Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأربعاء، 14 يونيو 2017

امرأتان .. رجلان دراما التفتت والحوار المفقود

امرأتان .. رجلان
دراما التفتت والحوار المفقود
         د. حسن عطية
مجلة المسرح مايو 1997

منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، كان أدم إنسانها الأول، لكنه لم يستطع أن يكون فارسها الوحيد، لذا تخلقت حواء من أعماقه لتكون نداً له، ووجوداً متحاوراً معه، متجادلاً مع أفكاره، متصارعاً مع توجهاته، صانعاً معه الحياة، ومن ثم ففى البدء كانت الكلمة المتحاورة مع الآخر، كان (الديالوج) وليس (المونولوج) ، كان الفعل والفعل المضاد، وعليه كان وجود اللغة والثقافة والإبداع، فلا أحد يحادث ذاته، إلا للحظات خاطفة، ولا أحد يبدع ليتباهى بإبداعه أمام المرأة، وإنما هو يبحث دائماً عن متلق لثمرة إبداعه هذا، ليعرف ريه فى قيمته.
ويفضل هذا الحواء الإنسانى ظهر المسرح، القائم بدوره على الحوار، والمرتكز على الصراع بين الأضداد، والكاشف لتباين المواقف فى الحالات الزمانية والمكانية والنفسية المختلفة، والمعبر عن جوهر مجتمعه، رصداً لإيقاعه الحيوى، وتجادلاً مع قيم يرغب فى تثبيت قواعدها، أو يعمل على نسفها وتغييرها، ومن هنا جاء اختيار المخرج محمد سمير حسنى لنصين دراميين كتبهما كل من الكاتبين السيد حافظ وجمال عبد المقصود، فى اهتمام واضح من المؤلفين برصد التفتت السارى فى أوصال المجتمع فى العقود الثلاثة الأخيرة، وبرعب باد على مخرج العرض من الشرخ الواقع اليومى فى الأسرة المصرية، وداخل شبكة العلاقات الإنسانية بين فئات وطبقات المجتمع الواحد، ولذا فقد اختار نصين دراميين يتعرضان لموضوعة واحدة وأثر ألا يوصل بينهما بأى شكل من أشكال الربط الفنى، وإنما اكتفى بأن يجعل (استراحة) الجمهور، وزمن إضاءة مساحة تواجده ليفصل ويوصل فى ذات الوقت بين النصين.
يقوم البناء الدرامى فى الجزء الأول من العرض، والمعتمد على تكثيف لنص السيد حافظ "امرأتان" وإعادة صياغة تفاصيل ومعلومات داخله، على موقف متكرر كثيراً فى الدراما العالمية والمحلية، موقف غياب المخلص والذى تتصور شخصيات مجتمع النص / العرض أنه القادر بطوله فى المكان أن يغير من حال بعض الاتفاقات لمشروعات استثمارية تحول إلى حالة من السعادة العارمة حيث أن الأختين غاب عنهما تلك المدة.
الشقيقتان فى حالة من السعادة الغامرة المشوبة ×××، وكيف سنتقلان من حالة الفقر إلى تحقيق كل الأحلام والأمانى، وتبدأ أصوات ×× فها هو "مصطفى" الذى كان فى يوم من ××× ولكنه تزوج من أخرى، يبادر بطلب ××× وها هو شريك والدهما الذى استولى زوراً ××× بعد وفاة الأب، يطلب منهما الحضور لاستلام ×××.
××× المتغيرات ، نرى " هدى" وهى تصف سلوك ××× أنه انتهازى، بعد معرفته لخبر وصول ××× المليونير وطمعه فى الأموال، وكذلك حال ××× الذى يريد أن يصل إلى قلب الشقيق لكى ××× مشاريع أكثر ربحاً وأكبر حجماً، ولكى  ××× غنيمة ذات قيمة أكبر من المصنع المنهوب.
××× التوترات ، تعيش "هدى" حلماً وردياً نرى  ××× من الشبان وهم يتوددون إليها ويرغبون ×××...
الحلم السراب ....
حالة التأهب والترقب لوصول الشقيق، ××× تجاوز الساعة موعد الوصول، تبدأ حالة القلق ××× "هدى" ويقطع ذلك قلب " سنية" الاتصال  ××× للسؤال عن مواعيد الوصول.
××× "هدى" إلى الهاتف وتجرى اتصالاً بالمطار، الاستعلامات السؤال عن وصول " رجب عبد  ××× الدهشورى" وبعد لحظات قاتلة تعلم أن هذا  ×××، ولكن شخصاً باسم آخر قد وصل. ينتهى  ××× الدهشورى"!! حالات من الاحباط.. ومحاولة  ××× "ربما يكون غي اسمه" .. ولكن يقطع  ××× البواب "سليمان" والذى يقدم لهما بطاقة حضور فرح أصغر أنجاله، فيعيش لحظات هذا الوجوم على وجه الشقيقتين بعد أن ضاع  ××× سراباً..
وعندما يهم البواب بالانصراف، يصل إلى سمعه نداء  ××× "استنى يا عم سليمان.. إحنا جايين معاك"!!
التأليف...
××× والمؤلف المسرح "السيد حافظ" أحد علامات المسرح المصرى المعاصر، وإبداعاته المسرحية خلال رحلته التى تزيد على الثلاثين عاماً، تلتصق بمصداقية  ××× شديدة بتراب الوطن، وتحمل عبق هوائه  ××× يحمل بين جبينه قلباً مكلوماً من معاناة أبناء  ××× الكادحين المطحونين.. وكثيراً ما ترجم تلك  ××× فى مسرحياته التى أثارت الجدل بين العامة.
××× "السيد حافظ" فى "إمرأتان" داخل سراديب  ××× بشرين بصفة عام، والمراة بصفة خاصة،  ××× الركيزة الأساسية لبناء المجتمع، وقد اختار  ××× "فوات القطار" كفتاة رئيسية لتراكيبه  ××× وعلى غير عادته فى السمات الأساسية لأعماله  ××× نراه اليوم يختار التشريح السيكولوجى  لفتاتين فاتهما قطار الزواج ويعيشان حالة من  ××× والجمود الذى غلف مشاعرهما وأصابهما بحالة الإحباط.
××× " السيد حافظ" بالجمل التلغرافية متنقلاً  ××× البعيد والحاضر الذى أصبح وكأنه ماض  ××× ، واستغل فى سياق الحوار مدلولات علم  ××× وعلم النفس التحليلى، حيث الأسباب  ××× .. والنوازع والسلوكيات، لمثل هذه الأنماط فى  ××× ومدى انفصالها عن تحقيق التوازن الاجتماعى  ××× للارتباط الكونى بين الرجل والمرأة، وما ترتب على  ××× طلال تفرض الجمود والتبلد وتولد العذابات  ××× النفسانية التى تصل فى خطورتها إلى أبعد من  ××× العادية.
التغيير من السكون إلى الحركة متمثلاً فى ظهور اسم الشقيق العائد بعد غياب طويل.. تم استغلاله استغلالاً ذكياً لإعادة تدفق المشاعر الجامدة.. والأحلام العريضة، بتعويض ما راح فى الزمن ا لمنصرم. لكنه فى الوقت نفسه أصبح كالشمعة التى تضئ فى ظلمات انعدام الرؤيا وتكشف النفوس الضعيفة التى كانت طامعة فى مقدرات الشقيقتين.. وكيف انها كشفت قناع الماضى وارتدت قناع الحاضر الزائف طمعاً وجشعاً فى الاستحواذ على مكاسب أكثر.
وضع المؤلف فى شخصية البواب "سليمان" المعادل الدرامى لتلك الشخصية السوية التى تعلم كل ما كان يدور ومازال، فتتعامل بإنسانية وشفافية وطيبة لتظل دائماً العون والسند المعنوى للشقيقتين من دون أهداف أو أغراض مما دفع بهما إلى الذهاب معه فى نهاية المطاف لحضور أفراح النجل الأصغر هرباً من صدمة الحلم السراب..
المسرحية ، بما حوت من صوغ، تعطى انطباعاً طيباً، وقد أثرت فى وجدان المشاهد الذى تابعها لإحساسه بصدق ما تطرحه، وبذلك، فهى تعتبر نموذجاً مسرحياً مشرفاً نحن فى أشد الحاجة لأمثاله وسط الأزمة التى يعانيها المسرح المصرى.
الممثلون ....
آمال رمزى "هدى" :
نجمة سينمائية ومسرحية ذات تاريخ فنى طويل ملئ بالنجاحات.. اهتمت فى السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بالمسرح، فقدمت العديد من الأعمال ذات الثقل الفنى، وهى فى هذا الدور تضيف إلى رصيدها نجاحاً وتأكيداً على قدراتها وإبداعاتها الفنية حيث التعامل الواعى مع أبعاد وتراكيب الشخصية، مع الحفاظ على الدفع الديناميكى ، وإبراز المعانى للكلمات، فاستحقت الإشادة والتقدير.
ماجدة منير " سنية " :
فنانة من جيل الوسط، سبق الإشادة بها فى العديد من أعمالها المسرحية، تفهمت أبعاد الشخصية، وأخذت بناحيتها، وتعاملت معها تعاملاً مدركاً لمفاهيم الصوغ المسرحى، وشاركت باقتدار فى إبراز المتناقضات بينها وبين شقيقتها، فتفوقت على نفسها فى الحالات التى استخدمت فيها التعبير الإيمائى لإبراز المكنونات الداخلية.
رضا عبد الحكيم " سليمان" :
ثقة بقدراته.. مدرك لكل أدوات اللعبة.. أجاد التعبير الصوتى والإيمائى، فكان مركز الثقل فى محصلة الطرح المسرحى يبشر بمستقبل طيب.
الإخراج :
الفنان " محمد سمير حسن" أحد علامات الإخلااج فى المسرح المصرى.. خصوصاً فى مجال الثقافة الجماهيرية التى تهتم بتقديم النصوص المسرحية الملتصقة بعذابات الطبقة الكادحة.. وهو فى هذا العمل يضع كل خبراته السابقة فى تقديم شخوصه داخل إطار الديكور المسرحى واستغل دلالات الألوان فى الإضاءة التى جسدت الحالات النفسانية التى تعصف ببطلتى العرض.. كما اهتم اهتماماً كبيراً فى توصيل الجمل الحوارية ذات الدلالات النفسانية، فجاءت الصورة النهائية مكتملة ومحققة للرسالة.

مسرح الطفل عند السيد حافظ بقلم :د. أسامة أبو طالب

مسرح الطفل
عند السيد حافظ
بقلم :د. أسامة أبو طالب
التقيت بالسيد حافظ عام 1968 بالمركز الثقافى الفرنسى بالاسكندرية حين كانت تعرض أحدث مسرحياته وهى بعنوان " كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى" وقد أصابتنا جميعاً هذه الدهشة الصادمة وقلنا من أين يأتى كل هذا الجنون المسرحى وكنا حداث العهد بالمسرح الأوروبى وتوقعنا توقعات كبيرة جداً لهذا الكاتب لكن المشهد المسرحى جمد وثبت على عدة أسماء فى ذلك الوقت وحدث اختناق ذاتى للمبدعين أنفسهم أمام هذا الجمود والثابت. لفتت نظرى فى العمل الذى قد قرأته مؤخراً للسيد حافظ وهو بعنوان " ملك الزبالين" وأراد فى هذه المسرحية أن يتئصل وأن يؤصل فى عمق التاريخ الأدبى والشعبى والفكرى والبحث عن الحرية المصرى والعربى. إن هذا النص الذى تحقق على فى يد السيد حافظ ببساطة شديدة جداً وإنسانية مذهلة بأرد على الذين اتهموا السيد حافظ بأنها أعمال ممعنة فى التجريب وأعمال ممعنة فى التعقيب بهذا الرد الذى ذكره الدكتور/ كمال الدين عيد بأن السيد حافظ حقيقة هو صفحة جميلة متنوعة تجد فيها كل ما يمكن أن تجده من البسيط إلى الكبير إلى الثرى المعقد إلى المتناغم الناعم التلقائى ومنها هذا العمل الذى اعتقد أنه عمل هام جداً ببساطته هذه وتلقائيته وفى هذا العمل يظهر السيد حافظ كاتباً متواضعاً ××× حقيقة لأن الكاتب اعترف هنا أن الكاتب هو المخرج الأول لنصه المسرحى وهذا تصوراً عقلانياً مثلما يرى الرسام اللوحة وهو يملك صناعة ماهرة فى بناء المسرحية والتمكن من التقنية التى لا تبدو إلا بسيطة فى الظاهر ولكن يكمن تحتها عمر من الصنعة وتمكن شديد جداً استطيع أن تنتج مثل هذا العمل البسيط.
وأنا حزين وأول الناس النادمين لأننى لم أقر هذا العمل والسبب يعود إلى قيمة هذا العمل والقيمة دائماً متواضعة ولا تفرض نفسها والسيد حافظ من أصحاب الحجل القيمى لأن التفاهة السطحية متبجحة وفارضة نفسها وسوقية وسافرة الوجه ولم يعرض على السيد حافظ هذا العمل وهذه البساطة والتلقائية ناسبت الموضوع لأن هذا الموضوع لم يكن من الممكن أن يعبر عنه بشكل معقد ولا أقصد بالتعقيد الكتابة بالعامية المصرية لأن السيد حافظ يستطيع أن يكتب بلغة عربية فصيحة وبسيطة جداً كما يمكن تكوينه أو تعمينه أو أى لهجة عربية أخرى لكن بساطة الفكرة والحكاية أن هذا الزبال الذى تمكن ان يقيم العدل لمدة سبعة سنوات ولقد دهشت كثيراً إلى أن أشار إلى السيد حافظ بفكر القرامطة وفكر الزنج وكل هذه المسائل عندما خرجت الدهماء والقطيع العار ثائراً غاضباً متمرداً على سوء أحواله وفساد حكامه فاختار السيد حافظ هذا النسيج وهذه التلقائية لم يعقد المشهد على الإطلاق لم يحلى نفسه ككاتب ولأنه مسرحى بالفعل لم يكتب إلا عشرة أسطر من الملاحظات المسرحية الإخراجية. وهذه مساحة للحرية المبدعة التى يعطيها فنان إلى فنان أخر.. لم يشأ السيد حافظ فى رؤية المشهد الذى يراه بعقله جيداً.. لم يشأ أن يفرض هذه الرؤية على الإطلاق..
لم يفرض حشده للمكان وتصويره له أو يفرض تصوراً منظرياً.. أو تصوراً مكانياً لهذا الفراغ المسرحى وترك كل هذا ببساطة للمخرج.
السيد حافظ طماع إذا أراد أن يرى هذا العمل على إيدى أكثر من مخرج وفى كل مرة سوف تتباين الرؤى وتتنوع وتثرى وتختلف فيرى من مسرحيته عدداً لا متناهياً من المسرحيات لو أن الحال كان أحسن من ذلك بكثير، ومن هنا أرى أهمية هذا العمل البسيط الذى أيضاً تكمن قيمته فى احتوائه على قدر هائل جداً من الفكاهة الراقية التى تنتظر المخرج أيضاً كى يفجر هذه الفكاهة والمتنوة وكوميديا الموقف الذى يستطيع أن يحلقه بعناية شديدة.
ومن هنا تأتى كلمة المخرج / مصطفى سعد الذى طرح عدة اسئلة هامة عن سبب عدم تقديم المخرجين الكبار الذين أخرجوا له فى الكويت مثل أحمد عبد الحليم، ومحمود الألفى وسعد أردش ومحمد سالم أعمالاً له فى مصر رغم أنهم يملكون هذا والفترة الزمنية هذه كانوا متربعين على قمة المسرح.
ثم تحدث الناقد والكاتب / علاء الجابر من دولة الكويت...
تعرفت على السيد حافظ فى اكتوبر سنة 1983 فى مسرحية سندريلا ومن لقائى بالسيد حافظ حيث كنت متابعاً لمسرح الطفل بالكويت وكنت شاباً صغيراً فى ذلك الوقت، وكان أول عرض لمسرح الطفل فى الكويت سنة 1978 للاستاذ / محفوظ عبد الرحمن "سندباد البحرى" وكان ثانى عرض أشاهده كان "سندريلا" للاستاذ / السيد حافظ وهذا العمل كان رقم 14 فى تاريخ المسرح الكويتى فمنذ البداية لفت انتباهى أعمال السيد حافظ.
وجدت أمور متشابه بينى وبينه ... أولاً أن هذا الرجل عمل فى المسرح وهذا ليس تخصصه الأول وإنما متخصص فى الفلسفة وأنا عرفته من المسرح وليس فى التخصص... والأمر الثانى أنه عمل فى مسرح الطفل بالكويت.. وهو مصرى فكان مسرح الطفل فى الكويت هو لعبتى وهوايتى بعد السيد حافظ ويبدو أن السيد حافظ قد أخذنى إلى هذا العالم ألا وهو مسرح الطفل وأيضاً هو عمل باحثاً فى المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب وأنا أيضاً عملت فى هذا المجلس باحثاً وهو قدم عشر أعمال مسرحية للطفل بالكويت.
وأنا أيضاً قدمت عشر مسرحيات للطفل بالكويت. كنت أغار من السيد حافظ غيرة حقيقية فالسيد حافظ شكل علامة فى مسرح الطفل بالكويت فمازالت العروض التى قدمت وهى عشرة مسرحيات :
1- سندريلا عام 1983 إخراج / منصور المنصور
2- الشاطر حسن عام 1984 إخراج / أحمد عبد الحليم
3- سندس عام 1985 إخراج / محمود الألفى
4- محاكمة على بابا عام 1985 إخراج / احمد عبد الحليم
5- أولاد جحا عام 1986 إخراج / محمود الألفى
6- حذاء سندريلا عام 1986 إخراج / دخيل الدخيل
7- عنترة بن شداد عام 1987 إخراج / احمد عبد الحليم
8- فرسان بنى هلال عام 1987 إخراج / محمد سالم
9- بيبى والعجوز عام 1987 إخراج / حسين مسلم
10- الساحر حمدان عام 1990 إخراج / احمد عبد الحليم
لو تتبعنا مشوار السيد حافظ وأميل إلى الدقة (الشاطر حسن – أولاد جحا – على بابا – عنتر بن شداد – فرسان بنى هلال – الساحر حمدان) 60% من أعمال السيد حافظ تنتهج خط التراث العربى والشعبى. وهذا النهج يسير وفقاً مع خط السيد حافظ خطه القومى وبحثه الدائم عن مسرح عربى أصيل مثلما فعل عز الدين المدنى ويوسف إدريس وسعد الله ونوس.. السيد حافظ فى جانب مسرح الطفل ينتهج إلى التراث العربى الأصيل.
أما التراث العالمى فقد عمل عليه السيد حافظ فى مسرحيته "سندريلا" و"حذاء سندريلا" .. لماذا سندريلا بالذات لا أعرف؟
أما التأليف الخالص بيبى والعجوز ومسرحية سندس.. أتوقف عند مسرحية سندس.. من وجهة نظرى أن مسرحية سندس من أنضج المسرحيات لدى السيد حافظ تطرق إلى الهم العربى والصراع الأيدولوجى بين الصهيونية والعالم العربى بطريقة تسلب لب الطفل وفى نفس الوقت لا يحس بأن هناك فوقية أو رسالة أكبر من عقل الطفل.. رسالة بسيطة جداً وعميقة جداً. لها جذور تعبر عن رأى الكاتب.. وإن لم يكن يظهر فى أقوال وحوار الممثلين ولكنها كان العمل ناضج جداً أو ترك أثر عميق جداً إنه كتبه بروحين.. روح الكبير الذى يملك الفكر القومى وروح الطفل الذى يشعر بماذا يقدم للأطفال وإن كنت اختلف فى وجهة نظرى أن تقدم السياسة للأطفال، لكن السيد حافظ أجبرنى على حب هذا العمل وأوضح لى كيف تقدم الرسالة السياسية للطفل بطريقة ما إذا كان ورائها كاتب بارع.. أما العمل الثانى " بيبى والعجوز " تطرق فيه السيد حافظ إلى موضوع خطير جداً وبالذات فى الخليج وهو قضية الخدم فى الكويت.. واعتماد الأسرة الكويتية على الخدم والقاء القضية السلبية على الخدم وتفكك الأسرة لهذا الجانب وأن الأب كان لا يعرف عن ابنته حتى تضيع فى الشارع ويجدها رجل كبير.. أى أن الموضوع كان خطيراً وكان أسلوب السيد حافظ وبراعته فى الكتابة يجعلنى أنسى دور الناقد ويجعلنى أجلس فى دور المتلقى الذى يعجب بالعمل.. السيد حافظ فى توجهه فى مسرح الطفل بالكويت كان له دور مؤثر وفاعل فى مسرح الطفل بالكويت.
السيد حافظ ساهم فى بروز نجوم كثيرين جداً فى مسرح الطفل فى الكويت الذين أصبحوا الأن نجوم فى الكويت وهذا الأمر يحسب له. وأنا آسف للتحدث عن مسرح الطفل فقط لأن هذا محور عملى واعتقد أن السيد حافظ مازال يحمل فى جعبته الكثير لمسرح الطفل فى الكويت ومازال له مريديه ومعجبيه، ومازال يذكرونه بكل الخير والحب رغم كل السنوات التى غاب عنها عن الكويت.. ولا يذكر اسم مسرح الطفل فى الكويت إلا ويذكر اسم السيد حافظ وقدم من روحه الكثير لمسرح الطفل فى الكويت والمسرح الكويتى ومازال يتابع هذا الرجل رغم أنه بعيداً فى مكان ولكنه قريب فى القلب.
احترم هذا الرجل وأقدره جداً وليس قريباً أن يكون لهذا الرجل أن يكون له كل هذا الثقل لمحبيه ومريديه فى مصر وفى الكويت مازال يحبوه ويتمنون أن يعود ثانية ليكون بينهم..
د. أسامة أبو طالب

السبت، 3 يونيو 2017

التَّعالقُ بين الوطن ، الكتابةُ ، العشقُ . دراسةٌ نقديةٌ حول اغتراب البطل الإشكالي في حتى يطمئن قلبي ، كاميليا عبد الفتاح

التَّعالقُ  بين الوطن ، الكتابةُ ، العشقُ
 .
دراسةٌ نقديةٌ حول اغتراب البطل الإشكالي ،

 ومرتكزات خلاصه في 

 رواية " حتى يطمئن قلبي "

 للكاتب الروائي السيد حافظ .

بقلم د. كاميليا عبد الفتاح .
الأستاذ المساعد في تخصص الأدب الحديث
 والنقد . جامعة الباحة سابقًا .
السَّردُ الذاتيُّ نمطٌ من أنماط السرد الروائي – أو مقولات الحكي كما يُسمّيها الناقد الفرنسي جان بويون – ويتمّ فيه تقديم الأحداث والشخصيات من خلالِ وجهة نظر الراوي ، ومن خلالِ تأويله الأحداث ، ودفعها إلى جهةٍ دلالية بعينها ، ويتمُّ كذلك  من خلالِ انتخابِ هذه الأحداثِ – وتكثيفها وإخضاعها للعبة الخفاء والتجلّي– بما يُجعل هذه الأحداث متضافرةً في سبيل غاية واحدةٍ هي إبراز الرؤية – أو الأيديولوجية – التي أراد الكاتب تجسيدها . وفي السرد الذاتي -  Subjwctif – كما يقولُ توماتشوفسكي – " نتتبّعُ الحكيَ من خلالِ عيني الراوي  - أو طرف مستمعٍ – متوفرين على تفسيرٍ لكلِّ خبرِ ، متى وكيفَ عرفه الراوي ، أو المستمع نفسه " هذا النمطُ من السرد يشيعُ في الروايات الرومانسية ، والرواية ذات البطل الإشكاليّ  التي نتوقف  بالقراءة النقدية أمام أحدِ  نماذجها ، وأعني رواية " حتّى يطمئن قلبي "  للكاتب الروائيّ السيد حافظ  ، وهي جزءٌ من أجزاء مشروعه الروائي الكبير ، وحلقةٌ من حلقات الأحداث في هذا المشروع .

لقراءة الدراسة كاملة أو تحميلها بصيغة PDF اضغط على الرابط التالي:

الجمعة، 2 يونيو 2017

ليالى دبى شاى أخضر الحكاية الرابعة –

ليالى دبى
شاى أخضر


الحكاية الرابعة – حكاية شمس و الحاكم بأمر الله



لايزال المؤلف المثقف السيد حافظ يبحث عن رائحة الوطن وذاكرة الجسد , وعذابات الانسان--, لايزال مؤرقا بجمرات عشق اليقين والحب والحرية , ولاتزال ابداعاته الروائية الكبرى تثير الجدل والتساؤلات--, تشاغب الصمت وتكشف الغياب , لتبوح بمعنى المعنى--, وفى هذا السياق ياتى اصداره الروائى الرابع  ليالى دبى كتيار جارف من الدهشة والبكارة , وحرارة المعرفة , التى تضع القارىء امام ملحمة روائية استثنائية , رفيعة المستوى  مسكونة بموجات العشق واندفاعات الرغبة, بمجون السياسة وخلاعة الحقيقة , ودعارة السقوط .
هذه الرواية ليست رواية عادية, فهى خارجة عن السياق وعن سلطة النصوص , تجاوزت السائد والمالوف , وامتلكت قانونها الابداعى الخاص واطارها المرجعى المتميز , وكانت قرارا بامتلاك اقصى درجات الحرية , بعيدا عن جمود التابوهات والرؤى الاحادية المغلقة . وهكذا نصبح امام تجربة جديدة تستحق القراءة والمناقشة , والتوقف امامها طويلا لاستيعاب جمالياتها وتقنياتها واختلافها , وعلى مستوى اخر فان المؤلف السيد حافظ يضع الوسط الثقافى المصرى فى الزاوية الحرجة ,حيث تثير روايته قضايا التجديد والتثوير النقدى ,الذى يمتلك امكانات الاشتباك مع تجارب الكتابة المغايرة التى تستعصى على القولبة والنمطية .
لاتقتصر ليالى دبى على الشخصيات الانسانية فقط , فنحن امام عالم ابداعى شديد الرحابة – يتكلم فيه التاريخ  وتحضر الجغرافيا , ترقص السياسة ويصرخ الاقتصاد  , يشهد التراث ويتحدث الخلفاء والائمة , المؤرخون والشعراء , ويموج المسرح بالحرية  , بينما الموسيقى العالمية تعانق الغناء العربى --, ليصبح المتلقى امام حالة من الوعى وتنطلق التساؤلات التى تظل باحثة عن الاجابات , ويذكر أن المؤلف قد وظف هذه المفردات الثرية لتصبح اجزاء عضوية يتكامل بها النسيج الدرامى.
هكذا نصبح امام رواية حداثية وكتابة بلا مركز , ترتبط نقديا وجماليا بفكرة سقوط المرجعيات المعرفية والاجتماعية حيث لم يعد للعمل الفنى بمفهومه الحداثى بؤرة محددة ينطلق منها , لكنه يتشكل عبر اختلاف الرؤى وتعدد الانماط , فالرواية بشكل خاص تشهد الأن تحولا جذريا ينتزعها بقوة من سلطة المطلق والمجرد , ويأخذها إلى خصوصية الذات والتفاصيل , وايقاعات الحس والمشاعر واندفاعات  الجسد , وذلك فى اطار تتكسر فيه مفاهيم التتابع الزمنى للحكاية والسرد والحوار والاحداث , حيث تغيب الاطر والمرجعيات وينتفى مبدا الوحدة العضوية , والاتساق الهارمونى الناعم , وتبقى تلك الجماليات الشرسة المغايرة , التى يبعثها تفجير المعانى الاحادية  وتحويلها الى موجات من التكوينات المشاغبة فكريا ودلاليا
تمثل هذه الرواية الجزء الثالث من الملحمة الروائية الضخمة , التى لم تكتمل بعد, فقد كتب السيد حافظ    , قهوة سادة , كابتشينو--, وليالى دبى--, وعبر وقائع امتداد الزمن وتصاعده تنمو الاحداث والشخصيات , وتتفجر موجات الشغف الساحرة , التى تخطف القارىء إلى مواجهة ذاته وامتلاك سر الحياة , ويذكر أن شخصية سهر --, ابنة الجبل فى بلاد الشام  , انثى الليل والبحر والشجر , التى تسكن احلام المراهقين والرجال , كانت هى شرارة الضوء الكونى العارم , التى منحت المؤلف مقدرة السيطرة على الزمن واحياء عصوره المختلفة كى يتتبع تجسيد روح سهر, فقد كانت صاحبة روحها الاولى هى نفر –امراة العطر الاسطورى فى زمن اخناتون , ثم ذهبت الروح الى نور  فى زمن سيدنا موسى , وفى زمن الحاكم بامر الله –عهد الدولة الفاطمية , كانت شمس هى صاحبة الروح الثالثة .
من المؤكد أن هذه التيمة ترتكز على فكرة ذهبية ثرية  , تسكن أعماق البشر , وتروى ظما المعرفة للمصير , عبر حركة الروح واندفاعات الجسد فى كون غامض يرسمه الإنسان بالدم والرغبة والاحلام , ورغم روحانية هذا المفهوم وشاعريته الناعمة , الا أنه يشتبك عبر المستويات الأعمق للكتابة مع ايقاعات العلم ووهج الضوء وطاقة الحياة , وتظل جماليات اللغة وسحر التفاصيل ودفء الصياغات وخصوصية البناء , تظل كاشفة عن حرفية المؤلف فى اختيار الفكرة التى منحته مزيدا من الجدل والحرية والنقد الساخن للسياسة والتاريخ والمجتمع , وقد يتضح ذلك عبر المغامرة الابداعية المدهشة حين اتجه السيد حافظ ألى أقصى أشكال الحرية لتاتى حكايات شهر زاد عن شمس والحاكم بامر الله , من خلال مسرحية شديدة الحرارة والبلاغة , تموج بالاحداث والشخصيات والمؤامرات, التى فتحت المسار امام الوعى والجدل ودراما التاريخ , واشتباكات الماضى مع وقائع حاضرنا الوحشى العنيد , وكان من المدهش أن نصبح امام نص روائى ساحر يتضمن نصا مسرحيا مبهرا , امتزجا معا برشاقة فاندفعت تيارات الجموح والطموح والرغبة فى امتلاك ضوء القمر .
تتخذ مشاغبات المؤلف مسارها عبر تقاطع السرد والحكى مع الحوار المسرحى , والاصوات والاحداث ,تيارات الوعى تكشف عن اندفاعات الاعماق , والمفهوم التقليدى للزمن يغيب مع الفلاشات والتقاطعات , ويظل صوت المؤلف حاضرا عبر الهمسات والفواصل والتنهيدات والاغنيات , والتى ارتبطت جميعها بالنسيج الروائى وتحولت إلى تعليقات سياسية , نقدية وجمالية ساخنة .
تظل الكتابة تكشف عن حس جمالى رفيع المستوى , يرسم ويقرأ ويكتب فى ذاكرة الوطن والجسد, والشخصيات , التى رسمها السيد حافظ بحرفية عالية , منحتها مقدرة البقاء والتجدد والامتداد , وغابت معها الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال , ويذكر أن شخصية فتحى رضوان- بطل ليالى دبى , الذى عرفناه منذ بدايات الملحمة , يذكر انها جاءت كنموذج خلاب لثراء الشخصية المصرية النقية , التى تمتلك الضوء والمعرفة والتجربة , تعايش الوهج والصعود والسقوط والعذاب , تشتبك مع الفكر والارادة والثقافة , وتشاغب العشق والحب والسياسة ,ليصبح وجودها ثورات ومشاعر ونبض وفيض وجموح .
اخبرنا المؤلف السيد حافظ فى روايته قهوة سادة , أن فتحى رضوان سيكون حبيب سهر بعد خمسة عشر عاما , ورغم بساطة الفكرة الا انها تؤكد ان الفن هو لحظة استثنائية , ووجود افتراضى منظم , وفى هذا السياق الابداعى الجميل تمر السنوات ويتحقق اللقاء فى ليالى دبى , تلك الرواية التى جمعت برشاقة بين امراتين تفصل بينهما الاف السنوات  --, تربطهما روح واحدة , وعطر اخاذ وجمال لافت  , وعشق مثير---, الأولى هى سهر أبنة زمننا الحالى وحبيبة فتحى رضوان , والثانية هى شمس حبيبة الحاكم بامر الله , وصاحبة الروح الثالثة لسهر , وعندما نتامل هذا المونتاج المتوازى الساحر ندرك أن السيد حافظ  روائى عظيم وفنان كبير , سيثير مزيدا من الجدل والتساؤلات  حول ابداعاته ,التى تفتح للفن مسارات مغايرة , وفى هذا الاطار سندرك ايضا أن غموض الحب واسراره تستوعب الفلسفة والحرب والسياسة --, العشق والدم والثورة , الفكر والاساطير والجسد , الاقتصاد والاجتماع --, والتسلط والرضوخ--, حيث يظل دائما هو البدء والمنتهى
فتحى رضوان وسهر—
رفضت سهر ان تكون دجاجة تنتظر الديك كل مساء--, قررت ان تترك الجبل والفقر وبلاد الشام , وتذهب الى الخليج---, تزوجت منقذ واكتشفت منذ الليلة الأولى أنها باعت نفسها لرجل عجز أن يفتح امامها ابواب النساء ---, اكتفى بافلام البورنو --, فاشعل فى جسدها نيران الرغبة وجحيم التساؤلات .
كان فتحى رضوان قد ترك مصر وذهب الى الخليج ليعمل فى نفس الجريدة , التى يعمل بها منقذ--, وقبل أن يرى سهر كان يشم عطرها ويحتضن عصفورها , ويكتب فى مقالاته-لا تغلقى شباكك--- ,فعصفور قلبى قد برد من الانتظار على السور .
فى ذلك الصباح ذهب منقذإلى عمله ومعه زوجته العروس , كانت ساحرة الجمال , يسبقها عطرها الغامض وأنفاسها تملا المكان , وحين رأها فتحى , فقد توازنه واندفع إلى عينيها , فخطفت روحه إلى جزيرة العصافير, كانت بهية شقية وعفية, كانت كلمة لايقراها الا الانبياء العشاق والفرسان المنتصرون--- ,هكذا بدأت العلاقة الغامضة , التى اكتملت فى الحجرة 432 بفندق راديسون دبى فى يوم ميلاد فتحى رضوان, فى تلك اليلة خلع فتحى ملابسها وهمس لها -انت مهرتى- أخترتك لأنى شعرت أنك منى- او لى . أو مكتوبة لى , أشعر أحيانا انك طفلة--- أو أنك فلة. واحيانا بحر حنان , وحرب غرام مؤجلة , شعرت مرة انك امامى تبكين عارية-تمسكين فى يدك ياسمينة , تسالينى .علمنى سيدى حروف ابجدية العشق---فانا امية فى العشق , أنا الأن اقرأ عليك ياسهر ديوان العاشقين المتيمين , وسوف تطلبين منى أن اعيد تعليمك الف ليلة وليلة من جديد .
هكذا عرفت سهر معنى الجسد والجنس والحياة---, اندفعت إلى سحر اليل واحضان فتحى , وصوته الذى اخضرت له اوراق الشجر, ولكن الرجل العاشق ظل مؤرقا بكل مايحدث-, حاصرته التساؤلات. وظل يحلم بالانبياء والقديسين , فهل خان فتحى ؟  ام خانت سهر ؟ ام ان الظروف خانتهما ؟؟
الحاكم بامر الله وشمس-روح سهر الرابعة-
كانت شمس تتسلق الشجرة لتضع العصفور فى عشه , انحنى خصرها فالتصقت بجسد الحاكم , مد يده يتحسس شعرها , عيناه تبعثان اقواس قزح, رغباتها تتفجر بنيران العشق , البحر الهادر يترنح فى احضانه , امواجه محملة بالعطر الخفى , كانت بين يديه اعصار نار جارف , ضمها وهو يرتجف, قبلها بعنف وشوق , اصابته اللحظة المجنونة المثيرة---, حاول أن يفتح ازرار ثوبها , لكنه تركها كرجل يهرب من العاصفة---, بكى وسجد على الأرض وهمس , سامحنى ربى .كدت انسى نفسى .
هذه هى حكاية عشق نارى , بين انثى شهية ورجل تقى , حكاية شمس مع الحاكم بامر الله--, دخلت القصر اسيرة ثم اصبحت من الوصيفات--, وقعت فى غرام الفتى الحاكم منذ رأته أول مرة , هى الانثى الفريدة الفاتنة. عيونها خمر وجسدها رغبة , عطرها يسرى فى دقات قلوب الرجال, كلماتها سحر واشواق , قد يكون جمالها عهرا , لكنها امراة من الجنة , تمتلك سر الهوى والاحلام .
كانت شمس قادمة من بلاد الشام –مثل سهر- , دخلت قصر الحاكم اسيرة--, كان أبوها زبالا فقيرا وقائدا شرسا للمعارضين فى بلاد الشام , هزمهم العزيز بالله واتى بهم الى مصر , واصيب العزيز فى الحرب ومات, كان ابنه الحاكم بامر الله لايزال طفلا يلهو ويتسلق الاشجار , لكن كان عليه ان يمتلك العرش .
فى القصر بدأت حكاية العشق الجارف , وانتهت فى المقطم , حيث تصرخ شمس وتبكى بعد مقتل الحاكم , وهناك تلتقى بأبيها وتعود معه الى الشام –كما أوصاها حبيبها الذى كان , وكما تحكى شهرزاد عرفنا أن شمس تزوجت من سيف المشعلجى , وانجبت الابناء , عاشت السنوات , وحين ماتت دفنوها فى قبر عليه الاف الوردات .
لقد كان الحاكم بامر الله شخصية مثيرة للجدل ,اراد أن يمتلك القمر , وأن يحقق العدالة المطلقة, كان مثاليا تقيا يخشى الله , لكنه لم يدرك  أسرار السياسة, وقادتة السلطةالى موجات القتل والدم والعذا-, ذكره التراث بانه فاسد العقيدة وفاسد الضمير--, فهو لم يدرك أن التاريخ يكتبه الاثرياء, وأن الفقراء ليس لهم أسم ولا عنوان ولا تاريخ فى التاريخ .
تعتبر هذه المسرحية فى حد ذاتها من الاعمال التاريخية السياسية الهامة , التى تثير جدلا عارما بين مفاهيم السلطة وحدود العدالة , كما أنها تكشف المسكوت عنه من اسرار الدولة الفاطمية , وتشتبك بقوة مع تحديات واقعنا السياسى الحالى, ويذكر انها تطرح تفاصيل نساء الفاطميات فى حكم الدولة وسياستها , حيث الخبرة والذكاء --, القهر والقوة, والحب والعذاب--, فقد كانت ست الملك-الاخت الكبرى للحاكم بامر الله- , كانت نموذجا انسانيا ومسرحيا ودراميا شديد الرونق والبهاء , واتصور ان تقديم هذه التجربة على المسرح سيكون اضافة حقيقية لواقعنا الثقافى . واذا كانت مشاهد المسرحية واحداثها وشخصياتها تاتى ضمن احداث وتفاصيل رواية ليالى دبى , فان هذه التقاطعات تبعث وهجا مدهشا واشتعالا صاخبا , لنصبح امام كون روائى هائل يمتد من الماضى البعيد ليعانق التاريخ والسياسة والتراث ---, واحلام الناس وسقطاتهم  , ويصل بنا الى قلب الحاضر ليراقص المستقبل .
اتجه المؤلف السيد حافظ إلى تقنيات كسر الايهام , واستطاع أن يثير عقل القارىء وادراكه , ويبعده عن الإستغراق والتوحد مع شخصيات الرواية , فاستخدم أسلوب .فاصل ثم نعود, وهو بالطبع أسلوب جديد فى عالم الروايات , فتح للمؤلف مساحات من الضوء والكشف والبوح , وقد جاءت الفواصل بعنوان -  شخصيات فى سيرة ومسيرة ابن حافظ وماحدث له وماجرى فى بلاد المسخرة --, وفى هذا السياق نتعرف على احداث ومفارقات , خطابات من الاصدقاء , علاقات مسكونة بالجمال واخرى مسكونة بالجحود والنكران , وكذلك نلمس رؤية السيد حافظ  للكثيرين من مثقفى مصر والوطن العربى , ونتعرف ايضا على الشخصية المصرية بين الثابت والمتحول---, فنقرا مثلا ان المصريين الفراعنة منذ سبعة الاف عام , هم اول من اكتشف الحجر وبنوا به المدن والاهرامات وغيروا وجه الدنيا--, والان اصابتنا نكسة الغش والفساد فى الصناعة والزراعة والمبانى والصحة  وعيرهم , وهكذا تمتد الرؤى  ونصبح امام تيار مدهش من النقد الباحث عن الوطن والانسان . اما الهمسات فقد جاءت وفقا لاستراتيجية شديدة الدقة والبلاغة --, تناولت صراع اخناتون مع التوحيد والكهنة ورجال الدين ,سياسات تحتمس الرابع --, ومواقف على ابن ابى طالب  ومواجهاته ---, وغير ذلك من احداث التاريخ المسكونة بالجدل والتساؤلات .
لاتزال ليالى دبى زاخرة بالشخصيات والاحداث والتقنيات , فلايزال كاظم المدرس السورى الشاب , يعشق عطر سهر ويبحث عنها رغم الغياب , يرفض اللجوء العاطفى الى قلب امرأة --, والتخلى عن عشق قضية الوطن --, قرأ الاديان السماوية وسيرة الانبياء ---, قرأ جيفارا ولينين والأب ماو---, قرأ عبد الناصر والحاكم بامر الله---, رصد حركات الجماهير والثورات ---, لكنه لم يصل ابدا إلى سحر الهوى وسر عشقه لسهر--, اما شهر زاد القديسة اللعوب فهى لاتزال تحكى للنساء عن اسرار الرجال ---, تعرف مدينة العلو والايضاح فى اليل , بعض النساء قلن انها عرفت الف رجل --, وجلسن امامها فى ذهول--, وظلت هى تخفى سر علمها باالعشق والغرام  , وتقرأ اكف النساء --, وتحب سهر وتعلم سرها--, وتعرف أن عرقها  عطر لايوجد فى أى انثى , الا ماندر
اخيرا- نحن امام حالة روائية مسكونة بالفكر والوعى والثراء , تعانق الشوق والأحلام -, تبحث عن الوطن والعدل والانسان---, وتؤكد أن السيد حافظ هو مبدع فريد الطراز, سيثير دائما موجات الجدل والتساؤلات .


د . وفاء كمالو



















 .






الهجائيات المينيبية ونمط الكتابة عبر النوعية قراءة في مسرواية (حتى يطمئن قلبي)

الهجائيات المينيبية ونمط الكتابة عبر النوعية
قراءة في مسرواية
(حتى يطمئن قلبي)
للأديب الكبير
السيد حافظ




بقلم ايمان الزيات

توطئة

المينيبية هي خليط كتابي يجمع بين المتناقضات ويقطع خيط الاتصال السردي باستخدامه لمجموعة من الأصناف الأدبية المركبة والأحداث والرسائل والأقوال التى تنحرف بالسرد، أي أنها تعد نوعاً من أنواع الكتابة عبر النوعية، أو امتداداً لنمط تلك الكتابات التى تتشكل بخلط مجموعة من العناصر الأدبية (كالشعر، والقصة، والمقالة...الخ) والمزج بين تقنياتها فى عمل أدبي واحد يسمح باندياحها واختلاطها في متنه.
المسرواية هي أحد نماذج تداخل الأجناس الأدبية وهو ليس أنموذجاً تم استحداثه بل هو طاعن في السن؛ إذ ترجع أصوله إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وهو شكل أدبي تتعاقب فيه الصيغتان المسرحية والسردية وتتواليان، تقوم على فكرة تراسل الأجناس بتفعيل خاصية الحضور عن طريق(الصوت/ الحوار/ الخطاب) والمزج الماهر بين الحاضر البصري والماضي المستحضر، ومن أمثلتها في الأدب العربي (بنك القلق) لتوفيق الحكيم، و(نيويورك 80) ليوسف إدريس.
لماذا المسرواية؟!!
ربما لأنها النمط الأدبي الذي يقوم جنساه بشد عضد بعضهما البعض، من خلال رتق المهترىء في ثوب السرد بالحوار المسرحي من جهة لتحديد أبعاد الشخصيات واستنطاق حقائقها عن طريق تقابل وجهات النظر حول مسألة بعينها وهو ما يسمى (بالسنكريزات الحوارية)، أو استفزاز الكلمة بالكلمة بواسطة (الأناكريزات الحوارية) كما هو الحال في الحوار السقراطي، ومن جهة أخرى: محاربة الجفاء النقدي للنصوص المسرحية بالاستغناء السردي، الأمر الذي يسد حاجة النصوص المسرحية الحتمية لتأويل نقدي يتناول دلالات المواقف والتصرفات بالشرح والتحليل، ويجسد الصورة التى أراد المؤلف أن يرسمها لكل من شخصيات مسرحيته بأبعادها (الجسمية/ الاجتماعية/ النفسية/ الأخلاقية) ويصف فضاءات الزمان والمكان عوضاً عن ضرورة مشاهدتها على خشبة المسرح، ويصبح بذلك النص الورقي بمثابة (ماكيت) مصغر للعرض المسرحي الكبي؛ فالعلاقة هنا بين الرواية والنص المسرحي نفعية تكاملية تهدف في النهاية لتخليق وعياً تاماً بموضوعات النص وأفضيته وأطروحاته الإيديولوجية.
يعتقد المنظر الروسي(ميخائيل باختين)أن "الرواية معجونة بعجينة أخرى مختلفة عن الأجناس التامة والمكتملة، وأنها ذات مختلفة، معها وفيها ولد مستقبل كل الأدب" .
ويقول(باختين): "أن وحدها الرواية لا تملك قانوناً"
في مسرواية (حتى يطمئن قلبي) تتحقق تلك المقولة فتولد لنا الروح الخامسة لسهر وهي (لامار)- بريق الذهب أو الألماس- بعد الأرواح الأربعة السابقة (نفر/ نور/ شمس/ وجد)، ويولد معها نصاً أدبياً رحيباً ومهجناً بامتياز(لا عهد للتجنيس به) يجمع بين جماليات وتقنيات مجموعة من الأجناس الأدبية التى تم تنضيدها بحرفية عالية في مصفوفة متسقة على الرغم من تباينها، ومنظومة متصلة يسهل فصلها، يتماهى بداخلها(السرد الروائي، والحوار المسرحي)، نص تم حياكته جيداً وتوثيق عراه بالتقنيات، والإساءة إليه بقولبته داخل مسمى (المسرواية) الذي أرى أنه انتقص من رحابة العمل كثيرا،ً ووضع له أطراً قد يتناسى معها النقاد روعات تداخل الأجناس والأشكال الكتابية الأخرى في النص، ورحابة الفضاءات والعتبات الفنية به.
فهو يتموقع في بؤرة جامعة للكثير من الأجناس الأدبية والأشكال الكتابية التى تدفعنا للميل إلى وصفه بالنص المينيبي، الذي تستطيع أن تقرأ وتشاهد فيه مجموعة من المشاهد الحوارية المتنوعة: (حوار أفقي في السرد، و رأسي في المسرحيات، وحوار داخلي في مجموعة الهمسات والتغريدات)، وتستمتع بتقنيات الشعر (كالسجع/ الطباق/ التخييل)، وتقف على مجموعة لا بأس بها من المعلومات التاريخية والمعرفية؛ وتتمظهر بداخله أساليب المراوحة المستمرة بين (الأدبي والتاريخي/ الواقعي والخيالي/ الماضي والحاضر/ الذاتي والعام/ السيسيولوجي والاجتماعي) فيقف النص دوماً على التخوم دون السقوط في هوة التنميط.
ومن هذا المنطلق يكتب الأديب (السيد حافظ) نصوصه الروائية معلناً الحرب على النمطية وعلى نفسه؛ فلا تكرار ولا تشابه، نعم مازالت اللعبة (التفكيكية) حاضرة، ومازال القارىء يستطيع إعادة تركيب النص بطريقته تبعاً لتأويلاته الخاصة، ربما تحافظ نصوصه على ملامحها الأصولية التى بدأت بها كفكرة (القصة الشجرية) التى تنشأ على لسان الراوية (شهرزاد) وتحكيها (لسهر) عن أرواحها المتناسخة عبر الأزمان، وتتفرع منها مجموعة من القصص الثانوية ما تلبث أن يشتد عودها وتقوى بكيفيات تجعلها لا تقل أهمية وحضوراًعن القصة الجذرية أو القصة الاطار، لكن المغايرة هنا تتمثل في كيفية الولوج إلى الشريط السردي؛ (فشهرزاد) في نص(حتى يطمئن قلبي) تتغير ثيماتها اللونية وتتوالى من فصل لآخر من خلال مقدمة متغيرة الألوان.. ثابتة الحركات آثر الكاتب أن تتخذها (شهرزاد) كطقس خاص بها في كل مرة تستعد فيها لاستكمال الحكي كالتالي/
"ترتشف شهرزاد القهوة رشفة.. رشفتين وهي ترتدي ثوباً أنيقاً لونه أزرق.. وحذاء أزرق.. تفتح حقيبة يدها.. تخرج منديلاً أزرق يشبه منديل أم كلثوم.. يشع بحكايات حب معطرة تنتشر فتغطي الخليج.. تمسح أطراف شفتيها.. تطويه مرة.. مرتين ثم تحتفظ به في يدها اليسرى أو تخفيه بين النهدين.. تنظر يمينا شمالاً.. أماماً خلفاً ثم تهمس:"
ولقد ساهمت ثيمات (ثوب، حذاء، منديل) شهرزاد اللونية المتغيرة من الأزرق للأسود للأحمر- المنقط - والسماوي، في فتح آفاق التأويل أمام القارىء على تبدل الحالة أو الحدث مع ثبات الشخصية، أيضاً أضفت تلك الثيمات روحاً من المؤانسة، وأزاحت ملل التكرار وخلقت شغف الترقب للحالة التالية التى ستظهر بها شهرزاد، كأن القارىء سيصفح لتوه كتاباً ملوناً بالأحداث، والشخوص، والحالات الإنفعالية، والتشكيلات البصرية.
مازال الكاتب محافظاً على أسلوبه المائز والفريد في (كسر حاجز الايهام) بينه وبين القارىء، والذي استعاره من المسرح، فنجده في البدء يجيب على تساؤل: (لماذا أكتب كل هذا الكم وكيف؟) وكأن القارىء قد ألقاه على مسامعه تواً!! فمن اللحظة الأولى لبناء النص يستحضر الكاتب قارئيه فيصبحون صناعاً ومشاركين منخرطين معه في خضم هذا الكائن الثائر والمتحور، مترقبين تمامه لمشاهدة وفهم ملامحه بوضوح، ولا ينسى أن يوجه الحديث إلى قارئه من فصل لآخر منبها إياه في مطلع كل فصل تارة بقوله: (عدنا إلى الرواية......)، وأخرى بقوله: (ومازلنا....)، وفي الفصل الرابع بقوله: (إذا لم تكن عاشقاً لا تمر عليه وانتقل إلى الخامس..)، وفي بداية الخامس يقول: (عدنا إلى الرواية انتبه معي الآن)، ثم في مستهل السادس يخاطب القارىء من جديد قائلاً: (عدنا بعد الركعتين، نعود إلى حكاية لامار وضوء المكان لتحكي شهرزاد)،(عدنا إلى الرواية فلا تحزنوا ولا تفرحوا ولكن فكروا ماذا بعد....!!).
ومن ملامح التجديد أيضاً في تلك التقنية خلقه نماطاً حركياً خارجياً، مغايراً لأنماط الحركة الداخلية بالنص عن طريق مجموعة من الركعات التى كان يعلن عنها من حين لآخر (كصلاة الغائب) التى تصلى على كل ذي نفع، كعالم أو مجاهد أو غني نفع الناس بماله، ولقد أداها الكاتب هنا على أرواح مجموعة من الشخصيات التى يستحضر المجتمع مواقفها وأقوالها المأثورة من رحم التاريخ إيماناً بقيمتها ودورها وانعكاساً لحاجة تلك المجتمعات إليها الآن مثل: ( سعد الدين الشاذلي/ اخناتون/ جلال الدين الرومي/ نزار قباني/ محمود درويش).
ويظل الكاتب يرسل برسائله التنبيهية إلى المتلقي على طول النص وحتى النهاية بتقنية أبعدت عنه شبح الاتهام، وأسقطت قضبان الأسر المحيطة بأنماطه المينيبية لكونها في رأي بعض النقاد ضالعة في (تغييب الوعي) لدى القارىء، و أحد أعمدة تشتيته الأساسية.
وفضلاً عن التحديد الدائم، والتحديث المستمرة للزمان والمكان؛ فلقد حرص الكاتب على إضافة بعداً حسياً جديداً يزيد من تعميق الحالة ويرفع منسوب المشاركة النصية ألا وهو بعد (درجة حرارة الجو)، فالكاتب يريد منك أن تتعرق وتشعر بارتفاع حرارة الأحداث، أن تتراسل حواسك مباشرة مع النص، يضعك في بؤرة الشعور ويكمل المحسوس بالملموس. فيهتم بالإجابة على بعض التساؤلات التى ربما تدور بخلدك أثناء القراءة (كم الساعة/ أين نحن/ هل حرارة الجو مرتفعة أم أنا فقط من أشعر بتلك السخونة؟!!) إنه نوع من أنواع الحراك التفاعلي بين الكاتب والمتلقي أضافه (السيد حافظ) إلى قائمة تقنياته النابضة.

يشير(ماريو بارغاس يوسا) إلى: أن" الكاتب الكبيرمخلوق شره، يضع في جرابه كل ما يصل إليه، ويستعمل جميع الوسائل، يتناول ويُدخل ويعيد تركيب كل أنواع المواد في بناء إبداعه الخاص؛ بحيث يمكن لكل شىء، كل شىء على الاطلاق أن يمارس تأثيرا عليه: كتابا تأمله، أو قراءة بالمصادفة، قصاصة صحفية، إشهارا، جملة ملتقطة من مقهى، استغراق في وجه، في رسم، في صورة ما".
وهذا بالضبط ما فعله (السيد حافظ) في نص (حتى يطمئن قلبي) حيث امتلك حساً فريداً في ايجاد وإدراك السردي في الأجناس غير السردية (كالتغريدات/ الحكم/ والأمثال الشعبية/ العبارات المسكوكة)، وطعّم النص بمجموعة من (المنمنمات القصصية القصيرة جداً) التى قامت بوظيفة التوطئة (وظهرت بمظهر الإبجرامات الأدبية) التى اعتاد كتاب ما بعد الحداثة البدء بها قبل كل فصل من الفصول الروائية.
واستغل الكاتب ثيمة (رفع الآذان) كمعبر للتعريف بأئمة القراء ومشاهيرهم، فرفعه بصوت الشيخ (محمد رفعت/ محمود المصري/ النقشبندي) لمنح القارىء فسحة ذهنية، ودفقة من الدفقات المعرفة الدينية التى زادت النص إثراءً وفرادة.
تخيل معي ماذا فعل الكاتب من أجلك أيها القارىء: (جعلك تبدو الآن- في زمن القراءة- داخل بيتك في غرفة المعيشة تحديداً تشاهد محطة تليفزيونية محلية "ربما"، تظهر أمامك على الشاشة قائمة البرامج اليومية على النحو التالي/
يبدأ البث بالسرد الروائي على لسان (شهرزاد).
ثم الحوار المسرحي للشخوص.
يرفع الأذان.
قصة قصيرة جدا "على نمط حلقات المسلسلات".
يليها برنامج(حكايات قراقوش).
العودة للرواية من جديد.
قم لصلاة ركعتين فإن لروحك عليك حق، ثم عد بعد الصلاة وتابع بناظريك المؤقت الدقاق لتعرف (الزمن/ والمكان/ ودرجة الحرارة أيضاً) فربما تحتاج لإحضار غطاء إضافي قبل أن تجلس للمشاهدة)، وهكذا يعاود بث برنامجه الروائي فصلاً تلو الآخر تتغير فيه الأحداث وتتكاثر الشخصيات وتتشعب معها الحكايا في منظومة تعتمد على التذويب التام (لذات المؤلف).
التى تترك مهمة طرح الموضوعات على ألسنة الشخصيات وبلهجاتها الخاصة المتسقة مع بيئتها وطبيعتها، دون أن يجد صعوبة أو غضاضة في تحويل ألسنتها من الفصيح إلى العامية، ومن اللهجات الشعبية إلى الإنجليزية مطوعاً جميع المظاهر اللسانية من (صوت/ نغمات/ وضحكات)، ومقلداً لصوت المرأة إذا لزم الأمر كما فعل على لسان (ضوء المكان) حين تسلل متخفياً إلى القصر لرؤية (لامار)،  وهكذا انطلقت جميع الألسن وعبّرت بطلاقة من خلال نصه المتأنق بالحوارية البختينية.
لم يعطل الكاتب (الزمن) عن طريق الوصف فقط بل استعان أحياناً بما أسماه (همسات الروح)، واستخدم أسلوب (النقاط) في اختزال الزمن أو القفز به، قدم وأخر ودفع الحكي للأمام ورجع به للخلف، وجسّده في حالة كينونته ليس عن طريق الضمائر فقط، وإنما بتقنيات (الإضمار/ الاسترجاع/ البناء الدائري) التى عملت على فصل خط الزمن (الكرونولوجي) وخلخلته، والعودة لوصله من جديد. تماهى أيضاً الحاضر مع الماضي وسيرى القارىء تشابها كبيراً بينهما في الأحداث والشخوص، كأن الزمان يعيد نفسه لكن الناس لا تتعلم.
فضاء العتبة
شاع في النص واتسع فضاء الصدمات والأزمات والمشاكل، بحيث صارت الأماكن التي يعيش فيها الأبطال أو التي ينتقلون عبرها هي أماكن موحشة وعدوانية، تثير الاشمئزاز والقلق والغثيان والموت، مهما كانت تلك الأماكن مميزة كقصر الهودج الذي بناه (الآمر لزوجته العالية) على جزيرة الفسطاط والذي كان يتمايل كالموج إلا أنه لم يكن سوى معبراً للتعاسة لكل من سكنه، وما يمثله قصر الخليفة العاضد الذي إنتقلت إليه (لامار) كسبية من بيئتها البدوية التى كانت تحبها. حيث شكل قفصاً للأسر بالنسبة لها ومرتعاً للمؤامرات، (حارة شيحا،حارة ب رجوان،خيمة بردويل، البستان، حارة اليهود، دبي.الخ)؛ ففضاء العتبة هو فضاء الكوارث التي تعصف بالإنسان المقهور داخل مجتمع محبط ، تنعدم فيه القيم الأصيلة، وتهيمن عليه العلاقات التشييئية، حيث تتحول القيم المعنوية أو الكيفية إلى قيم مادية واستعمالية قائمة على الغرضية والمنفعة والتبادل.

ولقد تمظهر هذا النوع في مجموعة من الفضاءات المفتوحة كالممرات الوسيطة التي تفصل الداخل عن الخارج، وترتبط بهذه الفضاءات أزمات خانقة تؤثر سلبا على حياة الأبطال، وتشكل موقفهم الإيديولوجي من العالم، وتحدد مصائرهم في ضوء مصائر الآخرين الذين يعيشون معهم في نفس العالم المحيط بهم.

حتى يطمئن قلبي
ربما يرى البعض أن هذا النص متشظياً، أو مشتتاً للقارىء أو أنه من النوع الذي يصعب الاسترسال فيه، ولكن حتماً ذلك النص سيجعلك مشحوناً بالأفكار والرؤى، وممتلئاً بالمعارف والمعلومات؛ فحتى يطمئن قلب (السيد حافظ) قام بالمراوغة النصية، والثورات الشكلية، ووقف على عتبات التناص (الديني/ والغنائي/ والشعبي)، واستجلب النبوءات من رحم الموروث، والتغريدات من واقع الحاضر،صاح بالحوار وهمس بالسرد، طرح التساؤلات، وأسس المقدمات التى ستصل بك حتماً في النهاية إلى نتائج حقيقية، حتى كلمات النهاية لا تدعك وشأنك بل تمسك بساعدك لتخبرك أن هناك المزيد من الحكايا التى لن تستطيع أن تجزم كيف سيقوم (السيد حافظ) بسردها وأى تقنيات أخرى يمكن أن يجتذبها ويعيد استخدامها في صياغة نصه !! لكنك تعرف حتماً أنه سيفي بوعده في منحك المتعة والمؤانسة، وأن صحبتك مع أحد نصوصه ستكون صحبة داهشة.

إيمان الزيات
14 ديسمبر 2016





Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More