سلسلة دراسات وبحوث في مسرح وروايات السيد حافظ ( 19)
مداخل أوليّة
إلى عوالم السيد حافظ السرديّة (2)
الطبعة الثانية
د. أمل درويش
تقديــــم
د. مصطفى رمضاني
هذا كتاب آخر يُضاف إلى الكتب والأبحاث العديدة والمُتنوّعة التي كُتبت حول تجرِبة المُبدع العربي الكبير السيد حافظ. وقد يبدو الأمر طبيعيًا إذا ما استحضرنا أمرين يُميّزان هذه التجرِبة التي تمتدّ على أكثر من نصف قرن من الزمن:
الأمر الأول هو ما يخص الجانب الكَمي. فالسيد حافظ من بين الكتّاب العرب الأكثر غزارة على مستوى الإنتاج الأدبي، وكذا من أكثر المبدعين الذين حظيت كتاباتهم باهتمام النقّاد والباحثين الأكاديميين في كثيرٍ من الجامعات العربيّة والدوليّة.
أما الأمر الثاني، فيتعلق بنوعية تلك الغزارة نفسها وتنوّعها، ذلك بأنه لم يتخصص في جنس أدبي واحد، وإنما كتب في أجناس أدبية مختلفة، بَدءًا بالشعر، ومرورًا بالمسرح، ثم القصة والقصة القصيرة، والرواية، واليوميات. وداخل ذلك التنوّع ذاته يحضر تنوع داخلي يتفرع عن الجنس الأدبي الأم، من قبيل تفرع جنس المسرح إلى مسرح للكبار ومسرح للأطفال، والرواية إلى رواية سردية ومسرواية، ورواية قصيرة، والسيرة الذاتية إلى سيرة أوتوبيوغرافية وسيرة سوسيوغرافية، وهكذا...
لكن في سياق ذلك التنوّع، تحضر البصمة التي تميّزها كلها، وتمنح صاحبها تلك الخصوصية التي تظل لصيقةً به في جُلّ ما يكتب، وأعني بها بصمة التجريب. فالسيد حافظ من روّاد التجريب في الدراما وفي السرديات على حد سواء. وهذا أمر لافت في صيرورة كتاباته الفنية.
ولعله من أوائل المبدعين المسرحيين العرب الذين خرجوا عن الأنماط التقليدية في كتابة النصوص الدرامية والسردية معًا. ويمكن أن نستحضرَ في هذا الصدد بعض نصوصه الأولى التي كتبها خلال مرحلة السبعينيات في مجال المسرح، من قبيل " كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى"، و"حدث كما حدث، ولكن لم يحدث أي حدث"، و"سيزيف" وغيرها... كما يمكن أن نستشهدَ بسباعيته في مجال السرديات.
وقد يكون هذا كافيًا وحده ليجذبَ اهتمام الدارسين والباحثين، خصوصًا منهم أولئك الذين تستهويهم الكتابات المشاغبة كما الشأن عند المبدع السيد حافظ. فهو كاتب مشاغب سواء فيما يقدّمه من آراء ومواقف وقضايا، أم في كيفية تناولها ومُعالجتها.
ويبدو ما أقدمت عليه الكاتبة أمل درويش من اقتحام بعض عوالم السيد حافظ الإبداعية أمرًا مشروعًا؛ بل وطبيعيًا، علمًا بأنها تلج عالمًا شاسعًا يصعب الإحاطة به كليًا. ويبدو أنها قد انتبهت إلى هذه الصعوبة فسعت إلى اختصار تلك الشساعة بالتركيز على الشق المتعلق بالسرديات، أو بالأحرى على جانبٍ من الإبداع السردي لدى الكاتب، وبشكل أخص على قضايا دقيقة ضمن سباعيته من خلال مداخل يمكن اعتبارها عتباتٍ أولى لفَهم عوالم السيد حافظ الروائية. وهو أمر يؤكد فطنة الباحثة أمل درويش بلجوئها إلى وسيلة حسن التخلّص الذي قد يجنبها مغبة السقوط في العموميات، والتشعّب في أدغال سرديات السيد حافظ كلها التي يستعصي الإحاطة بجميع مساربها وتشعباتها التيماتية والجمالية.
فالسيد حافظ كما يبدو من أسلوبه التجريبي ينحت من صخر. ومن يواجه الصخر مدعو لامتلاك أدواتٍ قادرةٍ على تفتيته وتحويله إلى مادةٍ طيّعةٍ. لكن أنى لأي كان أن يفتتَ صخرًا عصيًا لا يقدر عليه إلا من أوتي العدة الملائمة والمراس والصبر الجميل. وهذا لا يتأتى إلا لأولي العزم من الباحثين.
ولعلَّ الباحثة أمل درويش من هذه الطينة من أولي العزم. فقد أبت إلا أن تنحت من صخر سرديات السيد حافظ، فركزت على بعض رواياته وقصصه، وكأنها أدركت صعوبة الإحاطة بتلك السباعية كلها، فاقتصرت على معالجة بعض القضايا التيماتية والفنية في جزءٍ منها، من قبيل الحديث عن الأنا والوطن، والأنا ومشكلة الإبداع، وقضية المرأة وكيف تحضر بكثافة في جل أعمال السيد حافظ، وكيف يرتبط الوطن والمرأة بتلك الأنا، وكيف تتسع رمزية الوطن بكل انتكاساته قديمًا وحديثًا لتعكس مأساة أمة بكاملها، تعبّر عنها تلك الأنا بكل مرارة وأسى؛ هي في جوهرها مرارة المُثقف المُتنوِّر الذي يعشق هذا الوطن بكل جنونٍ، كما عشق أبطال الروايات السبع عشيقاتهم بكل جنونٍ أيضًا، رغم توالي الخيانات والإحباطات.
وما يؤكد ذلك النحت الصخري عند الباحثة أمل درويش، أنها لم تقف عند حدود استعراض ما تحفل به السباعية من قضايا وأفكار، وإنما سعت إلى الكشف عما تتميّز به من جمالياتٍ وفنياتٍ، لعلَّ من أهمها أسلوب التجريب. وهي سمة تكاد تميّز كل إبداعاته كما أسلفنا، ولكن الباحثة وقفت عند هذه الخاصية في بعض رواياته وسيره الذاتية لتضيف مُعطى نقديًا آخر عما هو متداولٌ لدى قرّائه.
ومن بين الجوانب الفنيّة والجماليّة التي وقفت عندها الباحثة كذلك ما سمته بجمالية السرد. وفيها تكشف عن مظاهر تنوّع أساليب الخطاب السري في بعض روايات السيد حافظ، بَدءًا بالسارد الأنا، مرورًا بالسارد الآخر، وصولًا إلى السارد المتعدد؛ فضلًا عن تعدد مستويات السرد: من الداخل، ومن الخارج، والسرد مع، والسرد بالواسطة، وهكذا.
وإلى جانب هذا الشق المتعلق بأساليب السرد، تُقدّم الباحثة إضاءاتٍ هامةً عن خصائص أسلوب الكتابة السردية لدى السيد حافظ، من ذلك مثلًا وقوفها على مواطن التناص في بعض رواياته، وسميأة العناوين، ورمزية الأعلام والمواطن والأحداث، وتنوع الأفضية، ورمزية اللغة وشعريتها، ومظاهر التصوف فيها، وتداخل الأجناس، وتكسير الحدود الأجناسية، وغيرها من القضايا الفنية والجمالية التي يمكن اعتبارها في مجملها جزءًا من عملية التجريب التي تطبع أعماله السرديّة والدراميّة معًا.
وبهذا كله يتضح أن الباحثةَ أمل درويش قارئة تمتلك أدوات القراءة المُستكشفة. فهي لا تقف عند المُعلَن عنه في كتابات السيد حافظ، ولكنها تتوغل إلى استكناه المبطن والخفي، عبر اللجوء إلى استقراء رمزية الأحداث والحالات والشخصيات والأفضية، لتقدم تأويلاتٍ تساعد على تقريب القارئ من تلك الكتابات وما تحبل به من قضايا لها عَلاقة بواقعنا المُعاصر. وكأنها بذلك تساهم في إثراء جمالية التلقي بمعناها العام، وتقدّم نفسها كوسيط بين المتلقي العادي، وبين ما يتضمنه إبداع السيد حافظ من قضايا وإشكاليات تقتضي مثل هذه الوساطة النقدية الاستكشافية.
د. مصطفى رمضاني
المغرب - أكتوبر 2024
***
لقراءة أو تحميل الكتاب كاملا بصيغة PDF
من خلال أحد الروابط التالية:
رابط التحميل الأول
عبر مكتبة نور
***
رابط التحميل الثاني
***
رابط التحميل الثالث
عبر موقع scribd
***
رابط التحميل الرابع
عبر موقع Internet Archive
***
رابط التحميل الخامس
عبر موقع Academia
***







0 التعليقات:
إرسال تعليق