امرأتان .. رجلان
دراما التفتت والحوار المفقود
د. حسن عطية
مجلة المسرح مايو 1997
منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، كان أدم إنسانها الأول، لكنه لم يستطع أن يكون فارسها الوحيد، لذا تخلقت حواء من أعماقه لتكون نداً له، ووجوداً متحاوراً معه، متجادلاً مع أفكاره، متصارعاً مع توجهاته، صانعاً معه الحياة، ومن ثم ففى البدء كانت الكلمة المتحاورة مع الآخر، كان (الديالوج) وليس (المونولوج) ، كان الفعل والفعل المضاد، وعليه كان وجود اللغة والثقافة والإبداع، فلا أحد يحادث ذاته، إلا للحظات خاطفة، ولا أحد يبدع ليتباهى بإبداعه أمام المرأة، وإنما هو يبحث دائماً عن متلق لثمرة إبداعه هذا، ليعرف ريه فى قيمته.
ويفضل هذا الحواء الإنسانى ظهر المسرح، القائم بدوره على الحوار، والمرتكز على الصراع بين الأضداد، والكاشف لتباين المواقف فى الحالات الزمانية والمكانية والنفسية المختلفة، والمعبر عن جوهر مجتمعه، رصداً لإيقاعه الحيوى، وتجادلاً مع قيم يرغب فى تثبيت قواعدها، أو يعمل على نسفها وتغييرها، ومن هنا جاء اختيار المخرج محمد سمير حسنى لنصين دراميين كتبهما كل من الكاتبين السيد حافظ وجمال عبد المقصود، فى اهتمام واضح من المؤلفين برصد التفتت السارى فى أوصال المجتمع فى العقود الثلاثة الأخيرة، وبرعب باد على مخرج العرض من الشرخ الواقع اليومى فى الأسرة المصرية، وداخل شبكة العلاقات الإنسانية بين فئات وطبقات المجتمع الواحد، ولذا فقد اختار نصين دراميين يتعرضان لموضوعة واحدة وأثر ألا يوصل بينهما بأى شكل من أشكال الربط الفنى، وإنما اكتفى بأن يجعل (استراحة) الجمهور، وزمن إضاءة مساحة تواجده ليفصل ويوصل فى ذات الوقت بين النصين.
يقوم البناء الدرامى فى الجزء الأول من العرض، والمعتمد على تكثيف لنص السيد حافظ "امرأتان" وإعادة صياغة تفاصيل ومعلومات داخله، على موقف متكرر كثيراً فى الدراما العالمية والمحلية، موقف غياب المخلص والذى تتصور شخصيات مجتمع النص / العرض أنه القادر بطوله فى المكان أن يغير من حال بعض الاتفاقات لمشروعات استثمارية تحول إلى حالة من السعادة العارمة حيث أن الأختين غاب عنهما تلك المدة.
الشقيقتان فى حالة من السعادة الغامرة المشوبة ×××، وكيف سنتقلان من حالة الفقر إلى تحقيق كل الأحلام والأمانى، وتبدأ أصوات ×× فها هو "مصطفى" الذى كان فى يوم من ××× ولكنه تزوج من أخرى، يبادر بطلب ××× وها هو شريك والدهما الذى استولى زوراً ××× بعد وفاة الأب، يطلب منهما الحضور لاستلام ×××.
××× المتغيرات ، نرى " هدى" وهى تصف سلوك ××× أنه انتهازى، بعد معرفته لخبر وصول ××× المليونير وطمعه فى الأموال، وكذلك حال ××× الذى يريد أن يصل إلى قلب الشقيق لكى ××× مشاريع أكثر ربحاً وأكبر حجماً، ولكى ××× غنيمة ذات قيمة أكبر من المصنع المنهوب.
××× التوترات ، تعيش "هدى" حلماً وردياً نرى ××× من الشبان وهم يتوددون إليها ويرغبون ×××...
الحلم السراب ....
حالة التأهب والترقب لوصول الشقيق، ××× تجاوز الساعة موعد الوصول، تبدأ حالة القلق ××× "هدى" ويقطع ذلك قلب " سنية" الاتصال ××× للسؤال عن مواعيد الوصول.
××× "هدى" إلى الهاتف وتجرى اتصالاً بالمطار، الاستعلامات السؤال عن وصول " رجب عبد ××× الدهشورى" وبعد لحظات قاتلة تعلم أن هذا ×××، ولكن شخصاً باسم آخر قد وصل. ينتهى ××× الدهشورى"!! حالات من الاحباط.. ومحاولة ××× "ربما يكون غي اسمه" .. ولكن يقطع ××× البواب "سليمان" والذى يقدم لهما بطاقة حضور فرح أصغر أنجاله، فيعيش لحظات هذا الوجوم على وجه الشقيقتين بعد أن ضاع ××× سراباً..
وعندما يهم البواب بالانصراف، يصل إلى سمعه نداء ××× "استنى يا عم سليمان.. إحنا جايين معاك"!!
التأليف...
××× والمؤلف المسرح "السيد حافظ" أحد علامات المسرح المصرى المعاصر، وإبداعاته المسرحية خلال رحلته التى تزيد على الثلاثين عاماً، تلتصق بمصداقية ××× شديدة بتراب الوطن، وتحمل عبق هوائه ××× يحمل بين جبينه قلباً مكلوماً من معاناة أبناء ××× الكادحين المطحونين.. وكثيراً ما ترجم تلك ××× فى مسرحياته التى أثارت الجدل بين العامة.
××× "السيد حافظ" فى "إمرأتان" داخل سراديب ××× بشرين بصفة عام، والمراة بصفة خاصة، ××× الركيزة الأساسية لبناء المجتمع، وقد اختار ××× "فوات القطار" كفتاة رئيسية لتراكيبه ××× وعلى غير عادته فى السمات الأساسية لأعماله ××× نراه اليوم يختار التشريح السيكولوجى لفتاتين فاتهما قطار الزواج ويعيشان حالة من ××× والجمود الذى غلف مشاعرهما وأصابهما بحالة الإحباط.
××× " السيد حافظ" بالجمل التلغرافية متنقلاً ××× البعيد والحاضر الذى أصبح وكأنه ماض ××× ، واستغل فى سياق الحوار مدلولات علم ××× وعلم النفس التحليلى، حيث الأسباب ××× .. والنوازع والسلوكيات، لمثل هذه الأنماط فى ××× ومدى انفصالها عن تحقيق التوازن الاجتماعى ××× للارتباط الكونى بين الرجل والمرأة، وما ترتب على ××× طلال تفرض الجمود والتبلد وتولد العذابات ××× النفسانية التى تصل فى خطورتها إلى أبعد من ××× العادية.
التغيير من السكون إلى الحركة متمثلاً فى ظهور اسم الشقيق العائد بعد غياب طويل.. تم استغلاله استغلالاً ذكياً لإعادة تدفق المشاعر الجامدة.. والأحلام العريضة، بتعويض ما راح فى الزمن ا لمنصرم. لكنه فى الوقت نفسه أصبح كالشمعة التى تضئ فى ظلمات انعدام الرؤيا وتكشف النفوس الضعيفة التى كانت طامعة فى مقدرات الشقيقتين.. وكيف انها كشفت قناع الماضى وارتدت قناع الحاضر الزائف طمعاً وجشعاً فى الاستحواذ على مكاسب أكثر.
وضع المؤلف فى شخصية البواب "سليمان" المعادل الدرامى لتلك الشخصية السوية التى تعلم كل ما كان يدور ومازال، فتتعامل بإنسانية وشفافية وطيبة لتظل دائماً العون والسند المعنوى للشقيقتين من دون أهداف أو أغراض مما دفع بهما إلى الذهاب معه فى نهاية المطاف لحضور أفراح النجل الأصغر هرباً من صدمة الحلم السراب..
المسرحية ، بما حوت من صوغ، تعطى انطباعاً طيباً، وقد أثرت فى وجدان المشاهد الذى تابعها لإحساسه بصدق ما تطرحه، وبذلك، فهى تعتبر نموذجاً مسرحياً مشرفاً نحن فى أشد الحاجة لأمثاله وسط الأزمة التى يعانيها المسرح المصرى.
الممثلون ....
آمال رمزى "هدى" :
نجمة سينمائية ومسرحية ذات تاريخ فنى طويل ملئ بالنجاحات.. اهتمت فى السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بالمسرح، فقدمت العديد من الأعمال ذات الثقل الفنى، وهى فى هذا الدور تضيف إلى رصيدها نجاحاً وتأكيداً على قدراتها وإبداعاتها الفنية حيث التعامل الواعى مع أبعاد وتراكيب الشخصية، مع الحفاظ على الدفع الديناميكى ، وإبراز المعانى للكلمات، فاستحقت الإشادة والتقدير.
ماجدة منير " سنية " :
فنانة من جيل الوسط، سبق الإشادة بها فى العديد من أعمالها المسرحية، تفهمت أبعاد الشخصية، وأخذت بناحيتها، وتعاملت معها تعاملاً مدركاً لمفاهيم الصوغ المسرحى، وشاركت باقتدار فى إبراز المتناقضات بينها وبين شقيقتها، فتفوقت على نفسها فى الحالات التى استخدمت فيها التعبير الإيمائى لإبراز المكنونات الداخلية.
رضا عبد الحكيم " سليمان" :
ثقة بقدراته.. مدرك لكل أدوات اللعبة.. أجاد التعبير الصوتى والإيمائى، فكان مركز الثقل فى محصلة الطرح المسرحى يبشر بمستقبل طيب.
الإخراج :
الفنان " محمد سمير حسن" أحد علامات الإخلااج فى المسرح المصرى.. خصوصاً فى مجال الثقافة الجماهيرية التى تهتم بتقديم النصوص المسرحية الملتصقة بعذابات الطبقة الكادحة.. وهو فى هذا العمل يضع كل خبراته السابقة فى تقديم شخوصه داخل إطار الديكور المسرحى واستغل دلالات الألوان فى الإضاءة التى جسدت الحالات النفسانية التى تعصف ببطلتى العرض.. كما اهتم اهتماماً كبيراً فى توصيل الجمل الحوارية ذات الدلالات النفسانية، فجاءت الصورة النهائية مكتملة ومحققة للرسالة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق