مقتطفات من كتاب
المشاكس
( 1)
المشاكس
رحلة في رحاب
الكاتب السيد حافظ
تقديم
د. نجاة صادق الجشعمي
مقدمة :
بقلم د. نجاة صادق الجشعمى
الكاتب إما خانع أو ثائر فالخانع مستعبد للسيد والمرؤوس والمدير وصاحب العمل او الجهة المشرفة عليه. أما الكاتب الثوري هو الكاتب الثائر على ذاته وضميره وواقعه ومديره ورئيس العمل والجهة المسؤولة علية لا يتلقى الأوامر والتوجيهات إلا بما يسترضي ضميره وقلمه الذي هو الصوت الناطق بالحق والحقيقة ليتبين الحق وقول الفصل فهل نعثر على هؤلاء الكتاب الثائرين على الظلم والاضطهاد والفساد للواقع الاجتماعي المتخلف عبر هذه العصور التي عانى منها الإنسان العربي خاصة فالكثير من الكتاب قد يكون كاتبًا لكنه لنفسه دون أن يأمر قلمه بأن يخدم قضية الأمه والوطن والشعب والإنسان والحقيقة. هنا يكون كاتبًا لكنه مع وقف التنفيذ لأنه مات منذ الحرف الأول فلم يولد وليس له هوية وبصمة ولغة وموقف وقضية .. فإذا أردنا أن نتعرف على كاتب ما فيجب علينا قراءة ماكتب من نصوص مقالات شعر روايات قصص حوارات لقاءات وشطحات وومضات وآراء ونقد وعرض وشهادات أدبية بالإضافة إلى كل هذا وذلك موقفه من القضايا الوطنية والقومية والاجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية .فهناك بعض الكتاب ممن يدعون بأنهم كتابًا كبارًا ويتبنون قضايا الأمة والوطن وتعلق عليهم الأمة العربية آمالاً كبيرة نراهم في كتاباتهم أقزامًا أتباعًا خدمًا عبيدًا بل ليس لهم ملامح توصف بهم يحتار الإنسان بماذا يوصفهم هل هم العبيد الأذلاء أم هم من باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان وأنجس الملذات وأنغمست أقلامهم بالدم والنجاسة وانتزع منهم الضمير وعرق الجبين والخجل من عفة عطر الوطن لكن التاريخ يقوم دائمًا بتصفية الأسماء فتسقط في مزبلته مثل هذه الأسماء لأنها تلوث التاريخ عامةً والتاريخ الأدبي خاصةً بفايروس الخيانة والظلال والتمويه والمراوغة واخفاء وتضليل الحقائق عن الجماهير التي في أغلبها تعيش في طواعية وانسجام مع الواقع مهما كان بائسًا من أجل لقمة العيش ومن أجل تربية أبنائهم واستمرار الحياة حتى و إن كانت أكثر بؤسًا مع كل هذا فلا تخلو الأمة العربية من ولادة جديدة ثائرة وإن كان ذلك المخاض متعسر وخطر يؤدي إلى الموت والهلاك لكن الحقيقة تضيئ كأشعة الشمس لابد أن تخترق الغيوم لتضيئ الكون . وتتهم الكتابة الثائرة دائمًا أنها كتابة مشاكسة لأنها مغايرة لذلك الخط السائد ومناقضة له وناهية ونافية لأساليبه الملتوية المتملقة لأجل مصالحهم الذاتية المحدودة منافية ومعارضة للواقع وللحلم الوطني وعادةً ما يؤدي هذا الدور أشباه الكتاب الذين يحتشد بهم التاريخ ولا يتذكرهم أبدًا لا سلبًا ولا إيجابًا ويعزي السبب لهذا أن الكُتاب الذين سميناهم بأشباه الكُتاب هم من يقوم بالكتابة نيابة عنهم أو هم من يكتبون نيابة عن الغير والغير الذي إما أميًا أو جاهلاً بفنون الكتابة وتنقصه الخبرة أو حبكة الموضوع والدراية بهذه المهنة المقننة بعضهم أو الحقيقة أغلبهم يفتقرون إلى الطرق والأساليب الفنية مثلاً كيفية كتابة المراسلات والبحوث وكتابة المقالات التي يكتبها للصحافة وتصوير الأحداث والوقائع الوثائقية وصياغة وكتابة الأخبار السياسية والفنية والرياضة والتجارية وأحيانًا حالات الجو وأخبار الطبيعة والتحقيقات الصحفية ..فالكتابة نضال وصراع ضد القلق من الموت والوحدة ..فالبعض يرى الكتابة إعترافًا ..والبعض الآخر يرى الكتابة مشاكسة . وآخر يرى الكتابة إجابة عن تساؤلات وربما الكتابة تمرين مستمر ويبقى الجواب عند القلم أو أخر قلم بالعالم وأخر كاتب لديهم الأجوبة ... ولما كانت الكتابة هكذا فهي إذاً تتكون من فنون وجميع فنون الكتابة تستسقي الكتابة منها المادة والأفكار وفنون الكتابة تشمل أولها ( الإستمتاع وأخرها الكتابة ومابين الإستمتاع والكتابة يتوجب التحدث والقراءة لأننا بالكتابة نمتلك الصنعة للتعبير عما في النفس ونحتاج إلى التدريب لنتقنها وتكون بذلك عداد للصنائع الإنسانية فكثرة التدريب على الورق يكسب الخبرة والنفس الطويل لدى الكاتب فيبدع في نقل أفكاره ومشاعره وآرائه إلى الآخرين فكل هذا وذلك والأهم منه هو نتائج العقل الباطن وقد تكون إتجاهاته نحو كتابة علمية بحتة أو يكون إتجاهه نحو كتابة إبداعية إنشائية أو تكون كما لدى البعض الذين هم أشباه الكتاب حروفًا مكتوبة و صورًا و ألفاظًا لا تدل على المعاني أي ليست أدوات تعبيرية لتنقل أو تعبرعما يجيش في الخواطر ويتناسى بعض الكتاب أو أشباه الكتاب أن الكتابة هي ترجمة للأفكار العقلية والحسية أي طريقة لتوثيق القدرات الحركية والتصور الذهني لشكل معين ثابت يسمى الكتابة بدعم الإنسان وعقله وقدراته وكفاءته لبناء وإطلاق وتنقيح الأفكار بتفكير عميق ليتخطى ذلك النطاق الضيق المعتاد ويتعدى ليبدع ويرسم خارطة الإبداع في كتابة الحروف والكلمات والمفاهيم والأفكار وترجمة مدلولاته الفكرية والعلمية والأدبية بأسلوب وجمل بسيطة سلسة كبيرة المعنى لييسر للقارئ قراءتها وفهمها والابتعاد عن التعقيد ولعبة القط والفأر والقوي الفارس الذي ركب بغلاً وليس فرسًا فالعلاقة بين القارئ والكاتب هي علاقة المرسل والمستقبل فطالما الكاتب ظل يتسائل ويقول :-
أنا أكتب لمن ؟ سؤال يحير كاتبنا السيد حافظ إذ يذكر أن مافائدة الكتابة والأمية 70 بالمئة وهناك الأمية الخطيرة هي أمية المثقفين التي وصلت إلى 90 بالمئة قد نسى كاتبنا المشاكس حين قال في أحد اللقاءت أنه يكتب للمستقبل قد يكون قارئًا واحدًا لكنه مثقف واعي لأن الكتابة الجميلة في زمن القبح أصبحت جريمة . والكتابة الرديئة يقولون عنها عظيمة . لقد إختفت الحقيقة . أغرب الأشياء العمى والجهل اللذان يعيشان فيه المثقفون ..فلم يعد هناك أسود وأبيض ولا وسط بل القبح الجميل والخراب فالكل خان حتى الحرف والكلمة والقلم فذهبت المعايير والقيم في مهب المتشبثين بالأقلام المتكسرة ذات الحروف العوجاء ونحن يامعشر المثقفين صم بكم عمي فلاندري إلى أين المصير هل مع الكذب والافتراء ؟ أم مع الأدعياء بالسر وعلنًا مع الشرفاء ؟ فلو قرأنا قائمة أسماء الكتاب والكاتبات تطول وتطول أما لو فرزنا الكتاب الحقيقيون لوجدناهم لايتجاوزوا عدد الأصابع ...فكم أنا غبية حين ظننت أن الكتابة مقدسة نزيهة روحانية في محراب الأبجدية بل أضحت شيطانية فاز بها من يمتلك الروح الشريرة والنفسية المتملقة فأي قبح بعد هذا تمترون أيها المتملقون المستثقفون فما بال كاتبنا السيد حافظ حين شاكس الحرف في حضرة الإبداع وقاوم القبح بالإبداع الذي لانظير له وهذه من سمات الكاتب المثقف الواعي فأعتقد أن الكاتب ظل وفيًا لذكرياته هذا ماجعلني أستعين بهذه الذكريات لكتابة وإعداد هذه الذكريات في هذا الكتاب الذي أسميته المشاكس فتضمن مانشره في الصحف ويوميات وحصاد المهاجر وأخبار الفنانين وأعمال مسرحية وأخبار فنية وقصص قصيرة وخواطر وأفكار وأشعار وكتابات سياسية لا أخفي عليكم أن أفكار الكاتب تستولي عليَّ تحاصرني بل تشدني أن أكتب كل شئ وأوثق أدق الكلمات والأحداث في كتابي هذا ( المشاكس ) وأسعى إلى محاوله كتابة السيرة الذاتية للكاتب ليس كما كتب الأخرون بل ماحدث ويحدث ويروى ويقال ورسم خطوط الإبداع حسب خطوط حياة الكاتب السيد حافظ وما جرى له من صعود وهبوط فأدركت أنني يجب علي قراءة الجرائد والصحف التي كتب بها والتي تم حفظها بطريقة أنيقة خوفًا عليها من التلف فقامت زوجته رحمها الله ( أم محمد ) الإنسانه الفاضلة الراقية المساندة المثابرة بقص جميع كتاباته التي كانت تصدر في الصحف ووضعها في فاييلات شفافة لذلك تسنى لي جمعها بالتعاون مع الأستاذ السيد حافظ والأستاذ خالد شعبان والمراجع اللغوي أحمد الشريف ومعتز محسن تمنيت أن أسترد عالم السيد حافظ المشاكس الغاضب الثائر المنتفض الرافض لكنني لست متأكدة إذا ماقارناها بالمشروع الروائي أو ما أطلقنا عليه الملحمة الحافظية ستظهر بالتأكيد أروع وأجمل مما أكتب هنا من ناحية.
نعم فالكتاب لكاتب وسير كتاباته و إبداعه لكن من ناحية أخرى هو الروائي وليس شخصًا عاديًا فقد تتغير الرؤى من وجهة نظر الكاتب قد يكون منطقي وواقعي وقد أكون عبثية فلسفية شاعرية وأكتب بلغة إنفعالية لكن بلا شك هي تجربة جديدة أثارني في البدء العنوان ( المشاكس ) ولكن بعد ما تعمقت في المضمون والموضوعات وغريب ما قرأت إستغربني و إستشعرت ووعيت فيما بعد ما يمكن أن تجسده هذه المقالات والخواطر والكتابات من إعجابكم وحبكم فهي على الرغم من أنها قد تبدو سياسية لكنها لن تخلو من القصة والسعي وراء البحث وأحيانًا الصمت وغالبًا ما يتخللها الحكايات والأشجار والأنهار والرفقة والجيران والإسكندرية الحاضرة والمنشية والمظاهرات الطلابية والأمة العربية والقلق والعزله والحب والبوح وتجارب القلب وخبرات الحياة والتضامن والأخوة والظروف والأوضاع فهي تنويعات وطريقة ما مخالفة للكتابة وترتيب للفقرات وحوارات وتعابير ومسميات وأنماط سردية وقد نكون أحيانًا قادرين على الإبداع لكن المعايير التقديرية منعدمة أو مختفية فالكثير لايبالي بالجميل ويتشبث بالقبيح فهنا أستطيع القول بعد أن إستعرض بعض المقاطع السردية للكاتب المشاكس أن أقول نعم أما أن أكون كاتبًا مشاكسًا وأوضح تجليات الكتابة أو أنفرد بخاصية كتابية لي أي بصمة منفردة كي نثير مكامن الحروف لكن ربما هذا عصي بعض الشئ لأننا يجب علينا تغيير الإستراتيجية الأدبية في إبداعنا اللغوي والأدبي.
سيظل ..الكاتب يقاوم القبح ويحاربه بالجمال الذي لايموت حتى ولو نساه الناس ..الجمال هنا النص الذي دُوِن على الورق فالورق سيكون محاربًا ليقهر القبح وتلك الأقلام المسوسة نبالها ..فجميع المثقفين وحتى المستثقفين لن يختلفوا على المسمى الذي أُطلق على الورق المكتوب وهو ( الكتاب ) أو (النص) أو القصة أو الرواية أو ديوان شعر ....إلخ فلكل كاتب طريقته الخاصة بالكتابة وأسلوبه وبصمته التي يتميز بها عن الآخرين ...فتعالوا معي لنتصفح الكتب التي في مكتبة الكاتب المشاكس السيد حافظ تلك المكتبة العامرة بجميع صنوف الكتب فنتنقل مابين الروايات والقصص ودواوين الشعر وتفاسير القرآن الكريم والمسرح وكتب ومراجع تاريخية خاصة تاريخ مصر والمجلات والصحف لكن ماجذب إنتباهي تلك العلامات وقصاصات الورق وتلوين وحصر بعض الجمل بأقواس والتعليق عليها ..فياترى بماذا يفكر الكاتب المشاكس عندما وضع تلك العلامات والقصاصات ؟
هل أعجبته تلك الجمل ؟
هل يفكر بأستخدامها ؟
هل سيستخلص منها فكره ما ؟
هذا ماكنا نتحدث عنه حينما قلت نحارب القبح بالجمال أي بالورق المكتوب أي بالكتاب الحي حتى و إن مات الكاتب ..فالجمل والعبارات والنصوص والمقالات والومضات والقصص وجميع أجناس اللغة العربية في الأدب كالبستان والجمل هي الأزهار الملونة ذات العطور المختلفة ألوانها فالكاتب يقطف من حيث مايشاء زهرة من هنا وهناك.
هكذا كانت كتابات الكاتب المشاكس كبستان فيه المقالات السياسية بعضها ساخرة وبعضها لافته وبعضها مؤثرة وثمة رأي صادم وأحيانًا متطرفة وكثيرًا مايلعن بل يكفر بالظلم والإضطهاد وأحيانًا تظنه متصوفًا بتلك الآراء الصوفية ولن ينسى القلب وجنون العشق وعلى قمة ذلك عشقه لمصر متزامن مع عتابه عليها بين الحين والآخر فالكاتب المشاكس مضطرب يلقي بحروفه لن يغلفها بل بكتاب مفتوح كما لو أنه يقول لنا سأعيد سيرتها الأولى ناسفًا كل الكتابات التقليدية مؤمنًا بالتجديد والحداثة والإبتكار وإختيار الفكرة المجنونة والعتبات المتميزة بجمالها ومعانيها.
لن يكتب كتابة وقتية زائله مع النمط الحالي بل يقرأ ويستبق المستقبل فلم أجد مصطلحًا أكتبه يليق بالكاتب المشاكس غير أنه أسطورة العصر وحقيقة ثقافية ، صاحب مشاريع بل ملحمة حافظية يؤمن به كل من قرأ بتعمق وحب للقراءة فالكاتب السيد حافظ مشاكس بحرفه فهو من الجيل الذي عانى وعاصر النكسات وأعتاد على الغدر والتهميش لكنه جبل لن ينحني.
هكذا قال له والده الحاج حافظ عندما فارق الحياة رحمه الله فهمس بأذنه وأوصاه بالأسرة وأن يكون سيدًا كما أسماه وهو إبن التاسعة ....فكيف لايكون جبلاً شامخًا مشاكسًا بارعًا ...فياترى من أين بدأت الحكاية والبداية للكاتب المشاكس ؟؟ ؟ يقول الكاتب السيد حافظ : البداية كانت كالآتي :- ....
إن بدية إبداعي و أيام الكتابة الأولى حينما قامت جماعة الصحافة بالكلية بعمل مجلة ورشحوني للذهاب إلى مجلة روز اليوسف لعمل مقابلة مع كاتبين وكان إختياري على كل من الأستاذ محمود السعدني والأستاذ صالح مرسى.
أردت أن اضع القارئ أمام فكرين مختلفين و أسلوبين مختلفين فكتبت عدة أسئلة وقررت أن أسألها لكل منهما دون أن يدري ، دخلت مكتب متواضع لأقابل الأستاذ صالح مرسى.. كان يجلس ليكتب الكلمات المتقاطعة (كانت أيامها مصر كلها تكتب الكلمات المتقاطعة وكان ذلك -بعد النكسة مباشرة) عرفته بنفسي وبالكلية التي أنتمي إليها قال اقرأ الاسئلة.. قرأتها.. نظر لي وقال :
أنت لك إهتمامات أدبية.. أي تكتب قصة أو مسرح أو شعر
قلت : نعم أكتب القصة والمسرح
قلت لا.. اكتب أفضل منك
"إكفهر وحهه صارخًا في وجهي" أخرج بره. اخرج حالاً وضحكت وخرجت
وذهبت إلى الأستاذ محمود السعدني وقرأت نفس الأسئلة وقال لي نفس الكلمات ولكن عندما قلت له.. لا.. أكتب أفضل منك ضحك ودار في كرسيه وقال يا ابن......
وطلب لي قهوة ومصور من المجلة كي يصورني معه..
وأخذ يجيب على الأسئلة وفي نهاية اللقاء طلب مني وهو يصافحني أن أرسل له نتاجي الأدبي كي يقرأه..
ومرت السنوات وعرفت ان صالح مرسي كان كاتبًا عظيمًا ثم تحول إلى كاتب.. وأما محمود السعدني كان عظيمًا لأنه اجتاز مرحلة الكتابة. وهذا هو الفرق بين الإثنين.
المشاكس لن يترك أي مجال دون أن ينثر عطر حروفه لينقي المستوى الفكري ويعطر المستوى الثقافي بعطر حروفه الناقدة فيقول السيد حافظ مشاكسًا مجلة فصول بعددها الخاص عن المسرح حيث كتب الآتي ..
أصدرت مجلة فصول عددًا خاصًا عن المسرح تميز العدد بأنه دون المستوى الثقافي والفكري الذي يتميز به أي عدد خاص يحترم جمهور المسرح وأكد على أن بعض المثقفين المسرحيين يعيشون في عالم الكهف عالم الستينات ونسوا أنهم في عالم الثمانينات والخريطة الثقافية تغيرت فرجاء الاتصال بأقرب مركز ثقافي للإبلاغ
ما أجمل الأفكار حين تكتب بحروف كاتب مشاكس فيتغزل بالشمس والأنهار ويرى أن الكتاب والشعراء لم يكتبوا الأجمل بعد ولم تنشر ويشاكس ثم يعتذر للشاعر الكبير ( ناظم حكمت ) فيقول الكاتب : هذه كانت مجرد فكرة ... أجمل أيام العمر تلك التي لم نعشها بعد.. وأجمل شمس الدنيا تلك التي لم تشرق بعد وأجمل أنهار العالم تلك التي لم نرها بعد وأجمل قصة تلك التي لم تكتب بعد وأجمل رواية تلك التي لم تنشر بعد.. مع الإعتذار للشاعر الكبير ناظم حكمت.
من قلب العروبة حين وصفها الكاتب بالبهاء وقال : أيتها العظيمة القاسية أي عصر تعيشين وأي ظروف تحيط بك ؟
هذا هو صوت مصر حشد من الفنانين يهتفون ضد إسرائيل.. ما أنت يا مصر بربك.. أي سر يحتويك يا قلب العروبة النابض.. أي سر يحتوي شعبك.. رغم الغلاء الفاحش رغم الإزدحام و أزمة الإسكان والرغيف والطعام تفكرين فى الفنان والشعب الفلسطيني أكثر من أي شعب آخر لا يعيش أو مالك
هذا صوتك يا مصر
هذا نبضك يا بهية
عربيًا صوتك نقيًا
قاسيًا
أي عصر تعيشين و أي ظروف تحيط بك أيتها العظيمة القاسية ؟
يؤكد الكاتب السيد حافظ يومًا بعد يوم أنه عروبي حد النخاع فهو من الكتاب السياسيين ويمتلك القدرات والمهارات فإستطاع التحليل والدراسة وكتابة ملاحظاته الدقيقة للسلوك السياسي حيث كان قيادي يمثل رئيس الاتحاد الطلابي وكان يكتب ويلقي الخطب السياسية فتأثرت كتاباته بالسياسة ومساعدة المظلوم والإنسان العربي المطحون قهرًا وذلاً من قبل الاستعمار لذلك فهو يهتم بمشاكل الإنسان والضغوط الاجتماعية والاقتصادية الملقاة على الإنسان العربي فهو يتميز بروح إنسانية وفكر فلسفي و نظرة مستقبلية بالإضافة إلى فكره الثقافي والأدبي فنقرأ ماكتب عن دور مصر والمقاومة الفلسطينية وجسدها في أعماله المسرحية ( علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا ) ..
الساعة الثانية بعد الظهر
المكان – الإسكندرية – المنشية
مظاهرات 5 آلالاف شاب ( عمال وطلاب ) يهتفون ضد إسرائيل شباب جرب التجمع وجرب العمل أي صوت هنا هل هو صوت العروبة الجريح أم صوت القهر المدفون صوت من هذا؟
صوت مصر العروبة أم صوت العروبة فى مصر وكأنك يا مصر رغم طابور الخبز وطابور اللحم و أزمة الإسكان والهاتف والمواصلات رغم أي شىء أنت أول الصف العربى و أنت قلبه و أنت نبضه فيا عرب المحيط والخليج صوتكم فى مصر فى الحارات وليس فى الشعارات صوتكم فى مصر لا يعرف الإقليمية ولا يحمل الأحقاد ولا التفرقة العنصرية فاحتضنوا مصر حتى تعود إلى الصفوف الأولى بذراع المقاومة المصرية الفلسطينية.
● ● ●
الشعب العربى فى مصر لا يغتاظ إلا من مهزلة الأثرياء العرب فى لندن وحكايات الصحف الأجنبية عن مغامرات ألف ليلة وليلة للأثرياء العرب فى لندن بينما اليهود يطلقون الرصاص على الشعب الفلسطينى واللبنانى ومصر تحتاج مشاريع كثيرة.
فهم يسمعون عن ثرى عربى يقيم حفلاً لزواج قطته يصرف عليها نصف مليون جنيه إسترلينى. قد تكون الحكايات كذب وقد تكون حقيقة ولكن أسوأ شىء سمعته من صديق مثقف عربي قال لي وهو ينزف :-
نحن جميعًا " أي العرب " من المحيط إلى الخليج.. نستاهل لأننا نمارس الخيانة مع أنفسنا ثم مع وطننا ثم مع التاريخ.
4/7/1982
رغم المفارقة الزمنية نتوقف هنا نسترسل من الكاتب في سرده حيث يستدعي الماضي بسنوات المرح والترح والطفولة حيث يكون الماضي الطفولي جزءاً لايتجزء من نسيج الكاتب الفكري يصف لنا رمضان وشهر العبادة والتهيئة لهذا الشهر وكيف تحلو به التجمعات والسمر والحكايات واللعب بالحارات مع الأطفال وهم يحملون الفوانيس دعونا نقرأ السيد حافظ طفلاً مشاكسًا .إذ يتذكر ويقول :
أذكر رمضان كنت أحمل الفانوس مع الأطفال. كنا نتجول فى الحارات أنا والأطفال نغني.. كان عمري 9 سنوات.. كان رمضان فى فصل الشتاء وكنت أغني له وللمطر وللسحب وكان جدي يجمعنا حول " الحطب المشتعل " ويحكي لنا أن الدنيا تدور وسيأتي رمضان فى فصل الصيف.. وها قد مرت الأيام مر 25 عامًا.. وها أنا لم أعد أشاهد الفوانيس ولا الأطفال ها قد إختفت الفوانيس واختفى جدي.. نعم يا جدي رحمك الله.. الدنيا تدور.
هنا إستذكار آخر لكنه مجازي هل النهر يتحرك ؟؟ نحن من يتغير فهذا إشارة لإستذكار الذاكرة بعد أن بدء الكاتب يتذكر الماضي وحبيبته وكيف ضاع كل شي حتى الكتابة وشبهها بالفتاة السمراء الاجميلة بعد أن أحبها حل بها ماحل من قبل الأثرياء والنخاسين يتنقل بنا الكاتب فيشاكس الحروف على شواطئ الإسكندرية حيث يكتب الكاتب مسترجع ماضي الحبيبة فيقول :
النهــر يرحـــل
كنت أجري وراء الحرف الجديد والكلمة العذرية ونقاء الرؤية.
وشموخ الفكرة كنت " أحبك " بهذا الكبرياء وهذا الوجه.
"الأسمرانى" يا أحلى حواء شاهدتها. ثم تبدل الحال الحرف إستهلكته الصحف اليومية والثرثرة والبعثرة والكلمة فقدت بكارتها فى سوق نخاسين الكلام والرؤية أصبحت ضبابية وكل شىء ينهار والفكرة أصبحت مكررة مليون مرة.. لا جديد، المجد للتكرار، المجد للملل، المجد للصمت.. هأنذا أفكر فى الموت مائة مرة و أحلم بالموت فى ساحة شريفة حيث إختفى الشرف. وها أنا أحلم بك فهل تنقذني لأني لا أملك سوى حلمي بعينيك..
رمضـــان كـريــم
16/6/1983
رمضان يأتي بفانوس المحبة يضىء في القلب ذكريات طيبة.. فرغم سواد الأيام السياسية التى تحياها المنطقة العربية وعتمة التاريخ المعاصر وظلمة الواقع.. لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من أن نحب و أن نقاوم الظلم بالإيمان و أن نقاوم الفساد بالنقاء الثوري.. والتخلف بالعلم. والحقد بالمحبة والسواد بالأبيض.. رمضان يأتي فنتذكر الأيام الطيبة..
فى عام 1969.. كانت مصر تغلي وخاصة بعد نكسة 1967 وكان المثقفون هم الوجه المشاغب والمشاكس لهزيمة 1967 وكان لابد من إقامة حوار بين الحكومة وبين المثقفين فكان مؤتمر الأدباء الشبان في مدينة الزقازيق محافظة الشرقية.
وتم إختيار 175 أديبًا وناقدًا ذهبنا إلى المؤتمر وفوجئت قبل السفر للمؤتمر بحالة ضعف شديدة و إرهاق فمكثت نتيجتها فى المستشفى أسبوعًا بسبب تلوث و إهمال فى تغيير ( سن حقنة ) وبالتالى خرجت من المستشفى إلى المؤتمر و أنا مريض.. مما إضطرني للفطار وكنا فى شهر رمضان.. وجاء ميعاد الغذاء.. ونظرًا لمرضي وتنظيم ميعاد الدواء.. ذهبت إلى أحد المحلات فى مدينة الزقازيق كي أشتري طعامًا.. ففوجئت و أنا عند البقال أن 99% من الأدباء والنقاد يشترون طعامًا وهم يقولون لبعضهم كل عام و أنت.. رمضان كريم.. " ذهلت من الموقف و أدركت أن في حساباتي خطأ ما.. في اليوم الثاني خرج علينا الفنان " أحمد عبد العزيز " الذى يعمل حاليًا فى إحدى الصحف الزميلة برسم كاريكاتير.. عبارة عن فلاح يسير في شوارع الزقازيق قابل مجموعة " أفندية " سألهم :
- انت أديب والا صايم..!
8/9/1982
الزمان : أغسطس 1982
المكان : قاعة – قصر النيل – القاهرة
هذا صوت مصر حشد من الفنانين يهتفون ضد إسرائيل.. من أنت يا مصر بربك.. أي سر يحتويك يا قلب العروبة النابض.. أي سر يحتوى شعبك.. رغم الغلاء الفاحش رغم الإزدحام و أزمة الإسكان والرغيف والطعام تفكرين فى الفنان والشعب الفلسطينى أكثر من أي شعب آخر لا يعيش أو مالك
هذا صوتك يا مصر
هذا نبضك يا بهية
عريبًا صوتك نقيًا
قاسيًا
أي عصر تعيشين و أي ظروف تحيط بك أيتها العظيمة القاسية.
لن ينسى الكاتب رثاء الشهداء من أجل القضية الفلسطينية حيث رثا الشاعر خليل حاوي فقال :
الزمان 20 أغسطس 1982
رثـــــاء
أنعي لكم الشاعر خليل حاوي
شاعر كبير. لبنانى..
مدرسة في الاتجاه.
مات منتحرًا في بيروت إحتجاجًا على الغزو الصهيوني.
لقد ملك الشجاعة التى افتقدها حوالي 140 مليون مواطن عربي
لقد تحرك خليل حاوي و أعلن الإدانة.
لقد وقع بروحه على وثيقة إحتجاج.
رصاصة الخلاص..
6/7/1982
وفي الكتاب أيضًا يفتش الكاتب في طيات الذكريات ويستدعي الغابة وأشجار الصنوبر ويستجمع أغاني الأسماك والقارب وأنين الأمواج لكن أين صارت الغابة ولماذا صرنا غرباء نتحدث خلف الأسياج ؟ ؟ سيخبرنا المشاكس ويحكي الحقيقة ....هنا
كان لنا الغابة و أشجار الصنوبر.. السماء وقارب يطوف فى الماء و أغاني الأسماك.. و أنين
الأمواج.. جاء ذات يوم الغريب وجلس على حدود الغابة فصرنا نتحدث خلف الأسياج. وصرنا غرباء..
هل الكاتب المفكر والواعي المثقف والمتقن والعارف بسر الحرف الخفي يغتبط ويهلهل إذ أستطاع الإهتداء للفكرة وأصبحت الحروف منهل لفكره الخصب كالغيث المنهمر أم أمتزج الغيث بالوحل فلوثت الحرف وغاب السر الخفي وولد المعاناة وتغيرت الإيقاعات وبزغت معاني غير تلك المنهمره فماذا في بداية الكاتب ؟ ؟
بــدايـــة
عبر المسافة بين الحرف الأبيض والياء الزرقاء تولد المعاناة.. هؤلاء الذين لم يكتشفوا لون الأحرف و إيقاع الكلمات و أنين الأنهار في المعاني الخفية عن اسعد الناس حظًا. إذ يظنون أن كل الأشياء سهلة وبسيطة وسطحية.. إن لعنة الوعي باللغة تتعب الكاتب والمبدع والأديب. ولذلك فمن الصعب التعرف على إيقاع الحياة الحقيقية للأدب.
هــي
كانت أجمل فتاة في حارتنا الضيقة وكانت كلما تسير يشهق الرجال وكنت أظنني خارج حساباتها. وذات يوم وجدتها أمامي في إحدى الأمسيات وهى تحمل البخور الذي أشترته من العطار قالت. كيف حالك..؟!
نظرت خلفي.. لم أجد سواي
قلت : الحمد الله
ضحكت.. إهتزت الدنيا.. عمرى 14 عامًا في ذاك الزمن وهى 16 عامًا بعد عام تزوجت من تاجر ثري .. اختطفها.
بعد 5 أعوام ترهلت وخلفها مجموعة من الأطفال وفى نفس الحارة قابلتنى.. عرفتها.. قلت مساء الخير كيف حالك؟
قالت : أنا لا أعرفك
قلت : أنا فلان
قالت : وهى تبكي لا أعرفك..
سارت.. أدركت أن في داخلنا تموت الأشياء.. حتى الزمن و أننى كنت خارج الزمان.
هل كنت واقفًا خارج الزمن ؟
إدانــــة
أدينكم.. دم بيروت فى رقبتكم.. دم الشعب العربي المهان في عروقكم.. في كلماتكم
بيروت إذا ماتت ماتت الحرية وماتت الكرامة وماتت العروبة.
16/7/1983
وقفة ثقافيـة
ذكــــاء اجتماعـــي
أعداء الوطن العربي الحقيقيون هم أبناؤه المنافقون الذين يطلبون ويزمرون لأي واقعة أو حادثة وهم أكثر خطورة من العدو الإسرائيلي أو القوى الخارجية الأخرى. إن المنافقين يحققون ثراء فاحشًا ويحققون أرباحًا خيالية ومكاسب اجتماعية فوق الوصف ويسقطون سريعًا ويلعن سنسفيل وجودهم في التاريخ وهم دائمًا يقولون " عش اليوم ومت غدًا "
حقًا الكويت فتحت أرضها لكل الخبرات وكل الأقلام ولكن على هذه الأقلام أن تكون صادقة جدًا في تعاملها مع القلم.
لا تنافق. لا تطبل. لا تذمر.. ولا تأخذ موقفًا سلبيًا مما يحدث عليها أن تمارس شرف مهنة القلم.. و أتذكر قول الله سبحانه وتعالى " ن و القلم وما يسطرون" الذي أقسم فيه بالقلم وبدوره.. وما دمت أعيش في هذا البلد. لا أنافقه ولا أخدعه. بل أساهم في بنائه بالقلم . قلت لصديقي الصحفي الكويتي. إن الغد سيحمل الكثير فبعد هذا الجيل. سيأتي جيل آخر يكتب عن الأقلام العربية التي عاشت في الكويت مساهمة في تطويره وسيحذف منها الكثيرين و أتذكر كتاب " خليفة الوقيان " القضية العربية في الشعر الكويتي الذي نقد فيه الكثير من الأقلام التي عاشت في القرون السابقة في الكويت ولم تؤثر فيه و أشاد بالأقلام الإيجابية وفي الجيل القادم سيظهر خليفة الوقيان آخر. ليقيم هذه الفترة التي يرتفع فيها المنافقون بمناصبهم ومرتباتهم وبنفاقهم الكبير. وتاريخ الكويت لن يرحمهم ولن يرحم أحدًا..
كتبت منذ شهرين عن مجموعة قصصية لإحدى الأديبات الخليجيات وفوجئت بعاصفة من الهجوم على من الزملاء قالوا :
- كيف تكتب عن هذه الأكذوبة؟
- كيف تسمح لقلمك أن يكتب عن هذه المدعية؟
- هل تعرف من يكتب لها؟
- ما الذي يدفعك للكتابة عنها؟
- كم دفعت لك؟
- والحقيقة أنني تابعت إنتاج هذه الكاتبة. بدايتها ساذجة ثم نضجت. كيف نقتل موهبة تنضج بحكم سابق منذ سنوات.
لم أدري أنها مكروهة لهذا الحد..؟ هل هو حقد على موهبة تنضج!! ولم أظن أننا نعاني من المراهقة الفكرية أيها المثقفون، الرحمة بأي موهبة والرحمة بنا !! والأغرب من هذا أن صاحبة المجموعة الأدبية التي كتبت عنها لم يعجبها ما كتبت فقد قالت أنني أهاجمها..
والجميع قالوا إنني أمتدحها.
ومع هذا فالحق لا يعجب أحدًا !!
- أحبك.
- تعالي.
- إمسحي الحزن عني.
- في هذا اليوم العصيب.
- يقتلونني كل يوم.
- و أنت من نافذة الحلم تنظرين.
- أحبك.
تعالي.
* * *
قالوا
إن جيل الستينات كله صار بلا وجود.
الناقد المسرحي ( محمد بركات )
وأخيرًا
أظن أن بالإمكان فعلاً إجراء مقارنة بين كاتبين أو أكثر لتقارب تجاربهما الأدبية فالكاتب الواعي يلزم عليه القول بأنه يشعر نوعًا ما بالراحة والسعادة وهو في محرابه القدسي بحضرة الكتب والحروف فالكاتب المشاكس هو الطفل المنفرد السعيد وهو في أحضان مؤلفاته و إبداعاته وكتاباته ونجاحاته مع العلم يشعر بعض الوقت أن شيئًا ما ينقصه وبمكانه أن يكتب ويكتب ويحكي حكايات وقصصًا ويعيش مع أسرته أبطال قصصه وحكاياته ويعتله الإكتئاب عند الإنتهاء من سرد الحكاية والقصة والرواية أو أي عمل أدبي ولكل عمل لذة خاصة به فالرواية يحاكي الأبطال يعيش معهم بأدق التفاصيل لكن هو من يصنعهم فيحب ماصنع أما المسرحية يتعاونون مع الكاتب كثيرون منهم الممثلون الجمهور الرسامون النحاتون الديكور المصورون وووووو إلخ هذا العمل يثير البهجة للجميع ويسعدني أن أختتم مقدمتي هذه برأي كريسيان بوبان الذي قال: (بيني وبين العالم نافذة تسمح لي الكتابة بكسرها).
د. نجاة صادق الجشعمي
القاهرة
29/03/2019
0 التعليقات:
إرسال تعليق