حوار مع مفكر عراقى مع كاتب مصرى (1)
" محمد الجزائـــرى "
أجرى الحوار : السيد حافظ
- فى أدب الحرب يكون السؤال : هل يبقى هذا الوجود ؟
- ما معنى رحيل شعرائنا الشهداء ؟
*****
- هل أثمرت الحرب – العراقية – الإيرانية أدباً جديداً مميزاً فى الحركة الأدبية فى العراق ؟
- الحرب، أية حرب تدفع الشعب المعتدى عليه، لأن يتحصن بذاتيته .. أنه يتجه بحدة نحو الداخل فى المعطى النفسى والقتالى كإرادة ..
بالنسبة للأدب والثقافة عموماً، فالذاتية الثقافية هى الطريق الثابتة فى المحافظة على الاستقلال وعلى الذات .. معاً، وهى تتجلى من خلال تراثنا العربى – كتعميم – والذى يعبر عن التجارب التاريخية لشعبنا، وهى الضمير الجماعى للشعب والنظام الذى يكفل تماسك المجتمع وترتكز عليه إرادته الجماعية ، إذاً فإن كل عدوان يقع على أى جزء من الوطن العربى يستهدف الطرز الثقافى باعتباره الأساس الذى ترتكز عليه (الذاتية الثقافية) لشعبنا العربى واستمرارية طاقته الإبداعية والتربة التى تمتد فيها جذور هذه الذاتية واستمرارها ضرورة ملحة.
ولهذا فنحن فى العراق ، إذ نواجه العدوان الإيرانى ، فإنما ندافع عن ذاتيتنا الثقافية وعن التنمية والاستقلال والسيادة .
ولأننا نؤمن – بإصرار – بالوقوف دوماً ضد الاستسلام ، ضد الخنوع ، ومن أجل التقدم الدائم .. فإن وجها مهما من وجوه التعبير فى أدبنا المعاصر. يجسد هذه الحالة كمهمة استراتيجية فى الأدب والإعلام معاً، وعبر قنوات الثقافة والفنون أيضاً.
لذا فإن الرواية العراقية – على سبيل المثال – كما القصة القصيرة والشعر ، (صبت اهتمامها على الإنسان مقاتلاً حقيقيا ، وجسدت الظرف الذى يحيط به ، الطبيعة وقسوتها .. وحالها ..) والنتاج الثقافى عموماً يبرز بدرجة عالية من كثافة الوعى ويضعه فى مواقف الكثير منها جديد فى المواجهة العربية .. كما أن الشجاعة لا تؤدى إلى حب الموت بل إلى حب الحياة ...
والخلاصة : فى هذه الحرب لم يفكر الأديب العراقى : كيف يكون الوجود.. بل : هل يبقى هذا الوجود ..
فأبطال قصص الحرب عندنا ليسوا أبطالاً مضنوعين (قصصياً) بالمعنى الإصلاحى، بل هم أبطال حياة ساخنة وحقيقية . لذا يلجأ الكاتب القصصى أحياناً إلى الضغط على الشخصيات من أجل الحالة الأفضل تعبوياً.. بالبعد العسكرى والبعد النفسى. الأغتيالات ، الذكريات من الغنى بحيث تحتاج إلى تصفية (فلترة) كى لا تكسب نفسها ككم على مساحة القصة أو الرواية أو القصيدة – أحياناً – بل أن يتسرب الجانب الذى يخدم فنية الإبداع والعمق الإنسانى.
إنه يكتب عن تاريخه الشخصى ضمن البطولة الجماعية .
وذلك ما يميز أدب المرحلة عما سبقه فى الحركة الأدبية فى العراق.
- أزمة المسرح فى الوطن العربى فى السبعينات هل هى أزمة ديمقراطية أو أزمة إبداع ؟
- لماذا نفترض أن المسرح العربى مر بأزمة فى السبعينات ؟ أنا اعتقد العكس تماماً، إنه – كالثقافة عموماً – انتعش فى السبعينات حتى أواسطها وبدأ العد التنازلى فى السنوات العشر الأخيرة . بعد أن تزامنت وضعية الثقافة مع التراجع الخطير الذى مرت به حركة التحرر الوطنى العربية والتمزق الحاصل فى كياناتها ونحن نعرف أن حرب لبنان ثم الحرب العراقية – الإيرانية باعدت (القوى العربية) عن بعضها بدل أن توحدها إزاء الخطر المشترك والعدو الواحد.. الاستعمار والصهيونية والرجعية.
وأن حرب لبنان مزقت ليس لبنان وحده بل المقاومة الفلسطينية أيضاً.. وأن الحرب العراقية – الإيرانية – حاول العرب – قبل غيرهم – أن يجعلوها حرباً منسية .
الأن استفاق بعضهم ليتعاطف مع العراق ، ومع مصر، ومع المقاومة الفلسطينية. الثقافة عموماً تلك السنوات مرت بمحنة الثقفة ، والانهيار ، والإحباط، لأن أغلب الذين يتعاملون مع مفرداتها اصيبوا بخيبة أمل، وبالتالى خسروا يمانهم.
السبعينات فى العراق اعطتنا مسرحاً متماسكاً : الحصار ، الطوفان ، كلكامس ، بغداد ، الأزل، البيك والسايق ، وأعمالاً ممتازة.. استمر مداها ليدخل حيز الإبداع واستثمار الإيجاب فى التراث : مجالس التراث، المتنبى ، وأخيراً مقامات الحريرى.
كما قدم المسرح احتفالياته الخاصة التى تتوازن وإيقاع الحرب.. كما قدم فى الوطن العربى أعمالاً مهمة ، كما فى مصر والمغرب ، وسوريا، والكويت، وتونس..
آنذاك كانت الديمقراطية أكثر غنى فى عموم الوطن العربى والإبداع بخير.. خاصة وأنه واجه عناصر الصراع – بعد نكسة 5 حزيران – وإبان الأمل الذى أشاعته حرب أكتوبر المبدع إنسان بتأثير بالظروف المحيطة ، وبوضع الأنظمة..
الأن .. ثمة مسعى من أجل ردم ثغرة القطيعة، ومحاولة جدية فى مد الجسور من خلال محاولات التجريب أو صنع المختبر المسرحى العربى الذى مهدت له ندوات توعية (كندوة التراث العربى والمسرح فى الكويت) والملتقيات (أو التخطيط للملتقيات) التى جرت فى تونس والمغرب. وأنا متفائل من هذه الصحوة.
- المبدع فى الوطن العربى محاصر من عدة جهات ، هل الإبداع قادر على التجاوز؟
- لا يمكن أن يكون النتاج إبداعاً، إن لم يتجاوز.. ولو بمساحة شعرة رأس واحدة إلى أمام.
(الإبداع) ليس عملية وهمية : أو خرافة ، أو سحراً.. إنه عملية مشتركة بين المبدع – كإنسان متقدم الوعى – وبين مادة الإبداع ، (البشرية ، التراثية ، الحضارية، الاجتماعية ، الثقافية .. الخ )
دوماً نجد توافر المادة الأولية للمبدع ، إن فى التراث، أو فى الحاضر.. لكن المبدع هو الرهان على التجاوز من خلال فعله ومدى تأثيره أثره الإبداعى على محيطه.
صحيح أن المبدع محاصر عموماً فى أغلب بلدان الوطن العربى. فإما أن يكتب ما يطابق (مسطرة) الأنظمة ، فيمر نتاجه عبر (الرقباء) و(قومسيرى) الثقافة، إذ ذاك لا يكون النتاج المؤشر، بل النتاج التقليدى الذى لا يحارب أحداص، أو أنه يهادن الجميع بنبرة تتظاهر بالعملية النمطية ولا تشاكس مشاكل الواقع العربى الراهن واشكاليات الثقافة والسياسة والحياة.
ولمجرد أن أن ينطوى النتاج الإبداعى على موقف يتقاطع مع (فكر) هذا النظام أو ذاك فإن الحصار سيشتد ضد ذاك النتاج وبالتالى ضد المبدع.
ومع ذلك فأنا لا أتشاءم، إذ أن العديد من المبدعين يستطيعون أن يكتبوا بالفحم أو الطباشير على الجدران أو أن ينحتوا بالأظافر الجبل، ولكن دعونا نتذكر أمل دنقل ونجيب سرور وخليل حاوى، هل كان موتهم تجاوزاً أم الحصار فجرهم موتى؟
** للحوار بقية **
السيد حافظ
عن جريدة الأهرام
15/11/1984م
حوار مع مفكر عراقى مع كاتب مصرى (2)
" محمد الجزائـــرى "
أجرى الحوار : السيد حافظ
- مصادر الدراما العربية : من الواقع والتراث .. إلى الأسطورة .
- والغريب نضج الدراما العربية رهن بتلقيها .. قومياً. بالفصحى .
*****
فى هذا الجزء الثانى – والأخير – من الحوار الذى أجراه الكاتب المسرحى، والروائى المصرى السيد حافظ – فى الكويت – مع الناقد والمفكر العراقى ، محمد الجزائرى ، يصل الحديث إلى تفاصيل هامة حول وضع المسرح والدراما العراقيين.. وكان الجزائرى يتحدث عن وضعها فى مصر أو تونس أو المغرب أو سوريا، الاختلاف فقط فى أسماء المؤلفين وعناوين المؤلفات ومواعيد ظهور المشاكل.. والحلول..
- ما رأيك بتجربة كل من قاسم محمد ، يوسف العانى ، د. سعد يونس، سامى عبد الحميد، فى المسرح العراقى .. وهل هناك جيل جديد بعدهم ؟ .. ولماذا نفتقر إلى وجود المسرح الشعرى ؟
-
السيد حافظ
عن جريدة الأهرام
22/11/1984م
0 التعليقات:
إرسال تعليق