مقدمة كتاب
التنوع الدلالى فى مسرح الطفل
ما بين التناص والتراث والإخراج
بقلم : نجاة صادق الجشعمى
إن هذا الكتاب يضم كوكبة من النقاد والأدباء والصحفيين والمخرجين من المحيط إلى الخليج حول مسرح الطفل والتجربة الثرية التي خاضها الكاتب السيد حافظ الذي له مشروع متكامل في مسرح الطفل يضم ( 18 ) مسرحية قدمت في تونس والبحرين والإمارات والكويت وقطر والعراق والمغرب. والكتاب الرائعون في هذا الكتاب من مصر والعراق والمغرب وتونس والجزائر والكويت وفلسطين. وهذه التجربة للكاتب العربي المصري لم تتكرر في تاريخ المسرحي العربي خاصة مسرح الطفل حتى الآن .
وقبل أن نبدأ في تقديم هذا الكتاب بشكل تنظيري لابد وأن نبدأ أولاً بمفهوم الطفولة والأسرة ودور المدرسة والمؤسسات المهتمة برعاية الطفولة وتأثيرها على اكتشاف وتنمية المهارات الفنية والعلمية والأدبية والرياضية ....
استهلال لابد منه....
بداية من الأسرة التي هي مهد نشأة الطفل وغرس القيم والأفكار والاخلاق نعترف أنها مهمة صعبة ومعقدة وعمل شاق يحتاج الى جهد عظيم لأنها أي (الأسرة) هي المحور الأساسي والنواة في حياة الطفل وتعتبر الجهة المسئولة عن تربيتهم وتوجيه وتعديل السلوك وذلك عبر مراحل النمو التي يمرون بها. ومن هذه السلوكيات التي يتعايش معها الطفل في أسرته (الأم والأب وأفراد أسرته المقربين) يتزود بكنز من الأفكار والقيم والمبادئ كالحب والكره, الخير والشر, احترام الآخرين, التسامح والعفو, والغضب فيفرق بين التناقضات لهذه السلوكيات لكن هذه السلوكيات تنعكس على شخصيته فينشأ الطفل وهو حامل المقاومات الدفاعية للسلوكيات المغايرة ويصبح يشعر بالحب والمحبة والأمان وينكسر لديه حاجز الخوف وينمي فيه التعبير عن الذات والرغبة في التعلم والعمل بكل ما يوجهه له الوالدان من نصائح. ثم المحور الثاني لتنمية شخصية الطفل تربوياً هي (المدرسة) فالطفل عند التحاقه بالمدرسة منذ الساعات الأولى هنا يكمن دور المدرسة والمعلم إذ يقضي (التلميذ) ذلك الطفل معظم وقته في المدرسة ويختلط مع أطفال من أسر أخرى وسلوكيات وأفكار أخرى وكذلك المبادئ أيضاً متنوعة لهذا يكون عمل المدرسة عموماً والمعلمة خصوصاً عمل شاق ومتعب لكنه مثمر يخلق شخصية هذا الطفل الصغير ويكمل ما غرسته الأسرة ليكون شخصية قيادية سوية محبة للإنسانية والوطن والحياة والتطور فالمدرسة تقوم بمساعدة الأسرة في تقويم وغرس وتحسين سلوك الطفل من خلال الاندماج مع الأطفال الذين يماثلونه بالسن فيتكيف الطفل وتترسخ تلك السلوكيات معه (الطفل) مدى العمر وهذا ينجح من خلال الأنشطة المختلفة وارتباطها بثقافة المجتمع السائدة, أي خلق جو اجتماعي مبني على التعاون والالتزام والاحترام. وهنا تقع على عاتق المدرسة بصوره عامة والمعلم بصورة خاصة الاهتمام وتنشئة وإلقاء النظر على المهارات والتعامل مع الطفل وفق الشخصية, الطفولة, النشأة الاجتماعية, والميول والهوايات, والسلوك. ومن الجدير بالذكر هناك أفعال ووسائل متنوعة ومختلفة لتنمية شخصية الطفل واكتشاف مهاراته وميوله وأهمها الأسرة والمدرسة وتعاونهما ببناء شخصية الطفل السوي وذلك بمتابعة الطفل كأن تقوم الأسرة بعمل جدول زمني أسبوعي للأعمال التي يقوم بها الطفل أثناء وجوده بالبيت. هذا يعمل على تقويم الطفل, مثلا هل هو اتكالي, انطوائي, عدواني؟ هل يرتب أشياءه أم يدعها مبعثرة؟ ملابسه كتبه, ترتيب السرير, هل يلتقي بأصدقائه؟ كيف يتعامل معهم؟ عندما يخرج بنزهه كيف تكون تصرفاته؟ عند اصطحابه إلى دور السينما والمسرح هل يتفاعل ويقوم بتقمص الأدوار للشخصيات؟ عند التخطيط لتركه بالبيت وحده, كيف يتصرف؟ عندما يصحبه والده لدور العبادة أو اصطحابه للعمل سواء مع الأم أو الأب هل يشعر بالملل؟ أم يعبث بالأوراق والسجلات؟ كل هذه تكتب وتسجل لتقويم سلوك الطفل حتى يتسنى معرفة ميوله ورغباته المستقبلية.
السؤال هنا:
بما أن الأسرة (الأب والأم) النواة الأولى لتعليم الطفل, كيف تكون هذه الأسرة ؟
بما أنه المهمة الملقاة على الأسرة صعبة جداً إذاً يجب على الأب والأم التعاون أولاً ثم التحلي بالصبر وانتقاء الألفاظ وتشجيع الطفل معنوياً وأحياناً مادياً إن استوجب الأمر ذلك. التحدث مع الطفل حول أهمية كل فرد للمجتمع وأهمية المهنة التي يقوم بها, وذلك بأمثلة حية ويلتزم بالوعود التي يوعد بها الطفل كي يتعلم الصدق والوفاء وتقيم الأعمال والأشخاص. التحدث مع الطفل بهدوء دون استخدام الصراخ والعقاب لأنه سوف يعرض الطفل للإحباط , اعطاء فرص للطفل في المشاركة ليتعلم معنى العمل التعاوني والوحدة والحرية, مشاركة الطفل في التمرينات الرياضية سيقوي البنية البدنية وتقويم جسده وعقله وحبه للرياضة.
كل هذا من أجل كشف قدرات أطفالنا الفنية الخاصة بالتفكير والاختيار والتعليم الجمعي والتدريب والتعبير عن قدراتهم وميولهم وقدراتهم الحسية وسرعة الاستجابة والحركة والتخلص من الخمول والانطواء فخلاصة ما تقدم يتبين لنا الآتي: الأسرة بالدرجة الأولى هي التي يقع عليها العبء الكبير واللبنة الأساس لاكتشاف شخصية وميول واتجاهات الطفل المستقبلية بالإضافة إلى مساعدة التربية والتعليم ومؤسسات الدولة المتمثلة بالقنوات الفضائية والمسابح والمسارح ودور السينما والمتنزهات ومدن الألعاب والملاهي للأطفال وبرامج الأطفال التي تبثها القنوات التلفازية والإذاعية والنشاطات المدرسية كلها متعاونة في خلق شخصية الطفل ..وأهم الخطوات لاكتشاف ميول الطفل الإبداعية في سن مبكر. كما أوضح ذلك الدكتور (كمال مغيث) الخبير التربوي والباحث في المركز القومي للبحوث التربوية, بقلم (بسمة مشالي) في (مصراوي الالكترونية) في 27/ 10 /2017 , قال : بما أننا ظالمين أطفالنا معنا ونعمل على إجبارهم لتنفيذ الكلام وتقنين إبداعهم فعند شقاوة الأطفال ولعبهم بأثاث المنزل يثير الطفل غضب وانزعاج الأم أو الأب وبالتالي يعرض نفسه لأساليب كثيرة من العقاب دون وعي من الأسرة بخطورة ذلك, فيوضح الدكتور (كمال مغيث)
ثلاث خطوات لاكتشاف مواهب الطفل في سن مبكر وكيفية تنميتها :
1- حرص الأسرة على توفير مشاعر الحب والثقة والأمان للطفل بشكل كبير ليطلق العنان للطاقة الكامنة بداخله المليئة بالفكر والإبداع..
2- واجب الأهل تعزيز المواهب لدى الطفل وعدم إنكار أهميتها واظهار إعجابهم للطفل حتى لو باتت تافهة وغير مهمة على سبيل المثال.. الفتيات تفضل وتحب اللعب بالدمى وتلعب بالفطرة دور الأم وكذلك الرسم والتلوين على الحائط من الممكن أن يكشف عن موهبة الرسم عند الطفل...
3- إجراء حوار بشكل مستمر بين الطفل والأسرة ومراقبة سلوكيات الطفل واهتماماته والأمور التي تجذب انتباهه وتركيزه وتشجيعه على التعبير والمحادثة...
فمن خلال هذا الكتاب ومن خلال الدراسات التي كتبت بأقلام عباقرة النقد الأدبي في الوطن العربي نجد أننا وببساطة شديدة أمام نظام تعليمي للأسف أصابه الخلل وانعكس ذلك على منظومة التعليم وأثر سلبياً بشكل أو باخر على الطفل, فأين مهنة التعليم وأين دور المعلم الذي أصبح يلهث وراء لقمة العيش بالدروس الخصوصية, والتقصير في واجبه أصبح الغائب الحاضر, بالإضافة إلى أساليب العنف والقهر والسيطرة والاستعباد التي يتعرض لها الوطن العربي والحروب والعنف والتهجير القسري والتشرد بالنزوح والاندماج مع مجتمعات أخرى بعيد كل البعد عن واقعنا الاجتماعي وأفكارنا جعل الطفل أمام منعطفات متشابكة وأسلاك شائكة من الأفكار والقيم وبالتالي أدى الى اهمال الطفل وميوله وقدراته وتناسي بذور النماء والتطور ومحط الأمل وقبلة الأحلام والرجاء علماً أن هذا الطفل هو كائن لا يفهم ولا يعي ولا يدرك جعله القدر أن يكون أسفل هرم البناء فيما إذا ولد بأسرة مفككة, بهذا تكون عاملاً رئيساً للانحراف والإجرام كذلك التعليم أيضاً قد يساهم فيما إذا كان المعلم والمنهج لا يخضع لتنقيح من قبل المختصين وأيضا الأهم الأنشطة المدرسية والعروض المسرحية فيما يتعلق بمسرح الطفل والنصوص المسرحية المخصصة للأطفال) إذا ما كانت تحمل الأفكار والقيم الأخلاقية التي تناسب مجتمعنا) الطفل يحمل خيالا خصبا خاضع لعملية الغرس وزراعة الأفكار وبرمجة العقل والميول بحيث تشبع رغبته في التخيل بنفس الوقت نربطه بالواقع الذي نعيشه وذلك عن طريق كتابة الحكايات والقصص الخاصة بالأطفال وفق المراحل العمرية.. أيضاً النصوص المسرحية يجب أن تنمي الأحاسيس وباستخدام أسلوب بسيط سهل غير معقد لأنه تعود على المحاكاة وتصحيح المفاهيم والقيم بشكل مبسط يماشي الطفل عقلياً وتلقياً واستخدام الطبيعة من حوله كالأشجار, الحيوانات, قصص الأنبياء, قصص الواقع التي يعيشها الطفل, تقديم الترغيب, ممارسة التكرار لترسيخ العادات الصحية كتناول الطعام أو غسل الأسنان والنظافة وشرب الحليب للصحة جيدة بعيدة عن الأمراض, أو نص يحقق الحب والأمان وذكر الجنة والنار أمثلة للعقاب والثواب, أو الابتعاد عن المخاطر
والأدوات الحادة واللعب بها والعبث بالنار وغيرها لنغرس عند الطفل المساعدة والإسعافات
الأولية وتجنب المخاطر. لكي نعلم أطفالنا القيم والاعتماد على النفس والإبداع في التفكير والوفاء للذين علمونا ولننمي القراءة عند الصغار ونوجه أعمالنا لتكون مناسبة لميول أطفالنا وخبراتهم وصقلها والتوازن بين احتياجاتهم للعب والتعليم. وأن تكون النصوص تدور حول واقعنا الاجتماعي ملائمة لأعمارهم بعيدة عن المغامرات البوليسية والقتالية العنيفة أي كما يقول الكاتب الكبير السيد حافظ في نصوصه الخاصة في (مسرح الطفل) تجلب المتعة والسرور.. تحرك وتنمي الخيال.. يستخدم الحوار في تذكير الأطفال (البطولات العربية. الشجاعة. المغامرات) التشويق بأسلوب بسيط وسلس مع قدر من الغموض لكي يثير التفكير وتنشيط العقل وبالإضافة إلى استخدام الرسوم والديكورات البسيطة ذات الألوان المبهجة لنفسية الطفل.. وأيضا من يقرأ نصوص الأستاذ الكاتب الكبير (السيد حافظ) يجد النضوج والذوق والجمال والثروة اللغوية وبث القيم في نفوس الأطفال إلى جانب البهجة والفرح والسرور محافظاً على هويته الإبداعية في مشواره الثاني وهو مشروع الكتابة للأطفال وإشراقته الفنية ودوافعه العميقة والتركيز على الانتماء للوطن ونوعية الحكاية.. فأغلب النصوص المسرحية تبدو للأطفال لكنها تحمل مبادئ وأخلاقيات وأفكار للكبار. ويقول من هنا تولدت الرغبة لدي وأخذت تدفعني منذ ثلاثة سنوات وبالأخص ازداد دافعي عند دخول حفيدتي الغالية (لارا علي) إلى المدرسة (مرحلة الابتدائية) وتلك المعلمة التي لم تمتلك الخبرة في تعليم الأطفال (الحروف) وكيفية رسمها ونطقها وكتابتها وعدم استخدام القصة لتشويق التلميذ الصغير ذلك الكائن الذي دخل عالم جديد وهو عالم الدراسة والعلم والكتابة. قد أكون أنانية لكن هذا حال كل الآباء والأمهات يسعون إلى تعليم أبنائهم بدافع الرغبة لأن يكونوا الأفضل والأحسن والأجمل دائماً لذلك.... يزداد اشتعال الرغبة في تناول هذا الكم الهائل من الدراسات التي تناولت المشروع الأدبي للأستاذ المبدع الكبير (السيد حافظ) لقد قمت بتجميع هذه الإضاءات البراقة التي دونتها تلك الأقلام الجادة التي تخلق الحرف وتصقله كالماسات التي تصاغ بعد صقلها لتزين عنق النساء الجميلات فظلت تلك الرغبة تدفعني أكثر لأدون هذه الدراسات هنا بين دفتي هذا الكتاب وما بين الدراسات والتطبيق أشعر بالاقتناع أنني حققت تلك الرغبة لكنني ظللت أتذمر من الحروف لعلها لن تمنحني تلك اللغة التي أستطيع أن أبدع وأتألق في تأطير لغة ونصوص هذا المبدع والدراسات والتحليلات النقدية للنصوص المسرحية للأطفال وبين رغبة القارئ إلى ما يحب ويهوى من قراءات رومانسية وأدبية... لكن الأدب متنوع بل هو صرخة عالية تدعونا أن ننتبه لهذه الصرخة ونستمع ونفهم ونتعاطف لنصنع الإبداع وننمي القدرات إيجابياً..
بدايةً وليس أخيراً.. لا يسعني إلا أن أعبر عن فرحتي وبهجتي وأملي الصادق من هذا الكتاب هو المحافظة على مسرح الطفل وفنونه وقضاياه وحرصنا على الإبداع والتألق والحفاظ على أعمال كبار الكتاب المبدعين ونموذجاً هنا الكاتب الروائي والكاتب المسرحي والقاص المبدع (السيد حافظ) ومشواره مع مسرح الطفل وتجميع كل ما مجد الأدب العربي بهذه الدراسات القيمة حتى يتسنى للباحثين والأكاديميين وطلاب الدراسات العليا الاستفادة منها لاستغلال الوقت والجهد وسرعة الإنجاز بالعمل الأدبي والنقد للأدب العربي المتطور والتجديد لكم ولنا التوفيق إن شاء الله...
مسرح الطفل عند السيد حافظ :
"مسرح الطفل ما يزال في بداية الطريق.. هذا ليس عيباً، ولكن العيب هو ألا يدرك واقعه وألا يتجاوز ذاته باستمرار".
بالفعل مسرح الطفل بهذا المعنى جديد وصعب لأن الالتفاتة إلى هذه الفاعلية لم يتم إلا مؤخراً، الشيء الذي يعني غياب تراكمات سواء على مستوى المقاربة أو على مستوى الإنجاز العملي والفني.
إن الإرهاصات المؤشرة لبداية الاهتمام بمسرح الطفل بالكويت احتضنته مؤسسة البدر " التي أطرتها الأستاذة "عواطف البدر" فاهتمت بمسرح الطفل وآمنت بكينونته وخطورته. وإذا عاينا مسيرة السيد حافظ في رحلة الكتابة للصغار نجد أن مسرحية سندريلا تعد أول محطة في مدن كتابته للأطفال. وقد ارتبط أساسا بمؤسسة البدر، ترى هل حقق مبدعنا نجاحا في مسرح الطفل ؟
ولقد كانت سندريلا نقلة نوعية في الكيف والفكر ليس بالنسبة للمؤلف فقط ولكن للمسرح الكويتي خاصة والخليجي عامة..
1- مسرحية سندريلا تروي حكاية فتاة رقيقة المشاعر، طيبة متجلدة وصامدة بالرغم من أنها تعاني ضروب الذل والعسف من قبل زوجة أبيها " هنود " وشقيقتها " فهيمة ولئيمة ". وفي أحد الأيام يحدث أن تلتقي بامرأة خارقة تساعدها على تحقيق طموحاتها المستقبلية. هذه المسرحية مستمدة من تراثنا الإنساني، وتجدر الإشارة إلى أن كلمة فرنسية أصلها Cendrillon وهي تعني الرماد، وفي المغرب يطلق عليها اسم عيشة رمادة بمعني الفتاة التي تنام في الرماد. ولعل السيد حافظ كما يقول عبد الكريم برشيد " أعطانا تركيبا جدليا لتفاعل الذات والموضوع ؛ أعطانا قراءة متميزة وكتابة مغايرة. فهو قد قرأ الحكاية الغربية بعين شرقية انطلاقا من مخزونه الثقافي ومن وضعه التاريخي الاجتماعي ومن إرثيه الحضاري – العربي الإسلامي... تقول الباحثة نعيمة عبد لاوى إن المسرح سواء كان موجهاً للكبار أم الصغار يجب أن تراعى فيه الأسس الفنية التي تجسد أبعاده المعرفية والأيديولوجية.
2- والمتتبع للعمل الدرامي الموجه للطفل عند "السيد حافظ"، يلاحظ اهتمامه بالمضمون حيث يقدم أفكاراً مناسبة لأبناء مجتمعه في قالب فنى، يعيد فيه ذكريات طفولته ويجددها فى الناشئة. فالسيد حافظ يقول في إحدى اللقاءات الصحفية متحدثاً عن تجربته الفكرية : "فى مجرى نهر الكلمات الأولى عرفت الحرية والإنسان والرغيف فى درب الخناجر والأعلام والدم، عرفت الثورة والفن والتغيير تشرق تجربتي مع أنهم يسلبونها كل يوم قيمة، لكنها تشرق في الأطفال وجذور البحث وبقايا الصدق المترب.
"فالسيد حافظ" لم يكتف بالثورة على الوضع العربي المتأزم، وإنما تمرد على الأصول التقليدية، فابتعد عن الصيغة الأرسطية التي قيدت الكاتب المسرحي عن التعبير بحرية، وحالت دون خلق تواصل بين المبدع والمتلقي. وانطلق من الوجدان الشعبي والتراث العربي من أجل صياغة أدوات معرفية وجمالية مغايرة وقادرة على التعبير عن الهم العربي في الوقت الراهن. مع مراعاة المستوى الفكري للطفل.
" فالسيد حافظ" : إذاً يقدم للمسرح فكراً أكثر منه فناً وقد نجد في مسرحه الطفلي، مسرحيات تحمل شكلاً للصغار ومضموناً للكبار كمسرحية "الشاطر حسن"، ولكن رغم ذلك فالشكل عنده ينبغي أن يرتبط بالمضمون ويناسبه. لهذا نجده فى مسرحياته يحاول توفير العناصر الأولية في بناء المسرحيات من قصة وشخصيات وحوار…
كما يعتمد على البساطة في استخدام الرموز والدلالات حتى يناسب مستوى فهم الطفل ومداركه. بالإضافة إلى كل هذا وذلك نجده يفكر في إيجاد هوية لمشاريعه الأدبية والفنية والسيد حافظ كان يدرك بل متأكد أنه يقدم العمل أو النص المسرحي إلى طفل واع مدرك لأن بطبيعة الحال الأطفال يتميزون بالوعي والذكاء والحس الفني الجميل خاصة إذا جاءت الأفكار حقيقية وواقعية فإنه (أي الطفل) قادر على الاستيعاب....وهذا ما يؤكده الأستاذ (السيد حافظ) في حديث له في كتاب بعنوان (دراسات في أدب الطفل) (الشخصية التراثية الشعبية في مسرح الطفل بالكويت) الطبعة الاولى القاهرة 1996 (نزيهة بن طالب و شنايف الحبيب) ص 101 ((هذا هو مشاهدي العظيم، مشاهدي الذي يصفق من القلب، ويحفظ في القلب كل الكلمات، مشاهدي الذي تحديت به الأساتذة الأكاديميين في كلية التربية في الكويت وأنا تربوي خريج كلية التربية.، يقولون أنت تكتب للطفل أعلى من مستواه، قلت أنا أكتب من مستواه وأتحداكم قالوا إن الطفل لا يفهم في السياسة، قلت يفهم في السياسة. وعندما قدمنا إحدى المسرحيات السياسية للطفل، وكانت (أولاد جحا) كانت الصالة يرتفع فيها التصفيق أكثر مما يفعل الكبار الذين مات في داخلهم كل إحساس بالوطنية نتيجة الظروف السياسية والقهر الاجتماعي على مدى قرون طويلة).. وعندما سئل الأستاذ السيد حافظ أين تجد نفسك.
هل في مسرح الكبار أم في مسرح الأطفال؟ أجاب...
سؤال صعب.. حتى الأن لم أجد نفسي. حتى الآن قدمت أعمالي لمسرح الكبار ومسرح الأطفال وأعمالاً تليفزيونية وإذاعية لم أجد نفسي ولكن ما أذهلني في الحقيقة هو مسرح الطفل بحيث كانت تباع أعمالي بسعر 24 دولاراً لشريط الفيديو في الوقت الذي كانت تباع مسرحيات كبار الفنانين في مصر بـ3 دولارات لشريط الفيديو... رغم هذا لكن أين يجد الكاتب أو الفنان أو المخرج نفسه ؟ هل يجد نفسه في أي عمل مسرحي يحقق وجوده، يجد نفسه لحظة خروج العمل إلى الناس ثم تتوه منه نفسه في تلاميذه، في الشوارع بعد أن يخرج الناس من المسرح، وينفض المسرح وتنطفئ أنواره ويغلق بابه، ويخرج من الصالة أقل الناس متعة لأنه عندما يخرج الناس ومعها مسرحياته، ويعود هو ومعه قلقه الدائم وحلمه الدائم ويبحث ويقول (من أنا)... إن كاتبنا صاحب قلب عاشق للأدب والكتابة سواء في المسرح بكل أصنافه أو القصة والرواية والمقالات والأعمال التلفازية والإذاعية وله ضمير حي يتعذب بعذابات الظلم والاستبداد والقهر.. ويمتلك روح متمردة ونظرات تأمليه وحروفه تتصف أحياناً بالصدامية ترفض كل ما يمس القلب والوطن من سوء لذلك كتاباته مستفزة للبعض والتموقف للبعض الاخر في وجه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ويثبت لنا على مدى مسيرته الابداعية أنه يتعايش مع أبطال كتاباته فهم أيضا أبطال متمردون يحلمون ويبحثون ويساهمون في التجديد والتطوير بالكلمات الحقيقية الصادقة النابعة من جوف المعاناة لمعالجة الواقع العربي المعاصر (المتمارض) بالاحتكار والإرهاب والتشبث بالغرب دون التفكير بالتأثير والتأثر على هذا الطفل الصغير هو رجل المستقبل والغد الأفضل.. فالبعض ينسى هذا الصغير ويبث الأعمال المسرحية لا تمت بصلة للأطفال نهائياً بل ترتبط بقواعد بالية إذا ما قلنا تقليدية بحته لواقع غربي يقدسونها كأنها شريعة أو رسالة من السماء... أين أنا؟ كاتبنا في قلوب وعقول وضمائر القراء العرب أولاً ثم المثقفين الوطنيين ثانياً ثم الأدباء المنصفين ثالثاً ثم في قلب كل شريف يحب وطنه وشعبه ويسعى للتقدم والتجديد، الأستاذ المبدع السيد حافظ يندهش كل من يشاهد أو يقرأ كتاباته، إنه يبحث ويبحث يطرق كل أبواب الأدب فيكتب هنا ويشيد مشروعاً ويبني أساساً لهذا البنيان ويهدم اللبنات المستهلكة أو العوجاء بعد أن يكتشف مواقع الخطأ في هذا البنيان فهو باحث مجرب متماسك مطمئن لسعيه وراء التجديد والتطوير فإنه مثابر لن يركن في الجمود ويقلق ويكتئب ويسعى إلى الروعة والجمال في البناء الأدبي والدرامي والرومانسي والواقعي حباً بالوصول إلى البناء الجميل والرائع أدبياً فالأستاذ (السيد حافظ) لم يعرف الهزيمة والخوف ولا التنازلات بل يؤمن بالعمل الجاد والقيمة الجمالية والأمانة الأدبية ويعطي كل ذي حق حقه لأنه يتمتع بالأمانة والصراحة وأحيانا يعري الواقع ويكشف التفاهات التي بسببها أصبح الإنسان العربي عبداً للمادة يتحكم فيه الوضع الاقتصادي فلم يفرق بين الجميل والقبيح والجيد والرديء والعمل الموجه لغرس القيم والعادات وتصحيح ما تصدع في بناء الطفل العربي.. وما يعانيه الآن الوطن العربي من حروب واعتداءات إرهابية أثرت على نفسية وسلوكيات الأطفال إذا نحن الآن مطالبون بإعداد نصوص مسرحية تتماشى مع التطور التكنولوجي والفكري إضافة إلى الوضع النفسي للأطفال والحالة الاقتصادية للأسرة والمجتمع بصورة عامة مما يعاني من ضغوط اقتصادية إضافة إلى الأوضاع السياسية وصعوبة توفير الأمن والأمان في بعض أقطار الوطن العربي مع كل هذا نحلم ونتمنى من بناء مسرح متطور متجدد وفق المعاير السلوكية والثقافية والفكرية بحيث يتماشى مع الواقع الحقيقي للطفل العربي, إذا تقع على جميع العاملين في مجال أدب الطفل وفن المسرح التعاون لتنشئة هذا الكائن الحي البريء نشأة صحيحة متعافية دون علل ليكون عضوا نافعا سويا خاليا من العاهات المستديمة والمستفحلة واعيا فكراً وفناً وإنسانياً...بطبيعة الطفل الفطرة والتقليد والاقتداء يحفظ ويكرر ما يقال من قبل الكبار لأنه يعتقد أن الكبار لا يكذبون... ففي إحدى الدراسات التي قدمها الكاتب والناقد من المغرب (الدكتور عبد الكريم برشيد) يقول (علينا أن نبدأ دون نقاش بمسرح الطفل والفتيان شريطة أن يكون مسرح أطفال وفتيان مناقض لهذا الذي أعتبر لحد الآن النوع المثالي (أنطونيو غاراسينا)...) في مجلة الحياة المسرحية....
فمسرح الطفل بلا شك كتابة ولكنه قبل ذلك فهو مؤسسة لها هيكلها وفلسفتها وسياستها وبرامجها. فلا يقوم إلا على أساس وجود تخطيط واسع وشامل. تخطيط يراعي بناء الإنسان العربي جسداً وذوقاً وأخلاقاً وفكراً ونبنيه في (المدرسة، البيت، المسرح، الملعب، النادي، الشارع، الحارة) فيصف الكاتب والناقد الدكتور عبد الكريم برشيد ويأخذ نموذجاً مسرحية (سندريلا) للكاتب الروائي والكاتب المسرحي المبدع الأستاذ السيد حافظ. إذ كانت للمؤلف رؤية لخصها في..
1- إن رؤية الكاتب والمؤلف المسرحي الأستاذ السيد حافظ أن فلسفته غالباً ما تظهر في ختام المسرحية فالأستاذ السيد حافظ يجمع الخيوط المتناثرة ليعطينا خطاباً معيناً.
2- طوال عرض المسرحية نتلقى شذرات أخلاقية عن (الصدق والأمانة، الخير والإحسان ورد الجميل) وكالعادة يظهر ذكاء وعبقرية المؤلف هنا بعد أن تقترب النهاية فالمؤلف ملزم أن يعطينا موقفاً فكرياً واضحاً بعد أن أثار قضية خطيرة جداً.. هل ستكون النهاية بالتبات والنبات فتكذب على الواقع والحقيقة وعلى الأطفال.. هل نحرض على الحلم والارتخاء والمثالية السلبية لكن كما ذكرت سابقاً عبقرية المؤلف ورؤيته الفنية والتقنية في كتابة المسرح قدم كل النهايات داخل النص وعلى المخرج أن يختار الأصدق والأنجح علماً أن مسرحية سندريلا من إخراج منصور المنصور وقد حصلت على جائزة أحسن عمل مسرحي للأطفال عام 1983م....هنا توقفت وداهمني الفضول الذي يتملك الكاتب بأن يحصل على حقيقة من المؤلف ذاته فماذا لو فكرت بطرح السؤال على الأستاذ السيد حافظ لنعرف منه الجواب.....
هل نعتبر أن مسرحية سندريلا ( 1983 ) هي بداية مسرح الطفل عند السيد حافظ ؟
أعتقد أنني بدأت مخرجاً لمسرح الطفل في عام 1968 حيث قمت بتجربة مع أطفال ملجأ العروة الوثقى في الإسكندرية والذي يقع بجوار مدرسة الصنايع الثانوية (محمد علي) في الشاطبي وقمت بإعداد قصائد ناظم حكمت وبريخت والتي تدعو إلى التعلم ومواجهة الأمية الأبجدية وكان المسرح عبارة عن فصل أو عنبر خالي من السرائر على حصير ثم طلبت أن تأتي البنات مع الأولاد لكي لا يكون المسرح ذكوري فحدث اشتباك حواري بالإدارة بين مسئول البنين والبنات لتخوفهم من فساد الاختلاط بين البنين والبنات مما أدى إلى تخوفي من تكملة العرض فكنت أدعو جمهور الأطفال اليتامى لحضور البروفات وكنت أفرح جداً لحفظهم الأدوار والأشعار قبل الممثلين وكانت تجربة مهمه للتعرف على عالم اليتامى في الملاجئ وكانت موحية لي لكتابة مسرحية (حبيبتي أنا مسافر، والقطار أنت والرحلة الإنسان) والتجربة الثانية وهي هامة جداً سنة 1972 هي صدور مسرحية الشاعر العظيم صلاح عبد الصبور (مسافر ليل) وكنت مفتوناً بها وبلغتها الشاعرية ومستوى التجريب فيها وكنت أعمل مدرباً للتمثيل في مركز شباب الحرية بالشارع الإسكندراني في الإسكندرية وعرضت النص على الفرقة المسرحية الكبيرة من الشباب فرفضوا جميعا القيام بتمثيلها باللغة العربية الفصحى لعدم فهمهم النص فشعرت بالإحباط الشديد وخرجت من البروفة ووقفت على باب المسرح فوجدت حشداً من الأطفال يلعبون كرة القدم أعمارهم كانت تتراوح مابين (6-12) سنة أعطاهم المدرب استراحة 10 دقائق بين الشوطين فتجمعوا بالظل وجلسوا على باب المسرح وأنا واقف فجاءتني فكرة أن أستعين بهم في مسرحية (مسافر ليل) فقلت لهم هل تحبون أن تمثلوا على المسرح فهاجوا وماجوا وفرحوا كنا في شهر حزيران فجاءوا بعد انتهاء المباراة إلى المسرح حوالي(40) طفلا وأغلقت عليهم باب المسرح وفتحت لهم باب الدهشة حكيت لهم كيف نشأ المسرح وحكاية شارلي شابلن مع أمه وحكاية نجيب الريحاني وعلي الكسار وفاطمة رشدي وسيد درويش وعزيز عيد كل يوم حكاية مسلية ظريفة ودرس في اللغة العربية الفعل والفاعل والمفعول به ثم نقرأ ثلاث صفحات من الرواية ونوزع الأدوار والحركة ونحفظها من الساعة (12-3) بعد الظهر أو يزيد قليلاً ثم فكرت أن أعمق التجربة أكثر وأستعين بالملحن حمدي رؤوف ليلحن أجزاء من المسرحية بكورال من الأطفال يغني هذه المقاطع وكان ضمن هذا الكورال (أمال) الطفلة التي أصبحت فيما بعد زوجة الفنان (أحمد أدم) وكان من ضمن فريق التمثيل من الأطفال أخي (عادل حافظ الذي أصبح كاتباً سياسياً مرموقاً رحمه الله) وابن خالي أمبابي علي أبو اليزيد الذي أصبح ضابطاً مرموقاً في الجيش) وجاء يوم عرض المسرحية فصدمت لجنة التحكيم فالمسرحية من بطولة ثلاث شخصيات الراكب وقاطع التذاكر وعشري السترة فوجدوا أن قاطع التذاكر عشر شخصيات والراكب عشر شخصيات وقاطع السترة عشر شخصيات والكورال مكون من 30 ولد وبنت بقيادة حمدي رؤوف فهاجت اللجنة وقالت هذه المسرحية لا تحصل على شئ وكنت أثناء إخراج المسرحية أقوم بتدريب الأطفال على قصائد محمود درويش وسميح القاسم وبدر شاكر السياب في رؤية إخراجية حركية تحتوي على كثير من جماليات الحركة المسرحية الموازية للشعر فقلت للأطفال بعد العرض سنقدم بروفة لأشعار المقاومة فقام الأطفال وهم في غاية الإجهاد لتقديم الأشعار الحركية فأنبهت اللجنة وقامت تصفق لهم ومنحتهم الجائزة الأولى على الإسكندرية لعدم وجود أخطاء في الإلقاء وسرعة الحركة والتغير على المسرح بين الشطرة والشطرة ففرحت أنهم فازوا وحزنت على الصفر الذي حصلت عليه في (مسافر ليل) وكانت تجربة رائعة مع الأطفال ومن 1973 -1983 انقطعت عن العمل في مسرح الأطفال حتى جاءت سندريلا بتشجيع من السيدة عواطف البدر التي كانت تطلبني مبلغ 1500 دينار فكتبت هذا النص سدادا للدين) أما مسرحية سندريلا حققت ربحاً (مليون دولار) وكانت تقطع التذكرة وقوفاً 10 دولار أي 3 دينار كويتي....
هل كنت تتقاضى أجراً في مركز شباب الحرية مقابل عملك كمخرج لمسرح الأطفال في عام (1971-1973)؟؟؟
- نعم
كم كان الأجر الذي تتقاضاه ؟؟؟
- كنت أتقاضى 3 جنيهات شهرياً بينما كنت أشرب شاي من عمي جمال (5 جنيهات) فأضطر أن أقترض 2 جنيا لأسدد المبلغ لعم جمال الفراش..
هل كان الأطفال يأخذون أجراً أو مكافأة مقابل عملهم معك ؟
لا... لا.. ياخذون أي أجر ولا مكافأة بل حبهم للتمثيل وهوايتهم جعلتهم يتعاون معي.
وفى الكويت كم كان أجرك؟.
كان أجرى فى البداية1500 دينارا وكان هذا الأجر يعتبر أعلى أجر في التأليف لأى كاتب عربي يعيش في الكويت حيث كان من المعروف أن الأجور للكتاب غير الكويتيين فى عام 1980 تتراوح بين 300-700 دينار (منهم محفوظ عبد الرحمن) والتي حصل عليها نعمان عاشور والفريد فرج وأعتبر أن الأجر 1500 دينار نقلة نوعية أو مجنونة في أجور غير الكويتيين مما أثار حقد بعض المؤلفين الكويتيين والفلسطينيين والمصريين والصحفيين المرتزقة في ذلك الوقت وما أكثرهم فتحملت هجوماً غير مبرر أخلاقياً أو فنياً أو نقدياً أو علمياً من يكون هذا المؤلف الذي يعتز بمهنة التأليف المسرحي.. وكيف وافقت (عواطف البدر) على منحه الموافقة على هذا الأجر مما دفعني إلى رفع الأجر بعد ذلك في كل مسرحية بنسبة 30 بالمائة مما أثار جنون بعض المخرجين الكبار.
وفي مقدمتهم المخرج الكبير(سعد أردش) الذي وجه لي اللوم وعرض علي فرقة المسرح الكويتي ورئيس مجلس إدارتها فايق عبد الجليل الشاعر الكبير نصاً للكاتب الكبير (الفريد فرج) بنصف أجري فوافقوا وقدموا التجربة في المسرح الكويتي وفشلت جماهيرياً وفنياً وكذلك قام المخرج (هناء عبد الفتاح) بتقديم تجربة على المسرح لمؤسسة البدر بربع أجري وفشلت التجربة جماهيريا وقدم مهدى الصايغ تجربة بنصف الأجر لمؤسسة البدر وفشلت فشلاً ذريعاً بعد العرض ليومٍ واحد وكانت المسرحية بعنوان (الرجل الآلي). أما الدكتور (عثمان عبد المعطي) قدم نصا تأليفا وإخراجا بربع الأجر وكذلك قام (المنصف السويسي) بتقديم تجربة مع مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك التي كنت قد قدمت لها مشروعاً بإنتاج عشر مسرحيات للأطفال بثلثي أجرى وفشلت فشلا ذريعا وكذلك قامت الفنانة (أسمهان توفيق) بتقديم تجربة تأليفا وإخراجا مع المنتجة الشهيرة (فاطمة حسين) وفشلت بعد ثلاثة أيام من العرض. لقد واجهت حربا شرسا من كبار الفنانين المقيمين في الكويت وكذلك واجهت مؤامرة كبرى من الفنان (غانم السليطي) نجم قطر المعروف وأوقف مشروعاً لإنتاج مجموعة مسرحيات للأطفال لتليفزيون قطر على الرغم من أن التليفزيون قد وافق على إنتاجها بخطاب لي من السيد (محمد الجاسم) مدير عام البرامج وقتها وتوقيع (مانع الهاجري) مدير التليفزيون وقتها وكانت سعادة (غانم السليطي) لا توصف لأنه أوقف المشروع. لم يكن طريقي في مسرح الطفل مفروشاً بالورود بل بالخناجر والإشاعات والمؤامرات أمثال الأستاذ سعد أردش الذى قدم الفريد فرج بديلا عنى بأجر أقل ومن المشاهير هناك في الخليج, وكنت بفضل الله أحقق نجاحات كبرى مع فرق أخرى ومنتجين أخرين مثل أمل عبد الله وعبد الرحمن عقل ومحمد جابر وماجد سلطات حتى ابتعدت عن مؤسسة البدر. كنت أحب مهنة المؤلف وأحترمها رغم أنها غير محترمة في نظر الممثلين والمخرج والإنتاج والسبب أن كثيرا من المؤلفين يخلعون مبادئهم على عتبات المنتجين قبل خلع سراويلهم...
هل هذه من مبدأ المنافسة الشريفة أم الغيرة والحسد؟
لا أعتقد أنها منافسة بل دعارة فكرية وعهر ثقافي فالمثقفون والفنانون يتحدثون عن المبادئ والمثل العليا ولكن نفوسهم وضيعة وكنت بجوار جميع الفنانين دائماً كنت و ما زلت أحترمهم جميعا رغم أفعالهم منهم من رحل ومنهم من بقى. كنت أتناول الطعام في بيت سعد أردش والمنصف السويسي وأسمهان توفيق وأتناول العشاء في فندق شيراتون الدوحة مع غانم السليطي ويطعنني في الصباح في إدارة بالتليفزيون. كل هؤلاء أظنهم أصدقائي وكتبت عنهم مقالات كثيرة كصحفي وكلهم خانوني في مشوار الإبداع المسرحي في المقابل هناك من وقف معي بحب وعشق مثل (الأستاذ احمد عبد الحليم) من مصر ودكتور (وليم يلدا – والدكتور سعدي يونس –والدكتور عباس التاجر – والدكتور بشار عليوي) من العراق وغيرهم من الشرفاء الذين لم أكتب عنهم يوماً أو قابلوني وجها لوجه فهم غرباء فطوبى للغرباء .. ...وبعد أن استعرضنا أجوبة الأستاذ السيد حافظ على أسئلتي أصابني الإحباط والذهول والتعجب في آن واحد, كيف يحدث كل هذا في وسط كنا نظنه أنقى وأزهى وأرق وسط الذوق والفن والإحساس والذائقة الادبية والكلمة الرقيقة الصادقة كيف يحصل هذا في وسط يبث الفرح والمتعة لنا صغاراً وكباراً.
إن الناقد ليس كائناً فوق النص المسرحي وليس شارحاً للنص للعرض المسرحي بقدر ما هو رائي بفاعلية وتعمق مما يساعد ويميز النصوص والعروض المسرحية بمسار الموضوعية التمعنية وبإضافة إضاءة للنصوص المسرحية وتقويمها على وفق المناهج والنظريات التي تعزز هذه القراءة بفهمها وبالتالي استنباط الأحكام, فلذلك تعددت الرؤى لدي الناقد لكي لا يصدر أحكاماً عشوائية خاصة مع الكم الهائل من العروض المسرحية من قبل الهواة المحترفين مما يجب ويحتم على الناقد الالتزام بالمسئولية التي تقع على عاتقهم من الكشف عن ما هو مسرح زائف وتجاري وضعيف ونزاهة النقد تتعلق بجدية وثقافة ووعي الناقد والابتعاد عن القراءة السطحية ومبدأ القرابة والشلل الأدبية والجهات السلطوية على حساب القيم والقيمة الفنية والجمالية والإبداعية للنصوص المتميزة فكثيرون هم ممن يتحدثون عن النقد وعجزهم لكننا كثيرا ما نصطدم بالواقع وما يثيره الواقع الثقافي في الوطن العربي من أزمة متابعة بين ما يعرض ويمثل وما يتم طباعته من نصوص مسرحية في كتب. فلابد من وجود حركة نقدية موازية للإبداع الأدبي فكيف يستمرهذا الإبداع الأدبي بمعزل عن النقد السليم والحقيقي القائم على رؤية واضحة ومنسقة فكرياً والابتعاد عن الاستعلاء والوعظ ...فمن هذا المنطلق التجأت إلى الأستاذ البروفيسور كمال الدين عيد أستاذ الأدب والمسرح والإخراج وطلبت منه أن يكتب مقدمة لكتابي هذا وهو الخبير والأستاذ والعالم والمعلم في مجال المسرح. وكذلك طلبت من الأستاذة الدكتورة فايزة سعد أن تكتب دراسة نقدية (نقد النقد) أي نقد الدراسات التي يحتويها هذا الكتاب والمقالات الصحفية حيث أن الصحافة أصبحت مرجعاً من مراجع النقد والدراسات الأدبية على المستوى الأكاديمي وعلى المستوى الانطباعي العام بعد افتقارنا إلى الدراسات النقدية أو اقتصرت على عدد محدود من الأدباء.. فالأستاذ البروفيسور كمال الدين عيد أستاذ الأدب والمسرح والإخراج وله وجهة نظر, والدكتورة فايزة سعد أستاذة أدب وليست مسرح ولها وجهة نظر وبذلك أكون قد جمعت بين الأدب والمسرح والإخراج. لأنني لست متخصصة في مجال النقد الأدبي ولكن أكتب من باب التذوق والانطباع كشاعرة وكاتبة قصة ورواية. هذا الكتاب الذي بين أيديكم ليس الأول ولا الأخير في تناول تجربة الكاتب السيد حافظ , وليس كتاباً كاملاً خالياً من العيوب ربما هناك هفوات أو سهوات أو الاكتفاء بإلقاء الضوء على هذه الدراسات واستبيان مدى جديتها وضعفها في النقد وليس عمل واحد أو نص واحد ولكنه يبقى نقطة هام مضيئة في تاريخ أدب وفن المسرح فإن أصبت لي أجر وإن أخطأت فلي أجران ويكفيني شرف المحاولة بعد الدكتور علي عاشور جعفر (الكويتي) الذي أصدر كتاباً عن مسرح الطفل في الكويت (عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر والتوزيع) عام 2007 م حيث قام بتجميع ما كتب عن مسرح الطفل في الكويت (تجربة السيد حافظ) فهذا الكتاب يعتبر مرجعاً لمسرح الطفل في الوطن العربي عامة ومرجعاً هاماً لذاكرة مسرح الطفل في الكويت خاصة . فأتمنى في العشر السنوات الأخرى أن يظهر كتابٌ آخر في هذا المجال يضيف إلى هذا الكتاب رؤى نقدية موضوعية جديدة.
نجاة صادق الجشعمي
0 التعليقات:
إرسال تعليق