مقدمة كتاب:
تمظهر التجديد فى بنية السرد
فى القصة القصيرة
بقلم : نـجاة صادق الجشعمي
في زمن الذاكرة المثقوبة وغياب المؤسسات الثقافية عن دورها في رصد وتجميع الدراسات الأدبية والنقدية حول رموز الكتاب العرب المبدعين حقاً في مجال الشعر والسرد وخيانة الأقلام المأجورة والحركة النقدية ومناهجها النقدية ومذاهبها ومدارسها التقليدية التي تتعامل مع النص وفق الضوابط كأنما قانون تنظيم السير بالطرقات وليس التعامل مع جمالية وفنية النص مما يؤدي بالتالي سجن النص وفق هذه النظريات لاغية الصفة الإبداعية والفنية للنص والكاتب والرغبة بالحضور والانتشار والفوز بالجوائز واستسهال لعملية الإبداع وتمييع لشرف الكتابة وقدسيتها فكل جنس من الأجناس الأدبية يمتلك طاقات إبداعية على الكاتب والناقد إظهار جمالياتها الساحرة ليدركها المتلقي فتبهر مخيلته بالتأمل والتخيل ولا يغيب علينا أيضاً تعالي المثقفين عن تجميع الدراسات بأي حجة كانت يجعلنا عامة في مأزق ويجعلني شخصياً في ضيق فلولا ماجمعه العمالقة العرب حول أديب ما أو ظاهرة ما لكنا الآن في ظلام فكري وثقافي مبين ..فقد أغرمت بالقصة ولم أعرف أنها جنس من الأجناس الأدبية ليس أنا فقط بل الجميع .. من منا لم يطلب يوماً من أمه أو أبيه أن يقص له قصة ويراوغهما ويشترط شروطاً كي ينام لكن لم نعرف أنها سحر وفن وأبداع وفسيفساء منحوتة ومفردات غنية ببلاغة لغوية وسهم يصيب الهدف لذلك.
فعندما نتحدث عن القصة القصيرة في الوطن العربي لا أحد ينسى أو يتناسى الدكتور يوسف أدريس في مجموعته (بيت من لحم) أو نجيب محفوظ في (أحلام فترة النقاهة) أو زكريا تامر في مجموعته (النمور في اليوم العاشر) أو محمد حافظ رجب (في الكرة ورأس الرجل) أو القصص التجريبية للكاتب عز الدين المدني ومجموعته (خرافات) أو قصص الكاتب الليبي محمد علي الشوهدي و مجموعته القصصية (السوق القبلي) وقصص قاسم حول وزهير الدجيلي وقصص سليمان الشطي (رجال من الرف العالي) من الكويت و قصص سليمان الخليفي ولا ننسى الكاتب المصري الدكتور حسن البنداري و قصص ليلى العثمان ووليد الرجيب وطالب الرفاعي وفوزية رشيد ورجاء عالم وإبراهيم عبد المجيد ويحيى الطاهر عبد الله والياس فركوح ومحمد منصور الشقحاء من السعودية و محمد العروسي المطوي ومصطفى الفارس ومحمد صالح الجابري وعثمان علي نور ووليد أخلاصي ومحمود ريماوي وتيسير نظمي من فلسطين ومحسن سليمان وسيف المري ومحمد المر من الأمارات وعبد الستار ناصر وخضير خضير من العراق وفاطمة تركي ولولوة المسند وأحمد عبد الملك وهدى النعيمي وكلثم جبر من قطر وإدريس الصغير من المغرب والقائمة تطول وتطول حتى أنها قد تصل إلى كتب بذكر أسماء المبدعين فقط دون أن نحلل أعمالهم ولكننا سنقف في هذا الكتاب على تحليل ونقد ودراسة كاتب من كتاب القصص القصيرة له تاريخ في السرد القصصي والروائي والمسرحي تميز بإبداعه المتواصل على الرغم من التعمد على تهميشه من المؤسسات الثقافية العربية الرسمية وغير الرسمية وعلى الرغم من أنه اقتحم بقلمه جميع الأجناس الأدبية وأن الكتابة له ذاكرة وغطاء يتدثر به وتميمة ضد الأعين والحاسدين فيلتقط صوراً وأنا أقرأ هذه المجموعة أشعر كذلك الغريب في بلد لايعلم عنه شيئاً ولا أوقن بشئ إلا أنني وجدت زهوراً في مجموعته القصصية لك النيل والقمر فأتسائَل كثيراً هل أبدو كشخص يكترث للناس والنظرات البعيدة تخفي التفاصيل تماماً كالنظر فقط على مر الكرام أتساءل إذاً ماذا أريد ؟ من الكتابة والقراءة ؟ التمعن والتعمق والإبحار في عمق الحروف والغوص في القصص لأدخل بداخلها بلا خطة تماماً كما هي في الواقع وأطوي جثث القراءات بداخل الكتب القديمة وأدحرجها إلى محارق النفي والاشمئزاز مع الخوف من بعد ماذا أريد ؟ هل قراءة القصص القصيرة أم الروايات ؟ سؤال يلح علي دائماً فكلما قرأت قصة وجدت الأخرى أجمل وأعمق بالمعنى والإبداع والحبكة والسرد والحدث وأبحث عن نفسي وعن المرأة بداخل القصص. أنا أسعى للبحث عن طريقة ما لاتشبه الطرق التي يكتب بها الكتاب والنقاد ولكن في نهاية محاولاتي لم أجد طريقة ما فقررت أن أكتب بما يمليه علي ضميري وأضغط على أزرار اللابتوب وأكتب الكلمة الأولى التي ترد على بالي وأقول لنفسي أنا أكتب شهادة بحق كاتب ونصوص ودراسات نقدية من كتاب وأدباء وأكاديميين وأساتذة عظام ونقاد مبدعين فأنا محظوظة بقدر ماكنت تعيسة فقد بدأت من البداية بعوالم الشغف بالأدب وأسرار النصوص والأفكار والأحلام جميلة لكن المهم الإنجاز وتعلمت من أبي وأستاذي الكفاح والمثابرة وأن لاتكون الأفكار حبيسة مدونة على الأوراق في أدراج مغلقة بالأقفال أظن أن هذا الجيل يسعد ويغوى بالحكاية القصيرة فلتتشظى القصص إلى حكايات تواكب التطور الالكتروني والطباعة الالكترونية وتروج بعد أن غاب النقد وغابت مؤسسات النقد وعتمت الرؤية لكثرة المكتوب والمعروض وضعف المضمون وسطحية الموضوع ونحن أمام إبداع قصصي في مجموعة قصصية تحتوي عبق التراث والتناص والتاريخ والموروث الشعبي وحكايات ألف ليلة وليلة وشهرزاد الحكاية ومزجها بالواقع والفلكلور والأساطير واللعب باللغة وتشكيلها من وعي وثقافة الكاتب والقاص والروائي لإيصال المدلول والحكمة والفكرة إلى المتلقي ومشاركة ومساهمة المتلقي في إنتاج النص فيكون هنا الكاتب أدرك عنفوان اللحظة وخاض اقتناصها من شريط الحياة لكن لا تميل إلى السرد الطويل وتفصيل التفاصيل أي (الكلام المناسب في المكان المناسب) فالقصة القصيرة بهذه الكيفية والإبداعية الفنية المختزلة تكون الجنس الأدبي الأصعب لأن كاتب القصة مطالب أن يمتع القارئ ويسحره بحيز صغير ومكثف وبلاغة ومفردات لغوية كالجواهر النفيسة الفاخرة التي تتجمل فيها الفاتنات فتكون بهذه الجواهر اللغوية رائعة الجمال وخاصة إذا صاغها الكاتب بمهارة فنية وإبداعية وفصاحة وعلى الكاتب أن يبني بلاغته المتجدده مع مهارة الكاتب في تسلسل الحدث بحذاقة وبراعة فليس كل من كتب ونشر مبدع وإنما من أبدع وحبك وهندس بذوق فني فالكاتب مهما تألق يبقى يخوض التجربة ويطلع على وجهات نظر الآخرين وقراءة أفكارهم فمثل هذا الكاتب المؤمن بالتجديد والتطوير يجد في التجريب مجال صحي لتطوير أدواته الذاتية وعمله الأدبي والفني فيفتح مكامن طاقاته الإبداعية والمجاهل المعتمة فتضئ دنيا الإبداع أمام مسيرته الأدبية وتزدهر ذائقته الفنية على خلاف أولئك الكتاب التقليدين ذوات الأقلام والأذهان التقليدية الذين يكونوا حجرة عثرة أمام مسيرة التطوير والإبداع والتجديد للأجناس الأدبية عامة والقصة القصيرة خاصة. سيظل الطموح الجمالي هاجس كل المبدعين ومن انزلق ضارباً عرض الحائط تجارب المبدعين والسابقين الأوائل في القصة القصيرة بامتياز فعليه التوغل بغمارها شاء أم أبى فهم الأصالة والتاريخ والثقافة والوعي وهذا ماتؤكده المقولة الخالدة (إذا أردت أن تعرف قيمة أمة فانظر إلى فنونها وآدابها).. لذلك لابد للإنسان أن يعمل ما دامت الطبيعة تفرض علينا التعايش.. فالبعض يعمل بيديه والآخر يعمل بعقله وآخر يعمل بقلمه وحرفه هكذا هي دورة الحياة في الطبيعة أي من الإنسان للطبيعة ومن الطبيعة للإنسان ولابد لنا أن نحافظ على إبداعنا وتراثنا من العابثين والمتحلقين والمتحيزين وأذنابهم ..فلا نردد مايقال ويتداول (إننا أمة تزرع كثيراً ولا تحصد إلا نادرا ورديئاً) بينما نجد كل الظروف ملائمة لنثر بذور الإبداع والتألق والأفكار لكي تنمو وتزهر زهوراً و لتصبح ثمار الأفكار والإبداع يانعة لجني التقدم والتألق الفكري والأدبي... وكما يقول الأصفهاني : (إني رأيت أنه ماكتب أحدهم في يومه كتاباً إلا قال في غده، لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد ذاك لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك ذاك لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر...).
ففي البداية أود أن أنوه بشيء هنا أن أي عمل هو كرامة للإنسان وسمو للنفس فلا يمكن أن نتردد إذا ما تأملنا قول الشاعر (فاكسب لنفسك منها جهد ما وصلت إليه واتعب فإن النجح في التعب.) (الشاعر محمد أحمد المشاري) في مجلة البيان..العدد (523) فبراير2014)..
ولذلك علينا بذل قصارى جهدنا فيما يحقق التجديد والتطور والإبداع المنشود والذي نتأمله ونتمناه ونظمناه للأجيال القادمة من حياة النماء والثراء الفكري والعلمي والأدبي وفي كافة مجالات الحياة ليعود عليهم بالخير والهناء والاستقرار ليكملوا مسيرة الإبداع والتحدي لصياغة الأفكار الجديدة ويسخو بالوفاء للأجيال السابقة والراحلة ولنكسر معا تلك الأسيجة الكونكريتية المسلحة بالأفكار البالية والحتمية الفردية المعلولة بالأمراض والعلل وعلينا أن ندعم كل فكر جديد وأي محاولة للتجديد من هنا لابد أن أقول : إن أبواب الأدب والإبداع والنقد مفتوحة للجميع لذلك تقدمت نحوهم دون خوف أو قلق من مبدأ أن الكتابة هي الحرية المطلقة وبما أني أستاذة تاريخ ترددت كثيراً وأنا اعلم جيداً بتفوق أقلام إبداعية مضيئة في فضاء النقد الأدبي والإبداع الفكري للأدب العربي وأساتذة وعلماء في النقد الإبداعي وقامات من الكتاب المتميزين لكن الأدب يستوعب التجديد والأفكار وأساتذة كل العلوم فأبوابه مفتوحة للجميع... نعم وبالتأكيد أنا لست متخصصة في النقد الأدبي لكن كما يقول الدكتور جابر عصفور في لقاء وحوار مع الأستاذ الناقد جميل حمداوي (في ديوان العرب _ في يوم 31/ايار/ 2008)
إن الناقد المتميز هو الذي يكون متمكناً من جميع الفنون الإبداعية ولابد أن يكون قد مارس الكتابة في (القصة ..المسرح ..الرواية ..الشعر ..وباقي الأجناس الأدبية الاخرى) وأن يكون مثقفاً موسوعياً وباحثاً شمولياً ليستطيع أن يفهم العمل الأدبي ويفسره ويفككه ويركبه... .وأيضاً يمكن للناقد أن يفشل في جنس أدبي معين ولكنه ينجح في مجال النقد والقراءة الوصفية ويصبح فيهما علماً بارزاً يشار إليه بالبنان، ويذكر الأستاذ الناقد الكبير (جميل حمداوي) واصفاً الناقد : الناقد الحقيقي هو الذي يحترق بوهج النقد وحرقة الإبداع الأدبي... ..(ديوان العرب) بقلم (هشام بن الشاوي)
وبينما أنا أتأمل هذه المقالات والحوارات الدراسات النقدية والاعمال القصصية الرصينة من حيث النوع والإبداع والحبكة والتعبير النثري المعبر لجوانب الحياة متحداً ومنسجماً مع الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والشخصيات المراد التحدث عنها بحس كبير وشاعرية تختلف عن الرواية في السرد والشخصيات ..فتوكلت على الله وأجزمت وقسمت بين نفسي وأمام الله أن أجمع هذا الكم من الإبداع وأغوص في فكر وإبداع راهب الأبجدية الحافظية مره أخرى وأقتحم محراب أبجديته وفكره الإبداعي الذي لم يأخذه كل هذا الإبداع والتألق الأدبي من أمهات المثابره والكتب والبحث والقراءة من أجل الاعتلاء والامتلاء الفكري والثقافي الذي ساهم في تدفق الإبداع المتعدد فكرا وإنتاجا وتشعباً ما بين (الشعر.. الرواية.. القصة القصيرة.. المسرح التجريبي.. مسرح الطفل.. المقالات.. والكتابة للأطفال والتلفاز والسهرات التلفزيونية.. والإذاعية..)
فمن يطلع على إنتاجه وإبداعه الأدبي يدرك حقيقة ما أقول ليس تحيزاً بل له بصمات واضحة في الإبداع الأدبي صقلتها ثقافته المعرفية والفكرية فهو (الأستاذ والكاتب والقاص الروائي المبدع السيد حافظ) فهو متمكن من لغته وأسلوبه الأدبي وذكائه ورؤيته للموضوعات الحقيقية مثل حب الوطن وخيانات المبادئ وما أفرزه المنافقون في تدمير كل شى جميل مما قدمه للوطن ولنا ولكم أيها المبدعون والمهتمون بالأدب والنقد الأدبي الراقي والمتجدد وفق أساليب أكاديمية ومدارس نقدية تحث على النوع وليس الكم... .فمن خلال هذا الكتاب الذي يمثل نوعاً من انواع الفنون الأدبية . وهو تجميع الدراسات والمقالات التي كتبت عن الكاتب الروائي والقاص المبدع الأستاذ السيد حافظ) فقد سبقني في هذا المجال والنوع من الكتاب كثيرون على سبيل المثال لا الحصر ..( الثعالبي ..والشيخ السيوطي ..والجاحظ) ..وفي العصر الحديث قطبان كبيران هما الدكتور محمد حسن عبد الله .. من مصر وله (16) كتاباً تجميعياً حول أدباء وشعراء الكويت...
الأستاذ والشاعر الكبير والباحث الكبير من الكويت (خالد سعود الزيد) وله (12) كتاباً تجميعياً وكذلك الشاعر والناقد الكبير خليفة الواقيان من الكويت... أناشد المثقفين والمهتمين بالأدب والنقد من اكاديميين وأساتذة النقد والأدب العربي مناشدة بعيدة من التوتر والجزع ربما لحرصي على الذائقة الأدبية والتطور الإبداعي وربما تظنون التعاطف لا بل المساندة لكل إبداع متميز والبحث عن الجودة والمعاني السامية واللغة الرصينة والحث على مواجهة ومساندة الأدباء والكتاب الراقين والمبدعين الذين ظلموا في بلادنا العربية أناشدكم بحب النيل لا تهجروا النصوص دون قراءتها.. ولا تهجوها إلا بعد أن تدرسوها.. التصقوا بإبداع الأبجديات الراقية التي تتمتع بقيمة وصيغ وشاعرية تعانق النيل وأرض الوطن والإنسان والتاريخ وبالتأكيد هذه النصوص ليست خاوية وناشفة فتجاهلكم للنصوص يسلبها الحياة . ويجعلكم أمام التاريخ قتله تنتقصون من قدر بعض المبدعين وتدفعونهم بإحداث توتر نفسي في العزلة والاكتئاب والشعور بالقهر والضيم والإحساس بقمة الحرمان .وتحولكم إلى ألدّ الخصام للمبدعين من أبناء الأمة والوطن... . وإذا نظرنا إلى ماحدث في التاريخ الأدبي العربي عامة والمصري خاصةً لوجدنا الكثير من الأسماء التي عانت من التهميش والتحجيم بلا سبب مثل (محمود دياب ..سعد مكاوي... نجيب سرور .. وحافظ إبراهيم ..وعبد القادر المازني ..ومحمد حافظ رجب .. وصنع الله إبراهيم . والقائمة تطول وتكثر الأسماء من كل الأزمنة ومختلف الأجيال في جميع الأقطار العربية ..) لاكتشفنا المهازل الكثيرة والحروب الكبيرة بلا سبب وبلا هدف سوى الغيرة والحقد الغير مبرر فمثلاً نصوص الأستاذ الكاتب الكبير السيد حافظ غنية ومثمرة ومحتشدة وواسعة المدى والمساحة وفاعلة تأطر الشخصيات وتحاكيها بنسيج النص وتنقلاتها والعلاقات الاجتماعية والإنسانية وأحيانا واقعية... .وقد قمت مسبقا بإصدار كتاب عنه في جزئين الأول خاص بـ(20) دراسة نقدية للناقدات والثاني ب (25) دراسة نقدية للنقاد وكان بعنوان (التشظي وتداخل الأجناس الأدبية في الرواية العربية... نموذجاً السيد حافظ ..)
في مشوار إبداعه الروائي (الذي يضم الرواية السباعية) وروايتان أخريتان ..
وركزنا على مشروعه في كتابة السباعية (المسرواية) أو الملحمة الروائية فهنا سنتناول مشوار آخر من الإبداع للأستاذ الكاتب الكبير والروائي المبدع (السيد حافظ)
أما البدء هنا سيكون المشروع القصصي عنده . الذي بدأ في عام 1970 م...
المشروع عبارة عن ثلاث مجاميع قصصية جمعت في كتاب واحد بعنوان (لك النيل والقمر) مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة.. الطبعة الأولى..سنة 2016م
وهو يضم 44 قصة قصيرة كتبت في (46) عام أو يزيد.. ومن المعروف أن القصة القصيرة هي في المفهوم اللغوي أي تعريف ومعنى القصة في معجم المعاني الجامع
قصة (اسم) : والجمع : أقاصيص وقصص
القصة : التي تكتب
القصة : الجملة من الكلام
القصة :الحديث
القصة : الأمر
القصة : الخبر
القصة : الشأن
القصة : حكاية مكتوبة طويلة تستمد من الخيال أو الواقع أو منهما معاً : وتبنى على قواعد معينة من الفن الأدبي والجمع (قصص)
قصة قصيرة :( آداب) هي قطعة نثرية فيها عدد قليل من الشخصيات وتهدف إلى التأثير... . فالقصة إذاً هي فن أدبي عالمي قديم جداً وقد وجد عند معظم الشعوب والأمم مثل الإسلام وخصوصاً عند حضارات الروم والفرس وكما احتوى القران الكريم على العديد من قصص الأمم السابقة وقصص الأنبياء بل وخاطب العرب بطريقة قصصية ملائمة لميولهم وطبائعهم المعتمدة على حب اسماعهم للقصص والأخبار التاريخية والحكايات المختلفة في مجالس السمر والسهر وتتميز القصص العربية قبل الإسلام بالواقعية وخلوها من الخيال والمبالغة في السرد باستثناء قصص الأساطير . ومن مظاهر اهتمام العرب بالقصة هو حرصهم على جمع ورواية أخبارهم التاريخية وحكاياتهم المتعلقة بالحروب والحوادث ومن المعروف أن القصص في القرن التاسع عشر نوعان الأول خيالي والثاني : حقيقي.
في النوع الأول الخيالي : الشخصيات تكون من نسج خيال الكاتب وليس لها وجود حقيقي وقد تكون القصة ذات طابع رومانسي يصور بطولات الفرسان ويصف العلاقات السامية والأخلاق القبلية ومنها ما يكون اجتماعياً...
أما النوع الثاني (الحقيقي)
يتحدث الكاتب عن قضايا المجتمع... ونوع آخر من قصص الخيال العلمي التي ليس لها علاقة بالواقع فهي عالم خيالي بحت... لكن بعد ذلك تطورت القصة العربية بشكل كبير لاتصال الثقافة العربية مع الثقافة الاجنبية بالإضافة إلى التطور السريع في وسائل الإعلام ووسائل الاتصال وأصبحت القصة أداة إعلامية معاصرة وبالإضافة إلى زيادة الترجمة للعديد من القصص العربية من قبل الغرب وتزايد عدد الكتاب العرب في مختلف الأقطار العربية فالقصة إذاً هي حكاية مكتوبة مستمدة من الواقع أو الخيال أو من الاثنين معاً بشرط أن تكون مبنية على أسس معينة في الفن الأدبي وجمعها قصص . والقصة بمفهومها المعاصر هي : تسجيل لمايحدث في فترة معينة من الفترات سواء كانت أحداثها كثيرة أم قليلة واحيانا حدث واحد . وتكون هذه الأحداث قد تركت أثر في نفس الكاتب الأمر الذي دفعه إلى كتابتها وقد تكون هذه الأحداث واقعة خلال فترة طويلة فتشكل ما يسمى بالرواية أو فترة زمنية متوسطة فتسمى (قصة) أو تكون الفترة قصيرة فتسمى (القصة القصيرة) تحتوي على حوادث نقلها الكاتب من الحياة الواقعية ونسقها بشكل فني وأدبي وبطريقة تميزه عن غيره من الكتاب . وأحياناً ينسج ويرسم صورة مستقبلية لتلك الأمور الواقعية لا يمتلكها الأفراد أما براعة الكاتب تكمن في عرض الأحداث وتنسيقها لتقديم قصة تتسلسل أحداثها بطريقة تجذب القارئ منها ولتتماشى الأحداث والشخصيات مع الغاية التي يرجوها المؤلف من تأليفه لتلك (الرواية) أو القصة وتصف القصة بأنها مرحلة معينة من مراحل الحياة تبدأ بنقطة معينة وتنتهي عند نقطة أخرى وبشكل تفصيلي سواء كانت هذه المرحلة متعلقة بشخص واحد أو عدة أشخاص (بقلم الأستاذة: سارة حسان) في 17/10/2017.
أما الأستاذ (فؤاد قنديل) في منوعات أدبية (المجلة الالكترونية بواسطة دانة الوهادين في 15 /مارس/ 2016) عرف القصة القصيرة : إنها نص أدبي نثري يعمل على تصوير موقف أو شعور إنساني بشكل مكثف لتحقيق مغزى معين . وتكون ممتعة وشيقة لتجذب انتباه القارئ .وتكتب بشكل عميق لتعبر عن طبيعة الإنسان...
اما الأستاذ (علي عبد الجليل) في كتابه (ص 3) في (القصة القصيرة) الصادر من (دار أسامة للنشر - الاردن )...
يقول: القصة عمل أدبي وفني ماهي إلا حقل تنمو فيه المفردات والتركيب وتتلاقح الصور والدلالات لتنتج في النهاية إحساساً جمالياً وتذوقاً فنياً ويتهيأ المتلقي لاقتناص الحدث ويتفاعل معه من خلال النسيج الفني للقصة فلابد له من أن يحصد اللغة بمفرداتها وصورها.....
بالإضافة إلى كل هذه المعاني للقصة بصوره عامة والقصة القصيرة بصورة خاصة يمكن أن نقول أن القصة فن أدبي وجنس من الأجناس الأدبية وهي تعرض مجموعة من الأحداث الواقعية في مرحلة معينة من مراحل الحياة وعادة ما تكون هذه الأحداث قصيرة وصغيرة يدور حولها محور القصة وليس من الضرورة أن يكون محور القصة شخصية معينة وإنما من الممكن أن يكون محورها (حوار داخلي) أو (أمور نفسية) يدونها الكاتب عن حادثة معينة ويمكن للقصة أيضاً أن لا تحتوي في أحداثها على حوار بل بوصف حادثة ما شرط أن يبذل الكاتب جهداً لتكون مؤثرة ومعبرة بطريقة وأسلوب فني واستخدام اللغة المؤثرة التي تترك أثرا في نفس القارئ ومختصرة كثيراً وتسرد أحداثاً مكثفة دون أن تؤدي إلى فشل العمل القصصي... .
إن الإنسان يميل إلى ما يسمى (بالكدم والحزن وبعدم الفرح) من مبدأ لا الشعور. ولأن الله خلق الإنسان محباً للفرح فلابد لنا أن نسعى دائماً لنتذكر المناسبات المفرحة والأيام الجميلة التي لا يمكن أن تنسى... ونسعى في أوقات كثيرة للنسيان لأنه نعمة من الله كي نتجاهل الحزن والألم والصدمات المأساوية التي تصل بنا إلى الحقد وأحياناً للانتقام وما بين الفرح والحزن دمعة وابتسامة. وأحياناً شعور بغيض يتمظهر بنظراتنا ويتصور بصور مؤامرة تحاك ضدنا وتخاصم مع الذات والمجتمع واعتكاف في محراب المؤامرة الثقافية. فانطلاقاً من هذه العبارات والتساؤلات والمقالات التي نقرأها والأحاديث التي نسمعها أن هناك من يعبث بالثقافة ويحجر ويتآمر على الأقلام وأبجديات المبدعين فأنا لا أدعي الكمال وإنما داعية للكمال من أجل محاولة للوصول للحق وأن أضع هذا المشروع بين دفتي كتاب لنتستنير بما يحتوي لعلنا نساهم معاً لنوقف أولئك الذين يسعون لوضع العصا في عجلة التقدم والتطور الفكري والنقد الأدبي ويحاولون أن يقدموا لنا نصوصاً وأعمالاً ليثبتوا للأجيال المستقبلية أن الوطن العربي يخلو من الأقلام النظيفة الشريفة المتألقة ويروجوا للأعمال التي دون المستوى من مبدأ أن المال ممكن أن يشتري النفوس وأن بالمال نصنع كل شي... لا بل ألف ألف ألف لا إنه كلام مرفوض وعمل مشين فالمال لايصنع المثقفين ولا يصنع الثقافة بل ينشر الثقافة متأكدة بل أجزم أن الذي يكتب بتألق وإبداع غير الذي ينشر كلام مأجور فالكتابة إلهام وإبداع وتألق وحس وذوق من هنا نتسائل...
· هل الكاتب الروائي والقاص المبدع الكبير الأستاذ السيد حافظ تمظهر التجديد في بنية السرد في القصة القصيرة لديه ؟؟
· هل توافرت التقنيات في كتابته للقصة القصيرة ؟؟
· ما هي عناصر وخصائص القصة القصيرة لديه ؟؟؟
إن القصص القصيرة لدى الأستاذ المبدع الكبير السيد حافظ معزوفات وجدانية وتجربة لمشروع ثري مثري ذات لغة شعرية ورمزية وجدانية مستمدة من الواقع بحس عفوي وخيال تجلببت بالواقع وابتعدت عن الارتجال بحيث يشد القارئ لقراءة ماكتب الكاتب ويتشبث بالقصة أو مجموعة قصصه القصيرة فيطرح الكاتب العبقري الأستاذ (السيد حافظ) العموميات بدلا ً من الخصوصيات بطرح شامل لهموم الإنسانية... فمن هذه المعزوفات لكم أيها الأدباء النقاد والأكاديميون والباحثون المتشوقون للأدب عموماً والقصة القصيرة خصوصاً...
إضاءات فنية بارعة ومشرقة للقصة القصيرة... نموذجاً السيد حافظ.. وبحروف لأقلام نقية تسعى لتحقيق الفكر والرغبة والطموح من أجل التجدد وتوضيح التميز بين الأبجديات للأدباء وتوثق الأعمال القصصية ذات الصيغ الفنية والتقنية المتميزة بالإبداع الحسي والشاعرية التي تميز بها وانفرد وتمرد بحروفه كالقنابل التي انفجرت وتشظت إلى إضاءات نارية وحروف تتلألأ في سماء الإبداع الأدبي والنقدي في سرد القصة القصيرة...
يؤكد هذا الإبداع للكاتب ما أكده الأستاذ الدكتور إبراهيم خلوفة إذ يقول : (المجموعة القصصية للكاتب السيد حافظ عبارة عن تأملات في المجموعة القصصية للكاتب المصري المتميز (السيد حافظ) فقد ارتأينا جمعها في دفتي كتاب لتنهض دليلاً على المكانة التي يستحقها الكاتب باعتباره الضمير النابض والعقل المفكر للذات العربية التي تعيش أزمتها الحضارية في صمت قاتل..)..
إن طريقة الأسلوب ذات بيانية رائعة كثيرة الاندهاش والإغراب والروعة الفنية وتترك القارئ مدهوشاً حائراً أمام شاعرية اللغة والنص المختزل إيجازاً وإختصاراً فيسبح في عوالم التخيل والتأويل ليفك طلاسم النص وهذا ما أشارت له الدكتورة الناقدة المبدعة وفاء كمالو حيث أدهشتها عبقرية الرواية، ودهشة القصة القصيرة، والحضور اللامع في قلب المشهد الثقافي تقول الدكتورة وفاء كمالو إن الأستاذ السيد حافظ يكتب إبداعاً ووعياً .. السيد حافظ يطرح مفهوماً جمالياً مغايراً للوجود والإنسان. الماضي يقفز من قلب الحاضر، تتجاوز الأزمنة حدودها وتصبح أمام أحد أهم تقنيات الكتابة الحديثة التي تستعصي على القوالب الثابتة والأنماط السائدة، أسلوبه السردي يتميز بشاعرية اللغة. سحر التفاصيل، دفء الصياغات، عالمه القصصي شديد الوهج، والإيقاع يتصاعد عبر جماليات المونتاج مسكون بالمقارنات والنبوءات بالتراث والميراث والأساطير بالليل والهمس والرغبة والجموح فهو كيان ضخم يجب علينا وعلى القارئ البدء بقراءة النصوص بيقظة وتذوق والاستمتاع بفناء السرد واللغة الساحرة ورصد أسلوب التلون اللغوي والشاعري والصراع ووجهات النظر من خلال الأبعاد الوطنية والقومية ومنظورات الوطنية والوطن في نظر الكاتب والمواطن الوطني المغترب والمهزوم بغربته وهو يرى الواقع الذي لبس لباس الضياع والفساد والخيانة والسخرية بالمواطن والتغني بحقوق الإنسان المسلوبة فالمؤلف أو الكاتب أمام مسئولية الدفاع والمدافع من خلال الكلمة وقول الفصل فترشدنا هنا الدكتورة ليلى بن عائشة بعد أن غاصت في أعماق نصوص الكاتب فتكتشف مؤكدة الآتي ((من المؤكد أنه كاتب سبق زمانه بأزمنة وأستشرف واقع زمانه بدهور وهذا ماتؤكده إبداعاته على الدوام وإذا شككتم في ذلك اقرأوا كتاباته من الآن الأول لبدئها إلى الآن الآتي لتكتشفوا ذلك بأنفسكم))... وأنا أوافق الدكتورة بما ذكرته لأنه يتميز بأسلوب مختلف وله بصمته فأسلوب الكاتب يكشف عن شخصيته وقوته التي لها الأثر على النفوس فهو مبدع الكلمة والحيوية والقوة وبالتالي يؤكد هويته الإبداعية والانتمائية فهو صانع الإبداع والأفكار والمشاريع الإبداعية في القصة القصيرة والرواية والمسرح وهو القلم الذي لا يسهو ولا يغفل لحظةً يتألق من جيل إلى جيل مستخدماً اللغة ومتغيراتها بقاموسه الحافظي وهنا أشرقت الشمس وأضاءت حروف النقد الجرائري بالدكتورة هاجر مباركي لتقول لنا إن الأجمل وأجمل ما يكون أن تعبر إلى التجربة تتجاوز الحالة الإبداعية الجاهزة للوصول إلى لذة النضج الفكري وسلامة الذوق مع السيد حافظ والأجمل الأجمل أن تلج المساحات المخبوءة والمعلنة بتناول فني متناسق عبر المجموعة القصصية (لك النيل والقمر) عنوان يشكل الغلاف القصصي لمساحة إبداعية تتشابك فيها القصص في عالمها الغني بالموروث الثقافي الإنساني والعربي يرتقي بها إلى التمثيل الرمزي لفكرة الوطن أو الأمة . هي تجربة تعبر عن القلق الإنساني باعتباره يشكل بعداً من الأبعاد المعرفية للإنسان ..)) وتنتهي الدكتورة هاجر مباركي بغوصها ورحلتها في فناء الفن والإبداع الحافظي للكاتب حيث استنتجت وأجمعت حقائق إبداعية فتقول :- ((آثرنا من خلالها الكشف عن مكامن التميز في فضاء الإبداع الحافظي مستأنسين فيها بحقائق تأريخية تحرك الذاكرة في إطار بنية قصصية قوامها الانتقال السلس بين أكثر من فضاء)).. أما الصحفي الكبير الأستاذ (عبد الله الشيتي) في الرأي العام بتاريخ 27/1/1980.
الكاتب المبدع السيد حافظ... (( قد مازج المؤلف بين المشكلات العاطفية والاجتماعية والذاتية ممازجة معايشة والتحام، وألقى الضوء على كثير من الهموم الصغيرة الكبيرة، وعالجها بأسلوب مشرق وحس رهيف، فهو متمرس متمكن ولغته مطواعة وأنفاسه في العبارة مكثفة وهذا ما يكسب القصة بين أنامله حيوية ورشاقة وابتعاداً عن الاملال ذلك أن القصة الحقيقية في ما تنهجه من أساليب اليوم، تحاول أن تصل إلى ذهن وعقل وقلب وإدراك القارئ بيسر وابتعاد عن النحت والتزويق في غير معنى أو قيمة أدبية وفنية وموضوعية... إنه بذلك أشبه بالمصور من خلال عدسة لا تهدأ ..يرصد هنا هذه اللقطة أو هذا المشهد... .ويستدل الأستاذ (عبد الله الشيتي) في قصة (أشياء تحلم بالهجرة) الجبل (ص..300) السطر (13)
( وقفت مريم فوق الجبل ترقص.. وأسفل الجبل كان محمد فاروق يعزف على الناي. رقصت مريم وظلت ترقص والشمس تدور . تحرك الجبل فجأة. تحرك ببطء. محمد يعزف ويعزف ولا يدري أن الجبل يتحرك تجاه النهر. وظل محمد يدور ويغني ولا يدري. وهو لا يدري أن الجبل يتحرك في أتجاه النهر....).
إذاً للكاتب كيفية وأسلوب ليتقن الحبكة والسرد وشد الوثاق وحبكه وأحكامه يعطي تصوراً عاماً للكاتب من خلال الكيفية يقدم الحدث في القصة أو الرواية للقراء وكيفية تسلسل الأحداث فالكاتب يختار الحدث الذي يريد تقديمه للقارئ وأحياناً يؤخر الحدث لأجل التشويق علماً أن الحدث والحبكة كأنما خطين متوازيين ونقطة التقاء الخطين هي نهاية القصة وأحيانا يكون بالطريق مطبات وتعرجات وأحيانا صعود وهبوط وأحياناً تحويلة مفاجئة هنا تكون القصة في ذروتها عند تصاعد الحدث ونهاية القصة أو الحدث إما الاستقرار أو التأمل والفراق أو الغدر والخيانة والاستغلال وبعض الأحيان الانتقام هنا النهاية متروكة للكاتب والشخصيات التي يحاكيها فيكشف لنا الأستاذ الكاتب ومنذ وقت مبكر تقنيته الإبداعية المتقدمة على زمنه وأقرانه لذلك فمن الضروري مطابقة نصوص الكاتب السيد حافظ في مجموعته القصصية (لك النيل والقمر والهرم) التي تم اختزال عنوانها إلى (لك النيل والقمر) بسبب رأي المسئولة عن الطبع أن العنوان طويل جداً بينما كان الكاتب يهدف من خلال هذا العنوان استخدام الرمزية للوطن والخيانة وهذه القصص في المجموعة القصصية التي تكونت من ثلاث مجموعات بين دفتي هذا الكتاب وبنفس العنوان (لك النيل والقمر) وكانت المجاميع هي (سمفونية الحب عام 1980، وجوه في الليالي الضائعة 1995، قصص قصيرة منشورة في المجلات العربية حتى 2009، والطبعة الثانية من لك النيل والقمر التي أضيف إليها مجموعة قصص قصيرة جداً) لذا لزم التنويه عن هذه الدراسات .. فالمطابقة والمقارنة مستنهض للقارئ من حيث مستوى التخيل أو الذاكرة ويظهر معادلها الجمالي بواسطة قارئ أو ناقد أو طالب دراسة أكاديمي فيقيم علاقة بينه وبين النص وما يحيل عليه الواقع والحياة في وسعها وتعقيدها . فهذا ليس غضاضة وإنما المخزون الإنساني أزلي ينهل منه الجميع الفرق فقط بالتعبير الفني فالكاتب يوظف الأفكار والحوادث والحكي من واقع لآخر عبر التأريخ لكن حقيقة لابد من نقشها هنا لتتوثق في ذاكرة التاريخ . أن السيد حافظ دون شك أحد رواد القصة الواقعية والرومانسية وأباً دون منازع للتجربة والزمن مهموماً بالنشر لنفسه بنفسه بقدر ماهو مهموماً بجنس القصة القصيرة ومستقبلها وتطويرها خاصة في مصر و الوطن العربي عامة وبصورة جادة نقش بقلمه فناً وأدباً غلب عليهما الواقعية والوطنية والقومية أما أبطال شخصياته كانوا غالباً من الطبقات الشعبية لذلك السيد حافظ أسهم في تشكيل الاتجاه الرومانسي والوطني ليس كما كان يكتب حينذاك عن العزلة ومناجاة الطبيعة هرباً على ما أظن من الواقع الذي كثيراً ما نقرأ عند البعض العجز أو بالأحرى عجزوا عن تغيير ذلك الواقع فنرى المجموعة القصصية للأستاذ السيد حافظ (لك النيل والقمر) حملت ما حملت من التعبيروالتطلعات والأمال والأماني للشعب العربي فالكاتب استلهم تجلياته اللغوية ولغة التخاطب الرومانسية عندما أهدى لحبيبته أو أميرته النيل والقمر والهرم وهما تاريخ وطن وحضارة ليحكم الحبكة القصصية كما جاءت في القصة (لك النيل والقمر يا أميرتي)....
فمن خلال قراءتي لبعض النصوص للكاتب تبين لي ثمة محاور يمن أن تكون هي الأساس في التفاعل والتماس مع الذات والدلالات وكلها تصب في بوتقة الإبداع والمستهدف لدى الكاتب هو المتلقي وكيفية إيصال الفكرة بأقصر الطرق وأكثف وأعمق .. فإحدى الدراسات المتعلقة بالرمزية والعبثية التي يستعرضها الباحث الدكتور (عبد العزيز خلوفة) حول القصص القصيرة جداً التي كتبها الكاتب السيد حافظ تلك القصص التي تضمنتها الطبعة الثانية للمجموعة القصصية (لك النيل والقمر) حيث تناول الباحث الدكتور عبد العزيز خلوفة قائلاً ((يعري المبدع الكبير السيد حافظ المشهد السياسي في مصر ويكشف للقارئ صورة الوطن عبر التاريخ فعندما تنكشف عورة الوطن ترتعش ذات الكاتب إذ يترجم قلقه الداخلي وحسرته الشديدة على حاضر الأمة الباعث على التردي والهاوية)). هنا يستخدم الكاتب الرمزية فتتفجر كلماته ذات المعنى العميق وهذا يكشف لنا وعي الكاتب بمستقبل الوطن فيستشهد الباحث الدكتور عبد العزيز خلوفة من خلال المجموعة القصصية (لك النيل والقمر) بنماذج من هذه القصص القصيرة جداً التي ضمت إلى المجموعة فيستدل بقصة ((ترى ما الذي جرى ..)) ؟
أغمضت عيني لحظة ثم فتحتها فوجدتني في عصر المماليك.. يحاصرون الشوارع .. والسلطان سليم الأول يأمر بالقبض عليَ... فأصبحت سجيناً طوال 450 سنة... ترى ما الذي جرى...؟ فهنا نرى الباحث قد أشار إلى صيغة التساؤل التي استخدمها الكاتب.. ما الذي جرى.. ؟ سؤال الدهشة والحيرة. دهشة تفسرها التغيرات الحاصلة بلا إرادة شعبية وبلا تخطيط معلوم وبلا مقدمات ملموسة ومن ثم فإن السؤال يقتسمه الكاتب مع القارئ فيختزل دلالات عميقة تتناثر بالإصرار على استحلابها. ثم يستعرض الباحث الدكتور عبد العزيز خلوفة الذات الحاضرة كشخصية فاعلة رئيسة تمثل نموذج المثقف العضوي باعتباره جزء لا يتجزأ من الوطن يتوقد ضميره الحي الصارخ على الدوام ..ثم يتناول الباحث الدكتور عبد العزيز خلوفة شئ من التفصيل الدقيق والوعي للشخصيات وخاصة النسائية ويركز الضوء على قصة(شباك الوطن) (.. صرخت المرأة الغانية من شباك الوطن .. أيها المتشاجرون في الساحة .. الوطن في غيبوبة منذ 40 سنة لا يسمع صوتكم ولا يشعر بكم .. اللعنة عليكم كفوا عن الصراخ.. دعوه ينام ..) هنا أكد الباحث على الضياع والصراع والاختفاء فيقول إنه صراع درامي والنهاية مأساوية وهذا ما يؤكد قول واستنتاج الباحث في استخدام الكاتب الفعل (يتشاجرون) فهو الشجار والصراع بين العلمانية والأصولية وبين اليسار واليمين وأيضاً (غيبوبة- صراخ – جثة – اختفى) كل هذه الأفعال والأسماء تدل وتؤكد الفوضى والعبثية لن يكتفي الباحث بل أكمل دلالاته العنوانية في الرمزية والعبثية في قصة أخرى هي (سلة المهملات) التي انتهت بكتابة رسالة ووضعها في ظرف ليكتب عليه العنوان فلم يتذكر العنوان فرماها في سلة المهملات .. فكل عنوان ترجمة وعي للكاتب وكل عنوان اختيار صريح وشفاف للباحث فالآلام الخفية مسخت الذاكرة التي لم تعد تعير الاهتمام للوطن .والوطن الذي أيضاً تعرض للمسخ واحتال عليه المحتالون وهكذا يستمر الباحث الدكتور عبد العزيز خلوفة في تحليل واستعراض للقصص القصيرة جداً للكاتب والأبرز في دراسة الدكتور عبد العزيز خلوفة التأكيد على الترميز والدلالات وأن القصص القصيرة جداً ليس مجرد لقطات أو شرارات بل هي شعور ثابت وعقيدة فكرية ورؤيا فنية ومساحة شاسعة من المعرفة وأيقونات وصيغ تعبيرية (....) مما يجعل القصة القصيرة جداً لدى الكاتب منظاراً له مقوماته وخصائصه الفنية التي تنسجم مع مواقفه الفكرية بالإضافة إلى استخدام الكاتب العلامات الترقيمية وعلى أكثرها نقط (..) دلت على الإيجاز والاقتضاب فالغاية منها ذكاء الكاتب لتحفيز القارئ على التشويق والتخيل والتأمل وغالباً ما تكون نهايات قصص الكاتب علامات التعجب والاستفهام وأحياناً علامات الترقيم لأهميتها وجماليتها الدلالية وغالباً ما يكون هذا الترميز والاختزال يتماشى وتيار العبثية ويختتم الباحث دراسته النقدية بأن القصص القصيرة جداً لدى الكاتب السيد حافظ ماهي إلا شرارات ساخنة ولقطات مضيئة تكشف حقائق مثيرة للجدل فهي ذات صلة بوجود الإنسان في وطن فاقد للبوصلة، وطن بلا قلب، غارق في ظلمات الجهل والغباء والظلم فهي تعالج بشكل رمزي معاني العبثية والاغتراب والفوضى واللا معنى في ظل ثقافة سياسية يتألم في صمت ويتمزق نفسياً جراء التهميش والحصار حصار يطال سلوكه وأفكاره ووجوده ككائن صارخ لأجل الحق والإصلاح بحيث تنتهي جهوده في كل مرة بالفشل.... فمن الدراسات النقدية المدونة في دفتي هذا الكتاب تتوالد وتتبلور لدي حالة من التوتر والصخب والقلق والترقب فتتفجر التساؤلات فما هو الوصف العام والخصائص والسمات التي أحصتها الدراسات النقدية للقصة القصيرة والقصيرة جداً ؟ الحقيقة أدهشتني الدراسات بتحليلاتها اللغوية والفنية في آن واحد وجمع بين الرؤى النقدية العميقة والعلمية الإبداعية والفكرية لخفايا النصوص الأدبية وكشف النقاب والتنويه والإشادة ببلاغة الأبجدية اللغوية للكاتب السيد حافظ وعلى العموم فالقصة القصيرة جداً اتصفت بالجرأة والتكثيف والمفارقة وفعلية الجملة والسخرية والإدهاش واللجوء إلى استخدام الرمز والإيماء والتلميح والإيهام والاعتماد على الخاتمة المتوجهة المؤاخذة المحيرة وخرافة اللقطة واختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها وتميزت بالبلاغة التي تجاوزت السرد المباشر إلى ماهو بياني مجازي ضمن بلاغة الانزياح والخرق الجمالي بالإضافة إلى عنصر التكثيف والتركيز والتدقيق في اختيار الكلمات والجمل والمقاطع المناسبة واجتناب الحشو والاستطراد والوصف والمبالغة في الإسهاب والرصد السردي والتطويل لغرض تشويق وتأثير ودغدغة المتلقي بحيث يتيه في أدغال النص ويسبح في عوالم التخيل والتأمل لفك طلاسم النص واجتياز فراديسه ورصد الأبعاد الوطنية والقومية والإنسانية من خلال منظورات ووجهات نظر مختلفة بالإضافة إلى ثيمات أخرى مثل الحرب والاغتراب والهزيمة والضياع والوجود والنساء والحب والسخرية والتغني بحقوق الإنسان.... وبسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المعقدة والمتشابكة التي أقلقت الإنسان وما تزال تقلقه وبالإضافة إلى عامل السرعة في القراءة للنصوص القصيرة جداً بعد أن اندفع الإنسان أو المثقف إلى سباق مادي وحضاري وفكري وإبداعي القصد منه إثبات الوجود والحصول على المال وليس الإبداع والجمال والرقي الفني كما أدهشتنا ما تضمنته المجموعة القصصية من نصوص تناثرت فسيفسائتها الجميلة لتضيف جمالية فنية وإبداع أدبي لجنس أدبي وأسلوب تكنيكي لكاتب بليغ المعنى كثيف التعمق والتجذر بالإضافة إلى المفاجآت والانفعالات الظاهرة في أعماله ولا سيما أسلوبه الفض والغامض والسلس والواعظ والعاطفي وأحياناً المبهم المرمز وتظهر في بعض القصص القصيرة الخيانة بكافة أنواع الخيانة سواء الوطن المرأة ويطلبون من الخونة العفة والوفاء فإذا خانت المرأة يطالبونها بالعفة غالباً الآن ماتكون القصص حول هذا النوع من العلاقة بين الجنسين أما الأستاذ السيد حافظ نال المكانة المرموقة ولم يكن كاتباً محدود المقدرة على الرغم من كثرة مايكتب في الوقت الحاضر ولا ننسى أنانية البعض ودور النشر ووسائل الاعلام والإعلانات لذلك عزمت الأمر بإذن الله إصدار هذا الكتاب ليكون بين أيديكم (الأكاديميين والنقاد والمتذوقين للأدب والفن والقصة القصيرة هذا ماجعلني أختار هذه المجموعة لأفتح بها صدر الكتاب ليكون مرجعاً لذاكرة التأريخ لنعرف ونطلع ونقرأ معاً التطور بل من طور تطوراً ملموساً في زمان ومكان وتجربة وانتقي باقة قصصية تتصف بالإبداع والأصالة وتمظهر الأصالة في المذاهب الفنية فليكن هذا الكتاب إطلالة على عالم جيل كامل يمثله كاتب القصة القصيرة والسرد والحكاء وصاحب الحبكة الفنية الثائر الغريب المشاكس وأحياناً المتسابق السباق المتقن المتقد بذروة الأحداث الذي أصاب الذهول كل من قرأ كتاباته ومجموعته القصصية من حيث الإبداع والفن الجمالي واللغة الشاعرية والحدث والسرد والشخصيات... هذا هو الكاتب السيد حافظ نموذجاً معاصراً وجوهراً ومشروعاً للتحديث والحداثة والتمظهر في الأدب العربي للقصة والرواية وجميع أجناس الأدب العربي...
بقلم : نـجاة صادق الجشعمي
0 التعليقات:
إرسال تعليق