كتاب (التنوع الدلالي في مسرح الطفل
ما بين التناص والتراث والإخراج)
حول مسرح السيد حافظ
إضافة جديدة لمكتبة المسرح العربي
بقلم: أحمد محمد الشريف
تعد الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة وأعقدها على الإطلاق سواء أكانت في قالب مسرحي أو قصصي أو شعري, فالتوجه الفكري نحو عقلية إنسان صغير مازال في طور الإنماء هو عملية تشكيل وصناعة لمستقبل فرد بل أمة بأكملها, تتم فيها عملية زرع قيم وعادات ومقومات سلوكية للأفضل من وجهة نظر المجتمع والأسرة والقائمين على تربية الطفل, وكذلك توجيه مسار المشاعر والأفكار لهذا الطفل نحو الانتماء وحب الوطن وحب الخير والحق والإيثار والتعاون وغيرها. ومن هنا تكمن الصعوبة الأكبر في كيفية قولبة تلك الأفكار كي يستطيع الطفل هضمها والتعامل معها دون ملل أو رفض أو الإتيان بنتيجة عكسية غير مطلوبة وغير متوقعة ¸لاسيما وأن عقل الطفل غير محدود التفكير و يتمتع بخيال واسع وجامح لا ندرك نحن الكبار ما به وإلى أي مدى يمكن أن يصل في تخله وأفكاره لذا فليس من السهل السيطرة عليه أو خداعه أو الاستهانة به. ومن هنا كان لابد على الكتاب الذين يكتبون للطفل بالذات مراعاة كل تلك العوامل مع القدرة على طرح القيمة بالإضافة للمتعة الحسية والبصرية والسمعية التي يرغبها الطفل وتجذبه لمتابعة العمل الفني أو الأدبي.
إن الكتابة لمسرح الطفل في وطننا تتعامل مع ثلاث مستويات من حيث الطرح الدرامي, الأول هو التأليف الخالص من فكر المؤلف , والثاني ترجمة الأعمال الأجنبية وإعادة تقديمها بما يتوافق مع المجتمع, والثالث استلهام التراث وإعادة صياغته بما يناسب الواقع الآن. ومن هنا كانت تجربة الكاتب السيد حافظ الذي قدم مشروعا كبيرا لمسرح الطفل شمل العديد من المسرحيات المستوحاة من التراث العربي والإنساني بشكل عام وقام بصياغتها وإعادة طرح مابها من أفكار ورؤى تناسب الطفل العربي وتتوافق مع العصر الحديث الذي يعيشه مع حرصه على طرح الأفكار التربوية والتعليمية الأخلاقية والسلوكية القويمة.
وتجربة السيد حافظ هي بالفعل تجربة فريدة ونادرة, حيث أسس لمسرح للطفل في الكويت يحمل من العوامل والمقومات مالم يطرح من قبل وملم يستطع أن يلحق به المقلدون من بعده, ولم تلك التجارب التي استمرت سنوات عديدة بعيدة عن عيون النقاد الذين رصدوا تلك التجربة بعيون خارجية التقطت بكل حيادية كل مالها وما عليها, مجتمعين في ذلك مع السيد حافظ والفنانين الذين شاركوه إنتاج أعماله على هدف واحد وهو إثراء الفن عموما ومسرح الطفل خاصة بإبداع جديد ومتميز في رحلة بحث من الجميع نحو الأفضل والأرقى لتطوير النشأ الصغير وإمتاعهم من أجل بناء أجيال جديدة فكريا وسلوكيا لرفعة المجتمعات ولمستقبل أفضل.
التقطت د. نجاة صادق تلك الأفكار والرؤى وأبت أن يواريها التشابك والتناحر الفني وأن يمحوها التشوهات الإعلامية المنتشرة الآن, وقررت أن تبرز تلك التجربة للنور كي يطلع عليها الآن الجميع لتكون نبراسا وهاديا لكل من يهتم ويرغب في مستقبل أفضل لمسرح الطفل. وعليه قامت د. نجاة صادق بتجميع كل ما كتب من مقالات نقدية ودراسات فنية وأدبية وبل ورؤى فنية لفنانين عاصروا التجربة في حينها, وقامت بجمع شهاداتهم لتقييم المشروع ككل بل وطرحت وجهة نظرها كناقدة في كل ما كتب عن مسرح الطفل عند السيد حافظ.
وعليه فقد صدر كتابها (التنوع الدلالي في مسرح الطفل ما بين التناص والتراث والإخراج) بالقاهرة عن مركز الوطن العربي (رؤيا) بالتعاون مع دار (العنوان) للنشر والتوزيع بالشارقة. ويضم بين سطوره مقالات ودراسات لمجموعة كبيرة من الأساتذة وخبراء النقد والصحفيين والفنانين وهم :
}الدكتور / عبد الكريم برشــــــيد (المغـــرب)- الدكتور / كمال الدين حســـيـن (مصـــــر) - الدكتور/ عبد العزيـــز خـلوفـــــة (المغـــرب) - الدكتور / نـــــــــادر القـنـــــــه (فلسـطين)
الدكتور / عــــلاء عبـــد الهــــادي (مصـــــر) - الدكتور / عـــــــــلاء الجــابــــر (الكويت)
الدكتور / محـــمــد عبـد المعطـــى - (مصـــــر) - الدكتور / أســــــامة أبوطـــالـب (مصـــــر)
الدكتور / حــــمدي الجابــــــــري (مصـــــر) - الدكتور / طارق محمود الحصــري (مصـــــر) - الدكتور / محمد مبارك الصــــوري (الكويت) - الدكتور/ زيـــان أحـــمد الحـــاج (ســـوريا) - الدكتور / ســــــــــيــد عــــلـــى (مصـــــر) - الدكتور / أبــو الحســــن ســــلام (مصـــــر) الأســتاذ / حــمـــد الــرقـــــــعـي (الكويت) - الأســتاذ / صــــالـح الـغــريـــــب (الكويت) - الفنـــان / محــمـد الـمنـــصــــور (الكويت) - الأستاذ / عماد منصـور المنصـــــور (الكويت) - الأستاذ / شــــنايــف الحبيــــــــب (المغـــرب) - الأستاذ / صـــــلاح البـــــابـــــــا (مصـــــر) - الأستاذ / عبد المحســـــن الشـمـري (الكويت) - الأستاذ / بســـــــام الـعثــــــمان (الكويت) - الأستاذ / وليــد أبــو بـكـــــــــــر (فلسطين) - الأستاذ / عــــــــزت عــــــــــلام (مصـــــر) - الأستاذ / عبـــد الغنـــــــــــى داود (مصـــــر) - الأستاذ / عـــــماد النــويـــــــري (مصـــــر) - الأستاذ / حســـن عبد الهــــــــادي (فلسطين) - الأستاذ / فيــصــــل الســــــــعـد (الكويت) - الأستاذ / ســـــــامى الباجـــــــوري (مصـــــر) - الأستاذ / عبد العليـــم رســــــلان (مصـــــر) - الأستاذ / ناصر العودة (سـليمان الشـيخ)(فلسطين) - الأستاذ / صـــــــــالح البــــــدرى (العـــراق) - الأستاذ / يوســـــــف حـــــــــمدان - (البحرين) الأستاذ / خليـــــــــل الـــــــوادي - (الكويت) - الأستاذ / عبد القــادر كــراجـــــة - (فلسطين) - الأستاذ / دخيــــــــل الدخـيـــــل (الكويت) - الأستاذ / ماجــــــــد الشـــــــيــخ (فلسطين).. {
حيث بدأ الكتاب بإهداء ثم بمقدمة سطرها أ.د. كمال الدين عيد أستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون بالقاهرة, تحدث فيها عن معرفته بالسيد حافظ وفكره الفلسفي. وأعقب ذلك تمهيدا ل د. نجاة بينت فيه أهمية التناول النقدي للأعمال الفنية, موضحة الأسباب التي دعتها لتشكيل ذلك الكتاب, كي يعتبر مرجعاً لمسرح الطفل في الوطن العربي عامة ومرجعاً هاماً لذاكرة مسرح الطفل في الكويت خاصة. ثم تحدثت في استهلال للكتاب عن أهمية دور الفن ومسرح الطفل في المجتمع, وكيفية التناول الدرامي له من خلال عناصر الدراما الأساسية مثل الشخصيات والصراع والحركة والحوار والبناء, حيث تؤكد أن عنصر التأليف المسرحي هو أكثر العناصر المسرحية استقراراً وثباتاً ذلك لأن أساليب الإخراج والتمثيل والتصميم تختلف باختلاف العصور والبلاد بل وتوجهات القائمين عليها, وتوضح الكاتبة أن المؤلف يجب أن يكون ذي ثقافة عالية وقدرة على رصد القضايا والمشكلات بل وتحليلها واختيار الزاوية التي يتناولها منها لكى تعبر عن رؤيته للقضية من خلال أعماله الفنية.
ثم تنتقل بعد ذلك إلى بيان أهمية تربية ونشأة الطفل بين الأسرة والمدرسة والمجتمع موضحة أنه تقع على عاتق المدرسة بصوره عامة الاهتمام بالمسرح المدرسي والاهتمام بالطفل ليتعلم الإلقاء والمهارات و كيفية التعامل مع الآخرين وفق شخصيته.. والمسرح فعال ووسائله متنوعة ومختلفة وتعمل على تنمية شخصية الطفل واكتشاف مهاراته وميوله وقدراته و بناء شخصيته كطفل وتغير من سلوكه وتعدله. حيث ترى أنه من خلال هذا الكتاب ومن خلال الدراسات التي كتبت بأقلام أساتذة النقد الأدبي في الوطن العربي نجد أننا وببساطة شديدة أمام نظام تعليمي للأسف أصابه الخلل وانعكس ذلك على منظومة التعليم وتنمية المسرح المدرسي وأثر سلبياً بشكل أو باخر على الطفل.
وتستطرد الحديث عن مقومات وعناصر الكتابة للطفل حيث ترى في النهاية أن من يقرأ نصوص الكاتب (السيد حافظ) يجد النضوج والذوق والجمال والثروة اللغوية وبث القيم في نفوس الأطفال إلى جانب البهجة والفرح والسرور محافظاً على هويته الإبداعية في مشواره الثاني وهو مشروع الكتابة للأطفال وإشراقته الفنية ودوافعه العميقة والتركيز على الانتماء للوطن ونوعية الحكاية.. فأغلب النصوص المسرحية تبدو للأطفال لكنها تحمل مبادئ وأخلاقيات وأفكار للكبار.
وتابعت د. نجاة مسيرة السيد حافظ مؤكدة أن الإرهاصات المؤشرة لبداية الاهتمام بمسرح الطفل بالكويت احتضنته مؤسسة البدر " التي أطرتها الأستاذة "عواطف البدر" فاهتمت بمسرح الطفل وآمنت بكينونته وخطورته. وإذا عاينا مسيرة السيد حافظ في رحلة الكتابة للصغار نجد أن مسرحية سندريلا تعد أول محطة في مدن كتابته للأطفال. وقد ارتبط أساسا بمؤسسة البدر.
وتقول عن كتاباته إن المتتبع للعمل الدرامي الموجه للطفل عند "السيد حافظ"، يلاحظ اهتمامه بالمضمون حيث يقدم أفكاراً مناسبة لأبناء مجتمعه في قالب فنى، يعيد فيه ذكريات طفولته ويجددها في الناشئة. أما من حيث الشكل فتذكر د. نجاة عنه أنه لم يكتف بالثورة على الوضع العربي المتأزم، وإنما تمرد على الأصول التقليدية، فابتعد عن الصيغة الأرسطية التي قيدت الكاتب المسرحي عن التعبير بحرية، وحالت دون خلق تواصل بين المبدع والمتلقي. وانطلق من الوجدان الشعبي والتراث العربي من أجل صياغة أدوات معرفية وجمالية مغايرة وقادرة على التعبير عن الهم العربي في الوقت الراهن. مع مراعاة المستوى الفكري للطفل. كما يعتمد على البساطة في استخدام الرموز والدلالات حتى يناسب مستوى فهم الطفل ومداركه.
ثم تتحدث الكاتبة بعد في حوار مباشر مع الكاتب الكبير السيد حافظ, يوضح فيه تجربته في مسرح الطفل منذ البداية وطموحاته وأحلامه فيما يود أن يتحقق للطفل في وطننا العربي نحو مستقبل أفضل.
وتنطلق بنا بعد ذلك نحو مضمون الكتاب من المقالات والدراسات التي تنقسم إلى قسمين أحدهما نقد تنظيري للجانب النصي لكتابات السيد حافظ لمسرح الطفل, والآخر ينتمي إلى النقد التطبيقي للعروض المسرحية وما حدث على خشبة المسرح لتلك النصوص.
وفي النهاية أستعير نفس قول د. نجاة صادق فأقول أنه لا يسعني إلا أن أعبر عن فرحتي وبهجتي وأملي الصادق من هذا الكتاب هو المحافظة على مسرح الطفل وفنونه وقضاياه وحرصنا على الإبداع والتألق والحفاظ على أعمال كبار الكتاب المبدعين من خلال نموذجناً هنا الكاتب الروائي والكاتب المسرحي والقاص المبدع (السيد حافظ) ومشواره مع مسرح الطفل, فإن تجميع كل ما كتب عن مسرح الطفل وقضايا التراث الشعبي والتناص في هذه الدراسات القيمة حتى يتسنى للباحثين والأكاديميين وطلاب الدراسات العليا الاستفادة منها لاستغلال الوقت والجهد وسرعة الإنجاز بالعمل الأدبي والنقد للأدب العربي المتطور والتجديد لكم ولنا التوفيق إن شاء الله.
أحمد محمد الشريف
0 التعليقات:
إرسال تعليق