تواضع الكاتب وكبرياء ثراء النص
الحـــــــب ما بين الاصطلاح والرمزية
دراسات نسوية
بقلم د. نجاة صادق الجشعمي - العراق
1 – هل الإبداع تواضع أم غرور أم رسالة ؟
2 – هل يحق للكاتب أن يصاب بالغرور عندما يبدع ؟
إن أزمة الأخلاق ومن ثم أزمة البلاغة في التعبيرالثقافي النموذجي للواقع الثقافي الأدبي والنقدي في الوطن العربي سواء كان ذلك بسبب القلق الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي الجمعي والفتقار إلى الحلول الجذرية المعالجة لقد توالت النكسات وويلات الحروب الطاحنة على المجتمع العربي بكافة أطيافه وطبقاته وفئاته العمرية فلايحق لنا نفي هذه الازمات وتداعياتها ولكن نؤكد بأنها أحد الاسباب بعد أن أصبحنا عاجزين في أيجاد الحلول والتحدي الجدي لهذا الخطر القاتل الفتاك بالحضارات والشعوب وخاصة الشعب العربي ....بعد هذه الكلمات القليلة الموجزة أستأثرني عنوان الرواية للكاتب المستنير ثقافياً ..
( لولم أعشقها )
ماهذا الجمال وأقتناء العتبات كلنا يعرف الابجدية وحروفها الذهبية لكن كيفية الاختيار والتوظيف ومدى أنسجام وتأثير وتحليل وتأكيد الذات والاخر فالعنوان يثير الشك أحياناً وأحياناً يؤكد الجنون والوله وأحياناً يتقن ويرجح التمثيل على القارئ فيعبر لنا رمزياً ب ( لو )
( لو ) هي حرف شرط غير جازم يفيد التعليق في الماضي أو المستقبل ، ويستعمل في الأمتناع أو في غير الإمكان أي أمتناع الجواب لأمتناع الشرط . مثل قول الكاتب ( لو لم أعشقها ) ... هنا تناص مع الاية القرآنية ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم ) (1)..
وقد يكون( لو )حرف للعرض ويقترن جوابه بالفاء وقد يكون حرف للتقليل وأيضًا حرف دعاء ومرة يكون حرف للنفي وكثيرا مايستخدم كحرف يفيد الحض والأمر وأستخدمت لو أيضًا للتعميم والدلالة على المستقبل ...(2 )لكن الكاتب هنا يؤكد لنا عشقه أستخدم لو وألحق بها بأداة الجزم ( لم ) ثم الفعل وهو عشق ، أعشقها .أنا وهي ( الهاء ) في أعشقها داله على المعشوقة هنا تكمن جمالية وتطبيع اللغة وتواضع الكاتب وحنكته الموهوبة بأستخدام كنوزه اللغوية ..كيف تستطيع كاتبة وناقدة مبتدئة مثلي أن تحفر وتنقب وتتأهب للغوص في غياهب نصوص الكاتب لتستخرج الدرر وتفوز في أنتقاء الكنوز الراقية الثمنية باهضة المعنى سواء من حيث الجمال اللفظي مادياً ومعنوياً بالاضافة إلى المتعة بأيقاض الحواس والاحساس فمثل هذه الكنوز متكبرة بكبرياء الاثراء الادبي ..وصيرورة الاحداث والتأملات والعلامات والارواح وأحيانا بعض المقاطع التناصية لروايات عالمية فنحن أمام طاقة أدبية عبقرية وثقافة أبداعية ولغة ثرية رامزة . فهل يعني هذا أن المبدع أستثار عناصر الإثارة والمفاجات في روايته ( لو لم أعشقها ) أبتداً بأختيار العتبة واللوحة التي تمردت على الغلاف وأضافة بعد أختيرت اللون الازرق المتمثل بزرقة السماء ومياه البحر المتوسط التي تتلون بين الحين والحين تارة ابيض وأخرى أبيض مزرق ومرة أخرى فيروزي ومن ثم أزرق قاتم .فهنا كاتبنا يوضح لنا الربط بين السماء والماء في الطبيعة بين الاحساس والحياة بين الشفافية والخوف بين الجدية والمحافظة بين الاخلاص والصراحة والصدق بالاضافة إلى توضيح فلسفة الكاتب من خلال اختيار اللوحة بان الحبيبة أو العشيقة تكاد تجزم وتتخذ القرارات الخاطئه بحق العشيق فهذا يدل أن الكاتب يبحث عن النهج الفكري وليس المادي مع علمنا أن اللون الازرق وفق الدراسات العلمية والنفسية أثبتت أنه لون الاسترخاء وله تأثير أيجابي على القلب والرئتين ويقلل من الشد العصبي ويسيطر على العواطف والمشاعر بالاضافة إلى أنه يعطي الاحساس بالقوة من حيث الاستقرار النفسي والمعنوي لهذا الإختيار سبب هو الإبداع .....( 7 ) ..ثم يستهل كاتبنا روايته بعد الاستطراد فتتمرد صفحات الرواية على العتبة واللوحة بالاهداءات الأول إلى هؤلاء الزناة ..ويعرفهم لنا ويعريهم أمام القارئ المتلقي والدارس والناقد والباحث عن ثقافة الكاتب فيقول : الزنا بالعين والكلام والفكر واللمس والهمس والكتابة والرؤيا بأحلام اليقظة وبالفعل إلى هؤلاء السخفاء الذين يظنون أنهم يلعبون على الرب باتلصلاة والمسبحة وسماع القرآن يوم الجمعة ...والذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد ...وإلى المعبد اليهودي يوم السبت ..إلى الكذابين الوجهاء الظرفاء ..هؤلاء الذين يزنون بالوطن صبحاً ومساءً دون حياء ..ويأكلون أموال الفقراء ...) هنا الكاتب عرى المجتمع وطرح الزنا بصفة أنكفاء الاستعلاء بصيغة أهداء فأصاب الهدف بثقافته المعهودة عندما أشار إلى هؤلاء أنهم يفكرون بنزواتهم وشهواتهم لا بعقولهم فلم يتردد الكاتب ولن يتراجع عن رأيه ولقد أكد الكاتب الانكليزي (أنطوني ناتنغ ) في كتابه ( العرب ) قال : ( أن العرب قوم عاطفيون غير منطقيين إلى حد أنهم يفكرون بقلوبهم لا بعقولهم وهذا ما أكده الكاتب في كتاباته هنا ...ثم يليه الاهداء الاكثر أستغراباً وهو يقول : إلى الكاتب الكبير أخي محمد حافظ رجب الذي كانت موهبته أكبر من حجم الوطن فعذبوه خصيان الأدب وتعذب بعبء حمله مصلوباً على الورق ..) بلاغة التعبير والكلام أضافة إلى نكران الذات وثقافة التفضيل للافضل المهمش ظلماً وقهراً فظل مصلوباً ..ثم يستهل سيرورة الرواية متتالية الاوراق والصفحات الواحدة تلو الاخرى منتقلا بين الام المتنبي وشبل بدران متوضئاً بكلمات السيد حافظ فاضح عشقه لمصر الأم والوطن والاب الحقيقي للمصرين فيقول : ( حين لايتوضأ الحرف يدخل نار البوح فيفضح الكون فيغضب الرب ) ما هذه البلاغة بالكلام والتعبير واللغة الراقية بالمعنى ويسرد الكاتب مشعاً بنور بلاغته اللغوية وهو يصف عشقه فيغرد لمصر : وعشقت مصر بصدق ..هنا أعلن صدق مشاعره لهؤلاء الذين زنوا بالوطن بعواطفهم النتنه ..ولكنه يلوم نفسه بأنه : ولم أكن أعلم أن عشقها خطيئة ..وأكتشفت أن ليس لي وطن غير الكتابة وكل ماحولي جنون ..حين غرد الطير فوق نافذتي تنبهت تعطرت تهيأت توضأت بنور موسم الكتابة الذي أتي لي ...بعد مايأس من عشقه أخذ الورق وطن له فيقول الكاتب المبدع : بين الورق والقلم والهمزة والياء أنفقت العمر هباء .....)) ويؤكد الكاتب أستسلامه لليأس أن النخبة ضالة مصابة بشلل ثقافي منعها من التفكر والتعقل والتدبير فيسأل نفسه ويقول : ( كيف يقودني الوطن إلى الثقة فيه وهو مخلوع الرأس ) ...أختيار بارع في الكلمات والجمل راسماً بارعاً أبدع فيما سرد وأستطرد فيستهل روايته بالعلامات المستوحاة من القران الكريم مستخدمها نمط تمردي أستنباطي لحداثة مابعد الحداثة مستبدل تسمية الفصول بالعلامات وعددها بعدد أجزاء القرآن الكريم (33) علامة أولها (وأكثرهم الفاسقون) ثم أستخدم الفواصل ب (33) روح أولهما ( وقال بعضهم الحب مأخوذ من القلق لان العرب تسمي القرط كما قال الراعي واقر : فسمى القرط حباً إما للزومه الأذن وإما لقلقه وأضطرابه ) .. وأما الصفحة التي تلتها تحمل جزء من رواية غبار الخاطر وأيضًا أستعملها الكاتب كفواصل أبداعية تكونت من (33) رواية عالمية وعربية ليبين لنا أن الإبداع لاحدود له ولا تصده رياح بل هو علاقة بين المثير والاستجابة . بين الروح والعقل بين الواقع والخيال بين الافكار الجديدة المواكبة لزمن الحداثة ومابعد الحداثة وبين الافكار القديمة التقليدية للسرد وبين دمج الافكار الجديدة والاصيلة والمفيدة مع تفاعل الادراك الحسي واللفضي السمعي لينتج من هذا الاندماج أبداع ومبدع لرسالة أنسانية منقوشة بحروف وكلمات ولغة روح وذوق وأنسانية الكاتب المبدع . هذا ما أكده الدكتور ( أحمد عامر ) عندما وجهت له الاسئلة التالية حول الإبداع ...
السؤال..هل الإبداع تواضع أم غرور أم رسالة ؟ وهل يحق للكاتب أن يصاب بالغرور عندما يبدع ؟؟ أجاب مشكوراً بما يلي :
الاجابة تتطلب تعريفات إجرائية لكل ما سبق أولاً ..
فالمبدع متواضع بالقطع أمام تجربته الإبداعية ومخاض كل عمل وغموض كل مسار ألخ والمبدع متعالي بالضرورة ومفارق لكل ماهو عادي وتقليدي ومبتذل وتافه وسطحي وهو ماقد يعتبره البعض غروراً وهو ليس كذلك ..فالمغرور تافه وهو مما يتعإلى عليه المبدع ..ولان المبدع كالنبي قله بالقطع رسالة تختلف من مبدع لآخر ومن عمل لآخر ومن مرحلة لأخرى في مسيرة الاديب والفنان والشاعر وكل البشر لكن هذه الرسالة هي ما تجعل المبدع وثيق الصلة بعالمه الانساني العام وعالمه الخاص والمحلي الاجتماعي لان رسالته موجهه للناس ولا مفر أمامه من معرفة الناس وفهمهم والاحساس بهمومهم وأفراحهم وهذا ماينفي عنه الغرور ويستبعد العزلة لكنه يستخدم لغتهم فنياً ولا كلياً إنما بمنهجه وأسلوبه لتحقيق هدفه وتأثيره لهذا يكون فنان وكاتب مبدع ....
أما الدكتور المهندس رافد نعيم الوداي :
قال : معظم الكتاب غير موهوبين وليس عندهم أي أبداع وهو أشبه بآلة الاستنساخ ..أما الكاتب الموهوب الذي أبدع في كتاباته فقد وصل إلى الحقيقة واوصلها للجمهور أما بالنسبة للتواضع والغرور يرتبط بذات الشخص وتربيته والوسط الذي يعيش فيه أما الإبداع فهو موهبة ربانية طورها صاحبها فظهرت بعلمه وفنه وكتاباته وعمله فمن خلال الإبداع يحقق الرسالة ..
أما الدكتور حيدر مجيد كاظم فيقول :
غرور المبدع لايسمى غرور ولكن نرجسية ، وهي حالة احساس طبيعي لدى الفنان ، ولكنها متفاوته من حيث الدرجة ، فالنرجسية المبالغ بها غير مقبوله وتضر بمستقبل الفنان والكاتب والرسام والشاعر والاديب أما اذا كانت معتدلة فهي ضرورية لإتمام المسيرة الادبية وتطورها ونموها لدى الفنان...
أما الدكتور ماهر عبد الحسين أوجز أجابته بما يلي :
الإبداع رسالة، والغرور مسألة نفسية قد تصيب بعض الكتاب، لكنه ليس حق للكاتب... وبعد توضيح هذه الاراء واستعراضها هنا يكمن الجنس الإبداعي للسرد وخبرة الكاتب الإبداعية في صناعة الحبكة الدرامية وتوظيف الزمان والمكان والحدث ولغته التعبيرية السلسة القريبة للقارئ بالرغم من أستخدامه في بعض الهمسات والحوارات لاظهار البوح وراء سرد منفصل متصل بحوارات ثنائية واحياناً ذاتية فالكاتب هنا يمتلك حضورا لامعاً في شخصية فتحي كأنه ساحرتموج ومضات عشقه نوراً وفكراً وأندفاعاً للخطيئة وذاتاً أبداعية تفتح مسارات للوعي والحرية والمكاشفة للواقع وتعرية المسكوت عنه بجماليات وتجليات الفضيلة ويمنح الكاتب سحر العذاب والجمال والخيانة والعشق والخير والشر والقهر والاستبداد لشخصيات الرواية (لو لم أعشقها ) التي تنتمي إلى ملحمته السباعية ملحمة بصلابة صخور النيل وعذوبته وزقزقة العصافير للارواح السبع وشواطئ عشقه لسهر وحياة والزوجة تهاني التي شبهها بالقط الماو المصري الذي تميز بالذكاء والسرعة في التعلم والرشاقة والهدوء وأجاد التشبيه فالانسان كائن حي كسائر الكائنات تتشابه وتختلف بتجاذب كيميائي وتنافر فيزيائي هكذا كان أبن رضوان يكذب ويكذب مضطرا من أجل عشق طائر البطريق للغزالتين سهر وحياة ضحكت المرأتان جلجلت جدران الكافتيريا ..
النساء الجميلات حين تتلاقى لايتحدثن عن قدرتهن لركوع الرجال أمامهن أو البكاء بين كفوفهن أو مواهبهن في معاقبة الرجال وجعلهم يرفعون اياديهم على الحائط تذنيباً وتعذيبًا...
(وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس) وبعد كل لقاء مؤرق بجمرات عشق سهر وهمسات الجنون وأندفاعات الرغبة وخلاعة الفضيلة الصادمة والخطيئة الاثمة يذكرنا الكاتب بالاية ( وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) فهل ذاكرة الجسد وخيانة الوطن سواء يظل أثارهما باقياً على صفحات خجل التاريخ وأوتار عشق الوطن يتقلب فتحي في السرير ..أكتشفت ان الظهر مر من فوق سقف بيتي ومرت الشمس من على نافذتي ولم تخبرني بشئ ما عن ملاك سيئاتي وذنوبي واخطائي أن مجرد أنذاري يكون ثواباً.
ترى كم من الناس اتصل بي ؟
هل الكتاب أنبياء وعي ؟
هل الوعي مكتسب أم فطري ؟
هل العقول العربية جيناتها ضعيفة ؟
وأكثرهم عاجزون
تستمر أيقاعات وهج السرد حيث تجاوز الكاتب واشتبك بحرارة مع الحقائق والواقع الثقافي المسرطن بالفساد والشواذ والجمود والجموح ليصبح امام وجود من يمتلك شرعية انتمائه للفن والادب للمسرح والرواية ففي هذا السياق السيد حافظ يخبرنا الحقيقة فيقول :
أنا من يستقبلني غالبية المثقفين بالاحضان وكلمات المديح ملك الحروف وسيد المسرح ومجدد الرواية وفي اللجان المخصصة للجوائز تتكالب الخصيان ويطعنون تأريخي وينشرون لحمي ويمنعون الماعون .. ثم يلاقونني فينحنون بالسلام ... (وأكثرهم عاجزون)
فالإبداع حرية دون السقوط في هوة المصنوع سلفاً متميز من حيث نضجه الثقافي الفلسفي مجتاحاً متمرداً مجدداً للكتابة واضعاً بصمته التي ليس لها ثاني ولا شبيه باحثاً عن انتهاج بنية وهيكلية سرد مميز محترف شامخ بهوية حافظية وصيرورة تقنيات روائية تبدو كلوحة أسطورية اختلط فيها الذات مع الموضوع والخاص مع العام وأنشطرت فيها الشخصيات وتحولت إلى ايقاعات ونغمات ورؤى وملاحم تشابكت بشدة التكثيف والدلالة مع واقعنا المتشيطن بلحظات الاثارة لاحلال السقوط والانكسار فاسقط اقنعة الزيف فنحن أمام نص روائي متميز بالتنوع والثراء فلم يعد بؤرة محددة بل هو شكل نمو عبر اختلاف الرؤى وتعدد الانماط وتحول جذري من سلطة المطلق والمجرد والواقع والمحاكاة إلى خصوصيات الذات والتفاصيل وايقاعات الحس والمشاعر والعلاقات الحميمية يا إلهي هكذا فعلت سهر حينما اخذتني في السيارة كان تحت الثوب الفراغ كل الجسج ممشوقاًعارياً ..هكذا تفعل شهوة الجسد بالنساء عندما تقابل رجلاً تحبه للقاء جنسي تنزع ملابسها وترتدي عليه فستان او بالطو او جيبه او جنس ..هكذا تفعل كل نساء العالم ..
وما ابرئ نفسي ان النفس لأمارة بالسوء
قيل ادخل الجنة قلت ياليت قومي يعلمون
بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين )...
ويستمر الكاتب في لمساته الإبداعيه الصاخبة ... وسيرورة الرواية وفق منهج مبرمج لكاتب لم يسبق له الاستسلام أمام التيارات الادبية المألوفة وغير المألوفة التي تصدى لها بلغة جمالية جديدة رغم سهام التجريح ألا أنه أستمر كاتبنا مشاكساً شرساً بنصوصه وأبداعه متواضعاً بأنسانيته هذا ماأكده الكاتب في كتاباته. إذاً مما تقدم يبرز دور الإديب المثقف المؤمن المتحلي الداعم للقيم والتقاليدوالعادات الجميلة والحيوية والمغيروالرافض والمنتفر من التقاليد والعادات السيئة والمتعثرة والمعرقلة لمسيرة الإبداع ولتطور وخلق وبناء جيل خالي من الاضطرابات متحلي بالصدق والتواضع والتسامح متحمل المسؤولية قابل للتضحية من أجل ثقافته ومجتمعه وتراثه . فكل مثقف وأديب وشاعر وكاتب وقاص ورسام وناقد وكافة أبناء المجتمع المثقفين وخاصة الأدباء لو حاولوا جميعاً صفاً واحداً في بناء الواقع الثقافي للمجتمع العربي ثقافياً لما أصابتنا خيبة الأمل والفشل لكن للاسف الكثير وليس القلة من الأدباء يصيبهم الغرور بعد أن أتيحت لهم فرص الحكم والأثراء والإستمتاع بتهميش الإفضل منهم لإسباب ورواسب قد تكون نفسية أو اجتماعية فيستبيح لنفسه بعد ما أخذ من ثقافته الهشة وخبرته المتسكعة منتقداً وحاكماً مستتراً بقالب المبادئ الديمقراطية مع علمه يقينياً أنه أديب غير ناضج ثقافياً بل تقمص الثقافة بمعرفته لبعض المصطلحات وحفظها من هنا وهناك دون السعي للقراءة وثقافة الذات فإذا كان هذا هو مستوى بعض الأدباء وهي الحقيقة المخجلة فإذاً نحن مجتمع بقمة التخلف والإنحدار الثقافي فعلينا تقع مسؤولية التغير لا أعني هنا تغير هيكل المجتمع بل بناء الجيل وخاصة البناء النفسي ...
هنا سؤال يطرح نفسه . (هل الأديب مسئول)؟
الإجابة نعم مسوؤلاً مادام الاديب كاتباً وشاعاً وقاصاً وناقداً ووووو.الخ ..لان الأدباء من المجتمع وينتمون إلى بيئة وهناك أحتمالين الأول أنتمائه إلى بيئة صالحة والثاني ينتمي إلى بيئة فاسدة فلذلك يظهر الفاسد والمصلح المتواضع والمتكبر لذلك علينا أن نعود إلى أنفسنا أولاً كما أشار الله في كتابه الحكيم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)..
فالثقافة تنبع من الذات الانسانية ولا يغرس فيها من الخارج. ويعني ذلك أن الثقافة تتفق مع الفطرة وإن مايخالف الفطرة يجب تهذيبه . فالأمر ليس مرده أن يحمل الإنسان قيماً تنعت بالثقافة ، بل مرده أن يتفق مضمون هذه القيم مع الفطرة . (6) وهنا وجي علينا التنويه إلى عام 1948 عام النكسات والخيبات ودور الاستعمار الغربي في افشاء الفساد الثقافي والبيئي لكن قتئذ ظهر العلماء والمفكرين والمصلحين والمناضلين والمثقفين العرب رغم الإنهيار والفساد وتعشش القيم الفاسدة المدسوسة من الاسعمار الغربي ففشلت محاولاتهم ولم تكتمل بذرة الفساد بالنمو وأصطدام التيارات بالبيئة الصالحة من المجتمع العربي فأصبحوا عناصر تصدي ونجاح فنمى منهم وظهر جيل السبعينات ومنهم المتمرد الثوري المثقف الكاتب الروائي السيد حافظ بماضيه السياسي الوطني القومي العروبي المسيطر على ذاته وامانيه في تطهير الواقع الثقافي وأصلاحه أدبياً وفنياً وعدم تمزيق وأنحلال الموؤسسات الثقافية والاهتمام بالأدباء الشباب الذين سلعبون دوراً مهماً في بناء المجتمع العربي الجديد
يقول السيد حافظ : ( قلت لها أخلعي نعليك عند القراءة لي وتعطري ...) وقول أخر
يقول السيد حافظ : (أنا مدن ولست مدينه ..أنا أنسف كل القواعد القديمة ، وأبشر بجيل جديد يأتي ، جيل يكتب مالم نكتبه نحن ، أنا أفجر الجنون والعظمة،...) (3) من يقرأ هذه الجمل يحكم على الكاتب حكم تعسفي لكن من يتمعن بالكلمات وتواصلها وصيرورتها والزمان والمكان يلاحظ أنها حاضرية ومستقبلية ثم يسترسل الحديث ليؤكد لنا سيرورة عظمة الاداء أي النص والإبداع مع التواضع ...
فيقول السيد حافظ : أنا أفجر فيهم الجنون والعظمة ، العظمة المتواضعة أمام الحرف .. ويأمر الجيل المجنون والقراء أن يتوضأ الكاتب بنور الكلمة أن يصلي ليس بالسجود فقط ولكن بروحه أمام العبارة ... وهذا ما يفعله الكاتب السيد حافظ عند شروعه بالكتابة يباشر بطقوسه الكتابية فيطلق البخور ويستمع لقراءة القرآن عبر التلفاز .. هنا وجب علينا أن نستهل بحثنا أو دراستنا المتواضعة بمعرفة معنى التواضع (لغةً وأصطلاحًا)
1 - معنى التواضع لغةً : التواضع يعني التذلل ، يقال : وضع فلان نفسه وضعاً ، ووضوعاًبالضم ، وضعةً ، بالفتح : أي أذلها. وتواضع الرجل : إذا تذلل ، وقيل : ذل وتخاشع ...
2 - معنى التواضع أصطلاحاً : التواضع هو ( ترك الرؤس، أظهار الخمول ، كراهية التعظيم ، الزيادة في الإكرام وأن يتجنب الإنسان المباهاة بما فيه من الفضائل ، والمفاخرة بالجاه والمال ، وأن يتحرز من الإعجاب والكبر ) . وقيل هو : ( رضا الإنسان بمنزلة دون مايستحقه فضله ومنزلته . وهو وسط بين الكبر والضعة ، فالضعة : وضع الإنسان نفسه مكاناً يزري به بتضييع حقه . والكبر : رفع نفسه فوق قدره ) . وقيل هو : إضهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه ، وقيل : هو تعظيم من فوقه فضله ) ...(4 ) ..
أما تعريف التواضع في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي .
1 – تواضع / ( فعل )
تواضع / تواضع على يتواضع ، تواضعاً ، فهو متواضع ، والمفعول متواضع عليه تواضع العبد : تخاشع، تذلل ،عكسه تكبر من تواضع لله رفعه ( حديث )
تواضع القوم على الأمر : اتفقوا عليه تواضع أهل اللغة على استعمال رموز لأداء أصوات معينة .
تواضعت الأرض : انخفضت
تواضع ما بين القوم : بعد
2 – تواضع ( اسم )
مصدر تواضع ، عرف بتواضه الجم : إظهار الحشمة وعدم التكبر والتعظيم
مصدر تواضع / تواضع على ، أخجلتم تواضعنا: أفضتم في الثناء حتى استحى قدرنا من مديحكم
تواضع : ( أسم ) ، تواضع : مصدر تواضع
4 – متواضع ( أسم ) فاعل من تواضع / رجل متواضع : غير متكبر ، غير متعجرف ...وهذا مارغبت أن أصل له لأبين معنى المتواضع أما المعاني والاستخدامات الاخرى( للفعل وضع وللاسم تواضع ) فالمعاجم كثر والمعاني أكثر وأكثر ....
أما التواضع كخلق في الأسلام فهو صفة محمودة وسبيل لنيل رضا الله ولقد جعله الله سنة جارية في خلقه أذ آمر الله سبحانه وتعإلى أن يرفع المتواضعين وأن يذل المتجبرين والمتكبرين فقال الله عز وجل ( فبئس مثوى المتكبرين ) من سورة الزمر الآية (72)
كما قلنا وذكرنا سلفاً أن التواضع في اللغة هو التذلل أما التواضع عند علماء الأخلاق هو ( لين الجانب والبعد عن الاغترار بالنفس ..
أما التواضع في القرآن الكريم : فلم ترد كلمة التواضع بلفظها إنما وردت كلمات تشير إليها وتدل عليها ..
قال الله تعإلى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون هوناً ) ( سورة الفرقان الآية 63 ) أذ قال القرطبي ( هوناً ) الهون مصدر الهين وهو من السكينة والوقار .. أما في التفسير يمشون على الأرض حلماء متواضعين يمشون في اقتصاد ..أما ابن كثير قال : سكينة ووقار من غير تجبر ولا أستكبار ..( مصدر طريق الأسلام )
والتواضع من خلق الرسل والانبياء /هذا ماقرأنا وعرفناه عن رسول الله (محمد) صلى الله عليه وسلم تواضعه في بيته ومع زوجاته ففي صحيح الأدب المفرد (420 )
قالت السيدة عائشة رض الله عنها : (( ماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته ؟ قالت : ( كان بشراً من البشر يفلي ثوبه ويخلب شاته ) وكان يدخل السرور إلى قلوب زوجاته أمهات المؤمنين ما وجد إلى ذلك سبيلا وكان عليه الصلاة والسلام يكرمهن وينزلهن مكانتهن .. وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التواضع وحث عليه بقوله:
" إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد " ( السلسلة الصحيحة (570) ...
د. نجاة صادق الجشعمى
0 التعليقات:
إرسال تعليق