Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الاثنين، 28 يونيو 2021

مقدمة كتاب إشكالية الحداثة والرؤي النقدية فى المسرح التجريبي

 

مقدمة كتاب

إشكالية الحداثة والرؤي النقدية فى المسرح التجريبي

 

د. نجاة صادق الجشعمى

 


قبل أن نبدأ في هذا الكتاب لابد وأن نتعرف على التجريب والمعنى الاصطلاحي لهذا المصطلح الغريب العجيب الساحر والغامض والمقامر الذي حير الكتاب والأكاديميين والنقاد ومؤلفي المسرح والجمهور فما معنى التجريب  (يقول الناقد عبد الحق قرطيط عن  النقاد والمفكرين الكبار الذين تناولوا هذا المصطلح) :

إن أول خطوة منهجية في سبيل تحديد أي مفهوم، تتحدد في العودة إلى بنيته اللغوية أولا على اعتبار » أن المفهوم ما هو إلا إطار لغوي أنشأه الفكر عبر جدلية " الواقع- الوعي" ، لتجسيد وتكثيف الصفات الجوهرية والأساسية لمجموعة من الأشياء«([1]).

وينبغي ألا يغيب عن الذهن أولا، أن اللغة ظاهرة اجتماعية تاريخية.

أي أن اللغة هي  ذات لها علاقة تأثير وتأثر، وبالتالي فهي خاضعة لقانون التطور ومبدأ التحول اللذين يمارسان تأثيرهما على اللغة التي تصبح ذات ثبات نسبي.

بمعنى أن المفهوم الواحد يعود بالضرورة ذا مدلولات عديدة، ومع ذلك، يؤكد  المفكرون والباحثون والناقدون والأكاديميون والمهتمون في دراسة المعنى أو المصطلح (التجريبي) على أن "المعنى الاصطلاحي للمفاهيم الذي يتم اكتسابه عبر عملية التطور، يظل مهما ابتعد عن جذره اللغوي... يحمل الملامح الأساسية لذلك المعنى الأصلي الذي انبثق منه"([2]). إذاً ما هو المعنى اللغوي للتجريب ؟

1- التجريب في المعنى اللغوي :

 لو أخذنا كلمة "تجريب"،  من الفعل  : "جرب" والمصدر هو "تجربة". وتعني اختبر "والتجربة من المصادر المجموعة. قال النابغة :  "إلى اليوم قد جربت كل التجارب".

وكما قيل في الحكمه ( اسأل مجرب ولا تسأل حكيم  )

وكما لو قلنا مثلاً  ورجل مجرب قد بلي ما عنده، ومجرب قد عرف الأمور وجربها. والمجرب مثل المدرس والمدرس الذي قد أكسبته الأيام خبرة  وحكمة  بالأمور وأحكمته. ومن أمثال العرب :« أنت على المجرب، يقال للذي يمتلك تجربة وخبرة في ميدان ما»([3]). إن فلان لديه خبرة أي تجربة.

وتتعدد معاني كلمة "تجريب" بحسب الحقول المعرفية التي تستعمل فيها "فأصلها في اللغة اللاتينية "Experimentum"  وتعني "البروفة" أو المحاولة. ومن المؤكد أن هذا المصطلح لم تكن له علاقة بالمسرح في زمن روما القديمةّ"([4]).

وفي المجالات العلمية، يقترن التجريب مرة بمعنى المغامرة والبحث عن المجهول، ومرة ثانية بمعنى الابتكار والخلق، ومرة أخرى تدل على معنى التطوير والتجديد.

وفي الحقول الأدبية، فإن التجربة تقترن بالممارسة وبالتراكم الإبداعي أو النقدي لدى الأديب. وعلى هذا الأساس، فالمعنى اللغوي للفظة "التجريب"

تتعدد دلالات مفهوم التجريب لدرجة يصعب حصرها، كما يبدو من غير الممكن الإمساك بصيغة مفهومية نهائية لهذا المصطلح بدون ضبط حمولته الإبستمولوجية، وتحديد الحقل المعرفي الذي ولد الإحساس بضرورة الخروج عما هو موروث / مطلق إلى حيث تتاح فرصة المغامرة، والبحث عما هو مجهول / متغير.

إن السمة الحداثية لمصطلح التجريب ـ المتمثلة في التجدد والتغير اللامحدود ـ تجعله مفتوحا على أي تأويل، ومنفتحا على كل المجالات بسبب قابليته للتعدد في الرؤى، وللاختلاف في وسائل التعبير، ولحرية الفعل التي تعتبر شرطا أساسيا لأية ممارسة تجريبية.

فهو يدل على الفوضى والتدمير وتكسير الأنماط التي سادت، ويدل على الرغبة في ارتياد آفاق مغايرة.

بهذا المعنى فالتجريب لا يتقيد بقاعدة نظرية معينة، ولا يلتزم بضوابط منهجية شأنه في ذلك، شأن الحداثة التي ترفض أن تقدم نفسها كنظرية جاهزة، «لقد جاءت التجريبية استجابة لتحولات ثقافية ومعرفية وفنية. وقدمت نفسها كضرورة اجتماعية وتاريخية»([5]).

إن الأمر إذن يتعلق بالرغبة في التأسيس لوعي ضدي بحتمية البحث عن قيم فنية وجمالية أصيلة، قادرة على احتواء المستجدات التي بشرت وتبشر بها الحداثة.

إن ارتباط التجريب المسرحي الغربي بالحداثة والإبداع ليس تحقيقا لرغبة سابقة، ولكنه حاجة ملحة تطلبها العصر واقتضتها اللحظة التاريخية، وهذا ما سمح للفنان المسرحي بالعمل على إيجاد الوسائل الضرورية والسبل الكفيلة لتحقيق المتعة والتأثير الفكري والجمالي بواسطة المسرح. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأت تتشكل عوامل التجريب ودوافعه في الغرب، خصوصا بعدما أخذ الوعي الفني يؤمن بضرورة خلق مسرح جديد قادر على مسايرة تطور الحياة وضبط العلاقات الإنسانية، التي أصبحت محكومة بتصورات فكرية وثقافية جديدة، ساهمت فيها التغيرات والتحولات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، التي شهدها العصر الحديث. ولقد كان لهذه التحولات انعكاس مباشر على التجريب المسرحي، باعتبار المسرح ظاهرة فنية واجتماعية تعكس المتغيرات العميقة التي يعرفها الإنسان أو يتطلع إلى معرفتها، وبالإضافة إلى هذا فإن انفتاح المسرحيين على فنون وثقافات مغايرة وتفاعلهم معها، قد عمل على إزالة الحدود بين المسرح وكل ما يمكن الإستفادة منه للمساهمة في تغيير الظاهرة المسرحية وإخصاب تجاربها.


وكما أسلفنا الإشارة فقد ارتبط فعل التجريب في المسرح الغربي منذ بدايته إلى الآن بمرحلتين أساسيتين هما :

1- وضع الإفتراضات والتأكد من صحتها بمساعدة التجريب الذي يحاول استخدام حلول جديدة، وهذا ما جعله يشكل قاعدة أساسية من قواعد الإبداع المسرحي.

2- التنقل في مجالات الإبداع المسرحي : الشيء الذي مكن المبدع من مواجهة كل المشاكل الفنية النمطية المتعددة، وتحدي كل الصعاب التقليدية التي لا حصر لها.

إن هاتين المرحلتين تؤكدان أن التجريب المسرحي في الغرب قد انطلق من ضرورة إعادة بناء الواقع وتشييده إيمانا منه بالقوة الإبداعية الخلاقة للفن المسرحي، التي تأخذ بعين الإعتبار كل الأنسقة والعلاقات الجديدة المتحكمة في الواقع وفي الحياة الإنسانية. وهكذا فإذا كان المجربون في مجال العلوم الطبيعية قد انطلقوا أساسا من الملاحظة والتجربة بشتى أصنافها ـ بغية الوصول إلى قواعد وقوانين عامة ـ فإن المجربين المسرحيين قد قاموا في البداية ببلورة المفهوم النظري، وبخلق الافتراضات الأساسية التي يهدف إليها التجريب داخل المسرح([6]).

وإذا كان التجريب المسرحي بمعناه العام هو الذي أتاح للمسرح الغربي استمراريته وتطوره، وأفرز مجموعة من المظاهر التجريبية التي عرفها المسرح عبر امتداده التاريخي، فإن التجريب المسرحي بمعناه الخاص هو تلك العمليات التثويرية التي شهدها المسرح في الغرب الحديث، وعملت على تثبيت دعائم مسرحية تتميز بالخلق والإبداع والتجديد. لذلك، يعتبر التجريب الأول تجريبا عفويا وتلقائيا، بينما يعتبر الثاني فعلا مقصودا وعقلانيا، يرتكز على رؤية محددة وتصورات عميقة لتغيير قواعد المسرح وأسسه، التي ظلت سائدة لفترة طويلة من الزمن، وهذا ما جعل المسرح الغربي يحقق مجموعة من التجارب التي تنفرد بنوع من الاستقلالية والأهمية، إلى درجة أصبحنا معها نرى في العقود الأخيرة أن المخرج أصبح دراماتورجيا بمفرده، وقادرا على أن يحقق مشاريعه المسرحية بشكل ذاتي مستقل عن المؤلف المسرحي، في الوقت الذي أصبح فيه مسرحيون آخرون يتعاملون مع النصوص المسرحية تعاملا حرا، يخرجها عن الأطر الكلاسيكية للدراما، بواسطة تشغيل قدراتهم الإبداعية واللانمطية التي مكنتهم من خلق تصورات تجريبية جديدة للفضاء المسرحي، ولما يمكن أن تملأ به مساحاته الفارغة. ومع ذلك، يمكن القول إن المسرح الغربي مازال مستمرا في البحث التجريبي عن موارد جديدة، وعن مواقع إبداعية أخرى للتوسع والكشف عن مفردات وآليات تجريبية خلاقة، تساعده على ابتكار عوالم جديدة من القيم الفنية والجمالية والإبداعية([7]).

يقول محمد شيحة : «وفي إطار التحاور بين الدراما والمسرح في القرن العشرين، تطفو الكثير من الأفكار والاتجاهات والتجارب والشخصيات التي شكلت في مجموعها ملامح التوتر والتماس والاتفاق والتعارض بين التقاليد المتوارثة والأفكار التجديدية والإصلاحية في المسرح الحديث والمعاصر، فإلى جانب الكتابات النظرية حول "موت التراجيديا" لـ ج.م. دوميناش، و "تجديد المسرح" لجان بول سارتر، انتشرت الجماعات والمختبرات المسرحية، وتنوعت التجارب والتدريبات في مجالات التمثيل والصورة والفضاء المسرحيين، وذلك بفعل القيمة الجديدة والمتميزة التي اكتسبها كل من الإخراج والسينوغرافيا، وفعل التطور التكنولوجي لآليات العمل المسرحي»([8]).

2- اتجاهات التجريب في المسرح الغربي :

لقد تعددت أنواع التجريب وأنماطه في الغرب، بهدف الوصول إلى تجارب مسرحية تتباين أهدافها وطرقها وفقا لطبيعة المبدع وقدراته الإبتكارية، ومراعاة للزمان والمكان اللذين يعيش فيهما.

وهكذا يقسم أندريه فينشتاين اتجاهات التجريب إلى ثلاث اتجاهات متباينة، يسعى كل اتجاه منها إلى تحقيق هدف من الأهداف التالية :

- إصلاح المسرح وتجديده على أساس أنه فن شعبي خاص.

- تجاوز حدود المسرح المعروفة والمتداولة بهدف تأسيس فرجة حقيقية شاملة.

- تأسيس مسرح يمتلك في نفسه الآن فعالية اجتماعية وأخرى سياسية([9]).

ويلاحظ سعيد الناجي أن هذا التقسيم لا يعتمد على معيار منسجم أو موحد الشيء الذي أبعده عن الدقة. ذلك أن برتولد برشت مثلا كان يبحث عن تجديد المسرح وتغيير ثوابته في نفس اللحظة التي كان يبلور فيها مسرحا ذا مضمون اجتماعي وسياسي. إضافة إلى أن ممارسته كانت تقترب من تحقيق عروض مسرحية شاملة دون تجاوز حدود المسرح وذلك باستثمار فن الكتابة والخط، وفن الموسيقى والغناء، وفن تصميم الرقص وفن السينوغرافيا واللعب المسرحي.

وحيث أن سعيد الناجي يبني تحليله لمفهوم التجريب على فرضية مفادها أنه اشتغال على الفضاء المسرحي، وتثوير له في أفق خلق علاقة جديدة بين صانع الفرجة المسرحية والجمهور، فإنه يقترح تقسيم الاتجاهات التجريبية منذ عشرينيات هذا القرن إلى اتجاهين أساسيين اختلفت تصوراتهما للركح واقتراحاتهما لاستثماره دون أن يمنع هذا من اختلاف التجارب داخل الاتجاه الواحد مما يشير إلى غنى التجريب في المسرح الغربي وثرائه.

- الاتجاه الأول : تغيير قوانين الخشبة.

- الاتجاه الثاني : تفجير الخشبة الإيطالية([10]).

أ- يشكل الاتجاه الأول : امتدادا لاقتراحات أبيا وكريغ اللذين بذلا جهودا متقاربة تشير إلى التعدد الذي بدأ يصيب التصورات المسرحية والإختلاف المثري للتجريب المسرحي ناهيك عن تسارع المحاولات التجريبية الرائدة في بداية هذا القرن.

فقد كان أبيا معجبا بأوبرا فاغنر وموسيقاه إلى حد الهوس. ورغم رفضه لتصميم القاعة الإيطالية الثابت لم يستطع أن يقترح وضعية جديدة للمتفرج تحرره من المواجهة الثابتة للخشبة لأن المسرح الموسيقي يلزم بمثل تلك المواجهة. لكن هذا لم يمنع أبيا من إعلان تبرمه من العلبة الإيطالية، واعتبارها أساس الوهم الناشئ عند المتفرج بحقيقة ما يراه.

من هذا الإعتبار حاول أبيا تثوير مبادئ تنظيم الفضاء المسرحي مستثمرا الإمكانيات التي أصبحت توفرها الإضاءة الكهربائية في بناء العرض المسرحي.

لم يكن ممكنا تحقيق هذه الإستراتيجية إلا بتجاوز التنافر الذي ساد آنذاك بين وسائل الإبداع المسرحي في العرض الواحد. تم ذلك عبر منح السلطة الأولى للمخرج في بناء العرض وإحداث التناغم بين وسائله، مع إتاحة حرية أكبر للممثل.

لقد فرضت هذه الرؤية الجديدة على أبيا أن يعوض كلمة ديكور Décor بكلمة تأثيث Plantation([11]).

لم تكن اقتراحات كوردن كريغ بعيدة عن تلك التي اقترحها آبيا، وإن كان كريغ يتميز بإسهاماته السينوغرافية الكثيرة للعروض المسرحية التي استقى منها مبادئه. فيما فضل آبيا العزلة وكتابة نصوص نظرية أكثر من الإسهام الفعلي في الإخراج المسرحي. ومما تميزت به تصميمات كريغ جنوحها الملحوظ نحو فراغ الفضاء المسرحي، ورفض امتلاء الخشبة بقطع الديكور وأجهزته. كان ذلك من أجل ابتكار بنية سينوغرافية متحركة تستفيد من أبعاد الركح، كما تستطيع أن تعكس بشكل مرئي انفعالات الشخصيات والمضمون النفسي للنص المسرحي. فالجهاز السينوغرافي عند كريغ دائم الحركة والتغير، يندمج في لعبة الإضاءة وجمالياتها. إلا أن تصوره للممثل يبقى هو المثير الأكبر للجدل لما تميز به من جرأة وعنف نراهما مبررين بالوضعية التي وصل إليها اللعب المسرحي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن الحالي([12]).

تحت وطأة هذا التذمر من الأسلوب الغربي في اللعب، والإعجاب بأسلوب الممثل الشرقي، نادى كريغ بتعويض الممثل بالدمية.

ينفتح هذا النداء على الرغبة الأكيدة في تثوير اللعب المسرحي، وتجديد أساليب الممثل وبلاغته الجسدية في تمثيل الأدوار والشخصيات.

إن تأدية هذه الأخيرة يجب أن تتم دون التفريط في الإعلان عن الهوية المسرحية للممثل، والكشف عن لعبة المراوحة المستمرة بينه وبين الشخصية. ولاستعارة الدمية للإشارة إلى الممثل المرغوب فيه دلالة عميقة في تحديد ملامحه عند كريغ.

لقد كان رواد تغيير قوانين الخشبة يضعون نصب أعينهم تغيير مواصفاتها وطرق ترتيبها دون الرغبة في تفجيرها. لهذا بلوروا جماليات جديدة تمنح السلطة الأولى للمخرج المسرحي، وتستفيد من الخبرات المتحصلة لإحداث الإنسجام بين مكونات العرض المسرحي. كما تروم إفراز علاقة جديدة بين الممثل والمتفرج دون الإخلال بثبات وضعية هذا الأخير، مع تثمين دور الأول في صنع الفرجة وتكثيف بلاغته الجسدية.

يمكن اعتبار بيسكاتور في مسرحه السياسي من الأوائل الذين أسسوا لهذا الإتجاه حيث تميزت عروضه المسرحية بمستواها التقني الكبير، وباعتمادها على الآلات الضخمة، إذ كان يعبر هذا عن رغبة أكيدة في الإستفادة من التقدم العلمي آنذاك. ونتيجة للإكثار من استعمال التقنيات اختار بيسكاتور الخشبة نصف الدائرية التي تستطيع تحمل ضخامة الديكور وثقل الآلات المحركة له.

ولكن أهم إنجاز لبيسكاتور يتمثل في توظيف التقنية السينمائية باعتبارها وثائق تربط المسرحية بواقع المرحلة التاريخية وحاضر المجتمع، حيث وضع شاشة في خلفية الخشبة تعرض عليها الصور السينمائية([13]). إن الدراما في نظر بيسكاتور تفرض حضور عنصرين اثنين : العنصر الوثائقي والعنصر العاطفي.

لم يكن لهذه التغييرات الفضائية والتقنيات الجديدة أن تتحقق دون أن يوازيها مضمون جديد في المسرح ورؤية للمجتمع. إن مهمة المسرح الثوري في نظر بيسكاتور تتمثل في أن ينطلق من الحقيقة، وأن يكثف الخلاف الاجتماعي ليحوله إلى عنصر اتهام، فيمهد بذلك للثورة والنظام الجديد.

وقد بدا واضحا ارتباط مسرح بيسكاتور بأسس الفلسفة الماركسية التي تقترح تصورا خاصا للمجتمع، قوامه الصراع الطبقي بين طبقة مسيطرة وأخرى محكومة، ولهذا كان بيسكاتور يعتمد على البروليتاريا الصاعدة في أوربا لضمان السند المالي لاستمرار مسرحه.

من هنا يتبين هاجس بيسكاتور في البحث عن شكل فني جديد، يتلاءم مع المضمون السياسي والطابع التعليمي، لتقويض المسرح البورجوازي التعبيري الذي كان يعتمد على الوسائل التكنولوجية التي تتطلب سيولة مادية ضخمة. وهو ما لم يكن في وسع المسرح السياسي تحمله.

فكان البحث عن تقنيات بديلة ومتواضعة ومؤثرة في الوقت ذاته على المتفرج، مما هيأ الظروف الموضوعية لابتكار الشكل المسرحي الملحمي الذي يعتبر إروين بيسكاتور مستلهمه الأول.

وقد مهد بيسكاتور لتجربة برتولد برشت الذي انبثقت عنه فكرة المسرح الملحمي. إن تشكيل القالب المسرحي الملحمي في شكله المعروف لدينا، يعود لبرتولد برشت فهو الذي نظر له ونجح في تأليف نصوص درامية ذات مضامين جديدة وبديلة للموضوعات المألوفة التي سادت في المسرح البورجوازي الكلاسيكي «ذي الشكل الدرامي التقليدي العاجز عن توصيل رسالة سياسية بشكل يضمن استفزاز المتفرج وتحريضه على أن يكون إيجابيا في العمل لتغيير الواقع الإجتماعي»([14]).

ولبلوغ هذه الغاية وضع برشت قواعد جديدة لمسرحه الملحمي تستند إلى اقتراحات خاصة في صيغتها الملحمية، بإعطاء الأهمية الشديدة لفضاء الفرجة المسرحية بمكونيه السينوغرافي واللعبوي، مع انحصارها في حدود تراتب القاعة الإيطالية ومواصفاتها العامة. فالمستهدف الحقيقي في المسرح الملحمي هو الجمهور الذي يجب تحريره من سلبيته كي يستطيع امتلاك الجرأة على المناقشة والتفكير وتحصيل المعرفة. وهكذا، فإن حركية السينوغرافيا وبساطتها، وخفة الممثل الذي يترنح بين التقمص والتمثيل، وتعدد النصوص (الشفوية والمكتوبة، الشعرية والنثرية، اللغوية والموسيقية)، كل هذه الوسائل كانت تلتقي عند مبدأ التغريب([15]).

والتغريب هو وسيلة لتحرير الجمهور من الرواسب الإجتماعية، والحد من تأثيرها عليه لحظة مشاهدة العرض لينشغل بالتساؤلات المثيرة للنظر والتشكيك في كل ما يحيط به، لذلك، حرص برشت على إبقاء مسافة بين الممثل والجمهور تفاديا لاندماج هذا الأخير في الأول، وإبقاء مسافة بين الممثل والشخصية التي يمثلها حتى لا يقع توحد بينهما، «لأن المسرح مسرح وليس الحياة ذاتها»([16])مما يعني أن وظيفة العرض الملحمي لا تنتهي عند حدود نهاية العرض. بل إن التأثير الحقيقي يبدأ مباشرة بعد العرض، على اعتبار أن فضاء العرض فضاء للذة والمتعة والتنفيس. وفي الجمع بين المتعة أثناء العرض من جهة وبين التساؤل والتأمل الفلسفي من جهة ثانية فيما بعد العرض، تكمن جمالية العملية المسرحية القائمة على مبدأين اثنين أساسيين بدونهما تنتفي خصوصية المسرح الملحمي : اللذة والتعليم. وفي سبيل بلوغ هاتين الغايتين، تجاوز برشت المكونات السينوغرافية للفضاء المسرحي، واستعاض عنها بالبساطة في قطع الديكور القادرة «على خلق تأثيرات تحافظ على انفصال الجمهور وتغريبه عن الحدث»([17]).

ويشكل الممثل في هذه العملية العنصر الفاعل، ويلعب فيه الدور الأساسي باعتباره صانع الفرجة.

إن الشعرية الملحمية ليست فكرية تعليمية فحسب، بل إنها تتجاوز ذلك إلى ما هو جمالي إمتاعي. فإذا كان هذا المسرح لا يبرئ نفسه من الإيديولوجيا ـوهو الملتزم بقضايا الإنسان وهمومه الاجتماعية ـ فإن توظيفه للواقعة التاريخية وللأسطورة ليس سوى تقنية للكشف عن القوة المحركة للظواهر، ومدى إمكانية السيطرة عليها والتحكم فيها في محاولة لإيجاد حلول للمشاكل الإجتماعية، والعوائق الواقعية الحياتية التي تشكل هما للإنسان.

بهذا المعنى، فالمسرح الملحمي يوظف التقنيات للتنفيس، ولبلوغ درجة معينة من المتعة الفنية، كما أنه يوظف المضامين الفكرية والتاريخية لتحقيق متعة فكرية تتمثل في تربية الفكر على التأمل واكتساب نظرة نقدية للواقع المعيش.

ب- الاتجاه الثاني : تفجير الخشبة الإيطالية :

كان رواده يبحثون عن تفجير فضاء القاعة الإيطالية الذي سيطر على البناية المسرحية عدة قرون، خاصة منذ القرن السابع عشر. حيث أصبحت الصيغة الأكثر اكتمالا هي تقسيم الحيز الداخلي للبناية إلى قاعة وخشبة تتواجهان، ويستكين فيها المتفرج إلى مقاعده ثابتا غير متحرك وقد كان التجريب في محاولات هؤلاء الرواد أكثر حدة وعنفا يتميز برفض مطلق للقواعد التقليدية للمسرح، سواء تعلق الأمر بتنظيم السينوغرافيا، أو بأساليب اللعب المسرحي أو بالعلاقة بين الجمهور والفرجة المسرحية.

فالمسرح في نظرهم فقد تلك الجدوى التي كانت تحركه وتضمن له حيويته ونشاطه باعتباره فنا مرتبطا بالحس الجماعي من جهة، وبأعماق الروح الإنسانية المتقلبة من جهة أخرى. كما أصبح نسخا مكرورة مبتذلة تثبت الأقنعة بدل إسقاطها، وتخفي التناقضات الإنسانية العميقة بدل تفجيرها.

ولعله لهذا السبب تميزت تجارب هذا الاتجاه بعودة محمومة إلى المقدس والطقوس باحثة عن ذلك الجوهر الإنساني المفقود الذي ضاع في حمأة الحياة اليومية المبتذلة. كما تميزت بالرغبة الجامحة في أن تمنح للممثل وللمتفرج، وللإنسان عموما، وسائل تحرره من قيود الحياة المادية، وترقى به إلى مدارات اللذة والنقاء والصفاء. ولكن هذا لا يعني أن تجارب هذا الاتجاه كانت متجانسة من حيث المبادئ والأهداف تجانسا تاما، إذ بينها اختلافات جوهرية بينة كما هو الحال مع تجارب الاتجاه الأول ورغم ذلك فهي تلتقي عند البحث المهووس عن تحرير المسرح بكل مكوناته المادية والبشرية من ضوابط القاعة الإيطالية المتكلسة([18]).

يمكن اعتبار ماكس رينهاردت في ألمانيا من الأوائل الذين مهدوا لهذا الإتجاه، ورسموا خطواته الأولى.

كان يتجه في إخراجه المسرحي إلى تحقيق عروض ضخمة تتجاوز حدود الخشبة الإيطالية وتوظف فنونا متعددة من رقص، وغناء، وتشخيص، وموسيقى ... تحت تأثير فكرة فاغنر حول العمل الفني الشامل.

إن ما ميز عروضه هو ذلك الإتقان الكبير في الإخراج المسرحي الذي يعتمد على تحريك جموع الممثلين في فضاء مسرحي آخر غير فضاء القاعة الإيطالية. وقد ظهر هذا الإتقان مثلا في إخراجه لمسرحية أوديب لسوفوكليس سنة 1910 في سيرك برلين، مستفيدا من الإمكانيات الفضائية الجديدة التي يتيحها له من أجل بناء ديكور ضخم يرفع الإستثمار المبدع للإضاءة من جماله وانسيابه. وقد تحرر بهذا، من مواصفات الخشبة الإيطالية وما تخلفه بين الجمهور والممثلين من مسافة. وسيستمر رينهاردت، بعد الحرب العالمية الأولى، في ارتباطه بفضاء السيرك، حيث سيحول سيرك برلين سنة 1919 إلى مسرح ضخم يستقبل ثلاثة آلاف متفرج يحتلون ثلاثة أرباع الحيز الدائري المخصص لهم فيما سيخصص الربع الأخير منه والحلبة الداخلية لاحتضان العرض المسرحي.

فلجوء رينهاردت إلى السيرك قد أغنى التجارب اللاحقة عليه، ليس فقط من حيث استثمار فضائه لإقامة العروض، ولكن بأساليب فناني السيرك ومهرجيه وطرق صنع الفرجة فيه، وهو ما كان ينبئ بعودة الإرتجال ويمهد له، ويشير في الآن نفسه إلى انفتاح المسرح على فنون الفرجة الأخرى لاستثمار أساليبها بحثا عن جمالية متجددة دوما. ويمكن اعتبار هدم القاعة الإيطالية أهم إنجاز لرينهاردت، سيعمقه فيما بعد أرطو في فرنسا وغروتوفسكي في بولونيا([19]).

أعلن أرطو عن قطيعة حادة مع المسرح الكلاسيكي الذي انزاحت أسسه وقواعده عن البحث العميق عن الجوهر الحقيقي للمسرح، والذي يجب بعثه وتحقيقه من جديد من خلال إحداث مجموعة من التغييرات الجذرية في علاقته بالمتلقي، وبمكونات هذا المسرح الفنية ووسائله التقنية.

لقد كان أرطو يندد بالمسرح الذي تخنقه الجدية والتحليل النفسي والواقعية والمنطق، ويدعو إلى إعادة الحرية المطلقة للمسرح، وهي تلك الحرية التي نجدها في الموسيقى والشعر والرسم، والتي حرم منها المسرح بشكل غريب ولأحقاب طويلة من الزمن، يقول جيمس روز إيفانز : «كان أرطو يعلن عن تمرده على لون من ألوان الأداء البلاغي المنمق الذي كان سائدا آنذاك في الكوميدي فرانسيز، وكان يهاجم المسرح الفرنسي الذي كانت تسيطر عليه الكلمات وتقديس المؤلف، وبدلا من شعر اللغة اقترح أرطو المساحة أو المكان مستخدما وسائل مثل الموسيقى والرقص والرسم وفنون الحركة والأداء الصامت والإيماء والغناء والتعاويذ والأشكال البدائية والأضواء»([20]).

ومن هنا يتبين أن المسرح ـ في نظر أرطو ـ لم يعد يقتصر فقط على الألفاظ، لأن ماهيته الحقيقية والفعلية تكمن داخل العرض وبواسطته. لذلك، نجده يقول : «لقد كشف لنا مسرح بالي عن تصور لمسرح حسي غير لفظي، حيث يكون المسرح متضمنا داخل كل شيء يمكن أن يحدث على الخشبة، مستقلا عن النص المكتوب، في حين أن المسرح كما نعرفه نحن في الغرب قد أعلن ولاءه الكامل للنص المكتوب، ولم يعد يجد نفسه إلا داخل حدوده. في هذا المسرح الغربي، الكلمة هي كل شيء. وليست هناك إمكانية للتعبير بدونها، لقد أصبح مسرحنا فرعا من فروع الأدب مغلولا إلى فكرة تأدية النص المكتوب»([21]).

إن وظيفة المسرح إذن ليست وظيفة تعبيرية، ولكنها قدرة إبداعية سحرية، تتعامل مع اللغات المسرحية باعتبارها نسقا من العناصر والمكونات التي تحيل على الواقع اللاواقعي، وهذا ما يسمح لنا بالقول إن أرطو قد استخدم مفهوم الظاهرة المسرحية، للتدليل والإحالة على قيم متناقضة، أي على ما يرفضه ويدعو إليه في الآن ذاته، فتقويض المسرح وخلق مسرح جديد يشكل عملية واحدة هي إحياء هذا المسرح وإعادة القوة التي فقدها إليه، ولا يعني هذا نوعا من الإضطراب في فكر أرطو بقدر ما يؤشر على دقته وفعاليته وديناميكيته.

لقد وضع أرطو الكتابة الركحية في المقام الأول داخل الظاهرة المسرحية، مادام المخرج ـ في نظره ـ هو ذلك الفنان المبدع الذي ينظم الفضاء، ويبتكر اللغة غير الملفوظة المشحونة بالرموز والدلالات، ويخلق نوعا من الإنسجام بين عناصر العرض وآلياته، من موسيقى ورقص وفن تشكيلي وأصوات وإيماءات وحركات جسدية وإضاءة وديكور وما يستلزمه من هندسة معمارية، ويكشف عن أبعادها ومستوياتها الشعرية وطاقاتها الإبداعية، ولهذا عمد أرطو إلى تحطيم أسس القاعة الإيطالية وإلى تفجير فضاءاتها، مؤكدا على أن العرض المسرحي ينبغي أن يؤسس لغته الخاصة، أي لغة الجسد وما تحبل به من أنساق بلاغية وإحالات إشارية ورمزية، لأن هذه اللغة لا تقل أهمية عن اللغة المحكية في الكشف عن الأفكار والتعبير عن العواطف([22]).

يقول أرطو : «إنني أعي تمام الوعي أن لغة الحركة والإيماءة والرقص والموسيقى أقل قدرة على تحليل المشاعر الشخصية، أو الكشف عن أفكارها، أو صياغة حالاتها الشعورية بدقة ووضوح مثل لغة الألفاظ، ولكن من قال إن المسرح وجد لتحليل الشخصيات، أو لحل الصراع بين الحب والواجب، وغير ذلك من الصراعات في القضايا ذات الطابع المحلي أو النفسي التي تشغل كل ساحة مسرحنا المعاصر»([23]).

ولا يخفى ما في هذا القول من ضرورة التركيز على توظيف لغة مسرحية حسية ومجسدة في الركح، تتوسل بكل تقنيات الفضاء ووسائله وأدواته المرئية، ولا يعني هذا إقصاء الكلمة بشكل كلي ومطلق من العرض المسرحي، ولكن إعطاءها أهمية أقل لفسح المجال بعد ذلك للجسد، باعتباره محور الفرجة المسرحية سواء على مستوى صناعتها أو تلقيها، يقول سعيد الناجي : «إن جمالية القسوة تتثمن الجسد في حد ذاته، الجسد المنخرط في فعل الحياة دون تمييز بين الممثل والمتفرج، فالأول في نظر أرطو عنصر مهم للغاية، لأن عليه يتوقف نجاح العرض، وسلبي لأن أي مبادرة شخصية منه مرفوضة بشدة، أما الثاني (المتفرج) فعبر جسده نستطيع أن ندخل الميتافيزيقيا إلى فكره، ومن ثمة يحتل الجسد رغباته وشهواته وتقلصاته، في كائنه وممكنه، المكانة الأولى في المسرح»([24])، فالممثل إذن عنصر من العناصر الأساسية في العمل المسرحي، لأنه محرك العرض ومحور الأحداث، ومن ثمة يجب عليه أن يتحكم في صوته وأنفاسه وحركاته وسكناته، وأن لا ينساق وراء الصدفة والارتجال، إن الممثل على الرغم من ضرورة التعامل معه على أساس أنه علامة مسرحية محايدة، قد سمح له أرطو بأن يحل محل الشخصية، شريطة أن لا يتحول إلى مجرد آلة كسول في يد المخرج الشيء الذي يتطلب منه نوعا من الوعي والمعرفة التي تسمح له بالسيطرة على جسده، حتى يتمكن من موقعة أدائه التمثيلي عند نقطة التقاء العواطف والعضلات الجسمية([25]).

إن هذا التحديد التجريبي الجديد لماهية الممثل، كان وراء خضوع مسرح القسوة لمجموعة من التحولات النوعية والتغيرات العميقة في الفضاء المسرحي، تمثلت بشكل أساسي في هدم نسقية ونظام القاعة الإيطالية حيث أصبح على المخرج أن يختار «مكانا مسرحيا موصدا حيث تبطل كل الحواجز بين الممثلين والجمهور، ويحصل اتصال مباشر بين الفئتين، ويوجد المشاهد وسط اللعبة والعرض ويغرق في تشابك الأضواء والأصوات والحركات المسرحية من حوله، ويتحول المسرح إلى حفل ديني، إلى عيد جماعي يشترك فيه الجميع ممثلين ومشاهدين»([26]).

ويعني هذا أن الكتابة الركحية عند أرطو كانت تستهدف بالأساس الوصول إلى عقل المتلقي عبر جسده، وذلك من خلال توظيف مجموعة من التقنيات الفضائية التي أصبحت تخضع لتصورات ورؤى تجريبية جديدة، فالموسيقى ينبغي أن تراعي ضرورة التأثير المباشر والعميق على الإحساس، والإضاءة يجب أن توزع بالذبذبات والتموجات لتحيل على بعض الحالات الملموسة أو المجردة، كالبرودة والحرارة والسرور والغضب، أما الإكسسوارات فوظيفتها هي التأكيد على الجوانب المادية للصور المسرحية والتعابير المشهدية، حتى تتمكن من تحقيق التأثير الحسي على المتفرج، والملابس عليها أن تحافظ على طابعها الطقوسي الذي يكسبها جمالية خاصة، في حين يجب أن تندمج التموجات الصوتية في العرض المسرحي، لتشكل داخله مكونا ماديا تتأسس عليه الفرجة المسرحية، ويؤثر بشكل مباشر على المتلقي لخلق الإحساس بالصدمة القاسية التي لا تحتمل.

إن هذه العناصر والمكونات تتداخل في العرض المسرحي لتشكل نوعا من الانسجام داخل فضاء سينوغرافي، يقوم على مبدأ الفراغ ويتأثت بأدوات بسيطة تمنح الديكور خاصية الإيحاء لا التعيين، ويصدم المتلقي ولا يجعله يبحث عن إحالة مرجعية له([27]).

نستنتج مما تقدم، أن أرطو كان يدعو إلى تأسيس كتابة تجريبية جديدة للركح، يقوم فيها المسرح على لغة الجسد والإشارات، وعلى كل الوسائل التعبيرية المادية التي تستهدف حواس المتلقي وتستجيب لحاجاته النفسية المباشرة في الآن ذاته، لأن هذه الكتابة هي التي ستمكن المسرح من العودة إلى صفائه الأصلي، وإلى نشاطه الحقيقي الذي يرتبط بحياة الإنسان، سواء كان صانعا للفرجة المسرحية أو متلقيا لها. ولعل هذه المظاهر التجريبية على مستوى الكتابة هي التي وضعت المسرح المعاصر أمام رؤية فكرية أساسا، تمثلت في نهاية سلطة المؤلف وإبراز قيمة العرض المسرحي وأجهزته وأدواته التنظيمية، فلا غرابة إذن إذا وجدنا العديد من تجارب اتجاهات المسرح المعاصر تعترف بتبنيها لمبادئ وتصورات أرطو، كتجربة المسرح الحي وتجربة مسرح الشمس، ولا يعني هذا أن التجارب الغربية قد تمثلت تلك المبادئ والتصورات بشكل حرفي، يجعل منها نسخا متناظرة ومتماثلة لمسرح القسوة، ولكن ينبغي التأكيد على أن لكل تجربة من التجارب المسرحية المعاصرة سماتها وخصوصياتها الفنية والإبداعية التي تميزها، وتجعلها تختلف كل الإختلاف عن مسرح أرطو.

نخلص إلى القول أن التجريب في المسرح الغربي كان يستهدف في العمق الانفتاح على حداثة مسرحية تخالف النماذج السابقة. حداثة تستقي ملامحها من التطور التاريخي للفن المسرحي من جهة، ومن جماليات أخرى مختلفة عن الجمالية الغربية أشد الاختلاف وهي وإن استندت إلى حداثة مجتمعية واضحة كانت تختلف معها في أفق تصحيح مساراتها ومسالكها. كما أنها حداثة أكدت اختلاف المسرح وخصوصيته، وأرست الأسس النظرية والجمالية للاختلاف كقيمة مهيمنة تستطيع أن تؤطر السلوك اليومي للإنسان، وتوجه أشكال إبداعه وإنتاجه الفنية. إن هذا التحديد لعلاقة التجريب بالحداثة في المسرح الغربي سيفيدنا في مقاربة التجريب في المسرح العربي بإنجازاته وتعثراته من خلال المقارنة بينهما، وتفحص أشكال تعالقهما.

وهذا يعني أن الممارسة الإبداعية التجريبية ليست بريئة من الناحية الإيديولوجية، لأن المبدع يكتب انطلاقا من موقع اجتماعي ذي تقاطعات تاريخية. وإذا أضفنا السمة التشكيكية للتجريب في القيم السائدة، والتحريض على تقوية الشعور بوجوب إعادة النظر في كل ما بات يمثل إعاقة في أفق التغيير، اتضح لنا مدى الحمولة الإيديولوجية لأطروحات التجريب.

«وما دام التجريب هو فعل الحرية في أصفى حالاته، فإنه يظل نقيضا لكل سلطة تفرض قيودها. سواء باسم المبدأ السياسي أو العرف الأخلاقي أو اللباقة الاجتماعية أو الاتباع الديني أو القواعد الفنية»([28]).

بهذا المعنى، فالتجريب ليس عملية مجردة تنحصر في مجرد البحث عن تقنيات أو أشكال ما. و لا يمكن فصله عن الإيديولوجيا على الرغم من «كونه يدل على الشك، وهو الفرضيات والاحتمالات، في حين أن الإيديولوجيا تدل على اليقين أو ما يشبه اليقين»([29]).

ولعل ما يؤكد صواب هذا الرأي كون التجريب ارتبط بالطليعة، وكلاهما وجد ذاته في الآخر.

- المقومات النظرية لمفهوم التجريب :

إن مفهوم التجريب يرتبط ارتباطا شديدا بمفهوم الحداثة، الذي يعتبر ابتكارا لقيم جديدة لم تكن سائدة من قبل. لذلك، يمكن القول إن كلا من حركتي التجريب والحداثة تأخذان دائما في اعتبارهما مرحلتين أساسيتين:

1- وضع الافتراضات والتصورات ومحاولة التأكد من صحتها انطلاقا من استخدام حلول جديدة، وبذلك شكلت الحداثة والتجريب قاعدة أساسية من قواعد الإبداع.

3- التنقل في مجالات الإبداع حتى يتمكن المبدع من مواجهة مشاكل فنية نمطية وصعوبات تقليدية متعددة ومختلفة([30]).

يفهم من هذا أن الحداثة هي بمثابة نزعة إبداعية تستهدف إعادة صياغة الموروث السائد ليتناسق مع السياقات المرجعية القادمة. إنها حركة تنظر إلى الحاضر بعين المستقبل فتعمد إلى نقل التعبير الفني وجعله متناغما مع المنتظر والآتي، وذلك حتى لا يتقهقر الفن وراء الحضارة المتغيرة، أو يخطو خارج التاريخ المطرد، لذلك وصفت الحداثة بكونها نزعة رؤيوية عند الفنان الحديث، يخترق بموجبها كل الحواجز والعوائق الظاهرة ليغوص إلى أعماق الواقع المعيش، ويكتشف حقائقه ويسبر أغواره، كما وصفت بكونها عملية ثورية في أساليبها ومناهجها، لأنها تقف على النقيض من المألوف القبلي القائم في بيئتها، انطلاقا من وعي مضاد دائم ومستمر، ينتج عنه نوع من التطور الذي لا يعرف التوقف، ويتولد عنه أيضا ضرب من العطاء الذي لا حدود له لأنه يتجاوز ويقتحم المستقبل من خلال مجموعة من الحركات الجدلية التطورية([31]).

وإذا كان مفهوم الحداثة يرتبط بمفهوم التجريب ويتداخل معه، فإن هناك مصطلحا آخر، لا يقل عنه أهمية من حيث تعالقه وتقاطعه مع فعل التجريب، هو الطليعة. لذلك، نجد العديد من الدارسين يستحضرون ـ وهم بصدد إبراز المقومات النظرية للتجريب ـ هذا المصطلح ويحددون أهم الخصائص والسمات المشتركة بينه وبين التجريب.

إن مفهوم الطليعة يعتبر مفهوما نسبيا وملتبسا. وعلى الرغم من ذلك فقد أجمع النقاد على أنه ذلك الأثر الذي يحمل قطيعة مع ما يسبقه من أعمال فنية أو إبداعية كان ينظر إليها في وقتها على أساس أنها أعمال طليعية. ذلك أنه يكفي بالنسبة لأي أثر فني أن يقاطع بشكل عنيف التقليد الأدبي أو الفني في عصره وأن يحمل في أشكاله وصيغه ومضامينه نوعا من التحدي ليصبح عملا طليعيا، لكن في الوقت الذي يلحق فيه التقليد الأدبي هذا العمل وينتسب إليه عن طريق مرونة تصيبه، يتحول العمل الطليعي بدوره إلى عمل تقليدي وكلاسيكي متجاوز([32]).

لذلك، أصبحت كلمة الطليعة ملازمة للحركات الإبداعية التجريبية منذ القرن التاسع عشر في فرنسا، لتتسع دلالة الكلمة بعد ذلك، ولتقترن بنزعة التجديد والحداثة بشكل عام منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

وعلى الرغم من كون الطليعة تعد ظاهرة منتظمة، فإنها ليست بالضرورة ظاهرة ثابتة أو أبدية الوجود. لأنه قد وجدت فترات تاريخية لم تعرف أية حركة طليعية. فلكي تتواجد الحركات الطليعية في الفن والأدب ينبغي على المجتمع أن يوفر شرطين أساسيين :

الأول : فن سائد ومتداول يمتلك طبيعة محافظة إلى حد ما.

والثاني : نظام ذو بنية ليبرالية.

إن هذين الشرطين هما اللذان يمنحان لفعل التحدي مبرره وحريتة، ومن ثمة كانت الطليعة مستحيلة في المجتمعات التي تكون فيها الآداب والفنون خاضعة لرقابة ما، كما تكون مستحيلة في تلك المجتمعات التي يكون فيها الإبداع حرا تماما. وبناء على هذا الاعتبار ارتبطت الطليعة ارتباطا وظيفيا بوجود محافظة سائدة دون أن تكون هذه المحافظة مهيمنة ومستبدة. ولعل هذا هو السبب في ازدهارها بسهولة داخل المجتمعات البورجوازية الليبرالية في أوائل القرن العشرين([33]).   

إن الطليعة وإن كانت متحدية، فإنها لا تعتبر"هدامة" كالتجريب وهذا ما يجعل المبدع أو الفنان الطليعي متواجدا في وضع متناقض على الدوام. وهذه المفارقة في وضعه هي التي تسبب له نوعا من الارتباك، ذلك أنه من جهة يرفض بشدة الجماليات الكلاسيكية للمجتمع الذي ينتمي إليه، ولكنه من جهة أخرى يكون في حاجة إلى هذا المجتمع لتشكيل جمهوره وقراءه ومتلقيه([34]).

لقد أجمع الدارسون والنقاد الذين حاولوا تفسير مصطلح التجريب ووضعه في إطار تعريف علمي محدد، على أن التجريب يتحرك معرفيا بدافع الرغبة في اكتشاف الممكن وإدراك المحتمل في حركة الأشياء والظواهر والمواقف والأفكار، وكل من هذا الممكن والمحتمل يتموقع في الزمن الآتي لمستقبل فعل التجريب وليس في الزمن الماضي الذي يبدأ منه هذا الفعل، على أساس أن كل فعل من أفعال التجريب هو بمثابة وتر مشدود بين قطبين، هما الحاضر الذي يسعى إلى التخلـص من ماضيه، والمستقبل الذي تستشرف إليه العناصر الواعدة في الحاضر([35]).

إن التجريب فعل متوتر غير أنه في سيرورته المتوترة وحركيته المتغيرة باستمرار، يؤسس شكلا من أشكال الوعي الضدي الذي يجعل من ذاته موضوعا للتأمل والنقد والمساءلة.

إن تأكيد ذات التجريب تتم من خلال الحضور الضدي، وغايته في ذلك، أن يتحول ذاتيا من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية. وإذا كان فعل التجريب يقوم على الحرية، فذلك لا يعني اقترانه بالعشوائية والعبثية بمعناه العام، لأن الشروط التاريخية والخصوصيات الاجتماعية لها تأثير فاعل في الممارسات التجريبية.

فالعلاقة الجدلية بين فعل التجريب وبين ما هو اجتماعي تاريخي «تجعله تعبيرا فنيا عن أوضاع قد أصبحت متجمدة، وأنه قد آن الأوان لتغيير هذه الأوضاع بالبحث عن أشكال جديدة، هذه الأشكال الجديدة ستكون بالطبع أشكالا فنية، لكنها لا تلبث أن تنعكس على الوضع الاجتماعي»([36]).

ومن ثمة، فالتجريب ليس عملية معزولة ومنحصرة في دائرة ما هو جدلي فلسفي. وأن إمكانية التجريب في ظل واقع اجتماعي يتسم بالجمود وانعدام القابلية للتغيير، تبقى غير مضمونة، لأن من شروط التجريب خلخلة السائد وتحطيم المطلق، والتشكيك في الثابت.

لذلك ستكون مهمة الفنان التجريبي في المجتمع التقليدي صعبة وشديدة التعقيد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بفن ذي طبيعة جمعوية مثل الفن المسرحي الذي هو فن التواصل والتوعية وإثارة الأسئلة الحاسمة([37]).

وعلى الرغم من كون التجريب يعد خطوة للأمام تتجاوز المتعارف عليه وتهدف إلى كسر الجمود الذي يصيب الفن بسبب وقوعه في قيود التقليد، فإنه ينبغي عل الفنان المجرب أن ينظر في اتجاهين مختلفين في اللحظة ذاتها: اتجاه يؤدي إلى المستقبل وآخر يأتي من الماضي بهدف صنع حاضر فني جديد وممتع([38]).

وإذا كان العالم الجديد ـ الذي نعيش فيه، والذي يطلق عليه عالم ما بعد الحداثة، قد فرض مجموعة من التحديات الفنية على فعل التجريب، ووضعه في مواجهة إشكاليات جديدة لم يألفها ـ فذلك لا يعني أن يمضي التجريب في سياقات التخبط، من أجل الخروج عن المألوف بلا وعي وبلا جدوى، أو أن يتسم بنوع من الفوضى أشكال وصيغ وقوالب لا تفي بالغرض المطلوب وتعوق عملية النمو والتطور.

وإذا كان التجريب لا يعتبر تحقيقا لرغبة سابقة، بقدر ما يعتبر حاجة ملحة يتطلبها العصر واللحظة التاريخية، فإن «للفنان المبدع الحق في التجريب داخل الإبداع، بقصدية تغييب التقليد والتناقض والتكرار، وبهدف منح الفن القدرة على تحقيق المتعة والتأثير الجمالي والفكري، من خلال الربط البنيوي بين الأشكال الفنية والمضامين الفكرية الإيديولوجية التي تنسجم معها»([39]).والسيد حافظ هو رائد المسرح التجريبى فى مصر والوطن العربى وصاحب أكبر كم وكيف فى هذا المجال وأوقع النقد فى حرج وهرج ومرج وكان ولابد من حدوث اضطراب معرفى فما كان  عليّ إلا وضع  هذه التجربة التى قام بها على مائدة الحوار والنقاش ولست أول من قدم هذا فقد قامت الدكتورة ليلى بن عائشة 1995 م  من الجزائر بتقديم كتاب باسم السيد حافظ والمسرح التجريبى  كما قدم كتاب آخر باسم (إشكالية التجريب فى مسرح السيد حافظ) تأليف الباحث الهوارى بن يونس 2004 من المغرب و كتاب  آخر للدكتور مصطفى رمضاني الفعل الدرامى فى المسرح التجريبى  من المغرب.. هم أساتذة ونقاد كبار من دول المغرب العربى وهاهو صوت العراق النقدى ينضم للمسيرة النقاشية  النقدية حول ريادة تستحق الحوار وتطرح كل أعمالها الأسئلة الكبرى حول مفهوم التجريب والطليعية في المسرح..

أما الكاتب المبدع السيد فيقول عن نقاد مصر وتجربته فى كتاب مسرحية " والله زمان يا مصر:" عام 1973 :

هكذا كان نقاد مصر شرفاء كالملح يضيئون سماء الحركة الثقافية والأدبية فى مصر. كان مفهوم المسرح الطليعى لدينا هو أن نبحث عن شكل وأصالة وجوهر وتاريخ وتراث الأمة (المسرح التراث الحاضر المستقبل) مسرح يسبق المسرح السائد. مسرح متقدم شكلاً وموضوعاً. لذلك كنا نرى أن المسرحيات التى نقدمها يجب أن تكون مستنيرة وتجتاز المرحلة، المسرح الطليعى وقت المعركة لا يستغرق فى التجربة بل هو مسرح ملتزم أى يكون له قضية وأن يلتحم بالشارع المصرى.

والله زمان يا مصر وكرم مطاوع :

كنت فى زيارة للقاهرة فى الإدارة العامة للثقافة الجماهيرية وتحدثت مع عمر برعى فقال لى : على مصطفى أمين يريد أن يقابلك (عمر برعى من شرفاء مصر وكتابها الأنقياء) (على مصطفى أمين مؤلف مسرحية الشهيد وهو شاب نابغة) وحين قابلته قال : كويس أنا أتيت فى الوقت المناسب لماذا؟ ما حدث؟

قال : لابد أن تذهب إلى كرم مطاوع فى المسرح القومى، قلت له لماذا؟

إنه لا يعرفنى.. قال أعلم لقد طلب منى أن أرشح له مسرحية عن المعركة للعرض فى معرض مقتنيات أسلحة العدو، فقلت له : مسرحية والله زمان يا مصر ولقد وعدته بمقابلته ومعى النص اليوم الساعة الخامسة فى المسرح القومى وما دمت إنت صاحب المسرحية اذهب وقابله وأخبره أنك صاحب النص الذى رشحه له على مصطفى أمين.. وكاتب مسرحى وناقد معروف. سافر إلى أوروبا، وغاب هناك.

وشكرته بحرارة وخرجت وقتلت لصديقى سيد شحم اعتقد أننى سأسافر إلى الإسكندرية اليوم قبل الساعة الخامسة: قال سيد شحم لماذا؟

قلت له سأحاول أن يكون معى النص لأن النص ليس معى.. لم أشأ أن أخبر صديقى سيد شحم وزوجته الصحفية الرائعة نجوى فؤاد صديقا عمرى عن سببب رفضى التعامل مع كرم مطاوع وأنا أعلم أنه حلم وأمل لأى كاتب جديد أن يطلب عمله لا أن يعرضه لكننى كنت أعلم نرجسيته وهو فنان قدير وله نرجسيته وهو حر وأنا أرفض هذه النرجسية.

وقال عمر برعى إن الأستاذ/ سعد الدين وهبه رفض التنازل الذى كتبته عن الأجر وعن مكافأة مسرحية والله زمان يا مصر للمعركة وقال يصرف 50% من المكافأة تقديراً لهذا الشعور.. كنت أعلم أن سعد الدين وهبه كان الرجل الوحيد فى مصر الذى يعرف خريطة إبداع مصر مبدعيها.. عشاقها.

كان الأب الروحى للحركة الثقافية فى مصر ورغم كل الظروف تحمل كل سفالات وأحقاد وأنصاف المبدعين فى مصر وكان صامداً كالتاريخ.

والله زمان يا مصر والمحلة الكبرى :

عندما عدت للإسكندرية أدركت أننى فعلت الصواب ووجدت رسالة من المحلة الكبرى من شاب مخرج وفنان تشكيلى يقول فيها : إنه يدعونى لمشاهدة مسرحية والله زمان يا مصر فى مهرجان القاهرة على مسرح السامر.

والله زمان يا مصر واحتفالات أكتوبر فى الثقافة الجماهيرية على مسرح السامر:

ذهبت لمشاهدة مسرحية والله زمان يا مصر لفرقة المحلة الكبرى وأرسلت من الإسكندرية رسالتين الأولى للناقد الصديق المبدع فتحى العشرى والثانية للناقد المبدع أحمد عبد الحميد وبالطبع دعوت صديق عمرى وأستاذى سيد شحم والعزيزة نجوى فؤاد.. وعندما وصلت إلى القاهرة فوجئنا بالناقد فتحى العشرى يحضر إلى مسرح السامر ومعه إذاعة القاهرة ومعه مذيعة أظن اسمها ابتسام وسجل معى أول حلقة لبرنامجه الإذاعى.. جمهور المسرح.

وحضر أحمد عبد الحميد وكان العرض متواضعاً ربما لأن الإمكانيات غير متوفرة ربما لأن الصدق أحياناً يكون أعلى من الحرف الفنية.. هز كتفى الأستاذ أحمد عبد الحميد وقال : إنت كنت جيداً.. واستضافنى العشرى فى إذاعة القاهرة فى البرنامج ولأول مرة أوافق أن أتحدث فى الإذاعة ولقد رفضت أن أسجل ولكننى شعرت أن فتحى العشرى جاء من أجلى وسجل مع عبد الرحمن الشافعى وسجل مع كثيرين وهو يعلم أننى لا أملك ثمن العودة بالقطار للإسكندرية وأحترم رسالة عليها طابع بريد بمبلغ خمسة مليمات كنت أشعر أن عصر السادات سوف يأتى بعاصفة لكل الإنجازات الاجتماعية وسوف يقلب المجتمع لصالح آخرين خرجت من المسرح وفى جيبى ستون قرشاً ثمن العودة بالقطار ركبت مواصلات على حساب سيد شحم وعدت للإسكندرية.


 

والله زمان يا مصر والمسرح السياسى فى منظمة الشباب الاشتراكى الناصرى :

كان السادات متقلب المزاج وحدثت مشاكل بينه وبين الكتاب والأدباء وبدأ نجوم وأبطال أكتوبر أصحاب الكلمة الجريئة والشريفة فى خانة.. أعداء الأمة.. تم تعيينى بمبلغ عشرة جنيهات فى الشهر بالمكافأة كمحاضر فى الثقافة الجماهيرية، كانت منظمة الشباب الناصرى فى حالة حرجة والسادات يريد أن يتخلص منها على مراحل حتى صورة عبد الناصر الزيتية الكبيرة التى كانت توضع فى حديقة الشلالات بدأ عمال البلدية كل يوم يطلقون عليها خراطيم المياه بحجة غسلها حتى تتشقق من الشمس والمياه وتتساقط وقتها وبالفعل تساقطت وفوراً أمر محافظ الإسكندرية بوضع صورة السادات بدلاً منها ودعانى صديقى الأستاذ/ محمد الخولى المسئول السياسى عن المنظمة وطلب منى تنشيط المسرح عن طريق عمل مسابقة وتعيينى مسئولاً عن المسرح السياسى بالمنظمة بمكافأة وبالفعل أعددنا مسابقة حول مسرحية والله زمان يا مصر وبدأت الفرق تعمل فى المسابقة، بينما كنت أجتمع مع محمد الخولى فى قصر ثقافة الحرية زارنى شاب يحمل فى يده مسرحية وقال إنت السيد حافظ قلت نعم قال أنا أعطيك مسرحيتى لتخرجها لى فقلت هذا شرف لى اتركها لى حتى أقرأها وكانت عيناه جاحظة ومتوترة بعض الشىء لكنه قال لا.. اقرأها الآن.. وفتح الصفحة الأولى وأخذ يقرأ قبل أن أجيب.. ثلاث شخصيات تظهر على المسرح الأول يقول أنا الفقر، والثانى يقول أنا المرض، والثالث يقول أنا الجهل، الثلاثة معاً.. نحن سبب بلاء الشعوب.. ها ها.. ها ها.. قلت له كفى دعها لى اقرأها فى المنزل قال متى أحضر لك وأشاهد البروفة قلت يا راجل نقرأ الأول ومر أسبوع والشخص نفسه جاءنى وكان معى بالصدفة الغريبة محمد الخولى الذى أخذ يكتم الضحك وقال لى هذا الشاب.. قرأت المسرحية قلت له شوف أنا سأرسلها إلى القاهرة للجنة الثقافية الجماهيرية عند الأستاذ حسن عبد السلام ويقرر لأنه المسئول الأول عن المسرح فى الثقافة الجماهيرية فقال.. لا أريد حسن عبد السلام أو حمدى غيث أريدك إنت تخرجها.. قلت له سامحنى من هذا الشرف وهنا تدخل الفنان المسرحى محمد حسونة صديقى وقال يا عم الأستاذ سيد حافظ مش فاشى فنظر إلى الأستاذ حسونة ولى وخرج وفى اليوم التالى جاء محمد صدقى الأديب والناقد فى جريدة الجمهورية وقال إنه جاء ليحضر حفلاً فى مسرح سيد درويش وأخذنى معه وسألته فى الطريق من فى الحفل قال السيدة جيهان السادات فقلت له لابد وأن أشاهدها فذهبت معه كنت تركت البروفات لمحمد حسونة ليديرها وجاء المؤلف الشاب وقابل محمد حسونة وقال له من فضلك فين السيد حافظ قال له.. يابنى مش فاضى لك فجذبه من يده ووجد محمد حسونة عشرة من الشباب ينتظرونه على باب قصر ثقافة الحرية ليضربوه وظل يضربهم حتى دخل المستشفى ليلتها وبينما أنا أحدث الأديب والناقد محمد صدقى عن تجربته (والله زمان يا مصر) فى المسرح شاهدت فاروق حسنى.. كان قد جاء من باريس فى زيارة خاطفة وجلس بجوار سعد الدين وهبه فى البنوار وعندما شاهدنى أشار لى بأنه يريد أن يحدثنى وفى الاستراحة صافحنى فاروق حسنى بحرارة قائلاً: تعال أقدمك للأستاذ سعد وهبه. يا أستاذ سعد سيد حافظ هذا مجنون.. عبقرى مسرح قال له اعرفه يا فاروق.. فضحكنا وانتهت لحظة اللقاء لأعود للقصر ليخبرونى أن حسونة المغربى دخل المستشفى وأخذ علقة بدلاً منى ومن أجل مجنون المسرح هذا.. وفى ثانى يوم ذهبت إلى محمد الخولى لأحصل على المكافأة الشهرية.. فقال لى : للأسف لابد وأن نقابل وزير الشباب وأمين عام المنظمة الدكتور عبد الحميد حسن وذهبت إلى مقر المنظمة فى شارع حسن صبرى بالزمالك لأقابله.. كان عبد الحميد حسن زميلنا فى مظاهرات 1968.

وهو ضمن الوفد الذى قابل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى خطاب فى الجامعة وكنت فى العام نفسه اشترك فى نفس المظاهرات وكنت رئيساً لاتحاد طلاب محافظة الإسكندرية وعضواً بمنظمة الشباب الاشتراكى ولكن لم يحالفنى الحظ مثله لإلقاء خطاب أمام عبد الناصر.

المهم أنه تولى وزارة الشباب ورجل محظوظ وكنت أحمل حقيبتى المتواضعة فى يدى وعندما طلبت مقابلة عبد الحميد حسن.. لم أقابله لأن سكرتيره قال مشغول جداً معالى الوزير فانتظرته عند سيارته.. وصافحته.. معالى الوزير د. عبد الحميد حسن.. أنا السيد حافظ مسئول المسرح السياسى لمنظمة الشباب الاشتراكى قال أهلاً.. وركب السيارة وتركنى.. وجدت محمد الخولى (أمين عام الشباب المساعد بالإسكندرية) أمامى قال هه قابلت الوزير.. قلت ولا الخفير.. ضحك وقال تعالى غداً قلت ماشى ماشى الحال قال أين ستنام قلت لا أدرى.. قال تعال لتنام فى معسكر الجزيرة.. قلت لا بأس وهناك ذهبت إلى المسكر وليلتها شاهدت أكبر كمية ناموس فى حياتى واكتشفت سراً من أسرار حياتى أن الناموس يترك كل البشر فى أى مكان ويأتى لى وإن بينى وبين الناموس علاقة غريبة وعجيبة. يومها ظل الناموس يحاصرنى وأنا تحت البطانية هارباً منه وبكيت من الهلع الذى رأيته من المئات منه.

وفى الصباح ذهبت لمقابلة وزير الشباب وجدته مشغولاً جداً ولن يحضر اليوم وعدت إلى الإسكندرية وقررت أن أعمل كمسئول عن المسرح السياسى لمنظمة الشباب الناصرى بالإسكندرية مجاناً.

قلت لمحمد غنيم نريد مسرحاً نعرض عليه تجربة المسرح السياسى قال: ليس عندى مسرح كما تعلم القاعة تحت أمركم.. قلت له لا تصلح ولكن هناك مخزن للنفايات وتخزين الخشب والدوسيهات.. القديمة تابع للقصر.. قال ليس عندى عمال لتنظيفه وهو يحتاج إلى عدد كبير من العمال. قلت له دعنا نحن ننظفها.. فجمعت أربعين شاباً وفتاة وبدأنا فى نظافة القاعة، وعندما انتهينا من نظافتها قلت له نريد بعض البرتكيلات فأعجبته الفكرة وكان رجلاً ذكياً، وبسرعة نزل وجمع عامل المخزن للملابس والديكورات وعامل الإضاءة والسيدة ليلى مهدى مهندسة الديكور، وقمنا بتجهيز قاعة عرض رائعة مكونة من برتكيلات ومسرح مفتوح حوله المقاعد.. وفى أثناء التجهيزات شاهدت إيمان الصيرفى.. الشاب الذى يساعد صلاح صالح فى الإخراج فقلت له.. تعال يا أخ إيمان أعلم أنك تريد أن تخرج وتصبح مخرجاً.. ما رأيك أن تذهب إلى أحد أقسام الشباب وتخرج مسرحية والله زمان يا مصر.. نظر لى طويلاً وقال موافق.. وأدركت يومها إن إيمان الصيرفى سوق يكون مخرجاً لأن إمكانياته كممثل لا تتناسب مع الواقع الفنى فى بلدنا.. وقدم مائة شاب مسرحية والله زمان يا مصر فى 6 أكتوبر ونجحت التجربة نجاحاً طيباً.

والله زمان يا مصر

ومسابقة الثقافة الجماهيرية فى الإسكندرية :

فى عام 1974 رمضان 1394 قررت الثقافة الجماهيرية بالإسكندرية تقديم مسرحية والله زمان يا مصر ضمن مطبوعات الثقافة الجماهيرية وأمانة الدعوة والفكر بالإسكندرية وكتب على الغلاف 6 أكتوبر فى أدب الإسكندرية صمم الغلاف شاكر المعداوى، وكان الكتاب يضم قصائد ومقالات للدكتور محمد زكى العشماوى والدكتور حسن ظاظا وقصائد أدوارها سعد وسامح درويش وعبد العليم القبانى وعبدالمنعم الأنصارى وكمال الدين الملاح وفوزى خضر ومحجوب موسى ومحمود العتريس وإبراهيم غراب والسيد عبد الغنى شطا وعلى المحمدى وفرج السيد فرج وكامل حسنى ومحمد مكيوى وميلاد واصف وقصه لابراهيم عبدالمجيد ومسرحية والله زمان يا مصر وبعدها طرح محمد غنيم فكرة عمل مسابقة أكتوبر وتقدمت للمسابقة وكنت احتاج إلى النجاح فى المسابقة.. كانت قاعة قصر ثقافة الحرية ولأول مرة فى تاريخ الإسكندرية تقدم عرضاً مسرحياً جاداً وطنياً لمدة 86 ليلة لعرض مسرحية (وطنى يا وطنى) الجماهير تأتى ونطردها لازدحام الصالة.

وقاعة مسرح سيد درويش مغلقة لا توجد ميزانية وأعضاء الفريق يصرفون من جيوبهم لشراء الأكل وشرب الشاى والمواصلات ويحضرون مبكراً لتنظيف قاعة العرض، وأحياناً عندما يحب شاب فتاة تمثل معه يحضر مبكراً وكنت أحاول أن تبتعد المشاكل العاطفية عن الفريق وأن العلاقات تكون بعيداً عن الفرقة حتى لا تؤثر على مسيرة الفرقة.. جاءت إذاعة القاهرة وإذاعة الشرق الأوسط وإذاعة الإسكندرية لتأخذ أحاديث عن الفرقة وكان دائماً محمد غنيم يقول: تحدثت نيابة عنكم لأنهم جاءوا من أجل الثقافة الجماهيرية وليس من أجلكم.

وذات يوم أخذنى صلاح أبو الكل عندما شعر بتكرار المسألة.. قال : لى صديقى فى الإذاعة اسمه خميس الجيار فى إذاعة الإسكندرية سجل بعض مقاطع من المسرحية ويريد أن يجرى معك حواراً ومعى حول حرب أكتوبر ما رأيك نشرب شاى فى إذاعة الإسكندرية وذهبت معه وأثناء الحديث سألنى.. خميس الجيار.. ما هى المكافآت التى تعطى لك وكم أجرك الآن بعد هذا النجاح فقلت عشرة جنيهات محاضرات فى الشهر فأوقف التسجيل وقال ماذا تقول عشرة جنيهات محاضرات.. أنا أسأل أجر التأليف والإخراج قلت أنا أعمل مجاناً.. أخذ الرجل يضع يده على رأسه ويخلع نظارته وقال لسه مصر بخير فقال له صلاح أبو الكل كلنا نعمل من أجل مصر وأنت تعمل من أجل مصر فقال له خميس الجيار أظن أن ما يفعله هذا الرجل مختلف عنى وعنك يا صلاح..

كنت انتظر مسابقة (والله زمان يا مصر) فى الثقافة الجماهيرية قالت لى مدام عواطف عبود هارد لك يا سيد.. فسألت ما معنى هارد لك قالت النتيجة ظهرت واسمك مش فيها.. قلت لها يعنى هذا إننى أضعف كاتب فى الإسكندرية أو فى مصر.. قالت تقدم للمسابقة أربعة.. ثلاثة فازوا بالمركز الأول وأنت هارد لك.. سألت محمد غنيم ما معنى هذا من الذى فاز قال رجب سعد الدين السيد قلت له رجب سعد السيد كاتب قصة ممتاز وأكيد عندما يكتب مسرح سيكتب بطريقة ممتازة من هم أعضاء لجنة التحكيم قال أنا والدكتور عشماوى. واتصلت بالدكتور محمد زكى العشماوى وسألته كيف أكون دون المستوى فى المسابقة.. فسألنى أى مسابقة يا سيد أنا لم أحكم فى أى مسابقة شوف فيه إيه بينك وبين غنيم ولا تدخلونى فى الأمر.

كان رجب سعد السيد صديقى ومن أعز أصدقائى هو وإبراهيم عبدالمجيد والسعيد الورقى ورأيت أن احتجاجى أو عمل أى ضوضاء سيؤثر على علاقتى بصديقى وكان محمد غنيم من أنشط موظفى مديرى قصور الثقافة هو وفاروق حسنى مدير قصر الأنفوشى.. كتبت رسالة إلى فاروق حسنى فى باريس أخبره فيها عما فعله محمد غنيم معى ولم يأتنى الرد.

محمد غنيم وإخراج والله زمان يا مصر :

بعد أسبوع استدعانى محمد فى مكتبه وقال لى ابسط سأخرجك لك مسرحيتك والله زمان يا مصر بنفسى قلت له شكراً قال أسامة عبد الوهاب سيحضر اليوم ليقرأ وحدثت خميس عبيد وعايدة حسن اسماعيل وسامى منير واللى قالولك تعالى شوف الفريق.. وحدثت فتحى جنيد وجلست معه افهمه المسرحية علشان يعمل ألحان المسرحية. وشاهدت بروفة واحدة بين محمد غنيم وأسامة عبد الوهاب فقط. لكن لم تتم المسرحية ولذلك قررت أن أخرجها بنفسى لفريق منتحب المسرح السياسى بالمنظمة..

وبالفعل قدمتها وفى أخر يوم للعرض فوجئت بالممثل الذى سيلعب الشخصية الرئيسية يدخل المسرح ومعه لبانة فى فمه وفتاة ويتسكع بطريقة أثارتنى فقررت عدم صعوده على المسرح ومثلت بدلاً منه الشخصية ولكننى فوجئت بأن الجمهور يضحك من كل قلبه مع أن  المفروض أن الشخصية الرئيسية يكون فيها الجدية والثبات لتحظى باحترام الجمهور وبعد أن نزلت من على المسرح قال لى محمد الخولى تعرف إنك ممثل كوميدى ممتاز شوفت الناس بتضحك ازاى.. قلت له.. نسيت التمثيل ولكننى ألجأ إليه كضرورة.

مسرحية والله زمان يا مصر ومسرح القطاع الخاص :

حاول صديقى سيد شحم أن يساعدنى فطلب منى أن أقدم مسرحيتى إلى فرقة (..) وهى فرقة قطاع خاص تكلم هو مع أحد الشركاء بشأنها وكان مسرح القطاع الخاص فى مصر قد أصابه الذبول على رأى الناقد حازم هاشم ولا يعرف ماذا يقدم أثناء المعركة أو ماذا يفعل. ولكن صاحب الفرقة أشار إليه أن مسرحية من فصل واحد لا تصلح ولابد من تحويل المسرحية إلى ثلاثة فصول. فقلت له يا عم سيد ذات يوم ذهبت إلى مسرح قطاع خاص لأشاهد إحدى بروفاته وكان قد دعانى زميلى فى كلية دار العلوم الفنان محمد متولى وكان يعمل حينئذ مديراً لخشبة المسرح وكان اسم المسرحية موزة وثلاث سكاكين وهى من تأليف وليم باسيلى وأثناء مشاهدة البروفة وكانت نجوى سالم ومحمد نجم وعماد حمدى وعلى ما أظن إخراج السيد راضى جلست بجوار المؤلف نتجاذب أطراف الحديث وعرفنى الرجل بنفسه وقال كتبت عشرات المسرحيات ومئات التمثيليات الإذاعية وآلاف البرامج وعشرات الأفلام ولم يعطونى حقى الأدبى فسألته هى كل مؤلفاتك مثل هذه المسرحية أجاب نعم وكلها نجوم كبار وسألنى هل إنت ممثل قلت لا أنا رجل مسرح أكتب مسرحيات أحياناً فسألنى مثل ماذا.. قلت له مل مسرحية "كبرياء التفاهة فى بلاد اللا معنى" نظر لى وصمت وسألت الأستاذ وليم باسيلى هل كل مسرحياتك من هذا النوع قال نعم وأجمل قلت له اسمح لى يا سيدى النص الأدبى ليس شرطاً أن يقدمه نجوم كبار أو صغار وليس شرطاً أن ما يقدمه النجوم الكبار هو عمل كبير قال نعم مش فاهم قصدك قلت يا سيدى إن تاريخ المسرح التجارى الكوميدى كله لا يساوى صفحة فى تاريخ المسرح الحقيقى ولكنه يساوى صفحات فى حسابات البنوك وتضليل الناس وحتى تاريخ المسرح الرسمى لا يساوى شيئاً بجانب تاريخ مسرح الهواة الذى يملأ هذا الوطن.. وتركته مسرعاً إلى صديقى الفنان مظهر أبو النجا الذى كان يمثل دوراً صغيراً فى هذه المسرحية سألنى سيد شحم ولماذا تحكى لى هذه الحكاية قلت له إذا كنا جيلاً نشأ فى زمن فاسد ثقافياً وأدبياً وفكرياً فإننى أعتقد كما يقول إبراهيم فتحى الناقد المبدع.. عليك أن تبدع وتترك إبداعك لأجيال تقيمه.. قلت له يا عم السيد لو قدمت مسرحياتى فى شركة أو ناد أو مدرسة فهى أفضل عندى من أن تقدمها فرقة محترفة.. قال سيد شحم لقد كبرت فى عينى إنت مصرى حقيقى وأنت فى بلدك ولا أحد يطالبك بالتنازل عن أى موقف.

د . نجاة صادق الجشعمى

 

 


 

 

 



([1]) محمد أحمد الزغبي : الإطار المفهومي لـ "الحاجة" جملة دراسات عربية بيروت العدد 12 السنة 1981، ص 47.

([2]) نفس المرجع السابق.

([3]) ابن منظور، أبو الفضل الأنصاري الخزرجي : "لسان العرب" الجزء الثاني حرف باء دار الفكر بيروت 1954، ص. 63.

([4])هناء عبد الفتاح : أصول التجريب في المسرح المعاصر، النظرية والتطبيق، مجلة فصول المصرية – المسرح والتجريب – الجزء الثاني، المجلد 14، العدد الأول ربيع 1995، ص36.

([5]) عبد الرحمن بن إبراهيم : م. س.، ص :101.

([6]) عبد اللطيف غياط : م. س، ص : 85-86.

([7]) هناء عبد الفتاح : م. س، ص : 51-52.

([8]) محمد شيحة : تراجع النص : مدخل إلى دراسة التجريب في الدراما الألمانية المعاصرة ـ مجلة فصول ـ المجلد : 14، العدد 1، 1995، ص : 186.

([9])- Veinstein A : Le théâtre expérimental - Ed. Rennaissance du livre, Paris, 1968,      P : 13.

([10]) سعيد الناجي : التجريب في المسرح ـ التجريب بين المسرح الغربي والمسرح العربي ـ مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1998، ص : 30-31.

([11]) سعيد الناجي : م. س، ص : 18-19.

([12]) نفسه، ص : 20-21.

([13]) نفسه، ص : 31-32.

([14]) أمين العيوطي : ـ المسرح السياسي ـ مجلة عالم الفكر الكويت، المجلد 14، العدد 4، السنة 1984، ص : 86.

([15]) سعيد الناجي : م. س، ص : 33.

([16]) أمين العيوطي : م. س، ص : 87.

([17]) نفسه، ص : 86.

([18]) سعيد الناجي : م. س، ص : 39-40.

([19]) سعيد الناجي : م. س، ص : 41-42.

([20]) جيمس روز إيفانز : المسرح التجريبي من ستانسلافسكي إلى اليوم، ترجمة فاروق عبد القادر، دار الفكر المعاصر، القاهرة، 1979، ص : 41.

([21]) نفسه، ص : 45.

([22]) عبد اللطيف غياط : أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، م. س، ص : 124-125.

([23]) جيمس روز إيفانز : م.س، ص : 41.

([24]) سعيد الناجي : م. س، ص : 46.

([25]) سامية أسعد : الشخصية المسرحية ـ مجلة عالم الفكر ـ المجلد 18، العدد 4، 1988، ص : 123.

([26]) أحمد ديب شعبو : مسرح القساوة عند أرطو : ـ لغة الجسد والتعبير الحركي والمكاني ـ مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 40، 1986، ص : 131.

([27]) سعيد الناجي : م. س، ص : 47-48.

([28]) جابر عصفور : معنى التجريب – مهرجان القاهرة الدولي الرابع للمسرح التجريبي – العدد1، السنة 1992، وزارة الثقافة المصرية، ص : 6.

([29]) عبد الكريم برشيد : المسرح والتجريب والمأثور الشعبي- مجلة فصول المصرية- المسرح التجريبي، الجزء 1، المجلد 13، العدد4، شتاء 1995، ص : 21.

([30]) هناء عبد الفتاح : م.س، ص : 39-40.

([31]) مفيد الحوامدة : -التجريب ومفهوم الحداثة – دراسة حول تجربة يان كوت على أوريستية يوريبيدس – مجلة المسرح المصرية – عدد 86، 1996، ص : 74.

([32]) رولان بارت : مسرح الطليعة الفرنسي – ترجمة رشيد بناني – مجلة عالم الفكر-المجلد 17-عدد 4، 1987، ص : 201.

([33]) رولان بارت : مسرح الطليعـة الفرنسي –ترجمة رشيد بناني-مجلة عالم الفكر-المجلد 17. عدد 4، 1987، ص : 201-202.

([34]) نفسه، ص : 202.

([35]) جابر عصفور : -التجريب المسرحي في حياتنا – مجلة فصول المصرية، المجلد 14 عدد 1، 1995، ص : 13.

([36]) فريدة النقاش : حرية التعبير هي مفتاح المستقبل – مجلة أدب ونقد القاهرية – العدد 86، أكتوبر 1992، ص : 114.

([37]) عبد الرحمن بن إبراهيم : م.س. ص : 98-99.

([38]) الإمام سيد أحمد : حول التجريب في المسرح، قراءة في الوعي الجمالي العربي، الهيئة العامة المصرية للكتاب - 1992، ص : 52.

([39]) عبد اللطيف غياط : مظاهر التجريب في المسرح المغربي : مسرح الهواة نموذجا – أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه – تحت إشراف د.حسن المنيعي، كلية الآداب ظهـر المهراز فاس (مرقونة) 2001-2002، ص : 29.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More