العظيم برشيد مجلة إبداع العدد (7)
السنه (3) يوليه 85 – شوال 1405
دراسة
إطلالــة علــىُ
مســرح الطفــل في
الكــويت
" سنـــدريلا
.."
من الحكايــة إلى
المسرحيــة
د. عبد الكيم برشيد
مدخل لابد منه
مسرح الطفل : عربيا ؟،
ما زال في بداية الطريق . هذا ليس عيبا . ولكل العيب هو ألا يدرك واقعه . وألا
يتجاوز ذاته بأستمرار .
مسرح الطفل كتابة بلا
شك ولكنه قبل ذلك مؤسسة لها هيكلها وفليفتها وسياستها وبرامجها . وهو لا يقوم الا
على أساس وجود تخطيط واسع وشامل . تخطيط يراعي بناء الإنسان العربى جسدا وذوقا
وأخلاقا وفكرا – يبنيه في المدرسة والبيت والمسرح والملعب والنادي والشارع والحارة
..
في الكويت يعرف مسرح
الطفل عصره الذهبي . لقد قدر لي أن أشاهد تجربة ، وأن أعايشها عن قرب . وسأقول
فيها رأيى .
في شهر نوفمبر الماضى
احتضنت الكويت ندوة علمية مهمة ، موضوعها الأساسى ( ثقافة الطفل في المجتمع العربي
الحديث ) وقد تمت الندوة برعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وضمت
مجموعة من الباحثين والمفكرين الذين لهم اتصال مباشر بالطفل . وقد قدمت الندوة
مجموعة من الدراسات والأبحاث والتعقيبات والداخلات والتوصيات .
على هامش الندوة .
حضرنا عرضا مسرحيا للطفل . وهو نموذج حي وعلمى للمسرح الذي تباحثنا فيه وناقشناه
على امتداد أربعة أيام – هذا العرض قدمته مؤسسة البدر للإنتاج الفني على مسرح
" كيفان " وذلك على امتداد شهر من الزمن . وقد لا في العرض نجاحا كبيرا
من جمهور الأطفال . وهذا ما يفسر استمرار عرضه شهرا كاملا .
كلمات عن الكتابة
المسرحية
" سندريلا هل هى
تأليف أم اقتباس أو ترجمة أم إعداد إن الحكاية معروفة ومتداولة في الأدب الغربي .
والحكاية ليست في الأصل مسرحية ، وإنما هى مجرد مادة أولية بلإبداع الأدبى والفنى
. وهذه الحكاية نسجت عليها قصص ومسرحيات وأفلام وأشعار كثيرة . وبالرغم من أن
المنطق واحد فإن الإبداع مختلف لأنه صادر عن ذات أخرى . وكل ذات هي بالأساس أسلوب
مغاير ورؤية وموقف . فالسيد حافظ – في مسرحية سندريلا – أعطانا تركيبا جدليا
لتفاعل الذات والموضوع . أعطانا قراءة متميزة وكتابية مغايرة . فهو قد قرأ الحكاية
الغربية بعين شرقية . قرأها انطلاقا من مخزونه الثقافى ، ومن وضعه التاريخى
والاجتماعى ، ومن إرثه الحضارى العربى الإسلامى . من هنا . نشأ الاختلاف وسط
الائتلاف . انطلق مما هو عام وشائع إلى ما هو خاص وشخصى . وإبتداء من المعروف
القديم ليعطينا المجهول الجديد .
إن المسرحية كتابة
جديدة . لأنها – أولا – تمت بأدوات معرفية وجمالية مغايرة . ولأنها – ثانيا –
رؤية وموقف . موقف من الحكاية الأصل . فالأحداث في الحكاية تنبنى على نوع
من التطلع الطبقى .. وهو تطلع تعكسه سندريلا التي تخرج من وضع طبقي لتلتحق بآخر .
فهى تهرب من فقرها من خلال الزواج بالأمير . وهى بهذا نجد حلا خاصا لمشكل عام .
هذا الفعل أو الحدث الخام كيف كانت رؤية المؤلف اليه ؟ هل ترجمه ، كما هو بأمانة ؟
. هل حوًره بما يتناسب والحقيقة ؟ ذلك ما سوف نجيب عنه عند تحليلنا للمسرحية ..
" سندريلا "
كاحتفال مسرحى . هى فى المقام الأول كتابة لفظية . ولكنها – إلى جوار ذلك – تتعدى
الكلمات لتعٌبر بكل الأدوات التعبيرية المختلفة . فهى بنية كلية مركبة . لأنها
بالأساس عناصر فنية مختلفة . إنها الرسم باللحن والرقص والغناء واللباس والإضاءة و
.. الملحقات هذه " اللغة الكل " هى لغة المسرحية . وهى تخاطب الأذن كما
تخاطب العين ، وتخاطب الحسٌ كما تخاطب العقل . وهي في وظيفتها التعبيرية لا تبخس
البعد الجمالى حقه .
شمولية اللغة فى
المسرحية تنبع أساسا من شمالية الفضاء المسرحى. وهو فضاء مركب
. حيث تتداخل العوالم وتتعايش مع بعضها . فهناك هذا التداخل السحرى بين العالم
الواقعى / الطبيعى ، والعالم الأسطورى السحري . كل شئ داخل الفضاء المسرحى ممكن
ولا مجال للمحال . فالحيوانات شخصيات حية . تنطق وتفكر وتتفاعل مع الناس وقضاياهم
. هذا الفضاء المسرحي هو الفضاء سحرى بلا شك . فضاء متحرر من العادى والمعروف . إنه
العالم – في عجائبيته – منظورا إليه بعين طفل .
المسيقى لها حضور
متاميز فى المسرحية . فهى جزء من اللغة الفضاء . فماذا أضافت ؟ وماذا أعطت ؟ الشئ
المؤكد أنها ساهمت فى خلق واقع مسرحى نغاير . إن كل ما فى المسرحية ينطق . وللنطق
مستوياته المختلفة . مستويات تبدأ من الكلمة / الللفظ ، لتنتهى إلى الكلمة /
الغناء ، وإلى الجملة / اللحن .
وبهذا يكون الفرح لحنا
، ويكون الغضب لحنا آخر . يقول " طالب غالي " ، ملحن المقاطع المغناة في
المسرحية .
" من خلالها –
نستطيع أن نوجه أطفالنا ونربيهم التربية الصحيحة . ندخل إلى نفوسهم الفرح . ونركز
لديهم القيم الأخلاقية الصادقة . ونغرس في أعماقهم حب الخير والابتعاد عن الشر ،
والعمل على مساعدة وحب الآخرين ، والتعايش معهم بمودة واطمئنان .
إن المؤلف الموسيقى
يركز على الدور التهذيبى والتربوى للموسيقى . إن الكتابة اللفظية تبقى ناقصة في
غياب الكتابة بالجسد – الرقص التعبيرى – وفى غياب الكتابة بالأشكال والألوان
والأحجام والكتل .
بحث في بناء المسرحية
بعد هذا . لابد أن تعرض
على المسرحية – كبناء معمارى – أى كحدث متطور ، ومواقف ، وشخصيات . فكيف بنى
المؤلف المسرحية ؟
إن الجواب سنحتفظ به
إلى ما بعد . لأن الأساس أن نفكك ما قام الكاتب بتركيبه . هذه العملية – التحليل /
التفكيك – هى وحدها الكفيلة بإعطائنا هندسة للمسرحية و معماريتها الخاصة . إن
الحدث المسرحى يوُلد وينمو داخل فضاءين اثنين .
· منزل
سندريلا ، وهو أيضا بيت الكلب سنور ، والقط مسرور ، والأرنب فرفور
· السوق
، الحارة ، القصر ، الشارع .
فالفضاء الأول يمثل
الداخل / البيت / المألوف . أما الفضاء الثانى فهو الخارج / الحارة / العالم الآخر
. وبين الفضاءين هناك حوار وتفاعل . فالاختناق داخل البيت / السجن ، هو ما يدفع
سندريلا للبحث عن الخلاص في الخارج . هذا الخلاص الذى تجده أولا فى المأة العجوز –
الحارة – ثم بعد ذلك فى الأمير المخلص – القصر .
ولأن سندريلا تعانى
الغربة فى البيت . ولأنها غير موصولة إلى زوجة أيها وأختيها ، فقد أوجد لها المؤلف
رفاقا من إلى زوجة أبيها وأختيها ، فقد أوجد لها المؤلف رفاقا من الحيوانات الأليفة
والوفية . وبهذا تعوض حب الإنسان بحب الحيوان .. هذه الحيوانات هى جزء من نسيج
المسرحية ، ومن عالمها الفنتازى . فهى تساهم فى صناعة الحدث . وفي بلورته وتطويره
ليسير نحو ما هو خير ونبيل و (
إنسانى ) .
المسرحية / نص /
الاحتفال هى بالأساس حكاية . وهى لذلك تحتفظ بكل الأجواء السحرية والعجيبة للحكاية
. ولأن الحكاية – أية حكاية – لا تكون إلا بوجود فعل الحكى ، وأن الحكى / الفعل ،
مرتبط بالحاكى / الفاعل ، فقد وجب أن نتساءل .
· هذه
الحكاية / الأحداث . من يحكيها ،
· ولمن
يحكيها
إن المسرحيه خطاب . كل
خطاب لابد له من مرسل ومرُسَل إليه . لذلك فإن حكاية " سندريلا " يحكيها
الثلاثى القط ، الكلب ، الأرنب – للأطفال الصغار . إنها العالم ، كما تراه
الحيوانات ويتقبله الأطفال . مثل هذا العالم لا يمكن أن يكون إلا مدهشا وغريبا ،
وساحر ، وشفافا .
يحكى الكلب والقط
والأرنب عن بنت جميلة . مسكينة وفقيرة . اسمها سندريلا .
وإذا كانت الأحداث في
المسرح الكلاسيكى يقدمها عادة الخدم – لأنهم أكثر التصاقا بالبيت وبأهله . فإن نفس
المهمة تقوم بها الحيوانات الأليفة فى المسرحية .
- يا أهل الخير والأمل
-
سنحكى لكم خكاية
-
كان
ياما كان
-
فى
يوم من الأيام
-
والأيام كثيرة .
-
كانت
هناك بنت .
-
حميلة ..
-
بنت
..
-
مسكينة ..
-
بنت
..
-
فقيره
لماذا كان وليس يكون ،
ألأن ، الزمن العجائبى ، حيث ننطق الطير والحيوانات لا يمكن أن يكون إلا الماضى ،
أم أن الأمر لا يتعدى أن يكون وسيلة من وسائل التغريب .. حيث العبرة فى المحتوى
وليس فى الحكاية .
تشريح جسد النص المسرحى
عملية التحليل تبدأ من
رد الكل إلى الأجزاء . أىٌ إلى العناصر/ المشاهد – من أن المسرحية لا تشير إلى
المشاهد ولا تعطيها أرقا ولا أرقاما . ولا ترسم لها حدودا .
المشهد الأول :
وهو عبارة عن استهلال
أو مدخل . وفيه تقدم لنا الحيوانات نفسها . من خلال الحركات السريعة والألعاب
البهلوانية والغناء . كما تقدم لنا بطلة الحكاية .
المشهد الثانى :
زوجة الأب مع بنتها –
فهيمة ولئيما – وهن يبحثن عن سندريلا .
هذا البحث يكشف عن
حقيقة أساسية . وهى أن سندريلا هي خادمة البيت . إن دورها هو أن تلبى الطلبات
الحمقاء والبلهاء للأختين المدللتين .
المشهد الثالث :
سندريلا فى السوق .
تحمل سلتها بيدها ومعها نصف دينار . لوحة غنائية ( يتغزل ) فيها البائعون بسلعهم
المختلفة . تضيع منها الورقة النقدية . فهل تملك سندريلا أن تعود الى البيت وسلتها
فارغة . ولأنها ابنة المرحوم عبد الله الأمين – حارس السوق قديما – فإن كل التجار
يعطونها ما تريد . بعد ذلك يأتى طفل . وهو يحمل الورقة النقدية . لقد عثر عليها .
والأمانة تقتضى أن ترد الأشياء إلى املها .
المشهد الرابع :
فى البيت . حيث طلبات
الأختين لا تنتهى ، وحيث لا تملك سندريلا يوى أن تجيب . حاضر . حاضر .. حاضر ، وكل
هذا فى إيقاع تصاعدى عنيف وسريع ( حتى تتداخل الأصوات .. وتسقط سندريلا فى قلب وسط
المسرح )
المشهد الخامس :
سندريلا – وحدها مع
الأرنب فرفور ، والكلب سنور ، والقط مسرور ، يعبرون عن حبهم لها . وعن استعدادهم
لمساعدتها ، ووقوفهم إلى جوارها فى غربتها مع – الإنسان .
" إن الإنسان يتعب
الإنسان يا ليت الإنسان يحب ويخدم الإنسان .. "
هذا الاقتراب منها يغضب
زوجة الأب . فتهدد بأكل الأرنب وقطع ذيل الكلب ، وسلخ القط .
المشهد السادس : في
المستوى الأعلى يظهر أمير البلاد مع وزيره . وهو يحدثه عن سأمه . فالقصص والحكايات
لم تعد تسليه كما كانت . ولم يعد يرضيه سوى أن يسمع غناء الشعب . وحتى تتحقق له
هذه الرغبة . يقترح عليه الوزير ان يتزوج . فعلا يأخذ بالاقتراح . ويقرر أن تكون
له زوجة من الشعب . ويعلن عن شروطه . وهى أن تكون الزوجة مؤدبة وجميلة ، ولا يهم
بعد ذلك . إن كانت بنت أغنى الأغنياء أو أفقر الفقراء
المشهد السابع :
المنادى – فى الأسواق
والطرقات – وهو يدعو الناس للحضور إلى قصر الأمير – وذلك حتى يختار من بنات البلاد
زوجة له .
المشهد الثامن :
القط والأرنب والكلب
وهم يناقشون مسألة ملاقاة الأمير من أجل أن ينصحوه بأن يتزوج سندريلا .
المشهد التاسع :
زوجة الأب مع ابنتيها –
فهيمة ولئيمة – يناقش مسألة الذهاب إلى السوق من أجل شراء قماش وأحذية .وذلك
استعدادا للحفل المنتظر إقامته فى بلاط الأمير . يخرجن . على أساس أن البيت فى
حراسة الحيوانات .
المشهد العاشر :
فى غياب الجميع عن
البيت – يتسلل فرفور وسنور ومسرور إلى القصر . يعرضون على الأمير أن يتزوج بأجمل
بنت وأطيب بنت . والتى ليست بنت أمير من الأمراء ولا وزير من الوزراء . يغضب
الوزير لهذا الاقتراح – الحيوانى – لأنه لا يعقل أبدا أن يتزوج الأمير. وممن ، من
امرأة ترشحها الحيوانات . لهذا ينادى على الحراس وهو فى حالة غضب . فتفر الحيوانات
. من غير أن تجد الفرصة لتطلع الأمير على اسم الزوجة المقترحة .
المشهد الحادى عشر :
يعود المنادى ليؤكد
الدعوة لأهل المدينة . وذلك من أجل أن يحضروا إلى قصر الأمير يوم الخميس . وبهذا
النداء ينتهى الفص الأول من المسرحية .
تشريح جسد النص المسرحى
الفصل الثانى :
وسنقسمه أيضا إلى مشاهد
. وذلك حتى نضع اليد على بنيته . هذه البنية التى تتفق وتختلف عن بنية الفصل الأول
. فالفصل الثانى فيه شئ من التركيب ، لأنه يعتمد
على تكسير الخط الكرونولوجى للأحداث . فهناك تدخل متهمد للزمن ، وبالتالي للأحداث
ولترتيبها .
المشهد الأول :
فى قصر الأمير ، وقد
حضر كل أهل المدينة إلا سندريلا . القط والكلب والأرنب يتأسفون لحظها التعس .
لأنها لم تجد فستانا جديدا ، ولا حذاء جميلا ، ولا حقيبة . يحكون لنا – من خلال
مشهد تذكرى – فلاش باك – عن سندريلا . وعن لقائها العجيب بالمرأة العجوز أم الخير
.
المشهد الثانى :
سندريلا وسط الطريق وهى
تغنى وتهدهد آحلامها المقموعة . تصادفها امرأة عجوز تشكو لها الجوع والعطش .
فتعطيها سندريلا كل ما كان معها ، وتعطيها الطعام الذى كانت ستعود به إلى البيت .
المشهد الثالث :
وهو الحكاية داخل حكاية
. حكاية الراعى الذى تعود أن يكذب على الناس فيصدقوه فى كذبه . ثم حدث بعد ذلك أن
كان صادقا فكذبوه فى صدقه . وهذه الحكاية / الأمثولة ، تسوقها المسرحية تمجيدا
للصدق ودما للكذب – مهما كان المبرر – لهذا تقرر سندريلا أن تخبر زوجة أبيها
بحقيقة الطعام الذى أعطته للعجوز ، وليقع بعد ذلك ما يقع . قبل أن تختفى العجوز أم
الخير تخبر سندريلا بأنها تملك أن تحضر إليها بمجرد ذكر اسمها .
المشهد الرابع :
سندريلا مع حيواناتها
الوفية . حديث عن أم الخير التى كانت هنا منذ حين . تصبح كلمة الخير لازمة تعزف
عليها من الحيوانات تمجد الخير .
المشهد الخامس :
استعداد الأم والبنتين
للذهاب إلى الحفل . وقوع خصومات صبيانية بينهما عن أيهما تكونا الأولى ، وتساعدها
سندريلا على ارتداء ملابسها وتخرج زوجة أبيها بصحبة بنتيها .
المشهد السادس :
سندريلا وحدها فى البيت
. تكشف عن رغبتها – من خلال أغنية – للذهاب إلى الحفل . فجأة تتذكر اسم المرأة
العجوز ، فتنادنى . " يا أم الخير تعالى – تعالى فتخرج لها المرأة . جاءت
لترد الجميل بما هو أجمل منه . وتعطيها فستانا جميلا وحذاء وعربة ، وتحول
حيواناتها إلى خيول تجر العربة وقبل أن تختفى العجوز ، تشترط على سندريلا أن تعود
إلى البيت قبل منتصف الليل .
المشهد السابع :
تقف الخيول بباب القصر
. وتدخل سندريلا فيشهد الجميع لرؤيتها ، ويراقصها الأمير فى إعجاب بها . وعندما (
تدق الساعة الثانية عشر . تجرى سندريلا ،
وتترك الحذاء خلفها على الأرض ويجد الأمير
الحذاء ) .
المشهد الثامن :
الأمير يطوف بالحذاء
على المدعوٌات . فتدعى كل واحدة بأنها صاحبته . وينتهى المشهد بأغنية عن الحذاء ،
والبحث عن صاحب الحذاء الجميل .
المشهد التاسع :
سندريلا وهى فى ملابسها
الممزقة . تدخل زوجة الأب بصحبة ابنتيها ليجدن سندريلا نائمة .
المشهد العاشر :
الأمير فى قصره وهو فى
حالة حزن . يأمر وزيره بأن يمر على البيوت فى المدينة من أجل ان يبحث له عن صاحبة
الحذاء . ويتولى بهما البحث إلى بيت سندريلا . فتعمل زوجة الأب على إختفائها . ولا
تظهر غير ابنتيها تحاول البنتان ارتداء الحذاء فلا تفلحان .
المشهد الحادى عشر :
يخرج الجنديان .
ولكنهما بعد لحظات يعودان . لقد أحسا بالطمأ . لذلك جاءا يطلبان الماء . وبشكل آلى
تنادى زوجة الأب على سندريلا ، تنادى عليها لأنها خادمة البيت . ولأنها هى
من ينفذ الأوام ، ويابى الرغبات ! .
- سندريلا .. أحضرى كأس
ماء .
فتحضر سندريلا . ويكشف
وجودها الحارسان . وتجرب الحذاء ، فيكون على مقاسها .
وقفة عند نهايات
المسرحية
إن رؤية الكاتب وفلسفته
غالبا ما تظهر فى ختام المسرحية . فهو يجمع الخيوط المتناثرة ليعطينا خطايا معينا
فقد كنا على طول المسرحية ناتقى بشذرات أخلاقية عن الصدق والأمانة والخير والإحسان
ورد الجميل . ولكن ، الآن ، وقد بلغنا النهاية فإن الأمر يختلف . فالموقف ملزم بأن
يعطينا موقفا فكريا واضحا . فهو قد أثار قضية خطيرة جدا . فقد أخرج الجنى من قمقمه
، وعليه أن يرده إلى حيث كان ، وإلا انقلب السحر على الساحر .
هل تنتهى المسرحية (
بالتبات والنبات ) كما فى الحكاية – فتكذب بذلك عن الواقع والحقيقة وعن الأطفال .
هل تصور الأمر بهذه
السهولة والبساطه فتكون بذلك تحريضا على الحلم والارتخاء والمثالية السلبية .
إن الموقف يقف أمام أكثر
من نهاية واحدة . وقد قدم لنا كل هذه النهايات داخل النص . وعلى المخرج بعد ذلك أن
يختار . ويختار الأصدق أو الأنجح .
النهاية الأولى
المقترحة :
وتتلخص فى زواج سندريلا
بلأمير . أى أن تكون المسرحية نسخة من الحكاية تبتدئ كما تبتدئ وتنتهى ، من غير
تدخل من الكاتب ولوتم هذا كانت المسرحية مع الخروب الرومانسى . تزرع فى الطفل
أحلام اليفظة . وتجعل الحل مرتبطا بالانتظار . انتظار الفارس المخلص . وهذا ما ليس
فى المسرحية .
النهاية الثانية
المقترحة :
وقد أوردها الكاتب فى
آخر النص ، ولكن المخرج لم يأخذ بها لأنها متطرفة فى واقعيتها ، وهى بذلك كانت
تمارس على الطفل عدوانية مقلقة ، وتتلخص هذه النهاية فى أن تجرب سندريلا الحذاء
لتجده فى غير مقاسها مع أنها تؤكد للجميع العكس، وتصر على ذلك بكل قوتها :
( لا .. الحذاء حذائى
.. حذائى وتبكى . ثم نهاية المسرحية . شئ مؤكد أن هذه النهاية لا تناسب مع تلك
البداية . فهذه الواقعية المتطرفة لا يمكن أن تستقيم مع شاعرية " المسرحية /
الكل " ، ولا مع نزعة المسرحية لاستخدام العجائب وطبيعتها الغربية عن طبيعة
الأحلام .
النهاية الثالثة
المقترحة :
وهى أن تكون مسألة
اللقاء الأخير – بين سندريلا والأمير مجرد حلم يقرر الأمير أن ينزل بنفسه للشعب
للبحث عن صاحبة الحذاء .
وأعتقد أن الحلم –
مسرحيا ، وسينمائيا ، وروائيا – حيلة فنية مستهلكة ومتجاوزة ، لذلك ابتعدت عنه
المسرحية . وقد تبنت نهاية مغايرة فيها شئ من الواقع وشئ من المثال . فيها نزول فى
مقابل صعود . نزول أمير وصعود سندريلا . فيها خلاص الفرد وخلاص الجماعة . أى أن
سندريلا تشترط ألا تصعد وحدها . ولكن أن يكون ذلك برفقة الآخرين . كما شترطت أن
تزف للأمير فى أزيائها التى تعكس فقرها وحقيقتها . أى من غير حذاء سحرى ، ولا عربة
ولا خيول .
كلمات عن الإخراج
المسرحى
الإخراج كتابة ثانية
للنص .إنه كتابة ما لم يكتبه الكاتب . وهو بهذا يكون استنطاقا للصامت فى المسرحية
، وتجسيدا للمعنوى ، وتحريكا لما هو ثابت . وهو بتغير آخر حفريات أركيولوجية ، فى
وعى ولا وعى الكاتب والكتابة معا . الإخراج الجيد لا يكتب من خارج النص . ولكن من
داخله . أى أنه يوجد لغته ، ومضمونه ، ومفرداته ، المنظورة والمسموعة – من جوف
المفردات اللفظية .
ولعل أول شوط الإخراج
هو أن يمتد حبل الحوار بين المخرج والنص . وهو حوار يقوم على التقابل والتضاد ،
وتفاعل السلب والإيجاب . وبهذا يقرأ المخرج النص ويكتبه . يقرأ رموزا على الورق ،
ثم يكتبه على الفضاء ، أو داخله ، يكتبه بالممثل والحركة ، واللوان ، والضوء ،
واللباس ، والشكل ، والحجم ، والكتلة . ولقد نجح المخرج منصور المنصور فى أن تمثل
النص تمثيلاً سليما . وذلك لأنه أعطانا وحدة " كتابية " يذوب فيها
المؤلف والمخرج معا ولا نعود نبصر أمامنا إلا المسرحية .
لقد عمد الإخراج إلى أن
يصنع واقعا جديدا . فيه شئ من الحلم ، وشئ من الواقع وبذلك فقد وظف كل الأدوات
الفنية . وذلك من أجل أن يجسد هذا العالم الطفولى الشفاف . ويبقى أن نسجل أن
المشاهد الواقعية كانت أقل نجاحا من المشاهد الفنتازية فما السبب فى ذلك . هل يرجع
ذلك إلى طبيعة الطفل ؟ أم إلى طبيعة الكتابتين النصٌية والإخراجية ؟ لقد كانت
مشاهد الأمير جادة وجافة – فى شفاف وغير جاد – كانت واقعية فى فضاء غير واقعى .
ولعل هذا ما جعل تلك المشاهد أقل حرارة من المشاهد الأخرى .
الأخراج الجيد يبدأ من
اختيار النص الجيد . وفى هذا كان منصور المنصور موفقا . ثم إن هناك شيئا آخر – قد
لا نعيره ما يستحق من اهتمام – وهو مسألة توزيع الادوار . نوزيعا حقيقيا وعادلا .
إن الأساس سواء فى الحياة أو المسرح – هو أن يكون الرجل المناسب فى الدور المناسب
أو فى الوظيفة المناسبة وبهذا تسير المسرحية / الحياة نحو الاكتمال والنجاح . مرة
أخرى نسأل .
هل كان المخرج موفقا فى
توزيع الأدوار ؟ هذا ما سوف نجيب عنه عند حديثنا عن الممثلين .
الديكور : يمكن أن نسجل
أن مصمم الديكور كان ذكيا لأنه تنبه إلى إليه الإخراج .
وهو بنية النص القائمة
على جدلية الأعلى والأسفل . لذلك فقد أوجد مستويين مكانيين .
الأول مرتفع ، والثانى
منخفض . فهناك إذن حوار مكانى يوازى حوار الشخصيات . وسندريلا فى الأسفل تتطلع إلى
الأعلى . والأمير فى الأعلى يطل على الأسفل وبين المستويين تنتصب سلالم تربط
بينهما .
كثيرا ما يكون الديكور
مجرد كتلة ثابتة . كتلة صمَاء وخرساء . لا تقول شيئا ولا تشير إلى شئ . وبذلك يصبح
خلفية غريبة . عن الممثل والجمهور معا . وبالنسبة للديكور فى مسرحية ( سندريلا )
هل أدى دورا معينا . وإن كان كذلك .
فملا هذا الدور ؟
نعرف أن المسرحية عبارة
عن مشاهد عديدة . وهى بذلك انتقال سريع داخل المكان والزمان . الشئ الذى جعل
الديكور يعطى الإطار الحقيقى للمكان ، وللوضعية الاجتماعية التى يمثلها . فالديكور
المسرحى ثوابت ومتغيرات . وأن القطع السيوغرافية المتغيرة هى التى تغير المناظر ،
الحارة ، القصر ، السوق ، الشارع .
الملابس / الماكياج :
يقول المثل الفرنسى . اللباس لا يصنع الراهب . ولكنه مسرحيا يصنعه . أو يساهم فى
صنعه ، مصمٌم الملابس فى المسرحية مطالب بأن يوجد اللباس المناسب للدور المناسب .
فهل أعطتنا رجاء البدر الشخصية فى اللباس . هلى أعطتنا النفسية والذهنية والوضع
الاجتماعى والانتماء الزمنى والمكانى للشخصيات .
إن الزمن فى المسرحية
غير محدد . والمكان أيضا . فالأحداث تدور فى مدينة غربية . مدينة تقع على الحدود
بين الكائن والممكن والمحال وبذلك جاءت الملابس تركيبا اللواقعية والفنتازية ،
إنها اجتمهاد يقود على المزج بين المعروف والمجهول . بين ما هو محسوس وملموس وما
هو متخيل .
جماليا . كان اللباس
مقنعا ومنسجما مع الجو العام للمسرحية . فهو أيضا يقوم على جدلية الأعلى والأسفل .
كما أنه يضم كل الألوان التى لها علاقة حميمة بعين الطفل ، تلك العين الظمأى إلى
الألوان الصارخة والأشكال الغربية .
الماكياج فى المسرح :
قد يكون تلوينا داخليا
. وقد يكون مجرد أصباغ خارجية . ولا يكون الماكياج ناجحا إلا عندما يكون منسجما مع
الألوان النفسية الداخلية . أى أن يكون استجابة للتلوين النفسى الباطنى . وذلك حتى
يعكس حسيا الطهارة والبراءة أو القبح والحقد والإجرام . فمسرح الطفل لا يمكن أن
يقوم بدون ماكياج .
هناك مسرحيات عديدة لا
شئ فيها سوى الماكياج ، والملابس لا شئ غير أصباغ صارخة على الوجه مرسوم بعشوائية
مقصودة . كل ذلك من أجل ابتزاز الضحك من الجمهور . فالمهم هو دغدغة عين الطفل ،
ولو عن طريق ارتداء الملابس بالمقلوب ، ووضع الطراطير على الرأس ، وانتعال الأخذية
العملاقة .
لقد كان المكياج فى
المسرحية رصينا . فقد أعطى الحيوانات حقها . وأعطى الشخصيات ما تحتاجه بدون مبالغة
.
وعن التمثيل . وماذا
يمكن أن تقول :
الملاحظة الأولى :
هى أن بهذا العمل المسرحى
طاقات فنية مهمة . فهناك اقتناع داخلى لدى الممثلين بما يفعلون . اقتناع بالمسرح –
مسرح الطفل وبالمسرحية – سندريلا ، يترجم هذا الاقتناع الحرارة التى تودى بها
المسرحية . تلك الحرارة التى تجلت بشكل واضح فى تلقائية التمثيل ، وعفويته ، وفى
حيويته وصدقه .
لقد تألفت أسماء فى
الأداء – سواء بين الممثلين الأطفال أو الممثلين الضيوف – فسندريلا " هدى
حسين " كانت بحق سندريلا . فالممثلة هى الشخصية .
إنها هى فى كل شئ – فى
الكليات والجزئيات – فى رقتها وطيبتها . وفى فقرها وغربتها وبراءتها وحسنها
والامها وامالها . أما ثنائى الأختين – لئيمة وفهيمة – فقد تعاطف معه الأطفال
الصغار ، مع أنه يمثل الجانب المضاد للبطلة سندريلا . هذا الثنائى يشكله "
سحر حسين " و " انتصار الشرٌاح " . الأولى رفيعة والثانية بدينة .
وهما بذلك على خلاف مادى جسدى مع بعضهما .
كما أنهما على خلاف
نفسى سلوكى . فالثنائى يعتمد على المبالغة فى الأداء ، وعلى التعبير بالإيماءات
والحركات الفاقعة . هذه الكاريكاتورية مطلوبة لذاتها لأنها تعطى للشر صورة مكبرة
ومشوهة . أما الأم " أسمهان
توفيق " فقد جسدت حيرتها بين ابنتها وغفلتهما ، وقبحها ، ونباهة سندريلا
وجمالها . أما الأمير " حسين المنصور " فقد قدم لنا نموذجا للأمير /
لالموديل . الأمير المعروف وقد قدمه بشكل واقعى . فى الوقت الذى كان عليه أن يقدمه
بشكل فنتازى وذلك حتى يكون منسجما مع الجو العام للمسرحية . وما قيل عن الأمير
ينطبق تماما على الوزير " حسن البدر " لأنه أيضا كان جادا فى أجواء مرحة
وشفافة .
ثلاثى الحيوانات
الصغيرة كان مرحا ، حيٌا وراقصا . تخضع نحركاته لخطة كوريغرفية بديعة .
هذه إذن . هى مسرحية
" سندريلا " مجهود جاد وطيب . يعكس اهتمام الإنسان العربى فى الكويت
بأجياله القادمة .
ويبقى أن الذين ساهموا
فى إنجاز هذا العمل الفنى ، من قريب أو
بعيد ، أكثر من أن تستوعبهم هذه الدراسة . إن المسرح عمل جماعى ، جوانبه الخفية أكبر من جوانبه الظاهرة
والعاملون فى الظل . لا يقلون خطورة عن العاملين فى الضوء ، فتحية لكل التقنيين
المسرحيين الذين يشتغلون فى صمت .
عبد الكريم
برشيد
0 التعليقات:
إرسال تعليق