إلى الإضافة.
ولا شك أن الإضافات الحقيقة الفكرية فى مسرح السيد حافظ تواجدت بشكل مؤثر فى عمليات التغير الاجتماعى فمسرح السيد حافظ يخدم حركة التغير الاجتماعية التى نسعى لتحقيقها فى المجتمع العربى الذى تفشت فيه الأمراض الاجتماعية والتى أصبحت مهددة للتواجد الإنسانى لذا فمسرحه ساهم فى توضيح الرؤيا الاجتماعية لأنه يعطى للفرد الوعى لديلى بموقفه من الحياة كفرد وكعضو فى جماعة.. فمسرحه هو المرآة الحقيقية التى استطاعت أن تصور التناقضات الموجودة فى المجتمعات العربية التى تواجدت نتيجة ضغط الظروف السياسية والاجتماعية.
الحوار فى مسرح السيد حافظ يتصل اتصالاً وثيقاً بموضوعات الساعة وكلها تقريباً تدور حول محنة الإنسان المعاصر.. إنسان الحضارة المزيفة الذى عانى الكثير من مشاكل الحرب وبعدها أصبح يعيش فى جو من القلق والتوتر واليأس بعد أن تمزقت الجذور التى كانت تربطه إلى ماضيه الفكرى قيمة أو انهارت أى أن البطل فى مسرحه هو الإنسان الذى يعانى صراعاً داخلياً مريراً وأصبح غير قادر على مجابهة الحياة لأنه أيقن أن الحياة أعقد وأغرب من أن نفهمها ونحل مشاكلها بعقلنا وأيضاً أهم ما يميز حوار السيد حافظ عن غيره من الكتاب المسرحيين هو أن حواره يؤثر مباشرة فى المتلقى لأنه حوار يدور أغلبه بين كل منا وبين نفسه عندما يشعر أنه موزع بين الرغبة والخوف فمسرح حافظ هو تصوير موضوعى لصراعنا الخاص فهو يواجه جمهور مسرحه بشكل خاص لأن الإنسان بطبيعته يلجأ إلى الهرب من الأمة وما فيها من غموض مفرط وشيطانية مفرطة لذلك من الجائز أن نطلق على مسرح حافظ أنه مسرح التحليل الموضوعى.. فمسرحه يساعد البشر على وضوح رؤياهم لأنهم ويتخرج أشباحهم وينظر إلى حقيقتهم الخاصة بنفس الطريقة التى ينظرون بها إلى حقيقة العالم.
وقد لجأ السيد حافظ فى بعض مسرحياته إلى استخدام فكرة الأغراب مثل مسرحة " يا زمن الأوباش" وذلك لأنه أراد أن يخلق علاقة مباشرة بين الممثل والجمهور حيث يواجه الممثلون الجمهور ويتوجهون اليه وهذا النوع من المسرح يعمل على إثارة التفكير ويدفع عقل المتفرج إلى العمل . فهو فى كل لحظة يوحى إلى المتفرج أنه فى مسرح وأن المسرحية هى محاولة لحل مشكلة وأن عليه أن يشارك فى البحث عن الحل . كل هذا إنما يريد السيد حافظ من خلاله أن يوجد دوراً فكرياً للجمهور فى المسرحية حين لا ينسى نفسه وحتى لا يكف عن التفكير والمناقشة والمشاركة فى البحث عن حلول لما يعرض امامه من مشكلات وهو فى هذا يتشابه مع مسرح بريخت ومسرح بيراندللو.
إذن فكل هذه المميزات التى يتمتع بها السيد حافظ تجعل مسرحه يثير مناقشات واسعة وعنيفة لأنها تقتحم عوالم كثيرة وتمس مفهوماتنا الفنية والاجتماعية والفكرية والسياسية بصورة قوية مباشرة ومن هنا كان لابد وأن تثير مسرحياته عاصفة من الآراء المؤيدة والآراء المعارضة على السواء. وهناك من يحكم على مسرح حافظ فقط من خلال قراءته لعناوين مسرحياته المتميزة "حدث كما حدث ولكن لم يحدث أى حدث" ، و"الطبول الخرساء فى الأودية الزرقاء" و"الحانة الشاحبة العين تنتظر الطفل العجوز الغامض" و"قرية المرفوض فى مدينة الرفض ترفضف رفض الأشياء" ولكن حتى التعرض لتجربة الأسماء عند السيد حافظ إنما تدل على منهجه والذى يحاول تأكيده فى كل تجربة مسرحية له.
0 التعليقات:
إرسال تعليق